آفاق تحسين علاقة الإدارة بالمواطن


آفاق تحسين علاقة الإدارة بالمواطن

خلص التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي الخاص بواقع الأنشطة الإدارية بعدد من الدول أن المغرب  من الدول التي تسود إدارتها ظاهرة البيروقراطية وتعاني الفساد في مفهومه الواسع.

أصبحت الحكومات والمؤسسات ملزمة بإدخال ثقافة جديدة في تدبير الشأن العام للخروج من الأزمات التي تعيشها، إذ لا شك أن معظم الدول في الوقت الحاضر تهتم بدراسة وتقييم المشاكل الإدارية التي تواجهها أجهزتها الحكومية، وذلك قصد الدفع بكفاءتها الإنتاجية إلى مواكبة قاطرة التطور، ويسجل أن المغرب من الدول التي تحاول الذهاب في هذا الاتجاه، إذ لجأت إلى إصلاحات إدارية تهتم بالدرجة الأولى إلى تنظيم إدارة الأشخاص العاملين في قطاع الوظيفة العمومية، من خلال ضمان التكوين المستمر والرفع من قدرة الموظفين على أداء مهامهم استجابة لمتطلبات العصر، إلا أنه يلاحظ من الناحية الواقعية سخطا لدى المواطن في مواجهة الإدارة، فرغم أن مقتضيات الدستور تضمن المساواة أمام الإدارة وتضمن حقوق المواطن اتجاه المرفق العمومي، إلا أن الواقع ما زال يعاني إشكالات وممارسات تجعل من المقتضيات الدستورية مجرد نصوص نظرية في هذا الجانب.

نستحضر هنا المذكرة رقم 46 بتاريخ 26 مايو 2004 المتعلقة بشأن ميثاق «حسن سلوك الموظف العمومي » والتي تتضمن مجموعة من القواعد والمبادئ التي تجعل من المفترض إلمام الموظف بواجباته والتزاماته تجاه مرتفقي الإدارة وما يتطلبه ذلك من التزام بمواقيت العمل ولباقة في تواصله مع محيطه ومع المتعاملين معه باتزان ومصداقية وابتعاد عن مظاهر البيروقراطية، إلا أن هذا الميثاق والمجهودات التي تحاول الدولة القيام بها على قلتها، لم يتمكن من وضع  آلية مرجعية لإرساء أسس إدارة حديثة ومسؤولة ومواطنة، تهتم وتأخذ بعين الاعتبار انشغالات المواطنين والاشتغال ضمن ما تقتضيه مقومات التعاون  والانضباط لقواعد الأخلاقيات المهنية.

ومن أهم ما يمكن التنبيه إليه، أن الدول والإدارات الديموقراطية هي التي ترتكز على مبدأ شفافية المعلومات وسرعة تداولها والحصول عليها، باعتبار ذلك أحد الشروط الضرورية للحكامة الجيدة، إذ من اللازم على الموظف العمومي العمل على تكريس حق الولوج إلى المعلومة، كأحد أهم الآليات التي يجب اعتمادها من طرف الحكومة بغاية تحسين تدبير المرافق العمومية.

وما فتئت الحكومة تصرح بوعيها التام بأهمية تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات والمعطيات والوثائق الإدارية التي يحتاجونها، لما لذلك من آثار إيجابية على تحسين علاقة الإدارة بالمتعاملين معها وترسيخ الشفافية في التدبير العمومي، وأنها ما فتئت تعمل على تنمية الإدارة الإلكترونية، ساعية بجد إلى نشرها وتعميمها، وهو ما يُمَكّن المواطنين والمرتفقين على حد سواء، وبشكل متساو، من الولوج إلى مختلف المعلومات التي يحتاجونها بكل يسر وشفافية.

ومن المهم الإشارة إلى أنه من حيث الممارسات، يتفق الجل، إذا لم نقل كل المواطنين، أن الإدارة المغربية تشهد ممارسات من طرف موظفيها، لا علاقة لها بالتصريحات الحكومية وبما هو مضمون بالدستور.
إن الرهان الأساسي اليوم هو تنزيل هذا التحديث بشكل يضمن تحسين علاقة الإدارة بالمواطن عبر تطوير الاستقبال والتوجيه، وتبسيط المساطر الإدارية وتطوير الإدارة الالكترونية بشكل جدي، ودعم الجهود الرامية إلى محاربة الفساد والمحسوبية ومواكبة ورش الجهوية المتقدمة وتكريس قيم الاستحقاق والإنصاف وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الصفقات العمومية ومناصب المسؤولية.

كما أن أهم ما يمكن الاعتماد عليه لتحقيق نجاعة في الإصلاحات الإدارية التي تهدف إلى تطوير الإدارة العمومية، وتحسين علاقة الموظف بالمرتفقين، نجد مسألة تطوير القضاء الإداري وإتمام استقلاليته بإيجاد محكمة إدارية عليا، وذلك لتكريس جدي لمراقبة القضاء لعلاقة الإدارة بالمواطنين والموظفين ومدى تقيدها بمبدأ المساواة واحترامها لحقوق المرتفقين، مادامت أن الإدارة ملزمة بالتقيد بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وكذا قصد تجاوز أحد أهم الإشكالات التي يعانيها المواطنون في علاقتهم مع الإدارة والتي تتعلق بعدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارات من طرف الموظفين والمسؤولين بالرغم من أن الدستور ينص على في الفصل 126 من الدستور الجديد على ما يلي:
« يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء.
يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام «.
فما يتوخاه المواطن من رفع دعاوى ضد الإدارات ليصدر حكما لمصلحته فقط، بل تنفيذ هذا الحكم وتفعيل منطوقه من الناحية الواقعية وملامسته لآثار ما نطق به الحكم بمعنى تنفيذه دون أي تهرب من جانب الإدارة.

ولتحسين علاقة الإدارة بالمواطن نقترح :
– تفعيل المساعدة القانونية للمواطن من خلال تمكينه من معرفة الوثائق المتطلبة لإنجاز الوثائق الإدارية وآجالها.
– إحداث مكاتب للمساعدة القانونية بالمرافق العمومية تتولى دعم إخبار المواطن بحقوقه والتزاماته وبتلقي تظلماته وشكاياته واقتراحاته.
– تسريع وثيرة الانتقال من الإدارة التقليدية للإدارة الإلكترونية تعزيزا للشفافية والجودة.
– تفعيل مبدأ استمرارية المرافق العمومية من خلال تنظيم مداومات يومي السبت والأحد لمواجهة الطلبات والحاجات المستعجلة.
– تفعيل قانون الولوجيات بالمرافق العمومية.
– حسن التنزيل الديمقراطي والسليم لمشروعي قانون العرائض والملتمسات في مجال التشريع.
– إعداد قانون ميثاق المرافق العمومية.
– تفعيل التصريح بالممتلكات وتجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.
– تفعيل تنفيذ الأحكام وتجريم مختلف صور الامتناع عن التنفيذ، أو البطء فيه
– تجريم إهانة أي موظف عمومي للمواطن بمناسبة قضاء مصالحه الإدارية.
-تحفيز الموظفين وتسريع ترقياتهم لتشجيعهم على العطاء والإنتاجية والجودة.
– وضع علامة للجودة للمرافق العمومية ومنح جوائز للإبداع للموظفين.
– إشاعة ثقافة وأخلاقيات المرفق العام.
– تطوير نظام المسؤولية المدنية والجنائية والتأديبية للموظف العمومي.
– إحداث مجلس للدولة كمحكمة إدارية عليا لمراقبة مشروعية وملاءمة قرارات الإدارة ورفع الشطط عن المواطنين.

إعداد:ذ/شكيب مصبير_الكاتب العام للنقابة الوطنية للعدول


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...