أحكام جرائم المال العام في التشريع الجنائي المغرب


       أحكام جرائم المال العام في التشريع الجنائي المغرب

دراسة هذا الموضوع تتطلب تناول – باختصار- المحكمة الخاصة للعدل الملغاة(أولا) بعدها التحدث عن المحاكم المتخصصة في جرائم الأموال التي حلت محل هذه المحكمة (ثانيا)، ثم التطرق إلى الموظفين المقتادين أمام هذه المحاكم ،متى ارتكبوا أفعالا إجرامية تدخل في اختصاصها(ثالثا)، ثم تناول أنواع الجرائم التي قد يتهمبها هؤلاء الموظفين (رابعا)
أولا: التعريف بالمحكمة الخاصة للعدل الملغاة.
أحدثت المحكمة الخاصة للعدل بمقتضى ظهير شريف سنة 1965 ليقتاد أمامها مرتكبي جرائم الاختلاس والتبديدوالرشوة واستغلال النفوذ والغدر، هذا الظهير غيّر بظهير شريف بتاريخ 6 اكتو بر 1972، وكان مقر هذه المحكمةالرباط التي ظلت تستقبل المشتبه فيهم من الذين ارتكبوا الأفعال السالفة الذكر. إلا أنها لقيت انتقادات شديدة من كل المهتمين بحقوق الإنسان وطنيا ودوليا، بحيث اعتبر هؤلاء أن هذه المحكمة استثنائية نظرا لأن النصوص القانونية المطبّقة على الأضناء المقتادون أمامها استثنائية أي لا تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة ،الشيء الذي أدى بالمشرع المغربي أن يتدخل ليلغيها بقانونها، لتحل محلها غرف متخصصة في جرائم الأموال،تابعة لمجموعة من محاكم الاستئناف عبر التراب الوطني ،حددت فى تسع محاكم أعنى تسع غرف جنائية،وكان ذلك ابتداء من تاريخ16سبتمبر 2004.ثم بعد ذلك تم الإبقاء على أربعة ، وسميت بالأقسام بدل الغرف،تم ذلك في04 نوفمبر2011
ولا بأس بالحديث عن بعض الإجراءات القانونية التي كانت تطبق بالمحكمة الخاصة للعدل ، تلك الإجراءات التي جعلت مجموعة من الأصوات تنادي بإلغائها، باعتبارها تخرج عن ولاية القضاء العادي والمتخصص ،من هذه الإجراءات

– كانت المتابعة أمام” المحكمة الخاصة للعدل”: تتميز بتحريكها من لدن وزير العدل أي بأمر كتابي منه، وإن كانت الإجراءات تتم على يد النيابة العامة بها. ووزير العدل- كما نعلم – عضو في الحكومة ينتمي إلى السلطة التنفذية.

– بعض قضاتها – كانوا يعينون أيضا بموجب قرار لوزير العدل، وليس بظهيرشريف باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء- . – عدم قابلية قرارات قاضى التحقيق للطعن، وحتى إن أصدر قاضي التحقيق قرارا بهذه المحكمة بعدم المتابعة ،فإنه كان لا يطلق سراح المتهم، وهذا على خلاف ما جرى به العمل لدى المحاكم العادية ،وهو مخالف لما تعهد به المغرب فى تصدير الدستور الذي ينص على احترام حقوقالإنسان كما هو متعارف عليها دوليا. – أجل الطعن في الأحكام التي كانت تصدره هذه المحكمة كان هو خمسة أيام، والطعن لا يكون إلا أمام المجلس الأعلى-محكمة النقض حاليا-، لدى الغرفة الجنائية.
مثل هذه الإجراءات هي التي دفعت – كما سبق الذكر- بالعديد من الباحثين القانونيين والمهتمين بمجال حقوق الإنسان أن يطالبوا بإلغائها، وهذا ما أقدم عليه المشرع المغربي بتاريخ 15 سبتمبر 2004.
ثانيا: غرف الجنايات المتخصصة في جرائم الأموال بديل”المحكمة الخاصة للعدل.”
أحدثت غرف الجنايات التسع لتحل محل “المحكمة الخاصة للعدل” لتبت في نفس القضايا التي كانت موكولة لهذه الأخيرة، وذلك بظهير شريف رقم 129.04.1 صادر في 15 سبتمبر 2004 بتنفيذ القانون رقم 79.03 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي وبحذف المحكمة الخاصة للعدل()، لقد جاء في مادته الثانية ما يلي: “تحذف المحكمة الخاصة للعدل، تنسخ مقتضيات الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 157.72.1 بتاريخ 6 أكتوبر 1972 المتعلق بإحداث المحكمة الخاصة للعدل….” ونص هذا القانون أنه تحل محل المحكمة الخاصة للعدل غرف جنايات لدى محاكم الإستئناف (المادة 7)، هذه الغرف يوكل إليها البت في القضايا التي كانت من اختصاص المحكمة الخاصة للعدل (المرسوم التطبيقي لأحكام المادة7 من القانون أعلاه).
والقضايا التي كانت تنظر فيها المحكمة الخاصة للعدل هي جنايات الغدر، والرشوة، واستغلال النفوذ، والاختلاسات ،المقترفة من طرف موظفين عموميين (المادة 4 من القانون 79.03)، وبعبارة أخرى فإن غرف الجنايات المذكورة أي التي حلت محل المحكمة الخاصة للعدل تختص بالنظر في الجرائم المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول من241 إلى 256 من القانون الجنائي كما وقع تغيير وتتميم هذه الفصول ().
وتطبق أمام هذه الغرف بخصوص الجرائم المذكورة أحكام قانون المسطرة الجنائيةوالقانون الجنائي (المادة من قانون 79.03).
وللعلم فإن غرف الجنايات هذه كانت تابعة لمحاكم الاستئناف التسع الآتية :
1 _ الدار البيضاء. 2_ الرباط . 3_ فاس . 4_ مكناس . 5_ مراكش. 6_أكادير. 7_ طنجة . 8_ وجدة . 9_ العيون . (المرسوم التطبيقي لأحكام المادة 7 من القانون رقم 79.03) .
لكن مع مرور الوقت تبين أن هذه الغرف لم تعد تواكب التتبع والنظر في الجرائم المذكورة، كما كان منتظر منهالمجموعة من الأسباب،نذكر بعضها:

إن هذه الجرائم رغم زيادتها عاما بعد عام، فإنه لم يكن يحال منها إلا العدد القليل على هذه الغرف ،نظرا للإجراءات المعقدة والطويلة،إذ في الغالب ما تحال عليها من لدن وزير العدل والحريات عبر الوكيل العامحسب تخصص كل محكمة على حدة.
– إن غرف الجنايات لم تفعّل على مستوى الواقع العملي،بمعنى أنه لم تحدث لهذه الجرائم غرف خاصة ،ولا قضاة متخصصين ،إذ فقط كان ينظر فيها ضمن بقية الملفات الجنائية الأخرى،من لدن غرف الجنايات الابتدائية التابعة لكل محكمة معنية على حدة،إذ لا يفرق بينها وبقية الجرائم الأخرى سواء من حيث الأهمية أومن حيث السرعة أو الدقة في البحث فيها .
– إن القضاة الموكول إليهم النظر في الجرائم الذكورة لم يتلقوا تكوينا معمقا بخصوص هذه الجرائم،لكي تتكون لهم النظرة الشاملة للتحكم بدقة في مجريات البحث،وأعني بالتكوين الشق المتعلق بالجانب الاقتصادي والمتمثل فيالصفقات ،دفاتر المتحملات ،العمليات الحسابية ،البورصة،التسيير..،وإن كان منهم من اجتهد لتكوين نفسه بنفسه،دون انتظار الوزارة .
وتبعا لما ذكر فإن وزارة العدل قررت إدخال تغييرات على عدد هذه الغرف بأن قلصت منها،من تسعة إلى أربعة فقط،وأيضا عملت على برمجة دورات تكوينية للقضاة المعنيين،وإرسال البعض منهم إلى خارج الوطن لنفس الغرض.
وما أقدمت عليه الوزارة يدخل في عزمها على توفير السبل الكفيلة لمحاربة الفساد،الذي هو واحد من المطالب المشتركة بين جميع مكونات الدولة.
وهكذا فإن المرسوم رقم2.11.445 الصاد رفي4 نوفمبر2011 المتعلق بتحديد عدد محاكم الاستئناف المحدثة بها أقسام للجرائم المالية ،نص على أن مقرات هذه المحاكمتتواجد في كل من :1- الرباط.2- الدار البيضاء. 3- فاس.4- مراكش .
ثالثا: الموظفون المقتادون أمام غرف الجنايات المتخصصة في جرائم الأموال.
المقصود بالموظف الذي يمكن أن يقتاد للمثول أمام غرف الجنايات المتخصصة في جرائم الأموال ليس ذلك الذي نص عليه الفصل الثاني من ظهير 1958 المتعلق بالوظيفة العمومية أي ذلك الموظف الذي يكون في حالة نظامية بأن يكون مرتب في أحد السلالم المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية ومرسما…، وإنما المقصود بالموظف العمومي كما هو منصوص عليه في الفصل 224 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: “يعد موظفا عموميا في تطبق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام . وبهذا المعنى أن كل موظفا ارتكب جريمة من جرائم الغدر أو الاختلاس والتبديد أو استغلال النفوذ أو الرشوة وثبت في حقه ذلك فإنه تطاله العقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي خاصة الفصول من 241 إلى 256 منه.باعتبار أن هذه الجرائم تكتسي خطورة قصوى كونهاتمس بالشأن العام
رابعا: أنواع الجرائم التي قد يعاقب بها الموظفون المتابعون أمام غرف الجنايات”محاكم الأموال”
كما سبق القول بأن الجرائم التي قد يعاقب بها الموظفون المقتادون أمام أقسامالجنايات المتخصصة في جرائم الأموال هي : جناية الارتشاء (1) جناية الغدر (2) جناية الاختلاس والتبديد (3) وأخيرا جناية استغلال النفوذ(4).
(1)- جناية الارتشاء :
يجد ر الذكر إلى أن المشرع المغربي كان قبل تاريخ 15 سبتمبر 2004 – تاريخ حذف المحكمة الخاصة للعدل _ يأخذ بنظام ثنائية الرشوة، غير أنه تراجع عن هذه الثنائية ابتداء من التاريخ المذكور (القانون 79.03 المشار إليهأعلاه)، وذلك كي يشجع الراشي على التبليغ عن المرتشي، لقد جاء في الفصل 256 من القانون الجنائي كما وقع تغييره وتتميمه أنه : “يتمتع بعذر معف من العقاب الراشي بالمعنى الوارد في الفصل 251 من هذا القانون -أي القانون الجنائي- الذي يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة إذا قام بذلك قبل تنفيذ الطلب المقدم إليه أو إذا أثبت – في حالة تقديمها- أن الموظف هو الذي طلبها وأنه كان مضطرا لدفعها.
ومتى ثبتت الجريمة في حق المرتشي – أي الذي تسلم الرشوة – وهو يتولى أعمال وظيفته بأن كان قاضيا أو موظفا… فإنه يعاقب بعقوبة حبسية من سنتين إلى خمس سنوات، وإذا كان مبلغ الرشوة يفوق 100 ألف درهم فإن العقوبة السجنية تكون من خمس سنوات إلى عشر سنوات بالإضافة إلى الغرامة التي تصل إلى 100 ألف درهم (الفصلان 248 و 249 ق.ج).
وفي حالة التحقيق والبحث في جريمة الرشوة يجب التأكيد:

من صفة الشخص المرتشيle corrompu

ومن الاتفاق الحاصل بين الراشي والمرتشي le corrupteur

البحث في المقابل المحصل عليه
– ثم تحديد الرابطة السببية بين المقابل المحصل عليه أو الموعود به، والقيام أوالامتناع عن القيام بالعمل().
ونحن نتحدث عن الرشوة نستحضر العلاقة التي تربطها بالهدية – خاصة بالنسبة للموظف-،”يٌروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه ردّ الهدية يوما فلم يقبلها،قيل له :كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها.فقال:كانت له هدية،ولنا رشوة،لأنه كان يٌتقرب بها إليه لنبوته،لا لولايته، ونحن يٌتقرب بها إلينا..لولايتنا .
ومعنى ذلك أن الهدية للموظف تعامٌل مع المنصب..بدافع المصلحة الشخصية..ولا مجال فيها للمعاني الإنسانية النبيلة المستهدفة بالتهادي إبقاء عليها واستثمارا لها”.
(2)- جرائم الغدر:la consussion
الغدر يعنى الخيانة وعدم الوفاء في أداء المهمة المكلف بها الموظف العمومي. فمتى أقبل هذا الأخير على إلزام الأفراد بأداء جبايات أو رسوم بدعوى أن القانون هو الذي فرض أداءها والقانون بريء من ذلك، فإنه بفعله هذا يكون قد ارتكب جريمة الغدر المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 243 من القانون الجنائي. فالعقوبة الحبسية التي تطال هذا الموظف – متى ثبت أنه ارتكب الجريمة المذكورة – تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات، بالإضافة إلى الغرامة التي قد تصل 100 ألف درهم.
“ويلحق بجريمة الغدر الحصول على ربح أو فائدة من العقود أو الأعمال التي يقوم بها الموظف باسم الإدارة” .
وجريمة الغدر لا يرتكبها إلا الموظف العمومي،لأن الغدر يعني الخيانة وعدم الوفاء في أداء المهمة المكلف بها بهذه الصفة عن طريق إلزام الأفراد بأداء جبايات أو رسوم بدعوى أن القانون هو الذي فرض أداءها-كما سبق ذكر ذلك-،وإذا لم يكن موظفا وانتحل هذه الصفة فتتم متابعته بجرائم أخرى،إما جريمتي انتحال الوظيفة والنصب(الفصل380-540 من القانون الجنائي)أو جريمة السرقة(الفصل508-510من القانون الجنائي)حسب الأحوال.
وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة،إلا أنه مع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها(يراجع بشأن ذلك الفصل 224من القانون الجنائي).
ومن الأمثلة بخصوص ما ذكر،فإن من طلب أو تلقى غير المستحق من الدولة أو إحدى مؤسساتها،سواء تعلق الأمر بمصاريف تنقل أو تعويض عن ساعات إضافية أو أية تعويضات أو مصاريف تِؤدى مقابل عمل أو خدمة محددة في القانون،وهو يعلم أنه لا يستحق ذلك لعدم قيامه بالعمل أو الخدمة أو يعلم أنه يتجاوز ما يستحقه عن الخدمة التي قام بها فإن ما قام به يكون مكونا لجريمة الغدر.
“ويمكن متابعة مرتكب الجرائم المذكورة بجريمة الاختلاس،مادام أنه أقدم على الاستحواذ على المال العام بسوء نية تحت أي غطاء “.
“وهكذا يظهر أن جريمة الغدر جريمة خطيرة لما لها من مساس بنزاهة الوظيفة العامة،وما يترتب عن هذا المساس من تهديد للدولة وكيانها ومؤسساتها”.
(3)-الاختلاس والتبديد :
المقصود بالاختلاس أو التبديد، هو تحويل الحيازة المؤقتة إلى ملكية تامة.
و يجدر الذكر إلى أن التبديد ليس مجرد تحويل الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة كما هو الحال في الاختلاس بل التصرف في الشيء بأي وجه من أوجه التصرفات…
وللتدقيق في التمييز بين التبديد والاختلاس،”فالتبديد يعني تغيير المركز القانوني للشيء بتحويل وضعه الأصلي على وضع أخر بدون رضا الضحية أو خرقا للقانون،من ذلك بيع الشئ المسلم أو توزيعه أو إتلافه،أما الاختلاس فيأخذ معنى سلب الشئ أو الاستحواذ عليه خفية أو خلسة بسوء نية ضد إرادة مالك الشئ”
ومتى ثبت أن القاضي أو الموظف العمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عمومية… ،فإن العقوبة التي قد تطاله تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات وغرامة قد تصل إلى خمسين ألف درهم (يراجع الفصل 241 ق.ج).
ويسري على هذه الجرائم مبدأ الإثبات الحر المنصوص عليه في المادة 286من قانون المسطرة الجنائية..،كما أنها ليست من الجرائم التي يتوقف تحريك الدعوى العمومية بشأنها على وجود شكوى يتقدم بها المشتكي المتضرر،إذ النيابة العامة باعتبارها ممثلة للحق العام لها الحق في تحريكها دون قيد أو شرط أو وجود شكاية.
ويجد ر الذكر إلى أن العدد الإجمالي لهذه القضايا خلال العشرية الأخيرة لم يتجاوز 458قضية أي بمعدل 44قضيةفي السنة ،علما أن هذا الرقم يتفاوت من سنة لأخرى،فبعض السنوات سجلت نسبا قليلة كما هوا لشأن بالنسبة لسنة 2004التي لم تعرف تسجيل سوى 04قضايا،بالقابل سجلت سنة2007 مامجموعه85 قضية، وقد عرفت السنوات الأخيرة انخفاضا في عدد القضايا المسجلة على مستوى المحاكم بحيث عرفت سنة 2010تسجيل 17قضية،وفي سنة 2011سجلت 26قضية.
(4)-استغلال النفوذ le trafic d’influence:
كل من استغل نفوذه الحقيقي أو المفترض، بأن طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه من الحصول على وسام أو نيشان أو رتبة شرفية… أو وظيفة.. أو أية مزايا أخرى تمنحها السلطة العمومية.. فإنه متى ثبت أنه ارتكب هذه الجريمة يعاقب بعقوبة حبسية تتراوح ما بين سنتين وخمس سنوات وغرامة قد تصل إلى مائة ألف درهم (يراجع العقد 245 ق.ج).
وجريمة استغلال النفوذ تتحقق بمجرد إقدام الفاعل على طلب أو تسليم هبة أو هدية أو أي فائدة أخرى ،من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه من خدمة أو صفقة أو مشروع ناتج عن اتفاق يعقده مع السلطة العمومية مستغلا بذلك نفوذه،فإن انكشافها يضل مستعصيا مادام مقترفها باقيا في مركزه محتفظا نفوذه ،والمعتمد قانونا لاحتساب أمد تقادم جريمة استغلال النفوذ يبدأ من تاريخ الكشف عنها إن أمكن ذلك ،وإلا من تاريخ ترك الفاعل الأصلي للوظيفة أو الخدمة التي جرى استغلالها في ارتكاب الجريمة وإخفائها والمرتبطة أصلا بالوظيفة..،وتتقادم هذه الجريمة باعتبارها جناية بمضي خمسة عشر سنة كاملة عن تاريخ ارتكابها أو تاريخ اكتشافها أو تاريخ الإعفاء من المنصب ،حسب الأحوال.
وتنبغي الإشارة إلى أن هذا النوع من الجرائم يضل ضعيفا على مستوى عدد القضايا المسجلة بالمحاكم ،فخلال العشر سنوات الأخيرة لم تسجل محاكم المملكة هذا النوع من القضايا إلا في الثلاث سنوات الأخيرة ،فطيلة المدة الممتدة من 2002إلى 2008لم يتم تسجيل أية قضية،فيما عرفت سنة 2009تسجيل 07 قضايا،بينما عرفت سنة 2010تسجيل 06 قضاية ،وفي سنة2011 تم تسجيل08 قضايا،ولقد توبع في مجموع هذالقضايا18شخصا
ويلاحظ على هذه الأرقم المسجلة في هذا المجال بأن جريمة استغلال النفوذ لا تتجاوز 0.01 في المائة من مجموع القضايا المسجلة.
“والحديث عن الرشوة واستغلال النفوذ يقتضي التمييز فيما بينهما،فالشخص الذي يستغل النفوذ يتصرف خارج إطار وظيفته، في حين أن الشخص المرتشي في جريمة الرشوة يتجر في وظيفته لا في نفوذه،إذن استغلال النفوذ هو في الحقيقة استغلال للصفة la qualitéلا استغلال للوظيفة la fonction “().”
ولمحارب الفساد المتعلق بجرائم المال العام ، لا يكفي الإصلاح التشريعي بل يجب أيضا الإصلاح المؤسساتي للاقتصاد باعتماد عدة قوانين تهم المنافسة والجمارك والوظيفة العمومية وتبسيط المساطر وتخليق الإدارة وإحداث نوع من المصالحة بين الإدارة والمواطن والتحسيس التربوي والإعلام والمجتمع المدني اليقظ..”().
كذلك لابد من الإرادة والشجاعة لدى المسؤولين في الحكومة المتواجدين في مراكز القرار للكشف عن مرتكبيهذه الجرائم، واتخاذ القرارات الحاسمة بإحالة كل من ثبت تورطه في ارتكابها على القضاء ليقول فيه كلمته في إطار الاستقلالية المخولة له دستورا، وقانونا ،دون التدخل من أية جهة كانت،وبذلك يمكن تحصين المال العام وعدم تعرضه للاختلاس والتبديد .


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...