و إذا كانت القواعد الموضوعية هي مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد حقوق والتزامات الأطراف في علاقاتهم و مراكزهم القانونية كما تحدد مصادر الحقوق كقواعد القانون المدني ، و القانون الاجتماعي و التجاري …، فإن القواعد الشكلية أو المسطرية يراد بها مجموعة القواعد الإجرائية التي يتعين اتباعها لاقتضاء الحقوق التي يقررها القانون الموضوعي ، فهي إذن تتولى تنظيم الإجراءات و المساطر الواجب اتباعها لممارسة الحق أو استعادته أو التقاضي من أجله كما هو الشأن بالنسبة لقواعد المسطرة المدنية و قواعد المسطرة الجنائية .
وليس هناك اتفاق في التشريعات العربية حول اصطلاح موحد يطلق على التخصص القانوني الذي يتضمن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم سلطة القضاء و كيفية الالتجاء إليه لطلب الحماية القانونية ، فالتشريع المصري و الليبي والعراقي يستعمل اسم ” قانون المرافعات المدنية و التجارية ” ، والتشريع اللبناني يستعمل اصطلاح ” قانون أصول المحاكمات المدنية ” و التشريع التونسي : مجلة الإجراءات المدنية و التجارية ، أما التشريع المغربي فيستعمل اصطلاح ” المسطرة المدنية”.
و أيا كانت التسمية التي يمكن اعتمادها فإن الهاجس الأساسي لهذا الفرع من فروع القانون هو تمكين الأشخاص من اللجوء إلى المحاكم المختصة قصد الحصول على أحكام من شأنها أن تضمن لهم التوصل بحقوقهم و التمتع بها و توفر لهم الوسائل التي تضمن التنفيذ الجبري لما على دائنيتهم من واجبات.
من هنا تكتسب قواعد المسطرة المدنية المغربية ، أو القانون القضائي الخاص ، أهمية خاصة إذ بفضل هذه القواعد الإجرائية تنتقل القواعد الموضوعية من حالة السكون حالة الحركة حيث تبين للأفراد المراحل و لإجراءات القانونية و الطرق الكفيلة للحفاظ على حقوقهم و مراكزهم القانونية .
وتعني المسطرة المدنية بمعالجة المراحل الأساسية التالية :
التنظيم القضائي: ويشمل القواعد التي تبين إنشاء المحاكم و تشكيلها و كيفية تعيين أعضائها و حقوقهم وواجباتهم و نظام الأفراد المتعاونين لها.
الاختصاص القضائي : ويشمل مجموعة القواعد التي تحدد المحكمة التي على المتقاضي أن يلجأ إليها وهذا ما يسمى بقواعد الاختصاص.
الدعوى : نجد هنا القواعد المنظمة للوسيلة التي أعطاها القانون لصاحب الحق لحماية حقه بواسطة القضاء و هي الدعوى حيث هناك القواعد المنظمة لقبول الدعوى و قواعد استعمالها و أنواعها المختلفة.
المحاكمة أو الخصومة : يقصد بذلك مجموعة القواعد الإجرائية المنظمة لشكل الأعمال التي يقوم بها الخصوم أو المحكمة بدءا من انعقاد الخصومة إلى انتهائها.
الأحكام و طرق الطعن : تحتل القواعد المنظمة للأحكام وطرق الطعن أهمية متميزة ، بحيث لن تتقرر الحماية القضائية إلا بواسطة الحكم أو القرار الصادر من المحكمة كما أن من يعيب على هذا الحكم له الحق في الحصول على الحماية القضائية من خلال طرق الطعن ، لكل ذلك هناك قواعد لإصدار الأحكام و لآثارها و لطرق الطعن فيها.
خصائص قانون المسطرة المدنية:
لقواعد قانون المسطرة المدنية خصائص متعددة تميزها عن غيرها ، يمكن حصر أهمها كالتالي :
قواعد قانون المسطرة المدنية قواعد شكلية : تتميز هذه القواعد بالطابع الشكلي لأنها تتناول الإجراءات و الأشكال التي يتعين مراعاتها واتخاذها عند التجاء الأفراد إلى القضاء ، و عند تعرض القضاء للفصل في المنازعات ، و إذا كان الشكل هو الغالب في قواعد المسطرة المدنية فإن بعض القواعد يعد من قبيل القواعد الموضوعية التي تنظم الحقوق من لك مثلا : القواعد المنظمة لطرق الطعن في الأحكام ، والقواعد الخاصة بشروط صحة الدعوى.
قواعد قانون المسطرة المدنية منها ما يتعلق بالقانون الخاص و منها ما يعتبر من النظام العام : فالقواعد الخاصة بنزاعات الأشخاص وكيفية الحفاظ على حقوقهم و مصالحهم تعتبر من صميم القانون الخاص ، في حين أن القواعد التي تعنى بتنظيم و تسيير العدالة تعتبر من القانون العام.
تعتبر بعض قواعد المسطرة المدنية من النظام العام : مثل قواعد التنظيم القضائي لأنها تنظم سلطة عامة من سلطات الدولة ، كما أن قواعد الاختصاص النوعي و بعض قواعد المحاكمة و الطعن تتعلق هي الأخرى بالنظام العام لارتباطها بحسن سير القضاء ، في حين لا تعتبر قواعد الاختصاص المحلي و بعض قواعد المحاكمة التي لم يقصد منها سوى مراعاة المصالح الخاصة للمتقاضين من النظام العام .
قانون المسطرة المدنية قانون جزائي : تهدف قواعد المسطرة المدنية إلى رسم السبل الواجب اتخاذها لترتيب الجزاء الذي قررته القوانين الموضوعية و ذلك عند مخالفتها فإذا كان القانون المدني هو الذي يحدد أركان العقد و يعين الجزاء المترتب عند المخالفة فإن قانون المسطرة المدنية هو الذي يحدد لصاحب المصلحة في تقرير هذا الجزاء كيفية الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم بذلك.
قانون المسطرة المدنية يشكل الشريعة العامة لإجراءات التقاضي : يعتبر ق.م.م القانون الإجرائي العام الواجب إتباعه عند الالتجاء إلى القضاء و عند الفصل في المنازعات طالما لا يوجد قانون إجرائي خاص ، و هذا يعني أن القواعد الواردة فيه هي القواعد العامة للإجراءات التي يجب إتباعها و الالتزام بها بالنسبة لسائر المنازعات ، لكن إذا نص المشرع على قاعدة مسطرية خاصة أو قانون مسطري خاص خلافا لقانون المسطرة المدنية فإن القاعدة المسطرية الخاصة تكون هي الواجبة الإتباع.
فالمسطرة المدنية إذن لا تقتصر على الإجراءات المتعلقة بالدعاوى المدنية البحتة بل تشمل الإجراءات الخاصة بالدعاوى التجارية كذلك مع استبعاد الدعاوى ذات الطابع الجنائي أو الإداري لأن هناك المسطرة الجنائية بالنسبة للأولى و المسطرة الإدارية بالنسبة للثانية ،لأن المسطرة المدنية تضم و تهتم فقط بالإجراءات الخاصة بنزاعات الأفراد فيما بينهم بخلاف المسطرتين الجنائية و الإدارية اللتين تبرز فيهما الدولة دائما كطرف في النزاع ، و يبدو جليا من خلال هدف هاتين المسطرتين فالجنائية تعنى بالبحث عن الجرائم و التصريح بوجودها و إدانة أصحابها ، أما الإدارية فهي التي تمكن المحاكم الإدارية من البث في النزاعات التي تنشأ عن تسيير القطاع العام .
لكن رغم هذا الفارق يلاحظ من جهة أن هذه المساطر على اختلاف أنواعها تقوم على نفس المبادئ الأساسية كاحترام حقوق الدفاع ووجود طرق الطعن والتزام المحاكم بالحياد…، ويلاحظ أن المسطرة المدنية تعتبر بالنسبة للمسطرتين الإدارية و الجنائية و حتى التجارية الشريعة العامة التي يلتجأ إليها لسد أي فراغ ينتج عن سكوت هذه المساطر.
هكذا فقد نصت المادة7 من قانون المحاكم الإدارية على تطبيق قواعد المسطرة المدنية أمام هذه المحاكم ما لم ينص نص خاص على خلاف ذلك ، و أكدت نفس القاعدة المادة 19 من قانون المحاكم التجارية إذ أجازت تطبيق قواعد المسطرة المدنية أمام المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية ما لن ينص نص خاص على خلاف ذلك ، وبخصوص قانون المسطرة الجنائية هناك عدة نصوص قانونية تحيل على قانون المسطرة المدنية إن صراحة و إن ضمنا من ذلك مثلا : المادة 368 من ق م ج التي تحيل على مقتضيات ق م م في شأن تسليم الإستدعاءات ، وكذلك المادة 627 من ق م ج التي تحيل على ق م م للتعرض على وثيقة محجوزة ، و المادة 645 من ق م ج التي تحيل على ق م م لتنفيذ الشق المدني من الحكم الجنائي