إثبات النسب بالمغرب بين الـADN و’الابن للفراش’


    إثبات النسب بالمغرب بين الـADN و’الابن للفراش’

أعربت وزيرة الأسرة والتضامن المغربية مؤخرًا​ عن موقف فاجأ الكثيرين، حين أيدت اعتماد فحص الخبرة الجينية “ADN” لإثبات نسب الأطفال المولودين خارج إطار العلاقة الزوجية.​

وحظي هذا الموقف بدعم الحقوقيين، إلا أن تصريحات الوزيرة بسيمة حقاوي، المنتمية إلى حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، يصطدم ببعض التفسيرات الفقهية المحافظة لمفهوم “الولد للفراش” الوارد في حديث نبوي.

فما هو موقف القانون المغربي حاليا من استخدام “اختبار الحمض النووي” لإثبات النسب؟ هل يقر إجباريته؟ وفي أية حالات؟ وما هي الآثار المترتبة عن ذلك في حال كانت النتيجة تدعم ثبوت النسب؟ وهل صحيح أن الدين، أو بالأحرى الفهم المحافظ لبعض النصوص الدينية، يقف عائقا أمام اللجوء إلى تلك الوسيلة العلمية في هذه الحالات؟

سلطة تقديرية للقضاء

“الخبرة الجينية هي من مستجدات مدونة الأسرة”، يقول المحامي، محمد الشمسي الذي يشير إلى أن ذلك الإجراء جاء “لإثبات النسب وفي بعض الحالات لنفي النسب” على حد تعبيره.

ويتابع الشمسي موضحا ضمن تصريحه لـ”أصوات مغاربية”، بخصوص إجبارية الخضوع لتلك الخبرة من عدمها، أن الأمر رهين بـ”المدعي وحجم الوثائق التي يتوفر عليها لإقناع المحكمة حتى تقر اللجوء إلى الخبرة”.

بدوره يوضح المحامي، خالد الإدريسي، أن مسألة الخضوع للخبرة الجينية “تبقى اختصاصا قضائيا محضا” مردفا أن “النص القانوني موجود في مدونة الأسرة منذ 2004”.

وحسب الإدريسي فإنه “لا توجد إجبارية” مشيرا إلى أن القضاء له “سلطة تقديرية واسعة” لقبول أو رفض طلب الخضوع لذلك الإجراء بغرض إثبات النسب.

وفي حال أجري الفحص وكانت نتيجته إيجابية، يوضح الإدريسي، أن ذلك الأمر “تترتب عنه مجموعة من الآثار التي تسمى آثار الولادة ومن بينها النيابة الشرعية بالنسبة للأب، والنفقة بحيث يصبح الأب ملزما بالإنفاق على ابنه الذي يكون له أيضا الحق في الإرث”.

نفس الشيء يؤكده الشمسي الذي يوضح أنه في حال قضت المحكمة بإجراء الخبرة الجينية فإن “المدعى عليه يكون مجبرا على الخضوع لها”، مبرزا أنه في تلك الحالة وإذا ما ثبت نسب الطفل إلى المدعى عليه فإن الأخير “يتحمل جميع الالتزامات الواجبة على الأب تجاه الابن بما في ذلك النفقة والإرث ولكن بدون أن تكون الأم زوجة” ذلك أن المحكمة تثبت انطلاقا من نتائج الخبرة النسب، ولكن لا تثبت تبعا لذلك العلاقة الزوجية.

الحاجة إلى نص واضح

إذا كانت الأمور على مستوى النصوص القانونية تبدو واضحة حسب السالف من الآراء، فإن المسألة تبدو أبعد من ذلك على مستوى الواقع حسب ما توضحه المحامية والحقوقية، عائشة لخماس التي تؤكد أن الأمر “معقد” بشكل كبير.

وحسب لخماس فإن “ما يتم الحكم فيه بالنسب بناء على الخبرة الجينية فقط ابن الزواج وابن الخطوبة” مردفة، في المقابل، أن النقاش ما زال مستمرًا بخصوص القضايا المتعلقة بالأطفال الذين يولدون خارج إطار العلاقة الزوجية أو في غياب صلة الخطوبة بين المعنيين.

وتعود لخماس، ضمن تصريحها لـ”أصوات مغاربية”، إلى قضية أثارت جدلا مؤخرا وتتعلق بحكم أصدرته محكمة الاستئناف في طنجة، ألغت بموجبه حكما ابتدائيا، وهو ما اعتبر سابقة قضائية في المغرب لأنه اعترف بنسب طفلة ولدت خارج إطار الزواج.

وحسب المتحدثة فإن تلك القضية ليست الأولى من نوعها في هذا الإطار، مشيرة إلى وجود عدد من الأحكام التي تسير في الاتجاه القاضي برفض نسب أطفال ولدوا خارج إطار العلاقة الزوجية.

وتشدد لخماس على ضرورة أن يكون هناك “نص قانوني صريح وواضح يحسم النقاش بهذا الخصوص” ويفرض إجبارية إجراء فحص الخبرة الجينية لإثبات النسب بالنسبة للأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج.

منطق فقهي متجاوز

إلى جانب النقاش القانوني والحقوقي لهذا الموضوع، يبرز النقاش الفقهي والجدل بخصوص تفسير مفهوم “الولد للفراش” الذي يعتبر البعض أنه يعني أن نسب الطفل يتم على أساس رابطة الزواج.

في هذا الإطار يعبر الباحث في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي، عن “استغرابه” لكون “حل هذا المشكل يواجه بمنطق فقهي” ويؤكد أنه “أصبح متجاوزا اليوم”.

اقرأ أيضا: منحوها أبا ثم حرموها منه.. محكمة مغربية ضد رضيعة

ومرجع استغراب رفيقي نابع من أنه في الوقت الذي تتم الدعوة إلى “تجاوز ذلك المنطق ومواكبة العصر والتغيرات في حالات حيث توجد نصوص يقال إنها قطعية أو أنها محل إجماع بين العلماء” يتم التعاطي مع هذا الموضوع على نحو مختلف، مع العلم أن “الاجتهاد” في هذا الإطار “أسهل بكثير”، بحسب رأيه.

ويؤكد المتحدث على أنه “لا يوجد نص قطعي في هذه المسألة” كما أنها “ليست موضوع إجماع”، مشيرا في السياق إلى أن “عددا من الفقهاء المتقدمين والمعاصرين ذهبوا إلى جواز إلحاق الأبناء بآبائهم الذين ولدوا في علاقة خارج إطار الزواج” وبالتالي، حسب رفيقي، “حتى الأرضية الفقهية لتبني هذا القول الذي يواكب الواقع والتطور الذي عرفه العلم في هذا الباب موجودة”

وعلاقة بالحديث النبوي الذي وردت فيه عبارة “الولد للفراش”، والذي يستدل به بعض معارضي نسب الطفل المولود خارج إطار الزواج، يؤكد رفيقي أنه “فضلا عن كونه (أي الحديث) مرتبط بسياقه وواقعه الذي كان في ذلك الوقت وبالإمكانيات الوحيدة التي كانت متاحة لإثبات النسب حينها”، فإنه “ورد بخصوص نزاع وخصومة بين شخصين حول طفل معين ونسبته إلى واحد منهما فكان الفصل بأن ينسب إلى فراش الزوجية”.

اقرأ أيضا: في المغرب.. هل تعرف عدد الأطفال المتخلى عنهم يوميا؟

من ثمة يوضح رفيقي أن ذلك الحديث هو “خارج محل النزاع الذي نحن بصدده”، لأن المقصود، حسب رأيه، من كل تلك الأحكام الفقهية “حفظ الأنساب وعدم اختلاطها وعدم نسبة الأبناء لغير آبائهم”.

ويتابع المتحدث مبديا تأييده لنسب الأطفال المولودين خارج إطار الزواج على أساس الخبرة الجينية، إذ يقول إن “اليوم وقد تطور العلم وأصبحت نتائج الـADN قطعية فلا أرى أي مبرر للاستمرار في تضييع حقوق هؤلاء الأبناء سواء المادية أو المعنوية، بمثل هذه الحجج، وأن يتم حرمانهم من الأبوة مع ما يترتب على ذلك من إشكالات متعلقة بنفسية ذلك الطفل واندماجه داخل المجتمع”.                 .maghrebvoices.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 الفرق بين الطلاق والتطليق لشقاق:

 الفرق بين الطلاق والتطليق لشقاق   التمييز بين الطلاق و التطليق للشقاق على المستوى المسطري: ...