إشكاليات الصياغة التشريعية والصلاحية التشريعية في ضوء قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008
المقدمة
المبحث الأول: آلية إعداد النصوص التشريعية }القرارات والأوامر{.
المطلب الأول: إعداد النصوص التشريعية التي تبادر بها الحكومة.
الفرع الأول: آلية صياغة مشاريع القوانين.
الفرع الثاني:الصياغة التشريعية وتقنياتها.
المطلب الثاني: إعداد النصوص التشريعية التي تسن من قبل السلطة التشريعية.
الفرع الأول: معايير الصياغة.
الفرع الثاني: المبادئ الأساسية لتصميم النصوص التشريعية.
المبحث الثاني:تقنيات التشريع.
المطلب الأول: العناصر الأساسية لمحتوى التشريع.
الفرع الأول: عنوان مشروع النص الديباجة.
الفرع الثاني: أحكام النص ونفاذه.
أولا: المقتضيات.
ثانيا: مدلول المادة.
ثالثا: نفاذ التشريع.
المطلب الثاني: تطور النموذج التشريعي.
الفرع الأول: أهمية البحوث و الدراسات.
الفرع الثاني: نماذج لنصوص تشريعية.
الخاتمة
مقدمة
إن تشريع قوانين عادلة وقابلة للتطبيق في المجتمعات البشرية يعد دليلا على وجود ما يصطلح علية في الوقت الراهن, بالحكم الصالح } { Good governance, و هو عنصر مهم لاستقرار تلك المجتمعات و تطورها في الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية كافة ,ولهذا فأن مشاريع القوانين عندما ينتهي بها المطاف إلى تشريعات نافذة , فهي تحمل أحكاما و مضامين لتكون سارية المفعول و النفاذ بعد إصدارها و نشرها بالطرق الرسمية المعتادة , ولتبقى كما هي إلا أن يتم تعديلها أو إلغائها من قبل نفس السلطة التي قامت بسنها ابتدءا .
ومن اجل تجنب التعارض القانوني المحتمل , بين أحكام التشريعات المحلية التي يسنها مجلس المحافظة من جهة و أحكام الدستور والقوانين الاتحادية من جهة أخرى , الأمر الذي أن وقع سيؤدي فيما بعد إلى الطعن به أو عدم الإمكان في تنفيذه مستقبلا, فالضرورة تقتضي أن تتضمن المشاريع القانونية التي سيقرها مجلس المحافظة طبقا للصلاحية الممنوحة له بموجب الدستور العراقي النافذ و قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم المرقم 21 لسنة 2008 , كافة الجوانب الشكلية و الموضوعية الصحيحة , و كي يكون التشريع نتاج عمل متقن وأكثر واقعية واستجابة لمتطلبات التغيير الذي شهده العراق بعد عام 2003 في النواحي الاقتصادية و الاجتماعية والخدمية كافة.
إذ يعد التشريع في معظم بلدان العالم الوسيط الذي تتم من خلاله التغيرات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية، وهو إحدى الآليات الأساسية التي تستطيع بواسطتها الحكومات سواء على المستوى الاتحادي أو المحلي للاستجابة للاحتياجات المتغيرة والمتجددة ﻟﻤﺠتمعاﺗﻬا. فظلا عن ذلك يعد التشريع وسيلًة فعالة لتوفير إطار عمل مستقر يستطيع من خلاله المجتمع والمؤسسات الحكومية تنظيم شؤوﻧﻬا بدرجة معقولة ومقبولة قانونا و واقعا.
لذلك فإن العديد من الدول التي تأخذ بالنظام الاتحادي أو اللامركزية الإدارية في الحكم , تسمح للحكومات المحلية وفقا لدساتيرها أو بقوانين تشرع لهذا الغرض إلى المبادرة لاقتراح النصوص التشريعية أو تعديلها لتحقيق هذه الغايات، وكذا كلما بدا لها أن هذا الإجراء سيسهم في تحقيق الأهداف المحلية وبما ينسجم مع السياسة العامة للدولة المعتمدة أو المرسومة في إطار برنامج عملها أو مخططاتها
ولكي يكون النص التشريعي سليمًا من الناحية القانونية ومُتسقا مع أحكام الدستور`النافذ والقوانين الاتحادية السارية المفعول , ومُصاغا بدقة و وضوح فلا بد من أن يمر عبر محطات من الفحص و التدقيق من خلال لجان قانونية تتمتع بخبرة جيدة في مجال المهارات التحليلية والكتابية عند إعداد أي مشروع لنص تشريعي .
ولندرة البحوث أو الدراسات المتخصصة في بحث كيفية إعداد النصوص التشريعية التي يضطلع بها مجلس المحافظة طبقا للصلاحيات الممنوحة و المقرة له وفقا لقانون المحافظات النافذ , سيتم البحث في كيفية إعداد النص التشريعي المتقن , للإسهام في إعداد مشاريع لا تحتمل المعارضة القانونية الصريحة أو المخالفة لمبدأ التدرج التشريعي , ونقصد هنا أحكام الدستور العراقي من جهة والقوانين الاتحادية النافذة من جهة أخرى و بالتالي الإسهام في دفع العملية التشريعية المحلية نحو تحقيق استقرار وتنمية على كافة الأصعدة التي تهم أبناء المحافظات العراقية.
و سيتم البحث في مراحل تحضير وإعداد مشاريع القوانين} القرارات والأوامر{ مع التطرق إلى بعض القواعد والمبادئ التي عادة ما يتم الاعتماد عليها في مراحل التشريع , بالإضافة إلى ذكر بعض تقنيات التشريع التي يُلجأ إليها عند إعداد مثل هذه التشريعات مع بيان أهمية البحوث والدراسات في هذا اﻟﻤﺠال وذكر عدد من النماذج التشريعية التي يمكن لمجلس المحافظة من سن التشريعات في ضوئها .
إن أهمية البحث في هذا الموضوع بالذات , أي الصياغة التشريعية , تكمن في عدة حقائق الأولى : هو ندرة التعرض إلى هذا الموضوع على المستوى الأكاديمي لدى المتخصصين في حقل القانون في العراق , كما إن الباحثين القانونين العرب لم يتطرقوا إلى هذا الموضوع وفق المنهج العلمي , والحقيقة الثانية : تتجلى في أن التغيير الذي حصل في العراق وما افرزه من تغيير في بعض النظم القانونية المعروفة في العراق} بمركزيتها التشريعية{ , وبروز دور مجالس المحافظات كسلطة تشريعية محلية لا سيما في ضوء قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 وهو قانون حديث التنفيذ , دفعني إلى اختيار البحث في هذا الموضوع نفسه للنقص الكبير في مفهوم إعداد التشريعات المحلية التي يمكن أن تسهم بدرجة كبيرة في تلبية الحاجات المتزايدة لسن تشريعات محلية رصينة بعيدة عن الارتجال وعدم الدقة التي عرفت بها المرحلة السابقة من خلال تطبيق الأمر 71 الذي نظم صلاحيات مجالس المحافظات من الناحية التشريعية و الرقابية , ليكون هذا البحث دليلا قابلا للتطبيق من مجالس المحافظات في سن التشريعات المحلية وفقا لقانون المحافظات المرقم 21 لسنة 2008 .
المبحث الأول: آلية إعداد النصوص التشريعية القرارات والأوامر.
إن صلاحية اقتراح التشريعات تُتْرَكُ عموما للحكومة, أي السلطة التنفيذية , من حيث الأصل في الاختصاص وذلك بأعداد نصوص تشريعية ,بينما يجوز للسلطة التشريعية القيام بأية مبادرة تشريعية من قبيل اقتراح النصوص التشريعية., وقد اعتمد الدستور العراقي هذا المبدأ إذ نصت المادة 2 \57 الفقرة” ألف” منها بالذات على هذا المبدأ بالنص}: مشروعات القوانين تقدم من قبل رئيس الجمهورية و مجلس الوزراء { وبالقياس على ذلك يمكن للمحافظة اقتراح نصوص تشريعية وعرضها على مجلس المحافظة للنظر فيها وإقرارها أو طلب تعديلها بعد استحصال مشروع القرار العدد الكافي من أصوات أعضاء المجلس , على اعتبار أن المحافظ و ما يمثله كرئيس للسلطة التنفيذية, اقدر على معرفة الحاجة إلى تشريعات محلية أو تعديل النافذ منها . لذلك سنتطرق إلى مراحل إعداد النصوص التشريعية التي تبادر ﺑﻬا الحكومة المحلية }المحافظات { بدرجة أساس في هذا البحث .
المطلب الأول: آلية إعداد النصوص التشريعية على المستوى المحلي
إن الحكومة المحلية المتمثلة بالسلطة التنفيذية }المحافظة{ , لها حق باقتراح مشروع الموازنة العامة للمحافظة , وهو تشريع مهم وضروري للمحافظة ككل ,لذا يمكن للمحافظ باعتباره الرئيس ألأعلى للسلطة التنفيذية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة , اقتراح نصوص تشريعية أخرى لا تقل أهمية عن تلك التي تختص بمشروع الموازنة العامة للمحافظة .
أن مبدأ التدرج التشريعي, قد أقَر بوجود ثلاثة أنواع من التشريعات, هي: الدستور والتشريع العادي المتمثل بالقوانين, و التشريع الفرعي المتمثل بالقرارات التي يعبر عنها في مصر باللوائح, والتي تصدر عن السلطة التنفيذية.
إن قانون المحافظات النافذ قد أناط مهمة إصدار التشريعات الفرعية إلى مجلس المحافظة التي سماها بالسلطة التشريعية المحلية , بدلا من المحافظة التي تعرف بأنها السلطة التنفيذية , وبهذا فقد خرج القانون المشار إليه عن القاعدة العامة المعمول بها في كثير من دول العالم ولا سيما مصر وفي هذا الإطار لابد من طرح عدة نقاط جوهرية قبل أن تخوض الحكومة المحلية أو مجلس المحافظة في مرحلة النقاش أو إعداد أي نص تشريعي, ومنها:
أ : البحث عن الفضاء التشريعي المتوافق و أحكام الدستور و القوانين الاتحادية النافذة , وفي هذا الصدد , لم يكن قانون المحافظات النافذ موفقا في تنظيم هذه المسألة وهو شرط التوافق , إذ يطرح السؤال التالي : ما هو الفضاء التشريعي الممكن لمجلس المحافظة من الانخراط فيه لتنظيم قضايا محلية مهمة بقرارات تشريعية في ظل و جود قوانين اتحادية نافذة غطت بمعظمها كافة الشؤون الإدارية و التنظيمية ؟
و كان الأولى أن ينظم المشرع هذا الأمر بطريقة مختلفة وعلى شقين : الأول , بتعديل القوانين الاتحادية المركزية التي سنت قبل عام 2003 , كي تنسجم مع النظام الذي اخذ به قانون المحافظات النافذ و هو اللامركزية الإدارية, والثاني , بأن تُعدل المادة }2 { من قانون المحافظات النافذ بحيث تُعدل العبارة من : } بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية النافذة { بأن تصبح } للمجلس إصدار التشريعات المحلية بما لا يتعارض مع الأحكام الجوهرية العامة للدستور و القوانين الاتحادية النافذة { .
ب: إعداد مشروع النص التشريعي من لجنة قانونية تشكل لهذا الغرض.إذ يُمكن لكل محافظ ، على أساس انه الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة ,تشكيل لجنة قانونية من المتخصصين تبادر بتحضير مشاريع القوانين في إطار الصلاحيات التنفيذية، وتطبيقًا للسياسة المرسومة ضمن برنامج عمل الحكومة، إلاَّ أنه و من حيث المبدأ، وقبل الشروع في عملية الإعداد يتوجب على اللجنة القانونية المكلفة بإعداد النصوص التشريعية مراعاة ما يأتي :
- الأهداف التي تريد الحكومة المحلية “المحافظة”, تحقيقها من خلال النص التشريعي.
- الوسائل التنظيمية و/أو المالية التي يُمكن رصدها لتحقيق هدف الحكومة المحلية,
- الآثار القانونية الايجابية والسلبية المتوقعة عند تطبيق النص والآليات المطلوبة لتنفيذه،
- الأثر المالي المتوقع بعد إقرار النص التشريعي من مجلس المحافظة،
- الفوائد المحتمل تحقيقها من النص بين مختلف فئات اﻟﻤﺠتمع,
- التأكد من إمكانية تنفيذ أحكامه دون أية عوائق.
ويستحسن أن تخضع مشاريع القرارات التي يُبادر ﺑﻬا أعضاء اللجنة القانونية المتخصصة بأعداد النصوص التشريعية إلى التشاور و المداولة مع مدراء الدوائر المعنية ضمن حدود المحافظة الإدارية , مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الحكومية المحلية بكافة أبعادها مصادقة اللجنة المكلفة بإعداد النص التشريعي, ويتم تحضير هذه النصوص وفقا للدستور العراقي والقوانين الاتحادية النافذة والإجراءات المعمول ﺑﻬا في هذا الميدان وفي إطارٍِ تشاوري يُحقق الأهداف المتوخاة من برنامج عمل الحكومة.
و يستلزم هذا الأمر بأن تقوم الجنة المكلفة بإعداد مشروع القانون أن توَسِّعَ، عند الاقتضاء، الاستشارة إلى جهات غير حكومية }خبراء، مختصين، مهنيين…الخ{، كون هذا الإجراء قد يُمَكِّنُ اللجنة من الحصول على حلول فنية أكثر وُضوحًا من جهة , و يسمح للحكومة بأن تكون أكثرَ استجابة لاحتياجات المؤسسات الحكومية و المواطنين بأحكام النص من جهة أخرى ، فضلا عن تكريس الشفافية في سنّ النصوص القانونية و بيان أسباب اختيار السياسات التشريعية المعتمدة .
و لكي يُحقق مشروع القانون الغاية المرجوة منه يُستحسن أن تقوم لجنة قانونية محترفة بصياغة مسودة أولية، وتقوم بعدئذٍ بسلسلة من إجراءات التثبيت وذلك بمراجعة النص عدة مرات، لأن الإجراء سيُمَكِّنُ صانعيه من التعرض لكل المسائل الأساسية و الفرعية , التي قد تحتاج إلى المزيد من العناية و الاهتمام والتدقيق.
و عند اختتام إعداد المشروع التمهيدي للنص التشريعي، يُرْسَلُ مصحوبا بعرض الأسباب إلى مجلس المحافظة الذي يتولى مهمة النظر بمشروع القرار و مراجعة نصوصه ومناقشته من اللجنة القانونية في مجلس المحافظة. مع العلم أن مجلس المحافظة يعد السلطة التشريعية التي تتولى سن التشريعات المحلية، لكوﻧﻬا تُمثل الجهاز المتخصص في هذا الميدان. ويٌمثل إرسال مشروع النص إلى مجلس المحافظة بداية المرحلة الرسمية لعملية دراسة أحكام المشروع ومن ثم المصادقة علية كما هو أو طلب التعديل مشفوعا بالأسباب.
وفي هذا الإطار يُوَزَّعُ مشروع القرار على أعضاء المجلس واللجان الفرعية لإبداء الرأي حياله وإدراج الملاحظات حول شكله ومضمونه، ويتولى مجلس المحافظة بعد استلام آراء وملاحظات أعضاء المجلس عقد اجتماعات مع ممثلي الدوائر المعنية، وتهتم خلال هذه المرحلة على التَّحَقُّقِ من سلامة النص التشريعي ومدى مطابقته مع القوانين المعمول بها , ومراعاة الانسجام مع التشريع الاتحادي وكذا التركيز على ضبط صياغة أحكام النص وفق تقنيات التشريع المتبعة ومبادئ التصميم التشريعي الذي سيتم التطرق إليه لاحقا في هذا البحث .
ولرئيس المجلس بعدئذ أن يقترح تسجيل المشروع في جدول أعمال اجتماع مجلس المحافظة، ومتى حظي مشروع القرار بالمصادقة على أدراجه في جدول أعمال المجلس , ويُعدٌ التصويت على مشروع القانون بالقبول بالأغلبية المطلقة , المرحلة الختامية للتشريع.
إن التحدي الأكبر الذي يواجهه مجلس المحافظة باعتباره سلطة تشريعية محلية تتمثل بحقيقتين اثنتين هما:
- المجال التشريعي المتاح , أو كما يعبر عنه الفضاء التشريعي, إذ من الصعوبة بمكان البحث في ذلك , في ظل تشعب القوانين الاتحادية و تداخل بعضها مع البعض الأخر, هذا من جهة, و تحديد المجالات التي يمكن إن يقوم المجلس بتنظيمها بطريقة التشريع من جهة أخرى, .
- تفًهم السلطة القضائية لهذه التشريعات , على أساس أن السلطة القضائية هي سلطة مختصة بالإشراف على حسن تطبيق القرارات و الأوامر التي تصدر عن المجلس ومحاسبة المخالفين لأحكامه , حيث اعتادت السلطة القضائية النظر في القضايا المعروضة أمامها و ألناشئه عن تطبيق قوانين اتحادية , وليست قرارات أو أوامر محلية كما هو الحال علية ألان في ظل قانون المحافظات النافذ . وبهذا غالبا ما تكون العقوبة التي تصدر بناءا على تطبيق قرارات مجلس المحافظة ذات الصفة التنظيمية هي من قبيل مخالفة للأنظمة و التعليمات .
الفرع الأول: آلية صياغة النصوص التشريعية:
اتسمت اغلب التشريعات المحلية التي صدرت عن مجالس المحافظات عموما , بعدم الدقة من حيث الصياغة القانونية , ناهيك عن الأخطاء اللغوية و النحوية , كما كان أكثرها يتسم بالارتجال والخصوصية , مبتعدة بذلك عن شروط القاعدة القانونية , التي تتصف بالتجرد و العمومية وإمكانية التطبيق بوجود جزاء على من يخالف أحكامها , ويعود السبب في ذلك إلى عدة حقائق , منها عدم وجود مراكز قانونية متخصصة في كيفية صياغة التشريعات , أضف إلى ذلك إن المشرعين المحليين لم يكن معظمهم يجيد الفن التشريعي بسبب عدم خبرتهم إضافة إلى إن مجالس المحافظات و لا سيما تلك التي كانت تعمل وفقا للأمر 71 الصادر في 2004 , قد أسأت فهم أحكام الأمر 71 بسبب عدم وضوح أحكامه مرة ,بالإضافة إلى النقص التشريعي الذي اتصف به القانون السابق مرات عدة , مما أسهم و إلى حد كبير في عدم وضوح صلاحيات المجالس التشريعية و الرقابية من جهة و التدخل في صلاحيات السلطة التنفيذية من جهة أخرى . وفي ضوء ذلك لابد من أن يلتفت إلى هذا الأمر المهم من خلال إشراك عدد من العاملين في مجالس المحافظات سواء أكانوا موظفين حقوقيين أم أعضاء مجلس المحافظة الذين يضطلعون بمهمة إعداد مشاريع النصوص التشريعية بدورات تخصصية في تقنيات التشريع , والحل الثاني , هو بتأسيس معهد وطني متخصص بالتشريع أسوة بمعهد الخدمة الخارجية أو المعهد القضائي , يتكفل بإعداد جيل من المتخصصين بفن التشريع , كما هو الحال في الكثير من دول العالم .
وفيما يخص موضوع بحثنا في هذا الفرع , عادة ما تملي تقاليد الصياغة القانونية على أسلوب التعبير القانوني طابعا مميزا ، وفق القواعد التي لابد من مراعاﺗﻬا عند صياغة النصوص التشريعية أو تحديدها , وفي هذا الإطار لابد من الاعتماد على ما يلي:
* الاقتصار في تضمين مشروع القرار على المبادئ التي تؤدي وظيفة قانونية،
* تعديل التشريعات النافذة بوضوح وبطريقة محددة،
* تفادي الجمل والعبارات والمواد الطويلة المؤلفة من جمل عديدة،
* تجزئة المواضيع الأطول إلى فقرات أقصر متضمنة فيها الأحكام القانونية بشكل منطقي متسلسل.
* استخدام المصطلحات القانونية المناسبة للتعبير عن المفاهيم القانونية،
* إتباع أسلوب موحد في ترتيب الكلمات و مراعاة قواعد اللغة العربية,
* مراعاة الانسجام واﻟﻤﺠانسة في استعمال المصطلحات مع استعمال نفس المصطلحات للتعبير عن نفس الحالة ومصطلح آخر للتعبير عن حالة مغايرة عند وجود ضرورة لذلك،و في هذا الإطار إذا لم يتم استعمال المصطلحات بدقة و تجانس, تكون النتيجة الارتباك من حيث التأويل و التنفيذ.
* الابتعاد عن استخدام الكلمات الزائدة أو المتكررة، وهنا يجب اختيار كل كلمة واردة في مشروع القانون بانتباه و تأن, إذ إن القول بعكس ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى تعدد المعاني بسبب عدم التوفيق في اختيار الكلمات, فالقصد من كل كلمة أن يكون لها معنى محدد.
* الابتعاد عن استخدام العبارات المبهمة والمصطلحات الغامضة أو غير الواضحة،
* استخدام نظام موحد ومنسق لترقيم المواد والفقرات والجداول.
وتتطلب جميع مشاريع القوانين صياغة عدة نسخ من المسودة على أن تتم مراجعتها حتى يمكن التعرض لكل المسائل التي تحتاج إلى المزيد من العناية والاهتمام في النسخ التالية منها. إذ لا يمكن القول بصحة أن يتم إعداد نسخة واحدة فقط , كونها لن تغطي كل الجوانب المراد تضمينها في مشروع القانون
إن الصياغة القانونية المحترفة, تتطلب أن يخضع كل حكم من أحكام النص التشريعي إلى تدقيق محدد للتثبت من سلامتها والتأكد من أن النص يُحقق الغاية المقصودة منه بالكامل وبأفصح أسلوب.
الفرع الثاني: الصياغة التشريعية وتقنياتها
إن ترجمة الخطط الحكومية إلى برنامج عمل تشريعي من مجالس المحافظات يتطلب مهارات الخبرة الإدارية والقانونية, بقصد وضعها على شكل قواعد قانونية عملية وفعالة و واضحة تسمح بجعل الخطط الاقتصادية و الاجتماعية و الخدمية المرسومة من قبل الحكومة المحلية قابلة للتطبيق بنجاح. ومن ثم فإن عملية صياغة القوانين هي وظيفة جوهرية لأي مبادرة تشريعية , لأن جودة النصوص التشريعية ودقتها و وضوح مفرداتها , تسمح بفهم مضمون النصوص واحترامها وتعمل على تطبيقها تطبيقا سليما دون تأويلات أو منازعات واسعة النطاق، لذلك يتوجب على صانعي التشريع مراعاة معايير الصياغة الصحيحة
و من اجل فهم مبررات الصياغة التشريعية السليمة سيتم البحث في طرق تفسير النص التشريعي في حالة وجود نزاع حول معنى مفردة أو حكم ورد في القانون , مع العلم بأن وسائل التفسير يقصد بها مجموع الوسائل التي يستعان بها من اجل الوقوف على المعنى الحقيقي الذي قصده المشرع عند سنه للأحكام التشريعية .
إذ لا يكاد يخلو نص تشريعي من الخلاف حول تفسير مفرداته , ومقاصد المشرع بعد إقراره للتشريع , والاختلاف مرة ينبع من خلال سوء استخدام المصطلحات القانونية , أو ضعف الصياغة , ومرة أخرى بسبب اختلاف مصالح الأشخاص الذين ينطبق عليهم التشريع , أو للسببين معا ,
و عادة ما يستهدف التفسير ثلاثة أشياء :
أولا : الوقوف على المعنى الحقيقي للألفاظ الواردة في التشريع ,
ثانيا :بيان القواعد القانونية المشتركة بين التشريع موضوع التفسير والقوانين الأخرى ذات الصلة
ثالثا :بيان المراكز القانونية للمستهدفين من المشروع و واجباتهم و حقوقهم.
و بالتالي نرى أن التفسير ما هو إلا اختبار على فحص دقة الأحكام ومدى ملاءمته للمقاصد الرئيسيةِ من التشريع , إذ إن أول ما يستند إليه القاضي في التفسير , النص ألتشريعيي , وهنالك فرضيتان سيكتشفها القاضي , وكما يلي :
أولا : حالة النص السليم .
ويصد بالنص السليم , ذلك النص الذي يشير إلى معناه بذات صيغته من غير توقف على أمر خارجي , وفي هذا الشأن فان القاضي يبحث عن المعنى الضيق للنص و لا يتوسع فيه , ويعمل على تطبيقه على النزاع المعروض أمامه , فلا يجوز له التعديل أو الاجتهاد بعيدا عن المعنى العادي للألفاظ وإنْ فعل خلاف ذلك فسيصطدم بالقاعدة الأصولية , التي تقضي بأنه ” لا مسوغ للاجتهاد في موضع النص ” أو ” لا اجتهاد في موضع النص . ويجب عندها البحث عن المعنى المستفاد من عبارة النص مع عدم التقيد بألفاظ النص لفظا وإنما ينبغي البحث عن معنى النص بمجموع عباراته , إذ العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ و المباني .
ثانيا: حالة النص المعيب .
إن عدم الدقة في إعداد النصوص التشريعية يكون على أربعة وجوه , منها أن يكون النص التشريعي مشوبا بالخطأ المادي , أو نقصا في ألفاظه , أو غموضا في معناه , أو أن يكون حكمه متعارضاً مع نصوص تشريعية أسمى منه و في هذه الحالة على المفسر أن يزيل العيب , وله أن يرجع إلى الأعمال التحضيرية , كأن تكون سلسلة محاضر الاجتماعات والنقاشات التي دارت من السلطة التي سنت القانون.
المطلب الثاني:المطلب التشريعي وكيفية صياغة التشريعات المحلية.
سيتم التطرق في هذا المطلب إلى كل ما له علاقة بالتشريع من حيث الصياغة والمعايير التي تتبع عند الإعداد لها وذلك في فرعين اثنين:
الفرع الأول:معايير الصياغة التشريعية:
يتوجب أن تتم الصياغة التشريعية وفقا للمعايير الأتي ذكرها , حتى يتم التوصل إلى نصوص تشريعية تتسم بصياغة سليمة وتؤدي الهدف المرجو منها :
- واضحة و مصاغة بشكل دقيق ،
- موجزة لا تحتوي على نصوص زائدة أو غير ضرورية،
- مترابطة الفقرات ومتجانسة من حيث المضمون, و الشكل ،
- ثابتة ومتسقة مع الأحكام الأخرى الواردة بالقانون نفسه أو أحكام القوانين الاتحادية النافذة الأخرى.
و يتوجب أن تكون الصياغة:
- شاملة لكافة النواحي الأساسية للقضية محل التشريع،
- قابلة للفهم من طرف متلقيها.
و مما بجدر ذكره في هذا المقام , إن صياغة القوانين تتطلب بالضرورة مراعاة الترابط مابين القوانين والمنهجيات المتشاﺑﻬة والالتزام بالتقاليد المألوفة سواء فيما يتعلق بنمط التعبير والصياغة أو الأسلوب المستعمل.
- توحيد مصطلحات الصياغة:
سيلاقي كلٌّ من المشرع ومتلقي التشريع صعوبًة , إذا ما تمت صياغة القوانين بطرق مختلفة، بحيث يتبين عدم الانسجام في الأسلوب التشريعي المتبع فيما بين أحكام القوانين و بين نمط التعبير عنها وأشكالها وأساليبها ومصطلحاتها.
و رغم أن كل القوانين يجب أن تُكتب بالطريقة التي تكون أكثر فاعلية لإيصال محتواها إلى عامة الناس، إلاَّ أن توحيد المصطلحات شيء مطلوب بل ومرغوب فيه كلما أمكن ذلك.
الفرع الثاني: المبادئ الأساسية لتصميم النصوص التشريعية:
يتطلب النص التشريعي ترتيب أحكامه في تسلسل منطقي لأن تصميم أحكام النص في شكل منظم ومتجانس يُسَهّلِ فهمه وتطبيقه من طرف متلقيه،
لذا يقع على عاتق المشرع تجميع الأحكام المتصلة بمشروع القانون مع بعضها البعض وإحداث فصول أو أجزاء منفصلة لهذه اﻟﻤﺠموعات المتباينة من الأحكام مع اعتماد المبادئ الآتية:
* بيان أهداف القانون في مستهله، وذلك بتخصيص المادة الأولى لذلك للإشارة إلى المقصد الأساسي للنص ،
* درج الأحكام الرئيسة قبل تلك الأحكام الفرعية التابعة لها أو المكملة لها،
* درج الأحكام ذات التطبيق العام قبل تلك التي تتناول حالات خاصة أو معينة فقط،
* ذكر الأحكام التي تنص على حقوق و واجبات وسلطات وامتيازات قبل تلك التي تنص على كيفية ممارستها أو تطبيقها،
* ذكر الأحكام التي تنشئ الهيئات قبل تلك التي تحكم أعمالها وأداءها لوظائفها،
* درج الأحكام الدائمة قبل تلك التي ستطبق لفترة محدودة من الزمن كما هو الحال في المراحل الانتقالية، قبل استعمالها بالفعل في النص،
* ذكر المفاهيم والمصطلحات الأساسية المستعملة في القانون ويستحسن hن تذكر في مقدمة مشروع القانون.
* ذكر الحالات التي ينطبق عليها نص التشريع و تلك التي لا ينطبق عليها, قبل ذكر الأحكام المتضمنة القواعد الموضوعية.
المبحث الثاني: التقنية التشريعية.
يقصد بها الوسائل العلمية التي تستخدم في صياغة النصوص التشريعية على أفضل وجه, مع مراعاة الآليات والضوابط التي اعتادت اللجان القانونية المتخصصة بالتشريع على تداولها عند إعداد مشاريع القوانين وذلك بشكل مميز و في ظل المبادئ والقواعد المفصلة أعلاه.
و سيتم البحث في هذا المبحث في مطلبين اثنين: الأول في العناصر الأساسية التي لا بد أن يتضمنها النص التشريعي قبل سنه, بينما سنبحث في الثاني في كيفية تطوير النموذج التشريعي.
المطلب الأول: العناصر الأساسية لمحتوى التشريع.
يجب أن يحتوي النص التشريعي على البيانات الأساسية الآتية التي تشكل بمجملها هيكل ذلك النص , إذ سيتم بحث ذلك في الفرعين الآتيين وهما :
الفرع الأول: عنوان مشروع القانون والديباجة:
إن عنوان مشروع القانون يمثل المظهر الشكلي و الموضوعي لأي نص تشريعي , وبالتالي لابد أن يكون العنوان قصيرا و ومختصرا قدر الإمكان بحيث يسمح للمتلقي فهم القضية التي يهدف المشرع التصدي لها عن طريق أحكام قانونية محددة,
وسواء أكان مشروع القانون على سبيل القرار أو ألأمر , لا بد أن يكون مصاغا بدقة ويؤدي المقصد العام لمضمونه , على أن تُستعمل، حسب الحالة، صيغة” يتضمن أو يحدد أو يتعلق ” , وإذا كان معدِّلا ً أو متمما: َفتُسْتعمل عبارة ” مشروع قرار أو أمر مُتمم أو ُمعدل ” , أو هما معا ويضاف له رقم وتاريخ وكذا العنوان الكامل للنص محل التعديل أو التتميم.
كما تقتضي الضرورة بعد ذكر عنوان مشروع القانون التطرق إلى الديباجة, وتعرف على أنها المقدمة الافتتاحية لمضمون التشريع, يتخللها في معظم الأحيان المقاصد التي يهدف المشرع من ورائها إلى سنها, ولا بد أن تحتوي على العناصر الأربعة الآتية:
أ: السلطة التي سنت النص, فعلى سبيل المثال, ذكر عبارة” مجلس المحافظة “مع ذكر المادة القانونية التي منحت المجلس صلاحية التشريع،
ب: وضع المقتضيات أو التأشيرات التي تُعدٌ القاعدة القانونية المرجعية لاعتماد النص,
ج: الاستشارات: ويمكن ذكرها في حالة ما إذا كانت هذه الاستشارة قد أجريت بالفعل , كالإشارة إلى رأي مجلس شورى الدولة أو المحكمة الاتحادية العليا.
الفرع الثاني: أحكام النص التشريعي و نفاذه.
قبل الولوج في مضمون أي نص تشريعي لابد من أن تأخذ السلطة التشريعية بعين الاعتبار طرح قضايا جوهرية تمثل بمجملها النص التشريعي ومضمونه, وهي:
*ما هو الغرض من النص التشريعي و نطاقه ؟
*علام يتضمن هذا التشريع ؟ وماذا يجب أن ينص ؟ و لماذا تضمن هذا المضمون بالذات ؟.
* من يستهدف المشروع , ومن ينتفع منه بعد التشريع ؟ ومن يضره ؟ و هل هنالك أية استثناءات من التطبيق ؟ .
* ما هي الحقوق و الواجبات التي يتضمنها المشروع , أو المسؤوليات التي يحددها مشروع النص ؟
* هل الإجراءات المتبعة في النص التشريعي عادلة و معقولة ؟
و لا بد من مراعاة عدم التعارض بين مضمون النص التشريعي و أية أحكام قانونية أخرى سواء أحكام دستورية أم قانونية عادية , و بالتالي لا بد من الإجابة عن هذه التساؤلات قبل الشروع بسن مشروع القانون وهي :
- هل أحكام النص التشريعي متوافقة مع أحكام الدستور العراقي النافذ ؟
- هل يتوافق مع أحكام القوانين الاتحادية النافذة , و بالخصوص قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم المرقم 21 لسنة 2008 ؟ .
تُمثل أحكام النص مجمل المواد التي تتضمن تدابير قانونية مرتبطة بعضها ببعض ويُعَبَّرُ عنها بمضمون النص أو موضوع النص، وهو القسم الذي يحتوي على مجمل القواعد التي تم سنها على شكل مواد وفقرات سواء كانت نصًا جديدًا أم نصًا تعديلياً, وتُصاغ هذه القواعد وفق التقنيات والصيغ القانونية.
ولما كان النص يتضمن عنصرين اثنين أحدهما شكلي والآخر موضوعي, فإن كليهما يتطلب مراعاة تقنيات التشريع المتبعة، مع إعداد خطة محكمة يتم وضعها على أساس طبيعة المادة، و موضوع النص، على أن تُرَتَّب المعلومات والأفكار في صيغة موحدة ومتتالية في التدرج.
وتُصاغ مواد النص في فقرات على أن يُراعى التوازن فيما بينها, وكذا منهجية التقديم التدريجي في الموضوع باعتماد قواعد الصياغة القانونية ومبادئ التصميم التشريعي السالف الذكر.
ويُمكن عند صياغة النص , الاستئناس ببعض الخطط المتشاﺑﻬة والمستعملة في نصوص سابقة.
وتُفتتحُ أحكام النص التشريعي عَادًَة بمادة ﺗﻬدف إلى ذكر مضمون أحكامه ومجال تطبيقه..
وكثيرًا ما تبتدئ المادة الأولى لأي نص تشريعي بتلخيص مقاصده الأساسية على أن توضح بصياغة منسقة.
وتكتب المادة الأولى عادة “بالحروف” في حين أن باقي المواد اللاحقة تُكتب وتُرتَّب بالأرقام:
…………….. المادة 2
…………….. المادة 3
…………….. المادة 4
………..والمادة 5 وهكذا.
أولا: المقتضيات والأسانيد
إن المقتضيات أو ما اصطلح على تسميتها أحيانا بالتأشيرات، تُشكل القاعدة والأساس القانوني لأي نص تشريعي، وهي أشكال ضرورية لا بد من مراعاتها عند إعداد النص التشريعي، وتتمثل أساسًا في ما يلي:
أ –السلطة التي سنت النص وقد تم تناولها فيما سبق في هذا البحث،
ب – أحكام الدستور المخولة للسلطة حق التشريع و أحيانا الأحكام ذات الصلة بمضمون النص التشريعي،
ج – النصوص السابقة التي لها صلة بالنص التشريعي قيد الإعداد.
و لابد عند وضع النصوص المعتمدة ضمن الديباجة أن تُذْكر عنواناتها كاملة وتُرَتَّبُ اعتمادا على قاعدة التسلسل التدرجي, وكذا تاريخها بَدْءًًا بأحكام الدستور ثم القوانين الاتحادية إن وجدت ثم القرارات والأوامر.
ثانيا : مدلول المادة القانونية
تدل المادة على فكرة أو تدبير معين أو حكم معين أو قاعدة قانونية في مفهوم القانون. لذلك يستحسن أن تخصص مادة لكل فكرة. وقد تكون الفكرة رئيسة متبوعة بأفكار ثانوية لتوضيح هذه الفكرة الرئيسية وهي تشكل في مجموعها وحدة إنشائية. وعند تحرير نص طويل يُستحسن كما أشرنا إلى ذلك في المطلب الخاص بالتصميم التشريعي إلى تقسيم أحكامه على شكل أبواب أو فصول أو أقسام بما يضمن هيكلية منسجمة لأحكام النص.
و يتوجب أن تُحَرَّرَ مجمل الأحكام بطريقة واضحة، حتى يتسنى تطبيقها بصفة سليمة، مع استحسان استعمال الجمل التي تؤدي غرض قانوني , إضافة إلى استعمال المصطلحات والألفاظ التقنية المتداولة في النصوص القانونية واعتماد الإحالة إلى التنظيم لمعالجة مسائل معينة عند الضرورة.
ومن الجدير بالذكر أيضا أنه يستحسن أن يكون النص التشريعي مصحوبا بعرض ألأسباب الموجبة للتشريع, بحيث يتضمن شرحًا مفصلا لكل مضامينه وأهدافه ومقاصده. وإذا كان مشروع النص ينطوي على تعديل أو تتميم فيتضمن عرض الأسباب, مرفقة بذكر أهم التعديلات المدرجة ودوافع و بواعث ذلك. ويُعتبر عرض الأسباب شرطا لازما لقبول أي مشروع أو اقتراح قانون أمام مجلس المحافظة ويفضل أن يصاحب مشروع النص في جميع مراحله.
ثالثا: نفاذ التشريع.
يمر التشريع بمرحلتين حتى يصبح نافذا , وهما مرحلة الإصدار و مرحلة النشر , وفيما يخص مرحلة الإصدار} promulgation {, فهو يعد عملاً قانونياً يقوم به رئيس السلطة التنفيذية المعهود إليها التنفيذ بنفس الوقت , وذلك لتحقيق أمرين اثنين و هما : الأول تسجيل وجود التشريع من الناحية القانونية و الثاني تكليف دوائر الدولة التنفيذية منها بالذات بتنفيذ أحكام التشريع كل حسب اختصاصه ومن الجدير بالذكر أن التشريع الفرعي هو من اختصاص السلطة التنفيذية وليس التشريعية , إذ تقوم بها السلطة التنفيذية ممثلة بأعلى موظف على الملاك الإداري للسلطة التنفيذية وهو أن يكون رئيس جمهورية , على المستوى الاتحادي , و إما أن يكون الرئيس التنفيذي الأعلى على مستوى المحافظة وهو المحافظ , إذ إن الأصل في إصدار التشريعات سواء كانت دستورية أم عادية أم فرعية هو من اختصاص السلطة التنفيذية , ذلك إن عملية الإصدار هي بمنزلة إقرار بوجود تشريع صحيح شكلا و موضوعا , وتتضمن تكليفا لموظفي الحكومة بتنفيذه , و هو بمثابة شهادة ميلاد للتشريع , فضلاً عن كونه تأكيدا لمبدأ الفصل بين السلطات.
أما النشر} publication { فعلى الرغم من أن الإصدار يعد التسجيل الرسمي لوجود التشريع من الناحية القانونية , إلا إن ذلك لا يكفي للعمل به و تطبيقه على الآخرين , و من هنا تأتي أهمية النشر ليمثل الأداة والوسيلة للعلم الافتراضي للعموم , إذ عبر عنه الدكتور كريم رجب , بأنه ” إجراء يقتضيه المنطق و العدالة معا ” , إذ لا يمكن محاسبة الأفراد و إيقاع الجزاء عليهم , إذا ما خرجوا على حكم القانون و دون أن تهيئ لهم الوسيلة الكافية للعلم به ” .
وفي هذا الصدد لا يغني النشر إلا في الجريدة الرسمية ,بحيث لا تكون هنالك قيمة قانونية فيما لو تم النشر في الصحف أو الجرائد أو إلاعلانات التي توضع في الأماكن العامة , وهنالك خلاف فقهي , حول تأريخ العمل بالتشريع , أهو من تأريخ نشره بالجريدة الرسمية أم أن هنالك فترة تمنح لإثبات العلم بأحكام التشريع الجديد ؟
فمن حيث الأصل يعتبر التشريع نافذا من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية , إلا أن المنطق قد يتطلب بأن يفسح المجال للعموم للعلم به ونقصد بالعلم هنا بالافتراضي و ليس الواقعي , وفي بعض الأحيان إذا كانت التشريعات تنظم مسائل ضرورية و مستعجلة يشار في ختام أحكام النص التشريعي إلى تحديد مدة للعمل به .
إن المحذور الذي قد يظهر للعيان بعد تأريخ النشر أو خلاله , هو قيام واقعة قانونية ما, تم تنظيمها في ذات اليوم الذي تنشر فيه الجريدة اليومية فهل يعتبر نافذا على الواقعة أم إن هنالك مدة زمنية تضاف للعلم بها , يذهب الدكتور محمد لطفي في هذا الموضوع إلى أن الأحكام الجديدة لا تعد نافذة إلا بعد مرور 24 ساعة من تأريخ نشرة و توزيع الجريدة الرسمية استنادا إلى المبدأ القائل ” بعدم رجعية القانون بأثر رجعي ” وبالتالي لابد أن يتضمن التشريع مدة زمنية محددة للنفاذ و عملا بالقاعدة القانونية, بعدم جواز الاعتذار بجهل القانون .
إن تطبيق أي نص تشريعي مرهون بنشره في الجريدة الرسمية، إذ إن هذا الإجراء يهدف أساسا إلى إعلام الجمهور به وإعطائه الصبغة الإلزامية. وفي العديد من البلدان تتحمل السلطة التنفيذية مسؤولية نشر الوثائق التشريعية في الجريدة الرسمية بعد صدورها مباشرة.
من جانب أخر لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار كيفية تنفيذ أحكام النص التشريعي, وبكلمة أخرى مراعاة النقاط الآتية:
- من هي السلطة المكلفة بتنفيذ التشريع ؟ , أية دائرة حكومية بالتحديد معنية بتنفيذ أحكام النص التشريعي ؟
- ما هي حقوق ومسؤوليات الموظفين و الإداريين في الدوائر الحكومية القائمة في المحافظة ؟
- هل يملك رئيس الدائرة أو الموظف التنفيذي الأعلى في المحافظة أو القضاء أو الناحية السلطة الكافية لتنفيذ التشريع ؟
- ما هو التأثير الاقتصادي أو الاجتماعي لهذا التشريع ؟ هل تملك الحكومة المحلية الموارد المالية و الوسائل الإدارية الكافية للسيطرة على تنفيذ التشريع ؟
- ما هي خطوات التنفيذ ؟ وما هي الجزاءات التي يجب أن يتضمنها النص التشريعي, بغية الترويج للاذعان بأحكامه ؟ .
إضافة إلى ما سبق لا بد أن تراعى الجوانب المالية التي قد تنشأ عند تنفيذ النص التشريعي , على سبيل المثال :
- هل تم تحديد موارد مالية لأنفاقها عند تنفيذ أحكام النص التشريعي ؟ .
- من أين ستأتي الموارد المالية للنشاطات التي قد تصاحب تنفيذ النص التشريعي؟ .
- كيف سيتم الحصول على الموارد المالية لتغطية مصاريف تنفيذ النص التشريعي ؟ .
المطلب الثاني: تطور النموذج التشريعي.
مرت مرحلة التشريع بتطورات مذهلة وكبيرة , فبعد أن كانت مجرد نصوص تفتقر إلى الدقة و الإحكام , توالت التغييرات عليها , لتصل إلى مرحلة لتدرس كمنهج في أرقى المؤسسات الأكاديمية العلمية , على اعتبارا أن التشريع من صنع البشر و بالتالي يحتمل النقص و العيب , و من ثم التأثير المباشر في مصالح الأشخاص ذوي الصلة بمشروع القرار أو القانون , من هنا سيتم البحث في أهمية إعداد البحوث والدراسات المنهجية التي تساعد السلطة التشريعية في مهامها عند التعرض بالصياغة لأي موضوع تشريعي ,و لهذا الغرض سيتم البحث أولا في أهمية البحوث و الدراسات من جهة , مع بيان نماذج لمسودات النص التشريعي المحكم وفقا لصلاحيات مجالس المحافظات التشريعية من جهة أخرى.
الفرع الأول: أهمية البحوث و الدراسات الخاصة بإعداد التشريعات.
إن أهمية البحوث والدراسات في تحضير وإعداد النصوص التشريعية , كما أسلفنا هو عمل إبداعي يتولاه أشخاص يتمتعون بخبرة وتجربة يكتسبوﻧﻬا خصوصًا عن طريق الممارسة الفعلية في حقل التشريع، لكون هذا العمل المتخصص نادرًا ما يتم تدريسه في الجامعات أو في المعاهد المتخصصة, ولما كانت الضرورة تقتضي أن يكون تشريع المجلس متناسقا ومنسجمًا وسليمًا من العيوب ليُحَّقِْقَ النتائج المرجوة من تبنيه في اﻟﻤﺠتمع , أو لدى مستعمليه، فإنه بات من الضروري إجراء بحوث ودراسات في مجال إعداد القوانين وتحضيرها وتنسيقها لضبط خصائص موحدة ومعايير ثابتة في هذا الميدان.
يشير الباحث Ilir Dugolli , بأن السياسات الخاطئة للحكومة تولد قوانين خاطئة والعكس صحيح , إلا إن القوانين الخاطئة من غير سياسات واضحة المعالم هي الاسوء , وبالتالي فاءن إعداد دراسات ومناهج للقوانين المراد تشريعها يعد امرا ضروريا وملحا في أي مجتمع كان
وكما أسلفنا فإن كلا من المُشَرِّع ومنفذ النص التشريعي سيكتشفان صعوبة إذا ما تمت صياغة القوانين المختلفة بطرائق مختلفة، بحيث يتبين فيما بعد, عدم الانسجام في أساليبها ومصطلحاﺗﻬا. , لذلك فإن إعداد مثل هذه الأبحاث والدراسات سيُمكن دون أدنى شك من وضع رصيد معلوماتي علمي دقيق يكون في متناول صانعي القوانين، وهو ما قد يسمح لهم بإتباع منهجيات أكثر توحيدًا في صياغة القوانين، لأﻧﻬم سيلتزمون بالمناهج المشتركة المتعلقة أساسًا بنمط التعبير والصياغة والإنشاء والأسلوب لتُصبح وسيلًة مألوفة لديهم تُمكنهم من انجاز مثل هذا العمل و يمكن أن تؤدي هذه الدراسات و الأبحاث إلى النتائج الآتية :
* وضع معايير ثابتة للارتقاء بمستوى التوحيد في التشريعات.
* إفادة عدد أكبر من الأشخاص الراغبين في القيام ﺑﻬذا العمل بمختلف التقنيات التي سَتُسَهِّلُ لهم أداء العملية بِيُسْرٍ.
* تحاشي استعمال الممارسات التقليدية التي بدا استعمالها غير مُجْدِ وكثيرًا ما تجعل النص التشريعي مشوبًا بالعيوب.
* إرساء قواعد لتعلم المبادئ الأساسية حول كيفية صياغة التشريعات , مع تمكين موظفي الوزارات من تنمية مواهبهم ودفعهم للإقدام على هذا العمل وتشجيع ذوي الكفاءات للارتقاء بمهاراﺗﻬم.
الفرع الثاني: نماذج لنصوص تشريعية .
من اجل تطبيق ما تم ذكره فيما سبق من هذا البحث, سيتم التعرض لعدد من النماذج التشريعية, التي نرى أنها صحيحة, ومتوافقة و أحكام الدستور العراقي و قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008, و كما يلي
أولا: نموذج رقم 1 نص تشريعي بصيغة قرار أو أمر
ويصدر على النحو الآتي :
مجلس محافظة………
رقم القرار \ \
عنوان القرار……………………..
باسم أهالي محافظة ………….
– إن مجلس محافظة …………….., و وفقا للصلاحيات الممنوحة له, و ,
– بناءا على أحكام الدستور و لاسيما المواد —- و —– و …،…………منه،
– و بمقتضى …………………………………………….، المقتضيات ترتب حسب
– و بمقتضى …………………………………………….، النظام التدرجي للنصوص
– و بمقتضى …………………………………………….، المعتمدة وتسلسلها الزمني
– و بعد رأي مجلس شورى الدولة “مثلا “،
– وبعد موافقة أعضاء المجلس بالأغلبية المطلقة ،
صدر القرار الآتي نصه :
المادة الأولى…………………………… أحكام القرار…………………………. و تصاغ مجموع ألأحكام على شكل مواد وفقرات………….………
المادة الثانية ……………………………………………………………
المادة الثالثة……………………….
المادة الرابعة , ينفذ هذا القرار من تأريخ نشره بالجريدة الرسمية
الأسباب الموجبة
ثانيا: نموذج رقم 2
مجلس محافظة…………..
رقم القرار \ \
عنوان القرار………….
باسم أهالي محافظة ………….ز
– إن مجلس محافظة …………… و
– بناءا على أحكام الدستور العراقي النافذ, و لاسيما المواد —– و ——– و …،…………منه،
– و بمقتضى ………………….على سبيل المثال…………………….قانون بيع و أيجار أموال الدولة المنقولة وغير المنقولة المرقم 32 لسنة 1986….. ، المقتضيات ترتب حسب التدرج التشريعي
– وبمقتضى …………………………………………….،
– و بمقتضى …………………………………………….، المعتمدة وتسلسلها الزمني
– وبعد رأي مجلس شورى الدولة أو الاطلاع على قرار المحكمة الاتحادية العليا ،
– وبعد مصادقة مجلس محافظة ………….،
يصدر القرار الآتي نصه :
أحكام النص
المادة الأولى…….. تصاغ أحكام النص وفق الأشكال والصيغ القانونية المألوفة………………………….
باقي المواد مرقمة……………………………………
ينفذ هذا القرار من تأريخ نشره بالجريدة الرسمية
الاسباب الموجبة
ثالثا: نموذج نص تشريعي }أمر{
مجلس محافظة………………….
رقم القرار \ \
عنون القرار ………………
باسم أهالي محافظة ………….
– إن مجلس محافظة ………………. و
– بناءا على أحكام الدستور لاسيما المواد …… و …… و …،………….منه،
– و بمقتضى …………………………………………………..أحكام قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008, المادة ……………،
– و بمقتضى ……………………………………………………، المقتضيات ترتب حسب
– وبمقتضى …………………………………………………….،
– و بمقتضى ……………………………………………………،
يصدر الأمر الآتي نصه :
أحكام الأمر
المادة الأولى…………………………………………………………………………
المادة. :…………………………………………………………………………….
المادة……………………………………………………………………………….
………………………………. باقي المواد مرقمة……………………………………
ينفذ هذا الأمر من تأريخ نشرة بالجريدة الرسمية
الأسباب الموجبة…………….
رابعا: شكل قرار يتضمن الموافقة على أمر
مجلس محافظة………….
رقم القرار \ \
عنوان القرار
باسم أهالي محافظة ……………….
– إن مجلس محافظة …………………و
– بناءا على أحكام الدستور لاسيما المواد …… و …….. و …… ،…………………منه ،و بمقتضى الفقرة ثالثا من المادة سابعا من قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008……..
– و بعد الاطلاع على الأمر رقم ……. المؤرخ في ……. و المتضمن …………….، المقتضيات
و بعد مصادقة أعضاء مجلس محافظة…………. ،
صدر القرار الآتي نصه :
المادة الأولى: يوافق على الأمر رقم….. المؤرخ في ….المتضمن…….
ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية.
الأسباب الموجبة………….
خامسا: نموذج لتعديل قرار سابق .
عند تعديل أي قرار أو أمر سبق للمجلس أن أصدره ورأى ضرورة لتعديله يمكن أن تتبع نفس الخطوات الخاصة بإعداد أي مشروع قرار ، إلا أن الفرق يكمن في أن النص المعِدل والمتمم يتطلب استعمال مواد افتتاحية تسمح بتحقيق ما هو مرغوب فيه وذلك بتخصيص مواد خاصة لاعتماد التعديل أو التتميم, كأن يذكر رقم الفقرات التي سيتم تعديها وفقا للتشريع الجديد , والهدف من وراء ذلك.
ومن الأمثلة على ذلك:
مجلس محافظة ……….
رقم القرار ………..
تأريخ القرار …………
باسم أهالي محافظة …………….
– إن مجلس محافظة ………………. و
– بناءا على أحكام الدستور لاسيما المواد …… و …… و …،………….منه،
– و بمقتضى …………………………………………………..أحكام قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008, المادة ……………،
صدر القرار الآتي نصه :
المادة الأولى: يهدف هذا القرار………………….
المادة الثانية : تعدل المواد…… و …… و ….. من القرار رقم …… المؤرخ
في ……… ، ويستبدل بالأحكام التالية :
“المادة……………………”
المادة……………………
المادة………………..
: يتمم القرار المؤرخ في… والمتعلق بالقرار المرقم ……
عنوانه “………” ويشمل المواد … و… و. . و
ينفذ هذا القرار من تأريخ نشره بالجريدة الرسمية
الأسباب الموجبة
الخاتمة
الإنسان اجتماعي بطبعه ويحتاج في سبيل العيش في هذه الدنيا إلى جملة من القواعد السلوكية التي تنظم معيشته , ولا يتم ذلك إلا من خلال وجود قواعد قانونية , تبين ماله وما عليه , وبما إن القوانين هي من صنع البشر , فهي تحتمل الخطأ , وتحتاج في أحيان كثيرة إلى التعديل , وهذا ناتج من أن الإنسان بماهيته , غير كامل في الإحاطة بكل الأمور, غير عليم بما يخفيه المستقبل , وهو أهم ما يتصف به القانون الوضعي , positive law} {, المعد من بني البشر والذي يحتاج عادة إلى التغيير أو التعديل على اقل تقدير بين حين و آخر . بينما الشريعة الإلهية } { Divine law, تتضمن أحكاما كاملة لا يشوبها نقص أو غفلة, كيف لا, والله تعالى هو مشرعها.
و لما كان البحث في أصول التشريع يحتاج إلى بحث عميق وطويل يحتاج أبوابا و فصولا , فأننا اقتصرنا بحثنا في التركيز على إشكاليات الصياغة التشريعية , عامة , وعلاقتها بصلاحية مجالس المحافظات التشريعية بوجه خاص , لكونها تحتاج فعلا إلى وقفة وتأمل في بحث الأساليب والطرق التي يمكن إن تساعد على نشوء تشريعات محلية متقنة الصياغة غير قابلة للتعارض , وذلك وفقا لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 , وذلك من خلال بحث مقارن مع أهم الدراسات و الأبحاث التي تناولت موضوع الصياغة التشريعية ,
لقد تم البحث في عدة محاور رئيسية تتعلق بالصياغة التشريعية ابتدءا من المبادرة التشريعية التي يمكن للحكومة المحلية من اتخاذها في حال تقديم مقترحات إلى السلطة التشريعية , وصولا إلى كيفية إعداد النصوص التشريعية , مع المقارنة بأهم القرارات التي صدرت عن مجلس محافظة النجف الاشرف , على سبيل الاستئناس , ولمعرفة مواضع القوة و الضعف فيها , والهدف من وراء ذلك ليس التقليل من شأن القرارات ذاتها بقدر تطويرها مستقبلا وتحسينها من الناحية الفنية , إذ تمت الإشارة في هذا البحث مرارا إلى أن العراق يحتاج فعلا إلى متخصصين في هذا المجال .
إن تشريع قرارات لا تحمل أحكاما متقنة و واضحة , لا يعد نزهة أو عملاًََ لا يحتمل العواقب , إذ يكفي أن تكون تلك القرارات سببا في إرباك العمل الحكومي , ناهيك عن الانتقاد الموجه من الشعب اتجاه أي تشريع غير متقن , فضلا عن الهدر في الوقت و الجهد و المال الذي قد يتسبب به أي تشريع يحمل من الهفوات ما يجعله غير متناسب للتطبيق أو التنفيذ .
وقد اشرنا إلى جملة من المواضيع كان أهمها المبادئ الأساسية لإعداد نصوص تشريعية والتقنيات الواجب أتباعها من قبل مجالس المحافظات ,كي تكون تلك التشريعات قابلة للحياة عند صدورها ونشرها , كما تمت الإشارة إلى تقنيات التشريع والتي لم يتم مراعاتها لدى اغلب مجالس المحافظات الحالية و السابقة , إذ إن إتباعها سيقلل والى حد كبير من التعارض والتداخل التشريعي سواء بينها وبين أحكام الدستور العراقي أو مع القوانين النافذة الأخرى .
و كما أشير إلى ذكر عدد من النماذج التشريعية التي قد تساعد مجالس المحافظات عند إتباعها على تشريع قرارات و أوامر تسهم في تطوير المحافظات وتعمل على رفع الحيف و الظلم والإهمال الذي شهدته عبر عقود طويلة من الزمن.
و من جملة النتائج التي توصل إليها البحث ما يلي :
- رفع الشك واللبس الذي اعترى أراء بعض المتخصصين في القانون من إن الحكومة المحلية لا تستطيع تقديم مقترحات قوانين , مع بيان الاختلاف بين المقترح المقدم من السلطة التنفيذية وبين المقترح المقدم من قبل السلطة التشريعية , إذ للمحافظة إن تتقدم بجملة من المقترحات القانونية إلى مجلس المحافظة بغية النظر فيها وإقرارها أو طلب تعديلها قبل إقرارها .
- الحاجة إلى تعديل قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 وبالخصوص فيما يتعلق بالصلاحية التشريعية , و ذالك بمنح المجالس صلاحية تشريعية اكبر من مما هو عليه الحال في القانون انف الذكر , والعمل على رفع التعارض بينه وبين القوانين الأخرى التي تعوق الصلاحية التشريعية , مما يجعل القرارات التي تصدر عن مجالس المحافظات قابلة للتطبيق بعيدا عن الاختلاف حولها .
- إعداد لجان قانونية متخصصة في إعداد النصوص التشريعية المحلية, للإسهام في رفد مجالس المحافظات بمقترحات قانونية أكثر اتقانا وأقدر على التطبيق, ويفضل إن تكون تلك اللجان من المتخصصين في القانون, كالأكاديميين والمحامين,
- تأسيس معهد على المستوى الوطني لإعداد متخصصين في مجال إعداد القوانين, أو على المستوى المحلي للمحافظات, على غرار معهد الخدمة الخارجية, أو المعهد القضائي, وذلك لندرة المتخصصين في هذا المجال في العراق ولمواكبة التطور الذي شهده هذا الاختصاص في العالم.
- تأسيس معهد متخصص في الدراسات القانونية , يعنى بإعداد البحوث القانونية ذات الصلة بتقنية التشريع .