إشكالية عقوبة الإعدام والحق في الحياة


      إشكالية عقوبة الإعدام والحق في الحياة

عقوبة مع وقف التنفيذ وعدد المحكومين بها يصل إلى 103

تثار في الوقت الراهن إشكالية عقوبة الإعدام المنصوص عليها في القانون الجنائي إثر ارتكاب بعض الجرائم، هل يتم الإبقاء عليها ضمن العقوبات أم إلغاؤها، على اعتبار الحق في الحياة الذي تقره جميع التشريعات والمواثيق الدولية. ورغم أن المغرب لم يطبقها منذ مدة، ويعمد إلى تحويل العقوبة من الإعدام إلى السجن المؤبد، وبعدها إلى السجن المحدد، إلا أن عدد المحكومين بها حسب تصريح محمد عبد النبوي مدير الشؤون الجنائية في لقاء الائتلاف لمناهضة عقوبة الإعدام، 103 محكومين من بينهم امرأتان، يقبعون في السجن، ما يثير التساؤل حول وضعيتهم.
النقاش دائر حاليا بين فئتين، الأولى  تناهض إلغاء عقوبة الإعدام وترى في ذلك خروجا عن الشريعة الإسلامية، وتسامحا مع نوعية من المجرمين، وتعتمد على مبدأ السن بالسن والعين وبالعين والبادئ أظلم،  وفئة تتبنى الإلغاء وتعتبر  أن هذه العقوبة  تعد على حق أساسي من حقوق الإنسان ألا وهو حق الحياة، الذي تكفله الشرائع السماوية والقوانين الدولية. وبين هذا الرأي وذاك، يجب الاعتراف بأن الجريمة بمختلف أشكالها، لا يتحملها الفرد وحده في المجتمع، بل هي نتاج عملية معقدة من العلاقات والأوضاع الاقتصادية والنفسية والتربوية والسياسية، فقد يتعلم الفرد أصول  الجريمة في البيت أو المدرسة أو الشارع، بل هناك حالات أشخاص دخلوا  إلى السجن من أجل جنحة بسيطة فتخرجوا منه مجرمين ب»درجة امتياز». الشيء الذي يلزم المجتمع  بتحمل نصيبه ومسؤوليته فيها، على اعتبار أنه لا يمكن  التنصل من المسؤولية في الجريمة، كل بنصيبه وبدرجة قربه من المجرم ودرجة تأثيره في حدث تحول الإنسان من مسالم إلى مجرم.
وحين يصدر الحكم بالإعدام على مجرم  ما، فإنه يتم تحميله المسؤولية كلها وحده،  وهو ظلم يتنافى مع المفهوم الحقيقي للعدالة، ورغم ذلك  فإن الجريمة لا تجتث من المجتمع، إذ أن تطبيق الإعدام لا يرهب المرشحين للانحراف مستقبلا ولا يثنيهم عن النوايا الإجرامية، التي يحملونها بداخلهم. وقد أثبتت التجارب أن عقوبة الإعدام لم تساهم بأي شكل من الأشكال  في الحد  من جرائم القتل وغيرها من  الجرائم البشعة، التي تتطور داخل المجتمع، بتطور مستوى الجريمة.
ويعاقب المشرع المغربي بالإعدام، الذي يعتبر من العقوبات الجنائية الأصلية، على العديد من الجرائم التي يعدها خطيرة بحد ذاتها أو لاقترانها بظروف معينة. وينص على العديد من تلك الجرائم في القانون الجنائي الصادر في 18 جمادى الثانية 1382 هجري الموافق ل26/11/1962 بمقتضى الظهير رقم 413.59-1، وفي قانون العدل العسكري الصادر بمقتضى الظهير رقم 270-56-1 المؤرخ في ربيع الثاني 1376هجري الموافق ل(10/11/1956) وفي القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب المتمم للفصل 218 من القانون الجنائي وكذا الظهير المتعلق بزجر الجرائم الماسة بصحة الأمة.
ويمكن القول إن عدد الحالات التي يمكن الحكم فيها بالإعدام وفقاً للقوانين الأربعة المشار إليها تفوق 600 حالة، على اعتبار أن كل مادة من مواد القوانين المشار إليها تتضمن عدة حالات وصلت في بعضها إلى أكثر من مائتين، وهكذا ينطوي القانون الجنائي على 283 حالة منصوص فيها على عقوبة الإعدام، ويشملها 28 فصلا من فصول هذا القانون.  ورغم أنه منذ 2003، جدد المغرب تمسكه بعقوبة الإعدام، بعد صدور قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تظهر وعي المجتمع المغربي بخطورة العقوبة من خلال مواكبته للتطورات والتحولات المتعلقة بها في العالم، ومن بينها عدم إمكانية الحكم بعقوبة الإعدام في حق الأحداث أقل من 18 سنة، وإيقاف تطبيق عقوبة الإعدام في المغرب منذ 1993، إضافة إلى نهج سياسة رامية إلى التقليص من عقوبة الإعدام، من خلال مراجعة القانون الجنائي، ومن جهة أخرى، أحاط المشرع المغربي عقوبة الإعدام بضمانات تتناسب مع خطورتها وتضمن للمحكوم عليهم  بهذه العقوبة شروط المحاكمة العادلة الرامية إلى مؤازرة المتهم  بمحام ولو عن طريق المساعدة القضائية، وإقرار مبدأ البراءة هي الأصل، وقابلية الأحكام الجنائية للطعن بالاستئناف أمام غرفة الجنايات الاستئنافية وكذا الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى.
ولم تستثن ضرورة  إيلاء المحكوم عليهم بالإعدام عناية خاصة تمكن من دراسة شخصيتهم وتتبع حالتهم النفسية والحفاظ على توازنهم بشكل يستبعد معه احتمال كل محاولة هروب أو انتحار أو إضرار بالغير، كما أقر إمكانية ترحيل المحكوم عليهم بالإعدام إلى مؤسسة تتوفر على حي معد لهذه الفئة من المعتقلين بمجرد النطق بالحكم، واستفادتهم من زيارة أفراد عائلاتهم وأوليائهم وأصهارهم، ويمكنهم التوصل مباشرة من هؤلاء، وتحت مسؤوليتهم، بالمؤن التي يتعين تفتيشها بكل دقة من طرف إدارة المؤسسة.
وراعى المشرع المغربي حالة المحكوم عليه النفسية في الوقت الذي يرفض طلب العفو، ومنع في أي حال من الأحوال تبليغه بذلك.
واستثنى المشرع من تطبيق عقوبة الإعدام الأشخاص ذوي العاهات العقلية، إذ أعفى المشرع المغربي في الفصل 134 من القانون الجنائي، الشخص الذي كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه في حالة يستحيل معها الإدراك أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية. إضافة إلى أنه لا يمكن تنفيذ عقوبة الإعدام  إلا بعد رفض طلب العفو، وإذا كانت المرأة المحكوم عليها بالإعدام حاملا فإنه لا ينفذ في حقها الحكم إلا بعد مرور سنتين على وضع حملها، وهو ما تفرضه مقتضيات قانونية تتجلى في أن الحكم بالإعدام يصدر ضد الأم الحامل وليس على الجنين الحي الموجود في بطنها الذي لو أعدمت أمه لامتد الإعدام إليه مع أنه غير مذنب.

تنفيذ الإعدام لا يتم إلا بعد رفض طلب العفو

عالجت المسطرة الجنائية إشكالية تنفيذ عقوبة الإعدام، وأكدت في نصوصها أنه بعد استنفاد كل إجراءات الاستئناف والنقض، لا يجري حكم الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو الذي يتم تقديمه بشكل عفوي من طرف النيابة العامة، وذلك بحسب الفصل 34 من الدستور المغربي.
ولا يمكن تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو، وإذا كانت المحكوم عليها امرأة ثبت حملها، فإنها لا تعدم إلا بعد مرور سنتين على وضع حملها، وتنفذ عقوبة الإعدام بأمر من وزير العدل رمياً بالرصاص، وتقوم بذلك السلطة العسكرية التي تطلبها لهذه الغاية النيابة العامة لدى المحكمة التي أصدرت القرار.  وأكدت المسطرة الجنائية أن التنفيذ لا يكون علنياً إلا إذا قرر وزير العدل ذلك. ويقع داخل المؤسسة السجنية التي يوجد المحكوم عليه رهن الاعتقال بها أو في أي مكان آخر يعينه وزير العدل، وذلك بحضور كل من رئيس الغرفة الجنائية التي أصدرت القرار، وإلا فمستشار من هذه الغرفة يعينه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وعضو من النيابة العامة يعينه الوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف التي أصدرت القرار، وأحد قضاة التحقيق وإلا فأحد القضاة من محكمة المكان الذي سيقع به التنفيذ يعين من طرف رئيس المحكمة، وأحد كتاب الضبط من محكمة المكان الذي سيقع به التنفيذ، ومحامو المحكوم عليه، ومدير المؤسسة السجنية التي يقع بها التنفيذ أو مدير السجن الذي كان المحكوم عليه معتقلاً به عندما يقع التنفيذ بمكان آخر، ورجال الأمن الوطني أو الدرك الملكي المكلفون من قبل النيابة العامة وطبيب المؤسسة السجنية، وإذا تعذر ذلك، فطبيب تعينه النيابة العامة، وإمام وعدلان، وإذا لم يكن المحكوم عليه مسلماً فيحضر ممثل الديانة السماوية التي يعتنقها المنفذ عليه.  ومكنت المسطرة المحكوم عليه إذا أراد أن يفضي بأي تصريح، فيتلقاه منه قاضي التحقيق بمساعدة كاتب الضبط،  ويحرر محضر التنفيذ فوراً من قبل كاتب الضبط، ويوقعه كل من رئيس غرفة الجنايات أو المستشار المعين من طرف الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط. وتعلق مباشرة بعد التنفيذ نسخة من المحضر بباب المؤسسة السجنية التي وقع فيها التنفيذ وتبقى معلقة لمدة أربع وعشرين ساعة. وإذا وقع التنفيذ خارج المؤسسة السجنية يعلق المحضر بباب بلدية مكان التنفيذ.
لايمكن أن ينشر عن طريق الصحافة أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ ما عدا المحضر المذكور، وإلا تعرض المخالف لغرامة تتراوح بين 10 آلاف و60 ألف درهم.  ويمنع تحت طائلة العقوبة نفسها أن ينشر أو يذاع بأي وسيلة من الوسائل -قبل التنفيذ أو قبل تبليغ ظهير العفو لعلم المحكوم عليه ـ أي خبر أو أي رأي أبدته لجنة العفو، أو الأمر الصادر عن جلالة الملك.  تسلم جثة المحكوم عليه إثر التنفيذ إلى عائلته إذا طلبت ذلك، على أن تلتزم بدفنه في غير علانية، وإلا فيتم دفنه من طرف الجهات المختصة بمسعى من النيابة العامة.

منقول للافادة


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...