إصلاح منظومة العدالة


                     إصلاح منظومة العدالة

شكل الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة مدخلا رئيسيا لوضع الحلول الكفيلة بالنهوض بالعدالة، بالنظر إلى ما وفرته آليات هذا الحوار من مقاربة تشاركية التي أصبحت سائدة بعد الوثيقة الدستورية و الجهوية الموسعة، وكرست القضاء شأنا مجتمعيا ، يهم كافة مكونات المجتمع، من شأن ذلك الإسهام في النهوض بقضاء مستقل فاعل، شفاف وعصري وصائن للحقوق والحريات.

و للإشارة ، فإن إصلاح قطاع العدالة بالمغرب لم يبدأ مع الحوار الوطني المذكور، وإنما هناك جهودا بُذلت من قبل الحكومات السابقة، لكنها كانت محدودة في الزمان والمكان و تنقصها الجرأة اللازمة و الرؤية الإستراتيجية ، بيد أن ما ميز هذا الحوار الذي أشرف عليه وزير العدل والحريات في ظل الحكومة الحالية ، هو أنه مبادرة للإصلاح الأعمق و الأشمل وفق أهداف محددة ومؤشرات واضحة ، في إطار التشاركية مع العاملين في القطاع و مختلف الفعاليات السياسية و الاجتماعية و النقابية و الحقوقية .

لا يمكن الاختلاف على أن هناك فسادا في جميع مكونات العدالة ، ولا يمس فقط مؤسسة القضاء ، ومن ثم كان لا بد لكي ينجح الإصلاح من إرادة سياسية وجرأة في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد والتوجيهات الملكية التي جعلت من إصلاح القضاء رافعة للتمية .

لذلك كانت أمام وزير العدل والحريات تحديات كبرى لإنجاح مشروع الإصلاح ، سواء على مستوى تخليق قطاع العدالة و تفعيل دور القضاء في تخليق الحياة العامة، وعدم الإفلات من العقاب ومكافحة الفساد ، أو على مستوى رفع قدرات التكوين والتأهيل للقضاة ومساعديهم ، أو على مستوى تحديث الإدارة القضائية من أجل ضمان جودة الخدمات والتخصص ، والاستغلال الأمثل للمعلوميات في تسريع الإجراءات في تقديم الخدمات القضائية للمتقاضين ، وتكريس قضاء القرب .

ورغم الملاحظات والانتقادات بخصوص المراحل التي مر منها الحوار الوطني والنتائج التي تمخضت عنه ، و التي تكون أحيانا وجيهة وأحيانا أخرى تهدف إلى تبخيس الجهود المبذولة في هذا الصدد لاعتبارات سياسية وحزبية ضيقة ، فإننا لا ننكر المجهودات التي قامت بها الوزارة المعنية في هذا الصدد من أجل إنجاح هذا الحوار ، في ظل المقاربة التشاركية ، خصوصا وأنه أفرز نتائج و توصيات مهمة صيغت في شكل مشاريع نصوص قانونية وتنظيمية لتنزيل مقتضيات الدستور وبالخصوص الباب المتعلق بالسلطة القضائية.

و ينبغي الاعتراف ، وبكل موضوعية ، بأن الوزارة اتخذت عدة إجراءات وتدابير مهمة ، خلال الأربع سنوات الأخير ة ، ترمي إلى تحسين الوضعية المادية للقضاة و عقلنة الخريطة القضائية من أجل توفير خدمات قضاء القرب وتسريع وتيرة البت في القضايا الرائجة أمام المحاكم والقضايا المحكومة والأحكام المنفذة ضد الإدارات العمومية وشركات التأمين ، واتخاذ مجموعة من القرارات لمواجهة الفساد داخل الجسم القضائي ، و تفعيل الآليات البديلة للاعتقال الاحتياطي وإعادة الهيكلة الإدارية لقطاع العدل لتجنب التمركز الإداري على مختلف المستويات و تأهيل العنصر البشري وتوفير وسائل العمل رغم ضعف الميزانية، و تزويد المحاكم بالمعدات المعلوماتية، و إعداد نصوص تشريعية ترمي إلى النهوض باستقلال السلطة القضائية.

ورغم طل هذه المجهودات التي ننوه بها ، فإن ورش إصلاح منظومة العدالة يعد ورشا كبيرا و مازال مفتوحا ، يتطلب مزيدا من العمل الدؤوب والجرأة والشجاعة ، لكن ما يهم أن هناك إرادة للإصلاح ، ينبغي أن ينخرط فيها كل الفاعلون المهتمون بقطاع العدالة ، من قضاة وهيئات مهنية ، وكذا الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني ، مع تغيير السلوكات والعقليات البائدة التي لا تنصاع لرياح التغيير ، والتشبع بثقافة التخليق و محاربة الفساد .

و على هذا الأساس ، فإن إصلاح منظومة العدالة شأن مجتمعي ، كل واحد منا يتحمل مسؤوليته فيه ، و لا ينبغي إلقاء كل الأعباء على القائمين بتنفيذ خطة الإصلاح و نبقى نحن متفرجين و منتقدين.

hespress.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...