اثبات الالتزام


                            اثبات الالتزام
نص الفصل 404 ق ل ع ” إن وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي:
1- إقرار الخصم.
2- الحجة الكتابية.
3- شهادة الشهود.
4- القرينة.
5- اليمين والنكول عنها.
وقد ورد في كتاب شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الثاني للدكتور احمد الخمليشي في الصفحة 171 إن وسائل الإثبات في الميدان الجنائي هي: (( الاعتراف – الأوراق والمحررات – الشهادة – الخبرة – القرائن ))
سنشرح وسائل الإثبات : هي : 1- الاعتراف. -2 المعاينة. -3 الخبرة. 4-شهادة الشهود. 5- القرائن. 6- الكتابة.
وسائل الإثبات” كما نظمها المشرع فهي تختلف من حقل قانوني إلى آخر، فنجد وسائل الإثبات في القضايا الجنائية و وسائل الإثبات في القضايا أو المنازعات المدنية، ووسائل الإثبات في المادة المدنية تأخد موضعين، موضع في قانون الإلتزامات و العقود، و موضع اخر في قانون المسطرة المدنية
وسائل الإثبات الموضوعية ( ق.ل.ع)
إن المشرع المغربي بتبنيه لمذهب الإثبات المختلط نظم مختلف وسائل الإثبات المشروعة.
وطرق البينات أو الإثبات التي ذكرها المشرع المغربي هي: الكتابة وشهادة الشهود والقرائن – الإقرار ثم اليمين.
وقد نصت المادة 404 من ق ل ع صراحة على ذلك
” وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي:
إقرار الخصم- الحجة الكتابية — شهادة الشهود – و القرائن

الإقرار والكتابة
يعتبر كلا من الإقرار والكتابة أحد أهم وسائل الإثبات التي نظمها ق ل ع المغربي وأكثرها نجاعة.
ولذلك فقد تناول المشرع الإقرار في الفصول من 405 إلى 415 من ق ل ع( ف الأولى) وأما الكتابة فجاءت في الفصول من 416 إلى 442 من ق ل ع ( ف الثانية).
الفقرة الأولى: الإقرار
لم يعرف لنا المشرع المغربي الإقرار، بل ترك مهمة ذلك للفقه فعرفه الدكتور العبدلاوي بأنه ” هو اعتراف لشخص بحق عليه لآخر قصد ترتيب حق في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته”.
ومن خلال التعريف أعلاه يتضح أن للإقرار أربعة أركان وهي:
· المقر: وهو الشخص الذي يعترف على نفسه بكون ذمته المالية عامرة بحق الغير، وللمقر شروط لكي يكون إقراره صحيحا ومنتجا لآثاره ، وهي أن يكون راشدا عاقلا بإرادة سليمة – وألا يتهم المقر في إقراره
· المقر له: وهو مدعي الواقعة التي يعترف له بها المدعى عليه، والمستفيد منها ومن شروطه هو الآخر، أن يكون أهلا لاكتساب الحقوق وأن لا يكذب المقر في إقراره.
· المقر به: ينص الإقرار على الواقعة محل الإثبات وهذه يصنفها الفقهاء إلى إقرار بالمال أو بالنسب، ومن شروط هاته الواقعة هي الأخرى أن تكون ممكنة وليست مستحيلة.
· الصيغة: فالإقرار هو تعبير عن الإرادة، يحصل إما بالكلام أو بما يدل عليه من إشارة أو كتابة.
وأما فيما يخص أنواع الإقرار فهي نوعان، نستخلصهما من خلال المادة 405 من ق ل ع ” الإقرار القضائي أو غير القضائي…”
– الإقرار القضائي: وقد عرفته المادة 405 من ق ل ع بأنه هو” الإعتراف الذي يقوم به أمام المحكمة الخصم أو نائبه المأذون له في ذلك إذنا خاصا”
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن وصف الإقرار بأنه قضائي يستلزم أن يتم أمام القضاء، وأن يكون أثناء نظر دعوى تتعلق بالواقعة محل الإقرار.
– الإقرار غير القضائي: وقد عرفته المادة 407 ق ل ع بأنه هو ” الإقرار الذي لا يقوم به الخصم أمام القاضي، ويمكن أن ينتج من كل فعل يحصل منه وهو مناف لما يدعيه ويشترك الإقرار القضائي مع الإقرار غير القضائي في طبيعة من حيث انه عمل قانوني إخباري من جانب واحد وأنه يعتر بمثابة عمل من أعمال التصرف، ويختلف عنه في كون غير القضاني لا يصدر في مجلس القضاء.
أهم آثاره:
ولكي نتحدث عن آثار الإقرار، لابد أن نتناول الإقرار كحجة قاطعة، ثم عدم قابليته للتجزئة ثم عدم إمكانية الرجوع فيه.
الإقرار حجة قاطعة على المقر: طالما توافر للإقرار أركانه أضحى القرار قضائيا وكان حجة قاطعة على المقر بمعنى أن الواقعة التي أقر بها الخصم تصبح في غير حاجة إلى الإثبات، ويأخذ بها القاضي كواقعة ثابتة بالنسبة إلى الخصم الذي أقر بها، والحجة هنا قاطعة، ولا يجوز إثبات عكسها، ولكن هذا الإقرار يمكن دحضه إذا صدر عنه نتيجة غلط أو تدليس أو إكراه، أو أنه صدر منه وهو ناقص الأهلية.
عدم جواز العدول عن الإقرار: متى صدر الإقرار في مجلس القضاء، فلا يحق للمقر أن يسحب إقراره بعد صدوره ، ولا يجوز له حتى الإضافة، وبما أن الإقرار هو عمل قانوني فيشترط فيه ما يشترط في العمل القانوني من شروط الإنعقاد وما يتبع هذه الشروط من جزاء كالبطلان أو القابلية للإبطال، كما وجب أن يكون للمقر بعد صدور الإقرار منه في مجلس القضاء أن يتمسك ببطلانه! إذا وجد ما يبرر ذلك كإقرار الوارث مثلا بدين على ذمة مورث فهو يقبل طعن الوارث فيه بالغلط إذا كان قد بنى على جهل واقعة الوفاء به من جانب المورث
عدم تجزئة الإقرار على صاحبه: تستمد هذه القاعدة أساسها من كون المقر هو مدعى عليه، والإقرار الذي يصدر عنه هو الحجة الوحيدة التي يواجه بها نفسه لذلك فإنه من غير المنطقي وليس عدلا أن نقوم بتجزئة الإقرار في مواجهته، ونلقي عليه عبء إثبات أحد أجزاء الإقرار الصادر، بعدما يكون المدعي قد استفاد منه.
وقد منع الفصل 414 من ق ل ع إمكانية تجزئة الإقرار ضد صاحبه، إذا كان هو الحجة الوحيدة عليه، وأجازها في ثلاث حالات: إذا كانت إحدى الوقائع ثابتة بحجة أخرى غير الإقرار – أو في حالة إذا ثبت كذب جزء من الإقرار – أو في حالة إذا انصب الإقرار على وقائع متميزة ومنفصلة بعضها عن بعض.
الفقرة الثانية: الكتابة
يعتبر الدليل الكتابي أحد أهم وسائل الإثبات على الإطلاق وأهمية مستمدة من اصدق كلام وهو كلام الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: ” يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونوا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا كما دعوا ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم”.
لكن مع تراجع الوازع الديني لدى الناس، وانتشار الإنتقام والحقد والكذب والفقر، بشكل أصبحت معه الشهادة قابلة للشراء، كل ذلك جعل حقوق الناس مهددة قد تهددها شهادة سفيه أو مرتشي، وهو ما جعل المشرع يعطي للكتابة مكانة الصدارة من حيث الحجية في الإثبات، مكرسا بذلك فحوى الآية القرآنية التي أمر فيها ربنا عز وجل بتوثيق التصرفات.
و قبل الخوض في حجية الكتابة، يجب علينا بداية التفريق بين أنواع الكتابة :

أولا: أنــــــــــــــواع الكتــــــــــــــــــــــابـــــــــــــــــة

أ: الكتابة كشكلية انعقاد
إذا كان المبدأ أن الإلتزامات التعاقدية تنشأ صحيحة بين طرفيها لمجرد توفر الرضا والسبب والمحل، فإنه واستثناء من تلك القاعدة، قد يشترط المشرع في بعض العقود شكلية الكتابة كركن لتمامها، بحيث يؤدي تخلفها إلى اعتبار العقد غير موجود
وتعتبر التصرفات الناقلة لملكية العقار أحد أهم العقود التي استوجب فيها المشرع شكلية معينة كركن لقيامها ذلك ما نص عليه الفصل 489 من ق ل ع فيما يخص التصرفات الناقة لملكية عقار أو التي قد تنشئ عليه حقا عينيا ، والأشياء التي يمكن رهنها رسميا، فالبيع لا يكون تاما إلا إذا تم في محرر ثابت التاريخ، بل إن مقتضيات هذا الفصل نسخت جزئيا بمقتضى المادة الرابعة من م ح ع.
ومن بعد أن تكلمنا عن الشكلية المقررة بمقتضى القانون سوف نمر للكلام عن الشكلية المقررة بمقتضى الإتفاق، فقد خول المشرع للأطراف إمكانية إضفاء الصفة الشكلية على التزاماتهما وذلك بالإتفاق على أن تتم وفق الشكل الذي يرتضيانه، حيث يصبح الشكل المتفق عليه من الأطراف ركنا في العقد، بالرغم من كون المشرع لم يشتط ذلك.

ب: الكتابة كشكلية إثبات
إذا كان المشرع قد أخذ بمبدأ رضائية العقود، ولم يلزم عاقديها أن يفرغوها في شكل معين إلا استثناءا كما اشرنا إلى ذلك سابقا، فإنه وتوخيا لإستقرار المعاملات وتجنبا لما يمكن أن يعتري الشهادة من عيوب، اعتمد أسوة بغيره من التشريعات اللاتينية على مبدأ الإثبات بالكتابة كقاعدة، و ذلك لما لها من قوة ثبوتية وما تضمنه من ثقة في المعاملات، إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة. بل أورد عليها المشرع استثناء يتعلق بالالتزامات التي تقل عن 10.000 درهم بحيث يجوز إثباتها بكل وسائل الإثبات بما في ذلك الشهادة، بينما لا يمكن إذا تجاوز مبلغ الدين هذا المبلغ أن يعتمد على شهادة الشهود في إثباته.
ولاعتماد قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة لابد من توفر شروط معينة، أولها أن يكون محل الإثبات تصرفا قانونيا، وأن يكون كذلك هذا التصرف مدنيا لان الميدان التجاري يتسم بحرية الإثبات بالإضافة إلى شرط آخر وهو وجوب تجاوز قيمة الإلتزام ل 10.000 درهم، وأن يكون الشخص الملزم بالإثبات طرفا في العقد.
ثانــيـــــــا: حجــــيـــــة المحـــــرر الكتــــابي
من أجل الوقوف على مدى حجية المحرر الكتابي علينا أن نفرق بين كل من المحرر الرسمي (أ) و المحرر العرفي (ب) ثم المحرر الإلكترونــــــي كمستجد جاء به قانون 53.05 (ج)
أ: المحرر الرسمي
لقد عرف المشرع المحرر الرسمي أو الورقة الرسمية في الفصل 418 من ق ل ع بأنها هي” الورقة التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون وتكون رسمية أيضا:
· الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم.
· الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية.
وتحدد حجية الورقة الرسمية من خلال المادتين 419 و420، فالأولى تنص على أن: ” الورقة الرسمية حجة قاطعة ، حتى على الغير في الوقائع والإتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور”.
إلا أنه إذا وقع الطعن في الورقة بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطا مادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إثبات ذلك بواسطة الشهود وحتى بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون احتياج إلى القيام بدعوى الزور، ويمكن أن يقوم بالإثبات بهذه الكيفية كل من الطرفين أو الغير الذي له مصلحة مشروعة”.
كما نصت المادة 420 على أن” الورقة الرسمية حجة في الإتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي الأسباب المذكورة فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباش بجوهر العقد وهي أيضا حجة في الأمور التي يتبث الموظف العمومي وقعها إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها وكل ما عدا ذلك من البيانات لا يكون له أثر”.
ومن كل هذا يتضح أن الورقة الرسمية التي تستكمل شروطها القانونية تكون لها حجية قوية في الإثبات و تشكل بالنسبة إليها قرينة الرسمية.

ب: المحرر العرفي
وهي كما عرفها الأستاذ العبلاوي ” التي تصدر من ذوي الشأن بوصفهم أشخاصا عاديين ويوقع عليها أحدهم لأن تكون دليلا كتابيا”.
وأما فيما يخص حجية الورقة العرفية فعلينا أن نميز بين الورقة العرفية المعترف بها والغير معترف بها. فبالنسبة للورقة العرفية المعترف بها صراحة أو ضمنيا فهي تصير مثلها مثل الورقة الرسمية بحيث لا يجوز الطعن فيها سوى بواسطة دعوى الزور وأما إذا كانت الورقة غير معترف بها فإن السبيل للطعن فيها هو إنكار التوقيع أو إنكار الخط.
ج: المحرر الإلكترونــــــــــــــــــــــــــي
اذا كان المشرع يعتبر الدليل الكتابي لازما للإثبات في بعض الحالات كما أشرنا لذلك سالفا، فإنه و أمام بروز الأشكال الحديثة للكتابة فإنه لا مانع من تباين هذه الأشكال كيفما كانت دعامتها ورقية أم الكترونية، و بهذا يكون المشرع المغربي بصيغة أو بأخرى و من خلال مقتضيات الفصل 417 ق ل ع قد مهد الطريق للإعتراف بالمحررات الإلكترونية و بحجيتها و بالتالي اعتمادها كوسيلة من وسائل الإثبات، و هذا ما تم تأكيده و اقراره من خلال القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
و طبقا للفصل الانف الذكر نعتقد أنه بالإمكان تبني الأشكال الحديثة للكتابة و كيفما كانت دعامتها ورقية أم إلكترونية، و بالتالي القول بحجية المحررات الالكترونية و اعتمادها كوسيلة اثبات، لكن ما يجب لفت الانتباه اليه هو أن هذه المحررات لا تكتسب حجيتها الا بعد المصادقة عليها من طرف الجهات أو السلطات المختصة، و بالتالي مضاهاتها للمحررات الرسمية
المطلب الثاني: شهادة الشهود – والقرائن
سوف نتطرق لوسائل إثبات أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي كل من الشهادة ( الفقرة الأولى) ثم القرائن ( الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: شهادة الشهود
لقد كانت الشهادة قديما وسيلة في الإثبات، في الوقت الذي كان فيه الوازع الديني متجدرا في نفوس أفراد المجتمع، وهذا ما جعل هذه الوسيلة تحظى باهتمام فقها، مختلف المذاهب الإسلامية ، فتجدها تتصدر وسائل الإثبات في موسوعاتهم.
وما يلاحظ هو أن المشرع لم يورد تعريفا لمفهوم الشهادة وتاركا الأمر للفقه، فنجد الأستاذ العبدلاوي يعرفها بأنها هي ” تقرير حقيقة أمر توصل الشاهد إلى معرفته بعينه أو بإذنه”.
وتتميز الشهادة بمجموعة من الخصائص نجملها كالآتي:
· الشهادة حجة مقنعة أي غير ملزمة: وتختلف الشهادة في ذلك اختلافا جوهريا عن الكتابة، فبينما يعتبر الدليل الكتابي، بسبب إعداده سلفا حجة بذاته فيفرض سلطانه على القضاء ما لم يطعن فيه بالتزوير أو ينقض بإثبات العكس، تترك الشهادة على نقيض ذلك لتقدير القاضي، ويكون له كامل السلطة في تقدير قيمتها، أيا كان عدد الشهود وآيا كانت صفاتهم.
· الشهادة حجة غير قاطعة: وهي على خلاف الإقرار، ويترتب على ذلك أن الواقعة التي تثبتها يمكن دحضها بكافة وسائل الإثبات، كالكتابة والقرائن والإقرار، وأما إذا صدر إستنادا عليها مقرر قضائي حاز قوة الشيء المقضي به، فقد أصبحت حينها في مأمن من دحضها.[28] · الشهادة حجة متعدية: أي أنها قاصرة من حيث التصرفات التي تقبل الإثبات بواسطتها، وتوضيح ذلك أن الأمر الذي يثبت بالشهادة يكون له حجية في مواجهة كافة الناس وليس فقط طرفي الخصومة وخلفها العام والخاص كما في الإقرار، لأن الشهادة تثبت واقعة خارج إرادة طرفي الخصومة. إلا أن هذه الوسيلة لا نقبل لإثبات مختلف التصرفات القانونية.
ومن بعد أن أحطنا بأهم خصائص الشهادة سوف نمر بعدها لنتكلم عن أهم الشروط، الواجب توفرها في الشاهد وأسباب تجريحه ثم بعد ذلك لنطاق قبول الشهادة وحجيتها.
فيشترط في الشاهد لتقبل شهادته شروطا، مستمدا من الفقه الإسلامي، لكن يجب أن نتولى دراستها على ضوء القانون الوضعي وهذه الشروط هي كالآتي ( العدالة- العقل والإسلام والرشد – التيقظ) ثم شرط أخير وهو أن لا يكون ممنوعا من الشهادة.
وبالتالي فحتى تقبل شهادة الشاهد فيجب أن تتوفر فيه هذه الشروط لكنها لا تكفي لوحدها بل يستوجب المشرع كذلك عدم وجود سبب من أسباب تجريح الشاهد كالقرابة والمصاهرة.
وأما فيما يخص نطاق قبول الشهادة فهو يختلف حسب ما إذا كانت الواقعة قانونية أم مادية:
فنطاق الشهادة في التصرفات القانونية هو مختلف عن نطاق التصرفات المادية فهاته التصرفات القانونية عندما ينص المشرع فيها على شكلية معينة لإثباتها امتنع البحث فيما سواها من وسائل الإثبات، أما إذا لم ينص صراحة على ذلك فإن إثباتها رهين بقيمتها أو مبلغها فإذا كانت تساوي أو تقل عن 10.000 درهم كانت الشهادة جائزة كدليل أمام القضاء وأما إذا تجاوزت هذا المبلغ امتنع اعتماد الشهادة لإثباتها.
وأما نطاق الشهادة في الوقائع المادية فهو على خلاف الوقائع القانونية نجده يتميز بحرية الإثبات، نظرا لكونها تحصل فجأة على نحو يصعب معها على أطرافه عادة إعداد دليل كتابي لإثباتها.
وأما فيما يتعلق بحجية الشهادة في الإثبات فنجدها خاضعة من حيث تقدير قيمتها الثبوتية للمحكمة ، فحسب رأي الأستاذ خالد سعيد فالشهادة لا تقيد القاضي في شيء على خلاف الإقرار والدليل الكتابي واليمين الحاسمة، إذ يمكن للقاضي أن يأخذ بمضمون الشهادة إذا اقتنع بها، أو يردها خصوصا عندما يجد من بين وثائق الملف ما يقدح فيها أو يثبت خلافها.

الفقرة الثانية: القرائن
لقد اختلفت الآراء بخصوص تعريف القرائن، لكننا سنستعرض بهذا الخصوص التعريف الذي جاء به الأستاذ العبدلاوي[31] بحيث عرفها بأنه هي: ” ما يستنبطه المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة به على أمر مجهول”.
بينما عرفها المشرع المغربي في الفصل 449 من ق ل ع بأنها: ” دلائل يستخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة”.
وقد أخذ الفقه الإسلامي بالقرائن والعلامات، مستدلا بذلك بأدلة شرعية من الكتاب والسنة، فمن القرآن الكريم تضمنت قصة يوسف عليه السلام مجموعة من الإشارات للقرائن والعلامات فمن خلال قوله تعالى: ” وجاءوا على قميصه بدم كذب” والدليل على كذبهم كان هو سلامة القميص من اثر الإفتراس، فالأمر المعلوم هو سلامة القميص، فدل على أن قول إخوة يوسف بكون أخاهم، أكله الذئب هو كذب، وفي نفس السورة قوله تعالى: ” وشهد شاهد من أهلها، إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قد من دبر، قال إنه من كيدهن، إن كيدهن لعظيم ” وما يستشف من هذا هو أن الله عز وجل قد جعل من القميص قرينة على كذب إخوته.
وأما المشرع المغربي فقد أخذ بالقرائن، وميز بين تلك التي يضعها المشرع: وهي القانونية وهي إما قاطعة أو بسيطة وتلك التي يستنتجها القاضي من وقائع النزاع وهي القرائن القضائية.
أولا: القرائن القانونية
وقد عرفها المشرع من خلال ف 450 من ق ل ع على أن ” القرينة القانونية هي التي يربطها القانون بأفعال أو وقائع معينة كما يلي:
1- التصرفات التي يقضي القانون ببطلانها بالنظر إلى مجرد صفاتها لإفتراض وقوعها مخالفة لأحكامه.
2- الحالات التي ينص القانون فيها على أن الإلتزام أو التحلل منه ينتج عن ظروف معينة، كالتقادم.
3- الحجية التي يمنحها القانون للشيء المقضي به.
ومن خلال ذلك يتضح أن القرينة القانونية إما أن تكون بسيطة أو تكون قاطعة.
– القرائن القانونية البسيطة
أو غير القاطعة كما يسميها البعض فهي كما عرفها الأستاذ العبدلاوي تلك القرينة القانونية التي يجوز نقضها بالدليل العكسي، وهي تعفي من تقررت القرينة لمصلحته من الإثبات إعفاءا تاما، ولا تقتضي على نقل عبء الإثبات إلى خصمه شانها في ذلك شأن القرينة القانونية القاطعة.
وخير مثال عن القرينة القانونية البسيطة سنورده من أحكام المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير، فالمشرع افترض في الأب والأم تقصيرا في تربية الولد، فحملهما المسؤولية عن الأضرار التي يتسبب فيها للغير، وذلك استنادا إلى قرينة قانونية تفترض خطأهما في كيفية إشرافهما على تربية القاصر ورعايته، إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس، وعلى الأب والأم إثبات أنهما فعلا ما بوسعهما لتفادي وقوع الفعل الذي تسبب في الضرر.
كما اعتبر المشرع كذلك إرجاع الدائن للسند الأصلي للدين إلى المدين هو قرينة يفترض بها حصول الإبراء من الدين، مع شرط أن لا يتبث الدائن أن السند انتزع أو سرق منه.
-القرائن القانونية القاطعة
وهي القرائن التي لا تقبل إثبات العكس، وهذه القرائن هي على سبيل الحصر وقد أوردها المشرع في الفصل 450 من ق ل ع والذي ينص على ما يلي:
” القرينة القانونية هي التي يربطها القانون بأفعال أو وقائع معينة كما يلي:
1- التصرفات التي يقضي القانون ببطلانها بالنظر إلى مجرد صفاتها لافتراض وقوعها مخالفة لأحكامه.
2- الحالات التي ينص القانون فيها على أن الإلتزام أو التحلل منه ينتج عن ظروف معينة، كالتقادم.
3- الحجية التي يمنحها القانون للشيء المقضي به”.
-التصرفات التي يقضي القانون ببطلانها
كثيرة هي التصرفات التي يصرح القانون ببطلانها صراحة، ونذكر منها على سبيل المثال التصرفات التي ترد على تركة إنسان لازال على قيد الحياة.
وكذلك التصرفات التي يبرمها الشخص الذي فتحت في حقه إجراءات المسطرة الغيابية، وكذلك تصرفات الشخص الذي وقع عليه الحجز القانوني في إطار عقوبة جنائية… فجميع هذه التصرفات وتقع باطلة بقوة القانون.
-الظروف التي يستدل منها على وجود أو انقضاء الإلتزام
كثيرة هي الحالات التي ينص فيها المشرع على قرائن قاطعة تقيد إما نشوء الإلتزام أو انقضاءه.
فبالنسبة لنسوء الإلتزام نذكر على سبيل المثال، السكوت الذي اعتبره المشرع بمثاب قبول إذا تعلق الأمر بمعاملات سابقة. فعلا بين الطرفين، فالسكوت هنا هو قرينة على القبول، كما اعتبر كذلك الشروع في التنفيذ هو بمثابة قبول إذا كان القول غير مطلوب من الموجب.
وأما بالنسبة لإنقضاء الإلتزام، فالتقادم كسبب من أسبابه هو قرينة قانونية على الوفاء، يعفى من تقرر لمصلحته من أي إثبات، وهذا هو المبدأ، فكمن رفعنا عليه دعوى بعد مرور مدة التقادم، يكفيه التمسك به، فإذا تبت فإنه لا يطالب بإثبات الوفاء.
ومن مظاهر القرينة القانونية على انقضاء الإلتزام، هو اعتبا المشرع إرجاع كل طرف من أطراف العقد للآخر ما أخذه كمقابل لتنفيذ العقد هو قرينة على وقوع الإقالة وبالتالي إبراء ذمة كل واحد منهم تجاه الآخر، فإذا تبين أن البائع استرد المبيع إذ أن المشتري استرد الثمن، فإنه تمسك أي منهم بالإقالة يكون مبنيا على قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس.

حجية الشيء المقضي به
تعتبر الأحكام الحائزة لحجية الشيء المقضي به هي الأخرى من بين الأمور التي أدرجها المشرع في حكم القرائن القانونية، فهذه الأحكام ولو قبل صيرورتها حائزة لقوة الشيء المقضي به فإنها تحوز الحجية، بحيث لا يمكن رفع دعوى جديدة، بين نفس الأطراف بنفس الصفة وفي نفس الموضوع وبناءا على نفس السبب، سواء صدر الحكم برفض الطلب أو بقبوله. فالقضاء سيف في يد المجتمع وجد لإنهاء الخصومات وسد منافذها، لا لإثارتها وتحريك نيرانها دوما.
ثانيا: القرائن القضائية
تنص الماد 454 من ق ل ع على ما يلي:
” القرائن التي لم يقررها القانون موكولة لحكمة القاضي، وليس للقاضي أن يقبل إلا القرائن القوية الخالية من اللبس والقرائن المتعددة التي وقع التوافق بينها وإثبات العكس سائغ، ويمكن حصوله بكافة الطرق”.
كما نصت المادة 455 على أنه:” لا تقبل القرائن، ولو كانت خالية من اللبس ومتوافقة، إلا إذا تأيدت باليمين ممن يتمسك بها متى رأى القاضي وجوب أدائها”.
من خلال هاذين النصين يمكننا أن نستشف بأن القرينة القضائية هي التي تترك لتقدير القاضي ولحكمته فيستخلصها من ظروف القضية وملابساتها. فالقاضي يستنبط القرينة القضائية من واقعة معلومة في الدعوى فيستحيل بها على الأمر المجهول المراد إثباته، فهي تبدو كعلاقة بين واقعتين إحداهما ثابتة، والأخرى مجهولة، وتسمح بالإنتقال من الأولى إلى الثانية، ومثال ذلك أن نستخلص من القرابة بـيـن الأب و ابنه قرينة على صورية العقد فالقرابة هنا هي الواقعة المعلومة التي عني مدعي الصورية بإثباتها، والصورية هي الأمر المجهول المتنازع فيه، فيستطيع القاضي بطريق الإستنباط العقلي أن يستخلص من واقعة القرابة قرينة يستدل بها على الصورية.

و من بعد أن تكلمنا عن وسائل الإثبات الموضوعية في ق.ل.ع المغربي سوف نستعرض في المبحث الثاني لأهم وسائل الإثبات الشكلية في ( ق.م.م )

المبحث الثاني: وسائل الإثبات الشكلية في ( ق.م.م )
سوف نتطرق لكل من الخبرة والمعاينة في ( المطلب الأول) ثم لليمين في ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الخبرة والمعاينة
فبالرغم من أن المشرع قد جاء بهم في الباب المتعلق بإجراءات التحقيق بقانون المسطرة المدنية، لكن العمل القضائي أبان على أن كلا من الخبرة والمعاينة يعتبران من أهم الوسائل المعتمدة في الإثبات وأكثرهما شيوعا.
الفقرة الأولى: الخبرة:
لقد اهتم المشرع المغربي بالخبرة القضائية شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات المعاصرة وأفرد لها نصوص خاصة من المادة 59 إلى المادة 66 من قانون المسطرة المدنية المعدلة بمقتضى قانون 85-00 والمواد من 194 إلى المادة 209 من ق م ج،
إذا تمعنا في الأحكام المنظمة للخبرة سوف نجدها تنقسم إلى نوعين لا ثالث لهما فهي إما أن تكون خبرة قضائي أو غير قضائية.
الخبرة القضائية: ويقصد بها، ذلك الإجراء الذي يأمر به القاضي المقرر أو محكمة الموضوع كل حسب اختصاصه في إطار النازلة المعروضة، وقد يصدر هذا الإجراء بصفة تلقائية من القاضي أو بناءا على ملتمسات الخصوم.
وعندما يقوم القاضي بتعيين الخبير، فإنه يحدد له مهمته، ويقوم كذلك بتقدير أجرته ولا يترك ذلك للخصوم، ويعتبر الخبير بمثابة مساعد للقضاء وليس وكيلا عن الخصوم، وهو ملزم في تنفيذ إجراءات الخبرة بإتباع المسطرة المنصوص عليها في القانون المنظم للخبرة.
و ما يجب لفت الإنتباه إليه هو أنه إذا كان الأصل هو أن لجوء المحكمة للخبرة يعد أمرا اختياريا، إذ يبقى للقاضي السلطة التقديرية الكاملة والمطلقة لأمر بإجراء الخبرة أو رفضها بحيث لايملك الخصوم سلطة إجبار القاضي للرضوخ لطلبهم، فإن القانون نص في حالات خاصة على إجبارية الخبرة، بحيث تكون المحكمة ملزمة قبل البت في الطلب، بالأمر بإجراء خبرة ومن هذه الحالات ما نص عليه في الفصلين 202 و209 من قانون المسطرة المدنية.
الخبرة غير القضائية: أو الخبرة الإتفاقية كما يحلوا للبعض تسميتها، وتتميز هذه الأخيرة بكونها تنجز خارج إطار الدعوى القضائية، فالخصوم هم الذين يتفقون على تعيين الخبير، وتحديد مهمته، وتقدير أجرته. ويعتبر الخبير بمثابة وكيل على الخصوم، وهو غير ملزم بتنفيذ إجراءات الخبرة بإتباع الواعد المنصوص عليها في القانون المنظم للخبرة. وقد يتفق الخصوم مع ذلك على إعطاء رأي الخبير قيمة ثبوتية إلزامية مع أن الخبرة لم يأمر بها القضاء
وأما بخصوص مدى حجية الخبرة وسلطة القاضي بخصوصها، فيمكن القول بأن تقرير الخبير يعد دليلا من أدلة الإثبات في الدعوى، غير أن قيمته لا ترق إلى درجة الدليل الحاسم في النزاع بل يبقة من حق كل أطراف الدعوى مناقشته. ومن حيث حجيته فالقاعدة العامة أن تقدير الخبير يكتسب القوة الثبوتية التي تكون للأوراق الرسمية وبالتالي فلا يمكن إثبات عكس ما ضمن بالتقرير بهذا الخصوص إلا بالطعن فيه بالزور.
وأما فيما يتعلق بموقف القاضي من تقرير الخبير، فالسؤال المطروح بهذا الصدد، هل هو القاضي ملزم بالأخذ بما خلص إليه تقرير الخبير أم تبقى له كامل السلطة التقديرية بخصوص هذه الخبرة؟
وللإجابة عن هذا التساؤل سوف نستحضر مقتضيات المادة 63 من قانون المسطرة المدنية والذي جاء فيه ما يلي: ” لا يلزم القاضي الأخذ برأي الخبير المعين ويبقى له الحق في تعيين أي خبير آخر من أجل استيضاح الجوانب التقنية في النزاع”.
ومن خلال هذا المقتضى القانوني يتضح أن المحكمة لا تتقيد في حكمها برأي الخبير لها سلطة تقديرية واسعة الأخذ به أو غض النظر عنه.
وهذا هو ما أكدته محكم النقض في قرار جاء فيه: “يكون تقرير الخبير عنصرا من عناصر الإثبات التي تخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع دون رقابة عليهم من محكمة النقض…” وهذا الموقف هو السائد حتى لدى محكمة النقض الفرنسية.
الفقرة الثانية: المعاينة
لقد قام المشرع المغربي بتنظيم المعاينة كإجراء من إجراءات التحقيق في الفصول 55 ومن 67 إلى 70 من ق م م. تحت عنوان ” معاينة الأماكن”.
ويتضح من خلال العنوان المذكور أن المشرع قد اقتصر على تنظيم واحد من المعاينة ألا وهو معاينة الأماكن، على عكس بعض التشريعات المقارنة والتي نجد فيها المعاينة لا تقتصر على الأماكن فقد بل تشمل حتى الأشخاص والمنقولات.
ولقد قيل في المعاينة على أنها:” مشاهدة المحكمة لموضوع النزاع أو محله” ومن مزايا هذا الإجراء كونه يعوض الخبرة في الغالب وأنه يسفر عن عناصر ممتازة للتقدير لا يعوضها في بعض الأحيان تلقي الأشياء مباشرة، وأنه يمكن من التوفيق بين عدة إجراءات للتحقيق سيما فيما يتعلق بالبحث في عين المكان الشيء الذي يسهل معه على الشهود الإدلاء بتوضيحاتهم إذ يجنبهم الأوصاف الخاطئة.
وإذا رجعنا إلى الأحكام المنظمة للمعاينة فإننا نستشف على أن هذه الأخيرة إما تصدر تلقائيا من طرف القاضي وإما بناءا على طلب أحد الخصوم مع وجوب الإشارة إلى أن للقاضي السلطة التقديرية المطلقة لرفض طلب إجراء المعاينة والمقدم من طرف أحد الخصوم.
وما يجب لفت الإنتباه إليه هو أن المعاينة يمكن أن تكون موضوع دعوى أصلية لمن يخشى ضياع معالم واقعة قابلة للإندثار وهو ما أجازه المشرع من خلال الأوامر الولائية والإستعجالية لرئيس المحكمة كما يمكن أن يتخذ قرار المعاينة بمقتضى حكم قضائي حسبما نص على ذلك الفصل 62 من ق.م.م
وأما بخصوص حجية المعاينة أو قوتها الثبوتية، فهي تبقى إجراء من إجراءات التحقيق تستمد منه المحكمة دليلا مباشرا للإثبات فهي تؤدي إلى المزيد من إستشارة المحكمة وفهمها للدعوى المعروضة عليها، كما أنها قد تنتج كذلك ثبوتا لبعض الوقائع بمساعدة المحكمة لها؛ وهي في بعض الأحيان الدليل القاطع الذي لا غنى عنه.
وبالتالي فالسلطة التقديرية الواسعة تبقى للقاضي في مجال المعاينة، بحيث يمكنه تكييف الوقائع محل الإثبات حسب قناعته الشخصية التي توصل إليها بشكل مبرر من خلال الإجراءات المتبعة عند الوقوف على عين المكان.

المطلب الثاني : اليمين

و ما يجب الإشارة اليه في مستهل الحديث عن اليمين هو أن المشرع قد حصرها ضمن وسائل الإثبات الموضوعية المنصوص عليها بصريح الفصل 404 ق.ل.ع لكنه أحال على الأحكام المنظمة اليها بمقتضى الفصل 460 من ق.ل.ع على قواعد المسطرة المدنية
فقد عرفها الأستاذ السنهوري بأنها ” قول يتخذ فيه الحالف الله شاهدا على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد، وستنزل عقابه إذا ما حنت”.
وقد حصر المشرع المغربي اليمين كوسيلة من وسائل الإثبات. ونص على ذلك صراحة في الفصل 404 من ق ل ع، ليعود في الفصل 460 من نفس القانون، و يحيل بشأن القواعد المنضمة لها إلى ق.م.م
واليمين بصفة عامة نجدها تنقسم إلى نوعين، يمين حاسمة ويمين متممة.
اليمين الحاسمة: لم يعرفها المشرع ولم يوليها أهمية بتنظيم مختلف جوانبها، بل اكتفى بنصه في الفصل 85 من ق م م على أنه: ” إذا وجه أحد الطرفين اليمين إلى خصمه لإثبات ادعائه أوردها هذا الأخير لحسم النزاع نهائيا فإن الخصم يؤدي اليمين في الجلسة بحضور الطرف الآخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية.
وقد عرفها القضاء بأنها: “وسيلة من وسائل الإثبات يوجهها الطرف الذي يعوزه الدليل”
و ما يمكن قوله، فاليمين الحاسمة تعد طريق غير عادي للإثبات، لأن من يوجهها لا يقيم الدليل على شيئ، و انما هو يلجأ إليها كسهم أخير في جعبته. فقد يصيب من خصمه ذمته أو ضميره أو عقيدته، و هي وسيلة تنطوي على مجازفة لأن من وجهت إليه اليمين إن أداها كسب الدعوى، و لذلك لا يلجأ إليها الخصم إلا عند تجرده من الدليل و اليمين الحاسمة بخلاف المتممة، لا توجه إلا من الخصم لخصمه، فالقاضي ليس من حقه توجيه يمين حاسمة إلى أحد الخصوم و هذا ما أكدته المادة 85 من ق.م.م
ومن أجل توجيه اليمين الحاسمة يجب أن تتوفر الشروط التالية:
· أن يتم توجيه اليمين من المدعي.
· أن يكون المدعي متمتعا بكامل الأهلية.
· أن يتحرر قول المدعي من أي دليل قانوني.
وبقي أن تشير في الأخير إلى أنه إذا قبل الموجه إليه اليمين أدائها، وقام بذلك وفق الصيغة والشروط القانونية المتطلبة، فإن النزاع يحسم بصدور الحكم الذي يثبت أداء اليمين وتكون ذمة مؤديها قد برئت اتجاه موجه اليمين، والحكم الذي يصدر بناء على أداء اليمين يكون حاسما للنزاع. و أما في حالة النكول عن اليمين الحاسمة فقد اختلفت الآراء الفقهية كثيرا حول هذه الحالة، لكن على المستوى القانوني فإن المشرع انتصر للرأي الذي يعتبر النكول عن اليمين، دون ردها أساسا للقضاء على الناكل، دون إلزام المدعي بحلف اليمين، ويستشف ذلك من اعتبا المشرع” النكول عن اليمين” من ضمن وسائل الإثبات، ولكن النص القانوني ليس حاسما، وقد وجه إليه نقد من بعض الفقه الذي اعتبر بأن النكول عن اليمين لوحدها ليس دليلا كاملا بل بداية حجة يجب أن تعزز بيمين من طالب به.
و أما فيما يخص حجية اليمين الحاسمة، فهي تعتبر دليل إثبات تام لا يجوز بعده إقامة أي بينة فأثر الحلف باليمين الحاسمة أو النكول عنها قاطع بالنسبة للخصوم و للقاضي، فمن حلفها يحكم لمصلحته، و من نكل عنها يحكم ضده. و القاضي يلتزم بهذا الأثر فلا يملك الفصل في الدعوى بغير ذلك و هو نفس الإتجاه سلكته محكمة النقض

اليمين المتممة: تعتبر اليمين المتممة وسيلة قانونية موضوعة رهن إشارة القاضي، يوجهها تلقائيا إلى المدعي الذي أدلى لإثبات حقه بدليل ناقص أو بداية حجة، فيعزز ذلك الدليل بيمينه، ولذلك نجد الفصل 87 م ق. م.م ينص على أن: ” إذا تبين للمحكمة بأن أحد الأطراف لم يعزز إدعاءاته بالحجة الكافية جاز لها أن توجه تلقائيا اليمين إلى هذا الطرف بحكم يبين الوقائع التي ستلقى اليمين بشأنها”.
ومن خلال هذا التعريف يتضح أنه من اجل توجيه اليمين المتممة استوجب توفر الشروط التالية:
· يتعين على المحكمة التثبت من وجود دليل ناقص أو بداية حجة..
· وأن تتوفر في المدعي الأهلية اللازمة لأدائها.
و من خلال ما تقدم يتضح أن اليمين المتممة هي حق للقاضي وحده، و هي لا تعدو أن تكون إجراء من إجراءات الإثبات. و يترتب عن ذلك أن القاضي يظل حرا في توجيه اليمين، و في اختيار أحد الخصمين أو كليهما، فهي حجة غير ملزمة للقاضي و بالتالي فهو غير ملزم بالحكم بما أدت إليه. إذ بإمكانه الحكم بعكسها، أو الفصل لصالح الناكل أو ضد الحالف و قد يقضي برفضها بناءا على عناصر أخرى توافرت لديه.

منقول


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...