الآليات الحديثة لتدبير الموارد البشرية بالوظيفة العمومية في المغرب
الموارد البشرية هي ذلك الجزء من السكان الذي ينتج ليس فقط لاستهلاكه و تأمين حاجاته، و إنما ينتج للاستهلاك و إعالة أنفسهم و كذا الفئات الأخرى من السكان غير المنتجين خارج سن العمل من أطفال و شباب قبل سن العمل و الشيوخ و كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم سن المعاش و أصبحوا غير منتجين.
لذلك تضم الموارد البشرية كل الأفراد العاملين في المنظمة من مختلف الأصناف و الجنسيات و مهما اختلفت و تنوعت مستويات و مهاراتهم و أنواع الأعمال التي يقومون بها . و أكيد أن أي برنامج لتحديث المرافق العامة يجب أن ينطلق من العنصر البشري، باعتبار هذا الأخير جوهر العملية المرفقية ومحركها الفعلي وبالتالي فإن الإهتمام بتأهيله و تثمينه و الإهتمام بمتطلباته المادية و المعنوية، يوفر فرصا حقيقية لتحسين أداء المرافق العامة و فعاليتها و مردوديتها، فمن أهم جوانب الحكامة الجيدة ما يخص التدبير الجيد لموارد مكونة و مؤطرة و محفزة بشكل جيد. و في المغرب فقد جعلت الحكومة من إصلاح الإدارة العمومية و تطويرها و تأهيل الموارد البشرية إحدى الأولويات الأساسية في برنامج العمل الحكومي، وفي هذا السياق توجه الإهتمام إلى إصلاح نظام الحكامة الإدارية من خلال تحيين النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، و تكريس مجموعة من الآليات الحديثة التي من شأنها أن تساهم في تطوير و تأهيل الأساليب المعتمدة في تدبير الموارد البشرية في مجال الوظيفة العمومية، و بالرجوع إلى حصيلة منجزات وزارة تحديث القطاعات العامة (وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة حاليا) برسم سنتي 2010-2011 نجد أنها عملت على اعتماد عدة مقتضيات قانونية و تنظيمية من أجل تدبير محكم و جيد للموارد البشرية،وعلى هذا الأساس سنعمل على تحليل الآليات التي تهدف بشكل عام إلى تثمين الموارد البشرية ( أولا)، لننتقل بعد ذلك إلى دراسة أحد البرامج ” إعادة الإنتشار” التي حاولت من خلالها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية و تحديث الإدارة، التأسيس لنوع من التوازن في توزيع الموظفين ما بين الإدارات العمومية و الجماعات الترابية أو مابين الإدارات المركزية لمختلف القطاعات الوزارية و مصالحها غير الممركزة ( ثانيا).
أولا: تثمين الموارد البشرية.
بالنظر لأهمية الموارد البشرية، باعتبارها رافعة أساسية للنهوض بالإدارة العمومية و لإنجاح برامج تحديثها، فقد إنصب الإهتمام في المغرب من طرف الجهات المختصة على تطوير المنظومة القانونية لموظفي الإدارة العمومية وذلك من أجل تحسين وضعية الموظفين، و الرقي بجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين و تكييف منظومة تدبير الموارد البشرية مع المهام التي تضطلع بها الإدارة بهدف الإنتقال من تدبير تقليدي للموارد البشرية إلى تدبير عصري يراعي الكفاءة ويثمن الإستحقاق و المردودية، ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية عملت الجهات المختصة في المغرب على تكريس مجموعة من الميكانزمات و الآليات الحديثة من أجل تدبير أفضل للموارد البشرية ويمكن تلخيصها في النقط التالية:
1- إعداد الدليل المرجعي للوظائف و الكفاءات.
يعتبر الدليل المرجعي للوظائف و الكفاءات من الوسائل الأساسية التي تساهم بشكل فعال في تدبير الموارد البشرية، و يمثل هذا الأخير الوثيقة المعيارية التي تقوم كل إدارة بإنجازها بواسطة فريق عمل مختص لهذه الغاية، من خلال تحليل و تشخيص لما تتضمنه كل وظيفة وتحديد الشروط التي يجب توفرها في الشخص المرشح لشغلها.
ويتم إعداد الدلائل المرجعية للوظائف و الكفاءات على مستويين، المستوى الأول مشترك بين القطاعات الوزارية حيث يتم إحداث لجنة مختصة و مشتركة تترأسها وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة و تتكلف هذه اللجنة بتنسيق أعمال مختلف القطاعات الوزارية و المصادقة على الأشغال التي تم إنجازها،أما المستوى الثاني فيتم إعدادها بشكل قطاعي من خلال تعيين فريق عمل مختص لأعداد الدليل المرجعي.من أجل التأسيس لتدبير منهجي و توقعي للموارد البشرية .
2- تعميم الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للوظائف و الكفاءات.
الدليل المنهجي هو عبارة عن مجموعة من المعارف و المناهج و التقنيات التي تمكن الجهات المسؤولة عن تدبير الموارد البشرية على مستوى القطاع العمومي من الأساليب الضرورية لإعداد الدلائل المرجعية للوظائف و الكفاءات، وقد عملت وزارة تحديث القطاعات العامة على إنجاز الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للكفاءات البشرية بمساعدة جهات أجنبية تمثلت في مجموعة من الخبراء الدوليين إلى جانب أعضاء لجنة الإشراف المشتركة بين الوزارات التي تعمل على إعداد الدلائل المرجعية. و قد عملت الوزارة على تعميم هذا الدليل على مختلف الإدارات العمومية، من أجل التأسيس لمرجعية واحدة في هذا المجال، و نظمت تحت تأطير مجموعة من الخبراء الدوليين و بتمويل من البنك الدولي و الإتحاد الأوروبي عدة لقاءات و مدارسات لتمكين المسؤولين عن تدبير الموارد البشرية من تقنيات التدبير التوقعي المعتمدة دوليا في هذا المجال.
3- المرجع المشترك لتدبير الموارد البشرية.
تهدف وزارة تحديث القطاعات العامة ( وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة حاليا) من إنجاز المرجع المشترك لتدبير الموارد البشرية، تحقيق مجموعة من الأهداف التي تتمثل أساسا في التأسيس لمجموعة من الآليات التي من شأنها توحيد المفاهيم و قواعد التدبير و تحسين جودة المعطيات،بالإضافة إلى الإستجابة لمتطلبات الجهات المشرفة على تدبير الرأسمال البشري وذلك بوضع مرجع لتدبير الموارد البشرية على الموقع الإلكتروني الخاص بالوزارة مند فاتح فبراير 2010 و يتضمن هذا المرجع مجموعة من الدلائل.
دليل خاص بالمفاهيم، وهو عبارة عن مجموعة من البطائق التي تم تجميعها لوصف المفاهيم المتداولة في مجال تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية، المكونة من التعريف و المراجع المتعلقة بالنصوص القانونية و التعاليق المحتملة لفهمها، ثم الدليل الخاص بالمساطر الإدارية في تدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية، بالإضافة معجم مشترك لإبراز وصف تقني للمعطيات المشتركة المستعملة في نطاق تدبير الموارد البشرية.
ويمكن القول أن الهدف من وضع المرجع المشترك بين الإدارات العمومية في مجال تدبير البشرية هو من أجل تأمين تقسيم فعال للوظائف من شأنه أن يتدارك الأخطار المحتملة.
ثانيا: برنامج “إعادة الإنتشار” كآلية لتدبير الموارد البشرية.
على إثر الوضعية التي تعيشها الإدارة المغربية و المتجسدة في سوء توزيع الموارد البشرية و غياب تدبير معقلن لهذه الموارد، كل هذه العوامل دفعت بالجهات المختصة إلى تهيئ برنامجا أطلقت عليه ” إعادة الإنتشار”، و كان الهدف من وراء هذا البرنامج هو تبسيط و تيسير مختلف المقتضيات التنظيمية المرتبطة بنقل الموظفين و إعادة تعيينهم و إلحاقهم مع الأخد بعين الإعتبار البعد الترابي و البعد المشترك بين القطاعات.إذن حري نبا أن نتساءل عن الإطار القانوني المنظم لهذا البرنامج، ثم أين تجسدت تطبيقاته ؟ وكيف يكمن تقييمه؟
1- الإطار القانوني لبرنامج إعادة الإنتشار.
لم يظهر مفهوم ” إعادة الإنتشار” في مصطلحات قطاع الوظيفة العمومية، إلا بعد صدور الفصلين 38 مكرر و 38 مكرر مرتين من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، المتعلقين بحركية موظفي الدولة بهدف توسيع مجال إنتقال الموظفين ما بين المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، وذلك في إطار حركيتهم سواء من إدارة عمومية إلى جماعة ترابية أو العكس.
وقد أضافت التعديلات الجديدة التي لحقت النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية إمكانية تخويل الموظفين المنقولين تعويضا إذا كان قرار الإلحاق سيؤدي إلى تغيير محل إقامة الموظفين، كما أشار الفصل 38 مكرر مرتين من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أنه في حالة تحويل مصالح من إدارة عمومية إلى إدارة أخرى أو في حالة لاتركيز أو لا مركزية إحدى المصالح فإن الموظفين المنتمين لهذه المصالح ينقلون أو يلحقون بصورة تلقائية.
2- وضعية الإلحاق كصورة من صور إعادة الإنتشار.
لقد تم تنظيم وضعية الإلحاق في الفصول من 47 إلى 53 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حيث أشار الفصل 47 إلى أنه يعتبر الموظف في و ضعية الإلحاق إذا كان خارجا عن سلكه الأصلي مع بقائه لهذا السلك و متمتعا بحقوقه في الترقية و التقاعد، و يعتبر الإلحاق إحدى الوضعيات الأربع التي يمكن أن يكون فيها الموظف وقد تمت الإشارة في التعديل الجديد لقانون الوظيفة العمومية في الفصل 48 إلى قائمة الإدارات و الهيئات التي يمكن إلحاق الموظفين إليها.
كما تم تحديد القواعد المتعلقة بإعادة إدماج الموظفين الملحقين، حيث أن الموظف الملحق الذي يرجع إلى إدارته الأصلية لأي سبب غير ارتكابه لهفوة في مزاولة مهامه و الذي لا يمكن إعادة إدماجه في سلكه الأصلي بسبب عدم وجود منصب شاغر مطابق لدرجة الموظف في إطاره الأصلي، يستمر في تقاضي أجرته المطابقة لوضعيته النظامية خلال السنة الجارية من الإدارة التي كان ملحقا بها حسب ما أشار إليه الفصل 51 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
3- تقييم “برنامج إعادة الإنتشار”.
تميزت عملية توزيع أو إنتشار موظفي الدولة ما بين القطاعات الوزارية بعدم التطابق و التوازن بين المهام الموضوعة من أجلها و الموارد المرصودة لها، فمن خلال الإطلاع على مختلف بيانات توزيع موظفي الدولة يلاحظ عدم وجود توازن بين الإدارات المركزية و المصالح اللاممركزة، بالإضافة إلى هذا المشكل ظهرت مجموعة من التحديات الأخرى و المرتبطة أساسا بتعدد الأنظمة الأساسية و الخاصة بمجال الوظيفة العمومية و كثرة الدرجات، كل هذه العوامل و غيرها ساهمت بشكل مباشر في إفشال مشروع إعادة إنتشار موظفي الدولة في مجال الوظيفة العمومية .
وفي إطار الدور الجديد للدولة و متطلبات اللامركزية و عدم التركيز الإداري و الوعي المتزايد للمرتفقين للحصول على خدمات جيدة و بالسرعة المطلوبة، تضل عملية إعادة الإنتشار دعامة أساسية لتحديث و تطوير الإدارة المغربية و عاملا محوريا في تنمية الكفاءات البشرية و تطوير مهاراتها التقنية و العمل على التأسيس لذلك في التعديلات التي ستلحق المنظومة القانونية المتعلقة بالوظيفة العمومية وبمجال الموارد البشرية بشكل عام.
لائحة المراجع:
1- مراجع باللغة العربية:
– إبراهيم كومغار، المرافق العامة الكبرى على نهج التحديث،الطبعة الأولى 2009.
– عبد الله العبدلي، ” تأهيل الموارد البشرية في الإدارة العمومية، دولة الإمارات نموذجا ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، 2002-2003.
– حصيلة منجزات وزارة تحديث القطاعات العامة 2010-2011،نونبر 2011.
– الظهير الشريف رقم 1.58.008 المؤرخ في 24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
2- مراجع باللغة الفرنسية:
– MMSP ; réalisation d’une nomenclature commune de classification des emplois ; rapport de la phase 1 .
– MMSP ; nomenclature commune de classification des emplois de l’administration publique ; rapport de la phase 3.
www.fsjes-agadir.info