الإدارة القضائية من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة
إن مشروع الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة بالمغرب٬ يقتضي مع ما حدده لنفسه من برامج ومرجعيات وما سطره من
أهداف و إجراءات٬ إشراك كل المتدخلين في حقل العدالة٬ ذلك أن العملية التحديث والتطوير هي رؤية متكاملة في المجالات
الأساسية الثلاث المتعلقة بالعنصر البشري٬ والإطار القانوني٬ والبنيات الإدارية.
من هذا المنطلق يأتي حديثنا اليوم عن الإدارة القضائية٬ باعتبارها مؤسسة من بين مؤسسات الإدارة العمومية؛ يعهد إليها تدبير
الشؤون القضائية لعموم المواطنين٬ وتنفيذ المهام التي اضطلعت بها٬ بهدف تحقيق المصلحة العامة.
و من هذا المنطلق أيضا نطرح الأسئلة التالية: فهل نالت الإرادة القضائية حقها من الاهتمام والعناية في ميثاق إصلاح منظومة
العدالة ؟ وما هي الأمور التي وجب استدراكها على هذا الميثاق فيما يخص الإدارة القضائية أثناء عملية تنزيله؟ حتى يكون
التنزيل سليما ويحقق النجاعة والفعالية المرجوة من هذا الإصلاح.
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا العرض٬ الذي قسمناه إلى أربع نقاط٬ أولا: مفهوم الإدارية القضائية٬ ثانيا: واقع
الإدارة القضائية قبل ميثاق يوليوز ٬2013 ثالثا: الإدارة القضائية من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة٬ رابعا: رصد وتبيان
أوجه القصور والخلل في رؤية الميثاق الإدارة و محاولة استدراكها.
أولا: مفهوم الإدارة القضائية.
يتأسس مفهوم الإدارة القضائية اليوم على طبيعة الصلاحيات و المهام التي أصبح أطر وموظفو كتابة الضبط يضطلعون بها٬
والتي هي اليوم تختلف بشكل كبير عن المهام البسيطة التي كانت مسنودة إليهم سابقا٬ أهمها الأعمال المحاسبية والتقنية
والمعلوماتية والمساعدة الاجتماعية…٬ والشبه القضائية: ¬¬¬¬(افتتاح الدعوى٬ التبليغ٬ التنفيذ٬ حضور الجلسات …)٬ وهي
تخصصات ومهام ذات أهمية كبيرة في سير القضايا بصفة خاصة وفي تحقيق العدالة بصفة عامة.
وتشمل الإدارة القضائية جميع أطر وموظفي وزارة العدل والحريات من غير القضاة٬ سواء منهم العاملين بالإدارة المركزية أو
المحاكم والمديريات الفرعية والمراكز الجهوية للحفظ.
وهكذا يكون مصطلح الإدارة القضائية أشمل وأعمق وأدق من مصطلح هيئة كتابة الضبط٬ لأن المصطلح الثاني يحيلنا مباشرة
على العمل الإجرائي اليومي للأطر والموظفين داخل المحاكم٬ في حين يتعداه الأول ليشمل كل ما هو إداري حتى وإن لم يدخل
في صلب الإجراءات الاعتيادية لعمل كتابة الضبط٬ كالأعمال المحاسباتية٬ والتقنية٬ والمعلوماتية المساعدة الاجتماعية
وغيرها…
وتشكل الموارد البشرية للإدارة القضائية ما يناهز ثمانين بالمائة من مجموع الموارد البشرية لوزارة العدل٬ وبالضبط
28.79%٬ منها 37.35 %من الأطر الحاصلة على شهادة الإجازة فما فوق. مما يعني أن هذه الإدارة تزخر بأطر وكفاءات
ذات تعليم عالي يبلغ عددها أكثر من عدد قضاة المملكة مجتمعين٬ بوسعهم استنادا إلى مؤهلاتهم العلمية٬ وتجربتهم الميدانية
تحمل أعباء ومسؤوليات إدارية٬ تتجاوز نطاق التبعية للسطة القضائية والعمل تحت إشرافها الذي ظل يؤطر ويحكم النظرة
النمطية لهذه الفئة من جهاز العدالة.
ثانيا: واقع الإدارة القضائية قبل ميثاق يوليوز 2013.
كما هو معلوم عند جميع الباحثين أن المشرع المغربي ومنذ صدور قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة المغربية يوليوز
٬1914 أسند للهيئة القضائية كجهاز مع مهامهم القضائية الإشراف الإداري على الموظفين بالمحاكم٬ كما أسند إليها مهام
إجرائية ومسطرية تدخل في صميم العمل الإداري لكتابة الضبط في هذا السياق تشكلت كتابة الضبط (الإدارة القضائية) في
المغرب وعرفت مع تشكلها تعثرا في بنيتها الداخلية٬ انعكس سلبا فيما بعد على قوانينها التنظيمية وتدبيرها وتكوينها للموارد
البشرية كما سيأتي بيانه في هذا العرض.
وعرفت الإدارة القضائية قبل دستور 2011 ارتباكا في تحديد طبيعة العلاقة بين جهاز القضائي والسلطة الحكومية المكلفة
بالعدل٬ وذات الارتباك لازال قائما في تحديد طبيعة العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في ظل
دستور نص علي الفصل والتوازن والتعاون بين السلط ولكي لا أطيل عليكم أحصر واقع الإدارة القضائية قبل و بعد دستور
2011 في النقاط التالية:
1 .في ظل غياب دليل الوظائف والكفاءات فنحن بإزاء إدارة قضائية بيوقراطية ذات هيكلة عمودية مبنية علي الأوامر و ليس
علي الاختصاصات.
2 .تردد وزارة العدل والحريات في إصدار منشور مرجعية الوظائف والكفاءات منذ إعداده سنة 2012 إلي الآن.
3 .خمسة وأربعون مادة من النظام الأساسي لكتابة الضبط 2011 حول فئات هيئة كتابة الضبط وأرقامها الاستدلالية٬ وتوظيفها٬
وترقيتها٬ وإدماجها٬ ولم يخصص منها مواد لمهامها ووظائفها.
4 .سوء تدبير الموارد البشرية ذات المستويات المعرفية المتفاوتة والتخصصات المتنوعة بسوء توزيع الأشغال عليها.
5 .يخضع الموارد البشرية بوزارة العدل في غياب المدرسة الوطنية لكتابة الضبط لتكوين له ثلاثة روافد؛ اثنان منها من داخل
الإدارة القضائية (المعهد العالي للقضاء) و(الإدارة المركزية من خلال مديرية الموارد البشرية قسم التكوين والتتبع والتقييم)
وواحدة خارج الإدارة القضائية تتحدد بالأساس في التعاقد مع المعاهد الخاصة كلما دعت الحاجة إلي ذلك.
6 .إسناد مهام إدارية للقضاة إضافة إلي المهام القضائية٬ الشيء الذي يزيد في العبء علي السادة القضاة ويؤثر علي النجاعة
القضائية وجودة الأحكام.
7 .انضباط أطر وموظفي كتابة الضبط للسلطة القضائية٬ وخضوعهم في نفس الوقت للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل٬ مع العلم
أن التمرين الدستوري في وضع القوانين يقضي بعدم مخالفة مبدأ الفصل بين السلط في دستور 2011.
8 .عدم التوازن بين السلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في هيكلة المحاكم المغربية فكل الهياكل تهم القضاة
(اللجان٬ مكتب الحكومة٬ و الجمعية العمومية٬ و غيرها) مقابل مسير إداري تحت إشراف المسئول القضائي.
9 .والسبب في مخالفة مبدأ الفصل السلطتين القضائية والتنفيذية و مبدأ التوازن بينها يرجع بالأساس إلي غياب إطار يوضح
طبيعة التعاون بين السلطتين.
ثالثا: الإدراة القضائية من خلال ميثاق إصلاح منظومة العدالة.
بالإطلاع على الميثاق نجد الحديث عن الإدارة القضائية بشكل واضح وأساسي ينحصر في الهدف الرئيسي السادس٬ لكن قبل
الوصول إلى هذا الهدف المخصص للإدارة القضائية فقد وردت بعض المقتضيات المتفرقة هنا وهناك تشير بشكل أو بآخر إلى
الإدارة القضائية.
• المقتضيات المتعلقة بالإدارة القضائية والمتفرقة بين ألأهداف الأساسية والأهداف الفرعية في الميثاق
في الهدف الرئيسي الأول٬ والذي يتحدث عن استقلال السلطة القضائية٬ يشير في الهدف الفرعي الخامس٬ وبالضبط آلية التنفيذ
رقم 30 إلى مايلي: “التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل في مجمل شؤون منظومة العدالة٬ لاسيما فيما
يتعلق بتعيين مسؤولي مصالح كتابة الضبط بالمحاكم, ومشاريع البنايات والتجهيز”
هذا الإجراء التنفيذي هو أول مؤشر على الخلط الواضح بين ما هو قضائي وما هو إداري٬ إذ أن تعيين مسؤولي الإدارة
القضائية ورؤساء مصالح كتابة الضبط بالمحاكم هو شان إداري صرف٬ لا معنى لورود مقتضيات تنص على التنسيق في
تعيينهم بين السلطتين٬ كما أنه يتاقض مع ما ورد في الميثاق نفسه في الإجراء التنفيذي رقم 162 والذي ينص صراحة على
اعتماد معايير موضوعية في إسناد المسؤولية الادارية لموظفي هيئة كتابة الضبط٬ في إطار الشفافية وتكافؤ٬ والسعي نحو
المناصفة.
فالتنصيص على مثل هذا المقتضي كفيل بخلق نوع من التملق والتزلف للمسؤولين القضائيين من قبل أطر الإدارة القضائية قصد
نيل التزكية اللازمة للظفر بمنصب المسؤولية.
أيضا نجد الهدف الفرعي الرابع من الهدف الرئيسي الرابع مخصص للارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء يتضمن عدة إجراءات
تنفيذية مكانها الطبيعي هو المواد والبنود المنظمة للإدارة القضائية:
;;
الإجراء التنفيذي رقم 123 المتعلق باعتماد وسائل الاتصال الحديثة لضبط و تسريع إجرءات التبليغ.
;;
الإجراء التنفيذي رقم 125 الذي يتحدث عن تطوير عمل اللجان الثلاثية المكونة علي صعيد محاكم الاستئناف بهدف
النهوض بنجاعة الإدارة القضائية للمحاكم.
;;
الإجراء التنفيذي رقم 132 الذي يتحدث عن تحسين ظروف استقبال المواطنات وتعميم المعلومة القانونية والقضائية.
فهذه مقتضيات هي من صلب وجوهر عمل الإدارة القضائية٬ إذ السهر علي إجرءات التبليغ هو من اختصاص الإدارة القضائية
كما أنا استقبال المرتفقين وتزوديهم بالمعلومة الضرورية هي من مهام الإدارة القضائية. في حين أن اللجان المهنية المتحدث
عنها في الميثاق٬ للأسف جاء مشروع التنظيم القضائي لمحاكم المملكة ليعطي تمثيلية هاشمية للإدارة القضائية فيها٬ بتنصيصه
على حضور المسير الإداري فيها بصفته مقررا٬ مع العلم أن معظم المشاكل الممكن حلها داخل هذه اللجان هي المشاكل
إجرائية٬ والمسؤولون على الأقسام والشعب وكذا الموظفون المزاولون لهذه المهام٬ هم أقدر الناس علي طرح الحلول العملية
لتلك الإشكالات.
أيضا نجد الحديث عن إحداث مدرسة وطنية لكتابة الضبط والرفع من قدرات الموارد البشرية كتابة الضبط قد ورد في الهدفين
الفرعيين الأول والخامس من الهدف الرئيسي الخامس الذي يتحدث عن إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة٬ تضمنت
الأهداف الإجرائية الواردة بهذين الهدفين الفرعيين عدة مقتضيات٬ والأولى أن ترد في السياق الحديث عن الإدارة القضائية مثل
الحديث في الهدف الإجرائي 161 عن وضع معايير موضوعية وشفافة لتقييم أداء موظفي هيئة كتابة الضبط ولترقيتهم والهدف
الإجرائي 163 عن اعتماد إلزامية القيام بتدريب حول الإدارة القضائية لتولي منصب المسؤولية الإدارية فهذه المقتضيات
يفترض أن يتم التنصيص عليها في معرض بيان سبل تحديث الإدارة القضائية٬ والنهوض بأدائها.
• مضامين الهدف الرئيس السادس من الميثاق و المتعلق بالإدارة القضائية.
ورد هذا الهدف تحت عنوان تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها ضمن الجزء الثاني من الميثاق والمتعلق بالأهداف
الاستراتيجية الكبرى الإصلاح منظومة العدالة٬ هذا الهدف الرئيسي يشمل خمسة أهداف فرعية:
1 إقامة إدارة قضائية احترافية ومؤهلة.
2 تأسيس إدارة قضائية قائمة على اللاتمركز الإداري والمالي.
3 إرساء مقومات المحكمة الرقمية.
4 تحديت خدمات الإدارة القضائية وانفتاحها علي المواطن.
5 الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم.
وتضمن 22 إجراء تنفيذيا من أصل مائتي إجراء تنفيذي وارد بالميثاق.
وبالرجوع إلي مضامين هذا الهدف الرئيسي نجد أن عناوين الأهداف الفرعية لا تنسجم مع مضامينها٬ فمثلا نجد الهدف الفرعي
الأول في هذا المحور يعنون بإقامة إدارة قضائية احترافية ومؤهلة٬ في الوقت الذي نجد أول هدف إجرائي فيه يتحدث عن
استقلالية السلطة القضائية عن الوزارة من خلال مراجعة وتنظيم اختصاصات هذه الأخيرة علي ضوء الدستور الجديد٬ وهو
مقتضى في الحقيقة لا معني له في سياق الحديث عن الإدارة القضائية٬ إلا أنه يعكس الهاجس الذي يتملك واضعي الميثاق إزاء
استقلالية السلطة القضائية عن السلطة الإدارية إلي حد جعله يمعن في تغول هذه الأخيرة علي حساب الإدارة القضائية٬ وهو ما
يتضح جليا في مقتضيات الإجراء التنفيذي 181 الذي ينص علي إحداث منصب مسير إداري بالمحكمة يقوم بمهام التسيير تحث
إشراف المسؤولين القضائيين بها.
وهنا يتضح أن واضع الميثاق يتعامل مع الوثيقة الدستورية بمكيالين٬ فعندما يتحدث عن السلطة القضائية يحرص كل الحرص
علي ضمان استقلاليتها عن باقي السلط وهذا جيد ومطلوب٬ لكنه بالمقابل يغفل أن دستور المملكة المغربية يتحدث عن استقلال
السلط عن بعضها. وهذا يفترض أن الإدارة القضائية هي جزء من السلطة التنفيذية يجب أن تظل مستقلة عن السلطة القضائية
وخاضعة فقط لمراقبة وإشراف السلطة االتنفيذية ممثلة في السلطة الحكومية المكلفة بالعدل٬ وأن علاقتها بالسلطة القضائية أي
المسؤولين القضائيين بالمحاكم يجب أن تكون علاقة تنسيق و تعاون فيما هو مشترك في إنتاح العدالة٬ و تقديم خدمة جيدة
للمرتفقين٬ لا علاقة تبعية وخضوع٬ وبالتالي لا معنى للتنصيص على خضوع المسير الإداري لإشراف المسؤولين القضائيين
مع أن كلا من المسؤول القضائي و المسؤول الإداري يخضع لسلطة مختلفة عن السلطة التي يخضع لها الطرف الآخر٬
فالمسؤول القضائي يخضع للسلطة القضائية٬ والمسؤول الإداري يخضع للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل.
وهذا ما تكرس مع صدور مسودة مشروع التنظيم القضائي للمملكة الذي جاء مغيبا تماما لأي سلطة حقيقية للإدارة القضائية
حيث بالإضافة إلي تنصيصه علي خضوعها للسلطة المسؤولين القضائيين غيبها عن كافة الأجهزة التقريرية بالمحاكم اللهم عدا
Tweet
حضور باهت في شخص المسير اللإداري في بعض تلك الاجهزة وبصفته مقررا لاغير.
ملاحضة الأخرى يمكن إثارثها بخصوص المسير القضائي٬ فالميثاق يتحدث عن إحداث منصب مسير لإداري٬ مما أعطى إشارة
مفادها أن الأمر يتعلق فعلا بمنصب جديد٬ و انصرفت الأذهان إلي أنه عنصر الربط بين الإدارة القضائية التي يرأسها علي
صعيد كتابة الضبط رئيس كتابة الضبط٬ وبين الجهاز القضائي داخل المحكمة ممثلا في رئيس المحكمة إلا أنه وبصدور مسودة
التنظيم القضائي للمملكة تبين أن الأمر لا يعدو أن يكون تغييرا في اسم مصلحة كتابة الضبط لا أكثر.
أيضا تنصيص الميثاق علي تحديث الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط وإعادة تنظيمها و هيكلتها لم يجد له صدى عند تنزيل بنود
الميثاق في جل مشاريع القوانين المطروحة للنقاش الآن٬ خاصة مشروع التنظيم القضائي للمملكة الذي غيب تماما الإدارة
القضائية داخل المحاكم وجعلها ظلا للسلطة القضائية٬ وهنا نعتقد أن تحديث الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط وإعادة تنظيمها و
هيكلتها وكذا اعتماد مرجعية للوظائف والكفاءات في عمل الإدارة القضائية كان من الأجدر أن يسبق التنظيم القضائي للمملكة
ليأخذ هذا الأخير بعين الاعتبار الهيكلة الجديدة الإدارة القضائية والمهام التي يمكن أن تناط بها٬ وأن صدور هذه القوانين بشكل
متأخر عن التنظيم القضائي وعن مجموعة من القوانين الأخرى كالمسطرتين المدنية والجنائية وكذا القانون التنظيمي للمجلس
الأعلي للسلطة القضائية من شأنه أن يضيق مجال الاجتهاد في تحديث الإدارة القضائية وإسناد المزيد من الاختصاصات والمهام
الإدارية وشبه القضائية لهذه اللإدارة والتي هي اليوم تثقل كاهل الجهاز القضائي و تصرفه عن مهامه الحقيقية؛ إنتاج أحكام أكثر
سرعة وجودة.
رابعا: رصد مكامن الخلل والقصور في تصوير الميثاق اللإدارة القضائية.
الأكيد أننا أشرنا إلي العديد من أوجه النقص والقصور في تعاطي الميثاق مع الإدارة القضائية في حينه٬ يبقى فقط تجميع تلك
النقائص والمثالب ومحاولة الإشارة إلي سبل التغلب عليها وتداركها٬ فواضع الميثاق الوطني لاصلاح العدالة٬ أخفق في التعاطي
الجيد مع الإدارة القضائية من خلال:
;;
وقوعه تحث تأثير المخاوف من المساس باستقلال السلطة القضائية إلي الحد الذي دفع به إلى أن يجعلها تغيب الإدارة
القضائية٬ في ضرب واضح للمبدأ الدستوري القاضي باستقلال السلط عن بعضها و ليس الاستقلال في اتجاه واحد.
;;
عدم احترام المقتضيات الدستورية التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة٬ إذ نجد أن المسير الإداري في واقع
الأمر مجرد من كل الصلاحيات٬ ما دام في نهاية الأمر يظل مرؤوسا من عدة أطراف (السلطة الحكومية المكلفة بالعدل
والمسؤولون القضائيون)٬ الشيء الذي يعني عدم ضبط المسؤوليات وتداخل في الصلاحيات٬ وهو ما ينعكس سلبا على حسن
سير وتدبير المرفق العمومي٬ ويجعل من الصعب تحديد المسؤول بدقة عند وقوع اختلالات معينة في سير مرفق العدالة.
;;
عدم احترام المقتضيات الدستورية التي تنص على مبدأ الحكامة الجيدة٬ من خلال إهدار طاقات وكفاءات علمية كبيرة
تزخر بها الإدارة القضائية وتعطيل قدراتها على الخلق والإبداع في تسيير مرفق العدالة٬ وخنقها في أعمال وإجراءات روتينية٬
هي أقرب لمنطق السخرة منها إلى منطق تصريف وتدبير مرفق إداري.
;;
محدودية الميثاق في التعاطي مع الإدارة القضائية تتجلى في عدم ملامسته للبعد المؤسساتي لهذه الأخيرة٬ بل إن
الحديث عنها يوحي وكأن هيئة كتابة الضبط هي عبارة عن مجموعة أفراد وقطع غيار يتم توظيفها من طرف السلطة القضائية
تماما كباقي أدوات العمل والأشتغال٬ وهو ما انعكس سلبا على معظم مسوادت مشاريع القوانين التي عرضت للناقش العمومي
وأخذ بعضها مساره التشريعي.
خلاصة
من خلال كل ماتقدم٬ نجد أن النظرة النمطية التي تكونت عن جهاز كتابة الضبط منذ فجر الاستقلال٬ ظلت هي المسيطرة على
واضعي ميثاق إصلاح منظومة العدالة٬ ولم يستطع التحول الكمي والنوعي الذي عرفته الإدارة القضائية في العقدين الأخيرن
على مستوى الأطر والكفاءات التي أصبحت تزخر بها أن يغير هذه النظرة إلى الأفضل ويرتقي بها إلى المستوى الذي يجعل
المشرع يمنحها من الاختصاصات والمهام الإدارية وشبه القضائية ما يتماشى و مؤهلاتها. وهذا ما يستدعى التريث في تنزيل
مشاريع القوانين ذات صلة٬ واستحضار التجارب المقارنة في هذا المضمار٬ لأن العدالة بدون إدارة قضائية ناجعة هي عدالة
عرجاء٬ لن تستطيع الذهاب بعيدا في تقديم خدمة ذات جودة ومردودية ونجاعة مهما توفر لها من إمكانات مادية وبشرية.
إعداد:ذ/راشد هشام