التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية تقديم:
لقد تمخض عن التطور المتنامي للمبادلات أن ظهرت بدائل جديدة للتواصل التقليدي، تمثلت في وسائل وآليات قادرة على تنظيم مختلف جوانب التجارة الإلكترونية، التي يشهدها العالم اليوم بخطوات رهيبة ومتسارعة، فلا ينبغي، والحالة هذه، أن تبقى المجتمعات المدنية، بمنآى عن مسايرة التطور الرقمي، حبيسة قواعدها التقليدية، التي صارت الآن عاجزة عن ضبط وتنظيم الأساليب الحديثة لهذا النوع من التجارة، وهو الوضع الذي حتم على مختلف الدول، التدخل لخلق تشريعات تكون جديرة بتنظيم وضبط المعاملات والتجارة الإلكترونية، مواكبة منها لهذه الثورة الرقمية والتفاعل معها.
وفعلا، تدخل المشرع المغربي، مستجيبا لمتطلبات التطور، فأصدر تشريعا نظم بمقتضاه التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية بموجب القانون 05-53، الذي شمل عدة موضوعات تخص التجارة الإلكترونية، وهي المعادلة، من حيث الإثبات، بين البيانات المحمولة على دعامة ورقية والبيانات المحمولة على دعامة إلكترونية، وكيفية إبرام العقود الإلكترونية، وتشفير البيانات، والتوقيع الإلكتروني والمصادقة الإلكترونية وغيرها.
وبصدور القانون رقم 05-53، يكون المغرب قد دخل العهد الرقمي بشكل لا لبس فيه، إذ يندرج هذا القانون في إطار مسعى سياسي عام، يهدف من جهة، الى تشجيع ولوج المغرب إلى تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ومن جهة أخرى، للاستجابة لتطلعات المتعاملين المتعطشين للسرعة والفعالية في النظام القانوني، لكن في مقابل ذلك، فإن إعداد وصياغة هذا القانون، اقتضت اعتماد مقاربة قانونية مختلفة، تسعى لوضع قواعد تؤطر مجالا يتميز بالتطور المتلاحق والسريع وبطبيعته غير المادية، ومن تم اعتماد تقنية تشريعية خاصة، اعتمدت الجمع بين مقتضيات متممة ومعدلة لبعض فصول ظهير الإلتزامات والعقود، والتي توخت وضع الأساس للتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، باعتبار هذا التبادل هو موضوع القانون المذكور ومحوره، ومقتضيات أخرى خاصة، تهدف إلى تنظيم هذا الموضوع من حيث المضمون والوظائف والإجراءات، الشيء الذي ترتب عن هذه التقنية[1]، عدة نتائج وآثار مختلفة ، تفتح المجال للتساؤل عن مدى نجاعتها وكذا موقع الشق المنفصل عن هذا القانون، ودور كل ذلك، في التأثيث وبناء الإطار المناسب لبلوغ المجتمع الرقمي بصفة عامة، وتطوير التجارة الإلكترونية بصفة خاصة.
ويطرح موضوع التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية عدة إشكالات رئيسية، تنبثق عنها إشكالات أخرى فرعية ذات طبيعة قانونية وتقنية وذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، وتستدعي حلولا وطنية ودولية.
ومن هذه الإشكالات والتساؤلات:
- ما هي المستجدات القانونية والتقنية، التي أتى بها هذا القانون، لتفعيل التجارة الإلكترونية؟ وما هو مجاله؟
- ما هي أوجه الحماية التي قررها القانون للمتعاقد إلكترونيا؟
- كيف أثر هذا القانون، وأين تكمن أهميته بالنسبة للنظرية العامة للإلتزامات، وما أثرها على التجارة الإلكترونية؟
- إلى أي حد واكب النص القانوني، التطور المتنامي في هذا المجال؟ وما هي الضمانات التي يقدمها؟
- ما هي آفاق هذا القانون وما هي إمكاناته؟
- إلى أي حد يخدم النص القانوني، التجارة الإلكترونية من الناحية الواقعية؟
- ما موقع القانون رقم 05-53 في تفعيل دور المعلوميات والإتصالات في تنمية المقاولات المغربية؟
- ما مدى توافق النص القانوني لخصوصية التجارة الإلكترونية في المغرب؟ وما هو وواقعها في بلدنا؟
- ما هو الرهان الإستراتيجي للدولة؟
- هل يعد القانون أرضية، لتحقيق الأمن المعلوماتي؟
- هل سيؤدي استعمال التكنولوجيات الجديدة، في تبادل المعطيات القانونية إلى مجتمع “الكل إلكتروني”؟
- بأي طريقة يمكن أن يضمن استعمال التكنولوجيات الجديدة، السرية وتمامية ووثوقية الوثائق الإلكترونية؟
- وهل تعتبر الميكانيزمات التقنية للمصادقة الإلكترونية، الضامنة لأمن المبادلات الرقمية، فعالة، وتستحق الثقة التي يضعها فيها القانون الجديد؟
هذه كلها أسئلة سأحاول مقاربة بعض جوانبها من خلال مبحثين:
المبحثالأول: مستجدات البنية القانونية والتقنية المتاحة للمعاملات الالكترونية في المغرب.
المبحثالثاني: أوجه الحماية ومظاهر القصور في التشريع المغربي.
المبحث الأول: مستجدات البنية القانونية والتقنية المتاحة للمعاملات الالكترونية في المغرب.
اعتبارا لكون القانون53.05 هو أول قانون متخصص يهم التبادلات الإلكترونية، فقد شمل عدة مستجدات وموضوعات تخص التجارة الإلكترونية، وعليه سوف يتم الحديث عن مستجدات هذا القانون سواء المتعلقة بالجوانب القانونية (الفقرة الأولى)، أو تلك المتعلقة بالجوانب التقنية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المستجدات المرتبطة بالجوانب القانونية
إن التعديلات القانونية التي أتت استجابة لمتطلبات التجارة الإلكترونية، والتي أقرها القانون رقم 53.05 الخاص بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، قد سارت نحو تحديد النظام القانوني الواجب التطبيق في تبادل البيانات والمعطيات عبر الوسائل الإلكترونية، وتقوم التعديلات السالفة على تغيير وتتميم بعض مقتضيات ظهير الالتزامات والعقود، وإضافة مقتضيات أخرى تتوخى جملة من الأهداف، وبذلك يكون المشرع المغربي قد أحدث تغييرا جذريا وذلك باعتماد مقاربة قانونية تسعى لوضع قواعد قانونية تؤطر مجالا يتميز بالتطور المتلاحق والسريع وبطبيعته غير المادية، مسايرا بذلك الاتجاهات التشريعية الحديثة للقوانين الوطنية، المنبثقة من قواعد الاونسترال النموذجية وتوصياتها من جهة، وكذا تكييف وتطويع ظ.ل.ع مع هاته التحولات التي تفرضها سرعة تطور التقنيات الحديثة.
وعليه سوف ندرج في هذه الفقرة أهم المستجدات المرتبطة بالجوانب القانونية، حيث سنركز بالأساس على الإثبات بالوسائل الإلكترونية وأدواته، باعتباره أهم مقتضى تعديلي طرأ على ظهير الالتزامات والعقود، وذلك من خلال التساؤل حول مدى حجية المحررات الالكترونية في الإثبات؟
للإجابة على هذا التساؤل سوف يتم التطرق إلى مفهوم المحرر الإلكتروني وتمييزه عن المحررات التقليدية، وكذا الشروط الواجب توافرها (أولا) على أن يتم الحديث عن مدى مشروعية الإثبات الإلكتروني (ثانيا).
أولا:مفهوم المحرر الإلكتروني والشروط اللازم توافرها فيه وفق القانون 53.05
في هذا الخصوص سوف يتم الحديث عن مفهوم المحرر الالكتروني، على أن نعقبه بالحديث عن الشروط اللازم توافرها فيه.
1- مفهوم المحرر الإلكتروني
من خلال المادة الأولى من القانون رقم 53.05، نجدها تنص على مجال تطبيق هذا القانون، ومن بين المسائل التي يرتبط بها هذا المجال، نجد المعطيات القانونية للتبادل بشكل إلكتروني كمعطى أول، وكذا المعادلة بين الوثائق المحررة علىالورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية[2] كمعطى ثاني.
فيما يتعلق بالمعطى الأول فإن مصطلح “معطيات قانونية”[3] المستعمل من قبل المشرع المغربي، يفهم من خلاله أنه يهم جميع المحررات التي يمكنها أن تنتج آثارا قانونية ذات طابع مدني أو تجاري أو إداري، وبالتالي يحق القول بأن مجال تطبيق هذا القانون واسع جدا، إذ يتعلق بجميع المحررات القانونية والإدارية المبرمة بين الخواص والمقاولات والإدارات، وإن كان المشرع قد استثنى صراحة من مجال التطبيق كل الوثائق المتعلقة بمدونة الأسرة والوثائق المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية المدنية أو التجارية، ما عدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته[4].
أما المعطى الثاني، والمتعلق بالمعادلة بين المحررات التقليدية والمحررات الإلكترونية فالملاحظ أن المشرع المغربي، لم يعطي أي تعريف لهاته الأخيرة[5]، بل اكتفى بالتنصيص على قبولها كوسيلةللإثبات متى توافرت فيها الشروط المنصوص عليها، في حين أن معظم التشريعات العربية أوردت في قوانينها تعريفا للمحرر الإلكتروني، لا يخرج كثيرا عن التعريف الوارد بقانون الأونسترال النموذجي. لكن قبل الإحاطة بمفهوم المحرر الإلكتروني ينبغي أولا التمييز بين المحررات الإلكترونية والمحررات الرسمية والعرفية، لمعرفة مدى حجية كل منها وهل لها نفس الحجية أم لا؟
فكما هو معروف أن هناك عدة أنظمة أخذت بمبدأ الإثبات الحر[6]، وأنظمة أخرى أخذت بمبدأ الإثبات المقيد[7]، في حين أن هناك أنظمة أخذت بمبدأ ثالث الا وهو الإثبات المختلط[8]، وبالرجوع لموقع القانون المغربي من نظم الإثبات هذه، نجد أن المشرع قد اتبع نظام الإثبات المختلط حيث حصر من خلال الفصل 404 من ظ.ل.ع[9]وسائل الإثبات التي يقررها القانون، أما في المادة التجارية، فقد ابتعد المشرع بعض الشيء،ولظروف اقتضتها طبيعة المعاملات التجارية، عن طبيعة الإثبات في المادة المدنية وذلك من خلال المادة 334 من مدونة التجارة[10].
وفي هذا الصدد نشير أن الدليل الكتابي، يعتبر من أهم أدلة الإثبات على الإطلاق في القانون المغربي، إذ يمتاز على غيره من الأدلة بإمكانية إعداده منذ نشوء الحق وقبل قيام النزاع، كما أن الدليل الكتابي يوفر لأطراف العقد عدة ضمانات من أهمها، أنه يضبط الحقوق القائمة بينهم سواء قبل النزاع أو بعده، إضافة إلى أن الكتابة أقل تعرضا لتأثير عوامل الزمن، ولعل هذا هو أساس تغليب جل التشريعات الوضعية الإثبات عن طريق الكتابة[11].
وقد قسم القانون الأدلة الكتابية[12] إلى قسمين، محررات رسمية ومحررات عرفية، ويمكن تعريف المحررات الرسمية[13] بأنها السندات التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم، تنظيما طبقا للأوضاع القانونية ويحكم بها دون أن يكلف مبرزها إثبات ما نص عليه فيها ويعمل بها ما لم يثبت تزويرها، ذلك أن هذه المحررات يقوم بها موظف عام مختص بتسجيلها وفق الأوضاع القانونية المقررة، واعتبارها وفقا لذلك دليلا كاملا إذا استوفت شروطها وبالتالي تعتبر حجة في الإثبات[14].
أما المحررات العرفية فهي تلك الأوراق العرفية التي تصدر عن الأفراد مباشرة أو عمن ينوب عنهم دون أن تكون للموظف العمومي صلاحية التوثيق كما هي محددة بالفصل 418 من ظ.ل.ع.
وتنقسم الأوراق العرفية إلى أوراق الغرض منها إعداد دليل للإثبات، ولهذا يطلق عليها الأوراق المعدة للإثبات، وأوراق تعد لأغراض أخرى، ولهذا يطلق عليها الأوراق غير المعدة للإثبات[15].
هذا فيما يتعلق بالمحررات الرسمية والعرفية، أما المحررات الإلكترونية، فكما سبق الذكر، فالمشرع المغربي أغفل إعطاء تعريف أو تحديد مفهوم لها، واكتفى بشروط إصدار هذه المحررات وإجراءاتها الشكلية. وهو نفس نهج القانون المدني الفرنسي، بخلاف القانون التونسي الذي عرفها في الفصل 453 مكرر من م.ل.ع على الشكل التالي:” الوثيقة الإلكترونية هي الوثيقة المتكونة من مجموعة أحرف وأرقام أو أي إشارات رقمية أخرى بما في ذلك تلك المتبادلة عبر وسائل الاتصال تكون ذات محتوى يمكن فهمه ومحفوظة على حامل إلكتروني يؤمن قراءتها والرجوع إليها عند الحاجة”[16].
كما عرفت المادة 2 من قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية لسنة 2001 المحرر الإلكتروني بأنه:” معلومات يتم إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل الكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التبادل الالكتروني للبيانات أو البريد الإلكتروني أو البرق أو التلكس أو النسخ البرقي”[17].
2- الشروط اللازم توفرها في المحرر الالكتروني وفق قانون 53.05
إن من بين أهم الغايات التي سعى إلى تحقيقها القانون 53.05 هي إعادة النظر في مفهوم الدليل الكتابي قصد تجاوز الفراغ التشريعي الذي كان يعرفه القانون المغربي[18] في مجال الإثبات بالطرق الالكترونية الحديثة من جهة، وتوسيع مفهوم الدليل الكتابي ليشمل أيضا حتى الوثيقة الإلكترونية، وفقا للشروط التي حددها سواء كان ناتجا عن ورقة رسمية أو ورقة عرفية.
وبالرجوع للفصل 417 من ظ.ل.ع، نجد أن الدليل الكتابي يتسع ليشمل “أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة، كيفما كانت دعامتها وطريقة إرسالها”، وهي نفس صيغة الفصل 1316 من القانون المدني الفرنسي، بعد حذف عبارة “أرقام”[19] من التشريع المغربي.
كما حدد الفصل 1-417 ظ.ل.ع الشروط الواجب توافرها في الوثيقة الإلكترونية للاعتداد بها[20] وهي أيضا نفس صيغة الفصلين 1-1316 و3-1316 من القانون المدني الفرنسي[21].
وبالاستناد إلى المقتضيات المذكورة، بالرغم من صيغتها وترجمتها المعيبتين، حسب بعض الفقه[22]، يمكن تعريف الوثيقة الإلكترونية على النحو التالي:
“مجموعة من الأرقام والإشارات أو الرموز الأخرى ذات دلالة واضحة، محررة على دعامة إلكترونية أو مرسلة بطريقة إلكترونية، يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه، وتكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان سلامتها”.
وبناء على ما سبق، يمكن تحديد عناصر الوثيقة الالكترونية على النحو التالي:
كتابة على دعامة إلكترونية أو موجهة بطريقة إلكترونية.
أن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها.
أن يمكن التعرف، بصفة قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه الوثيقة.
أ- الكتابة على دعامة إلكترونية أو الموجهة بطريقة إلكترونية[23]:
أجمعت جميع التشريعات التي تتوفر على قانون ينظم التعامل الإلكتروني، على أن الكتابة من الشروط الأساسية لصحة المحرر الالكتروني، وهو النهج الذي سار عليه المشرع المغربي من خلال القانون 53.05، حيث نص من خلال المادة 2 (المتممةللفصل 1-2 من ظ.ل.ع) على أنه لابد أن يتم تحرير المحرر الإلكتروني، ومفاد كلمة تحرير ما هو إلا الكتابة، وهذا ما أكده الفصل 1-417 السالف الذكر.
فالكتابة هي الأسلوب الذي يتم من خلاله التعبير عن الإرادة بشكل مادي ظاهر في شكل معادلات خوارزمية تنفذ من خلال عمليات إدخال البيانات وإخراجها عبر شاشة الحاسوب، والتي تتم عن طريق تغذية الجهاز بهذه المعلومات بواسطة وحدات الادخال والتي تتبلور في لوحة المفاتيح أو استرجاع المعلومات المخزنة في وحدة المعالجة المركزية[24].
فهذه الكتابة إذن تتخذ أشكال إشارات أو رموز أخرى، وأضاف القانون الفرنسي مجموعة أرقام، وهو ما حذفه المشرع المغربي، والحقيقة أن هذه الكتابة الالكترونية هي عبارة عن كل ما ذكر، إضافة إلى أنها قد تتخذ شكل مجموعة من الحروف كما أضاف المشرع التونسي.
أما بخصوص الدعامة الإلكترونية فيمكن أن تكون قرصا مدمجا أو شريطا أو بطاقة ذات ذاكرة[25] ولا يهم بعد ذلك الطريقة التي تم بها نقلها، أي طريقة تبادل المعطيات القانونية سواء بالمناولة اليدوية، لكتابة محملة على دعامة إلكترونية من النوع المذكور، أو بالنقل الالكتروني عن بعد عبر شبكة الانترنت أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة[26].
ب- أن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط تضمن سلامتها وتماميتها:
وهذا أيضا من الشروط الأساسية للاعتداد بالوثيقة الالكترونية ومساواتها للوثيقة المحررة على الورق، فإذا كانت هذه الأخيرة قابلة بطبيعتها للحفظ مهما طال الزمن، لأن حامل الكتابة فيها، الذي هو الورق، قابل للحفظ والتخزين والأرشفة، فانه في المقابل يجب أن تكونالدعامة الالكترونية هي الأخرى، وأيا كان شكلها، معدةوقابلة بدورها للحفظ بالطرق الفنية المعروفة، وهو ما لم ينظمه المشرع المغربي بخلاف المشرع التونسي[27].
ونظرا لأهمية هذا الشرط فقد ذكره المشرع المغربي أكثر من مرة (الفصلان 1-2 و1-417 ظ.ل.ع)، وكذلك فعل القانون الفرنسي من قبله (الفصلان 1-1108 و4-1316)، وهو نفس صنيع كل من القانون التونسي (الفصل 453 مكرر من م.ل.ع) والقانون الكندي (الفصل 2838) والقانون الأممي أيضا سواء في القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية (الفصل 8) أو في اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية (الفصل 9).
وعموما يراد بالحفظ المعنيين التاليين، حفظ الوثيقة الإلكترونية من التحريف وحفظها من التلف[28]:
– حفظ الوثيقة الإلكترونية من التحريف: أي من كل محو أو تغيير أو بثر لما هو مكتوب فيها وهذا مطلوب أيضا في الوثيقة المحررة على الورق. ولتأمين حفظ الوثيقة الإلكترونية من التحريف ابتكر العلم وسائل خاصة أهمها، التشفير[29] الذي يعتبر أنجع وسيلة لضمان سلامة الوثيقة الالكترونية من التحريف والتغيير، وبموجب هذه الوسيلة يتحول الوضوح المشترط في الوثيقة إلى غموض لا يفهمه إلا من يملك مفتاح الولوج إليها وإلى مضمونها.
– حفظ الوثيقة الالكترونية من التلف: أي حماية الحامل الالكتروني ايا كان نوعه أو شكله، من التلف والاضمحلال سواء بفعل الانسان أو بفعل الزمن أو بفعل الفيروسات وهذا ما يقتضي نظاما خاصا لتخزين هذه الوثائق وأرشفتها.
وبالاضافة إلى ذلك يتعين ضمان إمكانية الرجوع إليها عند الحاجة، وإمكانية الاطلاع على مضمونها ومحتواها، وهذا يقتضي أيضا توفير البرامج القادرة دائما على قراءة الوثائق الالكترونية مهما طال الزمن عليها.
ج- إمكانية التعرف على الشخص الذي صدرت عنه الوثيقة:
ويتحقق هذا الشرط بواسطة التوقيع عليها، وقد نص على ذلك صراحة الفصل 2-417 في فقرته الأولى من ظ.ل.ع:
“يتيح التوقيع الضروري لإتمام وثيقة قانونية التعرف على الشخص الموقع ويعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة”.
ولعل ذلك يعني أن التوقيع هو نسبة ما ورد في المحرر لأطرافه، ويعبر عن قبول الشخص الموقع للالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة، فالتوقيع الإلكتروني الموثق وفق ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف، يكون علامة مميزة لشخص الموقع ويرتبط به ارتباطا وثيقا، وبالتالي يشير إلى شخص الموقع بشكل لا لبس فيه ولا غموض، ويحدد هويته، وتحديد هوية مبرم العقد أو صاحب الوثيقة أمر ضروري خاصة في مجال الوفاء بالالتزامات العقدية ليتم تحديد أهلية صاحب التوقيع، إذ لا يتصور أن يتم منح شخص عديم الأهلية أو ناقصها توقيعا إلكترونيا[30].
ثانيا: حجية المحرر الالكتروني في الاثبات
إن مسألة مشروعية الإثبات الالكتروني ليست بالأمر الجديد، فقد تم تناول بحث حجيته في ظل الاستثناءات الواردة في النصوص التقليدية القائمة، لإضفاء القوة الثبوتية على المحررات الالكترونية والتي ثبت في بعض الحالات عدم انسجام هذه النصوص وعدم كفايتها بصورة كاملة مع الوضع الحالي، والذي أدى لتدخل المشرع في بعض الدول إلى القيام بإصلاح تشريعي بهذا الخصوص[31].
وإذا كان المشرع المغربي يعتبر الدليل الكتابي، لازما للإثبات، وفي حالة تعذره يجوز الإثبات بكافة الوسائل[32]، فإنه وأمام بروز الأشكال الحديثة للكتابة، فإنه لا مانع من تبني هذه الأشكال كيفما كانت دعامتها ورقية أم إلكترونية[33]، وبهذا يكون المشرع المغربي بصيغة أو بأخرى، ومن خلال مقتضيات الفصل 417 من ظ.ل.ع، السالف الذكر، قد مهد الطريق للاعتراف بالمحررات الالكترونية وبحجيتها، وبالتالي اعتمادها كوسيلة من وسائل الاثبات وهذا ما تم تأكيده وإقراره من خلال القانون المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية. فاستنادا للمادة 2 منه، فإنه يجوز إثبات المعاملات التجارية والتصرفات المدنية التي تتجاوز قيمتها مبلغ عشرة آلاف درهم، بالمحررات الالكترونية، إلا أن المشرع المغربي استثنى من تلك المحررات المتعلقة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة، والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية ذات الطابع المدني أو التجاري.
ومنح المشرع المغربي من خلال الفصل 1-417 للمحرر الالكتروني المستوفي الشروط الآنفة الذكر، حجية في الاثبات، تعادل تلك التي يتمتع بها المحرر الورقي، مما يستفاد منه أن المحرر الالكتروني، تسري عليه نفس المقتضيات التي تسري على المحرر الورقي بنوعيه العرفي والرسمي، وذلك ما كرسه المشرع من خلال الفصل 2-417 من ظ.ل.ع الذي نص في فقرته الثانية على أنه:” تصبح الوثيقة رسمية إذا وضع التوقيع المذكور عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق”.
وأضاف في الفصل 3-417 من ظ.ل.ع، أن الوثيقة المذيلة بتوقيع إلكتروني مؤمن والمختومة زمنيا تتمتع بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المصادق على صحة توقيعها والمذيلة بتاريخ ثابت، غير أن هذا الأمر غير مستساغ قانونا، فإذا كانت الورقة الرسمية لا تكتسب صفتها هذه، إلا إذا كانت صادرة من موظف عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة في حدود سلطته واختصاصه المكاني والنوعي، مع مراعاة الأوضاع القانونية المحددة في تحريرها، فإن هذا الأمر يصعب تصوره بالنسبة للوثيقة الالكترونية الرسمية المنصوص عليها في القانون أعلاه، فالمعاملات الحديثة التي تتم بشكل إلكتروني تكون في الغالب عن بعد وعبر الانترنت، لا يمكن للموظف العمومي طبقا للنصوص التقليدية أن يشرف عليها، وإن أمكنه التعرف على هوية أطراف المعاملة، من خلال التوقيعات الإلكترونية المؤمنة، فإنه يصعب عليه التأكد من أهليتهم ومن صدور الإيجاب والقبول، كما أن مراعاة حدود اختصاصه المكاني والنوعي يصعب تصوره، خاصة إذا علمنا أن التعاقد يتم عن بعد وبين طرفين ينتميان في أغلب الأحيان لدولتين مختلفتين[34].
وبذلك تبقى المحررات الالكترونية تتأرجح بين إمكانية تعرضها للتزوير وبين مدى اعتمادها من طرف القضاء، ذلك أن المحررات الالكترونية غالبا ما تكون مستخرجة من الحاسوب، تكون عرضة للتزوير والقرصنة والتحوير من خلال الاستعمال السيء للتكنولوجيا، الأمر الذي قد يدفع بالقضاء إلى عدم الاعتداد بها تشكيكا منه في مصداقيتها، وهو الأمر الذي يسير في إطاره بعض الفقه الذي يرى بضرورة استبعاد المحررات الالكترونية وعدم اعتمادها في الإثبات لأنها في نظرهم لا تكتسي القوة التي تكتسيها المحررات الصادرة عن السلطة أو الجهاز الإداري المختص.
على أنه يبقى مدى اعتبار المحررات الالكترونية وسيلة إثبات ذات حجية قاطعة خاضعا في نهاية المطاف للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، لتحديد قيمة هذه المحررات مراعيا في ذلك الوسيلة المستخدمة في إنشاء هذا المحرر بالاضافة إلى الشروط الواجب توافرها في هذا المحرر[35].
الفقرة الثانية: المستجدات المرتبطة بالجوانب التقنية
علاوة على المستجدات المرتبطة بالجوانب القانونية لقانون 53.05، والتي يمكن إجمالها كما رأينا، في تنظيم العقد المبرم أو الموجه بطريقة إلكترونية، حيث الاعتراف الصريح بالكتابة أو الوثيقة الإلكترونية لاثبات التصرفات القانونية، وبالتالي إضفاء الحجية والمصداقية عليها. هناك مستجدات مرتبطة بالجوانب التقنية، حددها المشرع المغربي من خلال القانون المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، وذلك في القسم الثاني منه خاصة الباب الأول والثاني، حيث نجد المشرع يتحدث عن التوقيع الالكتروني المؤمن والتشفير ثم المصادقة الالكترونية، والتي من شأنها أو بفضلها يتمتع هذا التوقيع الالكتروني بقوته الثبوتية.
على هذا الأساس سوف يتم التطرق إلى ماهية التوقيع الالكتروني (أولا)، وذلك من خلال تحديد تعريفه القانوني ومعايير تمييزه عن التوقيع العادي، من جهة، وكذا تحديد شروط صحته، ثم صوره وأشكاله من جهة أخرى. على أن نتحدث (ثانيا) عن الحجية القانونية للتوقيع الالكتروني وكيفية التصديق عليه.
أولا: ماهية التوقيع الالكتروني
التوقيع الالكتروني كمصطلح جديد، نشأ نتيجة لاستخدام الحاسوب في المعاملات بين الأفراد والمؤسسات، وكذلك نتيجة لاستخدام التلكس والانترنت، مما يترتب عنه التبادل الالكتروني للبيانات والمعطيات، وبالتالي كنتيجة حتمية لذلك، الاتجاه نحو التوقيع الالكتروني. مما يستلزم تحديد مفهوم هذا الأخير وكذا تحديد شروطه وصوره.
1- التعريف القانوني للتوقيع الالكتروني وتمييزه عن التوقيع العادي
قبل التطرق إلى تمييز التوقيع التقليديعن نظيره الإلكتروني، لابد من تحديدالتعريف القانوني لهذا الأخير وذلك وفق مايلي:
أ- التعريف[36]:
يمكن تعريف التوقيع الالكتروني، وفق ما جاءت به المادة (2/1) من قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية لسنة 2001 بأنه:” بيانات في شكل إلكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقيا، ويجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات وبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات”.
وعلى صعيد التشريعات الوطنية، فقد عرفه المشرع المصري من خلال قانون التوقيع الالكتروني رقم 15 لسنة 2004، في المادة 1/ج، بأنه: “كل ما يوضع على محرر إلكتروني، ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها، ويكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخصية الموقع ويميزه عن غيره”.
أما المشرع البحريني، فقد عرفه كذلك في المادة الأولى من قانون التجارة الالكترونية لسنة 2002، بأنه: “معلومات في شكل إلكتروني تكون في سجل الكتروني أو مثبتة أو مقترنة به منطقيا، ويمكن للموقع استعماله لإثبات هويته”.
وعلى الرغم من أن أغلب التشريعات المقارنة[37]، قد عرفت التوقيع الالكتروني إلا أن المشرع المغربي في قانون 53.05، لم يعرفه صراحة[38]، ولكن اكتفى بالمقابل بذكر مجموعة من الشروط ينبغي توافرها في هذا النوع من التوقيعات[39]، ورتب عليه نتائج ذات أهمية، من حيث إنه يتيح التعرف على الشخص الموقع، ويعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة الالكترونية، التي تغدو رسمية إذا وضع التوقيع عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق[40].
ب- تمييز التوقيع الالكتروني عن التوقيع التقليدي:
من خلال ما سبق، يتضح أن التوقيع يعتبر تعبيرا عن رضا الملتزم، فهو المظهر الخارجي للإرادة، ومن هنا اكتسى أهميته، فهو عبارة عن إشارة للتعبير عن هاته الإرادة، ولا يشترط أن تكون مقروءة، بل يمكن أن تكتب بشكل رموز أو أرقام أو بشكل اسم صريح، وبالتالي وجب أن يكتب ويشر أصلا لا وصفا[41].
وفي التشريع المغربي، فالتوقيع المتطلب، هو التوقيع بيد الملتزم نفسه، ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع[42]، والواقع أن عبارة “التوقيع باليد” تشمل جميع وسائل التوقيع الأخرى، كما هو الحال في التوقيع بالبصمة، بيد أن التفسير القضائي للعبارة المذكورة استبعد البصمة[43]، علما بأن هذا الاستبعاد غير مفهوم.
لكن ما يهمنا بالأساس، هو أنه إذا كان كلا التوقيعين (التقليدي والالكتروني) يلتقيان في عدة نواحي، من حيث كلاهما يعبران عن إرادة وهوية صاحب التوقيع، ويؤكدان على موافقة الموقع على محتوى المحرر، علاوة على أنه شرط ضروري لتمام الوثيقة الالكترونية، فإنهما يختلفان في عدة وجوه يمكن إجمالها كالتالي[44]:
من حيث أداة التوقيع: الأداة المستخدمة في التوقيع التقليدي هي القلم بأنواعه أو البصمة أما الأداة المستخدمة في التوقيع الالكتروني فهي رموز أو إشارات أو إحدى خواص الإنسان الفيزيائية وذلك وفق تقنية تكنولوجية معينة.
من حيث دعامة التوقيع: فالدعامة التي يرتكز عليها التوقيع التقليدي هي الورق، في مقابل الدعامة الالكترونية، بالنسبة للتوقيع الالكتروني، كالقرص المرن والممغنط.
من حيث القوة الثبوتية: فالتوقيع التقليدي لا يحتاج إلى أي وسيلة أخرى تثبت صحته، بينما التوقيع الالكتروني، لا تكون له قوة ثبوتية، إلا إذا تمت المصادقة عليه من قبل السلطة المكلفة بذلك.
من حيث الثبات والاستمرارية: فإذا ما تم تقليد أو تزوير التوقيع التقليدي من قبل الغير، فإن صاحبه لا يفرض عليه، عند اكتشاف التزوير او التقليد، تغيير شكل توقيعه، في مقابل ذلك يجب على صاحب التوقيع الالكتروني تغيير توقيعه، إذا اكتشف توصل الغير إلى المنظومة التي تنشئه، وذلك بإبلاغ الجهة المصدرة له.
2- شروط صحة التوقيع الالكتروني وصوره
تتعدد أشكال التوقيع الالكتروني، بحسب تنوع وسائل التوثيق الالكتروني للتعاملات الالكترونية، لكن قبل الحديث عن ذلك، لابد من التطرق إلى الشروط التي يجب أن يستوفيها التوقيع الالكتروني، من خلال مقتضيات القانون 53.05[45].
أ- شروط صحة التوقيع الالكتروني:
كما سبقت الإشارة، فالمشرع المغربي لم يهتم بالمفاهيم، خاصة تلك التي لها طابع تقني محض، وبالتالي لم يعرف التوقيع الالكتروني، لكنه في المقابل، عمل على إدراج الشروط الواجب توافرها فيه. هكذا لكي يعتبر التوقيع الالكتروني المؤمن صحيحا يجب أن يستوفي الشروط الواردة في المادة 6 من القانون 53.05، وهي كالتالي:
أن يكون خاصا بالموقع[46].
أن ينشأ بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية[47].
أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به، بكيفية تؤدي إلى كشف كل تغيير ألحق عليها[48].
أن يوضع بواسطة آلية للتوقيع الإلكتروني، تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة للمطابقة[49].
أن يشار في الشهادة الالكترونية المؤمنة إلى معطيات التحقق من التوقيع الالكتروني المؤمن.
وما يلاحظ على المشرع المغربي في هذا الصدد، أنه تحدث عن نوعين من التوقيع الالكتروني، توقيع إلكتروني عادي أو بسيط، وهو الذي نص عليه الفصل 2-417 ظ.ل.ع في فقرته الأخيرة، حيث نصت على ما يلي:” عندما يكون التوقيع الكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به”.
وتوقيع إلكتروني مؤمن، الواردة شروطه أعلاه، علاوة على الفصل 3-417 من ظ.ل.ع المضاف بمقتضى المادة 4 من قانون 53.05.[50]
ب- صور التوقيع الالكتروني:
إن الحديث عن التوقيع الالكتروني، لا يعني الحديث عن توقيع يأخذ صورة واحدة، فكما أن التوقيع التقليدي قد يظهر في عدة أشكال، فإن التوقيع الالكتروني له أيضا عدة صور أو أشكال، تختلف باختلاف الوسائل المعتمدة لإنشائه، كما تختلف معها درجات الثقة والأمان.
ونذكر منها بصفة خاصة:
– التوقيع البيومتري: (أو بالخواص الذاتية)
يقوم هذا التوقيع بالتحقق من شخصية المتعامل بالاعتماد على الخواص الفيزيائية والطبيعية والسلوكية للأفراد، فهو يقوم على حقيقة علمية مفادها أن لكل فرد صفاته الجسدية التي تختلف من شخص لآخر، والتي تتميز بالثبات النسبي الذي يجعل لها قدرا كبيرا من الحجية في التوثيق والاثبات[51]. وكمثال على هذه الصفات نجد،البصمة الشخصية ومسح العين البشرية والتعرف على الوجه البشري وخواص اليد البشرية والتحقق من نبرة الصوت[52].
ويتم التحقق من شخصية المستخدم أو المتعامل مع هذه الطرق البيومترية، عن طريق أجهزة إدخال المعلومات إلى الحاسب الآلي، التي تقوم بالتقاط صورة دقيقة لأحد هذه الخواص، ويتم تخزينها بطريقة مشفرة في ذاكرة هذا الاخير، ليقوم بعد ذلك بمطابقة صفات المستخدم مع هذه الصفات المخزنة، ولا يسمح له بالتعامل أو الولوج إلا في حالة المطابقة[53].
التوقيع الكودي:
يتم توثيق التعاملات الالكترونية في هذا التوقيع، باستخدام مجموعة من الأرقام أو الحروف أو كليهما، يختارها صاحب التوقيع لتحديد شخصيته، ولا تكون معلومة إلا منه فقط ومن يبلغه بها.
وغالبا ما يرتبط هذا التوقيع بالبطاقات البنكية، وينتشر العمل به في عمليات الدفع الالكترونية بصفة عامة[54].
التوقيع الرقمي[55]:
هو عبارة عن أرقام مطبوعة لمحتوى المعاملة التي يتم التوقيع عليها بالطريقة نفسها أي باستخدام الأرقام، وتتم الكتابة الرقمية للتوقيع ولمحتوى المعاملة عن طريق التشفير الذي يتم باستخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدة “اللوغاريتمات”، تتحول بواسطتها المعاملة من رسالة مقروءة ومفهومة، إلى رسالة رقمية غير مقروءة وغير مفهومة، ما لم يتم فك تشفيرها ممن يملك مفتاح ذلك التشفير[56]. وهذا التشفير يتم باستخدام مفتاحين، أحدهما للتشفير ويسمى المفتاح الخاص، والثاني لفك التشفير، ويسمى المفتاح العام، لذلك اصطلح على تسمية هذا النظام بنظام المفتاح العام[57].
أما التوقيع الالكتروني فيتشكل من سلسلة من الأرقام الحسابية، الأصفار والآحاد مع مجموعها يتكون التوقيع الالكتروني الرقمي[58]. لكن التساؤل الذي يمكن إثارته في هذا الصدد هو كيف تتم عملية التوقيع الرقمي؟
للإجابة عن هذا التساؤل، ندرج ملخص هذه العملية بحسب ما نصت عليها قواعد الأونسترال الموحدة بشأن التوقيعات الالكترونية[59]، بحيث ينطوي استخدام التوقيعات الرقمية عادة على العمليات التي يؤديها إما الموقع أو متلقي الرسالة الموقع عليها رقميا، وهي كالتالي:
1- ينتج المستعمل أو يتلقى زوجا فريدا من مفاتيح الترميز.
2- يعد المرسل رسالته على جهاز الحاسوب (في شكل بريد إلكتروني مثلا).
3- يعد المرسل خلاصة رسالة باستخدام خوازرمية تشويش مؤمنة مشتقة من الرسالة الموقعة ومفتاح خصوصي[60] معين وتكون قاصرة عليهما دون سواهما.
4- يقوم المرسل بترميز الرسالة باستخدام المفتاح الخصوصي على نص خلاصة الرسالة باستخدام خوارزمية رياضية.
5- يرفق المرسل توقيعه الرقمي بالرسالة أو يلحق بها.
6- يرسل المرسل توقيعه الرقمي ورسالته الكترونيا إلى المتلقي.
7- يستخدم المتلقي المفتاح العمومي[61]للمرسل للتحقق من صحة التوقيع الرقمي والتثبت من أن الرسالة جاءت من المرسل دون سواه.
8- ينشئ المتلقي خلاصة رسالة باستخدام نفس الخوارزمية المؤمنة.
9- يضاهي المتلقي خلاصتي الرسالة، فإذا كانتا متطابقتين يعني ذلك أن الرسالة لم تتغير بعد توقيعها.
عموما ما يمكن أن نخلص إليه هو أن التوقيع الالكتروني يرتبط ارتباطا عضويا بنظام التشفير، هذا الأخير الذي سوف يتم التحدث عنه لاحقا في إطار أوجه الحماية للقانون 53.05.
ثانيا: الحجية القانونية للتوقيع الالكتروني والتصديق عليه
فرضت الطبيعة المميزة للتوقيع الالكتروني، بالمقارنة مع التوقيع التقليدي الذي يضعه الشخص بخط يده على المحرر الكتابي، ليكون كاملا في الإثبات، تساؤلا هاما حول مدى إمكانية اعتماد هذا النوع من التوقيعات في استكمال عناصر الدليل الكتابي الكامل؟ حيث تتفرع عن هذا التساؤل، أسئلة أخرى من قبيل مدى استيفاء التوقيع الالكتروني لشروط التوقيع العادي، حتى يمكن اعتباره حجة في الإثبات؟ ذلك أن التعاقد عن طريق الانترنت يواجه مشكلة قبول التوقيع الالكتروني في الاثبات، وبالتالي حجية المحرر الذي تم التوقيع عليه الكترونيا[62]. فهل التوقيع الالكتروني قادر على تحديد شخصية الموقع أم لا؟ وما الذي يضمن للمستخدم أنما وصله من معلومات جاءه من موقع موثوق به؟ أو أن هذا الموقع حقيقي وموجود على الشبكة؟ لذا فقد يحتاج التعامل بين طرفين من خلال شبكة مفتوحة، مثل الانترنت، إلى من يتولى التصديق عليه بما يفيد صحته، وكذلك التأكد من طبيعة التعاقد ومضمونه، وهذا ما يفرض بالضرورة تدخل جهة مختصة قصد التصديق على هذا التوقيع، عبر تسليم شهادة المصادقة الالكترونية.
بناء على ذلك، سوف نتطرق إلى الحجية القانونية للتوقيع الالكتروني في الإثبات، ثم التصديق على هذاالتوقيع وكذا شروطه.
1- حجية التوقيع الالكتروني في الإثبات:
نتيجة للتحول من استخدام التوقيع التقليدي إلى التوقيع الالكتروني في المجال الالكتروني للمعاملات التجارية والمدنية، أصبح من الضروري الحفاظ على الدور الذي يلعبه التوقيع التقليدي، ولقد كان للفقه محاولات لإيجاد نوع من الحجية للتوقيع الالكتروني، ذلك أنه انتهى فيها البعض إلى إعطاء التوقيع الالكتروني حجية الإثبات، وأن البعض الآخر قال عكس ذلك،وتعليله في ذلك هو غياب فكرة الأمن القانوني[63]الكافي لمثل هذا التوقيع[64].
لكن بصدور قوانين خاصة بالتجارة الالكترونية لدى العديد من التشريعات سواء العربية أو الأوربية، فإنه ثم إضفاء الحجية على التوقيع الالكتروني، وذلك استجابة لمتطلبات التجارة الدولية، والحفاظ على استقرار المعاملات، ومواكبة التكنولوجيا، خاصة وأن العالم اليوم أصبح مرتبطابهذه الأخيرة، وهو ما جعل التجارة الدولية تكتسي صبغة جديدة وأصبحت تمارس في إطار ما يعرف بالتجارة الالكترونية، والمشرع المغربي بدوره نهج على غرار باقي التشريعات نهجا إيجابيا، من خلال إصداره لقانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والذي تطرق من خلاله، إلى معالجة التوقيع الالكتروني، وضرورة توافر الشروط المنصوص عليها في الفصل 3-417 من ظ.ل.ع، وكذا تلك المنصوص عليها في الفرع الأول من الباب الأول من القسم الثاني للقانون 53.05، على أنه بعد توافر هذه الشروط -والتي تطرقنا إليها سابقا- لابد لأن يتم إخضاع هذا التوقيع للمصادقة من قبل السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الالكترونية، حتى يتمتع التوقيع الالكتروني بالحجية وبالتالي اعتماده كأداة من أدوات الإثبات القانونية[65].
وبالنظر إلى التشريعات المقارنة، فيما يتعلق بحجية التوقيع الالكتروني، نجدمثلا المشرع الفرنسي، بدوره اشترط شروطا، لابد من توافرها للقول بحجية التوقيع الالكتروني، ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي، قام بجهود للاعتراف بحجية المحررات الالكترونية لكن شريطة توافر توقيع الكتروني موثوق من صحته في المحرر الالكتروني، وأن يكون هذا التوقيع منتسبا للمحرر، ومحددا شخصية الموقع، وكذا أن يكون محفوظا بطريقة آمنة وتحت سيطرة أطراف العقد[66]، وهو نفس المنحى الذي سلكته باقي التشريعات العربية.
وتجدر الإشارة، إلى أن المشرع المصري على خلاف المشرع المغربي، قام بتحديد نطاق تطبيق التوقيع الإلكتروني من خلال المواد 14 و15 من القانون رقم 10 لسنة 2004 المتعلق بتنظيم التوقيع الإلكتروني، حيث نص على أن التوقيع الالكتروني يكون له الحجية في الإثبات، إذا ما تم استخدامه في المعاملات التجارية والمدنية والإدارية فقط[67]، فهناك تنصيص وعلى سبيل الحصر في تحديد نطاق هذا التوقيع، وذلك حتى لا يفتح الباب أمام أي اجتهاد، وهو الأمر الذي لم يحدد المشرع المغربي منه موقفه بدقة[68].
عموما، يمكن القول أن القانون 53.05، سيساهم ولو نسبيا في حسم النزاعات المترتبة عن التعاملات أو التعاقدات الالكترونية، وبالتالي إمكانية اعتماد المحررات الالكترونية والتوقيع الالكتروني كوسيلة من وسائل الإثبات، خاصة وأن هذه المحررات أو التوقيع، لا يكتسب الحجية إلا بعد توثيقه أو المصادقة عليه من طرف الجهات أو السلطات المختصة[69]، وهو ما سنتطرق إليه في الفقرة الموالية.
2- المصادقة على التوقيع الالكتروني:
نظرا لأهمية التعاملات الإلكترونية، وتشجيعا لانتشارها، وبت الثقة فيها، فقد تضافرت الجهود الدولية والإقليمية والوطنية[70]، لتذليل ما يعترضها من عقبات والعمل على تهيئة البنية القانونية التي تتماشى مع هذه التعاملات، سواء من حيث إنجازها أو من حيث المصادقة عليها وإثباتها.
وقد ركزت هذه التشريعات، عموما، في تنظيمها للتعاملات الالكترونية على موضوعين أساسيين، يتعلق الأول بوضع البنية القانونية المنظمة لهذه التعاملات، والتي تتمثل أساسا في الاعتراف بالمستندات الالكترونية، ومساواتها بالمستندات الكتابية التقليدية، وكذلك الاعتراف بالتوقيع الالكتروني، ومعادلته بالتوقيع التقليدي باعتباره دليلا للإثبات كما رأينا سابقا.
أما الموضوع الثاني، وهو موضوع بحثنا في هذه الفقرة، فيتعلق ببث الثقة في هذه التعاملات عن طريق وضع نظم للمصادقة عليها من أجل التأكد من صحتها مع فرض الجزاءات والمسؤوليات في حالة عدم مراعاتها[71].
وتأسيسا على ذلك، سوف يتم معالجة المصادقة الالكترونية، من خلال معرفة من هي الجهة المختصة بهذا التصديق؟ ثم ما هي مهامها؟ وإذا كان القانون رقم 53.05، يمنح لهذه الجهة مهمة اعتماد مقدمي خدمات المصادقة الالكترونية، ومراقبة نشاطهم كما سنرى، فما هي شروط اكتساب صفة مقدم الخدمة؟ وما هي الالتزامات الملقاة على عاتق هذا الأخير؟ ثم ما هي التزامات صاحب الشهادة الالكترونية؟
أ- جهات المصادقة الالكترونية ومهامها:
لقد اهتم المشرع المغربي، من خلال القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، بموضوع المصادقة الالكترونية، وبالرجوع إلى هذا القانون، نجدانالمشرع المغربي قد أناط مهمة المصادقة، للسلطة الوطنية[72]، إلا أنه لم يعين هاته الأخيرة، بيدانه عاد وحدد هذه الجهة في المرسوم التطبيقي[73] لنفس القانون، حيث حدد السلطة الوطنية بموجب المادة 21 منه، في الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات[74].
وبناء عليه، فقد عهد القانون إلى هذه السلطة الوطنية العديد من المهام[75]، يمكن تصنيفها كالتالي:
مهام موضوعية: تتمثل في اعتمادها لمقدمي خدمات المصادقة الالكترونية واقتراحها معايير نظام الاعتماد على الحكومة، وكيفية اتخاذ التدابير اللازمة لتفعيله.
مهام إجرائية: تظهر في قيامها بنشر مستخرج من قرار الاعتماد بالجريدة الرسمية، وفي مسك سجل يتضمن أسماء مقدمي خدمات المصادقة الالكترونية المعتمدين، يتم نشره في الجريدة الرسمية في نهاية كل سنة.
مهام رقابية: وتتجلى في مراقبتها لنشاط مقدمي الخدمات المذكورين، وفي تأكدها من احترام هؤلاء، الذين يسلمون الشهادات الالكترونية المؤمنة، للالتزامات المنصوص عليها في القانون المذكور، وفي النصوص المتخذة لتطبيقه، مع إمكان قيامها، تلقائيا أو بناء على طلب ممن يهمه الأمر، بالتحقق من مدى مطابقة نشاطهم للقانون أو لنصوص تطبيقه، سواء بنفسها أو عن طريق أعوانها، وخبرائها المنتدبين بعد إثبات صفاتهم، وتمكينهم من الولوج إلى المؤسسات والاطلاع على وسائلها وآلياتها التقنية.
ب- مقدمو خدمات المصادقة الالكترونية[76]:
الملاحظ ان المشرع المغربي من خلال القانون رقم 53.05،لم يحدد المفاهيم، خاصة تلك التي لها طابع تقني، وبالتالي لم يعرف مقدم خدمة المصادقة الإلكترونية، وذلك بعكس القانون النموذجي للتجارة الالكترونية (الأونسترال)، الذي عرفه بأن:” مقدم خدمات تصديق يعني شخصا يصدر الشهادات، ويجوز أن يقدم خدمات أخرى ذات صلة بالتوقيعات الالكترونية”.
أما التوجيه الأوربي رقم 93 لسنة 1999، فقد عرف هذه الجهات في المادة الثانية بأنها:” كل شخص قانوني طبيعي أو اعتباري يقوم بتقديم شهادات إلكترونية للجمهور أو يقدم له خدمات مرتبطة بالتوقيعات الالكترونية”.
وكذلك الأمر لقانون المعاملات الالكترونية لإمارة دبي، فقد عرف مزود خدمة المصادقة الالكترونية بأنه:” أي شخص أو جهة معتمدة أو معترف بها تقوم بإصدار شهادات مصادقة الكترونية أو أية خدمات أو مهمات متعلقة بها، وبالتواقيع الالكترونية والمنظمة بموجب أحكام الفصل الخامس من هذا القانون”.
من خلال هذه التعاريف، نستشف، أن مقدم خدمة المصادقة، ينفرد لوحده دون غيره، بمهمة إصدار الشهادات الالكترونية المؤمنة، وتسليمها وتدبير خدماتها[77]، فما هي إذن شروط اعتمادهم – بناء على القانون رقم 53.05- لاكتساب صفة مقدمي خدمات المصادقة؟ وما هي التزاماتهم ومسؤوليتهم؟
ففيما يتعلق بشروط اكتساب صفة مقدمي خدمات المصادقة، فتتمثل في فئتين من الشروط، تستوجب الفئة الأولى، شرطين: أن يكون طالب الاعتماد مؤسسا في شكل شركة وأن يوجد مقر الشركة الاجتماعي بالمغرب[78]، ولكن ليس هناك ما يمنع من اعتماد الأشخاص المعنوية للقانون العام، استثناء ولمصلحة المرفق العام، للقيام بنشاط خدمات المصادقة[79]. كما أنه لا مانع يمنع من قبول الشهادات المسلمة من مقدمي خدمات المصادقة المستوطنين بالخارج، بشرط وجود اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف، يكون المغرب طرفا فيها، يقر بالاعتراف المتبادل بالشهادة أو بمقدمها بين المغرب وبلد إقامة هذا الأخير[80].
أما الفئة الثانية من الشروط المذكورة، فيمكن ردها إلى شروط تقنية، تتعلق بالسلامة التقنية التشفيرية، لنظم ووسائل التشفير المقترحة من لدن مقدم الخدمة، وشروط مرتبطة بالشهادة الالكترونية، تتمثل في القدرة على المحافظة الكترونيا على معلومات الشهادة لإثبات التصديق أمام القضاء.
وأما بخصوص التزامات مقدمي خدمات المصادقة الالكترونية، فيمكن إدراجها كالتالي[81]:
– الالتزام بالتحقق من أهلية وصفة متسلم الشهادة، وذلك عن طريق مطالبة هذا الاخير، بتقديم وثيقة هوية رسمية تثبت توفره على الاهلية القانونيةللالتزام من جهة والصفة التي يدعيها من جهة اخرى،مع ضرورة المحافظةعلى مميزات ومراجع الوثائق المدلى بها.
– الالتزام بالتأكد وقت تسليم الشهادة من صحة معلومات هذه الأخيرة، ومن المطابقة بين معطيات إنشاء التوقيع ومعطيات التحقق منه التي تتضمنها الشهادة.
– الالتزام بالإخبار[82]، الذي يوجه إما إلى طالب صاحب الشهادة أو إلى الإدارة، ففي مواجهة صاحب الشهادة، يلتزم مقدم خدمة المصادقة بإخباره، قبل إبرام عقد تقديم الخدمة، بطريقة وشروط استعمال الشهادة، وطريقة حل المنازعات وتسوية الخلافات بشأنها، ودعوته إلى تجديدها على الأقل ستين يوما قبل انتهائها، وبتقديم عناصرالاخبارالسابقة للأشخاص المعنيين بالشهادة. اما في مواجهة الإدارة يلتزم بإخبارها مسبقا برغبته في إنهاء نشاطه داخل أجل شهرين على الأكثر، مع إمكان استئناف ذات النشاط من مقدم خدمة جديد، يضمن نفس الجودة والسلامة، وإلا ألغيت الشهادات داخل أجل شهرين على الأكثر بعد إخبار أصحابها.
الالتزام بإلغاء الشهادة، ويكون ذلك في حالتين: الأولى تكون في حالة استناد تسليمها إلى معلومات مغلوطة أو مزورة، أو صيرورة معلوماتها غير مطابقة للواقع، أو خرق سرية المعطيات المتعلقة بإنشاء التوقيع، والثانية تكون في حالة أمر من السلطات القضائية يخبر بعدم مطابقة الشهادات المؤمنة للقانون المنظم والنصوص المتخذة لتطبيقه.
الالتزام بإبرام عقد تأمين لتغطية الأضرار الممكن نشوؤها نتيجة الأخطاء المهنية لمقدمي خدمات المصادقة الالكترونية.
بقي أن نشير في الأخير، بعد أن تطرقنا لكيفية اعتماد مقدمي خدمات المصادقة والتزاماتهم، إلى المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فقد رتب القانون المذكور أولا مسؤوليتهم عن إفشاء السر المهني، سواء من طرفهم شخصيا أو من طرف مستخدميهم، غير انه لا يطبق الالتزام بكتمان السر المهني، عندما يتعلق الأمر بالسلطات الإدارية وأعوان وخبراء مقدمي الخدمة، وايضا في حالة موافقة صاحب الشهادة على نشر أو تبليغ المعلومات المدلى بها إلى مقدم خدمات المصادقة الالكترونية.
وثانيا مسؤوليتهم في إطار القواعد العادية، عن تهاونهم وقلة كفاءتهم أو قصورهم المهني تجاه المتعاقدين أو في مواجهة الغير[83].
ج- التزامات صاحب الشهادة الالكترونية[84]:
في مقابل التزامات مقدم خدمة المصادقة الالكترونية، فقد قرر المشرع المغربي أيضا مجموعة من الالتزامات تجاه صاحب الشهادة الالكترونية، يمكن إيجازها كالتالي:
التزامه بسرية وتمامية المعطيات المتعلقة بالتوقيع الالكتروني:
فنظرا لأهمية التوقيع الالكتروني في المعاملات الالكترونية، كما سبق معنا، وبالنظر إلى الآثار القانونية التي تترتب عليه سواء في حق صاحب التوقيع أو حق الغير، ألزم المشرع بناء على نص المادة 25 من القانون رقم 53.05، صاحب التوقيع بالحفاظ على سرية وتمامية ذلك التوقيع، واعتبر أن أي استعمال لمعطيات إنشائه صادر من صاحبه وذلك إلى أن يثبت العكس[85].
إبلاغ مقدم خدمة المصادقة الالكترونية عن أي تغيير للمعلومات التي تتضمنها الشهادة:
ذلك لأن الشهادة الالكترونية لها عدة فوائد منها، أنها تعبر عن شخصية صاحبها، كما أنها تفيد نسبة البيانات الموقع عليها إلى صاحب تلك الشهادة، وبالتالي ألزم المشرع هذا المقتضى، منعا للإضرار بالغير، الذين تعلقت حقوقهم بتلك الشهادة وخاصة الأطراف في عقود التجارة الالكترونية.
طلب إلغاء الشهادة الإلكترونية:
باعتبار أن الشهادة تحمل صفة شخصية لصاحبها، فهو المعني بها أولا وأخيرا، فهي تمثل على حد قول بعض الفقه[86]، جواز السفر أو البطاقة الشخصية أو العائلية لذلك الشخص، وبالتالي يستطيع إلغائها، وبالرجوع للمادة 27 من القانون رقم 53.05، نجد أن المشرع ألزم صاحب الشهادة بطلب إلغائها، في حالتين، تتمثل الأولى، في حالة الشك
المبحث الثاني: أوجه الحماية ومظاهر القصور في التشريع المغربي.
إن الطبيعة التقنية للأنترنت، وعولمة وسائل الاقتصاد العالمي، وتطور التجارة الالكترونية، خلق تحديات قانونية واسعة، تتمحور في مجموعها حول أثر استخدام الوسائل الالكترونية في تنفيذ الأنشطة التجارية، فهذه الآثار التي خلقتها التقنية العالية، دفعت بالنظم القانونية المختلفة لمعالجتها عبر حركة تشريعية تتماشى مع مستجدات هذا العصر من جهة، كما تولدت الرغبة في توفير آليات قانونية وتقنية، لحماية هذا الإبداع التكنولوجي من جهة ثانية، وبناء عليه فجل التشريعات ركزت في تنظيمها للتعاملات الالكترونية،على عاملين أساسيين، يتمثل الأول، في وضع البنية القانونية المنظمة لهذه التعاملات، ويتمثل الثاني، في بث الثقة في هذه المعاملات بصفة عامة.
وبالرجوع للقانون المغربي، فالمشرع لم يتجاهل الإمكانيات المفتوحة من قبل التكنولوجيات الجديدة، وبذلك سمح للجميع، من خلال القانون 53.05، باستعمالها بشكل قانوني، لكن في مقابل ذلك، يحق التساؤل عن ماهية الحماية المقررة التي جاء بها التشريع الالكتروني، ثم هل جاء القانون منظما، ومستوفيا لكل جوانب التجارة الالكترونية وموضوعاتها؟
على هذا الأساس، ولمعالجة هذه المسألة، سوف يتم التطرق إلى مظاهر الحماية التي خصها المشرع للتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، سواء كانت حماية قانونية أو تقنية (كفقرة أولى)، على أن نتناول أوجه القصور للنص القانوني، وذلك من خلال إثارة الجوانب المعيبة، وكذا الجوانب غير المثارة (كفقرة ثانية).
الفقرة الأولى: أوجه الحماية للقانون 53.05
تمثل الثقة الرقمية، رهانا أساسيا لحماية أنشطة التجارة الالكترونية، إذ أن تطور هذه الأخيرة، رهين ومرتبط بثقة المتعاملين فيها، وكذا أمن الشبكات والمبادلات الالكترونية، فضلا عن حماية المعطيات الشخصية والحياة الخاصة ومحاربة الجريمة الالكترونية، من هنا تنبثق أهمية الثقة الرقمية، فبعد وقوفنا على مدى تطور التجارة الالكترونية، ومدى زيادة حجمها في بلدنا، كان لزاما أن نعرج لمعرفة مظاهر الحماية التي استطاع المشرع المغربي توفيرها،وذلكلتعزيز الثقة لدى جميع المتدخلين في هذا المجال وهل هذه الحماية كفيلة لدرء جميع المخاطر التي تتهددها؟
وعليه، سوف نعالج أوجه الحماية هذه، من خلال التطرق إلى الحماية القانونية (أولا) وذلك في شقيها المدني والجنائي، على أن نتناول(ثانيا) الحماية التقنية التي اعتمدها مشرع القانون 53.05.
إن الحماية القانونية للتجارة الالكترونية بصفة عامة، والعقود التجارية بصفة خاصة، يكون هدفها استمرار استخدام كل تقدم بالطريقة التي خلق من أجلها، فغاية استعمال الحاسوب والاتصال عن بعد، هو تقوية المعاملات التجارية، وإنجازها في أقصى سرعة ممكنة، وتقليص التكاليف الناتجة عنها، لذا فإن كل متعاقد عبر هاته الوسائل الالكترونية يلزمه حماية مصالحه بالشكل الذي يضمنه له القانون، فزرع الثقة وبثها بين الأشخاص (طبيعيين كانوا أم اعتباريين) رهينة بحماية شاملة، والحماية القانونية لا تقتصر على الشق المدني فحسب، بل تتعداها إلى الشق الجنائي[87].
هكذا سوف نعرض، في إطار الحديث عن الحماية القانونية التي جاء بها القانون 53.05، للحماية المدنية، ونعقبه بالحديث عن الحماية الجنائية، مركزين بذلك على العقد الالكتروني.
1- الحماية المدنية للتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية:
تعتبر شرعية تبادل البيانات الالكترونية، من المبادئ الجوهرية التي تحكم التجارة الالكترونية[88]، ولذلك فإن المساس بشرعية هذا المبدأ، يعد مساسا بالمصلحة المحمية لهاته الأخيرة[89]، ومن تم بات من اللازم حماية العقد الالكتروني، باعتباره الأصل الذي تتجسد فيه هذه البيانات والمحررات الالكترونية من جهة، وباعتباره أيضا وسيلة لممارسة التجارة الالكترونية، التي يقتضي في إطارها ضمان استقرار المعاملات وحمايتها من جهة ثانية. والمشرع المغربي عالج كيفية التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، كما تناول الأحكام الخاصة بإبرام العقد الالكتروني[90]. فما هي إذن أوجه الحماية المقررة لهذا الأخير، وما هي الوسائل التي اعتمدت في هذا الإطار؟
أ- الإيجاب والقبول وفق القانون 53.05:
نشير بداية، إلى أن التعديل الذي أتى به قانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية[91]، قد احتفظ ببعض الأحكام العامة الواردة في ظ.ل.ع، لكي تسري هي أيضا على إبرام العقد الالكتروني[92]، واستثنى من التطبيق بعض المقتضيات، والمتعلقة بالإيجاب والقبول، حيث أورد مكانها تحت عنوان “العرض”، أحكاما خاصة بالإيجاب، وتحت عنوان “إبرام عقد بشكل إلكتروني” أحكاما خاصة بالقبول؛ والتساؤل المطروح هو، ما هي الضمانات التي أحاطها المشرع لكليهما؟ لأنه ليس القصد هنا هو إعادة الأحكام الخاصة بالإيجاب والقبول، وإنما إبراز آليات الحماية المرتبطة بهما.
– الإيجاب الإلكتروني:
لقد حدد المشرع في الفصل 3-65 من ظ.ل.ع[93]، ثلاث حالات اعتبرها كلها تدخل في إطار العرض وهي كالتالي:
الأولى: حالة وضع الإيجاب، في شكل عروض تعاقدية، أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود.
الثانية: الحالة التي يطلب فيها شخص معين بالذات، معلومات من أجل إبرام عقد.
الثالثة: عندما يتعلق الأمر بتوجيه معلومات أثناء تنفيذ عقد[94].
ففي الحالة الأولى، يمكن استعمال كل الوسائل الالكترونية في العرض، على اعتبار أن المشرع استعمل عبارة “الوسائل الالكترونية”، دون تحديد لأي طريقة من طرق الإيجاب الالكتروني[95]، أما الحالتين الثانية والثالثة، فإن الوسيلة الالكترونية محددة فقط في البريد الالكتروني، شريطة موافقة الشخص المعين – المرسل إليه- صراحة على استخدام هاته الوسيلة، غير أن مرسل العرض، يعفى من الحصول على الموافقة الصريحة باستعمال البريد الالكتروني، إذا كانت المعلومات موجهة إلى المهنيين، وذلك ابتداء من الوقت الذي يدلي فيه هؤلاء بعنوانهم الالكتروني. وفي مقابل ذلك، إذا كان مرسل العرض، قد اشترط إدراج المعلومات في استمارة، فإنه ملزم بأن يضع تلك الاستمارة رهن إشارة المطلوب منه تعبئتها الكترونيا.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ولكي يعتد بالإيجاب ويحقق حمايته اللازمة، قانونا، يجب أن يشتمل على العناصر الأساسية للعقد، وأن يوضع رهن إشارة العموم بكل شروطه التعاقدية مع تمكين هؤلاء من استنساخها والاحتفاظ بها[96]. كما يجب أن يتضمن جميع البيانات المنصوص عليها في الفصل 4-65 من ظ.ل.ع وهي كالتالي:
الخصائص الأساسية للسلعة أو الخدمة المقترحة أو الأصل التجاري المعني أو أحد عناصره.
شروط بيع السلعة أو الخدمة أو شروط تفويت الأصل التجاري أو أحد عناصره.
مختلف المراحل الواجب اتباعها لإبرام العقد بطريقة الكترونية، ولاسيما الكيفية التي يفي طبقها الأطراف بالتزاماتهم المتبادلة.
الوسائل التقنية التي تمكن المستعمل المحتمل، قبل إبرام العقد، من كشف الأخطاء المرتكبة أثناء تحصيل المعطيات وتصحيحها.
اللغات المقترحة من أجل إبرام العقد.
طريقة حفظ العقد في الأرشيف من لدن صاحب العرض وشروط الاطلاع على العقد المحفوظ إذا كان من شأن طبيعة العقد أو الغرض منه تبرير ذلك.
وسائل الاطلاع، بطريقة الكترونية على القواعد المهنية والتجارية التي يعتزم صاحب العرض الخضوع لها، عند الاقتضاء.
وكل اقتراح غير متضمن لكافة البيانات المشار إليها في هذا الفصل[97]، لا يجوز اعتباره عرضا بل يبقى مجرد إشهار، ولا يلزم صاحبه[98].
وبناء على ما سبق، فالمشرع المغربي لم يغفل القوة الملزمة للإيجاب الالكتروني، حيث عالجها من خلال الفقرة الثانية من الفصل 4-65 من ظ.ل.ع التي جاء فيها ما يلي:
“… دون الإخلال بشروط الصحة المنصوص عليها في العرض فإن صاحب العرض يظل ملزما به سواء طيلة المدة المحددة في العرض المذكور، أو، إن تعذر ذلك، طالما ظل ولوج العرض متيسرا بطريقة الكترونية نتيجة فعله”.
يتضح من خلال هذا النص أن المشرع المغربي، اعتبر الإيجاب الالكتروني ملزما في حالتين[99]:
الحالة الأولى: اقتران الإيجاب بأجل للقبول، حيث يتعين على الموجب الالتزام بعرضه إلى غاية المدة المحددة لمعرفة إرادة الموجه إليه الإيجاب بالقبول أو الرفض.
الحالة الثانية: بقاء الإيجاب متاحا بوسيلة إلكترونية، وهنا يظل الموجب ملتزما بالبقاء على إيجابه، طالما ظل الولوج إلى العرض متيسرا بطريقة إلكترونية وذلك بفعله لا بفعل غيره.
هاتين الحالتين، تقودنا إلى تساؤل مفاده هو ما هي حالات سقوط الإيجاب الالكتروني؟ خاصة أننا نعلم أن المشرع المغربي استثنى بعض الأحكام المتعلقة بالإيجاب والقبول، وذلك بمقتضى الفصل 2-65 من ظ.ل.ع[100]. وعليه، فطبقا للقواعد العامة، يسقط الإيجاب، عموما، في الحالات الآتية:
انتهاء المدة المحددة للقبول[101].
موت الموجب أو فقدان اهليته أو نقصانها، واتصال ذلك بعلم من وجه إليه الإيجاب قبل قبوله[102].
الرفض الصريح أو الضمني، ممن وجه إليه الإيجاب، ولو لم تنته المدة التي يكون فيها ملزما، كما لو كان القبول إيجابا جديدا أو رفضا مجردا[103].
ولكن، هل هذه الحالات المذكورة تؤدي إلى سقوط الإيجاب الالكتروني؟
في الحالة الأولى، المتعلقة بسقوط الإيجاب بانتهاء أجل القبول، نعتقد أنه ليس هناك ما يمنع عدم سقوط الإيجاب الالكتروني، مادامت قد انتهت المدة المحددة للقبول[104].ولم يبقى من المتيسر الولوج الى الايجاب بعد فوات هذا الاجل.
أما الحالة الثانية، المتعلقة بوفاة الموجب أو فقدان أهليته، وخبر بذلك الموجب له قبل التعبير عن قبوله، فإنها تؤدي كذلك إلى سقوط الإيجاب الالكتروني، لأن المشرع المغربي عند تنظيمه أحكام العقد الالكتروني، لم يستبعد تطبيق مقتضيات الفصل 31 من ظ.ل.ع، السالف الذكر على الإيجاب الالكتروني.
وتبقى حالة رفض الموجب له عرض الموجب، فإن القانون 53.05، استثنى تطبيق الفصل 27 من ظ.ل.ع كما جاء بيانه.
القبول الالكتروني:
لقد عالج المشرع المغربي أحكام القبول الالكتروني تحت عنوان “إبرام عقد بشكل إلكتروني”، وأحاطه بمجموعة من الضمانات، غاية في الأهمية، نص عليها الفصل 5-65 من ظ.ل.ع[105] ندرجها كالتالي[106]:
1- أن يتمكن من أرسل إليه العرض من التحقق من:
– تفاصيل الإذن بالقبول الصادر عنه قبل تأكيده، أي أن تتاح له فرصة، قبل أن يصدر عنه القبول النهائي، بأن يتحقق من تفاصيله.
– الثمن الإجمالي الذي يلتزم به، وهذه تعد ضمانة أساسية، على اعتبار أن تحديد السعر الإجمالي سوف يكون دافعا للتعاقد، والتأكد منه ضرورة أيضا لكي لا يقع المرسل إليه العرض في اللبس.
– تصحيح الأخطاء المحتملة، والتي يمكن أن تشوب الإذن الصادر عنه، وهذا من شأنه أن ينتج قبولا سليما[107].
2- إلزام صاحب العرض بمجرد أن يتسلم القبول، أن يشعر القابل إلكترونيا بذلك التوصل، ومقتضى هذه الضمانة، ان صاحب العرض، يصبح ملزما فور تسلم أو التوصل بالإذن بالقبول، بأن يشعر القابل بذلك، بطريقة إلكترونية.
3- “يصبح المرسل إليه، فور تسلمه العرض، ملزما به، بشكل لا رجعة فيه”، ولعل ما قصد به المشرع من خلال هذه العبارة، هو أن الموجب يصبح فور تسلمه قبول الموجب له، ملزما بإيجابه بشكل لا رجعة فيه[108].
4- يعتبر قبول العرض وتأكيده والإشعار بالتسلم، متوصلا بها إذا كان بإمكان الأطراف المرسل إليهم الولوج إليها، وهذا المقتضى هو ما يميز القبول من منظور المشرع المغربي، بحيث على أساسه يبرم العقد الالكتروني بصفة نهائية.
من خلال ما سبق، يستنتج أن القبول الالكتروني يمر من عدة مراحل، تنتهي بتأكيد استلام القبول، وهذا من شأنه أن يحقق ضمانة وحماية كافية للمتعاقد، ومع ذلك فالأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل المشرع المغربي عزز هذه الحماية، بحماية أخرى، نص عليها القانون 03-31 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، وتتعلق بضمان وسائل الأداء والحق في التراجع[109].
يبقى أن نشير أن القانون 53.05، قبل أن يتناول الأحكام الخاصة بإبرام العقد الالكتروني، فإنه أورد التصرفات التي لا تقبل أن ترد في شكل محررات إلكترونية، ومرد ذلك، إما إلى ارتباطها بالنظام العام، أو إلى طبيعة التصرف نفسه، فما هي العقود التي استثناها المشرع من أحكام القانون المذكور؟
ب- العقود المستثناة من أحكام القانون 53.05:
ينص الفصل 1-2 من ظ.ل.ع، والمتمم بمقتضى المادة 2 من قانون 53.05، في فقرته الأخيرة على ما يلي:
“… غير أن الوثائق المتعلقة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية، ذات الطابع المدني أو التجاري لا تخضع لأحكام هذا القانون، ما عدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته”.
يتضح من خلال ذلك أن العقود المستثناة هي كالتالي:
– الاستثناء المتعلق بمدونة الأسرة:
إن قضايا الحالة المدنية، والزواج، والطلاق، والإرث، والنسب، وكل ما يتعلق بالأحوال الشخصية، لها ارتباط وثيق بأحكام الشريعة وأعراف المجتمع، وبالتالي فهي من صميم النظام العام، ومن هذا المنطلق، لا يمكن تصور عقد زواج مبرم إلكترونيا، بل لابد من استيفائه للشروط القانونية، لأن التعاقد في هذا المجال يقتضي الحضور الفعلي للمتعاقدين، وذلك لتبادل الإيجاب والقبول ومن جهة أخرى فإن هذا القصد يحظى بقدسية ومنزلة خاصة في نفوس الناس، ونفس الأمر يقاس على باقي العقود الأخرى المرتبطة بمدونة الأسرة كإيقاع الطلاق او إعداد إراثة أو وصية أو إقرار نسب أو نفيه، بحيث لا يجوز إبرامهم بالوسائل الالكترونية[110].
-الاستثناء المتعلق بالضمانات الشخصية أو العينية في الميدانين المدني والتجاري
لا يمكن إبرام هذه الاستثناءات كذلك، وفق محررات إلكترونية، ويعود ذلك إلى أن مثل هذه الضمانات، غالبا ما تنصب على تصرفات مركبة ومعقدة، تنطوي على خطورة تتعلق بنوع الأموال أو قيمتها، أو بمدة العقود التي تكون في الغالب طويلة الأمد، تستوجب مفاوضات مباشرة بحضور الأطراف في مجلس العقد[111]. فالأوراق المالية التي يجوز تداولها بالبيع والشراء مثل أوراق الأسهم والسندات المتداولة في البورصات، تتضمن قيمة مالية في ذاتها، وتداولها يعني قبضها باليد وليس بالطريق الالكتروني، كما أن المعاملات التي مضمونها بيع أو شراء للأموال غير المنقولة، وهي العقارات سواء بطبيعتها أو بالتخصيص فإن التصرف فيها يخرج من نطاق التعامل الالكتروني.
إلا أن بعض الفقه[112]، يرى أن تلك الاستثناءات لا مبرر لها، إذ أن الشكلية الالكترونية، أمر أقرته غالبية التشريعات الحديثة بشأن العقود والمعاملات الالكترونية، ومن ثم فإن إبرام العقود الالكترونية لا يقتصر على نوع معين من العقود، بل يجوز إبرام كافة أنواع العقود إلكترونيا ولو كانت عقودا شكلية، وقد ربط هذا الفقه حل هذه الأزمة بفكرة “الموثق الالكتروني” وهو عبارة عن وسيط محايد ومستقل وموثوق فيه، وقد يكون هذا الوسيط شخصا طبيعيا أو اعتباريا وتتركز وظائفه الأساسية في إثبات مضمون المستندات والعقود الالكترونية وتوثيقها.
وإذا كان هدف المشرع المغربي من هذه الاستثناءات هو حماية الطرف الذي لا إلمام له بتقنيات الاتصال والتعاقد الكترونيا، مستحضرا في ذلك الأمية الالكترونية إلا أن هذه الحماية، هي حماية مبالغ فيها[113]، فكيف يمكن للمشرع أن يستثني الضمانات الشخصية أو العينية، في الميدانين المدني والتجاري، وهو يسعى إلى تطبيق القانون 53.05 على الحقوق العينية؟[114]
2- الحماية الجنائية وفق مقتضيات القانون 53.05:
نظرا لأهمية التدخل الجنائي في مجال تبادل المعطيات الالكترونية، ودور ذلك في تكريس الثقة في التعامل بواسطة الوسائل التكنولوجية المستحدثة، وما يترتب عنه من تشجيع الاستثمار عبر التجارة الالكترونية، والإقبال على إبرام العقود الالكترونية التي أضحت قابلة للتوقيع والتشفير والمصادقة الالكترونية، من لدن أجهزة حددت صلاحيتها وشروط اعتمادها بدقة[115]، كما سبق معنا، فقد تدخل المشرع المغربي من خلال القانون 53.05 [116]، لتحديد الأفعال المخالفة لهذا الأخير، وعقوباتها من جهة، وكذا التدابير الوقائية، ورصد ومعاينة هذه المخالفات من جهة ثانية.
وعليه، سوف يتم الحديث عن مختلف جرائم التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية وعقوباتها (أ) على أن ندرج تباعا التدابير الوقائية ومعاينة المخالفات (ب).
جرائم التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية وعقوباتها:
لم يعتمد المشرع أي تصنيف لجرائم التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، بل اكتفى بتعداد مختلف العقوبات المتعلقة بها، ومن خلال قراءتنا لهذه العقوبات، نميز بين تلك التي تطال مقدمي خدمات المصادقة، وبين تلك التي تجرم بعض ممارسات طالبي الخدمة.
– الجرائم والعقوبات التي تطال مقدمي خدمات المصادقة الالكترونية والتشفير:
عمل المشرع المغربي، على تعداد مختلف الجرائم المرتبطة بمجال تقديم خدمات المصادقة الالكترونية والتشفير من خلال عدة مواد، كما يظهر جليا في الجدول التالي:
الجريمة المرتكبة |
المادة | العقوبات السالبة للحرية | العقوبات المالية | ||
الحد الأدنى | الحد الأقصى | الحد الأدنى | الحد الأقصى | ||
– تقديم خدمة المصادقة الالكترونية دون توفر الاعتماد (سواء بعدم الترخيص أو بسحبه). | 29 | 3 أشهر | سنة | 10.000 درهم | 100.000 درهم |
– إفشاء السر المهني، أو التحريض على نشره أو المساهمة في ذلك. | 30 | شهر | 6 أشهر | 20.000 درهم | 50.000 درهم |
– استيراد او تصدير أو توريد أو استغلال أو استعمال إحدى الوسائل أو خدمات التشفير، دون الإدلاء بالتصريح أو الحصول على ترخيص[117]. | 32 | – | سنة | – | 100.000 درهم |
الإخلال بوجوب إخبار السلطة الوصية[118]. | 36 | 3 أشهر | 6 أشهر | 10.000 درهم | 100.000 درهم |
– الاستعمال غير القانوني لعنوان تجاري أو إشهار أو كل عبارة تحمل على الاعتقاد بأنه معتمد لاكتساب صفة مقدم خدمة. | 38 | – | – | 50.000 درهم | 500.000 درهم |
جدول جرائم وعقوبات انتهاكات مقدمو خدمات المصادقة والتشفير[119]
– الجرائم والعقوبات المرتبطة بطلب الخدمة:
تختلف هذه الجرائم باختلاف الأفعال المرتكبة، وكذا بتباين مرتكبيها، فهناك انتهاكات يقترفها طالبو الخدمة، وهناك أخرى ترتبط باستعمال الشهادات الالكترونية المسلمة.
الجريمة المرتكبة | المادة | العقوبات السالبة للحرية | العقوبات المالية | ||
الحد الأدنى | الحد الأقصى | الحد الأدنى | الحد الأقصى | ||
-الإدلاء العمدي بتصاريح كاذبة أو تسليم وثائق مزورة إلى مقدم الخدمة. | 31 | سنة | 5 سنوات | 100.000 درهم | 500.000 درهم |
– الاستعمال غير القانوني، للمعطيات الشخصية لتوقيع الغير. | 35 | سنة | 5 سنوات | 10.000 درهم | 100.000 درهم |
– الاستمرار في استعمال شهادة منقضية الصلاحية أو ملغاة. | 37 | 6 أشهر | سنتين | 10.000 درهم | 100.000 درهم |
جدول جرائم وعقوبات طالبي خدمة المصادقة وأصحاب الشواهد الالكترونية المسلمة[120]
وانطلاقا مما سبق، يلاحظ أن المشرع حافظ على سلطة القاضي الجنائي في تفريد العقوبة[121]، وذلك في إطار الحكم بالعقوبة المالية الملائمة للفعل الجرمي المرتكب، وفي المقابل يبقى القاضي الجنائي ملزما بالحكم بالعقوبة المالية والعقوبة الحبسية، دون الاقتصار على إحداها، لأن المشرع استعمل “واو” العطف في جميع المواد التي تنص على العقوبة الحبسية والغرامة.
ويبدو أن المشرع المغربي، وبالنص على عقوبات مالية بقيمة مرتفعة، مقارنة مع الغرامات المنصوص عليها في القانون الجنائي العام، يحكم بها بالموازاة مع العقوبات الحبسية، يعكس إرادته في تضييق الخناق على الخروقات التي يمكن أن ترتكب في ميدان المعاملات التجارية الالكترونية، لأن زجر الأفعال الجرمية التي يسعى مرتكبوها إلى تحقيق الأرباح، لا يتم عن طريق العقوبات السالبة للحرية وحدها، بل لابد من معاملة مرتكبي تلك الأفعال بنقيض قصدهم، وذلك لن يأتي إلا بتغريمهم بأموال تعادل أو تفوق الأرباح الممكن تحقيقها[122].
ب- التدابير الوقائية ومعاينة المخالفات:
علاوة على جرائم التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية وعقوباتها،فقد تطرق المشرع أيضا للتدابير الوقائية وكيفية معاينة المخالفات، ندرجها كما يلي:
– التدابير الوقائية:
لقد جاء القانون 53.05، ببعض التدابير الوقائية التي تعكس توجهات السياسة الجنائية الحديثة، التي أضحت تعطي حيزا هاما للسياسة الوقائية، إذ خول المشرع للسلطة الوطنية، صلاحية ممارسة الرقابة والتتبع بناء على تقارير أعوانها أو خبرائها المنتدبين من قبلها، وأيضا التدخل في حالة معاينة – حسب روح المادة 39 من القانون المذكور- ان مقدم خدمات المصادقة الالكترونية الذي يسلم شهادات إلكترونية مؤمنة:
– لم يعد متوافرا على أحد الشروط المنصوص عليها في المادة 21 من نفس القانون.
– أن نشاطه غير مطابق لأحكام القانون 53.05 أو الأنظمة المتخذة لتطبيقه.
في هذه الحالات، تطلب منه السلطة الوطنية، التقيد بالشروط أو الأحكام المذكورة، داخل الأجل الذي تحدده. وإذا انصرم الأجل المذكور، دون أن يتقيد مقدم الخدمات بتلك الشروط أو الأحكام، قامت السلطة الوطنية بسحب الاعتماد المسلم له، ويشطب عليه من سجل مقدمي الخدمات المعتمدين، مع نشر مستخرج من قرار سحب الاعتماد في الجريدة الرسمية.
وإذا كان من شأن نشاط المخالف، أن يمس بمتطلبات الدفاع الوطني أو أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، فإن السلطة الوطنية، تتخذ جميع التدابير التحفظية الضرورية، لوضع حد للنشاط المخالف للقانون، دون الإخلال بالمتابعات الجنائية التي تترتب عن ذلك[123].
هذا وبخصوص العقوبات الخاصة بالشخص المعنوي[124]، فقد نص عليها المشرع بمقتضى المادة 40 من القانون 53.05، على رفع الغرامة التي يحكم بها عليه، إلى ضعف الغرامات المنصوص عليها في الباب الثالث من القانون المذكور، غير أن الحكم على الشخص المعنوي بالغرامة، لا يعفي من إمكانية معاقبة المسيرين الذين يثبت ارتكابهم لفعل جرمي منصوص عليه بمقتضى نفس القانون. وعلاوة على الغرامة المالية، يمكن أن يتعرض الشخص المعنوي، للعقوبات الإضافية التالية:
المصادرة الجزئية لممتلكاته.
المصادرة المنصوص عليها في الفصل 89 من القانون الجنائي[125].
إغلاق مؤسسة أو مؤسسات الشخص المعنوي، التي استعملت في ارتكاب الجرائم.
– معاينة المخالفات:
يسند البحث في المخالفات لأحكام القانون 53.05 وللنصوص التطبيقية له – حسب المادة 41 منه- إلى:
أعوان السلطة الوطنية المؤهلين لهذا الغرض والمحلفين وفقا للقواعد القانونية العادية.
ضباط وأعوان الشرطة القضائية.
أعوان الجمارك داخل نطاق اختصاصهم.
وتتمثل صلاحيتهم فيما يلي:
تحرير محاضر بشأن المخالفات التي يتم ضبطها.
ولوج الأماكن، والأراضي أو وسائل النقل المعدة لغرض مهني.
الاطلاع على كل وثيقة مهنية وأخذ نسخ منها.
الحصول على المعلومات، والإثباتات، بعين المكان، أو بعد استدعاء المعنيين بالأمر.
حجز الوسائل المشار إليها في المادة 12 من نفس القانون[126]، بأمر من وكيل الملك أو قاضي التحقيق.
– تسجيل الوسائل المحجوزة، في محضر بعين المكان، وتوجيه النسخ الأصلية منه مع الجرد إلى السلطة القضائية التي أمرت بالحجز.
هذا وتحال محاضر إثبات المخالفات إلى وكيل الملك، داخل أجل خمسة ايام التالية لتحريرها، لكن المشرع، لم يرتب أي جزاء في حال تجاوز هذا الأجل، وبالتالي فإن الغاية منه، هي الإسراع بإحالة المحاضر فور الإنجاز، حتى لا تبقى مهملة لدى الضباط أو الأعوان.
أما محاضر الحجز، ولائحة المحجوزات التي يأمر بها وكيل الملك أو قاضي التحقيق، فغير مقيدة بأجل للإحالة[127].
مجمل القول، فالمشرع المغربي عمل على تكريس حماية جنائية أكثر فعالية[128]، من خلال توسيع دائرة التجريم المرتبطة بهذا المجال (أي التبادل الالكتروني للمعطيات والتجارة الالكترونية عموما)، إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أن صور التجريم التي نظمها المشرع بمقتضى القانون 53.05، تحتاج إلى التفعيل وإلى التطبيق السليم من خلال ملائمتها مع الوقائع التي يمكن أن تعرض على المحاكم مستقبلا، ويبقى كل حكم مسبق عليها خارج إطار الممارسة، سابق لأوانه، وغير موضوعي، وإن كانت تجسد لبنة أساسية، وإطار تشريعي يساعد على حماية المتعاقد الالكتروني والوسائل المتعلقة بتبادل المعطيات الالكترونية، ويعزز باقي النصوص الجنائية العامة القابلة للتطبيق في هذا المجال[129].
ثانيا: الحماية التقنية
المقصود بالحماية التقنية، هي مجموعة من الوسائل والأدوات والإجراءات اللازم توفيرها لضمان حماية المعلومات من الأخطار الداخلية والخارجية، ومن أبرز المخاطر التي تواجه أنظمة التجارة الالكترونية نجد على سبيل المثال لا الحصر:
اختراق الأنظمة: وهو دخول شخص غير مخول له بذلك، إلى نظام الحاسب والقيام بأنشطة غير مخول له القيام بها، كتعديل البرمجيات وسرقة البيانات السرية.
زرع نقاط الضعف: أي قيام شخص باختراق غير مصرح او من خلال مستخدم مشروع تجاوز حدود التحويل الممنوح له، بزرع مدخلا يحقق له الاختراق فيما بعد.
إنكار الخدمة: أي قيام شخص بتصرفات، كالبيع او الشراء مثلا، ثم ينكر انتسابها إليه[130].
ولكي يتم التغلب على هذه المخاطر، كان لابد من وجود حلول تقنية، تشكل الوسيلة لتحقيق الأمان القانوني، وبالفعل فقد تم ابتكار عدة وسائل تقنية في هذا المجال[131]، إلا أننا نشير في هذا الصدد، إلى أنه رغم تعدد المخاطر التي يمكن أن تواجه المستخدم، فدرجة الحماية المطلوبة تختلف حسب تنوع المعلومة المراد حمايتها، بمعنى أن إجراءات الحماية تنطلق من احتياجات الحماية الملائمة.
وما يهمنا في هذا الإطار، هو الوسائل التقنية الحمائية التي أتى بها القانون 53.05، ولهذا فقد سبقت الإشارة إلى البعض منها، وهي التوقيع الالكتروني والمصادقة الالكترونية ففيما يتعلق بالتوقيع الالكتروني، فقد خلصنا إلى أن هذا الأخير يرتبط ارتباطا عضويا بنظام التشفير، أما المصادقة الالكترونية فقد تطرقنا إلى الجهة المختصة بذلك، وكذا مهامها، وغيرها من المقتضيات الخاصة بها[132]، وعليه سوف نركز بالأساس على نظام التشفير باعتباره من أهم الوسائل التقنية التي تحمي التجارة الالكترونية والتبادل الالكتروني للمعطيات وبالتالي حماية المتعاقد الالكتروني، فما هي أوجه الحماية لنظام التشفير من خلال القانون 53.05؟
للإجابة عن هذا التساؤل، سوف يتم الحديث عن خدمة التشفير ووسائله وتحديد وظائفه (أ)، على أن نتناول القيود الواردة على وسائل التشفير، والتي فرضها القانون 53.05.
1- تعريف خدمة التشفير، وبيان وسائله وتحديد وظائفه:
نشير بداية أن المشرع المغربي، لم يضع تعريفا قانونيا للتشفير[133]، وإنما أورد بعض أهدافه ووسائله، وانتهى بتعريف وجيز لخدمة التشفير.
خدمة التشفير هي كل عملية تهدف إلى استخدام وسائل التشفير لحساب الغير، فهي إذن خدمة تقدمها جهة معينة حددها القانون لفائدة جهة أخرى مستفيدة من تلك الخدمة[135].
تتمثل وسائل التشفير في كل عتاد، أو برمجية، أو هما معا، يتم إنشاؤه أو تعديله من أجل تحويل معطيات إلى معلومات أو إشارات أو رموز، أو العكس، وذلك بموجب اتفاقية سرية أو بدونها، وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 12 من القانون 53.05 التي نصت على ما يلي:
” يراد بوسيلة التشفير كل عتاد أو برمجية أو هما معا، ينشأ أو يعدل من أجل تحويل معطيات سواء كانت عبارة عن معلومات او إشارات أو رموز استنادا إلى اتفاقيات سرية أو من أجل إنجاز عملية عكسية لذلك بموجب اتفاقية سرية أو بدونها”.
أوجز المشرع المغربي وظائف التشفير، في ضمان سلامة المعطيات القانونية، عن طريق ضمان سريتها، وصدقيتها، ومراقبة تماميتها، وذلك عند تبادلها أو تخزينها أو هما معا، والملاحظ ان تحديد هذه الوظائف جاء على سبيل المثال، لاستعمال المشرع عبارة “على الخصوص”[136]، ونعتقد أنه أحسن صنعا لأن هناك وظائف أخرى تهدف بشكل رئيسي، توفير عدة خدمات للأشخاص ليتم الحفاظ على أمن معلوماتهم[137].
2- القيود الواردة على وسائل التشفير:
إن استيراد وسائل التشفير، أو توريدها، أو استخدامها، أو تقديم خدمات متعلقة بها، مقيد بمشروعية الأهداف أو الأغراض المتوخاة من التشفير، وبالحفاظ على مصالح الدفاع الوطني، وأمن الدولة الداخلي والخارجي. ولذلك فإن استخدام التشفير، يخضع للتنظيم المحدد في القانون 53.05 (المادتين 13 و14 منه) وهو كما يلي[138]:
ويتم اللجوء إليه، إذا تعلق الأمر فقط باستخدام وسائل التشفير أو خدمات التشفير، لمجرد التصديق على إرسالية، أو ضمان تمامية المعطيات المرسلة بطريقة إلكترونية.
وتحدد الحكومة، أي الإدارة المكلفة، تلك الوسائل أو الخدمات، كما تحدد طريقة تقديم التصريح.
عندما يتعلق الأمر بالعمليات التي تتعدى تقديم التصريح المسبق، أي تجاوز عملية التصديق وضمان تمامية المعطيات المرسلة المشار إليهما أعلاه، فإنها تصبح متوقفة على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق، والإدارة المختصة هي التي تحدد الكيفية التي يتم وفقها منح ذلك الترخيص.
ج- النظام المبسط للتصريح، أو الترخيص، أو الإعفاء[139]:
يمكن للحكومة، أن تقرر نظاما مبسطا للتصريح، أو الترخيص، أو الإعفاء منهما، سواء بالنسبة إلى بعض أنواع وسائل أو خدمات التشفير، أو بالنسبة إلى بعض فئات المستعملين، ويستفاد من ذلك أن هذه الصلاحية تدخل في المجال التنظيمي للإدارة.
د- حصر توريد وسائل التشفير وخدماته على فئة محددة قانونا:
جعلت المادة 14 من القانون 53.05[140]، مهمة توريد وسائل أو خدمات التشفير الخاضعة للترخيص، من اختصاص مقدمي خدمات المصادقة الالكترونية المعتمدين لهذا الغرض، وفي حالة تعذر ذلك، أي في حال عدم وجودهم، تسند تلك المهمة، إلى الأشخاص الراغبين في تقديم تلك الخدمات، شريطة أن يكونوا معتمدين من لدن الإدارة لهذا الغرض.
الفقرة الثانية: أوجه القصور للقانون 53.05
إذا كان القانون 53.05، قد جاء بإضافات جديدة، تشمل عدة موضوعات تخص التجارة الالكترونية، (وهي المعادلة، من حيث الإثبات، بين الوثائق المحمولة على دعامة ورقية، والوثائق المحمولة على دعامة إلكترونية، وكيفية إبرام العقود الالكترونية، وتشفير البيانات، والتوقيع الالكتروني والمصادقة الالكترونية وغيرها)، إلا أن هناك حدودا تطرح أمام التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، حدودا ترتبط بالجوانب المعيبة في القانون نفسه، وأخرى تتعلق بالجوانب غير المثارة من قبل هذا الأخير.
وتأسيسا على ذلك، سوف نعمل على توضيح بعض اوجه القصور للقانون 53.05 من خلال إثارة (أولا) الجوانب المعيبة في هذا القانون، و(ثانيا) التطرق لبعض الجوانب غير المثارة فيه.
لقد اعتمد المشرع، في إصدار هذا القانون، تقنية تشريعية خاصة، اعتمدت مقاربة الجمع بين مقتضيات متممة لبعض فصول قانون الالتزامات والعقود[141]، والتي توخت وضع الأساس للتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، باعتبار هذا التبادل موضوع القانون المذكور ومحوره؛ ومقتضيات أخرى خاصة تهدف إلى تنظيم هذا الموضوع من حيث المضمون والوظائف والإجراءات، ويكمن مبرر اللجوء إلى هذه التقنية، حسب النص التقديمي لمشروع القانون 53.05، في الحفاظ على وحدة الموضوع، ومعالجته بكيفية متناسقة من مختلف جوانبه[142].
وبصرف النظر عن هذه التقنية التشريعية الخاصة، والتي تبقى محل نظر، فإنناسوف ندرج بعض الجوانب المعيبة للقانون المذكور، واثارة أهمها كالتالي:
1- اختار المشرع لهذا القانون عنوانا ضيقا، وهو”التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية”، ويتأكد ضيقه بالمادة الأولى منه، التي تنص على أنه:” يحدد هذا القانون النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية…” وهو عنوان يوحي ظاهره بشموله فقط عملية التبادل المتمثلة في التوجيه والاستلام، ولا يتسع لبعض العمليات الأخرى مثل الإعداد (الإنشاء)، والتخزين، والحفظ، ولعمليات من قبيل المعادلة بين الوثائق الورقية والوثائق الالكترونية، وعلى التوقيع الالكتروني، وعلى العمليات التي يقوم بها مزودو خدمات المصادقة الالكترونية، ولذلك عملت التشريعات الأخرى، التوجيهية منها والوطنية، على اختيار عناوين أكثر سعة وشمولية، كالتجارة الالكترونية، المعاملات والتجارة الالكترونية، المبادلات والتجارة الالكترونية، المعاملات الالكترونية، الثقة في الاقتصاد الرقمي، وغيرها[143].
2- جعل المشرع تطبيق بعض مواد القانون 53.05، رهين بمراسيم تتخذ لتطبيقه، وهو ما لم يعجل به حتى الآن، باستثناء إصداره المرسوم رقم 815-2-8 الصادر بتاريخ 21 ماي 2009،المتعلق بتطبيق المواد 13 و14 و15 و21 و23 من القانون المذكور.
3- غموض بعض النصوص القانونية، وذلك راجع إما لخطأ في الصياغة أو لخطأ في الترجمة[144]، ونذكر على سبيل المثال، الفقرة الثالثة من الفصل 65.5 من ظ.ل.ع، التي تنص على ما يلي:” يصبح المرسل إليه فور تسلم العرض ملزما به بشكل لا رجعة فيه” فالمعنى المستفاد من نص هذه الفقرة غامض وغير منطقي، غامض، لكون النص القانوني يقصد إلزامية قبول العرض لا إلزامية العرض، وغير منطقي لأن المرسل إليه لا يلتزم بالعرض الموجه إليه بمجرد تسلمه.
وكذلك الفصل 1-2 من ظ.ل.ع، المضاف بموجب القانون 53.05 والذي ينص على ما يلي:” عندما يكون الإدلاء بمحرر مطلوبا لإثبات صحة وثيقة قانونية، يمكن إعداد هذا المحرر وحفظه بشكل إلكتروني وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل 1-417 و2-417 أدناه”.
فقد توحي هذه الفقرة أن المحرر الالكتروني مطلوب للإثبات فقط، بحجتين: بحجة استعمال لفظ الإثبات، وبحجة إحالة هذه الفقرة على شروط الفصلين المذكورين المتعلقين بالإثبات، ولكن روح النص تخالف هذا التفسير، فلفظة الإثبات لم ترد بالنص الفرنسي المقابل للفقرة المذكورة[145]، فليس المقصود إثبات التصرف لذاته، وإنما إثبات صحته، ثم إن الإحالة على الفصلين المشار إليهما، لم تتم من أجل التطابق في الطبيعة الإثباتية، ولكن لأجل استعارة شروط الفصلين، لكون هذه الشروط هي من صميم الوثيقة الالكترونية مهما كان الغرض منها، إثباتيا أو تكوينيا، ناهيك أن الفقرة المذكورة أضيفت إلى الفصل الثاني من ق.ل.ع الذي ينظم الأركان اللازمة لصحة الالتزامات[146].
4- علاوة على ذلك، وحسب بعض الفقه، فإن عدة مفاهيم ومصطلحات وظفت في ترجمة القانون 53.05 لم يتم استيعابها، نذكر منها الإيجاب والقبول، التمييز بين شكلية الانعقاد وشكلية الإثبات، التمييز بين (acte) بمعنى الوثيقة، وبين(acte)بمعنى التصرف، الخلط بين الوثيقة والمحرر والورقة، الخلط بين المقتضيات القانونية والمقتضيات التنظيمية[147].
5- وبصرف النظر عن كون بعض النصوص في القانون المذكور تنطوي على بعض الأخطاء في الصياغة (أو الترجمة)، مما كان له أثر سلبي على المعنى المقصود من النص القانوني،فإن المشرع بوقوفه عند حدود كيفية إبرام العقد الالكتروني، ومعادلته المحرر الالكتروني بالمحرر الورقي، يوحي بترك باقي أحكام هذا العقد، للقواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود، وفي القوانين الخاصة،والدليل على ذلك أن المادة 5 من القانون 53.05، التي عدلت الفصل 417 من ظ.ل.ع، تنص على أنه:” إذا لم يحدد القانون قواعد أخرى ولم تكن هناك اتفاقية صحيحة بين الطرفين، قامت المحكمة بالبث في المنازعات المتعلقة بالدليل الكتابي بجميع الوسائل وكيفما كانت الدعامة”[148].
ثانيا: الجوانب غير المثارة في القانون 53.05
على الرغم من أن مبادرة المشرع المغربي، بإصدار القانون 53.05، تعتبر خطوة إيجابية تضاف، إلى خطواته السابقة المتمثلة في حماية برامج الحاسوب بمقتضى قانون حماية حقوق المؤلف رقم 00-02 [149]، والحماية الجنائية للنظم المعلوماتية بمقتضى الفصول 218-1 و607-3 و607-11 من القانون الجنائي، وكذا خطواته اللاحقة المتمثلة في قانون حماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، رقم 09.08 [150]، والقانون المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك رقم31.08[151].
إلا أنه، وبمعزل عن هذه الخطوات، فإن قانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، كقانون متخصص، تعتبر مقتضياته غير كافية لمواكبة التطور التكنولوجي، وما وصلت إليه تشريعات الدول المتقدمة، وفيما يلي ندرج بعض الجوانب غير المثارة في هذا القانون، وكذا بعض المقترحات، وذلك على النحو التالي:
1- لم يتضمن مطلع القانون 53.05، تحديدا لمضامين بعض المصطلحات التقنية الواردة به، وإن كان قد قام بذلك فعلا في بعض الأعمال التشريعية التي أصدرها مؤخرا، فمثل هذا التباين في المنهج، رغم اتحاد المصطلح، غير محمود، بل إنه يخالف التوجه الحديث في صناعة التشريع الذي يتطلب مثل هذا التحديد الاصطلاحي، وذلك لضمان التطبيق السليم للقانون.
2- لم يتضمن القانون المذكور أي مقتضى متعلق بإشكالية الوفاء الالكتروني، والذي يعتبر أساسيا لضمان الثقة لدى المتعاقد، وبالتالي الإقبال بكل حرية على التجارة الالكترونية.
3- المشرع المغربي مطالب الآن على الأقل، بتنظيم مختلف العقود الالكترونية وآثارها القانونية، وإعداد نظام للمسؤولية الالكترونية التعاقدية والتقصيرية على حد سواء، وأن يوسع مجال حماية حقوق الملكية الفكرية، لتشمل تداول كافة المصنفات الأدبية والفنية والعلمية على الأنترنت، وأن يطال العقاب كل الأفعال الإجرامية الالكترونية المرتكبة على الشبكة، سيما جرائم الأموال والغش المعلوماتي وغيرها[152].
4- غياب أي مقتضيات متعلقة بتنازع الاختصاص في العقد الالكتروني، وإن كنا نلاحظ أن المشرع أتى ببعض الإجراءات حينما نص في إطار المادة 21 من القانون 53.05 والمتعلقة بشروط الاعتماد لاكتساب صفة مقدم خدمات المصادقة الالكترونية، على أن هذا الأخير يعد ملتزما حسب الفقرة 3-3 من نفس المادة:”… بإخبار الشخص الذي يطلب تسليمه شهادة الكترونية كتابة بما يلي قبل إبرام عقد تقديم خدمات المصادقة الالكترونية:
أ- كيفيات وشروط استعمال الشهادة.
ب- كيفيات المنازعة وطرق تسوية الخلافات…”
إلا أن هذه الإجراءات تعتبر غير كافية خصوصا إذا تعلق الأمر بغياب أي اتفاق متعدد أو ثنائي الأطراف يتعلق بالاعتراف المتبادل بين المغرب وباقي الدول الأخرى لاعتماد مقدمي الخدمة[153].
5- في إطار مسلسل التحديث، الذي يعد مسألة أصبحت مرتبطة بعالم التكنولوجيا والمعلوميات، فقد بات الإقرار بنظام التبليغ الالكتروني، أمرا ضروريا يستدعي إضفاء الشرعية عليه من قبل المشرع، واعتباره بالتالي طريقة من طرق التبليغ القانونية، نظرا لما سوف يحققه من فوائد في إطار مسطرة التبليغ القضائي، في سبيل الوصول إلى قضاء إلكتروني، ومن هنا تطرح مسألة مدى قابلية الموقع الالكتروني ليكون موطنا في مفهوم قانون المسطرة المدنية؟
كانت هذه إذن، بعض الجوانب التي لم يثرها القانون 53.05، معززة ببعض الاقتراحات، إلا أنه، وفي مقابل ذلك، يجب أن نعترف أن هذا القانون، يشكل المرحلة التشريعية الأولى، والتي تهدف بالأساس إلى تكييف التشريع المغربي مع تطور الاقتصاد الرقمي، وبذلك يشكل رهانا أساسيا بالنسبة للممارسات القانونية، وما هو إلا مقدمة لعبور القانون نحو العالم الالكتروني، فمن غير الممكن النظر إلى القانون، بنظرة جامدة فالعلاقات بين المتعاقدين وشركاء العدالة، وبين المواطن والقانون ستتغير، وتفتح الباب أمام عدالة جديدة لأنها إلكترونية، لذلك، فإن المستقبل الذي يفتحه التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، يبدو واعدا ومشجعا.
[1]– تجدر الإشارة على أن مبرر اللجوء إلى هذه التقنية، وذلك حسب النص التقديمي لمشروع القانون 05-53، يكمن في الحفاظ على وحدة الموضوع ومعالجته بكيفية متناسقة من مختلف جوانبها.
– مداولات مجلس النواب، أكتوبر 2006، النص الذي تقدم به السيد وزير الشؤون الاقتصادية العامة، محضر الجلسة 141 بتاريخ 22 يناير 2007.
[2]– تنص المادة الأولى من القانون المذكور على:
” يحدد هذا القانون النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية…”.
[3]– نشير في هذا الصدد أن مصطلح “معطيات قانونية” مصطلح واسع وغير محدد بدقة مما يطرح معه عدة تساؤلات من قبيل ما المقصود بها؟ حتى نقول أن هذا المعطى قانوني أو غير قانوني وما مدى التحقق من قانونيته او من عدمه؟ ما هي العناصر التي تحتويها؟ وما درجة حجيتها؟ ضف إلى ذلك أن المعطيات القانونية يمكن أن ندرج فيها الرسائل الإلكترونية، فهاته الأخيرة غير واردة في نصوص القانون 53.05، وان كان القانون النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي حول التواقيع الالكترونية، قد عرفها في الفقرة الثالثة من الفصل الثاني،بأنها المعلومات التي يتم إحداثها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بواسطة وسائل بصرية أو إلكترونية أو أي وسائل مشابهة ويشمل ذلك على سبيل المثال، التبادل الإلكتروني للمعلومات والبريد الإلكتروني أو البرقي أو التلكس، ويقصد بالتبادل الإلكتروني للمعلومات النقل الإلكتروني لهذه المعلومات من حاسوب لحاسوب آخر باستخدام نموذج لبناء هذه المعلومات. وتأسيسا لذلك فالرسائل الإلكترونية يمكن أن لا تتضمن توقيعا بل هي تبقى مجرد بيانات في إطار معلومات مدونة داخل الحاسب الآلي دون وجود أي توقيع عليها، مما يطرح معه الحجية الثبوتية لهاته الرسائل الإلكترونية غير الموقعة؟
[4]– جاء في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون 53.05 ما يلي:
“غير أن الوثائق المتعلقة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية، ذات الطابع المدني أو التجاري لا تخضع لأحكام هذا القانون، ما عدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته”.
هذا المقتضى اعتبره بعض الفقه من الاستثناءات القانونية التي تواجه الكتابة الإلكترونية كشكلية انعقاد.
– انظر أحمد أدريوش، تأملات حول قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، م.س، ص 47.
[5]– تجدر الإشارة في هذا الصدد، أن المشرع المغربي لم يدرج في قانون 53.05 أي باب مخصص للتعريف بالمصطلحات الجديدة، مع العلم أن هناك مصطلحات ذات طابع تقني تستوجب التعريف بها، وهذا عكس ما قامت به باقي التشريعات.
[6]– ويصطلح عليه أيضا الإثبات المطلق، حيث في ظل هذا النظام، لا يتقيد القاضي بطريقة معينة للإثبات بل يكون له دور إيجابي يصل بمقتضاه سريعا إلى الحقيقة، لأن القاضي يكون له أن يقتنع بأية وسيلة ممكنة، ويكون حرا في تكوين قناعته من أي دليل يقدمه الأطراف، بل يستطيع أن يقضي بعلمه الشخصي. وأهم ما يمتاز به هذا النظام أنه يجعل الحقيقة القضائية التي يتوصل القاضي في حكمه مطابقة إلى حد كبير للحقيقة الواقعية المتنازع فيها، الأمر الذي يجعل من هذا النظام نظاما مثاليا.
– أحمد أبو الوفاء، التعليق على نصوص قانون الإثبات، الدار العربية للموسوعات القانونية، السنة 1980، ص 15 وما يليها.
[7]– يصطلح عليه أيضا نظام الإثبات القانوني، حيث أن هذا النظام يحتم توافر أدلة معينة لا يجوز للخصم إثبات الحق الذي يدعيه بأي دليل غيرها، كما يلزم القاضي بالوقوف من الدعوى موقف الحياد، بحيث يمتنع عليه القضاء بعلمه الشخصي. ولاشك أن هذا النظام – على عكس الأول- يحقق الثقة والاستقرار في المعاملات في ضوء ما يقدمه من ضمانات، ومع ذلك يعاب على هذا النظام أنه يقيد يد القاضي من كل وسيلة يمكن أن تصل به إلى الحقيقة الواقعية.
– سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، الأدلة المطلقة، الجزء الثاني عشر، دار الكتب القانونية، مصر، الطبعة الخامسة، سنة 1991، ص 8.
– حسن الفكهاني، التعليق على قانون الالتزامات والعقود، الدار العربية للموسوعات، القاهرة، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، السنة 92/93، ص 494.
[8]– يعتبر هذا النظام،هو خير الأنظمة بإجماع الشراح، فهو يجمع بين الإثبات المطلق والإثبات المقيد بحيث يكون الإثبات في المواد التجارية حرا، أما المواد المدنية فالإثبات أصلا مقيد.
للمزيد من الاطلاع والتوسع راجع:
– أحمد أبو الوفا،، م.س، ص 16.
– رمضان أبو السعود، أصول الإثبات على المواد المدنية والتجارية، مطابع الأمل بيروت، 1993، ص 24.
– آدم وهيب النداوي، دور الحاكم المدني في الإثبات، دار الثقافة، الأردن، 1997، ص 194 وما بعدها.
[9]– ينص الفصل 404 من ظ.ل.ع على ما يلي:
” وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي:
1- إقرار الخصم
2- الحجة الكتابية
3- شهادة الشهود
4- القرينة
5- اليمين والنكول عنها”.
وهذا يعني أن أطراف النزاع لا يمكن لهم أن يثبتوا ادعاءهم إلا بالوسائل المنصوص عليها في هذا الفصل، كما أن القاضي ملزم بأن يبني حكمه على وسائل الإثبات التي يقررها القانون، ولا يمكنه أن يحكم بناء على علمه الشخصي.
[10]– تنص المادة 334 من مدونة التجارة على أنه:
” تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك”.
[11]– نورالدين الناصري، المعاملات والإثبات في مجال الاتصالات الحديثة، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة، العدد 12، مطبعة النجاح، الدار البيضاء،الطبعة الأولى، 2007، ص 9.
[12]– في هذا الباب ينص الفصل 417 من ظ.ل.ع على ما يلي:
“الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية.
ويمكن أن ينتج كذلك عن المراسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة أو عن أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة، كيفما كانت دعامتها وطريقة إرسالها..”.
[13]– ينص الفصل 418 ظ.ل.ع على ما يلي:
” الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون..”.
يتبين من خلال هذا التعريف أن الورقة الرسمية تتطلب شروطا لصحتها تتمثل في:
– أن تكون صادرة من موظف عمومي.
– أن يكون تحرير هذه الورقة داخلا في وظيفة الموظف العمومي سواء من حيث الموضوع أو من حيث المكان.
– أن تكون الورقة مشتملة على جميع البيانات والأوضاع التي أوجب القانون توفرها فيها.
– نور الدين الناصري، م.س، ص 10.
[14]– لورنس محمد عبيدات، إثبات المحرر الإلكتروني، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى،2005، ص 56.
[15]– نور الدين الناصري، م.س، ص 10-11.
[16]– أضافها القانون عدد 57 لسنة 2000 المؤرخ في 13 يونيو 2000، في المجلة التونسية للالتزامات والعقود.
[17]– وجاء في نص المادة 1/ب من قانون تنظيم التوقيع الالكتروني المصري أن المحرر الالكتروني:
“هو رسالة بيانات تتضمن معلومات تنشأ أو تدمج أو تخزن، أو ترسل أو تستقبل كليا أو جزئيا بوسيلة إلكترونية أو ضوئية أو بأية وسيلة أخرى مشابهة”.
كما عرف المشرع الإماراتي في المادة 2 من قانون المعاملات والتجارة الالكترونية المحرر الالكتروني على أنه:
“سجل أو مستند يتم إنشاؤه أو تخزينه أو استخراجه أو إرساله أو إبلاغه أو استلامه بوسيلة إلكترونية على وسيط ملموس أو على أي وسيط الكتروني آخر يكون قابلا للاسترجاع بشكل يمكن فهمه”.
[18]– لقد كانت القواعد التقليدية للإثبات بالكتابة تقتصر على الكتابة على الورق فقط، وهي بذلك شكلت عرقلة حقيقية في وجه تنمية المبادلات الالكترونية التي تعتمد المحررات الالكترونية.
– أحمد أدريوش، تأملات حول قانون التبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، عناصر لمناقشة مدى تأثير القانون 53.05 على قانون الالتزامات والعقود، م.س، ص 61 وما يليها. .blogspot.com