التدبير التشاركي للسياسات العمومية في دستور 2011


التدبير التشاركي للسياسات العمومية في دستور 2011

عتبر السياسات العمومية إحدى أهم مخرجات النظام الدستوري وجزء من الأجوبة اليومية للنظام السياسي و دليل على مشروعيته، فموضوع السياسة العامة من المباحث الأساسية التي ظهرت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين في مجال علم السياسة كمبحث يعنى باتخاذ القرار و مساراته، انطلاقا من وجود طلبيات عمومية و قضايا و مشاكل اجتماعية و محاولة الفاعلين السياسيين إيجاد حلول للقضايا المطروحة و ذلك باتخاذ قرارات اقتصادية و اجتماعية و سياسية.

وقد شكل دستور 2011 انعطافة حاسمة في مسار النموذج المغربي للإصلاح السياسي وهو نموذج تأسس على تحديد اختيارات كل الفاعلين في الحياة السياسية بالمغرب، و من بين المنطلقات الأساسية التي حكمت الهندسة الدستورية لسنة 2011 الإقرار الدستوري بالديموقراطية التشاركية كأحد الثوابث الأساسية في بلورة السياسات العمومية.

1. دوافع إقرار المقاربة التشاركية في تدبير السياسات العمومية

إن كسب رهان التنمية، أصبح ضرورة ملحة في عصرنا الحاضر تسعى السلطات العمومية إلى تحقيقه عبر مجموعة من الآليات القانونية و المؤسساتية التي تتم ترجمتها إلى سياسات عمومية تهم مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و إن كان من المسلم به أن السلطة المركزية هي المسؤولة عن تحقيق التنمية بمختلف صورها، فإن منطق العمل و متطلبات المصلحة العامة تفرض على هذه الأخيرة تقاسم هذه المسؤولية مع شركاء آخرين لتدبير مختلف مجالات التنمية،و في هذا الصدد تبزر المقاربة التشاركية كأحد أهم المناهج المعتدة في مجال تدبير السياسات العمومية، و من أهم دوافع إقرار هذا التوجه :
فشل بعض السياسات العمومية التي تلعب فيها الدولة الفاعل الوحيد دون الاعتماد على المقاربة التشاركية.
كثرة أعباء الدولة و مسؤولياتها و ظهور مجموعة من المشاكل ( الفقر، البطالة، الجرائم…).
هناك أسباب مرتبطة بمفهوم الدولة خاصة في ظل ظهور فاعليين عموميين موازيين لها في وظائفها، ( نظام اللامركزية الادارية: الترابية / الجماعات الترابية، /المرفقية ، المؤسسات العامة المحلية ).
الدور الإيجابي للقطاع الخاص و لمكونات المجتمع المدني خاصة الجمعيات و المنظمات الغير الحكومية ( ONG ) في المجالات الاقتصادية و الاجماعية.
اعتبار المقاربة التشاركية من أبرز و أحدث مظاهر الديموقراطية، و اعتبار المشاركة في تدبير الشأن العام من أهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن داخل الدولة.
إن كانت هذه بعض الأسباب التي حملت مختلف السلطات العمومية على تبني المقاربة التشاركية في تدبير سياساتها العمومية فكيف أسس المشرع الدستوري لهذه المقاربة من خلال دستور 2011 ؟.

2. دستور 2011 و مسألة التشاركية في تدبير السياسات العمومية

تحتل المقاربة التشاركية في تدبير الشأن العام أهمية خاصة داخل الوثيقة الدستورية، و يظهر ذلك بداية من التصدير( الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من الدستور ) الذي يبين مواصلة التزام المغرب ببناء دولة مؤسسات حديثة مرتكزاتها المشاركة و التعددية و الحكامة الجيدة .

إذا كان الفصل الأول من دستور 2011 اعتبر أن من مقومات النظام الدستور للمملكة إضافة إلى فصل السلط و توازنها و تعاونها و ربط المسؤولية بالمحاسبة و الديموقراطية المواطنة و التشاركية، وإضافة إلى جانب النظام التمثيلي و قنوات الأحزاب السياسية و الانتخابات و المؤسسات التشريعية و الجماعية فبإمكاننا حصر الإرهاصات الأولى للمقاربة التشاركية في تدبير السياسات العمومية في دستور 2011 من خلال النقط التالية :
دسترة وظيفة المجتمع المدني من خلال الفصول 12 و 13 كمساهم فعلي في كل مراحل إعداد السياسات العمومية حيث تنص الفقرة الثالثة من الفصل 12 على مساهمة الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام و المنظمات غير الحكومية في إطار الديموقراطية التشاركية في إعداد قرارات و مشاريع لدى المؤسسات النتخبة و السلطات العمومية و كذا في تفعيلها و تقييمها، كما حث الفصل 13 السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية و المساهمة في تفعيلها و تنفيذها و تقييمها.
الإقرار بالمساهمة الممكنة للمواطنين في مجال التشريع من خلال الفصل 14 الذي أحال على قانون تنظيمي في هذا المجال، الشي الذي سيجعل المواطن العاي مساهم مباشر في إعداد مختلف النصوص القانونية التي تؤطر العديد من السياسات العمومية و البرامج التنموية.
دسترة تقنية العرائض الموجهة من طرف المواطنين إلى المؤسسات المنتخبة من خلال الفصل 139 من الدستور الذي ينص في فقرته الثانية على أنه يمكن للمواطنين و المواطنات و الجمعيات تقديم عرائض الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصاته ضمن جدول أعماله.
تبني نظام للحكامة الجيدة من شأنه تعزيز مسار المقاربة التشاركية في مجال تدبير السياسات العمومية من خلال تنصيص الدستور على شبكة من المؤسسات الوطنية المبنية على مرجعية قيمية تتعلق بمعايير الجودة و الشفافية في مجال المراف العامة.

و أخيرا يمكن القول أنه لايمكن اختزال مسألة التشاركية في تدبير السياسات العمومية في مجرد إصدار نصوص تنظيمية تحدد تدخلات و اختيارات كل الفاعليين العموميين و غيرهم، بل الوضع يتطلب تبني مقاربة شمولية ومندمجة و ناجعة لإقرار هذا التوجه.

إعداد:ذ/صلاح الدين كرزابي_باحث في العلوم السياسية

اذهب الى الأسفل


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...