التعدد والشقاق على ضوء احكام المادة 45 من مدونة الاسرة
اخترت لمساهمتي في هذه الذكرى الخالدة للمجلس الاعلى للقضاء ان شاء الله موضوع التعدد والشقاق على ضوء احكام المادة 45 من مدونة الاسرة نظرا لما يثيره الموضوع من تساءلات عملية جادة من جهة وللاحساس بالمسؤولية الاخلاقية والقانونية الجسيمة والمتمثلة في تفعيل واستعاب ما تمليه المقتضيات الجديدة للمادة المذكورة وملائمتها مع محيطها الاجتماعي في نسق يحقق المقاصد الشرعية والتحول التاريخي الذي رسمته مدونة الاسرة لمغرب جديد من جهة ثانية.
وهكذا ارتايت تقسيم هذا الموضوع الى المحاور التالية:
الفرع الاول : – التعدد والشقاق على ضوء احكام الشريعة الاسلامية :
– المبحث الاول: التعــــدد
– المبحث الثاني: الشقــــاق
الفرع الثاني: التعدد والشقاق على ضوء احكام مدونة الاسرة
– المبحث الاول: التعـــــدد
المطلب الاول: المسطرة المتبعة في طلب الاذن بالتعدد امام المحكمة
الابتدائية
المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها في الحق المطالب به
– المبحث الثاني: الشقاق
المطلب الاول: تعريف الشقاق
المطلب الثاني: مسطرة الشقاق امام المحكمة الابتدائية
الفرع الثالث: – الاشكالات العملية التي ابان عنها تطبيق المادة 45 من مدونة الاسرة.
– المبحث الاول: قراءة عملية لمقتضيات المادة 45 من مدونة الاسرة
– المبحث الثاني: مدى التلازم بين التعدد والشقاق على ضوء احكام
المادة 45 من مدونة الاسرة
خلاصة:
هل المادة 45 من مدونة الاسرة حافظت على كيان الاسرة ؟
المبحث الاول: التعـدد
قال تعالى في سورة النساء: الاية “يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا، واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام، ان الله كان عليكم رقيبا وءاتوا اليتامى اموالهم ولا تتبدلوا الخبيت بالطيب ولا تاكلوا اموالهم الى اموالكم انه كان حوبا كبيرا وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا “.
اول عبرة يمكن اخذها من هذه الايات الكريمات انها ترد الناس الى رب واحد وخالق واحد واسرة واحدة وتجعل وحدة الانسانية هي النفس ووحدة المجتمع هي الاسرة.
كما شاء الله سبحانه وتعالى ان يبدأ خلق الانسان من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها وبت منهما رجالا كثيرا ونساء.
وبعد ان تبت الخالق سبحانه وتعالى الاصل الاساسي الكبير اخذ في تتبيت الاسس الفرعية التي من شأن الحفاظ عليها والتمسك بها حفظ المجتمع، ومن ذلك حفظ كرامة المرأة وحفظ اموالها كذلك، إذ امر الاوصياء على اليتامى ان يردوا لهم اموالهم كاملة ودون نقصان متى بالغوا سن الرشد والنضج.
وفي هذا السياق امر سبحانه تعالى كذلك الاوصياء بان لا ينكحوا اليتامى تحت عهدتهم طمعا في اموالهم.
والمقصود من الاية الكريمة وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء متنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا “ان الله فتح مجالا فيه متسع من البعد عن المضنة والشبهة فاذا لم يكن الولي قادرا على العدل مع اليتيمة التي هي تحت حجره فهناك نساء اخريات غيرها مثنى وثلاث ورباع.
وهكذا فان الاسلام جاء ليحدد ويقيد التعدد بالعدل لا ليطلق العنان لهوى الرجال على ان يؤخذ هذا التقيد باليسر رحمة للعباد كلما دعت الضرورات لذلك.
المبحث الثاني: الشقـاق
قال تعالى في سورة النساء: الاية 35
“فان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما ان الله كان عليما خبيرا “.
لا يخفى ان سورة النساء سورة مدنية نزلت لتواجه مجموعة من الحقائق السائدة في العصر الجاهلي والملابسات المحيطة بنشأة الجماعة المسلمة في المدينة ووضع المنهج الاسلامي في تكوين الاسرة والمجتمع.
وفي هذا المنحى اكدت الاية الكريمة ووضعت منهاجا يمكن اعتماده لحل الخلافات الاسرية بحيث اذا وقع خلاف وشقاق بين الزوجين قام ولي الامر او من في حكمه ببعت حكمين احدهما من اهل الزوج والاخر من اهل الزوجة لبحث ودراسة اسباب الخلاف والنزاع القائم بين الطرفين والقيام بكل المحاولات والمساعي لاصلاح دات البين والتوفيق بينهما حفاظا على نوات المجتمع ورابطة الزوجية.
وقد سبق القول ان القران الكريم جاء بكثير من المعاني الخالدة التي تهدف الى توثيق عرى الاسرة وتتبيث بنيانها وحمايتها من جميع المؤثرات التي من شأنها ان توهن هذا البناء.
الفرع الثاني: التعدد والشقاق على ضوء احكام مدونة الاسرة.
المبحث الأول: التعدد
بالرجوع الى مدونة الاسرة نجد ان المشرع المغربي نظم مسالة التعدد في الباب الثاني من القسم الثالث من الكتاب الاول المتعلق بموانع الزواج الفصول 40 الى 46 من المدونة.
وقد جاءت المدونة بمجموعة من المقتضيات الجديدة ذهبت في بعضها الى حد منع التعدد كالحالة التي يكون فيها شرط في عقد الزواج يفرض على الزوج عدم التزوج على زوجته.
والحديث في هذا المبحث يقتضي تناوله في مطلب اول نخصصه للمسطرة المتبعة امام المحكمة الابتدائية ومطلب ثاني نتكلم فيه عن الشروط الواجب توافرها في الحق المطالب به.
المطلب الاول: المسطرة المتبعة في طلب الاذن بالتعدد امام المحكمة
الابتدائية
نصت المواد 42 – 43 – 44 من مدونة الاسرة اجمالا على المسطرة المتبعة امام المحكمة الابتدائية اذ نصت المادة 42 من مدونة الاسرة على أنه:
في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد يقدم الراغب فيه طلب الاذن في ذلك الى المحكمة.
يجب ان يتضمن الطلب بيان الاسباب الموضوعية الاسثتنائية المبررة له، وان يكون مرفقا باقرار عن وضعيته المادية
ونصت المادة 43 من مدونة الأسرة:
تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور فاذا توصلت شخصيا ولم تحضر او امتنعت من تسلم الاستدعاء توجه اليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط انذارا تشعرها فيه بانها اذا لم تحضر في الجلسة المحددة تاريخها في الانذار سيبث في طلب الزوج في غيابها.
كما يمكن البث في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها اذا افادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن او محل اقامة يمكن استدعائها فيه.
اذا كان سبب عدم توصل الزوجة بالاستدعاء ناتجا عن عدم تقديم الزوج بسوء نية لعنوان صحيح او تحريف في اسم الزوجة تطبق على الزوج العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي وذلك بطلب من الزوجة المتضررة.
وهكذا يتضح جليا ان المادة 42 من مدونة الاسرة سايرت المقتضيات العامة المنصوص عليها في القسم الثالث من الباب الاول من قانون المسطرة المدنية المتعلق بتقييد الدعوى الفصول 31، 32 من القانون المذكور.
اما المادة 43 من مدونة الاسرة فقد نصت على مقتضيات جديدة مخالفة لما هو منصوص عليه في قانون المسطرة المدنية الفصلين 37 و38 منه.
اذ نصت المادة 43 من مدونة الاسرة على وجوب استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها للحضور واوجبت توصلها الشخصي بالاستدعاء الموجه اليها وبعد تحقق ذلك تبدأ الاثار القانونية للدعوى وذلك بخلاف ما نصت عليه المادة 38 من المسطرة المدنية.
وامام ذلك لا يخلوا الأمر من الفرضيات التالية:
– فقد تتوصل الزوجة المراد التزوج عليها شخصيا وتحضر جلسة الصلح وهذه هي الحالة العادية لا تتير اشكال.
– فقد تتوصل الزوجة المراد التزوج عليها شخصيا ولم تحضر او امتنعت عن التوصل الشخصي فان المحكمة ملزمة باستدعائها مرة ثانية عن طريق احد اعوان كتابة الضبط وذلك في شكل انذار تشعرها فيه بانها اذا لم تحضر في الجلسة المحددة ستبث المحكمة في طلب زوجها في غيبتها.
– قد لا تتوصل الزوجة المراد التزوج عليها بالاستدعاء اصلا فان المحكمة في هذه الحالة تستعين ببحث النيابة العامة وتبث في طلب التعدد في غياب الزوجة اذا تعذر الحصول على موطنها اومحل اقامتها الذي يمكن استدعائها فيه غير ان المحكمة لا تلجأ الى بحث النيابة العامة الا بعد استجواب المدعي الحاضر عن مكان تواجد زوجته وعن ظروف اختفائها خاصة وان المحكمة تتوفر على عنوان بعقد زواجها. كما يتعين على المحكمة ان تتفحص افادة النيابة العامة جيدا. كما يكون من الواجب على المحكمة ان تحدد النقط التي تريد الوصول اليها والاهتداء اليها حتى يكون بحث النيابة العامة مفيدا في النازلة خاصة ان الحياة العملية ابانت على ان بعض نتائج بحوث النيابة العامة يصعب الوقوف على حقيقتها.
– كما اوضحت المادة 43 من مدونة الاسرة الحالة الثالثة المتجلية في تعذر توصل الزوجة بالاستدعاء نتيجة ادلاء الزوج بعنوان ناقص عنوان غير صحيح بسوء النية ففي هذه الحالة يتعين على المتضرر ان يلجأ الى الفصل 361 من القانون الجنائي.
– اما قيام الزوج بتحريف اسم زوجته بسوء نية للحيلولة دون توصلها بالاستدعاء فان المحكمة تدقق في ذلك خاصة ان الطلب يكون مرفقا بعقد الزواج للوقوف على حقيقة رابطة الزوجية والتأكد كذلك من عدد الزوجات وهو امر دو اهمية بمكان لا يمكن التغاضي عنه.
– ونصت المادة 44 من مدونة الاسرة على المسطرة الواجب اتباعها لمناقشة طلب الاذن بالتعدد بغرفة المشورة بحضور الطرفين والاستماع الى كافة البيانات والدفوعات والوقائع المتارة وعلى ضوء ذلك تقوم المحكمة بمحاولة التوفيق والصلح على اسس شرعية قانونية بحتة توحي بان التعدد ضرورة وحل لمشكلة مطلوبة لداتها وليس متروكا للهوى بلا قيد ولا شرط.
– وعلى ضوء محاولة الصلح والتوفيق تقف المحكمة على رغبة الزوج الملحة من عدمه وكذلك على الموقف الحقيقي للزوجة المراد التزوج عليها.
– وقد توافق وتأذن الزوجة لزوجها بالتعدد وقد تقيد موافقتها بشروط لفائدتها او للاطفالها ففي هذه الحالة كذلك تكون المحكمة ملزمة بمناقشة مدى شرعية هذه الشروط وتعرض الامر على الزوج طالب التعدد لتأخذ موقفه من ذلك وفي جميع الاحوال يتعين وضع مصلحة الاطفال فوق كل اعتبار.
– واذا ما تبت للمحكمة توفركافة الشروط المتطلبة قانونا في طلب الاذن بالتعدد اذنت للزوج بالتعدد على زوجته والعكس صحيح.
– ونكتفي بهذا القدر على امل ان نفصل في الحالة التي يتعدر فيها استمرار العلاقة الزوجية الى حين الحديث عن مقتضيات المادة 45 من مدونة الاسرة صلب الموضوع واساسه.
المطلب الثاني: الشروط الواجب توافرها في طلب الاذن بالتعدد او
الحق المطالب به.
– نصت المادة 40 من مدونة الأسرة: يمنع التعدد اذا خيف عدم العدل بين الزوجات.كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها.
– ونصت المادة 41 من نفس القانون.
– لا تأذن المحكمة بالتعدد.
اذا لم يتبت لها المبرر الموضوعي الاستتنائي
اذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لاعالة الاسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة واسكان ومساواة في جميع اوجه الحياة.
ومن خلال المادتين المذكورتين فان التعدد لا تقوم له قائمة الا وفق الشروط والحالات الشرعية التالية:
1. انتفاء شرط الزوجة منع التزوج عليها “
كان قانون الاحوال الشخصية الملغى يقضي على ان الزوجة المراد التزوج عليها اذا لم تكن قد اشترطت الخيار ان ترفع امرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها ولا يعقد على الثانية الا بعد اطلاعها على ان مريد الزواج منها متزوج بغيرها.
اما مدونة الاسرة فقد اتت بمقتضى جديد مفاده ان الزوجة اذا اشترطت على زوجها في عقد الزواج عدم التزوج عليها او اشترطت ذلك في اتفاق لاحق في عقد الزواج يمنع على الزوج التزوج عليها عملا بقول سيدنا عمر رضي الله عنه: ” مقاطع الحقوق عند الشروط “.
وهكذا فان الزوج ملزم بموجب شرط الزوجة عدم التزوج على زوجته ما دام الشرط قائما.
2. ضرورة تحقق العدل
لقد تعرضت في الفرع الاول الى الاساس الشرعي للتعدد وقلت ان الاسلام رخص بالتعدد لمواجهة واقعية الحياة البشرية ولضرورة الفطرة البشرية وقلنا كذلك ان الاسلام قيد هذه الرخصة بالعدل حتى لا يترك الامر عبثا بيد الافراد ولملداتهم.
ومدونة الاسرة المغربية اخذت باحكام الشريعة الاسلامية السمحة ورخصت بالتعدد بصفة شرعية لضرورات قاهرة وبضوابط صارمة وباذن من القاضي بدل اللجوء للتعدد الفعلي الغير الشرعي.
والعدل المطلوب تحققه هو العدل في المعاملة وضمان جميع الحقوق من نفقة واسكان والمعاشرة والمباشرة لا العدل في مشاعر القلوب واحاسيس النفوس اسوة بقول رسول الله (ص): “اللهم هذا قسمي فيما املك فلا تلمني فيما تملك ولا املك “.
والعدل المقصود في الشريعة الاسلامية وفي مدونة الاسرة هو العدل في المعاملة وسائر الاوضاع الضاهرة بخلاف ما ذهب اليه بعض الفقه الذين يحرمون التعدد لقوله تعالى: “فلا تميلوا كل الميل فتدروها كالمعلقة”.
وقد كان قانون الاحوال الشخصية ينص على نفس المقتضى اذا خيف عدم العدل بين الزوجات لم يجز التعدد.
كما لا يفوتني في هذا السياق التذكير بما نصت عليه المادة 51 من مدونة الاسرة من وجوب احترام مقتضياتها الرامية الى المساكنة والمعاشرة بالمعروف وغيرهما وهي امور لا بد من البحث فيها لكونها تضمن استقرار الاسرة ومطلوب تحققها والنظر فيها من قبل المحكمة اثناء مناقشة القضية.
3. تحقق المبرر الموضوعي الاستتنائي:
يقصد بتحقق المبرر الموضوعي الاستتنائي ان يكون الطلب الرامي للتعدد مبني على سبب مشروع وحتى يكون كذلك لا بد ان تتوفر فيه صفتي الموضوعية والاستتنائية وهما امران متلازمان سيان لا يمكن فصل احدهما عن الاخر وقد جاء في المدونة غير معطوفين احدهما عن الاخر فتحقق صفة الموضوعية بدون صفة الاستتنائية يجعل الطلب غير مبرر والعكس صحيح كذلك فلا بد من تحقق الضرورات المبيحة للتعدد كحالة عقم الزوجة مع رغبة الزوج الفطرية في النسل فاذا كان يبدو من الوهلة الاولة ان العقم مبرر موضوعي لطلب التعدد الا انه لا يستمد صفة الاستتنائية الا بعد التاكد بالوسائل العلمية الحديثة والاستعانة بدوي الاختصاص في ذلك وبعض مضي فترة زمنية يقول بعض الفقهاء ويحددونها في ثلاث سنوات فما فوق والمنطق يقول لا بد من التأكد من معطيات الشهادة الطبية المدلى بها في الملف لمعرفة ما اذا كان العقم ناتج عن خلقة ام مجرد نتيجة لبعض التعفنات التناسلية ولا بد كذلك من مراجعة المختصين في ذلك والنظر في كل حالة على حدى.
وهكذا نجد النص يلبي ضرورات الفطرة البشرية في النسل كما يحفظ للزوجة المراد التزوج عليها كرامتها ومكانتها بل يحقق للزوجين معا دوام عشرتهما وفي هذا الاطار نورد حيتيات الملف عدد 943/2006 حكم رقم 1024 الصادر بتاريخ 18/12/2006 عن هذه المحكمة الابتدائية – خنيفرة – اذ اكد الزوج طالب التعدد من خلال وقائع دعواه ان زوجته خديجة لم تعد تقدر على القيام بشؤون بيت الزوجية وكذلك على المعاشرة الزوجية لكبر سنها اذ تبلغ من العمر 54 سنة وعزز طلبه بشهادة طبية تفيد ان الزوجة بها تعفن بجهازها التناسلي وصرحت امام الطبيب بانها لم تعد ترغب في المعاشرة الزوجية.
الا ان المحكمة قضت برفض طلبه بعلة ان كبر السن وان كان عنصرا موضوعيا في تحقيق نقصان القدرة على القيام بشؤون بيت الزوجية فذلك امر طبيعي وشرعي لقول الله تعالى: في سورة الروم الاية 53 “الله الذي خلقكم من ضعف تم جعل من بعد ضعف قوة تم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة “
وان عدم القدرة على المعاشرة الزوجية نتيجة وجود تعفن بجهاز الزوجة التناسلي هو الذي سبب لها عدم الرغبة في ذلك وشتان بين عدم الرغبة في المعاشرة الزوجية وعدم القدرة عليها كما ان وجود التعفن بالزوجة امر عرضي موقت.
واضافت المحكمة بحيتيتات الحكم ان الطبيب لم يبين مصدر هذا التعفن مما يعضد اقوال الزوجة في عدم رغبتها في المعاشرة بالاضافة الى ان الزوج صرح بجلسة الصلح والتوفيق ان زوجته تقوم بشؤون زوجة ابنه الموجودة في حالة مرض كما اشارت المحكمة في بعض حيتياتها ان الزوج مزداد بتاريخ 1938 والزوجة مزدادة بتاريخ 1954.
وخلاصة القول في هذا المجال ان المحكمة تقع عليها مسؤولية قانونية واخلاقية اذ عليها ان تدرس كل حالة طبقا لمعطياتها ومبرراتها الخاصة قبل اتخاذ اللازم.
4. توفر الراغب في التعدد على الموارد الكافية:
نصت المادة 41 من مدونة الاسرة في فقرتها لاخيرة على ضرورة توفر الراغب في التعدد على الموارد الكافية لاعالة اسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة واسكان ومساواة في جميع اوجه الحياة اليومية.
وقد سبق ان تعرضنا اثناء مناقشة شرط العدل ان المقصود به هو ضمان جميع الحقوق المذكورة اعلاه بالاضافة الى المعاشرة والمباشرة والراغب في طلب التعدد ملزم باثبات شروطه بشكل واضح وملموس.
المبحث الثاني: الشقـاق
تعرضت مدونة الاسرة لاحكام الشقاق في الباب الاول من القسم الرابع المتعلق بالتطليق في الفصول من 94 الى 97 من القانون المذكور.
والحديث عن احكام الشقاق يقتضي تعريفه أولا: كما يقتضي التطرق الى المسطرة المتبعة في دعوى الشقاق امام المحكمة الابتدائية.
المطلب الأول: تعريف الشقـاق
لقد اضافت مدونة الاسرة سببا جديدا الى باقي اسباب التطليق الاخرى المحددة في المادة 98 من مدونة الاسرة والمذكورة سابقا بقانون الاحوال الشخصية.
ان المشرع المغربي لم يعرف الشقاق الا انه باسقراء الفصل 94 من المدونة نستطيع ان نقول بان الشقاق كل خلاف عميق ونزاع مستحكم بين الزوجين يمكن اعتباره كذلك ويحق بمقتضاه لكل واحد من الزوجين او كلاهما ان يرفع امره الى القضاء للقيام بمحاولة الصلح والتوفيق بانتداب حكمين للسداد بين الطرفين.
وامام غياب النصوص القانونية ذهب بعض الفقه الى القول ان الشقاق يجد اساسه القانوني في المادة 51 من مدونة الاسرة حينما يخل احد الزوجين بالالتزامات المتبادلة والواقع ان هذا الراي يتعارض مع مقتضيات المادة 98 من المدونة التي جعلت من اخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج سببا مستقلا بداته وليس سببا لقيام دعوى الشقاق ولو اسست عليه لان الشقاق غير متوقف على سبب محدد بل يكفي احد الزوجين ان يدعي عدم رغبته في الاستمرار في العلاقة الزوجية مادام المشرع حفظ للزوج الاخر المطلوب في دعوى الشقاق بحقه في طلب التعويض.
غير ان الدليل العملي لمدونة الاسرة قد عرف الشقاق بكونه الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين بدرجة يتعدر معها استمرار العلاقة الزوجية وهو تعريف شامل وجامع يوحي ان درجة الخلاف بين الزوجين وصلت بهما الى حد لا يطاق ولا يمكن لهما الاستمرار في العلاقة الزوجية.
ومن خلال القضايا المعروضة على مختلف المحاكم يمكن استنباط تعاريف كثيرة للشقاق كلها تصب في خانة تعدر استمرار العلاقة الزوجية.
المطلب الثاني: مسطرة الشقاق امام المحكمة الابتدائية
بالرجوع الى الباب الاول من القسم الرابع المتعلق بطلب احد الزوجين التطليق بسبب الشقاق المنظم في الفصول من 94 الى 97 من مدونة الاسرة نجد ان المشرع لم ينص على قواعد مسطرية واجراءات جديدة خاصة بالشقاق الشيء الذي يفهم منه انه اراد الاحالة على قواعد المسطرة المدنية التي تشكل الاصل العام للتقاضي امام المحاكم.
وبالتالي على الراغب في تقديم طلب الشقاق ان يحترم القواعد المسطرية المنصوص عليها في الباب الاول من القسم الثاني المتعلق بتقييد الدعوى اذ لا بد من تحقق الشروط الواجب توافرها في شخص المدعي والحق المدعى به المنصوص عليها في المواد 31 – 32 – 36 – 37 – 38 39 – 40 – 41.
اما المواد 33 – 34 – 35 من نفس القانون المذكور اعلاه يتعين استتنائها لكونها تتعارض مع طبيعة الدعوى طبقا لما قضت به المادة 180 من قانون المسطرة المدنية والمادة 82 من مدونة الاسرة لان محاولات الاصلاح والتوفيق تقتضي الحضور الشخصي للطرفين بغرفة المشورة.
فاذا تقدم احد الزوجين او كلاهما برفع الامر الى القضاء تقوم المحكمة باستدعائهما لجلسة الصلح والتوفيق طبقا للقواعد العادية بخلاف المنصوص عليه في المادة 81 من مدونة الاسرة وكذلك بالمادة 43 من نفس القانون المتعلقة بالتعدد.
الفرع الثالث: الاشكالات العملية التي ابان عنها تطبيق المادة 45 من
مدونة الاسرة
اول الاشكالات العملية التي اثارها تطبيق المادة 45 من مدونة الاسرة يتجلى في صياغة المادة التي حوت مجموعة من الاحكام يمكن القول بخصوصها انها مقتضيات خاصة لاحكام التعدد واحكام الطلاق وللحديث في هذه المقتضيات ارتايت تقسيم هذا الفرع الى مبحث اول خصصته لقراءة عملية لمقتضيات المادة 45 من مدونة الاسرة. ومبحث ثاني لمدى التلازم بين التعدد والشقاق على ضوء احكام المادة 45 من القانون المذكور.
المبحث الاول: قراءة عملية لمقتضيات المادة 45 من مدونة الاسرة.
نصت المادة 45 من مدونة الاسرة على ما يلي:
اذا تبت للمحكمة من خلال المناقشات تعذر استمرار العلاقة الزوجية واصرت الزوجة المراد التزوج عليها على المطالبة بالتطليق حددت المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة واولادها الملزم بالانفاق عليهم.
يجب على الزوج ايداع المبلغ المحدد داخل اجل لا يتعدى سبعة ايام.
تصدر المحكمة بمجرد الايداع حكما بالتطليق ويكون هذا الحكم غير قابل لاي طعن في جزئه القاضي بانهاء العلاقة الزوجية.
يعتبر عدم ايداع المبلغ المذكور داخل الاجل المحدد تراجعا عن طلب الاذن بالتعدد.
فاذا تمسك الزوج بطلب الاذن بالتعدد ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 الى 97 بعد.
ان المادة 45 من مدونة الاسرة جائت بحالتين جديدتين للطلاق.
الحالة الأولى:
اذا تبت للمحكمة اثناء مناقشة طلب الاذن بالتعدد تعذر استمرار العلاقة الزوجية واصرت الزوجة على عدم موافقتها وطلبت التطليق فان المحكمة بعدما تشهد على فشل محاولة الصلح والتوفيق وتتبث ذلك بالمحضر تنتقل الى النظر في طلب التطليق.
الحالة الثانية:
اذا تبت كذلك للمحكمة اثناء مناقشة طلب التعدد تعذر استمرار العلاقة الزوجية واصر الزوج وتمسك بطلبه الرامي الى التعدد وضلت الزوجة بدورها غير موافقة لزوجها ولكنها لم تطلب التطليق فان المحكمة تنتقل تلقائيا الى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في الباب الاول من القسم الرابع المتعلق بالتطليق بطلب احد الزوجين بسبب الشقاق.
يبدو الامر منذ الوهلة الاولى لا يثير أي اشكال لكن الحياة العملية ابانت على وجود صعوبات اثناء تطبيق النص موضوع النقاش
ففي الحالة الأولى: عندما تصر الزوجة على عدم الموافقة لزوجها التزوج عليها وتطلب التطليق فالزوجة في حكم المطلقة وليست المطلقة وهناك اختلاف في الاحكام بين الحالتين الاخيرتين اذ بالرجوع الى مقتضيات مدونة الاسرة نجد الفرق واضح بين الحالة التي يطلب فيها الزوج الطلاق والحالة التي تطلب فيها الزوجة التطليق كما يختلف المركز القانوني وتختلف الاثار القانونية المترتبة عن الحالتين.
وفي هذا المنحى نجد ان المادة 45 من مدونة الاسرة تفيد ان الزوجة هي التي طلبت التطليق ومع ذلك اسقط عليها المشرع احكام الطلاق الرجعي.
كما اوجب على الزوج ايداع المبلغ المحدد من قبل المحكمة لاستيفاء حقوق الزوجة واولادهما داخل اجل سبعة ايام ورتب عن عدم ايداع المبلغ اعتبار الزوج متراجعا عن طلب الاذن بالتعدد وهي اجراءات اقل ما يمكن القول عنها انها اجراءات دات طابع استعجالي غلت يد الاطراف وكذلك المحكمة في التروي في الامر اكثر كما يؤخذ عن المادة المذكورة عدم مراعاتها مصلحة الاطفال حالة تواجدهم اسوة بما نصت عليه المادة 81 من مدونة الاسرة والتي اوجبت القيام بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لاتقل عن 30 يوما.
كما ان تطبيق المادة 45 من مدونة الاسرة يؤدي الى تغيير موضوع الدعوى مما يؤدي الى ترتيب اثار قانونية مختلفة من طلب الاذن بالتعدد الى طلب التطليق.
وفي الحالة الثانية: اذا تمسك الزوج بطلب الاذن بالتعدد ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة مسطرة الشقاق تلقائيا.
سبق ان جاء في الحديث عن المسطرة المتبعة في دعوى الشقاق انها تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وعلى الراغب ان يتقدم بطلب يعرض من خلاله حل للنزاع القائم بينه وبين زوجه على المحكمة التي تقوم باجراء محاولة الصلح وذلك بانتداب حكمين من اهلهما او من تراه مناسبا لهذه الغاية.
والسؤال الذي يطرح نفسه فهل يحق للمحكمة ان تطبق من تلقاء نفسها مسطرة الشقاق ؟
بالرجوع الى القواعد العامة نجد ان قانون المسطرة المدنية في المادة 3 ينص على ما يلي:
يتعين على المحكمة ان تبث في حدودطلبات الاطراف ولا يسوغ لها ان تغير تلقائيا موضوع او سبب هذه الطلبات وتبث دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب الاطراف ذلك بصفة صريحة.
فأي النصين واجب التطبيق ؟
كما نطرح سؤالا رديفا: هل عدم موافقة الزوجة على طلب الاذن بالتعدد وتمسك الزوج بطلبه شرط لمنح الاذن بالتعدد ؟
ونطرح سؤالا ثالثا: هل التعدد مطلوب لداته او متروك لرغبات الرجال واي الضررين اهون على الزوجة الطلاق ام استمرار كيان الاسرة ؟
كما نطرح سؤالا رابعا: ان مدونة الاسرة في المادة 45 وضعت فرضية واحدة كون الزوج ليس له الا شريك واحد والحال ان الزوج قد تكون له ثلاثة زوجات فما العمل اذن وكيف نطبق مقتضيات المادة في هذه الحالة ؟
المبحث الثاني: مدى التلازم بين التعدد والشقاق على ضوء احكام
المادة 45 من مدونة الاسرة
سبق ان تعرضنا الى مفهوم الشقاق وقلنا ان المشرع المغربي لم يعرف الشقاق بشكل صريح بمدونة الاسرة وانما ترك ذلك للفقه والاجتهاد القضائي وقد عرفه الدليل العملي بانه الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين لدرجة يتعدر معها استمرار العلاقة الزوجية
ومن خلال المادة 45 من مدونة الاسرة نجد ان الزوجين في حالة خلاف وشقاق مستحكم وان الاخير ترجم امام المحكمة بموجب طلب التعدد من قبل الزوج التي لم توافق له زوجته المراد التزوج عليها وطالبت بالتطليق كما جاء في الحالة الاولى ولم تطالب بذلك في الحالة الثانية.
فالأمر اذا مجرد شقاق حقيقي مطروح على المحكمة التي عليها ان تقوم بكل محاولات الصلح والتوفيق دون اللجوء الى مسطرة الشقاق اوالانتقال اليها من جهة ومن ناحية اخرى عليها ان تحترم الشكليات المنصوص عليها في الباب الاول من قسم الرابع.
وهكذا فالامر لا يخلو من كونه مجرد شقاق جاء في حلة طلب التعدد يجب التعامل معه طبق نفس المنهج الذي سارت عليه المدونة كما هو الامر في طلب التطليق للضرر وفي الطلاق للخلع وغيره.
خــلاصـة:
هل المادة 45 من مدونة الاسرة حافظت على كيان الاسرة ؟
قال تعالى “فان خفتم الا تعدلو فواحدة “
وقال عز وجل: “ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم “
ومن خلال الايتين الكرمتين يتضح ان الله سبحانه وتعالى رخص بالتعدد لكن جعله مقيدا بتحقيق العدل.
والمحكمة لا تأذن بالتعدد الا اذا تأكدت وتبت لديها شروطه سواءا وافقت الزوجة المراد التزوج عليها ام لا. اصر الزوج عن طلب الاذن بالتعدد ام لا. فالعبرة ادن بتحقق الشروط المطلوبة قانونا الشيء الذي يجعل المادة 45 من مدونة الاسرة خرجت عن النهج التي اقرته مدونة الاسرة في سائر مقتضياتها الرامية الى الحفاظ على كيان الاسرة ومصلحة الاطفال.
والجدير بالذكر ان العمل القضائي بسائر محاكم المملكة يعمل جادا على تصحيح الوضع القائم بموجب المادة المذكورة وذلك للتخفيف من حدتها وملائمتها مع الاطار العام كما ان الندوات والحلقات الدراسية التي تنظمها وزارة العدل مشكورة في ذلك لتفعيل مقتضيات الاسرة وتوحيد مناهج العمل كانت خير مرشد ودليل على تجاوز كل الصعاب المطروحة امام حسن تطبيق نصوص مدونة الاسرة وتحقيق الاهداف السامية والنبيلة التي من اجلها اتت والله الموفق لما يحبه ويرضاه والسلام. bibliotdroit.com