التقاضى الإلكتروني_الواقع والأحلام
إن التقاضى الإلكترونى هو الانتقال من تقديم الخدمات والمعاملات والتقاضى من الشكل التقليدى إلى الشكل الإلكترونى عبر وسائل سمعية بصرية من خلال شبكة الإنترنت، وهو أحد الأحلام التى تراودنى شخصياً كرجل قانون فى المقام الأول وكمواطن فى المقام الثانى، ولكن هل يمكن تحقيقه عملياً؟
إن المقصود من هذا المصطلح هو تشبيك وتكامل كافة الأجهزة القضائية، والأجهزة والهيئات المعاونة له، من أقسام الشرطة ونيابات ومحضرين ومحاكم وجهات الخبرة والتنفيذ، وغيرها فى إطار تفاعلى واحد، وهو ما يستلزم «أتمتة» عمل كل كيان وإدارة ودائرة ومحكمة قضائية وربطهم عبر الوسائل الإلكترونية.
ولكن هل يمكن تطبيق هذا المصطلح بمكوناته التى تحقق الغرض فى ظل الظروف الحالية فى مصر من قصور وضعف البنية الأساسية فى المحاكم وتهالك بعض أبنية المحاكم فى بعض قرى ومدن مصر؟، وهل يمكن تطبيقه مع عدم وجود قواعد بيانات أو نظم وتطبيقات متسقة لإدارة المحاكم بشكل عام يمكن الربط بينهم فى جميع المحاكم؟
عند الحديث عن تطوير المنظومة الإلكترونية للعدالة والقضاء فى مصر، يجب النظر فى تباين المصطلحات والألفاظ ومدلولها الفنى والعملى والقانونى، فهناك فارق بين مصطلح الإدارة الإلكترونية للدعوى القضائية، عن مصطلح المحكمة الإلكترونية، وبالتالى عن مصطلح التقاضى الإلكترونى. فعلى سبيل المثال، ما قامت به محكمة شمال القاهرة من جهد محمود لإتاحة بعض خدمات الاستعلام عن القضايا عن طريق الإنترنت لا يعد تقاضياً إلكترونياً ولا يمكن اعتبارها محكمة إلكترونية إنما يعتبر تقديم خدمات إلكترونية.
إن التقاضى الإلكترونى بمفهومه الشامل يستوجب النظر إلى التكلفة والمردود من ذلك، ودراسة مختلف مراحله، فى ظل المحاذير الكثيرة القانونية والتكنولوجية بخلاف الاحتياجات المالية والبشرية، وبالطبع أحد المعوقات الرئيسية هى المقاومة التى ستظهر من كافة أطراف المنظومة، والتى تحتاج لعملية إدارة تغيير ضخمة جداً.
لا يمكن الحديث عن التقاضى الإلكترونى ولدينا قوانين للإجراءات الجنائية والمرافعات والإثبات لا تعترف بالأدلة الرقمية، ولا تعطى أية حجية قانونية لمخرجات الحاسب الآلى، حتى قانون تنظيم التوقيع الإلكترونى لا يسرى على المعاملات القضائية.
التقاضى الإلكترونى وتحسين العدالة الناجزة يحتاج لدراسة عميقة متخصصة لجميع الجوانب القانونية، والتكنولوجية، والبنية الأساسية وجاهزيتها، والموارد المالية، والموارد البشرية القادرة على الإدارة والإشراف على التنفيذ، وكذا التى ستقوم على التطبيق عند البدء.. وكما يقال فى الأمثال: «ما لا يدرك كله لا يترك كله».. وللحديث بقية.
إعداد:ذ/محمد حجازي