التمييزبين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية


                                           التمييزبين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية

 

قبل أن نتناول التمييز في هذه المساهمة لا بد أن نشير إلى مفهوم المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية.

أولا – مفهوم المساهمة الأصلية (الفاعل الأصلي):
إن الفاعل بوجه عام هو من يرتكب الجريمة فتتحقق العناصر المادية والمعنوية والمساهمة تبدأ بتعدد الجناة في ارتكاب جريمة واحدة[1].
وقد حددت المادة 41 من قانون العقوبات الركن المادي للجريمة بقولها ” يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة” ومعنى هذا أن الركن المادي للجريمة يتمثل في المساهمة المباشرة في تنفيذ الجريمة بعد ارتكاب الأعمال التنفيذية التي يتكون منها الركن المادي يعد مساهما مباشرا في تنفيذها ويحاسب كما لو ارتكبها بمفرده[2].

2- مفهوم المساهم التبعي (الشريك):
الشريك هو شخص ساهم بدور مساهمة غير مباشرة في ارتكاب الجريمة أي أنه لم يساهم في تنفيذها، فإقتصر دوره على المشاركة بتقديم المساعدة والعون للفاعل أو الفاعلين في تنفيذ عملهم الإجرامي المتمثل في تحقيق نتيجة إجرامية وتنص المادة 42 قانون العقوبات على أنه ” يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا ولكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك”، كما تنص المادة 43 ق.ع ” يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم مسكنا أو ملجأ أو مكانا للإجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمهم بسلوكهم الإجرامي”.
ومنه فإن دور الشريك يقتصر على القيام بنشاط لمساعدة الفاعل على ارتكاب الجريمة وهذا العمل الذي يقوم به هو عمل غير مجرم لذاته وإنما اكتسب صفته الإجرامية لصلته بالفاعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل لما كانت الأعمال التحضيرية تسبق الأعمال المادية لتحقيق الجريمة فإن عمل الشريك عادة ما يسبق عمل الفاعل أو يزامنه في بعض الحالات[3].

ثانيا- التمييز بين المساهم الأصلي والتبعي:
المساهمة الجنائية تطرح اشكالية التفرقة والتمييز بين الفاعل الأصلي والتبعي وماهي الحدود الفاصلة بين مايعتبر مساهمة أصلية وما يعتبر مساهمة تبعية والمشرع الجزائري عرفها في المادتين 41-42 ق.ع.ج
إن نص المادة 44 قانون عقوبات جزائري شابهت الفاعل الأصلي والتبعي[4] من ناحية العقاب وأقرت نفس العقوبة دون أن تتجاهل التمييز بين الفاعل والشريك وهي:

1- المذهب الموضوعي:
يستند هذا المذهب في التفرقة بين الفاعل والشريك على السلوك الذي يأتيه المساهم في الجريمة والمعيار المميز هو مقدار المساهمة من الناحية المادية في إحداث النتيجة الإجرامية فكلما كان الفعل أكثر خطورة ومساهمة من وقوع النتيجة كان مقترفه فاعلا.
وكلما كان السلوك أقل خطورة وأضعف مساهمة في إحداث النتيجة كان القائم به شريكا في الجريمة ويستند هذا المذهب على موقف المشرع الجزائي الذي عند تجريمه للسلوكات يعتمد على الفعل المادي.

– تقييم المذهب:
يتميز المذهب الموضوعي بوضوحه وببساطته حيث يكتفي بالتفرقة بين الفاعل الأصلي والشريك الرجوع إلى النص الجزائي المقرر للجريمة لمعرفة الركن المادي الذي تقوم عليه للقول بعد ذلك أن المساهم فاعل أو شريك وينتقد المذاهب من حيث تصنيفه لدائرة الأفعال التي يطغى عليها الطابع الإجرامي لإقتصاره على الأفعال المكونة للركن المادي.

2- المذهب الشخصي:
إن هذه النظرية في التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك تستند على الجانب الشخصي أي الإرادة أي الإعتماد على الإرادة أي الإعتماد على الإرادة للتفرقة بين الفاعلين بحيث نية كل واحد متميزة عن الآخر، فالفاعل أو المساهم الأصلي يجب أن تتوافر لديه نية ارتكاب الجريمة، أي لديه مشروع إجرامي خاص به ،أما الشريك من لم تتوافر لديه نية الإشتراك في جريمة غيره أي يقدم مساعدة لغيره في تحقيق مشروعه الإجرامي وبالتالي فإن دور الشريك دور ثانوي.

– تقييم المذهب:
انتقدت هذه النظرية من حيث أنها لا يمكن التفرقة بين الفاعل الأصلي والشريك على النية، فالمساهم عند ارتكابه للنشاط الإجرامي لا يفكر فيما إذا كان نشاطه أصلبا أو تبعيا كما أنه لا توجد وسيلة للكشف عن النية دون الرجوع إلى العمل المادي الذي أداه المساهم وبهذا نستند إلى المذهب الموضوعي.

3- موقف المشرع الجزائري من المذهبين:
إن المشرع الجزائري اعتمد النظرية الشخصية أي أنه اعتمد في التمييز بين الفاعل الأصلي والشربك على نية وإرادة المساهمين في الفعل الإجرامي، فيعتبر كل من ساهم مساهمة مباشرة فاعلا ومن ساهم مساهمة غير مباشرة شريكا المادة 41، 42 قانون العقوبات ،ويتجلى اعتماد المشرع الجزائري للنظرية الشخصية أي اعتماد نية الفاعل النص على أن المحرض يعتبر فاعلا أصليا للجريمة بإعتبار أن الجريمة نتاج اتجاه وإرادته إليها ولذلك فإن معاقبة المحرض غير مشترطة بإرتكاب الجريمة المحرض عليها وقد اختلف الفقه الجزائري في تحديد نطاق اعتماد المشرع الجزائري لهذه النظرية على النحو الآتي:
– رأي يرى أن مآل التفرقة بين الفاعل الأصلي والشريك هو التواجد على مسرح الجريمة وبالتالي فإن الفاعل بالإضافة إلى من يقوم بالفعل المكون للركن المادي للجريمة هو كل من يقوم بأفعال المساهمة مساعدة ومتممة للجريمة على مسرح الجريمة.
– ورأي يرى الإعتماد على الركن المعنوي للمساهمة الجنائية، فكل من يتوافر لديه هذا الركن للمساهمة الأصلية يكون فاعلا أصليا، أما من توافر لديه الركن المعنوي للإشتراك فيكون شريكا، لأن الركن المعنوي قائم على الإرادة والعلم.
– ويختلف هذا الرأي عن الرأي الأول، أنه لا يشترط التواجد على مسرح الجريمة كشرط للتفرقة بين الفاعل الأصلي والشربك لأن مثل هذا التواجد لا يكفي للتفرقة لأن إرادة المساهم قد لا تنصرف لإرتكاب الجريمة لوحده ولكن لمساعدة الفاعل وهو ما يتفق مع جوهر النظرية الشخصية.

ثالثا: التداخل بين المساهم الأصلي والشريك في القانون الجزائري:
1- إمكانية اعتبار الشريك فاعلا:
إن تقديم المعلومات والمساعدة السابقة على الجريمة لا يمكن أن توصف بأنها مساهمة أصلية فهي أفعال اشتراك ومرتكبها شريك، أما بالنسبة المساعدة المعاصرة للجريمة وخاصة في الأفعال المتممة للجريمة فإنه من الجائز أن تكيف بعض صورها بالمساهمة الأصلية وأن يعتبر مرتكبها فاعلا بالنظر إلى ظروف كل قضية، نظرا لإتصال حدود كل من نوعي المساهمة وتداخل صورها وهذا ليس خروجا عن إرادة المشرع نظرا لمرونة عبارة المساهمة المباشرة في التنفيذ مما يفهم منه أن المشرع قد ترك الفرصة أمام القضاء بالنسبة لهذه الأفعال لكن يحدد منها ما يعتبر اشتراكا[5]. ويتضح هذا من إدراج بعض الحالات التي كيفت فيها محكمة النقض الفرنسية الشريك بالفاعل لتحقيق هذين الهدفين، فإذا كان هدفهما من تكييف المتظاهرين الذين يرافقون في مظاهرة مشروعه شخصا حاملا لعلم ممنوع بالفاعلين لهذه الجريمة لكي يمكن معاقبتهم لأن هذه الجريمة مخالفة والإشتراك في المخالفات لا يعاقب عليه طبقا للمادة 44 ق.ع.
أو يعاقب من ساعد خليلته على ارتكاب جريمة إجهاض فإمتنعت في آخر لحظة لكي لا يفلت من العقاب فإنه يمكن تحقيق هذا الهدف في ظل القانون الجزائري ولو بدون تكييفه بالفاعل نظرا للإجرام الخاص بالشريك لأن العدول ظرف شخصي لا يتأثر به إلا من توافر لديه.
وتكييف محكمة النقض الابن الذي أعد وسهل جريمة قتل أمه بواسطة شخص آخر بالفاعل لكي لا يعاقب بعقوبة جريمة قتل الأصول، ولا ضرورة لهذا التكييف في ظل القانون الجزائري، لأن مبدأ الإجرام الخاص بالشريك يؤدي إلى تطبيق تلك العقوبة عليه ولو مع هذا التكييف.

2- إمكانية اعتبار الفاعل شريكا:
إن دافع محكمة النقض الفرنسية إلى إمكانية اعتبار الفاعل شريك في رغبتها في التخلص من تنائج فكرة الإستعارة وهي معاقبة الشخص عن جريمة قتل كفاعل لها بعقوبة أخف من التي تطبق عليه لو كان شريكا في نفس الجريمة ولذا لجأت إلى اعتبار الفاعل شريكا لكي تشدد عليه العقوبة إستنادا إلى فكرة اللإستعارة .
ولا ضرورة في القانون الجزائري لإتباع هذه النظرية التي لقيت انتقادا من طرف أغلب الفقهاء والتي تتعارض مع المنطق ومع رغبة المشرع مادام هذا القانون يأخذ بالإجرام الخاص بالشريك.
وبناءا على ذلك فإن المساهمة في جريمة السرقة إذا لم تتوافر لديه صفة الخادم لا لزوم لتكييفه بالشريك لتشديد عقوبته لأن هذه الصفة بصريح نص المادة 44/2 ق.ع ظرف شخصي لا يضار به إلا من توافر لديه ويقاس على ذلك من ساهم بصورة أصلية في جرائم اختلاس أموال الدولة، التي ترتكب من طرف محاسبين عموميين ولا تتوافر لديهم هذه الصفة، ومن يساهم بصورة أصلية في جريمة قتل أصول يرتكبها ابن ضد أبيه دون أن تتوافر لديه هذه العلاقة بينه وبين الضحية[6].

رابعا:أهمية التمييز بين المساهم الأصلي والشريك:
تظهر أهمية التمييز بين المساهم الأصلي والشريك من حيث أحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية والقضاء.

أولا- من حيث تطبيق أحكام قانون العقوبات:
إن التمييز بين نوعي المساهمة الجنائية في تطبييق أحكام قانون العقوبات إلى كون المساهم الأصلي في الجريمة صورة جلية من الإجرام إذ الفعل الذي يرتكبه المساهم الأصلي غير مشروع لذاته أما المساهمة التبعية فوجه الإجرام فيها أقل وضوحا بإعتبار أن الغالب في فعل المساهم التبعي أن يكون شروعا في ذاته ولكن تصبغ عليه الصفة غير المشروعة نظرا للعلاقة التي تقوم بينه وبين فعل المساهم الأصلي ويفضل أهمية أوجه التفرقة التي تتبع هذا الأصل فيمايلي:

1- من حيث النطاق المكاني للقانون:
إذا ساهم شخص خارج اقليم الدولة بوصفه فاعلا أو شريكا في جريمة وقعت في هذا الإقليم فإنه يخضع لقانونه، إذا كانت تدخل في اختصاص محاكمة المادة 03 ق.ع مثل أن يقدم الجاني وهو في الخارج للمجني عليه سموما قصد قتله فلا يحدث إلا بعد عودته للجزائر، فيعتبر فاعلا في الجريمة أو أن يساعد شخصا آخر على تقديم هذا السم في جريمة التسميم، والأمر يختلف إذا ساهم شخص داخل الإقليم في جريمة ارتكبت خارجه خارجه ولكن تختص لها محاكمة وطبقا للمادة 03 ق.ع وفي هذه الحالة يجب التفرقة بين حالتين إذا كانت مساهمة هذا الشخص تبعية فهو لا يخضع لقانون الإقليم كما لو ساعد شخص داخل التراب الجزائري شخصا آخر يقيم خارجه على إعطاء الضحية المقيم في الخارج شرابا مسموما قصد قتل الضحية في الإقليم ثم يستولي مساهم آخر معه على أموال الضحية في الخارج[7].

2- من حيث نظام التجريم:
قد لا يمتد نطاق التجريم في بعض التشريعات إلى مجال المساهمة التبعية في طوائف معينة من الجرائم إذ هناك بعض التشريعات لا تفرض العقاب على المساهمة التبعية في المخالفات بينما تعاقب على المساهمة الأصلية فيها وهو ما أخذ به المشرع الجزائري 44/1 ق.ع.3.

3- من حيث طلب الأركان الخاصة ببعض الجرائم:
يتطلب المشرع لتوافر أركان بعض الجرائم تحقق صفة خاصة في مرتكبها وتسمى الجرائم الخاصة ماديا، مثل صفة الموظف العام في جريمة الرشوة وصفة الزوجية في صفة الزنا، هذه الصفة يجب أن تتوافر لدى الفاعل الأصلي دون الشريك.

وعلى الرغم من ذلك ترجع أهمية التفرقة بين نوعي المساهمة وفي هذا النوع من الجرائم إلى أنه إذا كانت مساهمة الجاني أصلية وجب التحقق من وجود الصفة المطلوبة قانونا لديه حتى يسأل عن الجريمة، أما إذا كانت مساهمة تبعية فلا ضرورة للبحث عن الصفة الخاصة، إذ يسأل الجاني الإشتراك سواء توافرت لديه هذه الصفة أم لم تتوفر، وتطبيقا لذلك قضي بأنه إذا كان الموظف العام شريكا لغير الموظف فلا تطبق عليه إلا إذا ساهم مع الفاعل الأصلي في الأعمال التي أتمت الجريمة أي كان فاعلا مع الغير.

4- من حيث تأثسر أسباب الإباحة:
1- الإباحة المطلقة: سبب الإباحة المطلقة يفيد كل شخص مثاله الدفاع الشرعي.

1- الإباحة النسبية: أما سبب الإباحة النسبية فلا يفيد إلا من توافرت لديه صفة معينة أو كان مركز قانوني مثل حق مباشرة الأعمال الطبية التي لا يستطيع ممارستها إلا الطبيب.
فإذا كنا بصدد سبب الإباحة المطلق فلا أهمية للتفرقة بين المساهم الأصلي والمساهم التبعي فكل منهما يستفيد من الإباحة طالما توافرت شروطها، أما إذا كنا بصدد سبب الإباحة النسبي فلا يستفيد منه من يرتكب الفعل كمساهم أصلي إلا إذا توافرت لديه الصفة أو المركز القانوني، أما المساهم التبعي فلا يشترط توافر هذه الصفة أو المركز لديه، وإنما يكفي لإستعادته من الإباحة أن تتوافر هذه الصفة لدى المساهم الأصلي فشريك الطبيب يستفيد من الإباحة المقررة للطبيب[8]. أما إذا كان المساهم الأصلي غير الطبيب فإن الشريك لا يستفيد من هذا السبب من أسباب الإباحة ولو كان هو نفسه طبيبا.

5- من حيث تأثير الظروف:
في كثير من التشريعات تقوم المساهمة الجزائية على مبدأ إستعارة شريك إجرامه من إجرام الفاعل، فنشاط الفاعل تكمن فيه الصفة غير المشروعة بينما نشاط الشريك هو في الأصل غير مجرم لا يستمد هذه الصفة نتيجة لإتصاله بالفعل غير المشروع الذي ارتكبه الفاعل ويترتب على ذلك أن الظرف الذي يتوافر لدى الفاعل ويكون من شأنه تغيير وصف الجريمة القانوني هو الذي يعتد به القانون دون الظرف الذي يتوافر لدى الشريك ويكون له نفس الشأن ولما كان الأخد بمبدأ وحدة الجريمة وهو ما تأخذ به التشريعات التي تتبنى مبدأ استعارة الشريك إجرامه من إجرام الفاعل مؤداه أن يسأل كل المساهمين عن الجريمة التي ارتكبها المساهم الأصلي، فإن الشريك يسأل عن الجريمة بوصفها الجديد الذي يجعله عليها القانون نتيجة لتوافر ظرف معين لدى الفاعل شرط أن يكون عالما به المكادة 44/3 يسأل كل من الفاعل والشريك عن الجريمة التي ارتكبها الفاعل دون أن يكون للظرف الذي تحقق في شخص المساهم التبعي أي أثر على وصفها القانوني ومثال ذلك إن كان المساهم الأصلي دون التبعي طبيبا قام بإجهاض امرأة يسأل عن جنحة الإجهاض طبقا للمادة 306 ق.ع. ويسأل المساهم التبعي معه عن جناية إجهاض أيضا، أما إذا كانت تعلم وقت قيامه بنشاطه بصفة توافر صفة الطبيب لديهن أما إذا توافرت صفة الطبيب لدى المساهم التبعي دون الأصلي فإن كلا منهما يسأل عن جنحة إجهاض فقط.

6- من حيث إعتبار التعدد ظرفا مشددا:
إن بعض التشريعات تذهب لبعض الجرائم اعتبار بعدد المساهمين في ارتكاب الجريمة ظرفا مشددا لعاقب كل منهما، مثل جريمة السرقة المادة 353-354 ق.ع وعلل ذلك إن تعدد الفاعلين يجعل الجريمة أسهل وأسرع فضلا عما يدخله من الرعب في الصحة بينما لا يتحقق ذلك إذا وجد المساهم الأصلي مساهم تبعي ظل بعيدا عن مسرح الجريمة ، وعندما تبين في العمل أن المساهمة التبعية بالمساعدة في الأعمال المعاصرة لإرتكاب الفعل تتحقق فيه علة التشديد كذلك وذهب القضاء في مصر وفرنسا إلى اعتبار الشريك الذي يقدم المساهمة للفاعل الأصلي في إتمام الجريمة فاعلا مع الغير على الرغم مما في ذلك الحل من معارضة للمعيار الموضوعي الذي يأخذ به القانون الفرنسي والمصري.

7- من حيث الشروع في ارتكاب الجريمة:
الشروع في المساهمة التبعية لا يعاقب القانون عليها بينما الشروع في الأفعال التي تقوم بها المساهمة الأصلية يرتب مسؤولية كل من المساهمين الأصلي والتبعي في هذه الجريمة فإذا قدم “س” سلاحه لـ”ع” لكي يرتكب به جريمة قتل فإرتكب “ع” الجريمة مستعملا أداة أخرى أو قدم “س” مساعدة لـ “ع” على ارتكاب جريمة السرقة فلم تلق المساعدة قبولا من “ع” فإنه لا يسأل في كلتا الحالتين عن الشروع في المساهمة التبعية وهذه نتيجة منطقية لآخر مبدأ استعارة الشريك إجرامه من إجرام الفاعل[9].
كذلك في مجال الشروع فيما يتعلق بتأثير العدول الإختياري من جانب المساهم الأصلي على سائر المساهمين، إذ تنتفي مسؤولية من ساهم معه مساهمة تبعية بينما يسأل من ساهم مساهمة أصلية حتى ولم يقم هذا الأخير بأي دور في التنفيذ مثلا إذا ساعد “س” كل من “ع” و “ل” على ارتكاب الجريمة بتوزيع الأدوار بينهما فبدأ في تنفيذ الجريمة لا يسأل “س” لأنه يستفيد من عدول “ع” تطبيقا لنظرية إستعارة الشريك إجرامه من إجرام الفاعل ولا يسأل “ع” لأنه عدل بإختياره وبالتالي لم تتوافر في حقه أركان الشروع ولكن يسأل “س” عن الفعل الذي أتاه “ع” بإعتباره شروعا في الجريمة وتعليل ذلك أنه وقف لقواعد المساهمة الأصلية يعتبر كل فاعل أنه قد أراد فعل كل زميل له ويسال عنه ومن الأصول الثابتة في المساهمة الجنائية، أن كل مساهم يسأل عن عمله وعن عمل غيره نظرا إلى الرابطة التي تجمع بينهم وتقوم بها وحدة جريمتهم ولا يحاول دون ذلك أن يعرض لأحد الفاعلين سبب خاص به يعفيه من العقاب .

8- من حيث العقوبة:
بالرغم من أن القاعدة العامة في بعض التشريعات ومنها القانون الجزائري هي المساواة أمام القانون في العقوبة بين المساهمين في الأصلي والتبعي بحيث يعاقب كلا منهما بالعقوبة المقررة الجريمة التي ساهم إلا أننا كثيرا ما نجد إستثناءات من هذه القاعدة، فقد ينص القانون على معاقبة المساهم التبعي بعقوبة أخف من عقوبة المساهم الأصلي، مثل ذلك ما تنص عليه المادة 135 ق.ع. مصري التي تنص على” المشاركون في القتل الذي يستوجب الحكم على فاعله يعاقبون بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة”.

ثانيا: من حيث تطبيق ق.إ.ج:
إن المشرع يولي أهمية للتمييز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية من تطبيق قانون الإجراءات الجزائية متنوعة فبعضها يتعلق باللآثار التي تترتب على شكوى الضحية والبعض الآخر يتعلق بالإناث.

1- من حيث تأثير شكوى الضحية:
الأصل أن تحريك الدعوى العمومية من إختصاص النيابة العامة لكن قانون الإجراءات الجزائية قيد أحوال معينة لسلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى بإشتراط تقديم شكوى من الضحية. مثال ذلك اشتراط تقديم شكوى من الضحية في جرائم الزنا بين الزوجين المادة 339 ق.ع.ج وكذلك السرقة بين الأزواج والأصول والفروع المادة 339 ق.ع.ج كما جاء في قانون الإجراءات الجزائية على أنه إذا تعدد المتهمون وكانت الشكوى مقدمة ضد أحدهم تعتبر أنها مقدمة ضد أحدهم تعتبر أنها مقدمة ضد الآخرين ولكن تطيق هذه القاعدة على إطلاقها بالنسبة لجريمة الزنا يفوت الغرض من قيد الشكوى فعله القيد في هذه الجريمة هي الحرص على مصلحة العائلة، وهذه العلة لا تتحقق إذا قدمت شكوى ضد الزوج الزاني أو الزوجة الزانية وجب على النيابة أن الدعوى كذلك ضد الشريكة أو الشريك، أما إذا قدمت الشكوى ضد الشريك أو الشريكة وحدهما فلا يكون لهما أي أثر في تحريك الدعوى قبله وتكون دعوى النيابة غير مقبولة ضدها.

2- من ناحية الإختصاص:
يخضع المتهمون في جريمة واحدة لإختصاص محكمة واحدة، ويعني ذلك أن وحدة الجريمة التي ساهموا فيها تبرر الخروج على مبدأ الإختصاص المكاني، واهمية التمييز بين الفاعل والشريك تظهر من الناحية العلمية فيما يتعلق بالإختصلص النوعي، إلى اختصاص المحاكم الجزائية بالجنح والمخالفات واختصاص محاكم الجنايات بالجنايات المادة 248-328 من قانون الإجراءات الجزائية، إذ يتوقف تحديد المحكمة المختصة على نوع الجريمة وهذا بدوره يتعدد وفقا لظروف الجريمة التي يعتد في شأنها بالفاعل الأصلي دون الشريك[10].

3- من حيث الإثبات:
لإدانة الفاعل يجب أن يثبت أنه ارتكب الجريمة أو ساهم في تنفيذها، أما بالنسبة للشريك فيجب إقامة دليل الإثبات على الجريمة الأصلية التي إرتكبها المساهم الأصلي، وكذلك قد يميز القانون بين المساهمين الأ”صلي والتبعي من حيث طرق الإثبات، فعلى الرغم من الأصل الإثبات في المواد الجزائية أن يكون بكافة الطرق، وقانون الإجراءات الجزائرية الجزائري قد حصر في المادة 341 منه، الأدلة القانونية التي يمكن بها إثبات مساهمة شريك الزوجة في جريمة الزنا، بحيث لا يمكن القول بمساهمة في هذه الجريمة ما لم يتوفر في حقه أحد هذه الأدلة فيحين لا يتقيد القاضي بأدلة خاصة في إثبات زنا الزوجة أو الزوج أو شريكة الزوج.
ومما تقدم تتضح الأهمية المتعددة الجوانب للتمييز بين الفاعل الأصلي والشريك وقد لفت المؤتمر الدولي لقانون العقوبات المنعقد في أثينا سنة 1957م إلى أن نظام المساهمة يجب أن يضع في الإعتبار الفروق الجوهرية الناتجة من ناحية عن مساهمة الجناة في فعل مشترك ومن ناحية أخرى عن شخصية كل جان ومسؤوليته الشخصية[11].

ثالثا- في القضاء الجزائري:
إن ضرورة اللجوء إلى بعض قرارات غرفة الإتهام علنا نكشف معيار التمييز الذي يتبعه القضاء الجزائري ويبدو من هذه القرارات الصادرة عن غرفة الإتهام بمحكمة جنايات مدينة العاصمة تمسكها بالمعيار الموضوعي الشكلي الذي يضيق من نطاق المساهمة الأصلية ويحصرها في الأفعال التي تكون الركن المادي للجريمة وماعدا ذلك من الأفعال التي تتصل بهذا الركن لا تعتبر من عناصره فتعتبرها أفعال اشتراك وتكيف بالتالي مرتكبها بالشريك ويتجلى هذا في قضية تتعلق بالقتل العمدي اعتبرت غرفة الإتهام فاعلا بطعن الضحية بالسكين بينما اعتبرت شريكين بالمساعدة في هذه الجريمة اكتفينا بالمشاركة في المضاربة التي أدت إلى موت الضحية فالمشاركة في هذه الجريمة أو في هذه القضية تكفي لإعتبار مرتكبها مع توافر نية القتل لديه مساهما مباشرا في الجريمة[12].
وفي قضية مماثلة كيفت شريكا بالمساعدة في الجريمة أدى إلى الموت من كان واقفا إلى جانب المعتدين وهو حامل لآداة وهو يهدد بها الأشخاص الحاضرين ويمنعهم من الإقتراب لنجدة الضحية ورغم أنه كان من المسببين في إثارة المضاربة التي حصلت كما أن المشاركة في المضاربة التي أفضت إلى موت الضحية في القضية الثانية لا تكفي لإعتبار مرتكبها مع توافر نية القتل لديه مساهم مباشر في الجريمة.
وفي قضية تتعلق بضرب أفضى إلى موت دون قصد إحداثه اعتبرت شريكا بالمساعدة المساهم الذي اتجه مع شخصين آخرين قصد الإنتقام من الضحية إلا أنه لم يتبين حقه أنه ساهم فعلا في هذا الضرب[13].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[2] – د/عبد الله سليمان شرح القانون الجزائري ص 165-166.
[3] – د/عبد الله سليمان شرح القانون الجزائري ص 177.
[4] – د/ عبد الله أوهايبية محاضرات في شرح قانون العقوبات الجزائري ص 154
[5] – د/ محمد العسكري نظرية الإشتراك في الجريمة 1978 ص 421، 422
[6] – د/ محمد العسكري نظرية الإشتراك 1978 ص 423.
[7] – د/ فوزية عبد الستار المساهمة الأصلية في الجريمة دار النهظة العربية 1967 ص 726.
[8] – د/ فوزية عبد الستار المرجع السابق ص 29-30.
[9] – د/ فوزية عبد الستار المرجع السابق ص 32-33-34.
[10] – د/ فوزية عبد الستار المرجع السابق ص 38.
[11] – د/ فوزية عبد الستار المرجع السابق ص 38-39.
[12] د/ فوزية عبد الستار المرجع السابق ص 32-33-34.
[13] – محكمة الجنايات مدينة الجزائر 22/03/1977م، القرار رقم:58                                        .sciencesjuridiques.ahlamontada.net


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...