التنفيد المعجل في المادة الاجتماعية بالمغرب


   التنفيد المعجل في المادة الاجتماعية بالمغرب   

   مقدمة:

يعرف الفقه الفرنسي التنفيذ المعجل بأنه امتياز ممنوح للمحكوم له بتنفيذ حكم بمجرد صدوره وقبل الوقت المحدد لإجرائه وفق القواعد العامة[1]، فنظام التنفيذ المعجل هو استثناء من القواعد العامة في تنفيذ الأحكام، والملاحظ أن المشرع المغربي قد أولى رعايته في ترتيب النفاذ المعجل لبعض الأحكام حسب الفئات الاجتماعية التي ينتسب إليها المستفيدون منها. لذلك اتجه المشرع إلى تخصيص مقتضيات قانونية تؤكد هذا التوجه وذلك من خلال المادة 285 من ق م م لكن من زاوية أخرى رغم وضوح مبدأ التنفيذ المعجل في القضايا الاجتماعية الذي كرسته المادة المذكورة، فإن الغموض الذي اكتنف هذه المادة أثار جدلا فقهيا وقضائيا[2] ومصدره راجع إلى الطبيعة القانونية لمسؤولية المشغل عن الفصل التعسفي هل هي مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية فإذا تم تكييف هذه المسؤولية على أنها عقدية فإن التعويض الناتج عن ذلك يخضع لمقتضيات الفصل 285 من ق م م، أما إذا تم اعتبارها مسؤولية تقصيرية فإن التعويض الناتج عن هذه المسؤولية لا يكون مشمولا بالنفاذ المعجل[3]، ورغم أن المشرع قد منح الحق في التنفيذ المعجل للأحكام غير حائزة لقوة الأمر المقضي به لم يغفل ما قد يلحق المحكوم عليه من ضرر خصوصا إذا تم إلغاء هذا الحكم المنفذ بالطعن فيه تعرضا أو استئنافا، لذلك فقد قرر ضمانات قانونية لحمايته من خطر إعسار المحكوم له ومن هذه الضمانات هو إمكانية وقف التنفيذ المعجل[4].

وبالتالي فإن الإشكالات المطروحة في هذا الموضوع تتمحور حول الخصوصيات التي تتمتع بها الأحكام الاجتماعية وكذا طبيعة النفاذ المعجل المتعلق بها؟ ثم كيف ينظر القضاء إلى مسألة التنفيذ وهل عرف استقرارا في اتجاهاته بصدد هذه النقطة؟

لمعالجة هذه الإشكاليات سينتظم موضوعنا البسيط في مبحثين كالآتي:

  • المبحث الأول: تقسيمات التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية
  • المبحث الثاني: إيقاف تنفيذ الأحكام الاجتماعية المشمولة بالنفاذ المعجل

المبحث الأول : تقسيمات التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية.

لقد أولى المشرع المغربي الطبقة الشغيلة أهمية متميزة عندما خص القضايا الاجتماعية بمبدأ النفاذ المعجل بقوة القانون[5]. وإذا كان المشرع قد نص على هذا النوع من النفاذ المعجل صراحة في الفصل 285 من ق م م[6]، فإن الإشكال يثار بخصوص النفاذ المعجل القضائي بشقيه الوجوبي والجوازي ومدى خضوع القضايا الاجتماعية لمقتضيات المادة 147 من ق م م، هذا فضلا عن الاختلافات التي رتبتها الآراء الفقهية، وكذا العمل القضائي، من هذا المنطلق سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين يتناول(الأول) التنفيذ المعجل القانوني، فيما يخصص(المطلب الثاني) إلى التنفيذ المعجل القضائي.

المطلب الأول: النفاذ المعجل القانوني

انطلاقا من المادة 285 من ق م م التي تنص على أنه:”يكون الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل بحكم القانون، في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وفي قضايا الضمان الاجتماعي وقضايا عقود الشغل والتدريب المهني رغم كل تعرض أو استئناف”.

سوف يتم التطرق إلى منظور الفقه لهذا النوع من التنفيذ المعجل وذلك في(فقرة أولى) ونظرا لكون العمل القضائي اختلفت اتجاهاته بخصوص تحديد الدعاوى التي تستفيد من هذا المبدأ[7]، فسيتم توضيح موقف العمل القضائي في التنفيذ المعجل في(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المنظور الفقهي للتنفيذ المعجل بقوة القانون في المادة الاجتماعية

رغم تخصيص المشرع المغربي فصلا واحدا للتنفيذ المعجل القانوني في القضايا الاجتماعية إلا أن ما ورد في منطوق هذا الفصل من مقتضيات قد أثار وما يزال يثير العديد من الإشكالات[8] التي تمخض عنها نقاشا فقهيا كبيرا حول الحقوق المشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون وغيرها من الحقوق الخارجة عن نطاق تطبيق هذا المبدأ وكذلك عن المعيار الذي يمكن من خلاله التمييز بين تلك الحقوق والتعويضات المشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون من عدمه[9].

إذا كان المشرع قد حدد نطاق تطبيق مقتضيات التنفيذ المعجل بقوة القانون في المادة 285 من ق م م في القضايا المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية وكذا القضايا المتعلقة بالضمان الاجتماعي باعتبارها لا تثير إشكالا كبيرا باستثناء بعض النقاشات المثارة حول الحكم برأسمال في العجز الذي يقل عن 10 في المائة طبقا لمقتضيات الفصل 156 من ظهير 6 فبراير 1963، مع بقاء التساؤل مطروحا حول قابلية الحكم للنفاذ المعجل، طالما أن غاية المشرع هي حماية ضحايا في حاجة إلى إيراد عمري يعوضهم النقص الحاصل في قدراتهم البدنية[10]، وهو ما أكده العمل القضائي في عديد من القرارات[11] وفي نفس الاتجاه يرى الأستاذ محمد عطاف”أنه لا يمكن مسايرة النص الذي يجعل كل الأحكام الصادرة في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية قابلة للنفاذ المعجل، فلابد من التفكير إذن في استبعاد الرأسمال من النفاذ المعجل، مادامت الغاية التي شرع من أجلها النفاذ المعجل هو تمكين الضحية من تعويض ما قد يحتاجه لعيشه اليومي، وهو ما لا ينطبق على الرأسمال واعتبار أن المقصود بحوادث الشغل والأمراض المهنية الواردة في الفصل 285 من ق م م، هي المتعلقة بالإيراد بالرأسمال”[12].

إضافة إلى كون المنازعات المتعلقة بالضمان الاجتماعي لا تثير إشكالا بسبب قلة القضايا المعروضة أمام المحاكم[13].

أما بخصوص قضايا عقود الشغل والتدريب المهني، فقد أسالت الكثير من المداد وتضاربت الآراء الفقهية، بل واعتبر بعض الفقه[14] أن العبارة-قضايا عقود الشغل والتدريب المهني- لاالتي أوردها المشرع عبارة فضفاضة مما أدى إلى انقسام الاتجاهات الفقهية .

اعتبر الاتجاه الأول أن المشرع قصد من تلك القضايا فقط عقود الشغل السارية المفعول أثناء النزاع كما لو تعلق الأمر بالأجرة عن أيام العمل، والساعات الإضافية وغيرها من الطلبات التي يمكن أن ينشأ حولها نزاع أثناء تنفيذ عقد الشغل أو أثناء التدريب المهني، أما الطلبات المقدمة بعد انتهاء عقد الشغل كالتعويض عن الطرد فإنها مستثناة من التنفيذ المعجل[15].

في حين يرى اتجاه ثاني ضرورة تفسير مضمون المادة 285 من ق م م بشكل شامل وذلك بجعل عبارة عقود الشغل شاملة لكل النزاعات سواء تعلق الأمر بالأجرة و ظروف الشغل أو بالتعويضات عن الطرد التعسفي وإنهاء الخدمة ومهلة الإشعار[16].

ويرى أحد الفقه تأييدا لهذا الرأي أنه لا مجال للتمييز بين الحقوق الثابتة للعامل بموجب القانون أوالعقد وبين تلك المستحقة له نتيجة التصرف الانفراي للمشغل المبني على مبرر غير مشروع مادام أن كلاهما نابعين من مصدر واحد هو العقد، حيث أن المشرع عندما أشار إلى شمول قضايا عقود الشغل بالنفاذ المعجل بحكم القانون لم يميز بين الدعاوى التي يكون مصدرها طلب المسؤولية التقصيرية للمشغل وتلك التي يكون مصدرها المسؤولية العقدية، بل إن النص جاء شاملا لمجموع قضايا عقود الشغل[17].

في حين ذهب اتجاه وسط إلى أنه لا يمكن القول بكيفية مطلقة أن صاحب العمل وهو بصدد إنهائه لعقد العمل غير المحدد المدة بكيفية تعسفية قد ارتكب فعلا خطأ عقديا. إنما لابد من الوقوف على كل حالة على حدة وبحثها بكيفية مستقلة في ضوء المبادئ العامة للمسؤولية المدنية. باعتبار أن البحث في المسؤولية العقدية أو التقصيرية للمشغل دون الرجوع إلى ظروف النزاع أمر غير مقبول والبحث عن التكييف الصحيح للفعل الصادر عن صاحب العمل والذي كان سببا في إنهاء عقد الشغل[18].

ويبدو أن الرأي الذي يتفق مع المنطق مادام أن مبدأ التنفيذ المعجل جاء حماية لحقوق الطبقة الشغيلة فإن جميع القضايا المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني كان مصدرها المسؤولية العقدية لصاحب العمل أو التقصيرية، تكون مشمولة بالنفاذ المعجل سواء كانت أثناء سريان العقد أو بعد انتهائه ولأي سبب كان.

وإذ كان هذا الموضوع كما سبق الإشارة إليه قد عرف جدلا فقهيا فإن القضاء بدوره لم يخلوا من هذا النقاش والتضارب مما يستدعي معه الأمر التوقف عند مواقف القضاء فيه.

الفقرة الثانية: العمل القضائي في التنفيذ المعجل القانوني

لم يستقر القضاء على موقف قار حيث اعتبر في بعض المراحل أن كل التعويضات المستحقة للأجير والمحكوم له بها تنفذ رغم الطعن بالاستئناف من طرف المشغل، معتبرا أن كل ما هو ناتج عن عقود الشغل من تعويضات عن الطرد التعسفي وعدم الإخطار ومنحه الأقدمية والإعفاء والأجر وباقيه تنفذ رغم الطعن[19] إلى أن استقر أخيرا إلى الحكم بالتنفيذ المعجل في الأجر والعطلة السنوية المؤدى عنها ومنحه الأقدمية[20].

وأمام التضارب الذي ساد موقف القضاء المغربي سواء على مستوى المحاكم الابتدائية أو الاستئناف، بل وحتى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) الذي أصبح يسمى محكمة النقض حاليا.

أولا: المحاكم الابتدائية والاستئنافية

لقد ذهبت المحاكم الابتدائية في بداية الأمر إلى تعميم النفاذ المعجل على جميع الأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية وفقا للفصل 285[21].

إلا أن تأثر هذه المحاكم بالرسالة الدورية الصادرة عن وزير العدل المؤرخة في 29 يوليوز 1991[22]وبتوصية الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي حيث أصبحت تستجيب لطلبات النفاذ المعجل في حدود التعويضات الناشئة عن العقد الذي يتحمل فيها المشغل المسؤولية التعاقدية، وبالتالي استبعاد التعويضات المترتبة عن المسؤولية التقصيرية

للمشغل[23] وهو ما أكده حكم المحكمة الابتدائية بالحسيمة[24] حينما حكمت على المدعى عليها بأداء التعويض على الفصل وعن الأخطار وعن الضرر وعن الأقدمية مع تحميله المصاريف وبشمول الحكم بالنفاذ المعجل باستثناء التعويضات المتعلقة بالإخطار والفصل والضرر.

أما لدى محاكم الاستئناف فإن وجهة نظرها في مفهوم عبارة عقود الشغل قد عرفت تطورا منذ بداية العمل بقانون المسطرة الجديد حيث هناك من المحاكم التي عممت هذا المبدأ ليشمل كافة نزاعات الشغل المعروضة أمامها، مادام المشرع في المادة 285 من ق م م قد جاء عاما وشاملا في مقابل محاكم أخرى ذهبت إلى ضرورة عدم التوسيع من نطاق النفاذ المعجل بقوة القانون على أساس أن مقتضيات المادة أعلاه يجب ألا تطبق على عموميتها، وبالتالي التمييز بين قضايا تشمل بالنفاذ المعجل بحكم القانون، وقضايا تشمل بالنفاذ المعجل بحكم القضاء إن توفرت شروطه[25].

ولقد ذهب الأستاذ محمد السماحي في تعليقه عن موقف المحاكم، أن السبب في الاختلاف الواقع بينهما يرجع إلى حالات بذاتها، وهي الراجعة إلى التعويض بصفة عامة، التعويض عن الإشعار، التعويض عن الاعفاء، التعويض عن الطرد، التعويض عن الضرر، وإنها لا تناقش حتمية النفاذ المعجل القانوني لما عدا ذلك[26].

ولقد ذهبت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[27] تأييدا لضرورة التقييد من مفهوم عقد الشغل إلى”أن التعويض عن الطرد التعسفي، والتعويض عن مهلة الإخطار لا يعتبران ناشئين عن تنفيذ عقد الشغل، لكن مصدرهما تصرف بإرادة منفردة من جانب المؤاجر، ألحق ضررا بالأجير، وبهذا المفهوم فإن مقتضيات الفصل 285 لا تشمل التعويضات عن الطرد التعسفي، والإشعار ويبقى للمحكمة التحقيق في الظروف التي استلزمت الأمر بالنفاذ المعجل”.

في حين ذهب اتجاه ثاني إلى إخراج التعويض عن الطرد التعسفي والتعويض عن الأقدمية من نطاق عقود الشغل الواردة في المادة 285 من ق م م، وبالتالي عدم شملها بالنفاذ المعجل[28]

وبالتالي يستنتج أن محاكم الاستئناف قد اتجهت إلى قصر التنفيذ بحكم القانون في المادة الاجتماعية على الأحكام المتعقلة مباشرة بعقد الشغل، أما التصرفات الفردية لصاحب الشغل كالطرد التعسفي والإعفاء من الخدمة ومهلة الإخطار والتي لا ترتبط بعقد الشغل فتخرج عن نطاق تطبيق مقتضيات النفاذ المعجل والمنصوص عليها في المادة 285 من ق م م.

ثانيا: محكمة النقض(المجلس الأعلى سابقا)

لقد كان موقف المجلس الأعلى متأرجحا بين مبدأ تقييد التنفيذ المعجل وجعله خاضعا للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، وهو ما يؤكده قرار الغرفة الاجتماعية[29] الذي جاء فيه”…لكن، حيث إن الشرح الذي أعطته محكمة الاستئناف للفصل 285 ق م م فيما يتعلق بشمول الحكم بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا عقود الشغل والتدريب المهني، وذلك بجعلها التنفيذ المعجل مقتصرا على ما للعامل من الحقوق المتفرعة مباشرة عن عقد العمل كالأجرة والرخصة والتعويضات العائلية، شرح يساير منطق الفصل المذكور ومعللا تعليلا كافيا…”.

وبين مبدأ تعميم التنفيذ المعجل وجعله شاملا لكافة الحقوق المترتبة عن عقد الشغل، وذلك من خلال الموقف الذي تبنته الغرفة المدنية في أحد قراراتها[30] والذي انتقدت من خلاله موقف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء من التفريق بين التعويضات و الحقوق المتفرعة مباشرة عن عقد العمل كالأجر والرخصة والتعويضات المتعلقة بالطرد والإعفاء والإشعار فإنها لم تنشأ مباشرة عن عقد العمل، ونقض بذلك حكم غرفة المشورة بالدار البيضاء فيما قضت به من إيقاف النفاذ المعجل في التعويضات الأخيرة.

إلى أن استقر المجلس الأعلى في عديد من القرارات إلى التفرقة بين ما هو راجع إلى عقود الشغل مثل الأجرة والتعوبضات العائلية وباقي الأجر واعتبرها من قضايا عود الشغل وبالتالي خضوعها لمقتضيات الفصل 285 من ق م م وبين ما هو ناتج عن خطأ تقصيري كالتعويض عن الطرد التعسفي وعدم الإخطار وغيرها[31].

إذا كان هذا ما خلفه التنفيذ المعجل القانوني من نقاش فكيف هو الحال بالنسبة للنفاذ المعجل القضائي بأنواعه الوجوبي والجوازي، وهل نفس النقاش أثاره عمل القضاء بهذا الخصوص؟

المطلب الثاني: النفاذ المعجل القضائي

انطلاقا من اسم النفاذ المعجل القضائي يتضح بأنه نفاذ نابع من سلطة القاضي ومتوقف على إرادته وتدخله لترتيب آثاره، إلا أن حرية القاضي ليست واسعة في جميع الأحوال، وإنما سلطته تعترضها بعض القيود القانونية، حيث يكون ملزما بالاستجابة لطلب النفاذ المعجل إذا طلب منه وتوفرت الحالات المحددة من المشرع، ومنحه بالمقابل في غير تلك الحالات حرية الأمر بالتنفيذ المعجل حسب ظروف القضية التي يكون عليه توضيحها[32].

وعليه يكون المشرع د ميز بين حالتين لنفاذ المعجل القضائي الوجوبي والجوازي، ليكون ذلك موضوع(الفقرة الأولى) مع ضرورة التطرق لهذا النوع من النفاذ المعجل من منظور العمل القضائي وذلك في(فقرة ثانية).

مقال قد يهمك :   مبدأ سلطان الإرادة بين الإطلاق و إكراهات التوازن العقدي

الفقرة الأولى: أنواع النفاذ المعجل القضائي في المادة الاجتماعية

كما سبق القول بأن النفاذ المعجل القضائي هو تنفيذ نابع من سلطة القاضي وحريته هذه الحرية الذي ظل الفقه الفرنسي يدعوا لتخويلها للقاضي وإعطائه صلاحية أوسع فيما يرجع للبث في طلبات النفاذ المعجل بالقبول أو الرفض، وهو ما تحقق بصدور قانون 1942 ليستجيب لهذه الطلبات ولا يحدها إلا ما اشترطه المشرع الفرنسي في هذا القانون من ضرورة وجود حالة استعجال أو خطر يترتب عن التأخير في التنفيذ[33].

أما بخصوص المشرع المغربي ومنذ الإصلاح الذي عرفه قانون المسطرة المدنية سنة 1974 فقد سار في نفس الاتجاه الذي سار عليه المشرع الفرنسي[34] والمصري[35] إلا أنه لم يشترط في النفاذ المعجل الضرورة والتوافق مع ظروف النازلة، كما هو معمول به حاليا في فرنسا[36].

ومن خلال استقراء المادة 147 من ق م م يتضح أن المشرع يميز بين حالتين الأولى يكون فيها على القاضي الامتثال لطلب المحكوم له بشمل حكمه بالنفاذ المعجل إذا توفرت إحدى الحالات المنصوص عليها ونكون هنا أمام تنفيذ معجل قضائي وجوبي، أما الثانية فيبقى للقاضي فيها سلطة تقديرية واسعة للحكم بالنفاذ المعجل مع إمكانية إرفاق الحكم بكفالة أو غيرها وهي حالة التنفيذ المعجل القضائي الجوازي.

أولا : التنفيذ المعجل القضائي الوجوبي

تنص الفقرة الأولى من الفصل 147 من ق م م “يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض أو الاستئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به، أو حكم سابق غير مستأنف”.

ومن خلال هذا النص يتضح ان المحكمة تكون ملزمة وهي بصدد الحالات المنصوص عليها في المادة أعلاه، للاستجابة لطلب النفاذ المعجل فإن رفضت ذلك أو سهت عنه تكون مخطئة قانونيا إلا إذا قدرت عدم توفر حالة من حالاته[37].

وبالتالي فإن التنفيذ المعجل الوجوبي لا يثير إشكالا بالنسبة للأحكام الاجتماعية مادام أنه يتعين الأمر به متى وجد في ملف النازلة سند رسمي أو تعهد معترف به أو حكم سابق غير مستأنف[38].

ثانيا: التنفيذ المعجل القضائي الجوازي

لقد عالج المشرع المغربي النفاذ المعجل القضائي الجوازي الذي يدخل في نطاق السلطة التقديرية للقضاء في الفقرة الثانية من الفصل 147 من ق م م حيث نصت على أنه:”يجوز دائما الأمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو غيرها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها”.

يبدو من خلال هذه الفقرة أن المشرع المغربي قد تعامل بكثير من الليونة عندما منح للقاضي سلطة شمل الحكم بالنفاذ المعجل الجوازي، وذلك قد جاء استجابة للتيار الجديد السائد في التشريعات العربية والأجنبية، مثل المصري والفرنسي ومع ذلك لم تصل هذه التشريعات إلى الليونة التي أعطاها القانون المغربي للقاضي في النظام الحالي عندما أعطاه سلطة تقديرية خالية من أي قيد تقريبا، إلا ما كان من ضرورة توضيح ظروف النازلة[39].

وإذا كان النفاذ المعجل الوجوبي لا يثير إشكالا، فإن التنفيذ المعجل الجوازي قد يرتب العديد من الإشكاليات القانونية، نظرا لأن المشرع حينما أورد هذا النوع من النفاذ المعجل، استعمل عبارات فضفاضة، جعلت حالاته غير محدودة وحصرية، بحيث يمكن الحكم بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدونها حسب ظروف القضية شريطة توضيح تلك الظروف في الحكم وهو ما جعل المحاكم تختلف في تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 147 من ق م م، على القضايا الاجتماعية[40].

فما هي إذن مواقف المحاكم بخصوص هذه الحالات من النفاذ المعجل؟

الفقرة الثانية : التنفيذ المعجل القضائي من منظور العمل القضائي

إذا كان النفاذ المعجل القانوني يستمد قوته من القانون ولا تملك المحكمة أو الأطراف أي سلطة إزاءه، فإن الأمر على العكس من ذلك عندما نكون أمام نفاذ معجل قضائي، لأن الأمر في هذا الأخير متوقف على طلب الأطراف حينما يتعلق الأمر بنفاذ معجل وجوبي متى توفرت حالاته، أو سلطة القاضي كلما كان هذا النفاذ المعجل جوزيا.

ومن خلال استقراء مواقف المحاكم الابتدائية نجدها تأثرت بتوصيات الندوة التي عقدتها وزارة العدل في يناير 1979 تحت إشراف وزير العدل، والتي أكدت على ضرورة احترام مقتضيات الفصلين 285 و 147 من ق. م. م في فقرته الأخيرة، إلى حين قيام المجلس الأعلى يقول كلمته[41]، التي لم تتأخر طويلا، وذلك عندما قضت الغرفة الاجتماعية للمجلس الأعلى في أحد قراراتها[42] الذي جاء فيه: ” وحيث إن الأحكام الصادرة في شأن التعويض الطرد التعسفي نتيجة فسخ عقد الشغل والخاضعة لتقدير المحكمة باستثناء الحقوق التي استمدها العامل بمقتضى النصوص التشريعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من ق. م.م، ويبقى على القاضي أن يبين الظروف التي استند عليها في الأمر بالنفاذ المعجل”.

غير أن صدور رسالة وزير العدل في يوليوز 1991. حثت قضاة المحاكم الابتدائية وإن بصفة غير مباشرة على عدم إخضاع التعويض عن الطرد التعسفي للنفاذ المعجل وبالتالي تغيير نظرتها للموضوع، الشيء الذي ترتب عنه تضاربا سواء على مستوى تفسير الأحكام التي يشملها القاضي بالتنفيذ المعجل القانوني[43]. أو على مستوى طبيعة تنفيذ الحكم حيث سكوت القاضي عن تضمينه للنفاذ المعجل بحكم القانون.[44]

أما موقف المجلس الأعلى فقد عرف نوعا من التدبدب بين التشدد في المرحلة الأولى. وذلك بجعل جميع الأحكام الصادرة في القضايا الاجتماعية مشمولة بالنفاذ المعجل، وبالتالي لا يمكن إيقافها لأي سبب كان،[45] إلا أن هذا الموقف المتشدد عرف نوعا من الاعتدال في مرحلة لاحقة، وهو الأمر الذي أكده قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى [46]حيث جاء فيه:”وبما أن الأحكام الصادرة في شأن التعويض عن الطرد ونتيجة فسح عقد العمل باستثناء الحقوق التي يستمدها العامل بمقتضى النصوص التشريعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل147من ق.م.م.فيما يتعلق بطلب إيقاف التنفيذ، فإن الأحكام الصادرة بالرجوع إلى العمل من أجل نفس السبب تبقى بدورها خاضعة لمقتضيات الفصل المذكور باعتبارها بديلا للتعويض عن الضرر”.

وفي ضل هذا التضارب قدم بعض الفقه اقتراحات من أجل وضع لهذا الإشكال وتطبيق مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 147من ق.م.م خاصة إذا تم التأكد من ظروف النازلة كون الطرد التعسفي ثابت لا غبار عليه. ودلك بأن تتضمن المقالات المقدمة في إطار أداء التعويضات ما يلي :

*طلب النفاذ المعجل بخصوص الحقوق والتعويضات الناجمة عن عقد الشغل .

*التنفيذ المعجل الجواري على أساس الفقرة الثانية من الفصل 147من ق.م.م فيما يخص التعويضات الناجمة عن عقد الشغل .

*التماس تعليل المحكمة لدواعي إعمال النفاذ المعجل[47]

ويرى الأستاذ سعيد كوكبي أنه لايمكن فهم مقتضيات الفصل 147من ق.م.م بالنسبة للقضايا الاجتماعية. إلا من خلال ما يتمخض عن التفسير المعطى للفصل 285 من ق م م من قبل المحاكم. فتأويل الفصل 285 ق م م وفق منشورات وزارة العدل يجعل النفاذ المعجل مقصورا على التعويضات المترتبة عن عقد الشغل دون تلك الناجمة عن فسخ العقد يحتم إعمال الفقرة الثانية من الفصل 147. خاصة عند ثبوت التعسف من طرف المشغل في فسخ عقد العمل، حيث يبقى للقاضي سلطة الاستجابة لطلب التنفيذ المعجل[48] طالما أنه سيتحقق الهدف الذي سعى من خلاله المشرع إلى وضع مقتضيات النفاذ المعجل وهي تحقيق حماية أسرع للأجراء وذلك بحصولهم على التعويضات المستحقة عن الطرد التعسفي في أسرع وأقرب وقت ممكن. وبالتالي تفسير الفصل 147من ق م م بشكل يكون أكثر حماية للأجير على حساب المشغل باعتبار هذا الأخير هو الطرف القوي في العلاقة الشغلية .

المبحث الثاني: إيقاف تنفيذ الأحكام الاجتماعية المشمولة بالنفاذ المعجل

إذا كان جل الفقهاء يشيدون بجرأة المشرع المغربي فيما يرجع إلى موضوع النفاذ المعجل، حيث سبق الكثير من التشريعات المتقدمة في تبني نظام التنفيذ المعجل بقوة القانون، فإن ذلك لا يعني أن طبقة الأجراء وحدها هي التي تستحق الحماية القانونية، بل فئة المشغلين بدورها تحتاج إلى حماية ضد تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل، وهو ما جعل المشرع ينص على مبدأ إيقاف تنفيذ تلك الأحكام في المادتين 147 و 361 من ق م م[49].

وللاطلاع أكثر على هذا المبدأ سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

  • المطلب الأول: الأحكام العامة لطلبات إيقاف التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية
  • المطلب الثاني: موقف القضاء من إيقاف طلبات التنفيذ المعجل في القضايا الاجتماعية

المطلب الأول: الأحكام العامة لطلبات إيقاف التنفيذ المعجل في المادة الاجتماعية

بالرغم من أن الطعن بالتعرض أو الاستئناف لا يؤخر تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل إلا أن المشرع أدرك الخطر الذي قد يلحق المحكوم عليه في بعض الأحيان نتيجة هذا التنفيذ، لذلك أحاطه ببعض الضمانات تتمثل في وقف التنفيذ أمام محكمة التعرض أو الاستئناف وإلزام المحكوم عليه بتقديم كفالة[50] وبالمقابل فقد استوجب الأمر حماية المحكوم له ما أمكن من ضرر هذا الإيقاف وذلك ما عمل المشرع عليه انطلاقا من الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل 147 من ق م م.

وحتى تتضح الصورة أكثر فسنعمل على تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين :

  • الفقرة الأولى: ماهية طلبات إيقاف التنفيذ المعجل
  • الفقرة الثانية: شروط طلبات إيقاف التنفيذ

الفقرة الأولى: ماهية طلبات إيقاف التنفيذ المعجل

يظهر من الدراسة المتأنية للفصل 147 من ق م م أن المشرع أجاز لكل طرف ذي مصلحة بتقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى الأصلية أمام المحكمة التي تنظر في التعرض أو الاستئناف، ولكن هذه الرخصة لا يمكن استعمالها بالنسبة للأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون بل تقتصر على الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل القضائي وجوبيا واختياريا[51].

وهكذا يظهر أن الفصل 147 من ق م م يعد بمثابة الإطار القانوني الذي يحدد في نطاقه نظام التنفيذ المعجل، والطريق التي يمكن من خلالها إيقاف مفعوله بصفة عامة، حيث يرى بعض الفقه على أن نظام التنفيذ المعجل المغربي يعد أكثر توازنا باكتمال الشق الثاني المتعلق بطلبات إيقاف التنفيذ، إذ أصبح المحكوم عليه يملك الحق في طرق باب المحكمة مباشرة من أجل الإيقاف بناء على نصوص قانونية صريحة تنظم مسطرة الإيقاف وشروطه[52] ولقد نظم القانون المصري هذه المسألة بمقتضى المادة 251 من قانون المرافعات واعتبره وقفا قضائيا وليس قانونا، إذا لابد من الأمر به من طرف محكمة النقض، واشترط لذلك أن يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تدراكه، وأن لا يحصل التنفيذ، كما أضاف القانون 65 لسنة 1977 إجراء يتعين معه على محكمة النقض بعد إيقاف التنفيذ تعيين جلسة النظر في الطعن خلال ستة أشهر.

ولم يحدث المشرع الفرنسي أية مسطرة أمام محكمة النقض لإيقاف تنفيذ الأحكام التي لا يوقف الطعن بالنقض خلالها التنفيذ، وربما ذلك.

ويمكن القول أنه بتعدد الحالات التي يمنح فيها النفاذ المعجل تتعدد حالات إيقافه المباشرة منها وغير المباشرة، بحيث يحق للمحكوم عليه في الإيقاف المباشر أن يلتمس إيقاف التنفيذ المعجل كطلب أساسي بينما يلتمس في غير المباشر أن يعجل هذا الإيقاف نتيجة مترتبة على مسعاه تعوق التنفيذ لسبب معين أو ترجئة إلى حين[53].

ولقد حرص النظام القانوني المغربي لوقف التنفيذ على ضمان مصالح الدائن المشروعة ولهذا فإن وقف التنفيذ لا يتقرر عادة إلا بناء على حكم يصدر عن القضاء، وفي نفس الآن لا يتوقف على مجرد رغبة المدين في ذلك، وإنما لابد من رقابة قضائية تتأكد من وجود حق في ذلك، كما يترتب أحيانا بقوة القانون بمجرد طلب الوقف أو مجرد المنازعة الموضوعية التي تستهدف بطلان التنفيذ[54].

وعلى أي فإن ق م م قد أولى إيقاف التنفيذ أهمية بالغة وذلك ما يظهر من خلال الفصل 361 من ق م م[55] كما أن المشرع المغربي لم يميز بين طلبات إيقاف التنفيذ المرفوعة لدى محاكم الاستئناف وتلك المقدمة إلى محكمة التعرض لكون أحكامها صيغة في نفس الفقرات[56] أما بالنسبة للمشرع المصري فإنه لم ينص على طريقة تقديم طلبات وقف التنفيذ أمام محكمة الطعن، مما ينطب عليه النص الذي يحكم طريقة رفع الطعن ذاته، حيث يرى بعض الفقه”على أنه لما كان الطعن يرفع بالطريقة المعتادة وهي إيداع الصحيفة لدى قلم كتاب المحكمة، فإن طلب وقف التنفيذ من محكمة الطعن يرفع هو الآخر بنفس الطريقة[57] وينبغي الإشارة إلى أن الإسراع في تنفيذ الأحكام يساعد على تحقيق العدالة، لكون مرحلة التنفيذ هي التجسيم العملي للقرارات القضائية[58].

و من بين ضروريات حماية الأجراء بوصفهم الطرف الضعيف في علاقة عقد العمل وتيسيرا إجراءات التقاضي، والتعجيل بالفصل في الدعاوي العمالية رعاية لمصالحهم المتنازع عليها[59] وفي المقابل فإن المشرع حرص على توفير ضمانات لصالح المحكوم عليه وذلك من خلال منحه صلاحية تقديم طلب إيقاف النفاذ المعجل القضائي الوجوبي أو الاختياري أمام المحكمة التي تنظر في التعرض والاستئناف وقصر طلبات إيقاف تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل القانوني للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي يبث في النزاع المستأنف أمامه في شكل صعوبة تعترض تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل وللقضاء سلطة تقديرية في تكييف الدعوى بالقانون وليس بما صرح به الأطرا وهذا ما أكده المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) في أحد قراراته[60].

الفقرة الثانية: شروط طلبات إيقاف التنفيذ المعجل

لقد اكتفى المشرع المغربي في الفصل 147 من ق م م بالنص على جواز تقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى الأصلية، ولم يوضع الشروط اللازم توفرها[61] وما دام المشرع المغربي لم يميز بين طلبات وقف التنفيذ المقدمة إلى محكمة الطعن بسبب الصياغة العامة للفصل 147 من ق م م فإننا نستخلص بصفة ضمنيا بأن شروط تقديمها واحدة[62] ويمكن إيراد هذه الشروط كالآتي:

مقال قد يهمك :   آثار التشطيب على المراكز القانونية للأطراف في القانون العقاري المغربي (تحميل pdf)

1-أن يقع الطعن بالفعل في الحكم المشمول بالنفاذ المعجل بواسطة التعرض أو الاستئناف وأن يكون هذا الطعن المستعمل مقبولا شكلا وموضوعا ومادام المشرع المغربي لم يشترط أجلا معينا فإنه لا يمكن تقييد طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمدة زمنية.

2-أن يطلب وقف التنفيذ بمقال مفصل ومستقل عن الدعوى الأصلية وذلك طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 147 وتبث غرفة المشورة في الطلب المستقل داخل أجل ثلاثين يوما بعد الاستماع إلى ملاحظات الأطراف الكتابية أو الشفوية المقدمة إليها[63].

3-أن يتم تقديم طلب إيقاف التنفيذ بعد أداء الرسوم القضائية عنه وألا يعرض للإلغاء شكلا وذلك وفقا لمقتضيات ظهير 27 أبريل 1984[64].

4-أن يقدم طلب وقف التنفيذ قبل تمام التنفيذ، ورغم أن هذا الشرط لا تتضمنه فصول ق م م، فالفقه يرى أن طلب الوقف هو نوع من الحماية المؤقتة التي تنصرف آثاره إلى المستقبل وبالتالي فلا يجوز تقديمه بعد تمام التنفيذ، فإذا كان الحكم قد نفذ شق منه فقط فإن وقف التنفيذ إنما يمكن أن ينصرف إلى الشق الذي لم ينفذ، كما إذا اتخذت بعض إجراءات التنفيذ المتعلقة بالحجز فإن الطلب ينصرف إلى الإجراءات اللاحقة كالبيع مثلا[65].

ويذهب بعض الفقه إلى أن الطلب الذي يقدم بعد حصول التنفيذ تنعدم لدى صاحبه المصلحة وبالتالي ينبغي رفض الطلب لحصول التنفيذ[66].

وفي هذا السياق، أوضح المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في قرار له بتاريخ 22 أبريل 1977 أن “الحكم بإيقاف التنفيذ معناه وجوب الامتناع عن القيام بأي إجراء من إجراءات التنفيذ، في الحالة التي لم يلجأ فيها بعد إلى تنفيذ الحكم المطلوب وإيقاف تنفيذه، بينما يعني في حالة ما إذا شرع في تنفيذه، أو تم تنفيذه كلا أو جزءا وجوب إرجاع الأمور إلى الحالة التي كانت عليها قبل التنفيذ أو الشروع فيه[67].

ويتساءل بعض الفقه، هل يستنتج من هذا القرار عدم اعتبار الشرط المذكور مطلقا؟

وهل يعني الأمر الاقتصار على طلبات إيقاف التنفيذ في الأحكام المطعون فيها بالنقض؟ ويصل في النهاية على إرجاع الأمور إلى الحالة التي كانت عليها قبل التنفيذ قد يعاكسه المنطق[68] وقد يحصل أن لا يتم التنفيذ إلا بعد تقديم طلب الإيقاف، ولذا فيرى البعض من رجال القانون[69]. أن الطلب يكون حينئذ مقبولا حتى لو تم التنفيذ قبل أن تفصل المحكمة في طلب الإيقاف.

المطلب الثاني: موقف القضاء من إيقاف طلبات التنفيذ المعجل في القضايا الاجتماعية

إذا كانت المحاكم الابتدائية تتجه بصفة تلقائية إلى جعل أحكامها مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، فإن الجدال ظل قائما بين محاكم الموضوع والقانون حول نطاق تطبيق مقتضيات الفصل 285 من ق م م، ويظهر ذلك من خلال تفحص قراراتها بحيث لم تستقر على موقف موحد، وخصوصا في حالة الإنهاء التعسفي لعقد الشغل.

ولهذا من أجل التجسيد العمل القضائي في هذا الإشكال لا بد من الرجوع إلى مواقف محاكم الاستئناف (الفقرة الأولى)، ومحكمة النقض (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: موقف محاكم الموضوع من طلبات إيقاف التنفيذ

لا يخفى على أحد أهمية تنفيذ الأحكام، وما يعلقه عليه المتقاضون من أمال على اعتبار أنه التجسيد المادي لفعالية الجهاز القضائي ولأنه وسيلة إبراز محتويات الحق المتنازع عليه.[70]

فقد دأبت المحاكم الابتدائية على جعل أحكامها مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون في ملفات منازعات الشغل، باستثناء التعويض عن الطرد التعسفي، وذلك اعتبارا إلى أن مسؤولية المشغل في هذا الصدد مسؤولية تقصيرية لا عقدية، ونفس الاتجاه سلكته بعض محاكم الاستئناف.[71]

ولقد منح المشرع المغربي لمحاكم الاستئناف بمقتضى الفصل 147 من ق م م سلطة واسعة لإيقاف النفاذ المعجل ولم يقيدها سوى بضرورة توضيح ظروف القضية باستثناء النفاذ المعجل بقوة القانون.

ويمكن بلورة ذلك من خلال قرار صادر عن المحكمة الاستئنافية بوجدة حيث جاء فيه: “وحيث إن الطالب يلتمس إيقاف تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية ببركان، والقاضي عليه بأداء للمدعي مبلغا عن باقي الأجرة ومبلغ عن الأقدمية ومبلغا قبل التعويض عن الأعياد الدينية والوطنية ومبلغا عن الراحة الأسبوعية.

وحيث إن الطلب يتعلق بإيقاف تنفيذ حكم مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون وحيث إنه طبقا للفصل 147 من ق م م لا يمكن إيقاف تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون.

وحيث إن الأسباب الواردة في طلب إيقاف التنفيذ تبقى غير مؤسسة وغير وجيهة، لذلك يتعين رفضها مع بقاء الصائر وعلى رافعه”.[72]

ونستنتج من هذا القرار أن قضاء الموضوع يترجم بشكل جلي رفضه لطلبات إيقاف التنفيذ المعجل في التعويضات المترتبة عن عقد الشغل، باعتبارها ناتجة عن المسؤولية العقدية للمشغل”، مما يجعلنا نتساءل عن توجهاته فيما يخص الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل القضائي الجوازي؟

وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بوجدة ما يلي:

“وحيث الطالب يلتمس إيقاف تنفيذ الحكم المستأنف، فيما قضى به من تعويضات عن الطرد التعسفي، وعن مهلة الإخطار، وعن الخدمة، والأقدمية والعطلة السنوية، وحيث أن الأعياد الدينية والوطنية والأقدمية والمبلغ المتعلق بالفرق بين الحد الأدنى، لا يشملها النفاذ المعجل بقوة القانون وغير مؤسسة، وأن المتعرض ضده لا يتوفر على ضمانات إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، مما التمس إيقاف النفاذ المعجل المشمول في الحكم الابتدائي. وبناء على ذلك قررت المحكمة إيقاف تنفيذ الحكم الابتدائي فيما قضى به من نفاذ معجل”[73].

و في مقابل هذا الاتجاه يبرز اتجاه آخر يذهب إلى رفض طلبات إيقاف النفاذ المعجل حيث انتهت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء إلى رفض طلب إيقاف تنفيذ حيث جاء في قرارها:

“وحيث أن الطالب يلتمس إيقاف تنفيذ الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويضات عن الإشعار والإعفاء والطرد والعطلة والأقدمية.

وحيث أن المفهوم الذي ينبغي أن يعطى للفصل 285 من ق م م، هو أن يكون مقصورا على ما للأجير من حقوق ناشئة عن تنفيذ عقد الشغل ومقررة بنصوص قانونية، ولا يمكن للمؤاجر أن يبرئ ذمته منها إلا إذا تبث أنه قام بوفائها من أجور وتعويضات، مكافأة الأقدمية، والعطلة وعملا بهذا التفسير فإن طلب إيقاف التنفيذ للتعويضات عن العطلة و الأقدمية لا ينبني على أساس ويتعين رفضه.[74]

ويتضح من خلال القرارات السالفة الذكر أن محاكم الموضوع اختلفت في استجابتها لطلبات وقف التنفيذ ضد الأحكام الاجتماعية ولعل مرجع الاختلاف هو تباين الأسس التي اعتمدتها وحيث نجدها أنها انقسمت إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول: يتوجه من التعميم إلى التقييد، حيث اعتبر هدا الاتجاه أن الحقوق التي يطالب بها العامل إما ركيزتها المسؤولية العقدية، وبالتالي فالتعويضات المتعلقة بها تكون مشمولة بالتنفيذ المعجل القانوني، وإما أن تكون ركيزتها المسؤولية التقصيرية لتخضع بذلك للسلطة التقديرية للمحكمة لإيقاف تنفيذها.

الاتجاه الثاني: يبرر إيقاف التنفيذ ببيان وتوضيح ظروف القضية، بحيث يكون للمحكمة كامل الصلاحية في رفض أو الاستجابة إليه في إطار مقتضيات الفصل 147 من ق.م.م .

في هذا النطاق إذا كانت هذه التوجهات الأخيرة تعكس مواقف بعض محاكم الاستئناف فان السؤال يظل قائما حول توجهات محكمة النقض ” المجلس الأعلى سابقا” مواقفها من طلبات إيقاف التنفيذ في المادة الاجتماعية، والقرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف ومدى تأييده لها أو رفضه لتوجهاتها وهو ما سنتناول في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: موقف محكمة النقض من طلبات إيقاف التنفيذ

إذا كانت محاكم الموضوع لم تستقر على توجه موحد بشأن طلبات إيقاف التنفيذ المعجل في قضايا عقود الشغل فإن محكمة النقض هي الأخرى لم تستقر على توجه واحد حيث اتسمت بين الاستجابة لطلبات وقف تنفيذ الأحكام الاجتماعية وبين رفضها واتخذت في سبيل ذلك تعديلات وآراء متباينة.

وهكذا فإن المجلس الأعلى(محكمة النقض) كان في أول الأمر يقضي برفض طلبات إيقاف تنفيذ القرارات الصادرة في المادة الاجتماعية، إذ جاء في أحد قرارتها ما يلي:

“وحيث أن مؤسسة مصبرات….للسمك تقدمت بطلب إيقاف تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير تحت عدد 2424 بتاريخ 14-06-76 القاضي لفائدة جباري عبد الكبير بتعويضات عن الطرد التعسفي والرخصة السنوية والإعفاء من الخدمة.

وحيث أن القضية تتعلق بعقد شغل يربط بين الطرفين ويقع تنفيذ الحكم الصادر فيها بقوة القانون.

وحيث أن الأحكام التي يمكن النظر في طلبات إيقاف تنفيذها هي تلك التي يأمر القضاة بحكم سلطتهم التقديرية بتنفيذها مؤقتا، أما الأحكام التي تنفذ بقوة القانون فلا يمكن إيقافها.

لأجله قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض) برفض الطلب…”[75].

ويتبين لنا من هذا القرار أن المجلس الأعلى قد اعتمد لرفض طلب وقف التنفيذ على التفسير الحرفي للفصل 285 من ق م م، إذ اعتبر أن كل التعويضات المرتبطة بعقد الشغل يجب أن يصدر الحكم بتنفيذها بقوة القانون ولا يجوز الحكم بإيقاف تنفيذها، وأن المحكمة لا تتمتع بسلطة تقديرية بخصوصها.

لكن ذلك التوجه لم يدم طويلا لأن مواقف المجلس عرفت توجها آخر خلال تعامله مع طلبات إيقاف التنفيذ المعجل للأحكام، حيث جنح المجلس الأعلى(محكمة النقض) في إطار تفسيره للفصل 285 من ق م م إلى تحديد الحالات التي تكون فيها الأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل قانونيا، والتي جسدها في التعويضات التي يستحقها الأجير قبل انتهاء علاقة العمل ومن أبرزها الأجرة والفارق في الأجرة وعلاوة الأقدمية والتعويضات العائلية، وكذا التعويض عن الإعفاء من الخدمة وبصورة أوضح كل التعويضات التي يستحقها أثناء قيام علاقة العمل، باستثناء التعويض عن الطرد التعسفي.

ومن خلال ذلك نلاحظ تراجع المجلس الأعلى على تفسيره السابق لعبارة قضايا عقود الشغل الواردة في الفصل 285 من ق م م وفي هذا الصدد يمكن إيراد قرار صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه: “وبما أن الأحكام الصادرة في شأن التعويض عن الطرد التعسفي تخضع لتقدير المحكمة نتيجة فسخ عقد العمل، باستثناء الحقوق التي سيستمدها العمال بمقتضى النصوص التشريعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من ق.م.م فيما يتعلق بطلب إيقاف التنفيذ وفي الأحكام الصادرة بالرجوع إلى العمل ومن أجل نفس السبب تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل المذكور باعتباره بديلا للتعويض عن الضرر”.[76]

وفي اعتقادنا يبقى الاتجاه القاضي برفض إيقاف التنفيذ المعجل بقوة القانون في قضايا عقود الشغل مؤسس بصورة قانونية ذلك أن محل هذا التنفيذ حقوق لأجراء المترتبة عن عقود الشغل تثبت لهم بمجرد ثبوت العلاقة الشغلية.

وخلاصة القول أن الاختلاف والتجاذب الحاصل على مستوى العمل القضائي بخصوص الفصل 285 من ق م م، يعود إلى غموض النص القانوني من جهة، والتطبيق من جهة ثانية، فإذا كانت غاية المشرع في إشمال الأحكام الاجتماعية بالتنفيذ المعجل بقوة القانون هو إسعاف فئة الأجراء من أجل الحصول على حقوقها وجعلها تستفيد من التعويضات المحكوم بها لها، لكن برجوعنا إلى التطبيقات القضائية يلاحظ أنها تحول دون تحقيق تلك الغاية[77].وكذلك يمكن القول أيضا أن الأوضاع المسطرية في المادة الاجتماعية أصبحت مرفوضة لتعارضها مع تعميق الطابع الحمائي لقواعد القانون[78].

خاتمة:

إذا كان النفاذ المعجل القضائي سواء الوجوبي منه – إذا توافرت حالاته- أو الجوازي لا يثير أي إشكال في القضايا الاجتماعية نظرا لكونه نابع من سلطة القاضي وخاضع لسلطته التقديرية ما لم يمنعه نص خاص من إشمال حكمه بالنفاذ المعجل، فإن الأمر على خلافه بالنسبة لما نص عليه الفصل 285 من ق.م.م والذي قضى بالتنفيذ المعجل القانوني في المادة الاجتماعية، حيث أثار نقاشات فقهية وقضائية بين من ذهب إلى وجوب تفسير عبارة ” عقود الشغل أو التدريب المهني” الواردة في الفصل المذكور تفسيرا ضيقا وقصر ميزة التنفيذ المعجل على عقود الشغل السارية المفعول أثناء النزاع وبين من ذهب إلى ضرورة تفسير مضمون الفصل 285 من ق.م.م بشكل أشمل وأوسع وبالتالي تمديد امتياز النفاذ المعجل إلى كل النزاعات الاجتماعية سواء تلك التي تثور بمناسبة وجود عقد الشغل أو تلك التي ثارت نتيجة هذا العقد كما هو الشأن مثلا بالنسبة للتعويض عن الطرد التعسفي.

إلا أنه وإن كان المشرع منح للقاضي سلطة إشمال الحكم بالنفاذ المعجل فإنه مراعاة منه لما قد يتسبب فيه التنفيذ المعجل للحكم من أضرار قد تلحق بالمشغل وتحقيق نوع من المرونة والموازنة بين حقوق الطرفين وحفاظا على المقاولة خول المشرع للمشغل مكنة إيقاف هذا التنفيذ إذا كان من شأن الأمر به أن يتسبب في ضرر جسيم يصعب تدارك نتائجه، مع الإشارة إلى طلبات إيقاف التنفيذ التي يمكن قبولها والاستجابة لها من طرف المحكمة هي تلك التي أشملت بالنفاذ المعجل بناء على حكم قضائي وليس بنص القانون، على اعتبار أن النفاذ المعجل بقوة القانون في القضايا الاجتماعية لا يمكن إيقافه أو تعليقه على كفالة، مع العلم أن هذا التمييز في قبول طلبات التنفيذ ناتج كذلك عن استقرار الاجتهادات القضائية على الأخذ بالمفهوم الضيق لعبارة “عقود الشغل” وإلا كانت جميع الأحكام الصادرة في النزاعات الاجتماعية مشمولة بالنفاذ المعجل القانوني.

.maroclaw.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 أمين البقالي: ماهية الحريات العامة 

ماهية الحريات العامة   أمين البقالي طالب باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق اكدال مقدمـــــة: موضوع ...