التنمية الاقتصادية بالمغرب
مقدمة:
يعتبر موضوع التنمية الاقتصادية من المواضيع المهمة في مجال التنمية بشكل عام، وقد استأثر في الأعوام الأخيرة باهتمام عدد كبير من المهتمين في جميع الميادين، وظهر جدوى هذه التنمية من خلال مجموعة من التجارب المشهورة على الصعيد العالمي.
ومن حيث دراسة التنمية الاقتصادية فهي من الدراسات الحديثة نسبياً التي اهتم بها علم الاقتصاد بعد بداية القرن العشرين خاصة في الدول النامية، التي حاولت من خلال دراسة هذا النوع من التنمية محاولة إيجاد نموذج ملائم لها لكي تتبعه في تطوير نفسها والدفع بمجتمعاتها نحو الأمام ونحو مزيد من الرفاه.
ويأتي اختيارنا لهذا العرض حول التنمية الاقتصادية بالمغرب إلى محاولة فهم ميكانزمات هذه التنمية في المغرب، وكذلك تبين مدى نجاحها في تحقيق تنمية كاملة في ميادين أخرى غير الميدان الاقتصادي رغم المشاكل التي مازالت تعاني منها في مناطق متعددة بالمغرب.
وسنحاول في هذا العرض إبراز هذه التنمية الاقتصادية بالمغرب وأهم مقوماتها التي تستند عليها في صياغة سياسات قادرة على الوصول إلى نتائج مهمة، مبرزين كذلك أهمية الأوراش الكبرى المفتوحة بالمغرب ودورها في تعزيز التنمية الاقتصادية بالبلد وخاصة ورش الجهوية المفتوح في الأونة الأخيرة كأبرز الأوراش القادرة على الدفع بالتنمية الجهوية والاقتصادية نحو الأمام. وهذا من خلال الإشكاليات التالية:
** ما هي التنمية الاقتصادية وأهم أسسها النظرية؟
** ما هو واقع التنمية الاقتصادية بالمغرب وأهم المشاكل التي تعاني منها؟
** وكيف سيساهم ورش الجهوية في الدفع بالتنمية الاقتصادية نحو الأمام اليوم؟
I_ التنمية الاقتصادية:
1_ مفهوم التنمية الاقتصادية:
قبل الشروع في تناول مفهوم التنمية الاقتصادية يجدر بنا أولاً أن نعرض أهم تعريف للتنمية وأشملها، لما تضمنه من عناصر مهمة في التنمية وشروط العمل والاستمرار بها وهو:
عملية يتم فيها زيادة الدخل الحقيقي زيادة تراكمية وسريعة ومستمرة عبر فترة من الزمن بحيث تكون هذه الزيادة أكبر من معدل نمو السكان مع توفير الخدمات الإنتاجية والاجتماعية وحماية الموارد المتجددة من التلوث والحفاظ على الموارد الغير متجددة من النضوب.
والتنمية في جوهرها، هي زيادة الطاقة الإنتاجية في المجتمع بالصورة التي تؤدي إلى رفع مستواه من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى على امتداد فترة زمنية معقولة. والتنمية بهذا المفهوم، تنمية إقتصادية واجتماعية تجمع ما بين التغييرات الاقتصادية الكمية، والتغييرات الاجتماعية والثقافية التي ستحدثها[1].
وتحقيق التنمية بهذا المفهوم، لا يتأتى إلا باتخاذ سياسات تنموية واعية ومحددة الأهداف والمعالم تستهدف إعطاء دفعة قوية للاقتصاد الوطني لينطلق من قيود التخلف الاقتصادي. وإن تحقيق أهداف التنمية بشكل عام يتطلب بالضرورة وجود أجهزة إدارية ذات فعالية، ويد عاملة مدربة وذات التزام أخلاقي بمسؤولياتها المتجددة، ويتطلب أيضا وجود نظم مرنة[2].
أما التنمية الاقتصادية فإجمالا تعني التغيير الذي تتكامل فيه جميع أوجه النشاط الاقتصادي، وتتضمن كافة الإجراءات والوسائل والأساليب التي تتخذ لزيادة الإنتاج من الموارد الاقتصادية المتاحة ، والكافية لرفع مستوى الفرد والمجتمع، مع تنظيم العلاقات
التوزيعية الإنسانية توزيعا يحقق الكفاية والعدل، ويحقق أحسن استخدام ممكن للموارد الاقتصادية والبشرية[3].
وهي تعمل كذلك على زيادة رصيد المجتمع من رأس المال المنتج، وعلى ارتفاع المستوى الفني لطرق الإنتاج المستخدمة، وهي عملية مستمرة تستهدف زيادة متوسط الدخل الحقيقي للفرد[4].
2_ أهمية التنمية الاقتصادية:
من خلال ما تقدم نرى أن للتنمية الاقتصادية أهمية كبيرة في حياة الفرد الاجتماعية يمكن أن نلخص منها ما يلي:
1- زيادة الدخل الحقيقي وبالتالي تحسين معيشة المواطنين.
2- توفير فرص عمل للمواطنين.
3- توفير السلع والخدمات المطلوبة لإشباع حاجات المواطنين.
4- تحسين المستوى الصحي والتعليمي والثقافي للمجتمع.
5- تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع.
6- تسديد ديون الدولة.
7_ تحقيق الأمن القومي.
3_العلاقــة بين السياسة والتنمية الاقتصادية:
هناك ترابطاً جذرياً بين الإصلاح والتنمية في القطاعين السياسي والاقتصادي من خلال ما يأتي:
* إن فلسفة النظام الاقتصادي للدولة تتبع النظام السياسي وترتبط به، فإذا كان النظام السياسي في طريق الاحتكار الشمولي فإن النظام الاقتصادي سيقوم بإلغاء الملكية الفردية وتعزيز سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وكذلك الموارد المختلفة.
* في الأنظمة السياسية الديمقراطية تكون السلطة الاقتصادية موزعة على التخصصية واحترام حقوق الملكية الفردية.
* إن كثيراً مما يعدُّه السياسيون في السلطة أيدلوجيات اقتصادية أو نظريات تنموية تعبر بالضرورة عن المذهب السياسي الذي تنطلق منه هذه النظريات، غالباً ما تكون أقنعة تختفي خلفها فلسفة الفكر السياسي الذي قد يمثل التبعية في القرار، أو تختفي وراءها المصالح الشخصية، هذا من شأنه زيادة حالة التخلف الاقتصادي، أو عدم مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة في العلوم التي تتضمن نهجاً للتطور العلمي الحديث[5].
* استنساخ تجارب سابقة تتبع أيدلوجيات وفلسفات سياسية بعيدة عن المغرب، أو إتباع الوصايا اللبرالية الجاهزة التي تساعد على إعطاء المغرب نصائح مغلوطة وغير مناسبة، إذ يقدم هؤلاء الخبراء هياكل اقتصادية رائعة، ونماذج اقتصاد قياسي معقدة في التنمية غالباً ما تقود إلى سياسات غير سليمة وغير مناسبة، وهذا ما يتحمل نتائجه السلطة السياسية وليس المفكر الاقتصادي.
* إنَّ مما زاد المشاكل الاقتصادية في المغرب هو أن السياسي يمتلك القرار النهائي فيما يفكر به الاقتصادي، ولما كان أصحاب القرار هؤلاء هم الذين يقررون قيمة النقد وأسعار المواد واستغلال الطاقة ومعالجة مشاكل البطالة والتضخم، وهم يجهلون نتائج قراراتهم، فإن أصحاب رؤوس الأموال لا يفضلون الاستثمار في البلاد، ويفضلون الاستثمار الخارجي الثابت، أو الاستثمار في الأسهم أو المشاريع السريعة الانتهاء، خوفاً من نتائج تلك الأعمال.أ
* أجزاء ومكونات القرارات السياسية وهي حاصل جمع الظروف الآنية المحلية والدولية التي يتخذها السياسي نتيجة مداخلات سياسية معينة، قد لا ترتبط مباشرة بالمصالح الاقتصادية للبلد وفي أحيان كثيرة تتعارض مع تلك المصالح التي ترتبط بخطط قريبة أو بعيدة المدى مما تؤثر سلباً في تطبيق خطط التنمية.
* إن اعتماد السياسيين لتنفيذ سياسة التعاون المشترك مع الدول الأخرى لأسباب غير اقتصادية، وتلقي الخبرات الأجنبية للسبب المذكور دون إطار سياسي واقتصادي محدد ضمن معايير وثوابت مصلحة البلد يسبب بالتأكيد تداخلاً عرضياً مع ما يفكر به الاقتصاديون.
* إن النظرة السياسية لزيادة السكان تعني قوة الدولة وإمكان استغلال تلك الموارد البشرية في الدفاع عن البلد عند الحاجة، بينما ينظر الاقتصاديون إلى أن الزيادة السكانية تُعـدّ من المشاكل المباشرة في عملية التنمية الاقتصادية، وما تسببه من توفير مستلزمات العيش والعمل والتربية والتعليم والسكن والخدمات، خاصة في البلدان العربية، أما إذا كانت تلك الزيادة محسوبة على أساس علمي في زيادة الموارد البشرية الفنية والعلمية الفعالة بحيث تكون نسبة زيادة التنمية الاقتصادية وبالتالي زيادة الدخل الحقيقي زيادة سريعة وتراكمية تفوق نسبة الزيادة السكانية، فإنها حينذاك تكون منسجمة مع التوجه السياسي مع اختلاف الأسباب[6].
من ذلك نرى ضرورة أن يسير الإصلاح السياسي مع الإصلاح الاقتصادي بذات الوقت بحيث تكون مراحل بناء الديمقراطية متلازمة مع مراحل بناء الاقتصاد الحر عندها ستكون الصورة واضحة المعالم والابتعاد عن كل ما يعيق العملية التنموية في الاقتصاد والسياسة ضمن خطط موحدة ترتكز إلى الأساس النظري الذي انطلق منه البناء نحو الواقعية المطلوبة.
_ التنمية الاقتصادية بالمغرب:II
1_متطلبات التنمية الاقتصادية بالمغرب:
تتطلب التنمية الاقتصادية في جميع بلدان العلم مجموعة من الشروط لتحقيقها ولضما نجاحها بشكل يمكن من الوصول إلى الأهداف المسطرة لها وبنتائج مرضية بطبيعة الحال، ومن خلال حالة المغرب يظهر لنا أن التنمية الاقتصادية تستوجب مجموعة من الشروط من ضمنها نذكر ما يلي:
1- التخطيط وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة.
2- الإنتاج بجودة وتوفير التكنولوجيا الملائمة.
3- توفير الموارد البشرية المتخصصة.
4- وضع السياسات الاقتصادية الملائمة.
5- توفير الأمن والاستقرار.
6- نشر الوعي التنموي بين أفراد المجتمع.
2_ محددات التنمية الاقتصادية بالمغرب:
أ_ حجم عوامل الإنتاج: أي تلك الطاقة المتولدة من المجهود الذهني والعضلي لأبناء المجتمع ومن ثرواته الطبيعية ورؤوس أمواله.
ب_ مستوى كفاءة عوامل الإنتاج: تتمثل في مستوى خصوبة الأرض الزراعية، ومستوى منابع الثروة الطبيعية، ومستوى إنتاجية الأصول الثابتة، ومستوى إنتاجية القوى العاملة.
ج_ شكل التناسب بين عوامل الإنتاج: والذي يحقق أقصى درجة من الإنتاج، وبالتالي يقل الإنتاج كلما اختلف التناسب الفعلي لعوامل الإنتاج عن التناسب الأمثل.
د_ مستوى تشغيل أو توظيف عوامل الإنتاج: وهو الذي يحدد كمية الإنتاج، وبالتالي فإن الإنتاج يصل إلى أقصى حد عندما يتم توظيف عوامل الإنتاج توظيفا كاملا، وحالة التوظيف في الكامل يعني وجود بطالة مكشوفة في المجتمع.
ه_ نوع تخصيص إستخدمات عوامل الإنتاج : أي محاولة وضع كل عامل من عوامل الإنتاج في موضعه، والذي يحقق فيه أكبر كفاية إنتاجية ممكنة.
ي_ الإطار الوطني العام الذي تعمل فيه عوامل الإنتاج : وهذا يندرج في إطار مجموع الظروف التي تؤثر بطريق غير مباشر في الكفاية الإنتاجية لعوامل الإنتاج مثل: القيم الثقافية والاقتصادية ورصيد المجتمع من المعرفة التطبيقية بالمغرب.
وهذه المحددات تؤثر بشكل أو بأخر في مسار التنمية الاقتصادية بالمغرب وكل عامل يمس أو يغير من مساره الطبيعي الذي يتخذه لتحقيق النتائج المأمولة يؤدي إلى التأثير في مسار التنمية الاقتصادية بشكل عام، وهذا ما لوحظ في السياسات السابقة للتنمية الاقتصادية وهو ما أدى إلى فشلها في بعض الأحيان أو عدم الوصول إلى النتائج التي سطرت لها من قبل.
3_ مشكلات التنمية الاقتصادية:
** مشكلة التمويل المحلي لمشاريع التنمية الاقتصادية.
** مشكلة التمويل الأجنبي.
** مشكلة التركيز على الأهداف المالية دون مراعاة الجوانب الأخرى لهذه التنمية.
** مشكلة عدم استخدام الموارد المتاحة بالكامل.
** مشكلة التأخر في تنفيذ المشاريع التي تهم التنمية الاقتصادية، وهي من أهم المشاكل التي تعاني منها السياسات الاقتصادية بالمغرب.
** مشكل التوجهات الوطنية فيما يخص الاختيار بين الصناعات الجديدة.
** مشكل يهم انعدام سياسات تهتم بكيفية تصريف المنتجات الصناعية.
** أما المشكل الأخير الذي يهم بشكل جلي التنمية الاقتصادية فيتعلق أساسا بسوء التخطيط والذي يتمثل أساسا في:
_ وضع أهداف عريضة غير مدروسة.
_ عدم قيام نظام فعال لضبط التخطيط.
_ عدم القيام بالدراسات التمهيدية الكافية.
_ الإجراءات الإدارية وتماطلها.[7]
III_ الجهوية والتنمية الاقتصادية بالمغرب:
1_ آليات نجاح الجهوية الموسعة في تحقيق تنمية سوسيو اقتصادية متوازنة بالمغرب:
أ_إعادة النظر في التقسيم الجهوي وتفادي التضارب في الاختصاصات:
سنتطرق في هذا المجال لنقطتين أساسيتين الأولى هي إعادة النظر في التقسيم الجهوي والثانية تفادي التضارب في الاختصاصات.
** إعادة النظر في التقسيم الجهوي الحالي:
إن التقسيم الجهوي الحالي تعتريه مجموعة من العيوب، وجب إعادة النظر فيها وطرح تقسيم جديد موسع للجهوية يعتمد على تسع جهات فقط، والتي تعتمد أساسا على تحقيق التوازن بينالجهات، وتحقيق الانسجام الداخلي لكل جهة والتكامل الاقتصادي والاجتماعي، و تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الثقافية التي تدعم وتكرس وحدة وشمولية الثقافة الوطنية.
إن الحفاظ على الخصوصية الثقافية المحلية وتطويرها يؤدي للحفاظ على الهوية وترسيخ التماسك الاجتماعي، الذي يجعله محركا للتنمية المحلية والجهوية، وهو المجال الأمثل لتوظيف التراث، واستثماره في مسلسل التنمية.
ويجب العلم أنه بدون تشخيص للواقع الجهوي ومعرفة دقيقة بواقع الجهة لا يمكن معه وضع خطط دقيقة وناجحة، كما أنه لا يجب الفهم أن التنوع الثقافي عامل معرقل لوضع الخطط بل العكس، خصوصا إذا تم تصنيف وتخصيص كل فئة وكل ثقافة بما تستحقه من عناية واستجابة لمطالبها [8]، كما يجب على الجهوية الموسعة أن تقوم على أساس تقسيم جهوي يأخذ بعين الاعتبار، أن في المغرب مناطق غنية ومناطق فقيرة وان يعمل على الدمج بينهم في إطار تسع جهات عوض 16 جهة ، و أن تقوم على تلازم استثمار كل جهة لمؤهلاتها على الوجه الأمثل مع إيجاد آليات ناجعة للتضامن المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب موحد[9] ، إذ لا بد من إعادة النظر في توزيع السلطات وهيكلتها بين المركز والجهات وفق تقسيم جهوي عادل، إذ لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية بدون عدالة مجالية ، فالتكامل والتضامن بين الجهات سيضمن النمو الاقتصادي المتكافئ والذي بدوره سيضمن النمو والاستقرار الاجتماعي .
** تفادي التضارب وتوسيع الاختصاصات:
يعتبر التنسيق ركنا أساسيا لنجاح تحقيق الجهة للاختصاصات المنوطة بها مع كافة الفاعلين حيث أكد جلالة الملك في خطابه المؤرخ بتاريخ 03/01/2010 على ضرورة التنسيق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات [10] .
فالجهوية الموسعة يجب أن تعطى لها صلاحيات واسعة تتماشى والأهداف المسطرة لها، فتوسيع الاختصاصات وتوفير الوسائل القانونية للجهوية الموسعة ستمكنها لا محالة من التدخل في جميع الميادين التي ترتبط بصفة مباشرة أو غير مباشرة بجميع المجالات التي لها علاقة بتنمية الجهة، على الصعيد الاقتصادي، الأمر الذي سيمكنها من أن تلعب أدوارا طلائعية، من خلال خلق كل الشروط الملائمة لوضع نشاط اقتصادي جهوي كفيل بالنهوض بالجهة للمستوى الذي يتطلع سكانها.
ولاشك في أن إقامة تنسيق أفضل بين المصالح الخارجية للإدارة على المستوى المحلي تحت سلطة العامل الذي هو في نفس الوقت عون الدولة في خدمة الجهة سيمكن هذه الأخيرة من الاستفادة من المؤهلات الأكيدة للقيام بمهامها على أحسن وجه[11].
كما يجب أن تعتمد الجهوية الموسعة على نصوص تطبيقية تحدد بوضوح ماهية الاختصاصات الجهوية في الميادين الاقتصادية، وتضع الحدود الفاصلة بين تدخلات كل من الدولة والجهة وباقي الجماعات المحلية، و أن تكون النصوص المنظمة لاختصاصات الجهوية الموسعة تقريرية وواضحة ومحددة، وتبتعد عن النصوص العامة والفضفاضة .
ب_ الزيادة في الموارد المالية.
إن دور المتدخل الاقتصادي للجهوية الموسعة لن يستقيم إلا إذا توفرت الشروط المالية ، فالموارد المالية تعتبر حجر الزاوية في أية عملية تنموية، فمهما تعددت الاختصاصات التي تعطى للجهوية الموسعة، ومهما كانت صلاحياتها التقريرية على مجالات اختصاصاتها ، فان عدم توفرها على الوسائل المالية اللازمة للنهوض بهذه الاختصاصات، يفرغ الاستقلال المالي المعترف به لها من كل محتوى ويبعدها عن كل دور مستقل في مجال التنمية.
لذلك فمنح موارد مالية مهمة للجهوية الموسعة شيء ضروري لتمكينها من وسائل العمل والقدرة على القيام بالاختصاصات الممنوحة لها في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية، فانبثاق مجالس ديمقراطية ، لها من الصلاحيات والموارد ما يمكنها من النهوض بالتنمية الجهوية المندمجة [12] أمر أساسي وجوهري.
لذلك فان حجم وطبيعة مشاريع الإنماء الاقتصادي التي تقررها الجهة في إطار مخططها التنموي يتوقف إلى حد كبير على مدى قدرتها على ابتكار وسائل عقلانية عادلة وديمقراطية ، للزيادة في الموارد المالية وتحسين مردوديتها دون المساس بالقدرة الشرائية لعموم المواطنين ، وكذلك الزيادة في حجم الموارد المالية المحولة لها من طرف الدولة .
2_ أساليب تهيئة الإطار الملائم في ظل الجهوية الموسعة:
تتطلب التنمية الجهوية تهيئة الإطار الملائم لها وذلك عبر مجموعة من الشروط أهمها:
** إزالة معوقات التنمية التي تتمثل في إزالة مظاهر الاقتصاد المزدوج والحد من التزايد السريع للسكان عبر تحديد النسل مثلا، وتغيير الأنماط السلوكية المضادة للتنمية ، دون أن ننسى تهيئة البنية السياسية الصالحة لأنه هناك علقة وطيدة بين السياسة والتنمية كما تمت الإشارة إليه سابقا، حيث أن مجموع القرارات المتعلقة بالتنمية تبدأ من السياسيين.
** إنشاء البنية الأساسية عبر وجود جهاز مستقر ذي كفاءة إدارية مرتفعة تقوم بتدبير الشؤون العمة للتنمية، وكذلك الاهتمام بخدمات التعليم وما يتصل بها كالتدريب المهني والبحث العلمي لما لهذا من دور كبير في خلق كفاءات لتسيير مشاريع التنمية بالإضافة إلى دور التعليم في توعية الناس بالتنمية وجدواها.
وفي هذا الإطار تأتي ضرورة الاهتمام بوسائل النقل وطرق المواصلات نظرا لدور هذه الأخيرة في دعم البنية التحتية الميسرة لمشاريع التنمية، وتوفير معدات التخزين الحديثة لتجنب تلف المواد المنتجة القابلة للتلف خاصة المواد الاستهلاكية، وتوفير الطاقة الضرورية للمشاريع الصناعية ومحاولة تجديدها في هذا الباب عبر خلق مصادر للطاقة الجديدة، بالإضافة إلى وجوب إنشاء وتطوير البنوك وشركات التأمين القادرة على دعم وتمويل مشاريع التنمية المحلية.
** تغيير البنيات الاقتصادية للدولة عبر زيادة الأهمية النسبية للناتج الصناعي، وزيادة نسبة العاملين في القطاع الصناعي ، وزيادة الأهمية النسبية لقطاع الخدمات لما لهذا من دور في المساهمة في التنمية الاقتصادية، كما يجب كذلك تقديم الأساليب التكنولوجية في الإنتاج لتوسيع دائرة الإنتاج الاقتصادي، ومحاولة توسيع كذلك الوحدات الإنتاجية للاستجابة للمتطلبات السكان، وتنويع الإنتاج.
خاتمة:
إن الواقع الاقتصادي المغربي الهش الذي لا يزال يقوم على اقتصاد الريع، قد فاقم معضلة الفقر والفوارق الاجتماعية التي ازدادت اتساعا بين الأغنياء والفئات المعوزة، وتدني مستوى المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين ومعضلة البطالة التي تبتلع مئات الآلاف من الشباب، إضافة إلى فشل السياسات الحكومية في توفير السكن اللائق لفئات واسعة من المواطنين والقضاء على مدن الصفيح والدواوير الحضرية الهامشية وخروج دائرة الاحتجاج الاجتماعي من نطاق التحكم أو التأطير النقابي، في ظل تراجع هذا الأخير و تفشي الانقسامات فيه.
وتبقى أمام هذا الواقع التنمية الاقتصادية اليوم ضرورة ملحة لتجاوز هذا المشكل لأن هذه الأخيرة تعتبر أساس جميع السياسات التنموية في جميع المجالات وخير نموذج في ذلك نقتدي به، ولكن بحذر الدول المتقدمة حاليا في العالم مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وما على المغرب في هذا الإطار إلا نهج نفس السياسات لكن مع مراعاة الخصوصيات المحلية من خصوصيات ثقافية واجتماعية وجهوية.
لائحة البيبليوغرافيا:
_صالح المستف، التطور الإداري في أفق الجهوية بالمغرب ( من المركزية إلى اللامركزية )، دكتوراه السلك الثالث جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، من منشورات نفس الكلية، السنة: 1989، طبع مؤسسة بنشرة للطباعة والنسر بالدار البيضاء.
_ أحمد علي الصباب، دور الجامعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، جامعة الملك عبد العزيز، كلية الاقتصاد والإدارة، سلسلة البحوث والدراسات، دار عكاظ للطباعة والنشر، السنة: 1986.
_ علي لطفي، دراسات في التنمية الاقتصادية، من منشورات مكتبة عين شمس، القاهرة، السنة: 1989
_ فارس رشيد البياتي، التنمية الاقتصادية سياسيا في الوطن العربي، أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد، الأكاديمية العربية بالدانمارك، السنة: 2008
– بوعدين(لحسن)،التسويق الترابي ودوره في التنمية الجهوية،نمودج جهة طنجة تطوان، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية ،2005-2006
– اليعكوبي (محمد): تأملات حول الديمقراطية المحلية بالمغرب،مطبعة فنون الطباعة والإشهار ، فاس ، الطبعة الأولى،2005،
– خطاب جلالة الملك المتعلق بتنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية بتاريخ 03/01/2010 www.maroc.ma.
_ صالح المستف، التطور الإداري في أفق الجهوية بالمغرب ( من المركزية إلى اللامركزية )، دكتوراه السلك الثالث جامعة الحسن الثاني، كلية [1]
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، من منشورات نفس الكلية، السنة: 1989، طبع مؤسسة بنشرة للطباعة والنسر بالدار البيضاء، ص: 238
_ أحمد علي الصباب، دور الجامعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، جامعة الملك عبد العزيز، كلية الاقتصاد والإدارة، سلسلة البحوث [3]
والدراسات، دار عكاظ للطباعة والنشر، السنة: 1986، ص: 13
_ علي لطفي، دراسات في التنمية الاقتصادية، من منشورات مكتبة عين شمس، القاهرة، السنة: 1989 ، ص: 187[4]
_ فارس رشيد البياتي، التنمية الاقتصادية سياسيا في الوطن العربي، أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد، الأكاديمية [6]
العربية بالدانمارك، السنة: 2008، ص: 228
_ صالح المستف، التطور الإداري في أفق الجهوية بالمغرب، مرجع سابق، ص: 220[7]
ويمكن كذلك الرجوع إلى كتاب أحمد علي الصباب السابق الذكر للإطلاع على هذه المشاكل على المستوى العربي.
[8] – بوعدين(لحسن):التسويق الترابي ودوره في التنمية الجهوية،نودج جهة طنجة تطوان، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،جامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق طنجة، السنة الجامعية ،2005-2006،ص:54.
[9] – خطاب جلالة الملك ، مرجع سابق.
[10] – نفس المرجع .
[11] – اليعكوبي (محمد): تأملات حول الديمقراطية المحلية بالمغرب،مطبعة فنون الطباعة والإشهار ، فاس ، الطبعة الأولى،2005،ص: 133.
[12] – خطاب جلالة الملك المتعلق بتنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية بتاريخ 03/01/2010 www.maroc.ma
/sites.google.com