الجريمـة الجمركيـة
لقد اضطرت التشريعات الجنائية أمام التطورات الحاصلة في شتى مجالات الحياة في المجتمعات الحديثة أن تواكب تلك التطورات وتتدخل بالتجريم للعديد من الأوضاع التي تراها مضرة بأنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي ما يعرف بالقوانين الجنائية الخاصة.
وحفاظا على بنية النظام الاقتصادي وحماية للبضائع والمنتجات المحلية وضمانا لاستخلاص الرسوم والمكوس عن البضائع المستوردة ولكل منافسة قد تضر بالاقتصاد المحلي ومنعا للبضائع المحظور التعامل فيها أصدر المشرع مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 399/77/1 بتاريخ 25 شوال 1397 الموافق 9/10/1997.
وقد سنت قواعد موضوعية تتناول التجريم في الميدان الجمركي والمسؤولية الجنائية ووسائل الإثبات وقواعد شكلية البحث وإقامة الدعوى العمومية وبعض المقتضيات المتعلقة بالمحاكمة وطرق الطعن والتنفيذ، استثناء من أحكام القواعد العامة الواردة في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية.
إلا أنه يتعين إبداء ملاحظة عامة تتجلى في كون الصياغة التي صيغتها تلك القواعد تعوزها الصياغة القانونية الدقيقة وعدم التزام المصطلحات القانونية الواردة في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية.
تعريف الجريمة الجمركية:
لقد أورد الفصل 204 من المدونة تعريفا للجريمة الجمركية جاء فيها المخالفة الجمركية عمل أو امتناع مخالف لقوانين والأنظمة الجمركية.
فقد استعمل الفصل لفظ المخالفة وهو غير صحيح في الاصطلاح القانوني إذ المخالفة كما عرفها الفصل 111 من القانون الجنائي هي المعاقب عليها بالاعتقال لمدة تقل عن شهر أو بغرامة لا تقل عن خمسة دراهم ولا تزيد عن مائتي درهم في حين أن ” المخالفات” الجمركية على اختلاف أنواعها تشكل جنحا بالنظر للعقوبات المقررة لها ـ الفصول من 279 إلى 299 من المدونة ـ ولعل المقصود من لفظ المخالفة هو معناه اللغوي وليس كمصطلح قانوني وذلك لدلالة على كون العمل أو الامتناع مخالف للقوانين والأنظمة الجمركية.
وقد يفهم من استعمال لفظ المخالفة بالمفرد أن الجريمة الجمركية واحدة، بل هي متعددة ومتنوعة، وقد عرضت الفصول من 279 إلى 299 تعريفها المقرر لكل نوع منها.
والملاحظة الأخيرة بالنسبة للتعريف تطابقه والتعريف المقرر في القانون الجنائي لمختلف الجرائم، إذ نص الفصل 10منه: أن الجريمة عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه فلقد أشارا معا للركنين المادي والقانوني دون الركن المعنوي، الذي هو النشاط الإيجابي أو السلبي المعبر عنها بالعمل أو الامتناع والثاني هو مخالفة ذلك النشاط للقوانين والأنظمة الجمركية والقانون الجنائي بالنسبة لباقي الجرائم.
وأهم مميزات الجريمة تتجلى في التالي:
أنها جريمة بسيطة يتحقق الركن المادي فيها بالقيام بالعمل أو الامتناع مرة واحدة دون حاجة لتكراره، فمجرد القيام بالاستيراد أو التصدير خارج مكتب الجمرك مرة واحدة تتحقق جنحة التهريب، على عكس جرائم الاعتياد التي يتطلب القانون لقيامها تكرار النشاط الجرمي عدة مرات.
أنها جريمة وقتية تتحقق بارتكابها في وقت محدد ودون أن يكون النشاط الجرمي قابلا للتجدد والامتداد بإرادة الجاني كما هو الحال في الجرائم المستمرة.
فجنحة التهريب تتحقق بعدم تصريح الجابي بالبضاعة ولا يملك بعد ذلك فعل عدم التصريح بالنسبة لنفس البضاعة.
أنها جريمة شكلية اشترط القانون لقيامها أن تتم في شكل معين ودون أن يتطلب حلول نتيجة معينة، فقد نص الفصل 205 من المدونة “تتكون المخالفة الجمركية بمجرد ارتكابها بصفة مادية”.
وأضاف الفصل 214 على أن الغرامات الجنائية يحكم بها ولو لم تلحق المخالفة أي ضرر مادي بالدولة، فمجرد حيازة بضاعة مهربة تتحقق معها الجريمة الجمركية دون أن يتطلب القانون حصول نتيجة جرمية معينة.
كما أنه بمراجعة الفصول المحددة للجرائم 279 إلى 299 لا نجدها تتطلب حصول نتيجة معينة للعقاب على العمل أو الامتناع المجرم بمقتضى تلك الفصول.
أنها جريمة قانونية بالنظر لكون القانون هو الذي قررها بحكم مستجدات الحياة المعاصرة وضرورة التدخل لضبط أنواع من السلوك المتجدد حفاظا على أوضاع جديدة جلبا للنفع العام للمجتمع، وإن كانت هذه الأوضاع غير متأصلة في المجتمع ولا تنبع من الضمير الجماعي لأفراده، وبمعنى آخر أن المجتمع لا يعتبرها اعتداء على قيمه الاجتماعية والأخلاقية والدينية بل يرى فيها أفراده تضيقا وحدا من حريتهم.
والجريمة الجمركية كمثيلاتها من الجرائم يشترط القانون توافر ثلاث دعائم لقيامها الركن المادي وهو النشاط الخارجي الإيجابي أو السلبي (العمل أو الامتناع) والركن المعنوي وهو نسبة هذا النشاط معنويا إلى مرتكبه والركن القانوني الذي يجرم النشاط ويقرر له العقوبات.
والركن المادي للجرائم الجمركية بالنظر لكونها جرائم شكلية يتحقق ركنها المادي بالعمل أو الامتناع المرتكب في الشكل المقررة له بمقتضى القانون أي وفق النموذج المسطر بمقتضى القانون دونما اشتراط لحصول نتيجة جرمية معينة.
ومن أمثلة النشاط الإيجابي:
الاستيراد والتصدير خارج الجمرك وبوجه خاص الشحن والتفريغ والنقل من سفينة إلى أخرى أو من طائرة إلى أخرى خارج نطاق الموانئ والمطارات.
حيازة البضائع الخاضعة لمقتضيات الفصل 181 وهي البضائع المعينة خصيصا بمراسيم تتخذ باقتراح من الوزير المكلف بالمالية عندما تكون هذه الحيازة غير مبررة أو غير صحيحة أو غير تامة أو غير مطابقة.
والاستيراد أو التصدير بدون تصريح عندما تكون البضائع المارة من مكتب جمركي قد وقع التستر عنها عند إجراء المعاينة من طرف الإدارة بإخفائها في مخابئ أعدت خصيصا لذلك أو بأماكن غير معدة عادة لتلقي هذه البضائع.
ومن أمثلة النشاط السلبي:
عدم تقديم البضائع الموضوعة بمخازن وساعات الاستخلاص الجمركي عند أول طلب لأعوان الإدارة ـ وقد حددت الفصول 4 إلى 60 و 62 من المدونة مخازن ساحات الاستخلاص الجمركي.
عدم التصريح ببضائع عند التصدير والاستيراد.
عدم تقديم البضائع الموضوعة تحت نظام العبور أو الوثائق الجمركية التي يجب أن ترفق بها عند أول طلب لأعوان الإدارة.
عدم القيام بالتصدير أو الإيداع في المستودع داخل الآجال وفق الالتزامات الموفقة فيما يخص البضائع أو الأشياء أو الأدوات أو المنتجات الموضوعة إما تحت نظام القبول المؤقت وإما تحت نظام الاستيراد المؤقت.
والركن المادي لا يتحقق فقط في صورة الجريمة التامة بل يتحقق أيضا في صورة المحاولة لارتكابها، فقد نص الفصل 206 “كل محاولة لارتكاب مخالفة جمركية تعتبر بمثابة المخالفة نفسها ويعاقب عنها بهذه الصفة ولو كانت الأفعال التي تتصف بها بداية التنفيذ قد ارتكبت خارج التراب الخاضع”.
وتجدر الإشارة إلى أنه ما دامت الجريمة الجمركية هي جريمة شكلية فإن المحاولة فيها لا تتحقق إلا في صورة النشاط الإيجابي، أي العمل دون الامتناع، ذلك أن الامتناع إذا لم يخرج لحيز الوجود في صورة ملموسة وطبق الشكل الذي حدده القانون يبقى مجرد نية إجرامية والقانون كمبدأ عام لا يعاقب على النيات.
فعدم التصريح بالبضاعة تتحقق به الجريمة التامة ولا يمكن تصور مرحلة قبل ذلك تتحقق به محاولة عدم التصريح وبمعنى آخر فإما أن يصرح المستورد والمصدر بالبضاعة فلا جريمة وإما أن لا يصرح فتتحقق الجريمة ولا وجود لمرحلة وسطى يمكن أن تشكل محاولة لارتكابه عدم التصريح.
كذلك يتحقق الركن المادي في صورة المشاركة والمساهمة وقد نص الفصل 221 من المدونة “أن الشركاء والمتواطئين في ارتكاب مخالفة جمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات على المرتكبين الرئيسيين للمخالفة، ويمكن أن تطبق عليهم التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفصل 220”.
وإذا كان استعمال لفظ الشركاء يتطابق والمصطلح القانوني الوارد في الفصل 129 أي المشاركين فإن استعمال لفظ المتواطئين للدلالة على المساهمين غير دقيقة، كما أن صور التواطؤ التي أضافت الفصل 221 في فقرته الثانية لا تشكل إطلاقا مساهمة في الجريمة كما نوضح:
فالصورة الأولى والتي جاء فيها:” حرضوا مباشرة على ارتكابه الغش أو سهلوا ارتكابه بأية وسيلة ومن الوسائل” تدخل ضمن صور المشاركة حسب الفصل 129 من القانون الجنائي في فقراته التالية ” أمر بارتكابه الفعل أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي.
قدم أسلحة أو أدوات أو أي وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل مع علمه بأنها ستستعمل لذلك.
أما بالنسبة للصورة الثانية ” اشتروا أو حازوا ولو خارج الدائرة بضائع ارتكب الغض بشأنها” فإنها لا تشكل مساهمة ولا مشاركة حسب مقتضيات الفصلين 128و129 من القانون الجنائي وإن أقحمتها المدونة كصورة للمساهمة، بل تشكل جريمة إخفاء أشياء متحصل عليها من جناية أو جنحة المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 571 من القانون الجنائي.
ونفس الشيء يقال عن الصورة الثالثة الواردة في المدونة ستروا تصرفات مرتكبي الغش أو حاولوا جعلهم في مأمن من العقاب ” التي تشكل جريمة تقديم إعانة أو مكان للاجتماع أو السكن أو الاختباء والمنصوص عليها في الفصل 295 وكذلك إخفاء الأشخاص أو تهريبهم طبقا لمقتضيات الفصل 297 من نفس القانون.
وفي الأخير نشير إلى أن المدونة تعرضت كذلك لارتكاب الجريمة معنويا أي أن تكون لشخص ما النية في ارتكاب الجريمة، لكنه لا يقدم على ارتكابها ماديا، بل يدفع غيره لذلك، والذي لا تتوفر له النية الإجرامية حسبما جاء في الفصل 222 من المدونة في الفقرة (ب):” المؤتمنون عن عمل مستخدميهم فيما يخص العمليات الجمركية المنجزة بتعليمات منهم”.
الركن المعنـوي:
فالجرائم الجمركية عمدية بمعنى أنه يتعين أن يتعمد مرتكبها القيام بالعمل أو الامتناع في الشكل المحدد له قانونا مع عمله بأن الواقعة التي أقدم عليها جريمة في القانون ومعاقب عليها بمقتضاه ذلك أن الغلط أو الجهل بالواقعة المجرمة لا يتحقق معهما الركن المعنوي مثال ذلك فالشخص الذي يشتري أو يحوز بضاعة مهربة مع جهله بأن مصدرها التهريب لا يعد مرتكبا لجريمة التهريب أو حيازة بضائع مهربة على الرغم من مقتضيات الفصل 205 التي جاء فيها تتكون المخالفة الجمركية بمجرد ارتكابها بصفة مادية دون حاجة إلى اعتبار للحافز أو الدافع إلى ارتكابها،وهذا من مقتضيات المبادئ العامة في القانون.
ومما يعزز ما ذهبنا إليه مقتضيات الفصل 221 من المدونة في فقرته الثانية التي
نصت على أنه يعتبر متواطئين في ارتكاب المخالفة الجمركية الأشخاص الذين قاموا عن علم بما يلي:
حرضوا مباشرة على ارتكاب الغش أو سهلوا ارتكابه بأية وسيلة من الوسائل، اشتروا أو حازوا ولو خارج الدائرة بضائع ارتكب الغش بشأنها، ستروا تصرفات مرتكبي الغش أو حاولوا جعلهم في مأمن من العقاب.
وكذلك من مقتضيات الفصل 225 من نفس المدونة التي تعتبر المدير ومستخدموا المؤسسات العمومية للنقل الذين يبرهنون على أنهم أدوا بصفة قانونية واجباتهم المهنية بإثباتهم أن البضائع المرتكب الغش بشأنها قد أخفاها الغير في أماكن لا تجري عليها عادة مراقبتهم، أو أنها أرسلت بحكم إرسالية يظهر أنها مشروعة وقانونية.
وكذلك رؤساء البواخر والمراكب وقواد الطائرات إذا أثبتوا أنهم قاموا بجميع واجباتهم في الحراسة أو إذا تم العثور على مرتكب الجنحة.
وكذلك في حالة ارتكاب مخالفة من الفصل 3 من الفصل 282 إذا أثبت رؤساء البواخر أن أعطابا هامة استلزمت تغيير طريق الباخرة بشرط أن تكون هذه الحوادث قد سجلت بيوميات الباخرة قبل معاينة مصلحة الجمارك.
الركن القانوني:
ومقتضاه على أنه لا يحكم على شخص بعقوبة إلا من أجل جريمة نص عليها القانون وحدد عقوبتها وارتكبت بعد صدوره عملا بمقتضيات الفصل 3 من القانون الجنائي.
لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبة بعقوبات لم يقررها القانون.
ويهمنا هنا ما أشار إليه الفصل 207 من المدونة:” تبقى القوانين والأنظمة الجمركية ولو بعد انتهاء العمل بها سارية على المخالفات المرتكبة خلال مدة تطبيقها فيما يخص العقوبات المالية فقط”.
فقد يتبادر للدهن أن الفصل أعلاه يتعارض ومقتضيات الفصل 5 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه، فإن كان قد صدر حكم بالإدانة، فإن العقوبات المحكوم بها أصلية كانت أو إضافية، يجعل حد لتنفيذها، أي أنه بعد إلغاء أهم ركن في الجريمة الذي هو الركن القانوني تزول الصبغة الجرمية عن العمل أو الامتناع المجرم سابقا ويصبح مباحا إتيانه وبالتالي تلغى العقوبة، فلا يحكم بها ولا تنفذ إن صدر هبا الحكم.
على العكس من ذلك فمقتضيات الفصل 207 لا تعفي مرتكب الجريمة الجمركية بعد إلغاء القوانين والأنظمة الجمركية إلا من العقوبة السالبة للحرية دون العقوبات المالية الشيء الذي قد يبدو مخالفا لقواعد العدالة.
إلا أنه بالنظر للطبيعة المؤقتة للقوانين والأنظمة الجمركية والتي يتعين تغييرها على الدوام نتيجة ضرورة ملاءمتها للمستجدات والتغيرات العالمية الاقتصادية والتجارية وبحكم الاتفاقات والأوفاق الدولية وفي مدد وجيزة قد لا تتعدى شهورا، لذلك كان لزاما الإبقاء على الأقل على العقوبات المالية حماية للنظام الاقتصادي والتجاري للدولة.
والقانون الجنائي كان أوضح في هذه النقطة إذ نص الفصل 7 منه: لا تشمل مقتضيات الفصل 5و6 القوانين المؤقتة التي تظل ولو بعد انتهاء العمل بها، سارية على الجرائم المرتكبة خلال مدة تطبيقها.
المسؤولية الجنائية:
اختلف الفقه الجبائي في تحديد أساس المسؤولية بين من يشترط الإسناد المادي والمعوي أي نسبة الفعل ماديا لمرتكبه ومعنويا بأن يكون ذا إدراك وتمييز وبين من لا يشترطهما لقيام المسؤولية ويعتبر المسؤول كل من ارتكب الفعل الضار بالمجتمع ولو لم يكن مميزا والفكر الأول للمدرسة التقليدية والثاني لمدرسة الدفاع الاجتماعي ضد الجريمة.
وبالرجوع لأحكام المدونة نجدها تأخذ بالمفكرين معا وهكذا نص في الفصل 221: إن الشركاء والمتواطئين في ارتكاب مخالفة جمركية تطبق عليهم وفق شروط الحق العام نفس العقوبات المطبقة على المرتكبين الرئيسيين للمخالفة ويمكن أن تطبق عليهم التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفصل 229.
وفي الفصل 222نصت على أن المسؤولين جنائيا هم:
موقعو التصريحات فيما يخص، الإغفالات والبيانات غير الصحيحة والمخالفات الأخرى الملاحظة في تصريحاتهم.
المءتمنون عن عمل مستخدميهم فيما يخص العمليات المنجزة بتعليمات منهم.
المتعهدون في حالة عدم تنفيذ الالتزامات الموقعة من طرفهم.
فقد اعتبرت أن المشارك والمساهم مسؤول جنائيا عن الجرائم التي يشارك أو يساهم فيها وكذلك عرضت لنماذج من الفاعلين الأصليين في الفصل 222 والتي رمز إليها بالأحرف (أ) (ب) (ت)، وأقول نماذج بالنظر طبقا لأحكام المدونة فالذي يستورد أو يصدر بضاعة خارج مكتب الجمرك يعد فاعلا أصليا في جريمة التهريب، وكذلك الذي لا يقدم بضاعة مودعة بمخازن وساحات الاستخلاص الجمركي لأعوان الإدارة عند الطلب، إذ تخلفت صور الفاعلين في الجريمة الجمركية.
والفاعل الأصلي والمساهم والمشارك أخضعتهم لأحكام القواعد العامة الواردة في الفصل 132 من القانون الجنائي مع ما يتطلب ذلك من ضرورة توافر الإدراك والتمييز وهذا ما يدل على أخذها بفكر المدرسة التقليدية كقاعدة عامة.
إلا أنها نصت في الفصل 228 على ما يفيد أخذها بفكر المدرسة الوضعية: أن مرتكب مخالفة جمركية أو المتواطئ فيها أو الشخص المنتفع بهذه المخالفة لا يعاقب إلا بالمصادرات والغرامات المنصوص عليها في هذه المدونة إذا كان وقت ارتكاب الأفعال أما في حالة جنون وإما قاصرا يقل سنه عن 16 سنة.
فاعتبرت المجنون مسؤولا جنائيا وإن أعفته من العقوبة الحبسية مع أنه غير مسؤول حسب الأحكام العامة للقانون الجنائي الذي ينص في الفصل 134، ” لا يكون مسؤولا، ويجب الحكم بإعفائه من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه في حالة يستحيل معها الإدراك أو الإدارة نتيجة لخلل في قواه العقلية.
كما اعتبرت القاصر كذلك مسؤولا جنائيا وإن كان بمقتضى القواعد العامة متى كان سنه يقل عن اثني عشر عاما الفصل 138:” الصغير الذي لم يبلغ سنه اثني عشر عاما يعتبر غير مسؤول جنائيا لانعدام تمييزه، وفي الجنايات والجنح، لا يمكن أن يحكم عليه إلا بواحد أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المقررة في الفصل 516 من المسطرة الجنائية.
وناقصا للمسؤولية الجنائية متى بلغ اثني عشر عاما دون أن يتم السادسة عشر طبقا لأحكام الفصل 139 من القانون الجنائي: القاصر الذي أتم اثني عشر عاما ولم يبلغ السادسة تعتبر مسئوليته ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه.
وبالنسبة لمن كان به ضعف في قواه العقلية، فقد بقي خاضعا لأحكام الفصل 135 من القانون الجنائي لعدم وجود نص خاص بالمدونة ـ: تكون مسؤولية الشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته يؤدي إلى تنقيص مسئوليته جزئيا.
وفي الجنايات والجنح تطبق على الجاني العقوبات أو التدابير الوقائية المقررة في الفصل 78.
أما في المخالفات فتطبق العقوبات مع مراعاة حالة المتهم العقلية، وتجدر الإشارة إلى أن مقتضيات الفصلين 221و222 من المدونة تتعلق بمسؤولية الشخص عن فعله أي المسؤولية الشخصية.
أما من حيث المسؤولية الجنائية عن فعل الغير فقد تعرض لها الفصل 229: يعتبر الأشخاص الآتي ذكرهم مسؤولين مدنيا عن فعل الغير فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف.
الأشخاص المبينون في الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود.
مالكوا البضائع ووسائل النقل من فعل مستخدميهم.
والأشخاص المشار إليهم في الفصل 85 من ق.ل.ع. هم:
الأب والأم بعد موته، يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهم القاصرون الساكنون معهما.
المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه خدامهم ومأموروهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها.
إن أرباب الحرف يسألون عن الضرر الحاصل من متعلميهم خلال الوقت الذي يكونون فيه تحت رقابتهم.
الأب والأم وغيرهما من الأقارب والأزواج يسألون عن الأضرار التي يحدثها المجانين وغيرهم من مختلي العقل إذا كانوا معهم ولو كانوا بالغين سن الرشد.
أما مالكوا البضائع ووسائل النقل عن فعل مستخدميهم،فتطبق عليهم أيضا أحكام الفصل 85 في الفقرة المتعلقة بالمخدومين، وإن مجرد ذكرهم مجرد تكرار.
وهؤلاء الأشخاص وإن سمتهم المدونة بالمسؤولين مدنيا،فإنها في الحقيقة اعتبرتهم مسؤولين جنائيا عن فعل الغير، لأن المسؤول عن العقوبة (الغرامات) لا يعد بأي حال من الأحوال مسؤولا مدنيا هذا الأخير الذي ترتبط مسئوليته المدنية بتعويض الضرر، وإن الجرائم الجمركية وفق ما سلفنا جرائم شكلية لا يتطلب الركن المادي فيها حصول نتيجة ضارة ولا يربط الحكم بالغرامات فيها على حصول ضرر ما وفق ما أشار إلى ذلك الفصل 214 من المدونة.
وحكم الفصل 229 من المدونة يدخل ضمن الاستنباء الوارد على المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 132 من ق.ج. الذي بعد أن نص على أن كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها والجنايات والجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها أو محاولات الجنايات ومحاولات بعض الجنح ضمن الشروط المقررة للعقاب عليها، نص في فقرته الأخيرة:” ولا يستثني من هذا إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك.
المسؤولية الجنائية للشخص المعني:
لقد أشار الفصل 227 للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.
عندما ترتكب مخالفات جمركية من طرف المتصرفين أو المسيرين أو المديرين لشخص معنوي أو من طرف أحدهم العامل باسم ولحساب الشخص المعنوي يمكن أن يتابع الشخص المعنوي نفسه وأن تفرض عليه العقوبات المالية وعند الاقتضاء التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في 3و4 من الفصل 220.
العمليات المنصوص عليها في مدونة الجمارك هي:
ـ الحبس:
ـ ومصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها والبضائع المستعملة لإخفاء الغش ووسائل النقل.
ـ الغرامة الجبائية.
ـ الغرامة الإدارية.
يحكم بالحبس من شهر إلى سنة عند ارتكابه إحدى الجنح من الطبقة السادسة وجوبا، وجوازا عند ارتكابه جنحة من الطبقة الثانية، (الفصل 297 من المدونة).
الغرامة الجبائية: وتبلغ قيمتها خمس مرات مجموع قيمة الأشياء المرتكبة الغش بشأنها ووسائل النقل والأشياء المستعملة لإخفاء الغش بالنسبة للجنح من الصبغة السادسة.
وتساوي ثلاث مرات مبلغ الرسوم والمكوس المتملص منها بالنسبة للجنح من الطبقة الخامسة.
وتتراوح بين 1000 و 10.000 بالنسبة للجنح من الطبقة الرابعة وتعادل ضعف مبلغ الرسوم والمكوس منها بالنسبة للجنح من الصبغة الثالثة.
وتعادل خمس مرات مقدار المبالغ والمنافع المرتبطة بالتصدير بالنسبة للجنح من الطبقة الثانية.
وبغرامة نافذة قدرها 1500و5000 درهم بالنسبة للجنح من الطبقة الأولى.
والغرامة الإدارية: لم تحدد لها المدونة قدرا معينا ولا شكلا بل بقيت خاضعة للسلطة التقديرية لإدارة الجمارك.
المصادرة ويراد بها نملك إدارة الجمارك للبضائع المهربة والمرتكب الغش بشأنها.
وقد ميزت المدونة بين البضائع المحظور التعامل فيها قانونا كالمخدرات مثلا والبضائع غير المحظورة التعامل.
فبالنسبة للأولى تعد المصادرة كتدبير وقائي أو احتياطي، وبالنسبة للثانية كعقوبة ذات طابع تعويضي بحكم استخلاصها من طرف إدارة الجمارك مثلها مثل الغرامة الجبائية على عكس الغرامات المحكوم بها بمقتضى القانون العام التي تستوفيها خزينة الدولة (الفصل 210).
والمصادرة تنصب على البضائع المرتكب الغش بشأنها أيا كان حائزها، ولو كانت ملكا لشخص آخر أو مجهول، ولو لم تحكم بها المحكمة (الفصل 211).
كما تنصب على وسائل نقل البضاعة التي استخدمت أو معدة للاستخدام في ارتكاب الجريمة الجمركية ولو كانت ملكا لشخص لا علاقة له بالجريمة لا كفاعل أصلي أو مساهم أو مشارك إذا كان سائق الناقلة مرتكبا لجريمة التهريب.
التدابير الاحتياطية والوقائية هي:
المنع من الإقامة بدائرة الجمرك.
المنع من دخول مكاتب ومخازن والساحات الخاصة لحراسة الجمرك.
سحب رخصة قبول المعشر في الجمرك أو الإذن في الاستخلاص الجمركي.
الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك.
(أي القانون الجنائي) شريطة أن يحكم بها بمقتضى حكم قضائي أو قرار تتخذه الإدارة، (الفصل 220).
ونشير أخيرا إلى أنه في الحالة التي يرتكب فيها شخص ما عدة مخالفات جمركية فلا تطبق قاعدة ضم العقوبات بل يتعين الحكم بعقوبة الغرامة عن كل جريمة جمركية.
وإذا تعدد مرتكبو جريمة واحدة فلا يحكم عليهم إلا بغرامة واحدة.
كما أن الغرامة لا تخضع لأسباب التخفيف: ( الظروف المخففة وإيقاف التنفيذ الفصول 215-216-217 من المدونة).
هذا فيما يخص التعدد المادي للجرائم، أما بالنسبة للتعدد المعنوي وهو كون الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة تطبيقا للفصل 118 من القانون الجنائي الذي يقضي بأن الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أ يوصف بأشدها فلا يطبق عندما يتعلق الأمر بقانون خاص، كما سنوضح عند التعرض لتدخل إدارة الجمارك في قضايا تهريب المخدرات.
طرق إثبات الجريمة الجمركية:
تثبت الجريمة الجمركية إضافة إلى وسائل الإثبات في الميدان الجنائي عن طريق حجز موضوع الجريمة أي البضاعة محل الغش الجمركي وكذلك الوسيلة المستخدمة في ارتكابها.
وهكذا يحق لأعوان الإدارة أن يحجزوا جميع البضائع الخاضعة للمصادرة والوثائق المتعلقة بها ووسائل النقل، بل وحتى ما كان منها غير قابل للمصادرة: (الفصلان 235و236).
والحجز يتم سواء تم ضبط المخالفين في حالة تلبس أو بعد البحث المجرى من طرف أعوان الإدارة وكذلك ضباط الشرطة القضائية، ويمكن رفعه مقابل كفالة أو وديعة ضمانا للغرامات المحكوم بها نهائيا.
كما تثبت الجريمة بمقتضى المحاضر المنجزة من طرف أعوان الإدارة الذين يملكون صلاحية اتخاذ سائر الإجراءات اللازمة للتثبت من الجرائم الجمركية والتعرف على مرتكبيها، وخاصة تفتيش المنازل شريطة التقيد بمقتضيات الفصل 41 من المدونة الذي يوجب عند تفتيش المنازل موافقة ساكنيها كتابة، وعند الرفض أن يطلبوا مساعدة ضابط الشرطة القضائية وعند رفض هذا الأخير يدون كذلك بالمحضر ويستغنون عن مساعدته، كما عليهم التقيد بأوقات التفتيش من الخامسة صباحا إلى التاسعة ليلا إلا أنه يجوز لهم ذلك استثناء في حالة البحث عن البضائع الخاضعة لأنظمة الدائرة وهي المنصوص عليها في الباب الأول من الجزء السابع من المدونة.
ويمكن لأعوان الإدارة محررو المحاضر إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم الجمركية في حالة تلبسهم بالجريمة. والمحاضر المنجزة من طرفهم لها حجية ثبوتية قاطعة متى استوفت الشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل 240 من المدونة ومحررة من طرف عونين للإدارة، فأكثر إذ لا يطعن فيها إلا بالزور، أما المحاضر المحررة من طف عون واحد فيوثق بمضمونها ما لم يثبت ما يخالف ذلك.
والطعن بالزور في المحاضر يتم بتصريح شخصي أو بواسطة وكيل شريطة توفره على وكالة خاصة مشهود بصحتها من لدن السلطة المحلية أو لدى كتابة ضبط المحكمة المعروضة عليها القضية قبل تاريخ الجلسة.
وعند انعقاد الجلسة تمنح المحكمة الطاعن أجلا تتراوح مدته من ثلاثة أيام إلى ثمانية أيام غير قابلة للتمديد، ليودع الوسائل المثبتة للزور وكذا أسماء الشهود وعناوينهم المراد الاستماع إليهم، وعند انصرام الأجل المذكور تبت المحكمة على ضوء ما توفر لديها من وسائل.
وكل طاعن رفض طلبه يتعرض للحكم عليه بغرامة مالية لفائدة الخزينة العامة تتراوح قيمتها من 500 إلى 1500 درهم ويحق للمحكوم عليه غيابيا أن يلجأ للمقتضيات أعلاه المتعلقة بالطعن بالزور ما بين تاريخ التعرض وتاريخ انعقاد الجلسة.
ويقتصر أثر الطعن بالزور على رافعه دون باقي الأظناء ما لم يكن موضوعه غير قابل للتجزئة ففي هذه الحالة ينتج أثره في حق جميع المتابعين.
تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية:
الجريمة بشكل عام عند وقوعها تشكل اعتداء على حقين، حق المجتمع في ضمان أمنه واستقرار نظمه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحق أفراده في مالهم وشخصهم واعتبارهم، والاعتداء على حق المجتمع يولد ضررا عاما يلحق المجتمع ككل، والاعتداء على أفراده يولد ضررا خاصا بهم، والجزاء أقره القانون عن الضرر العام هو العقوبة، وعن الضرر الخاص هو التعويض ومن ثمة فدعوى المطالبة بالعقوبة هي دعوى عامة أو عمومية أو جنائية ودعوى المطالبة بالتعويض هي دعوى خاصة أو مدنية.
والغرض من هذه المقدمة هو التوضيح من أن الدعوى للمطالبة بالغرامة الجبائية بسبب الجرائم الجمركية هي دعوى عمومية بصحيح نصوص المدونة وخاصة الفصول 214و248و263و249و251، وبالنظر لكون الغرامة الجبائية هي عقوبة مالية بصريح نص الفصل 208 الذي عددها من ضمن العقوبات عن الجرائم الجمركية بالنص ” أن العقوبات والتدابير الاحتياطية الحقيقية المطبقة في ميدان المخالفات الجمركية هي:
مصادرة البضائع المرتكبة الغش بشأنها والبضائع المستعملة لإخفاء الغش ووسائل النقل.
والغرامة الجبائية:
والغرامة الإدارية:
وإن الخطأ الذي وقعت فيه إدارة الجمارك وبعض المحاكم حول طبيعة دعوى المطالبة بالغرامة الجبائية وغيرها من العقوبات، إذ تعتبرها مطالب مدنية أو دعوى مدنية لسبب راجع لبعض فصول المدونة التي تعتبر أن الغرامة الجبائية ذات صبغة تعويضات مدنية،إن إضفاء هذه الصبغة على الغرامة راجع لكونها تستخلص من طرف إدارة الجمارك وليس من طرف الخزينة العامة، وأن ذلك لا يمكن أن يلغي عنها صفة العقوبة، ـ وسنتعرض لذلك مرة ثانية عند الحديث عن مطالب إدارة الجمارك في تهريب المخدرات ـ أنظر الفصل 263.
وعن كيفية رفع الدعوى العمومية في الميدان الجمركي نص الفصل 248 على أنه: ” يمكن المتابعة عن الجنح المنصوص عليها في هذه المدونة بجميع الطرق القانونية مع مراعاة مقتضيات هذا الباب.
والملاحظة الأولية عن هذا النص مثل العديد من نصوص المدونة أنه تعوزه الصياغة القانونية الدقيقة ذلك أنه يتعين التمييز بين إقامة الدعوى العمومية وبين متابعتها ـ وأن الخلط بين المصطلحين شائع عمليا ويستعمل من طرف قضاء النيابة العامة للدلالة على رفع الدعوى العمومية ضد الجاني وكذلك من طرف قضاء الحكم المتابعة ويرادفه الممارسة وهو يتعلق بموضوع الدعوى يعني اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الكفيلة بجعل القضية جاهزة للحكم والتي أسندها القانون للنيابة العامة، من المطالبة بإجراءات التحقيق وتقديم الدفوع وتقديم الأدلة وممارسة طرق الطعن ضد الأحكام، وتجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة وهي الطرف المدعي الوحيد في الدعوى العمومية، وإن كانت أقامتها من طرف المتضرر أو أي جهة أخرى أسند إليها القانون أمر رفعها ومن ضمنها إدارة الجمارك.
واستعمال عبارة بكافة الطرق القانونية غير دقيقة أيضا إذ قد يوحى على أن رفع الدعوى يتم بكيفيات عديدة والحال أن رفع الدعوى العمومية يتم بطريقتين اثنين:
باستدعاء مباشر أو تقديم الظنين أو المتهم في حالة اعتقال للجلسة، وإدارة الجمارك لا تملك حق تقديم الجاني في حالة اعتقال للجلسة إذ ذلك الحق الخاص بالنيابة العامة وحدها دون غيرها من الجهات التي لها حق إثارة الدعوى العمومية.
وكذلك إذا كان في حالة اعتقال وقضاء العقوبة الحبسية المحكوم بها خلال فترة اعتقاله الاحتياطي أو كانت العقوبة الحبسية موقوفة التنفيذ فلا يفرج عنه إلا إذا كانت العقوبات المالية مضمونة الأداء وفق ما أشرنا إليه أعلاه.
وتحسب مدة حرمانه من الحرية من مدة الحبس المحكوم بها أو من مدة الإكراه البدني على حسب الحالات.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التعديل الجديد في قانون المسطرة الجنائية (الفصل 40) من أن الضنين الذي منحته المحكمة السراح المؤقت يجب أن يفرج عنه حالا بالرغم من استيناف النيابة العامة ما لم يتعلق الأمر بقضية تمس مقدسات الدولة أو النظام العام أو الاتجار في المخدرات، يطبق أيضا في النظام الجمركي ما لم يكن الاستيناف قد تقدمت به إدارة الجمارك.
بمعنى أنه إذا منح شخص السراح المؤقت واستأنفته النيابة العامة وحدها فإنه يتعين الإفراج عنه، أما إذا استأنفته إدارة الجمارك فإنه لا يفرج عنه إلا بعد البت في الاستيناف.
وخلافا لما أشير إليه أعلاه يمكن أن يستفيد الظنين المعتقل بصفة احتياطية بسراح مؤقت دون تقديم وديعة أو كفالة إذا ما قبلت ذلك النيابة العامة والإدارة معا (الفصل 257).
1- طرق الطعن:
خلافا للقواعد العامة فإن الطعن في الأحكام لا يقع إلا ممن كان طرفا فيها، وقد خولت مدونة إدارة الجمارك حق الطعن بالاستيناف في الأحكام الصادرة في الجنح من الطبقة السادسة إذا لم يتم إشعارها بتحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة تطبيقا لمقتضيات الفصل 249 خلال أجل عشرة أيان تبتدئ من تاريخ تبليغها الحكم والحال أن الأحكام لا تبلغ إلا لمن كان طرفا فيها وبالتالي يبقى أجل عشرة أيان مفتوحا إن لم يقع التبليغ.
طرق التنفيذ:
إضافة إلى طرق التنفيذ عموما، تنفذ الغرامات في الميدان الجمركي بواسطة الإكراه البدني حسب القواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية وعن طريق الحجز.
الإكراه البدني:
على خلاف مقتضيات الإكراه البدني ق.م.ج الذي يشترط لتطبيق الإكراه البدني في الديون العمومية أن يكون الحكم الصادر بها نهائيا فإن الإكراه البدني في الميدان الجمركي يطبق بمجرد صدور حكم ولو كان مطعونا فيه.
فإذا كان مرتكب الجريمة الجمركية معتقلا وقت صدور الحكم اعتبر أجل بداية الإكراه البدني هو تاريخ الوضع تحت الحراسة النظرية، إذا كانت العقوبة الحبسية موقوفة التنفيذ أو لم يحكم بها أصلا لإجباره على تسديد العقوبات المالية، ما لم تكن مضمونة بكفالة مالية أو شخصية.
أما إذا كانت العقوبة الحبسية نافذة فإن أجل الإكراه البدني بالنسبة للعقوبات المالية المحكوم بها يبتدئ من تاريخ انتهاء العقوبة السالبة للحرية.
وإذا كان مرتكب الجريمة في حالة سراح وقت صدور الحكم يباشر فورا إيداعه في السجن لتنفيذ العقوبة الحبسية النافذة المحكوم بها ولتطبيق الإكراه البدني من أجل العقوبات المالية من تاريخ تنفيذ الحبس ما لم تكن مضمونة بكفالة مالية أو شخصية.
2- الحجز:
يحق لإدارة الجمارك أن تقوم بحجز البضائع ووسائل النقل ولو لم تكن قابلة للمصادرة، وإذا توفي الجاني قبل تسديد العقوبات المالية تباشر دعوى الحجز على التركة، وإذا تعذر حجزها تستصدر حكما على الورثة بأداء قيمتها وفق سعر السوق الداخلية وقت ارتكاب الغش.
وأن تبيع البضائع أو وسائل النقل المحجوزة التي لا يمكن الاحتفاظ بها دون تعرضها للتلف وذلك بعد استصدار إذن المحكمة الابتدائية القريبة من مكان توجدها ويودع ثمنها بصندوق قابض الجمارك في انتظار بث المحكمة في موضوع الحجز، وتقوم بإتلافها عند الاقتضاء وبدون إذن قضائي إذا كانت غير قابلة للاستهلاك أو الاستعمال.
وإذا استصدر مالك الأشياء المحجوزة أمرا برفع اليد عنها فإنها لا تسلمه إياها إلا مقابل كفالة مالية.
ولها أيضا أن تنفذ جميع الإجراءات التحفظية لضمان الديون الجمركية كيفما كان نوعها، ولها الامتياز على سائر البضائع التي يملكها الملزمون وكفلائهم من أجل تحصيل الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات ويأتي ترتيبها في حقوق الامتياز في المرتبة الثانية بعد امتياز تحصيل الضرائب المباشرة والضريبة على المنتوجات، والضريبة على الخدمات ويحل محلها في هذا الحق المعشرون المقبولون لديها الذين أدوا عن الغير الرسوم والمكوس والغرامات الملزمين بها.
وتقوم ببيع البضائع المحجوزة التي صارت ملكا بمقتضى قرار المصلحة وبحكم قضائي نهائي.
سقوط الدعوى العمومية في الميدان الجمركي:
تسقط الدعوى العمومية في الميدان الجمركي بمقتضى صلح مع الأشخاص الملزمين بأداء العقوبات المالية وكفلائهم، ويتعين مصادقة وزير المالية ومدير الإدارة على الصلح ليكتسب الصفة النهائية، ولا يمكن الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.
ونتيجة ذلك يتعين الإفراج عن الشخص المعتقل احتياطا من أجل جريمة جمركية أو المحكوم بعقوبة حبسية مطعون فيها بالاستيناف.
أما إذا وقع الصلح بعد اكتساب الحكم الصبغة النهائية فإن أثره يقتصر على محو العقوبات المالية دون العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها، وكذلك المنع من الإقامة بالدائرة الجمركية كتدبير وقائي طبقا للفقرة الأولى من الفصل 220 من المدونة.
وفي الأخير نود توضيح نقطة هامة أثارت الكثير من الجدل واستأثرت باهتمام متزايد من طرف القضاء وإدارة الجمارك تتعلق بمدى أحقية إدارة الجمارك في استصدار أحكام بالتعويض في قضايا تهريب المخدرات ما بين الإيجاب والسلب.
وحجة القائلين بعدم أحقيتها في ذلك يستندون لأسباب تصب جميعا في أن الدولة لا يلحقها أي ضرر من جراء التصريح أو عدمه في قضايا المخدرات لكونها ليست خاضعة للأنظمة الجمركية، وأنها لا قيمة لها دوليان ولا يمكن اعتماد قيمتها في السوق السوداء، وأن حيازة المخدرات معاقب عليها بمقتضى ظهير 21/05/74 ولا يمكن العقاب عليها أيضا بمقتضى مدونة الجمارك استنادا للفصل 118 من القانون الجنائي المتعلق بالتعدد المعنوي للجرائم.
وحجة الجانب الآخر تستند إلى أن المخدرات بضاعة كسائر البضائع طبقا للفصل 115 من المدونة، وأنه لا يشترط حصول ضرر للدولة ليتأتى الحكم بالتعويض لإدارة الجمارك بصريح مقتضيات الفصل 214 من المدونة الذي ينص:” تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة صبغة تعويضات مدنية، غير أنها تصدر عن المحاكم الزجرية ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم تلحق المخالفة أي ضرر مادي بالدولة وأن مطالب إدارة الجمارك تنصب فقط على عدم التصريح بالبضاعة المهربة.
الحقيقة أن هذا المشكل مرده أساسا لخطأ مسطري وقعت فيه إدارة الجمارك ومن بعدها المحاكم ذلك أن إدارة الجمارك تتقدم بدعوى مدنية تابعة أمام المحاكم الزجرية بغية استصدار حكم بالغرامة مضيفة صبغة التعويض مما دفع المحاكم لإخضاعها لشروط قبول الدعوى المدنية من صفة ومصلحة إضافة إلى الأهلية، إذ يتعين لتوفر المدعي على صفة الإدعاء أن يكون قد تضرر من الجريمة، وأن يكون الضرر شخصيا ناتجا مباشرة عن الجريمة وأن يكون محققا، ومصلحته في الإدعاء تقتضي أن يمس الضرر المصلحة المشروعة له والتي لا تتنافى والنظام العام والأخلاق الحميدة ويحميها القانون.
والدليل على ما قلناه هو أننا إذا تأملنا الأسباب المستند عليها في رد مطالب إدارة الجمارك من حيث أن الدولة لا يلحقها أي ضرر منعدم التصريح بالمخدرات لكون هذه الأخيرة غير خاضعة للأنظمة الجمركية، وأنه لا قيمة لها دوليا، وأنها مواد سامة، نجدها تطبيقا للمقتضيات القانونية المتعلقة بشروط قبول الدعوى المدنية من صفة ومصلحة.
ومن حيث أن المخدرات معاقب عليها بمقتضى ظهير 1974 المتعلق بزجر المخدرات ولا يمكن العقاب عليها أيضا بمقتضى مدونة الجمارك، فإن مرد ذلك إلى تطبيق مقتضيات الفصل 118 من القانون الجنائي الذي ينص:” الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أو يوصف بأشدها.
والحال أنه لا مجال لتطبيق النص المذكور عندما يتعلق الأمر بقوانين خاصة وإلا فقدت أسباب وجودها، وهكذا قضى المجلس الأعلى في القرار الصادر عن الغرفة الجنائية المؤرخ في 23/02/61 والمنشور في الجريدة المغربية للقانون 1/4/62 الصفحة 640 بمبدأ عدم ضم جنح القانون العام المرتبط إلى جنح قوانين السير، فالذي يسوق عربة وهو في حالة سكر علني بين مثلا تطبيق عليه مقتضيات الفصل 1من المرسوم 4/11/1967 والفصل 6 من قرار 24/01/1953 والفصل 8 من ظهير 19/01/1953.
والذي تضبط بحوزته كمية من المخدرات يريد تصديرها دون تصريح تطبق عليه مقتضيات ظهير 1974 المتعلق بالزجر عن المخدرات، وإذا كانت المخدرات ممزوجة بالتبغ فتطبق عليه مقتضيات ظهير 1932 المتعلق بمسك التبغ، كما تطبق عليه مقتضيات الفصل 281 من مدونة الجمارك المتعلق بتهريب البضائع.
وإذا كانت العقوبة السالبة للحرية يتعين ضمها، وحتى إذا لم بقع ذلك فإنه عند التنفيذ لا تطبق إلا العقوبة الأشد طبقا لمقتضيات الفصل 120 من القانون الجنائي، فإن العقوبات المالية التي يتعين الحكم بها بمقتضى قوانين خاصة يجب ألا تخضع لذلك، وهكذا يحكم في مثالنا بغرامة مالية لفائدة الخزينة العامة طبقا لأحكام ظهير 1974 وبغرامة مالية لفائدة شركة التبغ طبقا لمقتضيات ظهير 1932 وبغرامة مالية لفائدة إدارة الجمارك طبقا للمدونة.
كما أن الأسباب المستند إليها من طرف إدارة الجمارك غير وجيهة أيضا، لاستعمالها في غير محلها.
إن الغرامة والمصادرة في الميدان الجمركي هما عقوبتان ماليتان بصريح نص الفصل 208 من المدونة.
“العقوبات والتدابير الاحتياطية الحقيقية المطبقة في ميدان المخالفات الجمركية هي:
ـ الحبس.
ـ مصادرة البضائع المرتكب الغش بشأنها، والبضائع المستعملة لإخفاء الغش ووسائل النقل.
ـ الغرامة الجبائية.
ـ الغرامة الإدارية.
والفصل 263 من المدونة الذي ينص:
إن العقوبات المالية في ميدان الجمارك والضرائب الغير المباشرة تخضع رغم ما تكتسيه من صبغة لتعويضات مدنية لقواعد قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتقييد في سجل السوابق العدلية وفي مجدة الشركات”.
وما كان عقوبة لا يمكن على الإطلاق أن يكون موضوعا لدعوى مدنية.
ولعل ما جعل إدارة الجمارك تتقدم بطلب الغرامة والمصادرة كتعويض موضوع الدعوى المدنية هو الصياغة غير الدقيقة للمدونة التي تقضي في بعض فصولها بأن العقوبات المالية في الميدان الجمركي ذات صبغة لتعويضات مدنية، وخاصة الفقرة الثانية من الفصل 214 الذي ينص على أنه إذا كانت القضية معروضة أمام المحكمة العسكرية جاز للإدارة أن تقدم طلب التعويض إلى محكمة مدنية.
وهذا النص غير قابل للتطبيق عمليا لكون المحاكم المدنية غير مختصة للبث في دعاوي مدنية موضوعها استصدار حكم بعقوبة مالية، ولا صفة ولا مصلحة لإدارة الجمارك في هذه الدعوى بل لا أهلية لها للتقاضي.
إذ أن دورها يقتصر على تحريك الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية، ولا تملك حق النيابة عن المجتمع (الدولة) سواء في الميدان الجنائي أو في الميدان المدني.
وأظن أن الخطأ في صياغة هذه الفقرة أيضا راجع لكون محررها التبس عليه الأمر ما بين الغرامة والتعويض وطبيعة الدعوى المؤدية إلى استصدار حكم بها.
وهذه الحالة لا تصور إلا في حالة ارتكاب جريمة تتعلق بتهريب وحيازة الأسلحة، ولا يوجد في قانون العدل العسكري ما يمنع من نظر المحكمة العسكرية للجرائم الجمركية المتعلقة بتهريب السلاح وإصدار العقوبات المالية المقررة في مدونة الجمارك.
كما أن استناد إدارة الجمارك على مقتضيات الفصل 214 من المدونة من أن الغرامة يحكم بها ولو لم يلحق الدولة أي ضرر لا يرتكز على أسا قانوني إذ المقصود هو أن الجرائم الجمركية لا يتطلب ركنها المادي حصول ضرر خاص أي نتيجة معينة، وذلك راجع بالأساس إلى أن الجرائم الجمركية: جرائم شكلية يتحقق ركنها المادي بمجرد ارتكابه في النموذج أو الشكل المحدد له قانونا دون اشتراط حصول نتيجة ضارة.
أما من ناحية الضرر العام فهو محقق في جل الجرائم على اختلاف أنواعها،ولا يتصور وجود جريمة معينة دون اعتداء على مصلحة قانونية موضوع الحماية الجنائية، والجزاء عن الضرر العام هو إيقاع العقاب بالجاني.
وخلاصة القول أن إدارة الجمارك محقة في استخلاص العقوبات المالية في الجرائم الجمركية المرتبطة بقضايا المخدرات كموضوع لدعوى عمومية تقوم بتحريكها وفق الشكليات المقررة في المدونة والتي تعرضنا لها سابقا ولا يمكن قانونا عدم الحكم بالعقوبات المالية لها سابقا ولا يمكن قانونا عدم الحكم بالعقوبات المالية لها المقررة في المدونة استنادا لأسباب تتعلق بالضرر أو كونها غير مشروعة لأنها شروط تتعلق بقبول الدعوى المدنية ولا علاقة لها بالدعوى العمومية، ولا على أساس أن قيمتها غير محددة بالنظر لنص الفصل 219 من المدونة: إذا كانت الغرامة محددة بحسب قيمة الشيء الذي كان محل التهريب وجب أن يعتبر في حسابها قيمة الأشياء المحجوزة (البضائع ووسائل النقل) وقيمة الأشياء التي تعذر حجزها وفقا لما وقع إثباته بكل الوسائل القانونية.
والقيمة الواجب اعتمادها لحساب الغرامة هي قيمة الشيء في حالة جيدة بالسوق الداخلية في تاريخ ارتكاب التهريب ولو لم تكن البضائع المعينة محل تجارة مشروعة.
وإذا تبين للمحكمة أن عروضا أو مقترحات شراء أو بيع أو اتفاقات كيفما كان نوعها قد أنجزت أو أبرمت فيما يخص الأشياء المرتكب الغش بشأنها تعتمد على هذا الثمن لحساب مبالغ العقوبات المحددة في هذه المدونة استنادا إلى قيمة الأشياء المذكورة.
فواضح من هذا النص أن القيمة المعتمدة في حساب الغرامة هي قيمة المخدر في السوق الداخلية، وكلنا نعلم (وخاصة في الميدان العملي المتعلق بالزجر عن آفة المخدرات) إن ثمن غرام من الشيرة هو 10 دراهم في السوق الداخلية، كما أنه لا يخفى على جميع الأجهزة المكلفة بمحاربة هذه الآفة من ضباط الشرطة القضائية والأعوان باقي أنواع المخدرات من هروين وكوكايين وأفيون لها ثمن معين في السوق الداخلي.
وعلى أساس الفصل 118 من القانون الجنائي المتعلق بالتعدد المعنوي لكنه لا يطبق عندما يتعلق الأمر بقوانين خاصة.
droitetentreprise.com