الجزاءات التقليدية العقوبات السالبة للحرية والغرامة
تكمن أهمية الموضوع فيما خلفته العقوبات السالبة للحرية خصوصا القصيرة المدة في نفسية المحكوم عليهم وذويهم إلى غيرها من الآثار المتعددة والمتشابكة ، وبات الحديث عن العدول عن هذه العقوبات والاستغناء عنها ببدائل تحقق أهداف العقوبة، وتكافح الجريمة بدون اللجوء لسلب الحرية يشكل مطلبا يستحق العناية به.
لقد مرت العقوبة منذ القرن السابع عشر بمراحل متعددة واختلف حالها كثيرا عما كانت عليه قديما، وتتمثل مظاهر التطور الذي لحق بالعقوبة في العصر الحديث في جانبين، يتمثل الجانب الأول في التطور الذي لحق بالعقوبة من حيث تحديدها أما الجانب الثاني فيتمثل في التطور الذي لحق بالعقوبة من حيث أسلوب تنفيذها.
في ظل هذا التطور اهتدى الفكر الجنائي إلى العقوبات السالبة للحرية، كأنسب عقاب يمكن إحلاله محل العقوبات البدنية، التي دعا إلى إلغائها، ومنذ ذلك الوقت انشغل بضرورة إعادة النظر في المعاملة العقابية للمحكوم عليه ومراعاة الكينونة الإنسانية في التنفيذ العقابي، حتى يحقق العقاب الفائدة المرجوة منه بإعادة تأهيل المحكوم عليه ومراعاة الكينونة الإنسانية في التنفيذ العقابي، حتى يحقق العقاب الفائدة المرجوة منه بإعادة تأهيل المحكوم عليه للعودة مرة أخرى إلى الحياة الاجتماعية ويكون عضوا صالحا في المجتمع، كما أن هدف التأهيل يجب أن ينبني على أسس علمية دقيقة ومحكمة في إطار برنامج تهذيبي كامل، يزود المحكوم عليه بما يحتاج إليه من تربية دينية ومهنية وصحية تساعد على إعادة التوازن الذي أخلت به الجريمة المرتكبة وتساعد المحكوم عليه على تقويم اعوجاجه وتنشئة شخصيته على الأسس التي تقدمت، ومن المعلوم أن نجاح هذا البرنامج يقتضي وقتا كافيا لتطبيقه وتنفيذه داخل السجن وتجنيبه أي ظرف يمكن أن يفسد الغرض منه وهو الإصلاح والتأهيل كشعار للسياسة العقابية الحديثة التي أصبحت ترى في السجن مؤسسة اجتماعية تربوية، لا كمؤسسة للتحفظ على الجاني وإهماله[1].
وبالرغم من أن المؤسسات العقابية التي تنفذ فيها العقوبات وفرت بيئة- تختلف درجة نموذجيتها من دولة لأخرى ومن نظام عقابي لآخر – لإصلاح وتأهيل المحكوم عليهم ومراقبة سلوكهم، ليعودوا أكثر صلاحا لمجتمعاتهم دون الخشية من طرقهم أبواب الجريمة وترويع المجتمع مرة أخرى، غير أن هذه التجربة لم تحقق النتائج المرجوة منها كاملة بل في بعض الأحيان أتت بنتائج عكسية، مما أثار الشكوك حولها في أدائها للغرض المنوط بها، وعن مدى قدرة العقوبة السالبة للحرية على وجه الخصوص تلك التي تنفذ لمدة قصيرة على مكافحة الإجرام وذلك لعجزها عن تحقيق وظيفة الردع العام والردع الخاص وتحقيق العدالة.
وقد تعرضت العقوبات السالبة للحرية لجملة من الانتقادات بسبب ما آلت إليه من نتائج سلبية تتمثل في مجموعة من التنائج منها ما هو اجتماعي، اقتصادي، ومنها ما هو نفسي وعضوي يمس الشخص المحكوم عليه.
أمام هذه المؤشرات أوصت مجموعة من مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بشأن الوقاية من الجريمة وعلاج المجرمين بالبحث عن بدائل للحبس تطبق كجزاء للجناة، وسعت الدول إلى تطوير أنظمتها العقابية عبر ترشيد العقاب والبحث عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية تضمن تحقيق عدالة متزنة.
المبحث الأول: الأحكام العامة لبدائل العقوبات السالبة للحرية
بدائل العقوبات السالبة للحرية هي مجموعة من التدابير التي تحل محل السجن لإصلاح الجاني وحماية الجماعة أو للتثبت من المتهم والكشف عن حاله فما هي مبررات اللجوء لهذا البديل (المطلب الأول) وما مدى مشروعيته (المطلب الأول)؟
المطلب الأول: مفهوم بدائل العقوبات السالبة للحرية ومبررات اللجوء إليه
فهي عقوبات غير سجنيه ضد المذنبين، أو” عقوبات غير سجنيه بدلا من العقوبات السجنيه”[2].
مفهوم بدائل العقوبات يعاني في أدبياتنا العربية من أزمة كبيرة وقبلها عانى علم الجريمة والعقاب من أزمة الاختلاف في تعريف المصطلحات حتى داخل المدرسة الواحدة حيث تم إطلاق مسميات على البدائل لا تتفق تماما مع مفهومها كما نراه ونتصوره، ومن تلك المسميات : العقوبات البديلة، بدائل عقوبة السجن، بدائل العقوبات السالبة للحرية، فهذه المسميات تحمل عوامل نقضها في داخلها، للأسباب الآتية:
أولا – أن إطلاق مسمى العقوبات البديلة على البدائل لا يستقيم لغة ، فمن الناحية اللغوية لا يصح أن يُقال العقوبات البديلة للعقوبات، ومن ناحية أخرى نجد أن هذا المسمى قد جعل البدائل عقوبات هي أيضا.
ثانيا- يتعارض مسمى بدائل العقوبات السالبة للحرية مع الواقع، لأن البديل نفسه قد
ينطوي على سلب حرية الجاني ولو بصورة جزئية، كتحديد الإقامة، والسوار الإلكتروني، والمبيت في مركز الشرطة.
ثالثا – كل المسميات والتعريفات السابقة وغيرها مما اطلعت عليه قد سَجَنَتْ البدائل في زاوية ضيقة جدا عندما قرنتها بالعقوبة وكأن مجال تطبيق البدائل منحصر إزاء عقوبة صدر الحكم بها في حين أن البدائل قابلة للتطبيق في جميع مراحل الدعوى الجنائية، فيمكن أن يكون لدينا بدائل للقبض والتحقيق، وبدائل للمحاكمة.
ومما سبق تتضح الحاجة الملحة لفهم العقوبات التي تطبق في مجتمعاتنا أولا، ومن ثم فهم البدائل[3]..
مبررات اللجوء إلى بدائل العقوبات السالبة للحرية
مضى زمن كانت الغاية من العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية هي الانتقام. والبشرية بصدد الانتقال إلى غايا ت أسمى: تصحيح سلوك المحكو م عليه وتوفير فرص مناسبة لإ عادة تربيته من جديد، بما يكفل له العودة إلى المجتمع بسلاسة ويمكنه من الاندماج فيه من جديد . مما يتطلب:
– تهييئ السجين للاندماج في المجتمع؛
– العمل على أن يُقبَل من طرف المجتمع لكون نبذ محيطه له قد يدفعه للعودة إلى الإجرا م
– كون السجون أصبحت غير قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من المعتقلين بسبب العقوبات السالبة للحرية.
– وعلى المستوى المالي، فهذه العقوبة مكلفة جدا. فعلى سبيل المثال تصرف فرنسا على كل سجين يوميا 120 أورو، وهو مبلغ يضاعف ثلاث مرات تكلفة طالب جامعي. عقوبات مكلفة، تتطلب ميزانيات ضخمة كإمكانيات بشرية )الشرطة، رجال القضاء كباقي مساعدي العدالة، الحراسة ، نقل السجناء، أطر المؤسسات السجنية … ) … وليتساءل الواحد منا ماذا لو كانت هذه المبالغ الهائلة التي تتكبدها ميزانية م الدولة ويتحملها دافع الضرائب لتنفيذ العقوبة وتحويل جيوش من المواطنين إلى عاطلين وإلى عالة على ميزانية الدولة كالأسر، ماذا لو ذهب جانب منها للوقاية )تحسين ظروف العيش بالنسبة لفئات اجتماعية عريضة؛ توفير فرص الشغل؛ التكفل بالأطفال في وضعيات صعبة … (، ألا يسمح مثل هذا الاختيار بالتصدي لظاهرة الجنوح والإجرام واستئصال نزعات الانحراف في مهدها؟؛
-كون السجون تحولت، بفعل الاكتظاظ وغياب الوسائل الضرورية )البشرية كاللوجستية والمالية … ( ليس لمؤسسات للتأهيل وإعادة التربية وتعليم الحرف كالصنائع (…) ، وإنما إلى مجرد مدارس لتعليم وتكوين مجرمين جدد[4].
ان التجربة والواقع العملي أثبتت عجز مؤسسة السجن عن تهيئة الجو الطبيعي لتنفيذ مفردات المعاملة الإصلاحية فاتجه التفكير في بعض الأقطار العربية إلى التخفيف من عقوبة الحبس بإنشاء السجون المفتوحة ذات الحراسة الدنيا، كمرحلة انتقالية تهيئ السجين للخروج إلى العالم الخارجي أو إتاحة الفرصة له للاتصال بالعالم الخارجي بأجازات شهرية مشروطة وتزايدت الدعوات للحد من استخدام عقوبة الحبس واستبدالها بعقوبات أخرى ذات طبيعة غير سالبة للحرية، وذلك لعدم جدوى أحكام الحبس القصيرة لعدم إتاحتها الوقت الكافي لتنفيذ البرامج الإصلاحية التي تضعها إدارات السجون. ان عقوبات الحبس القصيرة المدة، أخذت تشكل نسبة كبيرة من مجموع أحكام الحبس الأخرى لذلك فأن اعتماد بدائل غير سالبة للحرية يخفف العبء عن السجون ويمنع انقطاع المحكوم عن ممارسة حياته الاعتيادية في مجتمعه الطبيعي كما ييسر له القيام بإعالة أسرته إضافة لإبعاده عن التأثر بسلبيات السجن[5].
تبنى السياسة الجنائية على ثلاثة مقومات هي التجريم والعقاب والمنع، وإذا ما أردنا معرفة أين تفَُعَّل البدائل من هذه المقومات فسنجد أن لها مكانا في المقومات الثلاثة كلها. ففي مجال التجريم تتخذ البدائل مكانا مهما يتمثل في نزع الصفة التجريمية عن الأفعال التي لا تشكل خطورة كبيرة على اﻟﻤﺠتمع. وفي مجال العقاب تظهر البدائل في صورة تكاليف بدلا عن العقوبة ومختلفة عنها.
وفي مجال المنع تقوم البدائل بالسيطرة على سلوك الجاني وتوجيهه طوال مدة تطبيق البديل، وستظهر نتائج البديل في صورة موجهات لسلوك الجاني في مستقبل حياته. كما أن للبدائل مكانا مهما في مكافحة الجريمة يظهر في مجال الوقاية من الجريمة. إذ تدرأ الألم البدني والنفسي الذي يورث حقدا في مجال الوقاية من جرائم العود وتخفف من نقمة الجناة على اﻟﻤﺠتمع ونظمه، وتيسر لهم التكيف مع أنفسهم ومع مجتمعهم. لقد باتت القناعة راسخة بأن عقوبة السجن تجاه الأحداث، مثلا، لا تؤدي إلى أي نتائج إيجابية قياسا على السلبيات المترتبة عليها[6].
– مشروعية البدائل:
أ- مشروعية البدائل في التشريعات المعاصرة: أصبحت البدائل في معظم التشريعات المعاصرة من ثوابت السياسة الجنائية، وركن من أركان العدالة الجنائية، إلى حد أن الأمم المتحدة أصدرت بشأنها مذكرات توجيهية حول الجريمة والعدالة الجنائية، و أدرجت البدائل في عدد من مؤتمرات وتوصيات ومشاريع تنظيمية، وتمت صياغة قواعد الحد الأدنى للبدائل (قواعد طوكيو 1987 ). فالحديث عن مشروعية البدائل في التشريعات المعاصرة لا يقدم جديداً، لكونها باتت حقيقة معروفة لا تحتاج إلى دليل، ومن أشهر البدائل التي طبقت في دول العالم المتقدم:
الاختبار القضائي، والتعهد بالشرف، وخدمة اﻟﻤﺠتمع، والرقابة الإلكترونية، والحبس المنزلي، والغرامة، وتعليق النطق بالحكم، ونظام شبه الحرية، والحرمان من بعض الحقوق، والعمل للمصلحة العامة.
ب – مشروعية البدائل في الاتجاه الإسلامي: بالنظر إلى تقسيم الاتجاه الإسلامي للعقوبات من حيث وجوب الحكم إلى عقوبات مقدرة من الله ورسوله وتسمى عقوبات الحدود والقصاص والديات والتكفير عن الذنب. وعقوبات لم يرد النص بقدرها وتسمى العقوبات التعزيرية وهذه متُروك أمرها للقاضي يقدرها كيف ما يشاء – فإن مشروعية بدائل العقوبة لا تزال غير واضحة لدى كثير من فقهاء الإسلام المعاصرين؛ ففي مجال عقوبات الحدود يرون أنه لا يمكن زيادة تخفيضها ولا إبدالها. وعلى الرغم من رأيهم هذا نجد أن هناك أحاديث ووقائع من السنة المطهرة لا تخلوا من الربط بينها وبين البدائل في مجال عقوبات الحدود؛ فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إدرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة).( 1) وقال عليه الصلاة والسلام:(أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيق بديل لحد الحرابة والفساد في الأرض التي حدد الله تعالى عقوبتها بقطع الأيدي والأرجل من خلاف، حيث طلب من الجناة أن يعلموا عددا من أبناء المسلمين القراءة والكتابة مقابل عدم تنفيذ هذه العقوبة عليهم وهذه هي بدائل العقوبة بعينها[7].
المطلب الثاني : المؤتمرات الدولية الخاصة ببدائل العقوبات السالبة للحرية
عقدت الامم المتحدة على امتداد أكثر من نصف قرن مؤتمرات تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لمنع اتساع الجريمة ، وقد كان لهذه المؤتمرات الخماسية تأثير في سياسات العدالة الجنائية وفي الإجراءات والممارسات الوطنية والمهنية في جميع أنحاء العالم في زمن إتخذت فيه الكثير من المشاكل المعاصرة بما في ذلك الجريمة بعداً عالميا، الامر الذي جعل هذه المؤتمرات ذات أهمية بالغة كونها اصبحت جسر للتعاون الدولي ، ولم تأتي الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لوضع الخطوط التوجيهية الدولية للعدالة الجنائية من فراغ، فمنذ عام 1872 أنشأت اللجنة الدولية للسجون- والتي صارت فيما بعد اللجنة الدولية للعقوبة والاصلاح وذلك أثناء مؤتمر دولي لتقديم توصيات لإصلاح السجون ، وأصبحت اللجنة الدولية للعقوبة والاصلاح تابعة للأمم المتحدة ، وواصلت عقد مؤتمرات مكافحة الجريمة مرة كل خمس سنوات. وبعد حلها في اعقاب الحرب العالمية الثانية، إنتقلت مهام اللجنة الدولية للعقوبة والاصلاح إلى الأمم المتحدة في عام 1950، بما في ذلك مهمة عقد المؤتمرات الدولية كل خمس سنوات والتي تعنى بمكافحة الجريمة. فلقد عقد حتى الآن 12 مؤتمراً دولياً لمنع الجريمة والعدالة الجنائية ، وستستضيف دولة قطر في العام 2015 المؤتمر الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية بعاصمتها الدوحة.
المؤتمر الأول ، جنيف عام 1955 :
عقد مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في جنيف سبتمبر1955 وعني في المقام الأول بمعاملة الجانحين الأحداث والسجناء , فقد شهد عدد الجانحين الأحداث والسجناء ارتفاعاً سريعاً جداً في أوروبا ما بعد الحرب , ونظر المؤتمر الأول في امكانيات إقامة مؤسسات عقابية وإصلاحية “مفتوحة” واختيار موظفي السجون وتدريبهم واستخدم السجناء كيد عاملة استخداماً سليما , وأقر المؤتمر الأول مجموعة من القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء, استندت إلى تنقيحات اللجنة الدولية لما أقرته عصبة الأمم من معايير , وقد أقرت القواعد الدنيا النموذجية لاحقا من جانب المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قراره 663 جيم (د-24) المؤرخ31/تموز 1957 , ثم وسع المجلس نطاقها في قراره 2076(د-62) المؤرخ13 أيار/1977 , فأصبحت نموذجاً أوليا للصكوك النموذجية والمعايير والقواعد والمبادئ التوجيهية المتعلقة بإدارة العدالة الجنائية.
المؤتمر الثاني في لندن ، عام 1960:
كان الإجرام الناشئ عن التغيرات الاجتماعية التي صاحبت التطور الاقتصادي السريع , بما فيها جنوح الأحداث , هو محور اهتمام مؤتمر الأمم المتحدة الثاني لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين , الذي عقد في لندن 1960, وكانت طائفة المسائل التي نوقشت فيه أوسع مما ناقشه المؤتمر الأول , اذ شملت : انشاء أجهزة شرطة خاصة لمنع جنوح الأحداث , وتأثير وسائل السجن القصير الأمد وعمل السجناء , وانتقال السجناء المفرج عنهم الى الحياة المجتمعية وأوصى المؤتمر كافة الدول بالعمل على ألا يحكم قضاتها الجنائيون قدر المستطاع بعقوبة قصيرة المدة، وأن يحلوا محلها: وقف التنفيذ، أو الإختيار القضائي، أو الغرامة، أو العمل في ظل نظام من الحرية المشروطة ، أو الإيداع في مؤسسة مفتوحة
المؤتمر الثالث في ستوكهلم، عام 1965:
حضرت بلدان العالم الثالث المستقلة حديثا بأعداد كبيرة لأول مرة في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين , الذي عقد في ستوكهولم 1965 , وركز ممثلو 74 حكومة مشاركة على المسائل التالية : تقديم المساعدة التقنية في ميدان منع الجريمة والعدالة الجنائية , إجراء بحوث في الإجرام موجهة نحو منع الجريمة ونحو التدريب المهني , والإيصاء باستخدام مستشارين اقليمين للأمم المتحدة.
المؤتمر الرابع بكيوتو باليابان، عام 1970:
كان مؤتمر الأمم المتحدة الرابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين , الذي عقد في كيوتو , اليابان 1970, وكان الموضوع المحوري العام للمؤتمر هو “الجريمة والتنمية” وأولي فيه اهتمام خاص بشأن سياسات الدفاع الاجتماعي والوقاية المستندة إلى المجتمع المحلي , ومشاركة عامة الناس في منع الجريمة. وناقش المؤتمر الرابع أيضاً تنفيذ القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء في كل دولة على حدة , وأظهر استقصاء للدول الأعضاء أن المعايير أسهمت في تعزيز الحقوق الإنسانية الأساسية لملايين السجناء.
المؤتمر الخامس بجنيف، عام 1975:
ان الموضوع المحوري لمؤتمر الأمم المتحدة الخامس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين , الذي عقد في جنيف من1 إلى 12 ايلول/ سبتمبر 1975 هو “منع الجرمية ومكافحتها – التحدي الماثل في الربع الأخير من القرن” وهو بصدد تناول موضوع ” معاملة المجرمين داخل السجون، وفي رحاب الجماعة ” أوصى المؤتمر, بالبحث عن بدائل للحبس، تطبيق كجزاء للجناة في المجتمع الحر.
المؤتمر السادس بكراكاس، عام 1980:
عقد مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في كراكاس 1980, كان المؤتمر السادس أول مؤتمر يعترف بأن برامج منع الجريمة يجب أن تستند الى الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للبلدان , وتشكل جزءا من عملية التخطيط الإنمائي , كان من أبرز موضوعاته بدائل السجن وقد انتهى إلى أن البدائل يمكن أن تكون في حالات عديدة أكثر فعالية من السجن ، ودون تعريض السلامة العامة للأخطار ، بل ويمكن تطوير هذه البدائل.[8] وقد اعتمد في توصيته رقم 8 ما نصه” العمل على نشر التدابير البديلة لعقوبة السجن في العالم على نطاق واسع، وذلك بإدخالها ضمن التشريعات الجزائية وإعطاء أجهزة العدالة الجنائية التأهيل اللازم لفهمها وتطبيقها واعتمادها”.
المؤتمر السابع بميلانو، عام 1985:
كان الموضوع المحوري لمؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في ميلانو 1985 هو “منع الجريمة من أجل الحرية والعدالة والسلم والتنمية” .
اعتمد المؤتمر في توصيته رقم 16 ما نصه: وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لعلاج ظاهرة تكدس السجناء، والاستعاضة ما أمكن عن عقوبة السجن بالتدابير البديلة والمؤهلة لإعادة دمج المحكوم عليهم في الحياة الاجتماعية، كأعضاء فاعلين واذ يؤكد ان الجزاءات التي لا تشترط الحبس تمثل طريقة انسانية لتسهيل جهود اعادة التأهيل التي تبذل بشأن الافراد المحكوم عليهم،و اوصى بما يلي:
1- يوصي بأن تعمل الدول الاعضاء على زيادة جهودها الرامية الى الحد من الاثار السلبية للسجن.
2- يوصي الدول الاعضاء كذلك، بتكليف البحث عن الجزاءات المعقولة التي لا تشترط الحبس كوسيلة لتخفيض اعداد السجناء.
3- يطلب من لجنة منع الجريمة ومكافحتها ان تقوم بدراسة مسألة الجزاءت التي لا تشترط الحبس والتدابير الرامية الى الاندماج الاجتماعي للمجرمين مع مراعاة جملة امور.
المؤتمر الثامن بهافانا، عام 1990:
عقد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة والعدالة الجنائية في هافانا 7سبتمبر1990 وقد ضمن بنود جدول أعماله المشاكل الناجمة عن السجن وسائر الجزاءات الجنائية والتدابير البديلة لها ، حيث أوصى باعتماد قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية )المعروفة بقواعد طوكيو( [9]، التي تضم ضمن ما تضم عدم جواز اللجوء إلى الاحتجاز السابق على المحكمة في الإجراءات الجنائية إلاّ كملاذ أخير[10] .
المؤتمر التاسع بالقاهرة، عام 1995:
عقد مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في القاهرة 1995 وواصل المؤتمر التاسع تطوير حافظة تدابير الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية إذ أوصى هو الآخر بحثّ الدول الأعضاء على تعزيز التدابير غير الاحتجازية وتقليل استخدام الاحتجاز ، وتخفيف عدد نزلاء السجون[11].
المؤتمر العاشر بفيينا، عام 2000:
عقد مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في فيينا من 10 الى 17 أبريل 2000 وكان الموضوع المحوري للمؤتمر العاشر هو الجريمة والعدالة : مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين , وحضر المؤتمر العاشر مئات من ممثلي الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية وحظي موضوع الاعتقال السابق للمحاكمة باهتمام من طرف المشاركين إذ أعلن المؤتمر التزامه في التوصية رقم 26 باعطاء اولوية للحد من تزايد عدد السجناء واكتظاظ السجون بالمحتجزين قبل المحاكمة، من خلال ترويج[12] بدائل مأمونة وفعالة للحبس، حسب الاقتضاء.
المؤتمر الحادي عشر، بانكوك عام 2005:
أعلن في توصيته 2 بأن تنظر الدول في استعمال بدائل للسجن بشأن فئات مناسبة من الجرائم والمجرمين[13].
المؤتمر الثاني عشر سلفادور – البرازيل، عام 2010:
وقد أولى المؤتمر أهمية خاصة لجنوح الأحداث وأعلن ضمن استنتاجاته وتوصياته في توصيته 1 بأنه لا يجوز احتجاز أي طفل إلا كملاذ أخير. ويجب أن يكون الاحتجاز لأقصر فترةزمنية مناسبة وألا يُفرض إلا إذا لم يكن هناك إجراء بديل يساهم في إعادةاندماج الطفل وإعادة تأهيله[14].
قواعد الامم المتحدة الدنيا النموذجية للتدابير غير الاحتجازية –قواعد طوكيو-
يكمن الغرض من التدابير غير الاحتجازية عمومًا وقواعد طوكيو خصوصا في العثور على بدائل فعالة لسجن المجرمين وتمكين السلطات من تكييف العقوبات الجنائية بحسب احتياجات الفرد المجرم على النحو الذي يتناسب والجريمة المرتكبة. ومزايا الحكم بحسب ظروف الحالة على هذا النحو واضحة بالنظر إلى أنها تسمح للمجرم بالبقاء حرًا طليقا وتمكنه من ثم من مواصلة العمل والدراسة والحياة الأسرية .
تخضع التدابير غير الاحتجازية، من ناحية أخرى لشروط وقيود يشكل انتهاكها في الحالات الخطيرة إلى السجن. ومع ذلك وحفاظا على حقوق الإنسان وكرامته يجب وضع معايير لفرض وتنفيذ أية تقييدات وشروط وإن واحدا من الأغراض الرئيسية لقواعد طوكيو هو محاولة تحديد هذه المعايير الواجب أن تعتبر معايير دنيا تهدف إلى التشجيع على “بذل جهود للتغلب على المصاعب العملية التي تواجه في تطبيق تلك التدابير”. وبالتالي، ليس المقصود بهذه القواعد أن تقرأ كنموذج مفصل يخص نظاما للتدابير غير الاحتجازية بل هي بكل بساطة تحدد معالم “ما هو مسلم به عموما بوصفه من المبادئ الحسنة والممارسات الجيدة الراهنة” في هذا المجال[15].
خاتمة
العقوبة البديلة ستبقى تواجه المصاعب وان الإقبال التشريعي عليها مازال متواضعا، وإٕن ما سوف يعزز موقعها في المستقبل الضمانات التي تحيط بتطبيقها، ومهما قيل عنها فإن موضعها اليوم في محور السياسة التشريعية، لكونها قدمت كحل للعديد من المشكلات، بما يعني أن عوامل الدفع باتجاهها كثيرة ومتصاعدة.
كما يلاحظ أن المشرع المغربي في باب بدائل العقوبات السالبة للحرية ما يزال بعيدا كل البعد ورصيده في تطبيق البدائل قليل، ومحصورة في نظام وقف التنفيذ ونظام الإفراج الشرطي غير أن هذا الأخير لا يوجد له تطبيق في العمل القضائي بخلاف وقف التنفيذ مقارنة مع التشريعات المقارنة التي تحفل بالعديد من تطبيقات بدائل العقوبات السالبة للحرية.
لائحة المراجع
الكتب
- أيمن رمضاني الزيني، العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وبدائلها (دراسة مقارنة)، الطبعة الأولى 2003.
- لطيفة المهداتي، الشرعية في تنفيذ العقوبات، طبعة 2005.
- محمد عياض، دراسة في قانون المسطرة الجنائية طبعة رابعة 1992
المجلات:
- فتحي الجواري، العقوبات البديلة، مجلة التشريع والقضاء،بغداد العدد الثالث، 2009،
- باسم شهاب، عقوبة العمل للنفع العام في التشريع الجزائري، مجلة الشريعة والقانون، العدد 56، السنة 27، كلية القانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، أكتوبر 2013.
- رجاء ناجي المكاوي، الجزاءات التقليدية: العقوبات السالبة للحرية والغرامة hptt// :www.justice.gouv.fr..
الرسائل والأطروحات
- الناصري أبو بكر بدر الدين، بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريع المغربي والمقارن، بحث لنيل الماستر في القانون الخاص، بجامعة عبد الملك السعدي، طنجة، 2011-2012
ندوات
- مضواح بن محمد آل مضواح، بدائل العقوبات السالبة للحرية، مفهومها وفلسفتها، ندوة بدائل العقوبات السالبة للحرية بالتعاون ما إدارة السجون الجزائرية الجمهورية الجزائرية جامعة نأيف العربية للعلوم الأمنية / الجزائر 102012/12/12-.
- رضا متولي وهدان، ضوابط العمل بالعقوبات البديلة، ورقة عمل شارك بها في ملتقى ( الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة) ضمن مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء – المراحل العلمية . والذي تقيمه وزارة العدل خلال الفترة من 17-19/11/1432هـ.
- موسي مسعود إرحومة، مداخلة بعنوان: الحد من سلب الحرية )الفلسفة والآليات(، في : مؤتمر الجريمة في المجتمع المعاصرالأبعاد الاجتماعية والقانونية ، نظمتها جامعة قاريونس ومركز البحوث والاستشارات، بنغازي/ليبيا، 10-12/05/ 2010
- https://www.droitetentreprise.com/بدائل-العقوبات-السالبة-للحرية-من-خلال/