الحق في الكراء كضمانة للمكتري وفق القانون رقم 49.16
يعتبر الحق في الكراء من بين الحقوق المهمة التي يحظى بها المكتري (التاجر) في إطار عقد الكراء التجاري ، و التي لها علاقة بالنشاط التجاري الذي يمارسه .
الحق في الكراء ليس من الحقوق المستجدة التي جاء بها القانون رقم 49.16 الجديد ، و إنما هو من الحقوق القديمة جدا التي ظهرت منذ اكتشاف العلاقة الكرائية[1] ، و حتى بالرجوع لظهير 24 ماي 1955 الملغى نجده يكرس الحق في الكراء، لكن نظرا للإجراءات و الشروط المعقدة التي كان يضعها هذا الظهير لاكتساب الحق في الكراء فإن المشرع حاول تجاوز هذا التعقيد و الإطناب في الشكلية و الإجراءات من خلال سن القانون رقم 49.16 الذي جاء بعدة مستجدات في هذا الباب .
و لو أردنا استبيان الغاية من إقرار الحق في الكراء للمكتري ، فإننا نستطيع القول أن هذا الأخير يعتبر أكبر ضمانة للمكتري في مجال الكراء التجاري،
و ذلك حفاظا على النشاط التجاري الذي يمارسه المكتري التاجر و اعترافا له بالملكية التجارية، و تمكينه كذلك من المحافظة على رصيده من الزبناء و السمعة التجارية التي يكتسبها بمناسبة استغلاله للأصل التجاري في المحل المكترى .
و في كثير من الأحيان نجد أن المحل و العقار المكترى يلعب دورا مهما في جذب الزوار و الزبناء إما لموقعه الاستراتيجي أو لتواجده في شارع جيد … الخ
من خلال كل ما سبق ذكره ، يمكن القول أن الحق في الكراء من الحقوق المهمة التي يكتسبها التاجر وفق شروط مسطرة قانونا (المحور الأول) ، و هو ما يخول للمكتري عدة حقوق و صلاحيات أخرى لها علاقة وطيدة بالحق في الكراء (المحور الثاني) .
المحور الأول : شروط اكتساب الحق في الكراء
لاكتساب الحق في الكراء التجاري يلزم توافر مجموعة من الشروط التي يمكن استخلاصها من القانون رقم 49.16 المنظم للكراء التجاري ، و تتلخص هذه الشروط في :
أولا : عقد كراء صحيح مستجمع للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 49.16 ، و هنا نعني بالذات خضوع الكراء للقانون رقم 49.16 ، أي أن يكون العقار أو المحل المكترى من بين العقارات التي أدخلها المشرع صراحة في نطاق تطبيق القانون رقم 49.16 الواردة في المادتين 1 و 2 .
و أول ما يمكن أن نعيبه على هذا المقتضى أن المشرع حرم مجموعة من الفئات التي تمارس التجارة من المقتضيات الحمائية التي جاء بها القانون رقم 49.16 ، و نخص بالذكر هنا التجار الذين يزاولون تجارتهم داخل المراكز التجارية الكبرى و كذلك التجار الذين يمارسون تجارتهم في محلات و عقارات مملوكة للدولة أو للأوقاف ، كما هو الشأن بالنسبة للتجار في محطات القطار و المطارات و مختلف المرافق العمومية الأخرى[2] .
و نستغرب لحال هذا المشرع الذي أدخل بعض الفئات في نطاق تطبيق القانون رقم 49.16 رغم كونها لا تزاول التجارة بالمعنى الدقيق للكلمة، كما هو الشأن بالنسبة للمصحات الطبية الخاصة و المؤسسات التعليمية الخاصة و استثنى أشخاص يعتبرون تجارا دون نقاش .
و ثاني شيىء يمكن الوقوف عنده ، هو شرط الكتابة ، فهذا الشرط الوارد في المادة الثالثة من القانون رقم 49.16 يخلق أكثر من اشكال حول طبيعة الكتابة الواردة في هذا القانون، و لعل ما زاد الأمر تعقيدا هو انعدام النص على جزاء معين يترتب عن تخلف الكتابة في الكراء التجاري، مما جعل البعض يصنفها – أي الكتابة – بأنها شرط انعقاد استنادا على الوجوب الذي ذكره المشرع في المادة الثالثة، و هناك اتجاه آخر يرى أن الكتابة شرط اثبات فقط نظرا لغياب أي جزاء يلحق العقد بتخلفها.
و هناك رأي ثالث و هو الذي نؤيده و نرى أنه أقرب للصواب ، و الذي يرى بأن الكتابة في القانون رقم 49.16 هي شكلية تطبيق للقانون ، بحيث بتخلفها لا يمكن إخضاع العقد للقانون رقم 49.16 و إنما يخضع للشريعة العامة (ظهير الالتزامات و العقود).
و هذا الرأي يوافق ما جاء في المادة 37 من القانون رقم 49.16 و كذلك ما جاء في الأعمال التحضيرية لنفس القانون .
ثانيا : شرط المدة
لا يكتسب المكتري في إطار عقد الكراء التجاري الحق في الكراء إلا بمرور مدة حددها المشرع في سنتين ، بحيث يمارس المكتري أنشطته التجارية و يستغل أصلا تجاريا في المحل أو العقار المكترى طيلة هذه المدة و بدون انقطاع .
و يرد على هذا المبدأ استثناء وحيد و هو المتعلق بالمكتري الذي قدم مقابلا للحق في الكراء عند التعاقد ، بحيث يستفيد هذا المكتري من الحق في الكراء منذ الوهلة الأولى و دون حاجة لقضاء مدة سنتين متواصلتين من الاستغلال.
و هذا المقتضى بدوره يطرح أكثر من إشكال، سواء من حيث تكييف عملية الحصول على الحق في الكراء عند التعاقد، أو من حيث طريقة اثبات أو نفي وجود استغلال متواصل طيلة سنتين للمحل .
بالنسبة لتكييف عملية بيع الحق في الكراء للمكتري عند التعاقد فهذا يعتبر من المستجدات التي جاء بها القانون رقم 49.16 حسما للخلاف و النزاع الذي كان يثار حول ما يصطلح عليه ببيع “الساروت” أو بيع المفتاح ، الذي خلق اشكالات عويصة في ظل ظهير 24 ماي 1955 الملغى ، أما بصدور القانون رقم 49.16 الجديد فقد أصبح المكري (المالك للعقار) له الحق في بيع “الحق في الكراء” عند التعاقد و يتم توثيق ذلك كتابة، و هذا ما يجعلنا نتساءل هل الحق في الكراء يملكه المكري ليستطيع بيعه ؟
لو عدنا للبحث قليلا في الحق في الكراء سنجده من الحقوق المكفولة للتاجر حماية لتجارته و رصيده من الزبائن و أصله التجاري بشكل عام و يكتسبه وفق شروط محددة سلفا، و بالتالي من غير المعقول بأن المكري يستطيع الحصول على مقابل للحق في الكراء في مرحلة التعاقد، و فاقد الشيىء لا يعطيه كما يقال.
أما بخصوص اثبات استغلال المحل لمدة سنتين بدون انقطاع فهنا يمكن الاستعانة بمبدأ الحرية في الاثبات المعمول به في المجال التجاري[3]، و على من يدعي أن المكتري لم يستغل المحل هذه المدة (سنتين) اثبات ذلك .
المحور الثاني : الحقوق المرتبطة بالحق في الكراء
الحق في الكراء كحق أصلي ممنوح للمكتري في إطار عقد الكراء التجاري يخول أو يمنح للمكتري حقوقا أخرى تتفرع عنه، و من ضمنها الحق في تفويت “الحق في الكراء” إما لوحده أو مع باقي العناصر الأخرى المشكلة للأصل التجاري ، كما يعطي الحق للمكتري في نقل الكراء للغير أو ما يطلق عليه بالكراء من الباطن.
للتفصيل أكثر في هذه النقط سنتحدث عن تفويت الحق في الكراء (أولا) ثم نتطرق للكراء من الباطن من حيث الشروط و الآثار (ثانيا) .
أولا : تفويت الحق في الكراء
يعتبر الحق في الكراء من العناصر التي تدخل في تشكيل الأصل التجاري حسب منطوق المادة 80 من مدونة التجارة و التي جاء فيها :
” يشتمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء و سمعة تجارية و يشمل أيضا كل الأموال الأخرى الضرورية لاستغلال الأصل كالإسم التجاري و الشعار و الحق في الكراء … “ .
و ما دام الحق في الكراء من عناصر الأصل التجاري فإن التاجر له الصلاحية في تفويت هذا الحق إما بشكل مستقل أو بشكل كامل مع باقي عناصر الأصل التجاري.
و يعتبر التفويت من الحقوق المخولة للمكتري ، و دون الحاجة لموافقة المكري بل يكفي إخباره بحصول تفويت الحق في الكراء ، سواء تم التفويت بشكل مستقل أو مع باقي العناصر الأخرى ، و ذلك لتمكين المكري من ممارسة حقه في طلب الفسخ أو إبطال التفويت إن كان لذلك محل ، و كذلك للمكري ممارسة الحق في الأفضلية الذي يمكنه من استرجاع المحل إذا أدى الثمن المقدم من المشتري و القيام بهذه الإجراءات داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغه بحصول التفويت ، و ذلك كله تحت طائلة سقوط حقه من ممارسة الحق في الأفضلية .
و لابد من الإشارة في ختام هذه الفقرات أن المشرع يسير في طريق تعميم شكلية الكتابة في المجال التجاري، و هذا ما نلمسه من خلال المادة 25 التي جعلت من عملية التفويت خاضعة لشكلية الكتابة ، حيث يتم التفويت بعقد رسمي أو عرفي ثابت التاريخ دون أن ننسى باقي الإجراءات الأخرى المتعلقة بالتفويت المنصوص عليها – أي الإجراءات – في مدونة التجارة .
ثانيا : الكراء من الباطن (انتقال الكراء)
نص المشرع على حق المكتري في إكراء المحل من الباطن في المادة 24 ، و يعتبر هذا الحق من الحقوق الثابتة للمكتري بصفة أصلية ، و لكن يمكن للطرفين الاتفاق على منع عملية الإكراء من الباطن للمحل المكترى ، و هذا ما يعني أن الحق في الكراء من الباطن ليس من النظام العام ، و يمكن في أي وقت الاتفاق على تقييد الحق بشروط أو حذفه من الأصل بموجب اتفاق صريح في العقد .
و كمقارنة بسيطة بين ظهير 24 ماي 1955 و القانون رقم 49.16 الجديد نجد أن الكراء من الباطن ليس هو الآخر من المستجدات و إنما كان حاضرا في الظهير الملغى تحت تسمية “التولية” ، و صار في القانون رقم 49.16 يطلق عليه “الكراء من الباطن” ، و قد تم قلب قاعدة الأصل ، حيث أصبح الحق في الكراء من الباطن هو الأصل إذا لم يتفق الطرفان (المكري و المكتري) على منعه ، عكس الظهير الملغى حيث كان الكراء من الباطن ممنوعا إلا في حالة الاتفاق عليه في العقد .
- شروط الكراء من الباطن :
لإعمال الحق في الكراء من الباطن الممنوح للمكتري يجب احترام مجموعة من الشروط و الإجراءات التي تصب كلها في اتجاه منح المكري و المكتري حقوق متوازنة و متساوية ، و نلخص الشروط في :
- عدم وجود منع اتفاقي في العقد ، حيث إن المكتري لا يمكنه و ممارسة حقه في الكراء من الباطن إذا كان هناك شرط أو اتفاق في عقد الكراء التجاري يمنعه من مزاولة هذا الحق .
- إخبار المكري بعملية الكراء من الباطن و بالتالي تخويل المكري الحق في ممارسة مجموعة من الإجراءات مثل طلب الفسخ أو الإبطال … الخ .
و ما يعاب على هذا المقتضى هو أن المشرع لم يحدد المدة التي يجب أن يحصل فيها الاخبار و التبليغ .
في الختام لابد لنا أن نؤكد على أن الحق في الكراء هو من الضمانات القوية التي رصدها المشرع للمكتري التاجر في إطار الكراء التجاري، و لا يستقيم استمرار النشاط التجاري و صيانة رصيد الزبناء دون هذا الحق، كما نتمنى أن يتراجع المشرع المغربي عن موقفه إزاء التجار العاملين في عقارات تابعة للدولة (احتلال الملك العمومي مؤقتا) و المحلات داخل المراكز التجارية الكبرى، فهؤلاء هم تجار و يجب أن يستفيدوا من الحق في الكراء كضمانة من الضمانات التي جاء بها القانون رقم 49.16 .
الهوامش :
[1] – عرف الحق في الكراء قبل بداية عصر التقنين و التشريع، خصوصا في الفقه الاسلامي حيث نجد “حق الجلسة” كحق عيني يتعلق بالمحلات التي يمارس فيها نشاط تجاري، يقابله “حق الحسكة” في الفقه اليهودي العبري .
[2] – السبب وراء منع هؤلاء التجار من الاستفادة من قانون الكراء التجاري أنهم لا يكتسبون الأصل التجاري الذي يقوم بشكل أساسي على الزبناء و السمعة التجارية، فهؤلاء التجار ليس لهم زبناء قارون و بالتالي فضل المشرع استبعادهم من دائرة الأشخاص الذين يستفيدون من الكراء التجاري .
[3] – المادة 334 من مدونة التجارة maroclaw.com