الخبرة القضائية و مسؤوليات الخبير
كثيرا ما أصبح يلاحظ لجوء القضاء في السنوات الأخيرة إلى الاستعانة بالجزاء باعتبار أن الخبرة إجراء من إجراءات التحقيق بشأن المواضيع التي ليس سهلا على محاكم الموضوع إدراكها أو التقرير فيها .
و قد نظم المشرع المغربي الخبرة القضائية ضمن الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية وخاصة في الفصول من 59 إلى 66 فيه، لكنه لم يعرف الخبرة وإنما اكتفى في الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية بالإشارة إلى ما يلي:
” … يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا، قبل البث في جوهر الدعوى أن يأمر بإجراء خبرة … “
إلا أنه يستنتج من الأحكام القانونية المذكورة أن الخبرة هي في جوهرها إجراء من إجراءات التحقيق يلتجئ إليها القضاة من أجل الحصول على المعلومات الضرورية بواسطة أهل الاختصاص لا يستطيعون التقرير فيها من دون الإلتجاء إلى الغير وبالخصوص في الجانب الفني لكن على أساس مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية التي نصت على انه : “يحدد القاضي النقط التي تجري الخبرة فيها عل أساس أن تكون تقنية لا علاقة لها بالقانون” .
والخبرة في الأصل مسألة اختيارية بالنسبة للقاضي لكنها أصبحت إلزامية في بعض المجالات إما بأمر المشرع نفسه وإما نتيجة اجتهاد قضائي قار صادر عن المجلس الأعلى، فقد قرر المجلس الأعلى إلزامية الخبرة في بعض المجالات ومنها مجال القسمة القضائية التي أصبح اللجوء إليها فيها عرفا قضائيا بالمغرب .
والخبرة القضائية تتم بأمر من قاضي الموضوع الذي يقضى من خلال حكم تمهيدي بتعيين خبير مؤهل للقيام بها ويحدد له المهمة المنوطة به، ولا يمكن أبدا الاكتفاء بمجرد إشارة إلى الإجراء في ملف الدعوى.
ويعين الخبير اعتمادا على ما يمكن أن يفيد به لا إعتمادا على غزارة معارفة من بين الخبراء المدرجة أسماؤهم بالجدول ويمكن استثناء تعيين خبير من خارج الجدول. لأنه من الملاحظ أن بعض الخبراء يسجلون أنفسهم كخبراء محلفين لدى بعض المحاكم المغربية لإدراج تلك الصفة كشعار في بطائق الزيارة من اجل تحقيق تجارب أخرى وتحدد المحكمة للخبير أجلا لإنجاز خبرته حسبما نص الفصل 60 من قانون المسطرة المدنية لان المواعيد تعتبر من أهم الإجراءات التي تؤثر في سير الدعوى وعليها يتوقف مدى سرعة البث في مختلف النزاعات التي تعرض على القضاء .
وتستدعي كتابة الضبط الأطراف، بمجرد وضع التقرير بها للإطلاع عليه وتشعرهم بتاريخ الجلسة اللاحقة …
ويكتسي الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية الذي يوجب على الخبير آن يشعر الأطراف باليوم والساعة التي سينجز فيها مهمته .. صفة آمرة ويتعلق بحقوق الدفاع ويجب احترامه مهما كانت طبيعة الخبرة … كما جاء في قرار للمجلس الأعلى .
فالمطلوب إذن من الخبير استدعاء الأطراف بكيفية صحيحة لحضور الخبرة وليس الحضور في حد ذاته، حتى لا تتحول الخبرة إلى سبب للمماطلة والتسويق.
وجاء في قرار آخر لنفس المجلس “توجب المادة 146 من قانون الإثبات على الخبير أن يدعو الخصوم بكتب مسجلة يخبرهم فيها بمكان أول اجتماع ويومه وساعته ورتب على مخالفة ذلك بطلان عمل الخبير …. “
وقد قرر المشرع أن إشعار الأطراف يتم برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، لهذا فإن المجلس الأعلى يراقب مسالة استدعاء الخصوم باعتبارها تتعلق بجانب قانوني في الحكم يجب على قاضي الموضوع أن يبرزها في حكمه .
والخبرة ليست دائما دليلا حاسما بل تبقى موضوعا لمناقشة أطراف النزاع ولتفنيد ما جاء فيها وتبيان تناقضها وخطإ بياناتها وفساد الرأي فيها كما لهم الطعن فيها و في القدرة العلمية للخبير ولهفوات تقريره، بل نص الفعل 64 من قانون المسطرة المدنية على أنه :
“ يمكن للقاضي إذا لم يجد في تقريره الخبرة البيانات الكافية أن يأمر بتحقيق إضافي أو بحضور الخبير أمامه لتقديم المعلومات اللازمة “ ويكون استدعاؤه إما من تلقاء المحكمة نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أو بناء على طلبهم جميعا.
ومما لاجدال فيه أن تقرير الخبرة ليست قوته مطلقة بل من حق أطراف النزاع دائما إثبات خطإه أو سهوه أو عدم مطابقته للواقع بجميع وسائل الإثبات الممكنة أمامهم.
والحكم بانتداب خبير آخر في الدعوى لا يحول دون رجوع المحكمة إلى تقرير الخبير الأول عند الضرورة. لأن الخبرة لا تبطل إلا إذا أثبت من يتمسك بها بذلك البطلان أنه قد أصابه ضرر من جرائه كعدم استدعاء الأطراف بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل طبقا لأحكام الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية أو عدم الإشارة إلى أقوال الخصوم وملاحظاتهم ضمن تقرير الخبرة .
والدفع ببطلان إجراء الخبرة يجب التمسك به مباشرة بعد إيداع التقرير وليس بعد مناقشة موضوعه تحت طائلة عدم قبوله لوقوعه بعد فوات وقته (قرار المجلس الأعلى للقضاء الصادر في 24 دجنبر 1969).
وإذا تعددت تقارير الخبراء يبقى لمحكمة الموضوع أن تقارن وتوازن فيما بينها حيث لها أن تأخذ ببعضها دون البعض الآخر بشرط تعليل مواقفها.
وحيث أن الخبير مساعد للقضاء فإن مسؤولياته كبيرة ومتنوعة تتمثل في المسؤولية الأدبية ومنها التحلي بصفات الصدق والجدية في العمل والظهور بمظهر الوقار و الاحترام و احترام المواعيد والابتعاد عن كل شبهة. وفي المسؤولية التقصيرية كوقوع الخبير في غلطة فنية في الرأي الذي أدلى به في تقرير أو الإخلال بمصلحة المضرور ذات قيمة مالية أو أدبية. وفي المسؤولية الجنائية التي تتمثل بالخصوص في جرائم ثلاثة رئيسية هي جريمة الرشوة وجريمة التزوير وجريمة إفشاء أسرار المهنة لان الخبير الذي يقوم بمثل هذا العمل الإجرامي إنما ساهم بحظ وافر في تضليل العدالة التي لم تعينه إلا لمساعدتها لا لتوجيه تقرير الخبرة لخدمة مصالح ما في الدعوى مما نعرض عليه الالتزام بالنزاهة والموضوعية والتجرد وحسن السلوك .
إعداد:ذ/عبد النبي التليدي