الدعارة جريمة قانونيا


                         الدعارة جريمة قانونيا

فرض المشرع المغربي عقوبات صارمة تصل إلى حد السجن المؤبد في حق كل من يساهم في إفساد الشباب والبغاء، وأقر عقوبات تختلف باختلاف مرتكبيها، ولم يستثن المشرع المغربي أيا كان، سواء الوسطاء أو غيرهم ممن يعملون على نشر الفساد والرذيلة، إذ يعاقب بالحبس من أربع إلى عشر سنوات، وبالغرامة من خمسة آلاف إلى مليوني درهم كل من ارتكب مباشرة أو بواسطة الغير، حيازة أو تسيير أو استغلال أو إدارة أو تمويل أو المشاركة في تمويل محل أو مؤسسة تستعمل بصفة اعتيادية للدعارة أو البغاء. كل من يتولى حيازة أو تسيير أو استغلال أو إدارة أو تمويل أو المشاركة في تمويل أية مؤسسة مفتوحة للعموم أو يستعملها العموم بالاعتياد على قبول ممارسة شخص أو عدة أشخاص للدعارة أو البغاء داخل المؤسسة أو ملحقاتها أو قبول بحثهم داخلها عن زبناء لأجل الدعارة أو البغاء أو تغاضيه عن ذلك أو تشجيع السياحة الجنسية، أو وضع محلات أو أماكن لا يستعملها العموم رهن إشارة شخص أو عدة أشخاص مع العلم بأنهم سيستعملونها للدعارة أو البغاء، وينص القانون على أنه يؤمر في الحكم بالإدانة بسحب الترخيص الذي كان يستفيد منه المحكوم عليه كما يجوز أن يحكم بإغلاق المحل نهائيا أو بصفة مؤقتة.
كما يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من عشرة آلاف إلى مليون درهم كل من حرض أو شجع أو سهل استغلال أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد إباحية، وذلك بإظهار أنشطة جنسية بأية وسيلة كانت سواء أثناء الممارسة الفعلية أو بالمحاكاة أو المشاهدة،
وتطبق العقوبة نفسها على كل من قام بإنتاج أو توزيع أو نشر أو استيراد أو تصدير أو عرض أو بيع أو حيازة مواد إباحية من هذا النوع.

ينص الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي على أن  » كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة « . أما فيما يتعلق بجريمة الخيانة الزوجية فإن الفصل 491 ينص على أنه  » يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة المجني عليه. إلا أنه في حالة غياب الزوج خارج المملكة فإن زوجته التي تتعاطى الفساد بصفة ظاهرة يمكن للنيابة العامة متابعتها « .

إلا أن الفصل 492 ينص على أن » تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية ».

بداية يمكننا القول إن أشكال الفساد المشار إليها في الفصول 491 ,490 ,483 المنصوص عليها في القانون الجنائي لا تتضمن دعارة المتزوجات التي تتكيف دائما أمام القضاء بكونها خيانة زوجية ليس إلا. فالملفت للنظر أن القانون والقضاء المغربي قدما تساهلات على مستوى العقاب فيما يخص جرائم العرض، إذ في مثل هذه الحالات التي تمارس فيها الزوجة الدعارة برضا زوجها، يحكم القضاء بالبراءة ـ على أساس أنها وصفت كخيانة زوجية ـ في حالة عدم تقديم شكاية من الزوج، وذلك بحماية من الفصل 493 من القانون الجنائي الذي ينص على أن جريمتي الفساد والخيانة الزوجية المنصوص عليهما في الفصلين 490 و 491 القانون الجنائي، لا تثبت إلا بضبط المتزوجة وشريكها يمارسان أعمال التنفيذ، وذلك بمعاينة إيلاج العنصر التناسلي في عضو التأنيث، ودون معاينة هذا الوصف من قبل ضابط الشرطة يبقى التبليغ أمام النيابة العامة أوالشرطة القضائية بشأن الأفعال المحرمة المذكورة للمتزوجة مباحة ولا عقاب عليها

تعليقا على هذه الاشكالات القانونية يقول كمال لطفي: « تجدر الإشارة أولا إلى أن المشرع الجنائي المغربي لم يعطي تعريفا قانونيا واضحا للدعارة بل اكتفى بالتنصيص على بعض الجنايات والجنح في الباب الثامن من القانون الجنائي حيث سماها ب « الجنايات والجنح في ضد الاسرة والاخلاق العامة »، فمن خلال قرائتنا التأملية لهذا الباب نجد أن موقفه يكتنفه نوع من الغموض والتناقض، فمثلا على مستوى الفصلين 490 و 491 من القانون المدكور والمتعلقين بجريمتي الفساد والخيانة الزوجية نجده قد صنفهما في خانة الجنح، والجنح كما هو منصوص عليه في الفصل 115 من ق.ج لا يعاقب على المحاولة فيها ، فلى سبيل المثال لو ضبط الفاعلين في منزل وهما عاريان لا تعتبر جريمة رغم أنهما قاما بأفعال ستؤدي بهما الى الفعل الجنسي. وهذه النقطة تحيلنا الى نقطة أخرى وهي أن جريمة الفساد عرفت على أنها كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة بمعنى أن المشرع اشترط فعل الوقاع، أي الايلاج، فالايلاج هو العنصر الاساسي لقيام الركن المادي لهذه الجريمة، بمعنى أن أي فعل لا يدخل في هذا الصدد لا يمكن اعتباره فسادا كالتقبيل أو اللمس أو غيره.

ويضيف كمال لطفي: « إن المشرع المغربي لم يعرف مفهوم الخيانة في جريمة الخيانة الزوجية، هل يعني بها تمام الوطئ كما في جريمة الفساد، أم أن اللأمر يشمل كل الافعال التي ستؤدي إلي السلوك الجنسي فمن الأفضل أن يعطى تعريفا دقيقا ليشمل كل الافعال التي تتضمن اعتداء على حرمة العلاقة الزوجية من ايلاج وتقبيل ولمس بل هناك من نادى بضرورة ادخال جرائم الجنس « الاليكترونية » في خانة الاجرام خاصة التي تكون على مستوى الهاتف او الانترنيت، فالزوج أو الزوجة اللذان يجدان شريكهما في وضعية مخلة لا شك وأنه يتألم ويشعر بمرارة الخيانة بل ويكره العيش معه تحت سقف واحد. ويضيف كمال لوطفي مستغربا « وما زاد الأمر غموضا وتعقيدا هو أن المشرع المغربي في الفصل 493 من ق.ج نص على أن جريمتي الفساد والخيانة الزوجية لا تثبت إلا بناءا على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة تلبس أو بناءا على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي، فالمشرع في هذه النقطة حدد وسائل الاثبات خروجا عن القاعدة العامة في الاثبات الجنائي التي تعتمد أساسا على قاعدة الحرية، بمعنى إنه استبعد فيها الفقرة الثانية من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية والتي لازال فيها الجاني مطاردا بصياح الجمهور على اثر ارتكاب الجريمة كحالة من حالات تحقق التلبس، كما استبعد ايضا شهادة الشهود الذين عاينوا الواقعة في حالة عدم تمكن ضابط الشرطة القضائية الوصول في وقت وقوع الجريمة » ومن الإشكالات القانونية التي يتيرها كمال لطفي اشكال التحديد المفاهيمي إذ يقول « أن المشرع يكتنفه الغموض في تحديد بعض المفاهيم، فمثلا مفهوم الاخلال بالحياء في جريمة الاخلال العلني بالحياء المنصوص عليها في المادة 483 من ق.ج التي تعاقب الذي ارتكب العري المتعمد او البذاءة في الاشارات و الافعال بالحبس من شهر الى سنتين وغرامة من 200 الى 500 درهم، فهذا المفهوم فضفاض وغير دقيق وربما لا ينسجم مع الازدواجية التي يعيشها الشعب المغربي على مستوى القيم، فاذا لبست انثى ملابس قصيرة ومثيرة هل هذا يدخل في اطار الاخلال بالحياء؟ ثم ما هي حدود هذا اللباس؟ فما تعتبره انت لباسا يخل بالحياء لا يعتبره الاخر كذلك » ويؤكد كمال لطفي على أن المقاربة القانونية المغربية في جرائم الجنس والفساد « تستوجب إعادة النظر في النصوص الجنائية » كما ينتقد الأصوات التي تنادي بضرورة تحرير العلاقات الجنسية على شاكلة الدول الغربية المتقدمة قائلا أنهم « نسو أن الحديث عن تحرير الجنس لا ينفصل عن سياقات متعددة، وأن كل دعوة لذلك يجب أن يسبقها إعداد لمناخ اقتصادي واجتماعي معين، الشيء الذي نجحت فيه هذه الدول الغربية التي تريد هذه الاصوات أن تمتح تجربتها لتنزيلها على مجتمع يعيش ويحتضر و يموت في براثين الفقر، فلو أنه في المغرب لو سلمنا بتحرير الجنس وعدم تجريم الفساد ونشأ عن هذه العلاقة حمل ومولود فما مصير هذا الطفل وما مصير هذه المرأة التي سيتخلى عنها الرجل بداعي أنه لا يقدر على أعباء الحياة ويعلق فعله على شماعة الوضعية الاقتصادية للبلاد، فمصير ذلك الطفل هو التشرد ومصير تلك المرأة الارتماء في احضان الدعارة، وبالتالي نكون اعدنا انتاج مجرمين بصيغ اخرى، في حين أنه في الدول الغربية تتوفر مؤسسات إجتماعية لتوفير الحماية والكرامة لتلك الفئات كمنظمات الأطفال المتخلى عنهم أو النساء العازبات…كما أن هناك تقنينا للإجهاض مثلا وثقافة جنسية عالية »

infos.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...