الرأسمال اللامادي بين المفهوم والمكونات والاستثمار
التعريف الأكاديمي للرأسمال غير المادي حسب خبراء الاقتصاد هو رأس المال البشري غير المادي المتجسد في القيم التي لها تأثير على إنتاجية المواطن أو المجتمع، والتي تنعكس إيجابا أو سلبا في كل ما يتعلق بفاعلية الأداء الاقتصادي سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. وبمعنى آخر فالثروة اللامادية هي المقومات الأساسية للرصيد التاريخي والموارد الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية والبيئية التي من شأنها أن تحقق الثروة والتماسك الاجتماعي والاستقرار والتضامن والأمن والتعاون بين كل شرائح المجتمع مما يضمن حقوقهم الأساسية الفعلية والرفاهية والعيش الكريم.
و يعد الرأسمال اللامادي Capital Immatériel، الذي يعد مفهوما جديدا، ومكونا أساسيا من مكونات التنمية، كما يكتسي أهمية كبيرة وخاصة من ناحية الدور الذي يضطلع به في إعداد وتوجيه التوجهات التنموية في البلدان التي لا تملك موارد مادية، فهذا المفهوم الجديد يرتكز في جزء كبير منه على عناصر ترتبط بالمعرفة والخبرة والحكامة والعدالة والرأسمال الاجتماعي المتمثل في الثقة بين الأشخاص داخل المجتمع وقدرتهم على العمل سويا للوصول إلى النتائج المرجوة.
إن «الرأسمال غير المادي» (immaterial capital) مفهوم غربي ظهر في أواسط القرن الماضي، في محاولة لتجاوز الطابع اللا إنساني الذي كان يعتمد في حساب الثروة. ويشمل هذا الرأسمال غير المادي أساسا التكوين والبحث العلمي والتكنولوجيا والوصول إلى المعلومة، والثقافة، وهذه الأمور كلها وغيرها تعتبر حيوية لتنمية الثروة بمعناها المادي التقليدي. والإنسان هو الأس الذي يقوم عليه هذا المفهوم الجديد عندنا، فمنه ينطلق وإليه ينتهي.
وإذا كانت المقاولة تعتمد أساسا على وسائل الانتاج التقليدية المعروفة ، ( رأسمال مالي ، رأسمال تقني ، يد عاملة ) ، فالمعلومات والمؤهلات والقدرات تُعَـدُّ ، ركائز ثلاثة تكَوِّن العمود الفقري لأي استثمار كيف ما كان نوعه ، لكن هذه الركائز لا يمكن ان تكون إلا لدى العنصر البشري .
2- تعريف الرأسمال Le Capital
رأس المال هو مصطلح اقتصادي يقصد به الأموال والمواد والأدوات اللازمة لإنشاء نشاط اقتصادي أو تجاري ويكون الهدف من المشروع الربح أو الإعلام أو الأعمال الإنسانية.
و يعتبر رأس المال هو المحرك الأساسي لأي مشروع أو عمل أستثماري يهدف لزيادة القدرة الإنتاجية لأي جهة ، ويتكون من مجموعات أساسية غير متجانسة يتفرع من كل منها أشكال فرعية من المستخدمات القادرة على الإنتاج مثل الأدوات والمواد الخام، وربما القدرات البشرية النادرة، والمواد المساعدة في الإنتاج.وقدقسم “كارل ماركس ” الرأس المال إلى:
أ . رأس المال الثابت وهي المواد التي لا تتغير ولا تدخل في التبادل التجاري أو الاستهلاك ضمن دورات الإنتاج ، ومن أهم الأمثلة عن رأس المال الثابت
معظم النشاطات الاقتصادية هو الأرض، والبناء، والمنشآت، والآلات، والتجهيزات الضرورية، والطاقة المحركة.
ب . رأس المال المتحرك وهو كل المواد والسلع التي تدخل في الإنتاج ولها قيمة مباشرة في قيمة السلعة المنتجة وبشكل مختصر هو كل المواد التي تدخل في دروة اقتصادية متجددة ، وأهم أمثلة حول رأس المال في مجال الصناعة مثلا المواد الخام التي يتم تصنيعها والأيدي العاملة.
وقد ذكر كارل ماركس في كتابه رأس المال أن العصور الوسطى خلفت شكلين متميزين من أشكال رأس المال ، وهما رأس المال الربوي وراس المال التجاري.
3- تعريف الرأسمال اللامادي
هناك اتفاق على أن الارتقاء بالثروة البشرية لن يحققه إلا تعليم تتوافر فيه شروط الجودة الكلية في كافة مراحله ومستوياته، وذلك من خلال تحديث المنظومة التي توفر له ذلك في جميع مراحله، ابتداء من مرحلة الابتدائية حتى التعليم الجامعي والعالي. ويبقى للتعليم الجامعي والعالي خصوصيته، إذ يلعب دوراً أساسياً في حياة الأمم من خلال تلبية احتياجاتها من القوى البشرية التي تصنع حاضرها وتخدمه، وتؤسس للتنمية فيها، وفيه تبرز القيادة العلمية والعملية للمجتمع.
4- مكونات الرأسمال اللامادي
آ- التراث الثقافي اللامادي
يقصد بعبارة “التراث الثقافي اللامادي” الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية. ولا يؤخذ في الحسبان سوى التراث الثقافي غير المادي الذي يتفق مع الصكوك الدولية القائمة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع مقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات والمجموعات والأفراد والتنمية المستدامة .
و تندرج الثقافة في التعريف الشمولي ضمن مجموع الإنتاجات البشرية في ميدان الفنون والمعرفة والسلوكات. استنادا إلى هذا التعريف، يمكن اعتبار كل إنسان مثقف لكونه كائن مجتمعي يتلقى بالضرورة تربية من خلالها يتواصل بلغة ما ويراعي منظومة قيم ومعتقدات. لكن الاستعمال الشائع لكلمة ثقافة، لا يمكنه أن يُنسينا بُعدها الانتربولوجي: فالإنسان كائن ثقافي بامتياز مَهما تكن درجة معرفته أو بدَائية سلوكاته وأفعاله. فالثقافة تحويل للمُعطى الطبيعي والفطري الخالص. لهذا وجب التمييز بين الثقافة والحالة الطبيعية، فالأولى تُفيد التنوع والتاريخ والتربية، في حين أن الثانية تدل على مَاهو مشترك بين الجميع بشكل فطري. فالتوالد على سبيل المثال فعل طبيعي لأنه ظاهرة بيولوجية مشتركة أما السلوك الجنسي فهو ثقافة لأنه مرتبط باستعمالات وتمثلات مؤطرة اجتماعيا. فالثقافة إذن ثروة مكتسبة خاضعة لشروط تاريخية واقتصادية وسياسية، بل هي الدعامة الأساسية لرأسمال المجتمع المادي واللامادي.
نحن إذن بصدد قيمة لا مادية متوارثة يجب رعايتها وتمتينها والاحتفاء بها كي تُعمَّم الفائدة على الجميع، إنها تراث يُحيل على الإنسان العبقري المبدع (Le génie créateur humain)، بل حتى توثيق الشهادة حول هذا الرأسمال اللامادي يمكن إدراجها ضمن التراث اللامادي. لكن، يجب أولا التسليم بفرضية أن حتى التراث المادي لا يمتح قيمته إلا من التراث اللامادي. نقيس على ذلك بتجربة أبو ظبي حينما راهنت على النفط مقابل الفن وتحويل تجربة متحف اللوفر بعلاماته الكاملة. قد يجمع هذا النموذج من التعامل مع الرأسمال اللامادي بين بُعدين لتطور الرصيد اللامادي: الأول هو الإرادة الوطنية من أجل إضفاء قيمة على الثقافة من خلال الحصول على علامة أكبر متحف في العالم بكل حقوق الملكية الثقافية، والثاني يُضفي على الثقافة بُعدا كونيا من حيث عدد زوار المستقبل، وذلك عندما نَعلم أن عدد زوار اللوفر يُقدر ب 8 ملايين ونصف 64 بالمائة منهم أجانب، وبرعاية جمعيات صداقة لدول مختلفة ككندا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. فعَوْلمة الرأسمال اللامادي هي محاولة لمطابقة الاختيارات الاستراتيجية لتدبير التراث مع كل المشاريع المرافقة، ثم إن العولمة تقتضي التوجه نحو تنمية الوعي بضرورة امتلاك أعمال فنية يمكن تصنيفها ضمن الملك العام المشترك للإنسانية. قد يُذكي هذا الوعي مبدأ المنافسة نحو الظفر بكل ما هو إرث إنساني مشترك. وهذا ما انتبهت إليه بعض الدول الصاعدة عندما فطنت إلى تقليص مديونياتها من خلال توفير إرثها المادي واللامادي للاستغلال العالمي.
وهنا نستحضر مجموعة من اشكال ونماذج للتراث الثقافي اللامادي، الذي اضحى عاملا مهما في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للدول والمجتمعات، سواء تلك التي تملك مخزونا وتراكما ماديا مهما، او تلك التي لا تملكه، والتي حولت من موروثها الثقافي والتراثي مصدرا للغناء وجمع الثروة وتحقيق التنمية، وتراكم الراسمال المادي،ومن هذه الشكال نذكر مايلي:
· التقاليد والتعابير الشفهية: Les Traditions et Expressions L’orales وهي تدخل ضمن التراث الثقافي اللامادي، والتي تجسد القيم والعادات الثقافية المرتبطة بالحكاية والرواية الشفهية او المحكية كالحلقة التي تعد شكلا من اشكال الرواية الشفهية والموجودة بقوة في الموروث الثقافي المغربي على الخصوص، وبعض الاشكال الفنية والشعبية كافلكلور بأشكاله المتعددة، والغناء، ونوع الزى واللباس..
· الممارسات الاجتماعية والطقوس والعروض الفنية.
· المعارف والممارساتLes connaissances et Pratiques Sociales sur la nature et l’environnement التي ترسمها الجماعة على الطبيعة والمجال والبيئة: والمتمثلة في تفاعلات الجماعة مع الطبيعة والبيئة، وتجسدها اللغة او اللهجات، والتقاليد المحلية، والشعور الجماعي بالانتماء للمكان، والذاكرة الجماعية للافراد، والتعلق بالقيم الروحية، والنظرة الموحدة للعالم، كل هذه الخصائص هي ما تضفي قوة التاثير على القيم والمعتقدات.
· Les Savoir-faire liés à l’artisanat Traditionnel ، وهي تعبير عن الموروث الثقافي الاصيل للمجتمعات، كما هي تجسيد لروح الابداع والابتكار،و لروح الانتماء، وتمجيد للمكان، والامتنان له على ما يجود به على الانسان والجماعة من خيرات Les biens تسخر لخدمة الانسان.
هذه الاشكال وغيرها تندرج جميعا ضمن الرأسمال اللامادي للمجتمعات، وتختلف من مجتمع لأخر في طريقة وأسلوب استخدامها، كما تختلف خصائصها وأشكال ممارستها. إلا انها تمثل البعد الثقافي والتاريخي للجماعة كما تعبر عن هويته وأصوله. هذه الاشكال لم تعد مجرد انماط سلوكية تميز ثقافة مجتمع عن اخر، با اضحت موردا ماديا مهما يمكن استثماره لتحقيق الثروة وتراكمها، والدارسون الانتروبولوجيين تجاوزا في العديد من دراساتهم وأبحاثهم النظرة الامبريقية الكلاسيكية في تناول ثقافات المجتمعات، لتصبح هذه القضايا والإشكال الثقافية موضوعا لدراسة التحولات والديناميات المجتمعية، وتأثيراتها على تحولات نمط وسلوك الافراد، وانعكاس ذلك على التنمية داخل الجماعة والمجتمع.
ب- الرأسمال الاجتماعي
رأس المال الاجتماعي Social Capital هو مصطلح اجتماعي يدل على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية. ويستعمل المصطلح في العديد من العلوم الاجتماعية لتحديد أهمية جوانبه المختلفة. وبمفهوم عام، فإن الرأس مال الاجتماعي هو الركيزة الأساسية للعلاقات الاجتماعية ويتكون من مجموع الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال التعاون ما بين أفراد وجماعات مجتمع ما وتفاضلية التعامل معه.
يشير “بوتنام”إلي رأس المال الاجتماعى بأنه عبارة عن علاقات افقيه بين الناس، فرأس المال الاجتماعى يتألف من شبكات اجتماعيه وشبكات مشاركه مدنيه، وعادات مشتركه لها تأثير علي إنتاجيه المجتمع. يعرف رأس مال الاجتماعى بأنه الشبكات الاجتماعية والأعراف المرتبطة بها من تبادل موثوقيه.
بالرغم من وجود تعريفات مختلفة للمصطلح، الآ أنهم جميعا يجمعون حول فكرة أساسية وهي أن للرأسمال الاجتماعي قيمة تؤثر على إنتاجية الفرد أو المجموعة. تماما مثل المطرقة (رأسمال ملموس) والكلية (رأسمال بشري). فجميعهم يؤثرون على فعالية الأداء).
ان من استخدام مصطلح رأس المال الاجتماعي كان “هانيفان ” في العام 1916 وهو المشرف الحكومي للمدارس الريفية في غرب فرجينيا والذي عرف المفهوم علي أنه قوة اجتماعية كامنة تكفي لتحسين ظروف المعيشة يستفيد منها أفراد الجماعة وهي تنشأ من التعاون بين أفراد الجماعة.
و كان سبب انتشار المفهوم هو كتابات “بيير بورديو P . Bourdieu” ثم تطور بشكل واضح في أعمال “جيمس كولمان” و “روبرت بوتنام” و “رونالد بيرت” وغيرهم، ويعد إسهام برديو هو الأكثر إسهاماً في علم الاجتماع إلا أنه لم يقدر له أن يكون الأكثر تأثيراً، فالتأثير الأكبر كان لجيمس كولمان. أما الأفضل في التطبيقات السياسية الأكاديمية فيرجع إلي روبرت بوتنام.
ربط “بورديو” عام 1984 بين رأس المال الاجتماعي والتحليل الطبقي حيث عرف رأس المال الاجتماعي علي أنه “رصيد اجتماعي من العلاقات والرموز يتفاعل مع الرصيد الذي يملكه الفرد من رأس المال المادي، فهو رصيد قابل للتداول والتراكم والاستخدام، فالفرد عندما ينشئ شبكات اجتماعية أو ينضم إلي أحزاب سياسية أو يستخدم ما لديه من رموز المكانة في ممارسات اجتماعية، فإنما يكون لنفسه رصيدا اجتماعيا وثقافيا يزيد من مصالحه ومن رصيده من القوة والهيبة. ومن ثم تظهر الإمكانية في تحويل رأس المال الاجتماعي إلي رأس مال مادي مثلما يتحول رأس المال المادي إلي رأس مال اجتماعي.
وقد عرف كولمان رأس المال الاجتماعي عام 1988 أنه، على خلاف صور رأس المال الأخرى، فهو لا يوجد في الأشخاص ولا في الواقع المادي وإنما يوجد في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد ويتشكل من الالتزامات والتوقعات فيما بين الأفراد وإمكان الحصول علي المعلومات والمنافع.
وعلى الرغم من أن بورديو توافق مع كولمان في أن رأس المال الاجتماعي بالمطلق هو مصدر غير منحاز، إلا أن كتاباته تميل إلى اعتباره عامل يمكن استخدامه لدعم وإنتاج أو إعادة إنتاج اللامساواة، على سبيل المثال يمكن لبعض الأفراد الوصول إلى مناصب عالية من خلال الاستغلال المباشرة أو الغير المباشرة للصلات الاجتماعية.
وبالرغم من تحديد “روبرت بوتنام ” هذه الفكرة في ضوء أكثر إيجابية وزعمه أن رأس المال الاجتماعي هو مصطلح محايد، إلا أنه أشار أن “الثناء به هي مسألة أخرى تماما وهو يميل إلى صياغة رأس المال الاجتماعي كمُنتج (بضم الميم) “للمشاركة المدنية”، ومقياس اجتماعي لصحة التضامن المجتمعي. كما أنه نقل فكرة الرأس المال الاجتماعي من كونها من الموارد التي يمتلكها الأفراد إلى سمة من سمات التعاونيات الاجتماعية، مع التركيز على الثقة والأعراف كمنتجين للرأس المال الاجتماعي مع استبعاد الشبكات.
أعتبر معيار عارفي أن التوافق الاجتماعي في الآراء هو مؤشر ايجابي يدل على الرأس المال الاجتماعي. وهنا، التوافق يعني “مصلحة مشتركة”، واتفاق بين مختلف الأطراف الفاعلة وأصحاب المصلحة على العمل الجماعي. وبالتالي يدل العمل الجماعي على زيادة في رأس المال الاجتماعي.
وأخيرا، غالبا ما يعتبر الرأس المال الاجتماعي معيار نجاح الديمقراطية والمشاركة السياسية.
ت-الرأسمال البشري
الرأس مال البشري (غير المادي) هو المعارف والمهارات التي يستطيع الفرد التحكم فيها، والتي يكون قد اكتسبها خلال سنوات تعليمه في جل مراحل دراسته، وطوال تلك السنوات التي قضاها في مختلف التكوينات التي تلقاها والخبرات التي اكتسبها حينها، ويكون الرأس مال البشري غير المادي في فكر الأفراد من خلال المعارف والمهارات والكفاءات التي يكون قد اكتسبها، دون ان نقصي ذكائه الشخصي وكذا المعرفة العلمية والإبداع في طريقة العمل.
إلا إن هذا المصطلح ليس بالجديد في المجال السياسي والاقتصادي، لقد ظهر في بداية الستينات من القرن الماضي مع الاقتصادي الأمريكي” Schults” في سنة 1961، حيث اعتبر أن:
” كفاءة ومعرفة الفرد شكل من أشكال الرأسمال الذي يمكن الاستثمار فيه”. ثم بدأ هذا المصطلح يعرف تطور وتوسع في مكوناته الأساسية حتى شمل الكفاءات، الخبرات، والمعارف، الى أن وصل إلى مجال التسيير ومن تم اقحامه في المجال الاقتصادي حيث سمح بالتفكير في العنصر البشري بشكل كبير في الاقتصاد الجديد الذي لا يرتكز فقط على الآلات والتقنيات والأموال بل على الرأس مال غير المادي كذلك.
ويعد “بيجون” Arther Cecil Pigeonأول من تحدث عن مصطلح الرأسمال البشرى: حيث قال ” إن هناك استثمارا في الرأس مال البشرى كما أن هناك استثماراً في رأس المال المادي ”.
وكذلك يرى “بيكر” Becker في كتابه “رأس المال البشرى” الذى تم نشره عام 1964 أن رأس المال البشرى مماثل ” للوسائل المادية لإنتاج ” مثل المصانع والآلات ويستطيع الفرد الاستثمار في رأس المال البشرى (من خلال التعليم والتدريب والرعاية الطبية). وتعتمد المخرجات بشكل جزئي على نسبة العائد من رأس المال البشرى المتوفر. وعلى هذا، فإن رأس المال البشرى هو بمثابة وسيلة للإنتاج تتمخض عنها مخرجات إضافية عند زيادة الاستثمار فيها. ويتميز رأس المال البشرى بالإستقرارية وليس بالتحول مثل الأرض والعمل و رأس المال المادى.
إن الرأسمال البشري هو ذاك المخزون الخاص من المعارف والمؤهلات والمهارات المعرفية المدرجة في فكر كل فرد على حدة، وعلى الخصوص الكفاءة في اليد العاملة الموظفة، لأن التعليم والتكوين هما العاملان الأساسيان اللذان يسمحان للعمال والموظفين بإنتاج أكثر في حالة ثبات حجم عوامل الإنتاج الأخرى.
إننا لا يمكنا الحديث عن الرأس مال البشري في ظل ضعف النظام التعليمي في كل دولة من الدول، والمغرب من بين الدول التي تعرف ضعف كبير في مجال التعليم حيث توجد في المراتب الأخيرة في التصنيفات الدولية في هذا المجال، إن الرأس مال البشري له ارتباط وثيق بالتعليم بشكل كبير، فهو يقاس بمستوى التعليم لدى السكان أو قوة العمل، حيث أنه لما تكون مستويات التعليم مرتفعة تكون المردودية في الانتاج بشكل أفضل، ويمكن الاعتماد على ارتفاع مستويات التعليم من أجل تفسير مستويات الانتاج. وتدخل في قياس دور التعليم العديد من المؤشرات مثل نوعية التعليم والمتعلمين، ونوع التعليم الذي يتلقونه، وكذا توافر المواد التعليمية الجيدة التي تخدم سوق الشغل، وهنا لا يمكننا ان نتجاهل أهمية الانفاق على التعليم، فبقدر مستوى الانفاق تكون النتيجة.
أما بالنسبة للبنك الدولي فهو يقول بأن أكبر تحدي عند الدول النامية المنخفضة الدخل من أجل الرفع من رأسمال غير المادي هي: التصويت والمساءلة السياسية، الاستقرار السياسي وانعدام العنف، فاعلية نظام الحكم، النوعية التنظيمية، سيادة القانون، محاربة الفساد بكل أنواعه وفي جميع المجالات.
إن أهمية رأس المال البشرى العلمية والعملية أدى بالالتفات إلى الأهمية البالغة لمفهوم رأس المال البشرى ومساهمته في نهضة المجتمع وتقدمه إلى إعطاء أولوية متقدمة للتنمية البشرية ، كما وكيفاً وعمقاً، وفى ظل التقدم التكنولوجي الذى أضعف من قيمة الوظائف التي لا تحتاج إلى مهارات عالية، وخلق في مقابل ذلك وظائف جديدة ترتكز على المعرفة، وتعمل على تغيير الأهمية النسبية لعوامل الإنتاج وذلك بتنمية رأس المال البشرى من حيث الكم والكيف. لذا فهناك اتفاق على أن التحديات التي يحملها العصر الجديد عند كل الدول النامية على الخصوص لن يتصدى لها إلا رأس مال بشرى دائم الترقي والنمو، سواء على المستوى الفردي أو على صعيد المجتمع حتى يمكن للجميع المشاركة في العالم الجديد كل واحد من موقعه وحسب قدراته، وفى ظل سياق تنافسي مبني على الكفاءة والمهارة والخبرة لدى كل فرد.
5- تصاعد كمية المعلومات والعنصر البشري :
العالم اليوم ، تزايدت فيه المعلومات بشكل تصاعدي بفضل التطور التكنولوجي خاصة تكنولوجيا التواصل . فلا يمكن لهذا الكم الهائل من المعلومات أن يُحْتَفَظ به في مكان ما أو يُخَزن دون استثماره في العنصر البشري .ّ
لدعم النمو الاقتصادي وتقليص الفوارق الاجتماعية ، أصبح تكوين العنصر البشري ضرورة ملحة تلجأ إليها الدول حتى تُمَكِّنه من مؤهلات قادرة على تحقيق قدرات معينة في مجالات مختلفة . وقد انتبهت ، مبكرا ، إلى هذه الضرورة الدول المنضوية تحت ” منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ” ، المعروفة ب :OCDE (1) .
6-استثمار ثروة ” الرأسمال البشري ”
هذه ” الثروة ” ، المعروفة باسم ” الرأسمال البشري” Le capital humain، تعتبر مفتاح النمو الاقتصادي ومواجهة أزمة البطالة ، التي تتزايد نسبتها كل سنة مع المشاكل الاقتصادية التي يعرفها العالم اليوم .
فالأفراد والمنظمات والحكومات و جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وكل الفاعلين وجب عليهم اليوم أن يدركوا ان الوعي بمستوى عالي من المعلومات والقدرات أمر أساسي لكل تنمية إقتصادية . لذا اصبح من الضروري وضع هذا العامل الأساسي ضمن أولويات أية استراتيجية اقتصادية وانمائية ، مبرمجة . فالاستثمار في العنصر البشري أولوية وحتمية لا مناص منها ، في غياب موارد طبيعية او صناعة وطنية .
لم يعد اليوم اللجوء إلى جلب الاستثمار فقط بل وجب أيضا الالتفات إلى تكوين العنصر البشري تكوينا قادرا على تنمية الاقتصاد وتخفيض نسبة البطالة والرفع من مستوى معيشة المواطن.
7-الدور الاستراتيجي للاستثمار في الرسمال البشري :
السياسة المتبعة لتشجيع كل الأفراد على التكوين ، لابد وأن تتعدى السياسة المتبعة في الميدان التعليمي لتبلغ مستوى سياسي عالي جدا ، يستدعي تماسك كل السياسات المتبعة في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية الوطنية . وهذا يستوجب وضع استراتيجيات فعالة لتكوين كل الأفراد طوال مسارهم الحياتي وتقوية قدراتهم حتى يتمكن كل واحد من استيعاب مؤهلات وقدرات جديدة من أجل الاندماج في عالم معاصر . ومن هنا يظهر الدور الاستراتيجي لتكوين أفراد المجتمع طيلة حياتهم .
فإذا كانت وزارة التربية الوطنية تحمل على عاتقها دور تعليم فئة كبيرة من الأطفال والشباب ، فوزارات اخرى عليها أن تتحمل مسؤولية التكوين و إعادة التأهيل .
وزارة التشغيل بدورها عليها تضع من بين اولوياتها استراتيجية ، خاصة وان تعمل على توفير آليات ووسائل تمكنها من تأهيل موظفيها والرفع من مستواهم التعليمي والعلمي لمواكبة التطور التكنولوجي والعلمي .
كل الوزارات ، والمديريات والمكاتب الوطنية ، والمقاولات كل حسب مستواه ، عليها أن تعمل جاهدة على تكوين موظفيها والرفع من مستواهم ، ليس المعيشي فقط بل التعليمي والمهني أيضا
اذن لابد من وضع استراتيجية موازية ، يجب ان تصاحب السياسة الرسمية ، تستدعي تكوين وتأهيل المواطنين النشيطين ، وغير الموظفين كالمأجورين والتجار والمهنيين والمواطنين غير النشيطين العاطلين عن العمل ، هذه الاستراتيجية يجب أن تكون محددة المعالم تهدف إلى الرفع من مؤهلات وطاقات كل فئة على حدة .
تكوين الفرد يجب أن لا ينحصر في مستواه التعليمي فحسب بل يجب أن يرقى إلى تمكينه من تكوين يمَكِّنُه من تطوير قدراته الإنتاجية ..وإدماجه في النسيج الاقتصادي .
لذا في مجالات مختلفة وواسعة لابد وأن تكون هناك آمال كبيرة قوية تتأسس في الاستثمار في العنصر البشري لبلوغ أهداف اقتصادية واجتماعية أساسية . هذه الآمال معقودة عند فئة كبيرة من الأفراد ترفض بالدرجة الأولى البقاء بعيدة عن كل تطور وتقدم تعرفه مجتمعات أخرى ، ثم تجدها من جهة ثانية ، تكابد من اجل تحقيق أحلامها رافضة كل أسباب التخلف والتأخر .
8-الاستثمار في العنصر البشري :كمنفعة لا مادية و الإطار المحدد له
الرأسمال البشري ك ” منفعة لامادية : Bien immateriel، يمكن أن يشجع ويدعم الانتاج والابتكار ومحاربة البطالة ، كلما تضاعفت المعلومات و ارتفع مستوى التكوين و التأهيل وازدادت قدرات الفرد على الاندماج في عالم عصري متطور .
كل استراتيجية تهدف إلى تكوين وتأهيل العنصر البشري عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الوسط والظروف التي يعيش فيها الفرد : مدرسة ، منظمة ، سوق الشغل ، مؤسسة ، إثنية ، مجتمع ثقافي معين ، حي شعبي ، سكان قرويون ، بدو …..
وانطلاقا من المفهوم العام لرأسمال البشري فالإطار الذي يحدده مختلف ويتضمن مجموعة من المجالات :
– التعليم النظامي: بكل مستوياته ، بدءا من ما قبل التمدرس ثم التمدرس الإجباري والجامعي وحتى التعليم العالي ..
– التعليم غير النظامي : برامج محو الأمية ، أنشطة موازية …
– التكوين المهني النظامي الموجه لسوق الشغل ..
– التكوين ةالمهني المقاولاتي ..
– التجارب أثناء الحياة المهنية الرسمية ( الوظيفة العمومية )
– التجارب أثناء الحياة المهنية الحرة..
– التجارب الخاصة المرتبطة بالتواصل الاجتماعي
– التجارب الخاصة العائلية …
9-أهمية الاستثمار في العنصر البشري :
من بين المقاييس التي تقاس بها ثروة الدول ، المستوى التكويني والتأهيلي والقدرات التي يتوفر عليها مواطنوها أي مواردها البشرية التي تعتبر على قمة المكونات الإنتاجية التي تؤثر بشكل مباشر في الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهذه للدول .
فالعنصر البشري المؤهَّــل والمكــوَّن تكوينا علميا وتقنيا وإنتاجيا يعتـــبر عاملا حاسما لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية …
لقد أكد العلماء الاقتصاد يون والباحثون في الميدان منذ وقت طويل أهمية تنمية الموارد البشرية في تحقيق النمو الاقتصادي ، حيث ذكر ” آدم سميث A . SMITH” في كتابه الشهيــــر ” ثروة الأمم ” :
” أن كافة القدرات المكتسبة والنافعة لدى سائر أعضاء المجتمع تعتبر ركنا أساسيا في مفهوم رأس المال الثابت ، وأن اكتساب القدرة أثناء التعلم يكلف نفقات مالية ، ومع ذلك تعد هذه المواهب جزءا هاما من ثروة الفرد التي تشكل بدورها جزءا رئيسيا من ثروة المجتمع الذي ينتمي إليه ….
فالثروة البشرية هي التي تحول الثروات من مجرد كميات نوعية إلى طاقات تكنولوجية متنوعة تحقق التقدم المنشود ”
أما الاقتصادى “الفريد مارشال فقد أكد على : ” أهمية الاستثمار في رأس المال البشري باعتباره استثماراً وطنياً ، حيث أشار إلى أن أفضل أنواع رأس المال قيمة هو رأس المال الذي يستثمر في الإنسان، فهو مفتاح تقدّم الأمم والشعوب. ”
10-خاتمة :
إن أهم تحدي امام كل دول العالم، والدول النامية والفقيرة على الخصوص، هو مشكل بطالة الكفاءات وخريجي الجامعات والمعاهد العليا والتي هي الرأس مال البشري الحقيقي الذي يجب الاستثمار فيه وتوظيفه بشكل جيد، وذلك بوضع كل واحد في المكان المناسب حتى تكون المردودية بشكل أفضل، وهو أمر لا بد منه لربط سوق الشعل بالمؤسسات التعليمية وبخريجي التعليم والتكوين وعلى الخصوص التعليم الجامعي، لأننا اصبحنا أمام مشكلة بطالة اصحاب الشواهد الجامعية بشكل متزايد في العقدين الأخيرين. مما يستدعي اعادة التفكير في كيفية الاستفادة من الراس مال البشري المتعلم والقادر على الابداع والابتكار من خلال الاستثمار في التعليم ومدى ملاءمته لسوق الشغل بشكل يخضع لمتطلبات العصر، لأن العنصر البشري يعتبر من أهم العناصر الأساسية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لدى كل مجتمع. لذا يجب الاهتمام بالتعليم والتكوين ليخدما سوق الشغل ومتطلباته من العنصر البشري الحاصل على مخزون مهم من المهارات والمعارف اللذان يزيدان من قيمة الرأس مال غير المادي مقابل الراس مال المادي في عملية الانتاج.
إن البلدان المتقدمة ، لم تتقدم إلا بفضل اعتمادها على الاستثمار في الرأسمال البشري الذي اكتسب رصيدا هائلا من الكفاءات البشرية والقوى العاملة المؤهلة ، ساهم في تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي ( الصين ، اليابان ، كوريا ، ألمانيا …) كانت نتيجتها ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي و تحسين الدخل الفردي .
حاليا ، يتجه الاقتصاد العالمي بوتيرة متسارعة و متزايدة نحو اقتصاد مبني على المعرفة والتكوين والتأهيل وهو ما يسمى بالاستثمار في الرأسمال البشري ،إقتصاد ، يعتمد بالأساس على تنمية الموارد البشرية التى أصبحت مصدر قوة محركة لكل وسائل للإنتاج والنمو الاقتصادي .
ولقد استحوذت قضية التنمية على اهتمام العلماء والمفكرين والمختصين،وأضحت البرامج والخطط التنموية هي القاسم المشترك في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بين كل بلدان العالم منذ نهابة الحرب العالمية الثانية ، كما تصاعد الاهتمام بها بتصاعد حركات التحرر الوطني، التي كان لها شان كبير في تحقيق الاستقلال والتخلص من الامبريالية الاستعمارية.
ومن جهة أخرى٬ لم نعد اليوم نسمع ونقرأ سوى مصطلحات ، جديدة لها دلالة هامة : “مجتمع المعلومات “وثورة المعلومات” و” اقتصاد المعرفة” و”اقتصاد التعليم” و” الموجة الثالثة” ، إدارة الموارد البشرية …
فمتى يتخلص المغرب من التبعية الإقتصادية وسياسة جلب الاستثمار و يلجأ إلى الاستثمار في الرأسمال البشري بشكل جدي علما أن أفواجا من المهندسين والأطر تتخرج سنويا ، لا تجد من يستثمر مؤهلاتها أو يوظفها أو يأخذ بيدها ؟
مقتطف من موقع eljadidasat.info