السياسة الجنائية في حماية البيئة من التلوث
تقديم :
يهدف القانون الجنائي إلي مكافحة الإجرام ، ويضع في سبيل تحقيق ذلك النصوص التي تحدد الجرائم وتبين العقوبات والتدابير الاحترازية المقررة لها متبعاً سياسة معينة في التجريم والعقاب ، ويطلق علي هذه السياسة تعبير ” السياسة الجنائية ” .
المقصود بالسياسة الجنائية :
ويقصد بالسياسة الجنائية جدوى تدخل القانون العقـابي لحماية حق من الحقوق ، وأسلوب ذلك التدخل ، والجزاءات التي يضربها للجرائم الماسة بذلك الحـــــق ، وذلك وفقـاً لكل جريمة علي حدة ، سـواء كانت عقوبات تقليدية (مقيدة للحرية ، غرامة ) أو كانت تدابير احترازية ، وعلي كل هي المعاملة التي يراهـا المشرع مناسبة لإقرارالحماية الواجبة لذلك الحق مما يجعل النظام القانوني الجنائي متناسقـاً مع حاجات المجتمع وقيمه وأخلاقه ، وبمعني أدق ، تحقيق أمثل قدر ممكن بين مصـالح الأفراد ومصالح الجماعة ، وأنه عند التعارض بين الصالح العام والصـالح الخاص يتعين تغليب الأول علي الثاني .
أهداف السياسة الجنائية :
وتهدف السياسة الجنائية أو سياسة التجريم في الدول إلي تقرير الحماية الجنائية ضد الجرائم التي تمس المصلحة الاجتماعية وذلك عن طريق مباشرة الدولة لوظيفتها الجزائية لحماية هذه المصالح باختيار الجزاء المناسب والأقرب للتنفيذ آخذة في الاعتبار مدي تقدير المجتمع لأهمية هذه المصالح ، ومسايرة بذلك التقدم العلمي الحديث في المجالات المختلفة ، وما يستتبعه من ظهور أنماط جديدة للإجرام .
والجريمة ظاهرة اجتماعية تتأثر في أسبابها بالبيئة والظروف الاجتماعية المختلفة ، وتختلف من مجتمع لآخر وفي داخل المجتمع الواحد من زمن إلي آخر بحسب حاجات هذا المجتمع وأولوياته ومصالحه الأساسية ، ومن ثم فالسياسة الجنائية تستشرف ما يجب أن يكون ، فتقترح تجريم أفعال غير تلك التي نص عليها قانون العقوبات إذا رأت أن فيها مساسا بقيم أو مصالح جديرة بالاعتبار ، وعلي ذلك يكمن مصدر السياسة الجنائية في الاجتهادات الفكرية والنظريات الفقهية التي لا تتقيد بالضرورة بما هو كائن وإنما تتغير مع حدوث التغيرات السياسية في الدولة حيث تحقق الانسجام المنشود بين نصوص التشريع الجنائي وواقع المجتمع الذي تطبق فيه النصوص.
وبديهي أنه لكي يرسم الشارع سياسة جنائية سليمة ، فمن المتعين أن يضع أمامه تحديداً دقيقاً لماهية الجريمة بحسبانها ظاهرة اجتماعية ، وبياناً لأسبابها وتوضيحاً للأغراض المبتغاة من العقوبة والتدبير الاحترازي .
فموضوع السياسة الجنائية هو محاولة الوصول إلي أحسن تكوين لقواعد القانون ، وذلك بعد أن نحاط علماً بالحقائق العلمية التي يقدمها لنا العلماء في شتي المجالات ، ومحاولة لتوجيه المشرع والقاضي ، فهى التى تسمح بتقييم القانون الجنائى المعمول به ، وتوضح ما يجب أن يكون عليه الحال فى النصوص الجنائية من منظور قانون العقوبات معتمدة على أبحاث العلوم الجنائية الحديثة .
و في الواقع أنه ، إلي سنوات قليلة مضت ، لم يكن من السهل تخيل أي إمكانية لتنظيم جنائي لحماية الأوساط البيئية ، وبصورة أدق حماية الهواء والماء والتربة والأنهار والنباتات والطيور والحيوانات لذاتها ، ولكن كان من الممكن ذلك من خلال ارتباطها بالإنسان وبالنظر إلي أهميتها لصحته وسلامته فقط ، فقد كان المقصود دائما رؤية محددة محورها الإنسان ، وليست رؤية شاملة قوامها البيئـة ذاتها.
السياسة الجنائية وحماية البيئة :
والآن فقد اتجهت التشريعات في حمايتها للبيئة إلي التخصيص الذاتي لهذه المصلحة باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الوجود الاجتماعي ، حيث يترتب على المساس بالبيئة كثير من الأضرار الماسة بصحة الإنسان ، واتسعت مفاهيم الصحة لتستوعب كل أفعال المساس بالبيئة تحت تجريمات أفعال الإضرار بالصحة على أساس الوظيفة الأخلاقية للقوانين الجنائية ، وبهذا وعندما انحصرت غالبية الجرائم ضد البيئة في فعل التلويث ، واتفق علي قيام التلويث المادي وغير المادي ، سواء وقع بالفعل الإيجابي أو السلبي ” مجرد الامتناع ” ، وتعددت أساليب الحماية الجنائية من هذا الفعل ، وإن قصرت عن الإحاطة بكل أبعاده المادية .
ولما استقر الرأي علي نسبة غالبية أفعال التلويث التي يمكن لها أن تشكل كوارث تضر بالبيئة وبصحة الإنسان للشخص المعنوي كالشركات والمصانع والمنشآت وغيرها بحسبانها هي المسئول الأساس عن جرائم التلويث بما لها من نشاط صناعي أو غيره من الأنشطة التي يمكن أن تضر بالبيئة ، أصبح لزاماً أن تتخذ السياسات الجنائية اتجاهات جديدة في تقريرها لهذا النمط من المسئولية الذي يعكس مفهوماً جديداً في التجريم والعقاب .
أهمية السياسة الجنائية :
وأمام جرائم حديثة علي هذه الدرجة من الأهمية والخطورة ، صار من الضروري وضع سياسة جنائية خاصة بهذه الطائفة من الجرائم ، جرائم تلويث البيئة ، تراعي خصوصيها وخطورتها ، وتكمل النقص في بناء النظام القانوني الجنائي ، وتسهم مساهمة فعالة في مكافحتها والحد من أخطارها ، والجدير بالذكر أن الدول الكبري قد تنبهت للمعطيات العلمية الحديثة الخاصة بالتلوث وأحست بخطورة الجرائم المتعلقة بها وفداحة الأضرار المترتبة عليها واهتمت بوضع سياسات جنائية حاسمة للجرائم ضد البيئة .
لذا فقد أصبح لزاماً علينا أن نراجع أنفسنا بالنظر إلي منهجنا في معالجة جرائم البيئة بحسبانها من أخطر الجرائم التي يمكن أن تؤثر علي صحة الإنسان وتضر بها وذلك من أجل سياسة جنائية جديدة ورشيدة في هذا المجال.
/endoftheworld-osamasaziz.blogspot.com