السياسة الجنائية لمواجهة الجرائم الإرهابية دراسة مقارنة في القانون الوطني والدولي


السياسة الجنائية لمواجهة الجرائم الإرهابية دراسة مقارنة في                             القانون الوطني والدولي

 

عرفت دولة الكويت شأنها شأن كثير من دول العالم ظاهرة العنف والإرهاب في أواخر القرن المنصرم – في السبعينيات وفي أعقاب حرب تحرير دولة الكويت ” حرب الخليج الثانية ” – وإتخذت صوراً وأشكالاً مختلفةً ، وقد عانت من آثار الإرهاب المدمرة وذلك رغم أن دولة الكويت دولة مسالمة ، وتقيم علاقات متوازنة بين سائر دول العالم قاطبةً ولا تعادي أحداً . وفي ذلك دلالة قاطعةً أن الإرهاب كظاهرة ليس محدوداً بمناطق جغرافية معينة أو أشخاصاً بذواتهم .

وإزاء ذلك ، إتجهت دولة الكويت إلى إتخاذ إجراءات قانونية وأمنية لمواجهة هذه الظاهرة ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بإعداد مشروع أو مسودة مشروع قانون لمكافحة الإرهاب ، بحسبان أن المواجهة التشريعية رافداً مهماً من روافد مكافحة الإرهاب ، وأكثرها أهمية ، كما إتجهت إلى الإنضمام للإتفاقيات الدولية أو الإتفاقيات المبرمة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب .

ولكل الإعتبارات السابقة ، تقدمت بهذه الرسالة بغية الوقوف على الإتجاهات التشريعية في شأن مواجهة ظاهرة الإرهاب في القوانين المقارنة لما عساه أن تكون مفيدةً في إثراء دراسة مشروع قانون مكافحة الإرهاب الكويتي قبل إحالته إلى مجلس الأمة أو بعد إحالته إليه ، حتى يأتي متفقاً معا الإتجاهات التشريعية المعاصرة ومنسجماً مع التوجهات الدولية في شأن مكافحة الإرهاب في إطار من التوازن الدقيق بين حريات المواطنين ومكافحة الجريمة الإرهابية .

وتأتي أهمية الدراسة إستناداً ومنطلقاً من الإعتبارات الآتية :

  1. تزايد جرائم الإرهاب في الوقت الحاضر، بصورة لم يسبق لها مثيل من قبل، سواء أكان إرهاباً داخلياً أم على المستوى الدولي، ومن ثم بات من الضروري مواجهة تلك الجرائم والحد من آثارها، وما يستتبعه ذلك من ضرورة إعادة النظر في السياسة الجنائية .
  2. ومما يزيد من صعوبة ذلك، التوسع في مفهوم الإرهاب، وما تمخض عن ذلك من اختلاطه، بمفاهيم الدفاع الشرعي والمقاومة المشروعة، ومن ثم فإن الأمر يقتضى تحديداً دقيقاً وواضحاً لمفهوم الإرهاب، حتى لا يختلط هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى، مما يسعف في مواجهة جرائمه .
  3. ويتفرع على ذلك، أن اصطباغ جرائم الإرهاب بالصبغة السياسية يغدو توسعاً منتقداً لا أساس له، وهو يستوجب ضبط مفهوم الإرهاب .
  4. الوقوف على الجهود الدولية في شأن تعريف الإرهاب والإجراءات والتدابير الدولية لمواجهة جرائمه.
  5. الوقوف على السياسة الجنائية لمواجهة جرائم الإرهاب على المستويين الوطني والدولي وبيان ما لها وما عليها، ومحاولة صياغة سياسة جنائية تكفل مواجهة تلك الجرائم والحد من آثارها .

كما تسعى الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية:

  1. الوقوف على نشأة جرائم الإرهاب وتطورها سواء في العصور القديمة أو الوسطى أو الحديثة، فضلاً عن إلقاء الضوء على تلك الجرائم في الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها .
  2. تحديد أوجه الاختلاف بين الإرهاب التقليدي والإرهاب المعاصر، بأشكاله، سواء الإرهاب الفردي أو المحلى أو الدولي .
  3. محاولة الوصول إلى تعريف واضح ومحدد وقاطع للجريمة الإرهابية، سواء في وصفها أو في أركانها، والتمييز بينها وبين غيرها من الجرائم، كالجريمة المنظمة، والجريمة الدولية، والجريمة السياسية .
  4. إلقاء الضوء على ظاهرة العنف والإرهاب في دولة الكويت

وتطورها وتطبيقاتها.

  1. بيان السياسة التشريعية لمواجهة جرائم الإرهاب في القانون المقارن والوطني، سواء من الناحية الموضوعية أو الإجرائية، واستظهار أوجه الاتفاق والاختلاف بينها، وبين تلك السياسة الجنائية في القانون الكويتي، والجهود المبذولة لمواجهة ظاهرة الإرهاب سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وذلك كله بهدف الوصول إلى صياغة سياسة جنائية لمواجهة لجرائم الإرهاب .
  2. الوقوف على كيفية مواجهة جرائم الإرهاب في القانون الدولي،

لا سيما جهود المؤتمرات والمنظمات الدولية لتحديد مفهوم الإرهاب وصور وأشكال الإرهاب الدولي ودوافعه والتعاون الدولي لمواجهته .

وفى هذا السياق يتحدد نطاق الدراسة زمنياً، بنظرة تاريخية

(إطلالة تاريخية) على نشأة جرائم الإرهاب وتطورها في العصور القديمة والوسطى والحديثة وفى الدولة الإسلامية، وموضوعياً، بتناول السياسة الجنائية لمواجهة جرائم الإرهاب، سواء من الوجهة الإجرائية

أو الموضوعية في النظم المقارنة، وتشمل – بالطبع – النظام القانوني في دولة الكويت، وأيضاً سبل مواجهة الإرهاب في القانون الدولي .

وتعتمد الدراسة في مصادرها على الوقوف على النظم القانونية المقارنة في شأن الجرائم الإرهابية والحد منها ومن آثارها، والاتفاقات والمعاهدات والمؤتمرات الدولية في شأن تعريف الإرهاب والتدابير والإجراءات اللازمة لتذليل المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك .

واستبان الباحث من خلال الدراسة وجود صعوبات وإشكاليات

بدت فى الآتى:

  1. صعوبة الوقوف على حجم جرائم الإرهاب، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، إما لطبيعة بعض هذه الجرائم واتسامها بالطابع السياسي، وخشية إذاعة أسرارها، وإما لأنها جرائم ما زالت رهن التحقيقات، ومن الصعوبة بمكان الاطلاع عليها والحصول على البيانات وتحليلها لمعرفة حجم تلك الجرائم وظروف ارتكابها وأسبابها ودرجة خطورتها، ومدى كفاية الإجراءات التي اتخذت لمواجهتها .
  2. أدت صعوبة الحصول على بيانات تتعلق بحجم تلك الجرائم، إلى صعوبة إجراء التحليل الكمي لها وتصنيفها وبيان درجات خطورتها وآثارها، وفى هذا السياق قد تظهر الصعوبة ذاتها في إجراء استبيان حول جرائم الإرهاب .

وفى ضوء ما تقدم جميعه ، تم بناء الرسالة فى سائر أجزائها وموضوعاتها على التقسيم الآتى :

فصل تمهيدي، بعنوان إطلالة تاريخية على نشأة جرائم الإرهاب وتطورها سواء في العصور القديمة، أو الوسطى، أو الحديثة .

وفى الباب الأول، نتناول ماهية الجريمة الإرهابية وتعريفها فقهاً وتشريعاً، وطبيعة هذه الجريمة وتمييزها عما يشابهها من جرائم

(الجريمة المنظمة، والجريمة السياسية، والجريمة الدولية) .

وفى الباب الثاني، نتناول السياسة الجنائية لمواجهة جرائم الإرهاب في القانون الوطني المقارن سواء السياسة الإجرائية أو الموضوعية .

وفى الباب الثالث، تتصدى الدراسة لموضوع مواجهة الإرهاب

في القانون الدولي، لا سيما ما يتعلق بجهود المؤتمرات والمنظمات الدولية لتحديد مفهوم الإرهاب وصور وأشكال الإرهاب الدولي ودوافعه والتعاون الدولي لمواجهة تلك الظاهرة .

ولقد إستقرت الدراسة الماثلة عن نتائج وتوصيات على النحو التالى :

أولاً : النتائج :

من استقراء مدونات الدراسة الماثلة يمكن استخلاص النتائج الآتية :

أ– الإرهاب ظاهرة ذات جذور تاريخية وقعت في أزمان مختلفة من التاريخ الإنساني المتشابك، بحيث أصبح من المسلم به أن الإرهاب غير محدود زماناً وغير مسيطر عليه مكانياً، متخذاً في ذلك إشكالاً مختلفة ومستخدماً أدواةً متباينةً بهدف نشر الرعب، إما للإجبار

على اتخاذ موقف معين أو تحقيقاً لأهداف معينة سواء خلقت بالحقوق السياسية أو الحقوق الاجتماعية في الدولة .

ب- تعددت التعريفات السائدة في التشريعات المختلفة، وفى الفقه والقضاء، وفى الشريعة الإسلامية في شأن الإرهاب، ونلاحظ

أن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو استخدام أدوات العنف والارتكاز على إشاعة الخوف والرهبة على نطاق واسع مع وجود غاية إرهابية تختلف عن الغاية المرادة في الجريمة العادية (مثل غاية الانتقام

في جريمة القتل العادية ) .

ج- إزاء عدم الاتفاق على العناصر المكونة للجريمة الإرهابية، تباينت الاتجاهات الفقهية في شأن الطبيعة القانونية لجريمة الإرهاب، وهى

لا تخرج عن كونها جريمة من جرائم القانون لابسها ظرف الإرهاب منظوراً إليه باعتباره عنصراً يتصل بالواقعة الإجرامية، ويترتب على ذلك تغيير في جسامة الجريمة وتغيير وصفها أو التشديد في العقوبة المقررة أصلاً للجريمة .

ومن البدهى أنه؛ لا يمنع ذلك من إيراد طوائف نوعية محددة لجرائم إرهابية بطبيعتها باعتبار أن عنصر الإرهاب بقصد التخويف والترويع، أصبح عنصراً ومكوناً من مكونات بعض الجرائم مثل جريمة احتجاز الرهائن، وخطف الطائرات والقرصنة وقطع الطريق .

وإزاء ذلك جميعه، فإننا نرى ضرورة تعريف جريمة الإرهاب الدولي والأعمال الإرهابية وتجريمها على المستوى الدولي من خلال معاهدة دولية جماعية، وهو ما يتطلب عقد مؤتمر دولي من خلال المنظمة الدولية للتوصل على أحكام الاتفاقية في شأن مكافحة الإرهاب الدولي .

د- وفى هذا السياق إن أهم ما يميز الإرهاب عن العنف السياسي والجريمة السياسية والجريمة المنظمة والجريمة الدولية، هو أيضاً ظرف الإرهاب وإشاعة الرعب والخوف، وبالتالي فإن كل

من هذه الجرائم قد تصبح بجانب وصفها الأول من جرائم الإرهاب

إذ لابسها ظرف الإرهاب .

هـ- إن اتصاف ظاهرة الإرهاب بالعالمية في حدود الدولة الواحدة، ومما ساعد على ذلك انتشار التقنيات العلمية الحديثة، فإن جهوداً دولية دؤوبة قد بذلت لوقف تلك الظاهرة باستخدام وسائل دولية :

– الاتفاقيات الدولية وأيضاً الاتفاقيات العربية والخليجية المحددة لمفهوم الإرهاب الدولي وواجبات الدول في التعاون الأمنى وضبط جرائم الإرهاب وتسليم الإرهابيين أو محاكمتهم محاكمة رادعة

على إقليم الواقعة .

– النص على التزامات مباشرة على الدول لتعديل تشريعاتها الداخليـة لكفالـة أمن الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية والأفراد ووسائل الطيران والسفن الدولية .

– تقرير التضامن والمسئولية الناشئة عن أخطار الإرهاب ووجوب تعويض ضحاياه .

– تعاون الدول على المستوى الإقليمي باتخاذ تدابير إقليمية لمكافحة الإرهاب، مثال ذلك دول الاتحاد الأوربي، ومنظمة الدول الأمريكية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأخيراً في إطار منظمة الوحدة الإفريقية .

و- وفوق ذلك كله، يتعين على المجتمع الدولي السعي الجاد والتعاون للقضاء على أسباب الإرهاب واقتلاعها من جذورها، فذلك –

مما لا شك فيه – يسهم بدرجات متفاوتة في الحد من ظاهرة الإرهاب في حد ذاتها .

ز- ضرورة التزام المجتمع الدولي بتعويض ضحايـا الإرهـاب على المستـوى الدولي، ونطالب بالتزام الدولة بإنشاء صندوق اجتماعي يتم تدبير موارده من مصاريف الدعاوى والتبرعات والغرامات لتعويض ضحايا الإرهـاب، للصرف منه على التعويض المؤقت للمجني عليهم وأسرهم .

ح- تطوير القواعد الخاصة بتسليم المجرمين في التشريعات الجنائية للدول المختلفة على نحو ما يسهل تسليم المجرمين لمحاكمتهم عن جرائم ارتكبوها في إقليم دولة أخرى، طبقاً لقانونها الداخلي لينالوا جزاء ما اقترفت أيديهم، ويكون سبيلاً للتعاون بين الدول في الحد من جرائم الإرهاب .

ط- إنشاء محاكم جنائية إقليمية لمعاقبة مرتكبي جريمة الإرهاب الدولي، في إطار اتفاق دولي، مما يسهل محاكمة المتهمين تحقيقاً للعدالة الجنائية، وإسهاماً في الحد من جرائم الإرهاب الدولي .

ثانياً : التوصيات : وتجرى على النحو الآتي :

أ- سرعة الانتهاء من مناقشة مشروع قانون الإرهاب الكويتي

وإقراره من السلطة التشريعية وإصداره من صاحب السمو

أمير البلاد الشيخ / صباح الأحمد الجابر الصباح ” حفظه الله وراعاه ” بحسبانه قانوناً مهماً لا غنى عنه، لمواجهة الإرهاب وجرائمه الخطيرة والمدمرة، إزاء قصور أحكام قانون الجزاء وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية لمواجهة ظاهرة الإرهاب على نحو ما كشفت عنه حوادث العنف والإرهاب التي عانت منها الكويت في الفترة الأخيرة، وتأتى المواجهة التشريعية في صدارة أساليب المواجهة بما تتضمنه من سلطات وصلاحيات كفيلة للحد من ظاهرة الإرهاب وآثارها .

ولا نغفل – هنا – بالطبع، أهمية المشاركة الشعبية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من الفعاليات التي لها تأثيرها في مجريات الأحداث السائدة في المجتمع .

وفى هذا الإطار، فإننا نرى :

  1. ضرورة صياغة منظومة متكاملة لمواجهة ظاهرة الإرهاب، تحسباً لما قد تسفر عنه من تهديد لكيان الدولة واستقرارها، فضلاً عن تجنب أضرارها الجسيمة والمدمرة على حياة الأفراد وممتلكاتهم .
  2. ضرورة توقيع دولة الكويت على الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمواقعة في مدينة الرياض في نوفمبر من عام 1994، حيث إنها الدولة الوحيدة التي لم توقع على هذه الاتفاقية اعتراضاً على ما تضمنته الاتفاقية من أحكام خاصة بتسليم المجرمين، ويأتي ذلك من منطلق تبنى اتجاه تطوير القواعد الخاصة بتسليم المجرمين .

ب- ضرورة أن يتضمن مشروع القانون أحكاما جديدة وتعديلاً لبعض أحكامه على النحو الآتي :

  1. تقييد مراقبة المحادثات الهاتفية أو المحادثات التي تتم عبر أجهزة الاتصالات المختلفة وغيرها، بأن يكون الإذن لمدة أسبوع بدلاً من ثلاثين يوماً والتجديد لمرة واحدة، وذلك تحت رقابة النائب العام

أو من يفوضه، وهو ما يستتبع إعادة النظر في المادة (32)

من المشروع .

  1. تقييد مدة حجز المقبوض عليهم بمعرفة الشرطة في إحدى جرائم الإرهاب، بحيث لا تجاوز أسبوعاً بدلاً من خمسة عشر يوماً وهو ما يستتبع إعادة النظر في المادة (35) من المشروع .

وفي هذا الإطار، يتعين أن يكون قرار زيادة مدة الحبس الاحتياطي من صلاحيات قاضي التحقيق، وأن يتم القبض تحت إشرافه

                                                                                                                                                       www.alnodom.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية   حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، في جملة ...