الشرطة الإدارية
مقدمة
قبل الدخول في صلب الموضوع لا بد من إعطاء فكرة عن أصل مفهوم الشرطة الإداريةأوالضبطالإداري، فمصطلح police بالفرنسية مشتق من الكلمة اليونانية polis التي تعني المدينة أوالدولة،وتعني كلمة policeبالفرنسية إدارة المدينة.وهذا الربط ليس وليد الصدفة، وإنما يعبر عن العلاقة الموجودة بين المدينة أي المجتمع وبين الإدارة والتي تفيد التنظيم القانوني حيث تقتضي تلك العلاقة خضوع الفرد للنظام العام.
فحسب الأستاذ “MOREAU ” يمكن التمييز بين ثلاثة معاني : فهي تفيد في معناها الواسع فكرة التنظيم القانوني والتي ترادف القانون الذي ينظم نشاطا معينا وهكذا نقول ضابط الأسرة وضابط الملكية. إما بمفهومها الضيق فهي تشير إلى معنى المرقق العام بمفهومه العضوي وهكذا نقول قوات الضبط أو البوليس أو الشرطة وذلك للإشارةإلى ذلك الجهاز الذي يقوم بالوظيفة، واخبرا فكلمة بوليس مضافة إلى التعت الإداري والتي هي صورة من صور النشاط الإداري[[1]]url:#_ftn1 .
أما تعبير الضبط فيوحي بفكرة مغايرة وهي التنظيم réglementation laوهي تستعمل دائما مصحوبة بكلمة ” الإداري ” للإشارةإلى البوليس police، وإذا استعملت الكلمة بصفة معزولة فقد تعني ” نظام أو لائحة ” أما عندما يستعمل التعبير المركب ” الضبط الإداري ” فإنما قد يعني ” نظام إداريأو تنظيم إداري ” وهذا هو الأسلوب الذي دفع معظم الكتاب العرب إلى استخدام هذا التعبير للإشارة بمفهومها المادي واستخدام كلمة ” الشرطة ” للإشارةإلى المعنى العضوي للشرطة الإدارية، أما كلمة بوليس فماهي إلا نقل حرفي للمصطلح الفرنسي .
وقد عرف المجتمع العربي الإسلامي نظام الشرطة الإدارية منذ قيام الدولة فيه، حيث كان يطلق على مؤسسة الشرطة تسمية ” نظام العسس ” والذي كان يقوم بمهمة السهر على النظام داخل الجماعة الإسلامية.
وبالرغم من أن الشرطة الإدارية كانت تمارس في المغرب منذ القدم، إلا أن تنظيمها الحقيقي لم يعرف إلا مع بداية نظام الحماية، ومنذ سنة 1912 صدرت مجموعة من القوانين تهم الضبط الإداري العام و الخاص[[2]]url:#_ftn2 .
وترتيبا لذلك يقول الأستاذ عبد القادر باينة ، بأن “القانون الإداري يتبع المواطن من لحظة ميلاده إلى حين وفاته، فإن تطبيق الشرطة الإدارية هو الذي يتكفل بهذا الحضور الدائم”، وهذا التطبيق يتجلى في تعريفها إذ تعرف الشرطة الإدارية بأنها مجموع نشاطات الإدارة التي تكمن في اتخاذ مختلف الإجراءات التنظيمية والفردية من اجل الحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة : الأمن العام، الطمأنينة والصحة العامة[[3]]url:#_ftn3 .
كما يعرف الفقيه delaubadereالشرطة الإدارية بأنها “مظهر من مظاهر عمل الإدارة يتمثل في تنظيم حريات الأفراد حماية للنظام العام”[[4]]url:#_ftn4 .أما الدكتور الخطابي مصطفى فقد عرفها “بمجموع التدخلات الرامية إلى وضع حدود لحرية نشاط الأفراد، وفرض النظام الذي تتطلبه الحياة الاجتماعية”[[5]]url:#_ftn5 ، بينما عرفها الدكتور طعيمة الجرف بالضبط الإداري وهو” مجموع ما تفرضه السلطة العامة من أوامر و نواهي وتوجيهات ملزمة للأفراد بغرض تنظيم حرياتهم العامة، أو بمناسبة ممارستهم لنشاط معين، بهدف صيانة النظام العام في المجتمع”[[6]]url:#_ftn6 .
من خلال هاته التعريفات يمكن القول أن الضبط الإداريأو الشرطة الإدارية هو نشاط ومظهر من مظاهر عمل الإدارة، تهدف من خلاله الحفاظ على النظام العام بعناصره الثلاثة، مع فرض بعض القيود على حريات الأفراد وتنظيمها للحيلولة دون الإخلال بالنظام العام.
بالمقابل لا بد من التمييز بين الضبط الإداري والضبط التشريعي وكذا القضائي، حيث أن الضبط التشريعي يلجأ إليه المشرع في اغلب الأوقات حينما يصدر قوانين تحد من حريات الأفراد وحقوقهم حماية للنظام العام، وتسمى التشريعات الصادرة بهذا الخصوص بالضبط التشريعي تمييزا له عن الضبط الإداري الذي يصدر من جانب الإدارة في شكل قرارات تنظيمية أو فردية يترتب عليها تقييد حريات الأفراد[[7]]url:#_ftn7 .
أما الضبط القضائي فتتجلى مهمته في الكشف عن الجرائم ومرتكبيها تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة، وتنفيد العقوبات في حقهم لتكون عبرة لغيرهم، فدوره علاجي يكون بعد وقوعه الجريمة في حين أن الضبط الإداري دوره وقائي قبل وقوع الجريمة.
في هذا الصدد لا بد من الإشارةإلىأن رجال السلطة من عمال وباشوات وقياد… يعدون من سلطات الضبط الإداري في محافظتهم على النظام العام، كما يعدون من ضباط الشرطة القضائية وفقا لما تم التنصيص عليه في قانون المسطرة الجنائية وبالتحديد الفصل 28، حيث يمنح للعامل و الوالي إمكانية القيام بمهام الشرطة القضائية في أحوال استثنائية جدا، وذلك وفق الشروط التالية نذكر منها الجرائم التي تمس امن الدولة الداخلي أو الخارجي[[8]]url:#_ftn8 .
وتكمن التفرقة أيضا في كون أعمال الضبط الإداري تخضع لرقابة الإدارةأماأعمال الضبط القضائي فتخضع لإشراف النيابة العامة. كما أن الضبط الإداري يصدر في شكل قرارات تنظيمية أو فردية تخضع لرقابة القضاء الإداريإلغاءا وتعويضا، بينما الضبط القضائي يصدر في شكل قرارات قضائية تخضع لسلطات القضاء المدني ولا تخضع لرقابة القاضي الإداري.
ويكتسي موضوع الشرطة الإداريةأهمية بالغة، نستشفها من خلال مجموعة من الكتابات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع بالشرح والتحليل. مما يدفعنا بدورنا للتساؤل : متى نكون أمام شرطة إدارية ؟ وكيف تمارس الشرطة الإدارية مهامها في وجود تباين لتداخل الاختصاصات ؟
ا
لمبحث الأول : الشرطة الإدارية :
الوسائل والحدود
تمارس مختلف سلطات الشرطة الإدارية المهام المعهودة إليها حسب وسائل يطلق عليها تدابير الشرطة وتتخذ هذه التدابير إما عن طريق القرارات التنظيمية أي إصدار قواعد عامة لحماية النظام العام، أو عن طريق القرارات الفردية بإصدار تدبير بالترخيص أو المنع ( مطلب أول )، وان ممارسة الشرطة الإدارية تهم في غالب الأحيان نشاط الأفراد وحرياتهم لذلك فإنها تخضع لمبدأ المشروعية والمراقبة القضائية ( مطلب ثاني ).
المطلب الأول : وسائلــــــــــــــها
1– الوسائل القانونية
تتمثل هذه الوسائل في القرارات التي تتخذها الإدارة أو السلطة المكلفة بإجراءات السلطة الإدارية . والقرار الإداري هو عمل تباشره الإدارة بشكل انفرادي لإحداث اثر قانوني أو مركز قانوني معين أو تغييره أو إلغائه لما لها من سلطة عامة .
وعليه يجب أن يصدر هذا القرار عن الإدارة، أي لا يجب أن يصدر عن السلطة التشريعية أو قضائية على سبيل المثال، كما يجب أن يكون إفصاح عن إرادة منفردة وملزمة، ويتخذ القرار مضمونا قاعديا، لينتج أثار قانونية إما بالإنشاء أو بالتعديل أو الإلغاء.
وعليه يمكن التمييز بين القرار و المقرر، بحيث أن القرار لا يصدر عن هيئة تداولية، على عكس المقرر الذي يعبر عن إرادة جماعية تداولية، وغالب الأحيان يأتي القرار في درجة أدنى من المقرر في سلم تدرج القرارات الإدارية[[9]]url:#_ftn9 .
وتنقسم القرارات الإدارية إلى قرارات تنظيمية وأخرى فردية، وهذا التقسيم هو الذي يهمنا في مجال الشرطة الإدارية .
أ – القرارات التنظيمية في مجال الشرطة الإدارية
يصطلح عليها المراسيم التنظيمية، وهي تلك التي تصدر للحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة، وتتخذها السلطة التنظيمية المتجلية في رئيس الحكومة و الوزراء بتوقيعهم بالعطف على هذه المراسيم، وتسمى أيضا بالقرارات الضبطية التي تتخذها الإدارة، من ناحية ثانية يطلق عليها اللوائح الضبطية في المشرق، والقرارات التنظيمية من الناحية القانونية اقل درجة من القانون .
أما الشرطة الإدارية المحلية فتتخذ هي الأخرى جملة من القوانين التنظيمية : مثال تطبيق القوانين، والأنظمة المتعلقة بالتعمير، ضمان السكينة العمومية[[10]]url:#_ftn10 .
ب – القرارات الفردية في مجال الشرطة الإدارية
وهي التي تصدر على فرد بذاته أو على مجموعة من الأفراد محددين بأسمائهم في القرار، مثال ذلك: القرار الصادر والرامي بتعيين فرد ما في وظيفة عمومية معينة. وقد تتضمن هذه القرارات الفردية أمرا بعمل شيء كالأمر الصادر بهدم منزل أيل للسقوط، وقد تصدر بالامتناع عن عمل شيء معين كالأمر بمنع مسيرة ما أو عقد اجتماع عام …، ويتخذ رئيس المجلس الجماعي مثل هذه القرارات وبالرجوع إلى الفصل 50 من الميثاق فهو يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية بواسطة تدابير فردية تتجلى في الإذنأوالأمرأو المنع، وتسمى بالتدابير الفردية.
ففي المجال الصناعي يمنح الإذن لمزاولة بعض الأنشطة كمعامل الاحدية و المطابع …، هذا فيما يخض الإذن[[11]]url:#_ftn11 ، أماالأمر فلا يمكن تطبيقه إلاإذا تم تبليغه لمن يهمهم الأمر هذا ما تم التنصيص عليه في الفصل الثاني من مرسوم 2.78.157 بتاريخ 1980/05/06 المتعلق بتحديد شروط التي تنفد بها تلقائيا التدابير الرامية إلىاستثبابالأمن وضمان سلامة المرور والمحافظة على الصحة العمومية[[12]]url:#_ftn12 ، لان هذه الأوامر تشكلا مساسا بحرية الأفراد. ومن أمثلةالأمر نذكر :
–الأمر بهدم منزل أيل للسقوط بهدف ضمان سلامة المرور والحفاظ على الصحة العامة و النظافة العامة .
وما يقال في مجال الأوامر يمكن أن ينطبق في ميدان المنع، ومن أمثلةالمنع : منع عرض أفلام تمس بالأخلاق العامة … .
وعموما يختلف القرار التنظيمي عن القرار الفردي من حيث وقت سريانه في حق الأفراد، فالأول يسري على الأفراد من تاريخ نشره، أما الثاني فيسري في حقه منذ تاريخ إعلامهم به.
2 – الوسائل المادية
هي تلك الوسائل المعتمدة من طرف الإدارةأو التي تلجأ إليها ضمانا لتنفيذ قراراتها وإدخالهاإلى حيز التنفيذ، ففي بعض الأحيان قد يمتنع الأفراد من تنفيد قرارات الإدارة في مقابل هذا تمتلك الإدارة وسائل مادية لمنع الإخلال بالنظام العام، وإجبار هؤلاء الأفراد على احترام أحكام القانون، وذلك بالاستعان بالقوات المساعدة و قوات الشرطة و القوات المسلحة الملكية و الدرك الملكي باحترام الحدود القانونية، وهذا ما يصطلح عليه بالتنفيذ المباشر و الجبري وفي هذا الإطار نص الفصل 29 من ظهير 15 نونبر 1958 والمتعلق بالتجمعات العمومية على تخويل سلطات الشرطة الإدارية الحق في تفريق التجمعات المسلحة أو غير المسلحة باستعمال القوة، إلا انه في أحيان كثيرة قد لا نجد نصوص صريحة لهذا التدخل، وبالرغم من ذلك تلجأ سلطات الشرطة الإداريةإلى التنفيذ الجبري نظرا للضرورة أو وجود ظروف استعجالية للحيلولة دون الإخلال بالنظام العام كهدم منزل أيل للسقوط الفوري وغيرها من الأمثلة. ولا يتم الحصول على إذن سابق من السلطات القضائية للتنفيذ إلاأن هذا التنفيذ مقيد بشروط : أن يبيح القانون استعمال هذا الحق، أو حينما يرفض الأفراد تنفيذ القوانين في غياب أسلوب أخرلإجبارالأفراد على احترامها سوى أسلوب التنفيذ الجبري، كما يتم اللجوء إلى هذا الأخير في حالة الضرورة كما يشترط في استخدام القوة المادية ان يكون ذلك الاستخدام متناسبا مع جسامة الخطر الذي قد يلحق النظام العام[[13]]url:#_ftn13 .
والتنفيذ المباشر للقرارات يخضع لمرسوم رقم 2.78.157 بتاريخ 26 ماي 1980 المتعلق بتحديد الشروط التي تنفذ بها تلقائيا التدابير الرامية لاستثباب الأمن وضمان سلامة المرور والمحافظة على الصحة العمومية.
والشروط هي :
– أن يرخص القانون بإمكانية التنفيذ التلقائي للقرارات الصادرة عن الإدارة تنفيذا جبريا دونما اللجوء إلى القضاء نظرا لحالة الاستعجال، أما إذا لم يكون هناك نص قانوني يجيز التنفيذ فلا يحق لها أن تلجأ إليه.
– ألا توجد وسيلة أخرى من خلالها يمكن تنفيذ القرار الصادر دونما اللجوء للتنفيذ الجبري .
– حالة الضرورة القصوى، حالة وجود خطر حقيقي يتطلب التدخل الفوري للإدارة للحيلولة دون الإخلال بالنظام العام .
غير أن هذه الحالة الأخيرة أي حالة الضرورة القصوى تستوجب :
– استنادها إلى نص قانوني
– اقتصارها على التدابير الضرورية لمعالجة الوضع دون تجاوزها
– حصول امتناع من طرف الأشخاص المعنيين بتنفيذ القرار[[14]]url:#_ftn14 .
المطلب الثاني : حدودهـــــــــــــا
يجوز للأفراد أن يطعنوا في قرارات الشرطة الإدارية ا وان يطلبوا التعويض على الأضرار اللاحقة بهم من جراء استعمال سلطات الشرطة، ويتعين على القاضي التحقق من كون قواعد الاختصاص والشكليات قد تم احترامها بشكل مضبوط من لدن سلطة الشرطة كما للقاضي التحقق من الهدف الحقيقي في استعمال سلطة الشرطة أي المحافظة على النظام العام، وأنه غير مشوب بالانحراف في استعمال السلطة، كالمثل القائد الذي يستعمل سلطات الشرطة المخولة له في تنظيم مرفق عام للنقل العمومي، ذلك أن سلطات الشرطة لا تخوله سوى اخذ التدابير لحماية حسن النظام و الأمن داخل السيارات واحترام متطلبات السير في الطرق العمومية، كما أن القاضي يتحقق من ملائمة التدابير للظروف المستلزمة لها .
ويبطل القاضي كل تدبير للمنع العام والمطلق والمستمر تطبيقا لهذا المبدأ قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار عمدة مدينة Nevers المتعلق بمنع محاضرة السيد بنجامين لأن هذا القرار لا يحترم حرية الاجتماع ويتنافى مع قانون حرية التجمعات[[15]]url:#_ftn15 .
تختلف وتتنوع السلطات الممارسة للشرطة الإدارية حسب أنواع هذه الشرطة : وطنية ومحلية، عامة وخاصة وقد يؤدي هذا التنوع إلى تداخل في السلطات، وقد يصل إلى تنازع هذه السلطات .
المبحث الثاني : تعدد السلطات واثــــــــــــــــــــاره المطلب الأول : تنوع السلطات
1 – على المستوى الوطني :
أ –الوزيرالأول
يوكل للوزير الأول بموجب الفصل 90 من الدستور حق ممارسة السلطة التنظيمية، وعليه فالوزير الأول يمارس الشرطة الإدارية العامة أو الخاصة. ويصدر خلال مباشرته للسلطة التنظيمية قرارات تنظيمية ترتبط بمختلف مجالات الشرطة الإدارية العامة بمدلولاتها الثلاث[[16]]url:#_ftn16 ، الأمن العام والصحة العامة و السكينة العامة ، كما يمارس الشرطة الإدارية الخاصة كشرطة مراقبة الأسعار فحسب المادة 36 من ظهير 1.00.225 الصادر بتاريخ 5 يونيو 2000 بتنفيذ قانون 96-06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[[17]]url:#_ftn17 فإنه يجوز للوزير الأول بتوصية من مجلس المنافسة أن يصدر قرارا معللا يأمر فيه المعنيين بالأمر أن يجعلوا حدا للممارسات المنافية لقواعد المنافسة داخل اجل معين أو يفوض فيه عليهم شروط خاصة.
يمارس أيضا الوزير الأول شرطة السير والجولان وفقا لنصوص مقننة .
ب – الوزراء
يمارس الوزراء الشرطة الإدارية بشكل غير مباشر من خلال توقيعهم بالعطف على القرارات التنظيمية الصادرة من طرف الوزير الأول. فمثلا وزير الفلاحة وحسب الفصل الأول من مرسوم 2.77.657 بتاريخ 29 شتنبر 1977 المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الفلاحة يمارس الشرطة الإدارية الوطنية في مجموع التراب الوطني فيما يتعلق بشرطة المحافظة على الملك الغابوي وشرطة الوقاية الصحية. أما وزير الداخلية يمارس الشرطة الإدارية بشكل غير مباشر عن طريق توجيهات والأوامر التي يوجهها إلى مرؤوسيه التابعين لوزارته[[18]]url:#_ftn18 .
2 – على المستوى المحلي :
أ – الولاة و العمال
يمارس الولاة و العمال الشرطة الإدارية العامة من خلال تمثيلهم أولا للسلطة التنفيذية بالأقاليم و العمالات، وثانيا من خلال إسنادهم مهمة الحفاظ على النظام العام، كما يمارسون الشرطة الإدارية الخاصة من خلال مجموعة من النصوص الخاصة و المقننة، ففي مجال التعمير مثلا يمارس العمال شرطة التعمير : المادة 71 من ظهير 17 يونيو 1992 الصادر بتنفيذ قانون 90-012 المتعلق بالتعمير[[19]]url:#_ftn19 التي منحت سلطة الأمر بهدم جميع أو بعض البناء المخالف للضوابط المقررة في القوانين ، وطبقا للفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات[[20]]url:#_ftn20 فإنها منحت للعمال سلطة تسليم الإذن بإحداث تجزئات عقارية إذا كان العقار يوجد في جماعتين أو عدة جماعات وذلك بتفويض من وزير الداخلية وبعد استطلاع رأي رؤساء المجالس المحلية المعنية، كما يمارسون شرطة الصيد وحمل السلاح الظاهر من خلال منحهم للرخص في هذا المجال . كما يمارسون شرطة المهن الحرة وغيرها من الشرطة الخاصة.
ب – الباشوات والقواد
كان الباشوات والقواد هم الذين يمارسون الشرطة الإدارية المحلية إلى حدود سنة 1976 حيث اصدر ظهير تنظيم الجماعات المحلية، وبموجب المادة 44 يتم توزيع اختصاصات الشرطة الإدارية بين السلطة المحلية ورئيس المجلس الجماعي ” إن السلطات المخولة للباشوات و القواد في ميدان الشرطة الإدارية الجماعية وكذا المهام المسندة إليهم بموجب النصوص التشريعية و التنظيمية المعمول بها تنقل إلى رؤساء المجالس الجماعية …”[[21]]url:#_ftn21 . إلا أن هذه المادة لم تكن واضحة إلى حد ما في توزيع الاختصاصات مما أدى إلى تداخلها ثم إلى تنازعها في العديد من الأحيان . ولتجاوز هذا التنازع في الاختصاص جاء الميثاق الجماعي لسنة 2002 دقيقا شيءا ما من خلال المادة 49 منه في تحديد اختصاصات الشرطة الإدارية للسلطة المحلية، وجل هذه الاختصاصات تدخل في مجال الشرطة الإدارية الخاصة كشرطة المهن الحرة وشرطة مراقبة نشاط الباعة المتجولين، شرطة مراقبة الأثمان
… .
ج – رؤساء المجالس الجماعية و مجالس المقاطعات
وبالرجوع إلى المادة 50 من الميثاق الجماعي لسنة 2002 فقد تم تحديد اختصاصات المنوطة برئيس المجلس الجماعي حيث ” يمارس رئيس المجلس الجماعي اختصاصات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية، النظافة ، السكينة العمومية، وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية هي : الإذن أو الأمر أو المنع.
أما رئيس مجلس المقاطعة فبموجب المادة 104 من الميثاق الجماعي لسنة 2002 يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية في مجال التعمير وفي ميادين الصحة و النظافة.
مما سبق فإن كل من رئيس المجلس الجماعي ورئيس مجلس المقاطعة يمارسون الشرطة الإدارية المحلية – الجماعية –الخاصة، في حين تمارس السلطة المحلية الشرطة الإدارية العامة ومنها الخاصة.
إن الجهات التي لها سلطة اتخاذ إجراءات الشرطة الإدارية على الصعيد الوطني تتجلى في الوزير الأول و الوزراء بشكل غير مباشر في حين على الصعيد المحلي نجد كل من السلطة المحلية ورؤساء المجالس الجماعية ورؤساء مجالس المقاطعات هي السلطات الموكول لها حق ممارسة الشرطة الإدارية، ويلاحظ أن رئيس مجلس العمالة أو الإقليم ورئيس مجلس الجهة لا يمارسون أي نوع من أنواع الشرطة الإدارية سواء العامة أو الخاصة ذلك مرده هيمنة سلطات العامل أو الوالي بمقارنة مع سلطات سواء رئيس مجلس العمالة أو رئيس مجلس الجهة.
تجدر الإشارة إلى انه لا يمكن في أي حال من الأحوال تفويض صلاحيات الشرطة الإداريةإلى الخواص، هذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم 2001 بتاريخ 22 دجنبر 2008 والذي جاء فيه : لكن حيث أن تدبير مرفق عام عن طريق عقود امتياز كما هو الحال في نازلة الحال كان بناءا على تفويض صلاحيات الشرطة الإدارية، هاته الصلاحية التي لا يمكن تفويضها لأنها تدخل في إطار النظام العام[[22]]url:#_ftn22 . كما تم تأكيده أيضا في حكم رقم 745 الصادر بتاريخ 16 ابريل 2009 [[23]]url:#_ftn23 .
وترتيبا لذلك صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط حكم تحت رقم 2616 في الملف رقم 09.12.236 بتاريخ 21 دجنبر 2009 حيث خرج هذا الحكم بقاعدة واضحة وهو أن صلاحيات الشرطة الإدارية يقوم بها رؤساء المجالس الجماعية طبقا للفصل 44 من الظهير المتعلق بالتنظيم الجماعي، وانه لا يمكن تفويضها لأشخاص القانون الخاص. من ناحية ثانية يمكن المطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن ممارسة صلاحيات الشرطة الرادارية من قبل أشخاص القانون الخاص[[24]]url:#_ftn24 .
المطلب الثاني : تنازع الاختصاص
يؤدي تعدد الأجهزة المتدخلة في ميدان الشرطة الإداريةإلى تداخل الاختصاصات في اغلب الأوقات وقد يؤدي إلى تنازعها بين مختلف هذه الأجهزة.
وتنشأ هذه النزاعات على مستوى الاختصاص أساساإذا لم يضع المشرع صراحة حدود الاختصاص الترابي وكذا الميداني لكل سلطة على حدى من السلطات المتدخلة .
وبالرجوع لاختصاص المجلس الجماعي في ميدان الشرطة الإدارية في المادة 50 من الميثاق الجماعي نجدها غير دقيقة، لماذا ؟
فمثلا مساهمة الرئيس في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي، وحمايته، وذلك باتخاذ التدابير اللازمة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، حيث نجد وزارة الثقافة مكلفة بذلك أيضا من خلال المرسوم 2.06.328 بتاريخ 18 شوال 1427 الموافق ل 10 نونبر 2006 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الثقافة . وهذا تجلي واضح في تداخل في اختصاص الشرطة الوطنية المتمثلة في وزارة الثقافة و المحلية المتجلية في رئيس المجلس الجماعي.
كذلك فيما يتعلق بمساهمة رئيس المجلس الجماعي في مراقبة جودة المواد الغذائية و المشروبات والتوابل المعرضة للبيع و الاستهلاك العمومي، فإننا نجد مصالح كثيرة تابعة للدولة تختص بهذا العمل، فمثال المحتسب نجد القانون رقم 81.807 المنظم له ولأمناء الحرف ينص في فصله الأول : ” يعهد إلى المحتسب دون غيره من السلطات داخل دائرة الاختصاص المكاني التي يزاول فيها مهامه، بمراقبة جودة وأثمان خدمات ومنتوجات الصناعة التقليدية و المنتجات الفلاحية والمواد الغذائية والمشروبات ومنتجات التزيين و النظافة … ” .
وينص الفصل 7 منه على أن يتولى المحتسب علاوة على الاختصاصات المسندة إليه في ميدان مراقبة جودة و أثمان المنتجات و الخدمات المبين في الفصل أعلاه، السهر على الصدق في المعاملات وعلى التقيد بما تفرضه قواعد المحافظة على الصحة و النظافة في الأسواق الحضرية و القروية وفي الأماكن التجارية … وهذه الاختصاصات تدخل أيضا في نطاق اختصاصات الشرطة الإداريةالجماعيةالموكولة لرئيس المجلس الجماعي[[25]]url:#_ftn25 .
وبخصوص تنازع الاختصاص في المجال الشرطة الإدارية في النظم المقارنة وخاصة فرنسا، يمكن تصور حالات إمكانية التنافس بين هذه الأجهزة المتدخلة.
فمثلا إذا سمحت سلطة الشرطة الخاصة بالسينما عرض شريط على العموم، فهذا لا يمنع سلطة الشرطة العامة المحلية من إصدار قرار من منع عرض ذاك الشريط داخل دائرة اختصاصها الترابي، إذا لم تكن الظروف المحلية تسمح بعرض هذا الشريط يشكل خطرا على النظام العام المحلي . وعلى العكس من ذلك لا يمكن لسلطة الشرطة العامة المحلية بعرض شريط وقع منعه من طرف سلطة الشرطة الخاصة. وهذا ما سار عليه القضاء الفرنسي حيث صدر عن محكمة التنازع الفرنسية في 18 دجنبر 1959 الحكم المتعلق برفض طلب مقدم من طرف شركة le film lutetir، بنقد قرار عمدة نيس الذي منع الشركة من عرض فيلمها في مجالها الترابي بالرغم من موافقة وزير الإعلام . وتم تبرير هذا الحكم بكون موافقة وزير الإعلام موافقة أولية واحتياطية نظرا لكون الفيلم قد يعرض بعض الأشياء التي تمس بالأخلاق أو كل ما يخل بالنظام العام، كما أن القانون يسمح للعمدة إمكانية منع في مجاله الترابي ما من شأنه المساس بالأمن والأخلاق ولو منح الوزير الإذن بعرض ذلك الفيلم[[26]]url:#_ftn26 .
وفي الإطار نفسه قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكم له بتاريخ 18 ابريل 1902 في قضية communes – maires المتعلقة بالألعاب المالية . وذلك بإلغاء قرار صادر عن الوالي المتعلق بمنع جميع الألعاب المالية في جميع أنحاء المدينة واعتبر أن الشرطة الإدارية من اختصاص السيد العمدة وهي ليست تحت رقابة السلطة وإنما تحت رقابة الإدارة العامة العليا، فطبقا للمقال المقدم من طرف السيد عمدة Néris– Les – Bains، حيث عمد العمدة غالى إلغاء القرار الذي اتخذه السيد الوالي بمنع جميع الألعاب المالية بشكل مطلق في جميع أنحاء المدينة، واستند العمدة في طلبه هذا لفصول نصوص القانون 15 ابريل 1884، باعتبار الشرطة الإدارية تخص السيد العمدة وليست تحت رقابة السلطة، وإنما تحت رقابة الإدارة العامة العليا ، وعليه فإن الوالي اشتط في استعمال السلطة[[27]]url:#_ftn27 .
خاتمة
في الأخير تجدر الإشارة أن الشرطة الإدارية تهم عادة السلوك الفردي، غير أن أعوان الإدارة يخضعون لبعض تعليماتها، مثلا قانون السير يطبق بصفة عادية على سيارات الإدارة. ومن ناحية ثانية فالشرطة الإدارية نشاط يتعلق بتنظيم الأفراد وتنسيق حياتهم مع الصالح والمنفعة العامة، وتقنين السير، والبناء، وممارسة بعض المهن . وقد تطور نشاط الإدارة في العصر الراهن مما يؤدي حتما إلى تطور الوسائل التي تستخدمها الإدارة لتحقيق هذا النشاط وهو ما يرتبط مباشرة بتطوير مجال الشرطة الإدارية باعتبارها آلية حقيقية لتحقيق العمل الإداري. وهو ما يطرح إشكالية حول أهلية رؤساء المجالس المحلية في ممارسة اختصاصات الشرطة الإدارية ؟
المراجع
أولا : الكتب :
– عبد الله إدريس ” محاضرات في القانون العام المغربي ” الجزء الثاني، النشاط الإداري ، الطبعة الأولى، 1995.
– عبد القادر باينة ” أشكال النشاط الإداري ” منشورات زاوية الفن والثقافة مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2006.
– مازن راضي ليلو، القانون الإداري ، منشورات الأكاديمية العربية بالدانمارك 2005.
– الخطابي مصطفى ” القانون الإداري والعلوم الإدارية ” الطبعة الرابعة، 1998 – 1999 مطبعة النجاح الجديدة.
– طعيمة الجرف ” القانون الإداري والمبادئ العامة في تنظيم ونشاط السلطات الإدارية ” دار النهضة العربية ، القاهرة، 1978.
– إدريس الحياني وعمر أنجوم، ” محاضرات في قانون المسطرة الجنائية المغربي ” ( بدون دار نشر ) الطبعة الثانية 2011 .
– عبد القادر مساعد ” تعليل القرارات الإدارية : من الاختيار إلى الوجوب ” المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 37 مارس – ابريل 2001.
– عبد العزيز اشرق، ” الشرطة الإدارية الممارسون لها والنصوص القانونية و التنظيمية المتعلقة بها ” الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الطبعة الأولى 2006.
– عبد الله المتوكل : ” الإدارة اللامركزية بالمغرب، التنظيم الجماعي – تنظيم العمالات و الأقاليم – التنظيم الجهوي ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، ” سلسلة مؤلفات وأعمال جماعية ” عدد 12 ، 1993 .
– محمد بوجيدة ” قراءة نظرية للقانون رقم 78.00 المتعلق بتنقيح الميثاق الجماعي ، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 34 سنة 2003 .
امحمدلفروجي,الميثاق الجماعي الجديد,وفق اخر التعديلات لسنة 2009 المدخلة بالقانون رقم 17.08,مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء,الطبعة الأولى 2009
ثانيا : المراجع بالفرنسية
–Mohamed Amine Benabdellah, la police administrative dans le système juridique marocain, 1987.
– G.A.J.A, 14édition–2003
ثالثا : النصوص القانونية
– مرسوم رقم 2.78.157 بتاريخ 25مايو 1980بتحديد الشروط التي تنفذ بها تلقائيا التدابير الرامية الى استثباب الأمن وضمان سلامة المرور والصحة والمحافظة على الصحة العمومية , الجريدة الرسمية ,عدد 2528
– ظهير شريف رقم 1.00.225صادر في 5 يونيو 2000بتنفيذ القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة,الجريدة الرسمية، عدد 4810
– ظهير شريف رقم 1.92.31صادر في 17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 012.90 المتعلق بالتعمير, الجريدة الرسمية, عدد 4159
– ظهير شريف رقم 1.92.7,صادر في 17يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزيئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات, الجريدة الرسمية عدد 4159
رابعا :الأحكام القضائية
–حكم المحكمة الإدارية بالرباط ،رقم 2001 ملف رقم15 -08 ش.ت بتاريخ 22 دجنبر .2008
– حكم المحكمة الابتدائية بالرباط رقم 745 ملف رقم 288/12/09 بتاريخ 16 ابريل 2009 .
–حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 2616 في الملف 09/12/236 بتاريخ 21 دجنبر 2009 .
الهوامش
.
droitagadir.blogspot.com