الطبيعة القانونية لمسطرة الأمر بالأداء وشروط ممارستها
يقتضي من هذا الموضوع تحديد الطبيعة القانونية لمسطرة الأمر بالأداء (اولا) وكذا الوقوف عند شروط ممارستها (ثانيا).
أولا : الطبيعة القانونية لمسطرة الأمر بالأداء.
إن الطبيعة القانونية الخاصة لمسطرة الأمر بالأداء أثارت خلافا فقهيا بخصوصهاII)) لكن قبل ذلك لابد من تحديد هذه المسطرة (I )
I – تحديد مسطرة الأمر بالأداء
مسطرة الأمر بالأداء مسطرة استعجالية تسمح لحامل ورقة تجارية أو سند رسمي أن يستصدر اعتمادا عليها أمرا قضائيا بالإستيفاء. سواء تعلق الأمر بكمبيالة أو سند لأمر أو شيك أو أي سند رسمي آخر مثبت للدين ([1]).
وهي تهدف إلى اختصار إقامة الدعوى وتبسيطها تيسيرا على الدئنين لاستيفاء ديونهم.
وهكذا فإن الاستيفاء القضائي لحق لم يتم الوفاء به وديا لا يلزم سلوك الدعوى وإنما يكفي ويجوز ([2]) بمصاريف قليلة وبأقصى ما يمكن من السرعة أن يستصدر الدائن من القضاء أمر بأدائه يصدره رئيس المحكمة التجارية بصفته هذه بأسفل المقال دون استدعاء المدين ولا عقد جلسة ولا كاتب ضبط .
إذن هو نظام إجرائي استثنائي وطريق خاص بنوع معين من الطلبات القضائية أراده المشرع سريعا ومختصرا وبسيطا. خلافا للإجراءات العادية للخصومة بعبارة أخرى هي وسيلة خاصة للإلتجاء إلى القضاء للمطالبة بحق كان من المفروض أن يتم بطريق الدعوى لولا نص المشرع على هذه الإجراءات الاستثنائية ([3]).
ومن خلال ما تقدم إلى أن الإختصاص للبث في مسطرة الأمر بالأداء يتعقد الرئيس المحكمة التجارية بصفته تلك، لكن التساؤل الذي يطرح هو في أي نوع من الاختصاصات([4]) المخولة لرئيس المحكمة التجارية تصنف مسطرة الأمر بالأداء، وبمعنى آخر هل مسطرة الأمر بالأداء تدخل في الإختصاصات الولائية أم القضائية لرئيس المحكمة التجارية.
II – مسطرة الأمر بالأداء بين الطبيعة الولائية و القضائية
المشرع المغربي لم يصرح في ق.م.م بشيء في طبيعة الأمر بالأداء ما عدا ما نص عليه من تمتعه بالقوة التنفيذية . بعد قوات أجل الاستئناف، ومن اعتباره يكتسب كل مفعوله بعد رفض هذا الاستئناف، ذهب اتجاه([5]) إلى أن هذا القانون يعتبر الأمر بالأداء في مصاف الأحكام القضائية.
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 22([6]) من قانون إحداث المحاكم التجارية يتضح أن هذا الوصف ينطبق على الأمر بالأداء في المادة التجارية أكثر من انطباقه عليه في المادة المدنية، ذلك أن الأمر بالأداء في المادة التجارية لا يوقف نفاده أجل الاستئناف والاستئناف نفسه وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الفقه أضفى الصفة الولائية على مسطرة الأمر بالأداء معتبرا أن المشرع المغربي لو أراد اعتبار الأمر بالأداء حكما لاستعمال عبارة أحكام الأداء وبالتالي فهي تلحق حكم الأوامر المبنية على طلب لأنها تصدر دون حضور الأطراف ولا كاتب ضبط ودون علنية ودون تسبيب في اسفل الطلب ودون صبه وتحريره وفق البنية المحددة للأحكام([7]) ، مما يجعله . حسب هذا الرأي – نموذجا قريبا من الأوامر المبنية على طلب المنصوص عليه في الفصل 148 من ق.م.م أي من العمل الولائي الصرف .
ونرى أن هذا الموقف الأخير حري بالتأييد لأن مسطرة الأمر بالأداء لا تنشئ حقا بل إن هذا الأخير هو ثابت بموجب ورقة تجارية أو سند رسمي ويقتصر دور الأمر بالأداء في إلزام المدين بالوفاء.
ثانيا : شروط مسطرة الأمر بالأداء والجهة المختصة بها
بعد تناول شروط مسطرة الأمر بالأداء في نقطة أولى (I ) سنخصص الثانية لدراسة الجهة المختصة بها (II ).
شروط مسطرة الأمر بالأداء
لاستصدار أمر بالأداء من رئيس المحكمة التجارية لابد من توفر شروط موضوعية وأخرى شكلية.
1 – الشروط الموضوعية :
تنص الفقرة الأولى من المادة 22 من قانون أحداث المحاكم التجارية على أنه : ” يختص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في طلب الأمر بالأداء الذي تتجاوز قيمته 20000 درهم والمبني على الأوراق التجارية والسندات الرسمية، تطبيقا لأحكام الباب الثالث من القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية”.
وبالرجوع إلى القسم الرابع من ق.م.م نجد الفصلين 155 ([8]) و 157([9]) حددا مجموعة من الشروط الموضوعية، هي على النحو التالي :
أ – أن يكون المطلوب هو الحصول على مبلغ مالي
حسب الفصل 155 من ق. م. م لا نكون بصدد مسطرة بالأداء متى تقدم الطالب إلى الجهة المختصة بطلب يرمي إلى وفاء الملتزم بالتزام لا يكتسي صبغة مبلغ من المال([10]) والأصل أن يؤدي هذا المبلغ بالعملة الوطنية أي بالدرهم ، غير أنه قد سمح في بعض الحالات بالوفاء بغير العملة الوطنية كما هو الشأن بالنسبة للأوراق التجارية حيث نص المادة 187 من مدونة التجارة على أنه :” إذا اشترط وفاء الكمبيالة بعملة غير متداولة في بلد الوفاء جاز وفاء مبلغها بعملة هذا البلد حسب قيمتها يوم الاستحقاق وإذا تأخر المدين عن الوفاء كان للحامل خيار المطالبة بمبلغ الكمبيالة حسب سعر عملة البلد يوم الاستحقاق أو يوم الوفاء ….”
من خلال هذه المادة يتضح أن المدين (الساحب) غير ملزم بالوفاء بالعملة الأجنبية وإنما له الخيار بالأداء بالعملة الأجنبية أو ما يقابلها بالعملة الوطنية حسب سعرها يوم الاستحقاق، وهذا الحكم ينطبق على السند لامر كذلك لأن المادة 234([11]) من مدونة التجارة تحيل على الأحكام المتعلقة بالكمبيالة، وبخصوص الشيك فقد عالجت هذا الحكم مقتضيات المادة 275([12]) من مدونة التجارة.
ب – تجاوز المبلغ المالي 20000 درهم .
لا يكفي أن يتعلق الأمر بمبلغ من المال وإنما لابد من تجاوز هذا المبلغ عشرون الف درهم وتجدر الإشارة إلى أن الاختصاص القيمي للجهة الموكول لها النظر في مسطرة الأمر بالأداء موقوف على هذا القدر المالي، غير أن هذا القدر مقتصر على أصل الدين ولا يشمل المصاريف والصوائر التي قد يكون الدائن انفقها للحصول على دينه، وهذا تطبيق للمبدأ العام الذي قرره الفصل 11 من قانون المسطرة المدنية حيث نص على أنه :” يحدد الاختصاص الانتهائي استنادا إلى مبلغ الطلب المجرد الناتج عن آخر مستنتجات المدعي باستثناء الصوائر القضائية والفوائد القانونية والغرامات التهديدية والجبائية”
ج – أن يكون الدين مبني على الأوراق التجارية أو السندات الرسمية
الأوراق التجارية([13]):
إذا كانت الكمبيالة والسند لأمر ورقتان تجاريتان من حيث الشكل([14]) ولا تتيران أي إشكال بهذا الصدد فإن الشيك أثار تساؤلا حول مدى اعتباره ورقة تجارية، وبالنتيجة مدى اختصاص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في أوامر الأداء المترتبة عنه ؟
ذلك أن هذه الورقة تعتبر عملا مدنيا أو تجاريا بحسب طبيعة المعاملة وأنه يصعب على رئيس المحكمة التجارية التأكد من تجارية الشيك، خاصة وأن المسطرة غير تواجهية إذ تتم في غيبة المدعى عليه، كما أن حضور المدعي بمقاله لا يشخصه لا يسعف في معرفة طبيعة المعاملة موضوع الشيك([15]) .
ويرى جانب من الفقه أنه يجب على رئيس المحكمة التجارية قبل قبول أو رفض طلبات الأمر بالأداء الرجوع للطبيعة المدنية والتجارية للأوراق التجارية موضوع الدين وفقا لأحكام المدونة التجارية، والتي يستفاد منها أن الشيك يعتبر بطبيعته عملا مدنيا ولا يعتبر بطبيعته عملا تجاريا كالكمبيالة ( المادة 9 من م.ت) .
وفي هذا السياق يضيف نفس الفقه – عن حق- بأن الشيك وعلى خلاف الكمبيالة والسند لأمر يعتبر مجرد وسيلة أداء وليس بسند دين وفق مفهوم الفصل 158 من ق.م.م، وأنه في أحسن الأحوال يمكن أن يعتبر بداية حجة بالكتابة ومن تم فإن مسطرة استيفاء قيمته يجب ألا تتبع بشأنها مسطرة الأمر بالأداء لعدم ثبوتية الدين([16]) .
السندات الرسمية([17]) : مبدئيا يمكن القول بأن تعريف السند الرسمي يستوجب الرجوع إلى الفصل 418 من ط.ل.ع وبالاطلاع على هذا الفصل يتبين من خلاله السند الرسمي: “الورقة الرسمية التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون”.
2 – الشروط الشكلية :
يتعلق الأمر بشكل الطلب (أ) وعدم جواز تبليغ الطلب بالخارج (ب).
أ – شكل الطلب :
لم تحدد المادة 22 من قانون رقم 53 – 95 البيانات اللازم توفرها في طلب الأمر بالأداء واكتفت بالإحالة بخصوص ذلك على مقتضيات ق.م.م ونص هذا الأخير في الفصل 156 في فقرتيه الثانية والثالثة على ما يلي: “يتضمن المقال الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن الأطراف مع البيان الدقيق للمبلغ المطلوب وموجب الطلب.
يجب أن يعزز هذا الطلب بالسند الذي يثبت صحة الدين”.
يستفاد من هذا الفصل أن طلب الأمر بالأداء يستلزم كغيره من الطلبات توافر الشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل 32 ([18]) من ق, م, م.
إلى جانب ما سبق يجب أن يكون المقال مكتوبا وموقعا عليه من طرف الطالب أو وكيله، ما دامت المادة 13 من القانون رقم 53 – 95 تنص على أن المسطرة المتبعة أمام المحاكم التجارية هي مسطرة كتابية([19]).
ويجب أن يتضمن الطلب البيان الدقيق للمبلغ المطلوب بالأرقام والحروف، والسبب الذي ينبني عليه الطلب، وتكمن أهمية هذا البيان الأخير في إستبعاد الأسباب المخالفة للقانون والنظام العام والأخلاق الحميدة([20]).
كما يجب أن يعزز الطلب بالسند الذي يثبت صحة الدين، وهو حسب المادة 22 من القانون رقم 53 – 95 يتخذ شكل ورقة تجارية أو سند رسمي كما يجب أن ينصب الطالب محاميا للقيام بالإجراءات ما دامت المادة 13 من ق.إ.م.ت ألزمت توقيع المقال الإفتتاحي للدعوى من قبل محامي مسجل في هيئة من هيئات المحامين بالمغرب ويجب أن يؤدى عنه الرسم القضائي([21]).
ب – عدم جواز تبليغ الطلب بالخارج.
ينص الفصل 157 من ق.م.م على أنه :” لا يقبل الطلب إذا كان من الواجب تبليغه بالخارج أو إذا لم يكن للمدين موطن معروف بتراب المملكة…”.
يلاحظ أن المشرع المغربي وقع في هفوة لغوية ذلك أن الذي لا يجب تبليغه بالخارج هو الأمر وليس الطلب، لأنه وكما سبقت الإشارة يتم البت في طلب الأداء في غفلة من المدعي بحيث لا يتم تبليغه إلا بعد صدور الأمر لإلزامه على الوفاء.
وعلى العموم فإن رئيس المحكمة التجارية يصرح بعدم قبول الطلب إذا تبين له أن موطن المدعى عليه يوجد خارج التراب الوطني.
والغاية من هذا المقتضى هو أن مسطرة الأمر بالأداء تتميز بطابعها السريع، وأن من شأن تبليغ الأمر بالخارج أن يفقد المسطرة هذه الخاصية الأساسية .
II – الجهة المختصة :
أكدت المادة 22 من قانون 53-95 على أنه :” يختص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في طلب الأمر بالأداء….”.
يلاحظ أن المادة 22 أعلاه كانت موفقة بالمقارنة مع الفصل 158 من ق.م.م الذي منح رئيس المحكمة وحده صلاحية النظر في طلبات الأمر بالأداء ولم يسندها إلى أقدم القضاة في المحكمة عند إعاقة الرئيس بعائق كما فعل في الأوامر الإستعجالية.([22])
وهكذا فإن مشرع القانون المحدث للمحاكم التجارية تلافى الحصر وأطلق النص في المادة 22 من هذا القانون، وحسنا فعل لأن كثرة أشغال رئيس المحكمة التجارية, القضائية والولائية والإدارية تلتهم كثيرا من وقته والبث في قضايا الأمر بالأداء يتطلب السرعة في الإنجاز([23]).
ولإن كان إختصاص رئيس المحكمة الإبتدائية لم يكن يثير أي إشكال قبل إحداث المحاكم التجارية سنة 1997 لوجود جهة واحدة عهد إليها المشرع بالبث في مقالات الأمر بالأداء، فإن إحداث المحاكم المذكورة أصبح يخلق بعض التداخل في الإختصاص بين رئيس المحكمة التجارية ورئيس المحكمة الإبتدائية وخاصة فيما يتعلق بالسندات الرسمية.
هل يقصد بها السندات الرسمية ذات الصبغة التجارية أم يراد بذلك كل السندات أيا كان نوعها؟
إذا كانت الإجابة تقتصر على تفسير السندات على أنها تجارية فإن الغموض زال لكن إذا كانت الإجابة تشمل كل السندات المدنية والتجارية فإن ذلك سيجعل رئيسي المحكمة الابتدائية والمحكمة التجارية يتنازعان الاختصاص([24]).
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي قد منح الإختصاص لرئيس المحكمة التجارية في مسطرة الأمر بالأداء في الأوراق التجارية والسندات الرسمية التي تتجاوز قيمتها 20.000 درهم وبمفهوم المخالفة فإن الأوراق التجارية أو السندات الرسمية التي تقل قيمتها عن هذا المبلغ يرجع الإختصاص بالنظر فيها لرئيس المحكمة الإبتدائية.
المحور الثاني : حجية الأمر بالأداء وتبليغه وطرق الطعن فيه
بعد تلقي رئيس المحكمة التجارية لطلب الأمر بالأداء فإنه يقبل الطلب أو يرفضه ولكل منهما حجيته (أولا). وعند صدور الأمر بالأداء يكون من حق المتضرر الطعن في هذا الأمر (ثانيا).
أولا : حجية الأمر بالأداء
حصيلة مواقف القضاء الرئاسي إما قرار سلبي برفض الطلب أو إيجابي بالأمر الفعلي بالأداء ، فتختلف حجية هذا عن حجية ذاك، لنتناول لكلا منهما في نقطة مستقلة.
I – حجية الأمر السلبي بالأداء
أن الأمر السلبي برفض الأمر بالأداء لا يمنع الدائن من ممارسة الدعوى وفق المسطرة العادية لاستيفاء دينه، ذلك أن هذا الأمر تصاحبه إحالة إلى محكمة الموضوع المختصة ولا تكون الإحالة فعلية كما هو عليه الحال في الفصل 16([25]) من ق.م.م التي توجب إحالة الملف على المحكمة المختصة بدون مصاريف، بل يشار إلى ذلك في الأمر الصادر بالرفض، ويبقى للأطراف اللجوء إلى محكمة الموضوع وفق الإجراءات العادية بتقديم مقال إذا رغبوا في ذلك([26]) . وفي هذه الحالة تتحول خصوصية طلب الأمر بالأداء ذات الطابع الولائي في اجراءاتها وشكلياتها إلى خصوصية وفق الإجراءات العادية للتقاضي سيصدر فيها حكم قضائي بالمعنى الدقيق منتجا لكافة أثاره الموضوعية والإجرائية ومنها حجية الأمر المقضي.
وهذا يعني أن القرار الرافض للأمر بالأداء لا مناط لاكتسابه حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى قضاء الموضوع.
لكن السؤال الذي يطرح هل يجوز للدائن الذي رفض طلبه أن يعاود رفع طلب آخر لرئيس المحكمة التجارية للإستصدار أمر لصالحه بأداء نفس الدين بناءا على نفس السبب ضد نفس المدين؟ يمعنى آخر هل يحوز القرار الرافض للأمر بالأداء حجية الأمر المقضي تجاه القضاء الرئاسي ذاته الذي أصدره ؟
إذا كان الرد بالإيجاب فإن الحجية التي يمكن أن يحوزها القرار هنا، لا يمكن أن تكون محض نظرية، ذلك أنه إذا افترضنا جدلا أن المحكوم عليه عاود الكرة فقدم مقالا جديدا لإستصدار أمر بأداء نفس الدين فإن القضاء الرئاسي سيستجيب لطلبه ولا يحكم بعدم قبوله بناءا على سبق صدور قرار فيه حاز حجية الأمر المقضي لأن الفصل 452([27]) من ظ.ل.ع يمنع إثارة المحكمة الدفع بحجية الأمر المقضي – سبقية البت – من تلقاء نفسها([28]) بل لابد أن يتيره المدعي عليه – المدين([29]).
II – حجية الأمر الإيجابي بالأداء
خلافا لأوامر الأداء الصادرة عن رئيس المحكمة الإبتدائية التي لا يمكن أن تكتسب حجيتها إلا بعد رفض طلب الاستئناف الموجه ضدها أو قوات أجله([30]). فإن نظيرتها الصادرة عن رؤساء المحاكم التجارية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بحيث لا يوقف أجل الاستئناف والاستئناف نفسه تنفيذها (الفقرة 2 من المادة 22 من قانون 53 -95).
وتساءل البعض([31]) حول ما إذا كان التنفيذ المعجل للأمر بالأداء طبقا للمادة 22 من قانون 53 – 95 يعتبر تنفيذا معجلا بقوة القانون أم تنفيذا معجلا قضائيا، وقد تم الاعتراف بأنه من الصعب الجزم بأحدهما، فالتنفيذ المعجل بقوة القانون يجعل الحكم اللاحق به هذا الوصف مسألة التنفيذ ولا يقبل وقف التنفيذ طبقا للقواعد العادية وإن هو يقبل لصعوبة، أما وصفه بالتنفيذ المعجل القضائي فإنه يتوقف على مطالبة المحكمة به من طرف الخصوم في حين أن الأمر بالأداء في إطار المادة 22 يأخذ قوته التنفيذية من القانون لا من وصف المحكمة ليخلص في الأخير إلى أنه تنفيذ معجل من نوع .
ثانيا : تبليغ الأمر بالأداء وطرق الطعن فيه
تبليغ الأمر بالأداء
يبلغ عون التنفيذ الطرف المحكوم عليه المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم أو بتعريفه بنواياه، وذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام (10) من تاريخ تقديم التنفيذ.(الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 53 – 95) وتشتمل وثيقة التبليغ على نسخة من المقال وسند الدين والأمر بالأداء وانذار المدين بوجوب تسديد مجموع مبلغ الدين والصوائر المحددة في الأمر، مع اشعاره بأنه إذا كان لديه وسائل دفاع يريد استعمالها سواء فيما يخص الاختصاص أو الموضوع أن من الواجب عليه أن يقدم الاستئناف في ظرف 8 أيام ( الفصل 161 من ق.م.م).
ويرى البعض([32]) أن نية المشرع المغربي، انصرفت إلى ضرورة ارفاق وثيقة التبليغ بأصل سند الدين، وليس كما دهبت إليه محكمة النقض في قرارها المؤرخ في 29/10/1986 التي أكدت عدم جواز إرفاق الأمر بالأداء بسند الدين لأن ذلك لا يستقيم بحيث لا يمكن بحال أن تبلغ وثيقة الدين إلى المدين الذي يتحرر بعد تبليغها إليه من كل حجة تثبت الدين ضده كما تحرم الدائن مما يتبث دينه([33]). ومن جانبنا نرى أنه يجب التمييز بين الحالة التي يمتثل فيها المدين للأمر بالأداء أي الوفاء بما بدمته تجاه الدائن ففي هذه الحالة لا يوجد ما يمنع من تسليمه سند الدين من طرف العون المكلف بالتنفيذ، أما إذا ضل المدين ممتنعا عن الوفاء ففي هذه الحالة يكون لموفق محكمة النقض السالف الذكر مجال للتطبيق، وهذا يفيد أن هدف المشرع المغربي من نصه على إرفاق وثيقة التبليغ بسند الدين إنما هو من أجل التنفيذ لا من أجل الطعن.
II – طرق الطعن في الأمر بالأداء
أن الطبيعة الخاصة لمسطرة الأمر بالأداء لا تحول دون خضوع هذا الأمر لطرق الطعن العادية وغير العادية .
1 – طرق الطعن العادية
منح الفصل 162 من ق.م.م للمدين المأمور بالأداء الحق في استئنافه في ظرف الثمانية أيام الموالية للتبليغ المسلم له. غير أنه في المجال التجاري فقد نصت المادة 22 من القانون 53 – 95 في فقرتيها الثانية والثالثة بأن لا لاستئناف ولا اجله يوقفان تنفيذ الأمر بالآداء الصادر عن رئيس المحكمة التجارية. غير أنه يمكن لمحكمة الاستئناف التجارية أن توقف التنفيذ جزئيا أو كليا بقرار معلل.
وقد كان حريا بالمشرع المغربي أن يفتح باب التعرض في وجه المحكوم عليه بدل الاستئناف خاصة وأن المسطرة غيابية في حقه([34]).
ويطرح التساؤل حول الأوراق التجارية والسندات الرسمية الناتجة عن معاملة تجارية تقل قيمتها عن 20.000 درهم والتي يختص رئيس المحكمة الإبتدائية بالنظر في طلبات أوامر الأداء المترتبة عنها ، هل بدورها مشمولة بالتنفيذ المعجل المنصوص عليه في المادة 22 أم أنها تلحق حكم أوامر الأداء المدنية ؟
في هذا الصدد يرى جانب من الفقه أن المشرع لما أعطى لرئيس المحكمة الإبتدائية البت في طلبات الأمر بالأداء المبنية على الأوراق التجارية والسندات الرسمية فإنه من الضروري أن يخضع استئناف الأوامر الصادرة عنه لنفس فلسفة مسطرة الأمر بالأداء في المسطرة التجارية المتمثلة في عدم ترتيب الاستئناف لوقف تنفيذ الأوامر الصادرة في هذا الإطار مالم ترى محكمة الاستئناف خلاف ذلك بعد تعليلها لقرارها.([35])
2 – طرق الطعن غير العادية
في البداية لابد من الإشارة إلى أن أوامر الأداء الصادرة عن رؤساء المحاكم سواء المدنية أو التجارية تكون قابلة للإستئناف وبالتالي لا يمكن الطعن فيها بالنقض، لأن الاستئناف طعن عادي وهو مقدم عن النقض باعتباره طعن غير عادي.
غير أن السؤال الذي يطرح هو مدى قابلية القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف التجارية أو المدنية للطعن بالنقض؟ بإستقراء النصوص المنظمة لمسطرة الأمر بالأداء في القانون رقم 53 – 95 وفي قانون المسطرة المدنية فإننا لا نجد أي نص يقضي بجواز ممارسة هذا الطعن مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الصدد.
وبالاستناد على الفصل 353 من قانون .م.م. الذي يمنح محكمة النقض الاختصاص بالبت ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك – في الطعن بالنقض ضد الأحكام الإنتهائية التي تصدرها جميع محاكم المملكة.
ولما كانت القرارات الاستئنافية الصادرة في مادة الأمر بالأداء تصدر بصفة نهائية فإنها تكون محلا للطعن فيها أمام محكمة النقض. وفي هذه الحالة وجب التمييز بينما إذا كان القرار الاستئنافي قد قضى بتأييد الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإبتدائية التجارية وهو يقبل الطعن، وبينما إذا قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية وهو لا يقبل الطعن حسب ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 27/07/1983 حيث ذهبت إلى أن ” القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بإلغاء الأمر بالأداء وبإحالة النزاع على المحكمة طبقا للإجراءات العادية لا يقبل الطعن بالنقض”[36].
خاتمة :
لقد حاولنا قدر المستطاع الوقوف عند أهم الجوانب القانونية المتعلقة بمسطرة الأمر بالأداء أمام المحاكم التجارية والإشكاليات التي تطرحها.
وخلصنا في الأخير إلى أن مسطرة الأمر بالأداء هي مسطرة استثنائية ابتدعها المشرع وجعلها تحت تصرف الدائن لاستيفاء دينه في أقرب وقت وبأقل جهد ومصاريف.
وعلى الرغم من أهمية هذه المسطرة فإن النصوص المنظمة لها مشوبة ببعض النقص من قبيل عدم تحديد المشرع لنوع السندات التي ينعقد بموجبها الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية أهي السندات الرسمية المترتبة عن الأعمال التجارية فقط أم هي كل السندات الرسمية وإطلاق النص لا يسعف في تحديد ذلك.
كما يعاب على النصوص القانونية في هذا الصدد أنها متأرجحة بين مسطرة خاصة في المرحلة الابتدائية هي مسطرة الأمر بالأداء والثانية عادية في المرحلة الإستئنافية.
ولحل هذه الإشكاليات نرى تدخل المشرع المغربي أمرا لازما.
[1] – محمد المجدوبي الإدريسي، عمل المحاكم التجارية بدايته – اشكالياته – مطبعة دار السلام الرباط، طبعة الأولى سنة 1999، ص 149.
[2] – تجدر الإشارة إلى هذه المسطرة إلزامية في القانون المصري وذلك بموجب المادة 202 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصرية.
[3] – جمال الطاهري، حجية الأوامر بالأداء في القانون المغربي، مقال منشور بمجلة الحقوق المغربية، العدد 5 ص 40 .
[4] – لرئيس المحكمة التجارية ثلاث أنواع من الاختصاص:
– اختصاصات إدارية
– اختصاصات ولائية
– اختصاصات قضائية
[5] – عبد اللطيف التيجاني، الأمر بالأداء في القانون المغربي مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000 ص 12.
[6] – تنص الفقرة الثانية من المادة 22 من القانون رقم 53 – 95 على أنه : “…. في هذه وخلافا لمقتضيات الفصل 161 و 162 من ق.م.م لا يوقف أجل الاستئناف والا الاستئناف نفسه تنفيذ الأمر بالأداء الصادر عن رئيس المحكمة”.
[7] – تجدر الإشارة إلى أن البيانات الواجب توفرها في الأحكام القضائية، قد حددها المشرع المغربي في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية.
[8] – ينص الفصل 155 من ق.م.م على أنه :” يمكن إجراء مسطرة الأمر بالأداء في كل طلب تأدية مبلغ مالي يتجاوز ألف درهم مستحق بموجب سند أو اعتراف بدين حسب الشروط الآتية”.
[9] – ينص الفصل 157 من ق.م.م على أنه :” لا يقبل الطلب إذا كان من الواجب تبليغه بالخارج أو لم يكن للمدين موطن معروف بالمملكة”.
[10] – ما كان المشرع ليشترط هذا الشرط لو لا تعدد مجال الالتزام فالالتزام كما هو معلوم ومتعارف عليه رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين يلتزم بمقتضاه المدين تجاه الدائن إما بالقيام بعمل أو الإمتناع عن عمل ، وعليه قد يكون محل الالتزام القيام بنقل حق عيني أو الالتزام بإعطاء شيء للدائن، أو الوفاء بمبلغ مالي بذمة المدين.
– عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش ، الطبعة السادسة، أكتوبر 2012 ، ص:80.
[11] – تنص المادة 234 من مدونة التجارة على أنه ” تطبق على السند لأمر كلما كانت لا تتنافى وطبيعة هذا السند الأحكام المتعلقة بالكمبيالة بصدد المسائل التالية :
– الوفاء : المواد من 184 إلى 195.
[12] – تنص المادة 275 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى على أنه “إذا اشترط وفاء الشيك بعملة أجنبية جاز وقاء مبلغه في الأجل المحدد لتقد يمه بالدرهم حسب سعره يوم الوفاء فإذا لم يقع الوفاء يوم التقديم كان للحامل خيار المطالبة بمبلغ الشيك حسب سعر الدرهم يوم التقديم أو يوم الأداء”.
[13] – نضم المشرع المغربي الأوراق التجارية في الكثاب الثالث من مدونة التجارة، المواد من 159 إلى 333.
[14] – تنص المادة 9 من مدونة التجارة على أنه : ” يعد عملا تجاريا يصرف النظر عن المادتين 6 و 7 الكمبيالة – السند لأمر ولو من غير التاجر إذا ترتب في هذه الحالة على معاملة تجارية”.
[15] – محمد المجدوبي الإدريسي، م.س، ص:152.
[16] – محمد المجدوبي الإدريسي، م،س،ص : 153.
[17] – يجب التمييز هنا بين السند والعقد لأنه في اللغة الفرنسية هناك فرق بين السند l’acte وبين العقد contrat فالعبارة الأولى تعني إداة إثبات العقد أما العبارة الثانية فترمي إلى وجود اتفاق بين الطرفين، وبالرجوع إلى المادة 22 من القانون 53 – 95 يتبين بأن المشرع المغربي قد نص على السندات الرسمية و أغفل العقود الرسمية ولكن هذا لا يعني بأن رئيس المحكمة التجارية يستبعد العقود المثبتة بسندات رسمية أو الاتفاقات ذاتها ويقضي بعدم قبول أو إلغاء الطلب كلما عزز الدائن طلبه هذا بعقد رسمي متضمن لدين تجاري.
– عبد العالي العضراوي ، اختصاص رئيس المحكمة التجارية في الأمر بالأداء المبني على السند الرسمي – الشيك الكمبيالة في ضوء المادة 22 من القانون رقم 53 – 95 وعمل المحاكم التجارية، دار القلم للطباعة والتوزيع سنة 2000، ص : 17.
[18] – ينص الفصل 32 من ق.م.م على أنه :” يجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل اقامة المدعي عليه والمدعي وكذا عند الاقتضاء اسماء وصفة وموطن وكيل المدعي وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها …”
[19] – على خلاف ما عليه الأمر أمام المحاكم المدنية، حيث أجاز الفصل 31 من ق.م.م التقدم بتصريح أمام أحد أعوان كتابة الضبط المحلقين الذي يحرر محضرا بناء عليه.
[20] – عبد الكريم الطالب، م.س.ص.85.
[21] – ولا تتعدى هذه الرسوم 100 درهم كيفما كان مبلغ الدين المطلوب.
[22] – ومع ذلك فإن العادة جرت على أن ينوب عن الرئيس من يختاره لهذه المهمة في حالة غيابه بل وحتى في حالة حظوره وذلك راجع إلى كثرة القضايا المعروضة على المحكمة وتنوعها.
– عبد العزيز توفيق، موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة. 2010 ص .494.
[23] – عبد العزيز توفيق، موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الجزء الثاني،م،س, ص 495.
[24] – عبد الكريم الطالب، م،س،ص: 87 ، 88.
[25] – ينص الفصل 16 في فقرته الرابعة على ما يلي :” إذا قبل الدفع رفع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون الإحالة عليها بقوة القانون وبدون مصاريف”
[26] – محمد المجدوبي الإدريسي، م.س.ص 159.
[27] – ينص الفصل 452 من ظهير الالتزامات والعقود على ما يلي “لا يعتبر الدفع بقوة الأمر المقضي إلا إذا تمسك به من له مصلحة في إثارته، ولا يسوغ للقاضي أن يأخذ به من تلقاء نفسه”.
[28] – جمال الطاهري، حجية الأوامر بالأداء في القانون المغربي، م.س.ص :46.
[29] – وهذا الاحتمال غير وارد لأن المدين لا يستدعى اصلا فأنى له أن يعلم برفض الطلب ثم انى له أن يثير سبق صدوره.
[30] – ينص الفصل 163 من ق.م.م على أنه:” إذا رفض طلب الاستئناف اكتسب الأمر كل مفعوله واصبح قابلا للتنفيذ المعجل بقوة القانون”.
[31] – عمر ازوكار، مسطرة الأمر بالأداء أمام المحاكم التجارية الحدث القانوني، رقم 9 ص:4.
– أورده المجدوبي الإدريسي، م.س ص 163.
[32] – محمد المجدوبي الإدريسي ، م.س، ص:161.
[33] – عبد العزيز توفيق، م،س، ص:497.
[34] – محمد المجدوبي الإدريسي، م،س، ص:162.
[35] – عبد الكريم الطالب ، م،س، ص: 92.
[36] – قرار مدني عدد 1312 بتاريخ 27 / 08/1983 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 35 – 36 ، ص:14.
– أورده عبد العزيز توفيق،م.س، ص 499.
أولا : الطبيعة القانونية لمسطرة الأمر بالأداء.
إن الطبيعة القانونية الخاصة لمسطرة الأمر بالأداء أثارت خلافا فقهيا بخصوصهاII)) لكن قبل ذلك لابد من تحديد هذه المسطرة (I )
I – تحديد مسطرة الأمر بالأداء
مسطرة الأمر بالأداء مسطرة استعجالية تسمح لحامل ورقة تجارية أو سند رسمي أن يستصدر اعتمادا عليها أمرا قضائيا بالإستيفاء. سواء تعلق الأمر بكمبيالة أو سند لأمر أو شيك أو أي سند رسمي آخر مثبت للدين ([1]).
وهي تهدف إلى اختصار إقامة الدعوى وتبسيطها تيسيرا على الدئنين لاستيفاء ديونهم.
وهكذا فإن الاستيفاء القضائي لحق لم يتم الوفاء به وديا لا يلزم سلوك الدعوى وإنما يكفي ويجوز ([2]) بمصاريف قليلة وبأقصى ما يمكن من السرعة أن يستصدر الدائن من القضاء أمر بأدائه يصدره رئيس المحكمة التجارية بصفته هذه بأسفل المقال دون استدعاء المدين ولا عقد جلسة ولا كاتب ضبط .
إذن هو نظام إجرائي استثنائي وطريق خاص بنوع معين من الطلبات القضائية أراده المشرع سريعا ومختصرا وبسيطا. خلافا للإجراءات العادية للخصومة بعبارة أخرى هي وسيلة خاصة للإلتجاء إلى القضاء للمطالبة بحق كان من المفروض أن يتم بطريق الدعوى لولا نص المشرع على هذه الإجراءات الاستثنائية ([3]).
ومن خلال ما تقدم إلى أن الإختصاص للبث في مسطرة الأمر بالأداء يتعقد الرئيس المحكمة التجارية بصفته تلك، لكن التساؤل الذي يطرح هو في أي نوع من الاختصاصات([4]) المخولة لرئيس المحكمة التجارية تصنف مسطرة الأمر بالأداء، وبمعنى آخر هل مسطرة الأمر بالأداء تدخل في الإختصاصات الولائية أم القضائية لرئيس المحكمة التجارية.
II – مسطرة الأمر بالأداء بين الطبيعة الولائية و القضائية
المشرع المغربي لم يصرح في ق.م.م بشيء في طبيعة الأمر بالأداء ما عدا ما نص عليه من تمتعه بالقوة التنفيذية . بعد قوات أجل الاستئناف، ومن اعتباره يكتسب كل مفعوله بعد رفض هذا الاستئناف، ذهب اتجاه([5]) إلى أن هذا القانون يعتبر الأمر بالأداء في مصاف الأحكام القضائية.
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 22([6]) من قانون إحداث المحاكم التجارية يتضح أن هذا الوصف ينطبق على الأمر بالأداء في المادة التجارية أكثر من انطباقه عليه في المادة المدنية، ذلك أن الأمر بالأداء في المادة التجارية لا يوقف نفاده أجل الاستئناف والاستئناف نفسه وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الفقه أضفى الصفة الولائية على مسطرة الأمر بالأداء معتبرا أن المشرع المغربي لو أراد اعتبار الأمر بالأداء حكما لاستعمال عبارة أحكام الأداء وبالتالي فهي تلحق حكم الأوامر المبنية على طلب لأنها تصدر دون حضور الأطراف ولا كاتب ضبط ودون علنية ودون تسبيب في اسفل الطلب ودون صبه وتحريره وفق البنية المحددة للأحكام([7]) ، مما يجعله . حسب هذا الرأي – نموذجا قريبا من الأوامر المبنية على طلب المنصوص عليه في الفصل 148 من ق.م.م أي من العمل الولائي الصرف .
ونرى أن هذا الموقف الأخير حري بالتأييد لأن مسطرة الأمر بالأداء لا تنشئ حقا بل إن هذا الأخير هو ثابت بموجب ورقة تجارية أو سند رسمي ويقتصر دور الأمر بالأداء في إلزام المدين بالوفاء.
ثانيا : شروط مسطرة الأمر بالأداء والجهة المختصة بها
بعد تناول شروط مسطرة الأمر بالأداء في نقطة أولى (I ) سنخصص الثانية لدراسة الجهة المختصة بها (II ).
شروط مسطرة الأمر بالأداء
لاستصدار أمر بالأداء من رئيس المحكمة التجارية لابد من توفر شروط موضوعية وأخرى شكلية.
1 – الشروط الموضوعية :
تنص الفقرة الأولى من المادة 22 من قانون أحداث المحاكم التجارية على أنه : ” يختص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في طلب الأمر بالأداء الذي تتجاوز قيمته 20000 درهم والمبني على الأوراق التجارية والسندات الرسمية، تطبيقا لأحكام الباب الثالث من القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية”.
وبالرجوع إلى القسم الرابع من ق.م.م نجد الفصلين 155 ([8]) و 157([9]) حددا مجموعة من الشروط الموضوعية، هي على النحو التالي :
أ – أن يكون المطلوب هو الحصول على مبلغ مالي
حسب الفصل 155 من ق. م. م لا نكون بصدد مسطرة بالأداء متى تقدم الطالب إلى الجهة المختصة بطلب يرمي إلى وفاء الملتزم بالتزام لا يكتسي صبغة مبلغ من المال([10]) والأصل أن يؤدي هذا المبلغ بالعملة الوطنية أي بالدرهم ، غير أنه قد سمح في بعض الحالات بالوفاء بغير العملة الوطنية كما هو الشأن بالنسبة للأوراق التجارية حيث نص المادة 187 من مدونة التجارة على أنه :” إذا اشترط وفاء الكمبيالة بعملة غير متداولة في بلد الوفاء جاز وفاء مبلغها بعملة هذا البلد حسب قيمتها يوم الاستحقاق وإذا تأخر المدين عن الوفاء كان للحامل خيار المطالبة بمبلغ الكمبيالة حسب سعر عملة البلد يوم الاستحقاق أو يوم الوفاء ….”
من خلال هذه المادة يتضح أن المدين (الساحب) غير ملزم بالوفاء بالعملة الأجنبية وإنما له الخيار بالأداء بالعملة الأجنبية أو ما يقابلها بالعملة الوطنية حسب سعرها يوم الاستحقاق، وهذا الحكم ينطبق على السند لامر كذلك لأن المادة 234([11]) من مدونة التجارة تحيل على الأحكام المتعلقة بالكمبيالة، وبخصوص الشيك فقد عالجت هذا الحكم مقتضيات المادة 275([12]) من مدونة التجارة.
ب – تجاوز المبلغ المالي 20000 درهم .
لا يكفي أن يتعلق الأمر بمبلغ من المال وإنما لابد من تجاوز هذا المبلغ عشرون الف درهم وتجدر الإشارة إلى أن الاختصاص القيمي للجهة الموكول لها النظر في مسطرة الأمر بالأداء موقوف على هذا القدر المالي، غير أن هذا القدر مقتصر على أصل الدين ولا يشمل المصاريف والصوائر التي قد يكون الدائن انفقها للحصول على دينه، وهذا تطبيق للمبدأ العام الذي قرره الفصل 11 من قانون المسطرة المدنية حيث نص على أنه :” يحدد الاختصاص الانتهائي استنادا إلى مبلغ الطلب المجرد الناتج عن آخر مستنتجات المدعي باستثناء الصوائر القضائية والفوائد القانونية والغرامات التهديدية والجبائية”
ج – أن يكون الدين مبني على الأوراق التجارية أو السندات الرسمية
الأوراق التجارية([13]):
إذا كانت الكمبيالة والسند لأمر ورقتان تجاريتان من حيث الشكل([14]) ولا تتيران أي إشكال بهذا الصدد فإن الشيك أثار تساؤلا حول مدى اعتباره ورقة تجارية، وبالنتيجة مدى اختصاص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في أوامر الأداء المترتبة عنه ؟
ذلك أن هذه الورقة تعتبر عملا مدنيا أو تجاريا بحسب طبيعة المعاملة وأنه يصعب على رئيس المحكمة التجارية التأكد من تجارية الشيك، خاصة وأن المسطرة غير تواجهية إذ تتم في غيبة المدعى عليه، كما أن حضور المدعي بمقاله لا يشخصه لا يسعف في معرفة طبيعة المعاملة موضوع الشيك([15]) .
ويرى جانب من الفقه أنه يجب على رئيس المحكمة التجارية قبل قبول أو رفض طلبات الأمر بالأداء الرجوع للطبيعة المدنية والتجارية للأوراق التجارية موضوع الدين وفقا لأحكام المدونة التجارية، والتي يستفاد منها أن الشيك يعتبر بطبيعته عملا مدنيا ولا يعتبر بطبيعته عملا تجاريا كالكمبيالة ( المادة 9 من م.ت) .
وفي هذا السياق يضيف نفس الفقه – عن حق- بأن الشيك وعلى خلاف الكمبيالة والسند لأمر يعتبر مجرد وسيلة أداء وليس بسند دين وفق مفهوم الفصل 158 من ق.م.م، وأنه في أحسن الأحوال يمكن أن يعتبر بداية حجة بالكتابة ومن تم فإن مسطرة استيفاء قيمته يجب ألا تتبع بشأنها مسطرة الأمر بالأداء لعدم ثبوتية الدين([16]) .
السندات الرسمية([17]) : مبدئيا يمكن القول بأن تعريف السند الرسمي يستوجب الرجوع إلى الفصل 418 من ط.ل.ع وبالاطلاع على هذا الفصل يتبين من خلاله السند الرسمي: “الورقة الرسمية التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون”.
2 – الشروط الشكلية :
يتعلق الأمر بشكل الطلب (أ) وعدم جواز تبليغ الطلب بالخارج (ب).
أ – شكل الطلب :
لم تحدد المادة 22 من قانون رقم 53 – 95 البيانات اللازم توفرها في طلب الأمر بالأداء واكتفت بالإحالة بخصوص ذلك على مقتضيات ق.م.م ونص هذا الأخير في الفصل 156 في فقرتيه الثانية والثالثة على ما يلي: “يتضمن المقال الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن الأطراف مع البيان الدقيق للمبلغ المطلوب وموجب الطلب.
يجب أن يعزز هذا الطلب بالسند الذي يثبت صحة الدين”.
يستفاد من هذا الفصل أن طلب الأمر بالأداء يستلزم كغيره من الطلبات توافر الشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل 32 ([18]) من ق, م, م.
إلى جانب ما سبق يجب أن يكون المقال مكتوبا وموقعا عليه من طرف الطالب أو وكيله، ما دامت المادة 13 من القانون رقم 53 – 95 تنص على أن المسطرة المتبعة أمام المحاكم التجارية هي مسطرة كتابية([19]).
ويجب أن يتضمن الطلب البيان الدقيق للمبلغ المطلوب بالأرقام والحروف، والسبب الذي ينبني عليه الطلب، وتكمن أهمية هذا البيان الأخير في إستبعاد الأسباب المخالفة للقانون والنظام العام والأخلاق الحميدة([20]).
كما يجب أن يعزز الطلب بالسند الذي يثبت صحة الدين، وهو حسب المادة 22 من القانون رقم 53 – 95 يتخذ شكل ورقة تجارية أو سند رسمي كما يجب أن ينصب الطالب محاميا للقيام بالإجراءات ما دامت المادة 13 من ق.إ.م.ت ألزمت توقيع المقال الإفتتاحي للدعوى من قبل محامي مسجل في هيئة من هيئات المحامين بالمغرب ويجب أن يؤدى عنه الرسم القضائي([21]).
ب – عدم جواز تبليغ الطلب بالخارج.
ينص الفصل 157 من ق.م.م على أنه :” لا يقبل الطلب إذا كان من الواجب تبليغه بالخارج أو إذا لم يكن للمدين موطن معروف بتراب المملكة…”.
يلاحظ أن المشرع المغربي وقع في هفوة لغوية ذلك أن الذي لا يجب تبليغه بالخارج هو الأمر وليس الطلب، لأنه وكما سبقت الإشارة يتم البت في طلب الأداء في غفلة من المدعي بحيث لا يتم تبليغه إلا بعد صدور الأمر لإلزامه على الوفاء.
وعلى العموم فإن رئيس المحكمة التجارية يصرح بعدم قبول الطلب إذا تبين له أن موطن المدعى عليه يوجد خارج التراب الوطني.
والغاية من هذا المقتضى هو أن مسطرة الأمر بالأداء تتميز بطابعها السريع، وأن من شأن تبليغ الأمر بالخارج أن يفقد المسطرة هذه الخاصية الأساسية .
II – الجهة المختصة :
أكدت المادة 22 من قانون 53-95 على أنه :” يختص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في طلب الأمر بالأداء….”.
يلاحظ أن المادة 22 أعلاه كانت موفقة بالمقارنة مع الفصل 158 من ق.م.م الذي منح رئيس المحكمة وحده صلاحية النظر في طلبات الأمر بالأداء ولم يسندها إلى أقدم القضاة في المحكمة عند إعاقة الرئيس بعائق كما فعل في الأوامر الإستعجالية.([22])
وهكذا فإن مشرع القانون المحدث للمحاكم التجارية تلافى الحصر وأطلق النص في المادة 22 من هذا القانون، وحسنا فعل لأن كثرة أشغال رئيس المحكمة التجارية, القضائية والولائية والإدارية تلتهم كثيرا من وقته والبث في قضايا الأمر بالأداء يتطلب السرعة في الإنجاز([23]).
ولإن كان إختصاص رئيس المحكمة الإبتدائية لم يكن يثير أي إشكال قبل إحداث المحاكم التجارية سنة 1997 لوجود جهة واحدة عهد إليها المشرع بالبث في مقالات الأمر بالأداء، فإن إحداث المحاكم المذكورة أصبح يخلق بعض التداخل في الإختصاص بين رئيس المحكمة التجارية ورئيس المحكمة الإبتدائية وخاصة فيما يتعلق بالسندات الرسمية.
هل يقصد بها السندات الرسمية ذات الصبغة التجارية أم يراد بذلك كل السندات أيا كان نوعها؟
إذا كانت الإجابة تقتصر على تفسير السندات على أنها تجارية فإن الغموض زال لكن إذا كانت الإجابة تشمل كل السندات المدنية والتجارية فإن ذلك سيجعل رئيسي المحكمة الابتدائية والمحكمة التجارية يتنازعان الاختصاص([24]).
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي قد منح الإختصاص لرئيس المحكمة التجارية في مسطرة الأمر بالأداء في الأوراق التجارية والسندات الرسمية التي تتجاوز قيمتها 20.000 درهم وبمفهوم المخالفة فإن الأوراق التجارية أو السندات الرسمية التي تقل قيمتها عن هذا المبلغ يرجع الإختصاص بالنظر فيها لرئيس المحكمة الإبتدائية.
المحور الثاني : حجية الأمر بالأداء وتبليغه وطرق الطعن فيه
بعد تلقي رئيس المحكمة التجارية لطلب الأمر بالأداء فإنه يقبل الطلب أو يرفضه ولكل منهما حجيته (أولا). وعند صدور الأمر بالأداء يكون من حق المتضرر الطعن في هذا الأمر (ثانيا).
أولا : حجية الأمر بالأداء
حصيلة مواقف القضاء الرئاسي إما قرار سلبي برفض الطلب أو إيجابي بالأمر الفعلي بالأداء ، فتختلف حجية هذا عن حجية ذاك، لنتناول لكلا منهما في نقطة مستقلة.
I – حجية الأمر السلبي بالأداء
أن الأمر السلبي برفض الأمر بالأداء لا يمنع الدائن من ممارسة الدعوى وفق المسطرة العادية لاستيفاء دينه، ذلك أن هذا الأمر تصاحبه إحالة إلى محكمة الموضوع المختصة ولا تكون الإحالة فعلية كما هو عليه الحال في الفصل 16([25]) من ق.م.م التي توجب إحالة الملف على المحكمة المختصة بدون مصاريف، بل يشار إلى ذلك في الأمر الصادر بالرفض، ويبقى للأطراف اللجوء إلى محكمة الموضوع وفق الإجراءات العادية بتقديم مقال إذا رغبوا في ذلك([26]) . وفي هذه الحالة تتحول خصوصية طلب الأمر بالأداء ذات الطابع الولائي في اجراءاتها وشكلياتها إلى خصوصية وفق الإجراءات العادية للتقاضي سيصدر فيها حكم قضائي بالمعنى الدقيق منتجا لكافة أثاره الموضوعية والإجرائية ومنها حجية الأمر المقضي.
وهذا يعني أن القرار الرافض للأمر بالأداء لا مناط لاكتسابه حجية الأمر المقضي بالنسبة إلى قضاء الموضوع.
لكن السؤال الذي يطرح هل يجوز للدائن الذي رفض طلبه أن يعاود رفع طلب آخر لرئيس المحكمة التجارية للإستصدار أمر لصالحه بأداء نفس الدين بناءا على نفس السبب ضد نفس المدين؟ يمعنى آخر هل يحوز القرار الرافض للأمر بالأداء حجية الأمر المقضي تجاه القضاء الرئاسي ذاته الذي أصدره ؟
إذا كان الرد بالإيجاب فإن الحجية التي يمكن أن يحوزها القرار هنا، لا يمكن أن تكون محض نظرية، ذلك أنه إذا افترضنا جدلا أن المحكوم عليه عاود الكرة فقدم مقالا جديدا لإستصدار أمر بأداء نفس الدين فإن القضاء الرئاسي سيستجيب لطلبه ولا يحكم بعدم قبوله بناءا على سبق صدور قرار فيه حاز حجية الأمر المقضي لأن الفصل 452([27]) من ظ.ل.ع يمنع إثارة المحكمة الدفع بحجية الأمر المقضي – سبقية البت – من تلقاء نفسها([28]) بل لابد أن يتيره المدعي عليه – المدين([29]).
II – حجية الأمر الإيجابي بالأداء
خلافا لأوامر الأداء الصادرة عن رئيس المحكمة الإبتدائية التي لا يمكن أن تكتسب حجيتها إلا بعد رفض طلب الاستئناف الموجه ضدها أو قوات أجله([30]). فإن نظيرتها الصادرة عن رؤساء المحاكم التجارية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بحيث لا يوقف أجل الاستئناف والاستئناف نفسه تنفيذها (الفقرة 2 من المادة 22 من قانون 53 -95).
وتساءل البعض([31]) حول ما إذا كان التنفيذ المعجل للأمر بالأداء طبقا للمادة 22 من قانون 53 – 95 يعتبر تنفيذا معجلا بقوة القانون أم تنفيذا معجلا قضائيا، وقد تم الاعتراف بأنه من الصعب الجزم بأحدهما، فالتنفيذ المعجل بقوة القانون يجعل الحكم اللاحق به هذا الوصف مسألة التنفيذ ولا يقبل وقف التنفيذ طبقا للقواعد العادية وإن هو يقبل لصعوبة، أما وصفه بالتنفيذ المعجل القضائي فإنه يتوقف على مطالبة المحكمة به من طرف الخصوم في حين أن الأمر بالأداء في إطار المادة 22 يأخذ قوته التنفيذية من القانون لا من وصف المحكمة ليخلص في الأخير إلى أنه تنفيذ معجل من نوع .
ثانيا : تبليغ الأمر بالأداء وطرق الطعن فيه
تبليغ الأمر بالأداء
يبلغ عون التنفيذ الطرف المحكوم عليه المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم أو بتعريفه بنواياه، وذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام (10) من تاريخ تقديم التنفيذ.(الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 53 – 95) وتشتمل وثيقة التبليغ على نسخة من المقال وسند الدين والأمر بالأداء وانذار المدين بوجوب تسديد مجموع مبلغ الدين والصوائر المحددة في الأمر، مع اشعاره بأنه إذا كان لديه وسائل دفاع يريد استعمالها سواء فيما يخص الاختصاص أو الموضوع أن من الواجب عليه أن يقدم الاستئناف في ظرف 8 أيام ( الفصل 161 من ق.م.م).
ويرى البعض([32]) أن نية المشرع المغربي، انصرفت إلى ضرورة ارفاق وثيقة التبليغ بأصل سند الدين، وليس كما دهبت إليه محكمة النقض في قرارها المؤرخ في 29/10/1986 التي أكدت عدم جواز إرفاق الأمر بالأداء بسند الدين لأن ذلك لا يستقيم بحيث لا يمكن بحال أن تبلغ وثيقة الدين إلى المدين الذي يتحرر بعد تبليغها إليه من كل حجة تثبت الدين ضده كما تحرم الدائن مما يتبث دينه([33]). ومن جانبنا نرى أنه يجب التمييز بين الحالة التي يمتثل فيها المدين للأمر بالأداء أي الوفاء بما بدمته تجاه الدائن ففي هذه الحالة لا يوجد ما يمنع من تسليمه سند الدين من طرف العون المكلف بالتنفيذ، أما إذا ضل المدين ممتنعا عن الوفاء ففي هذه الحالة يكون لموفق محكمة النقض السالف الذكر مجال للتطبيق، وهذا يفيد أن هدف المشرع المغربي من نصه على إرفاق وثيقة التبليغ بسند الدين إنما هو من أجل التنفيذ لا من أجل الطعن.
II – طرق الطعن في الأمر بالأداء
أن الطبيعة الخاصة لمسطرة الأمر بالأداء لا تحول دون خضوع هذا الأمر لطرق الطعن العادية وغير العادية .
1 – طرق الطعن العادية
منح الفصل 162 من ق.م.م للمدين المأمور بالأداء الحق في استئنافه في ظرف الثمانية أيام الموالية للتبليغ المسلم له. غير أنه في المجال التجاري فقد نصت المادة 22 من القانون 53 – 95 في فقرتيها الثانية والثالثة بأن لا لاستئناف ولا اجله يوقفان تنفيذ الأمر بالآداء الصادر عن رئيس المحكمة التجارية. غير أنه يمكن لمحكمة الاستئناف التجارية أن توقف التنفيذ جزئيا أو كليا بقرار معلل.
وقد كان حريا بالمشرع المغربي أن يفتح باب التعرض في وجه المحكوم عليه بدل الاستئناف خاصة وأن المسطرة غيابية في حقه([34]).
ويطرح التساؤل حول الأوراق التجارية والسندات الرسمية الناتجة عن معاملة تجارية تقل قيمتها عن 20.000 درهم والتي يختص رئيس المحكمة الإبتدائية بالنظر في طلبات أوامر الأداء المترتبة عنها ، هل بدورها مشمولة بالتنفيذ المعجل المنصوص عليه في المادة 22 أم أنها تلحق حكم أوامر الأداء المدنية ؟
في هذا الصدد يرى جانب من الفقه أن المشرع لما أعطى لرئيس المحكمة الإبتدائية البت في طلبات الأمر بالأداء المبنية على الأوراق التجارية والسندات الرسمية فإنه من الضروري أن يخضع استئناف الأوامر الصادرة عنه لنفس فلسفة مسطرة الأمر بالأداء في المسطرة التجارية المتمثلة في عدم ترتيب الاستئناف لوقف تنفيذ الأوامر الصادرة في هذا الإطار مالم ترى محكمة الاستئناف خلاف ذلك بعد تعليلها لقرارها.([35])
2 – طرق الطعن غير العادية
في البداية لابد من الإشارة إلى أن أوامر الأداء الصادرة عن رؤساء المحاكم سواء المدنية أو التجارية تكون قابلة للإستئناف وبالتالي لا يمكن الطعن فيها بالنقض، لأن الاستئناف طعن عادي وهو مقدم عن النقض باعتباره طعن غير عادي.
غير أن السؤال الذي يطرح هو مدى قابلية القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف التجارية أو المدنية للطعن بالنقض؟ بإستقراء النصوص المنظمة لمسطرة الأمر بالأداء في القانون رقم 53 – 95 وفي قانون المسطرة المدنية فإننا لا نجد أي نص يقضي بجواز ممارسة هذا الطعن مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الصدد.
وبالاستناد على الفصل 353 من قانون .م.م. الذي يمنح محكمة النقض الاختصاص بالبت ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك – في الطعن بالنقض ضد الأحكام الإنتهائية التي تصدرها جميع محاكم المملكة.
ولما كانت القرارات الاستئنافية الصادرة في مادة الأمر بالأداء تصدر بصفة نهائية فإنها تكون محلا للطعن فيها أمام محكمة النقض. وفي هذه الحالة وجب التمييز بينما إذا كان القرار الاستئنافي قد قضى بتأييد الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الإبتدائية التجارية وهو يقبل الطعن، وبينما إذا قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية وهو لا يقبل الطعن حسب ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 27/07/1983 حيث ذهبت إلى أن ” القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بإلغاء الأمر بالأداء وبإحالة النزاع على المحكمة طبقا للإجراءات العادية لا يقبل الطعن بالنقض”[36].
خاتمة :
لقد حاولنا قدر المستطاع الوقوف عند أهم الجوانب القانونية المتعلقة بمسطرة الأمر بالأداء أمام المحاكم التجارية والإشكاليات التي تطرحها.
وخلصنا في الأخير إلى أن مسطرة الأمر بالأداء هي مسطرة استثنائية ابتدعها المشرع وجعلها تحت تصرف الدائن لاستيفاء دينه في أقرب وقت وبأقل جهد ومصاريف.
وعلى الرغم من أهمية هذه المسطرة فإن النصوص المنظمة لها مشوبة ببعض النقص من قبيل عدم تحديد المشرع لنوع السندات التي ينعقد بموجبها الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية أهي السندات الرسمية المترتبة عن الأعمال التجارية فقط أم هي كل السندات الرسمية وإطلاق النص لا يسعف في تحديد ذلك.
كما يعاب على النصوص القانونية في هذا الصدد أنها متأرجحة بين مسطرة خاصة في المرحلة الابتدائية هي مسطرة الأمر بالأداء والثانية عادية في المرحلة الإستئنافية.
ولحل هذه الإشكاليات نرى تدخل المشرع المغربي أمرا لازما.
[1] – محمد المجدوبي الإدريسي، عمل المحاكم التجارية بدايته – اشكالياته – مطبعة دار السلام الرباط، طبعة الأولى سنة 1999، ص 149.
[2] – تجدر الإشارة إلى هذه المسطرة إلزامية في القانون المصري وذلك بموجب المادة 202 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصرية.
[3] – جمال الطاهري، حجية الأوامر بالأداء في القانون المغربي، مقال منشور بمجلة الحقوق المغربية، العدد 5 ص 40 .
[4] – لرئيس المحكمة التجارية ثلاث أنواع من الاختصاص:
– اختصاصات إدارية
– اختصاصات ولائية
– اختصاصات قضائية
[5] – عبد اللطيف التيجاني، الأمر بالأداء في القانون المغربي مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000 ص 12.
[6] – تنص الفقرة الثانية من المادة 22 من القانون رقم 53 – 95 على أنه : “…. في هذه وخلافا لمقتضيات الفصل 161 و 162 من ق.م.م لا يوقف أجل الاستئناف والا الاستئناف نفسه تنفيذ الأمر بالأداء الصادر عن رئيس المحكمة”.
[7] – تجدر الإشارة إلى أن البيانات الواجب توفرها في الأحكام القضائية، قد حددها المشرع المغربي في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية.
[8] – ينص الفصل 155 من ق.م.م على أنه :” يمكن إجراء مسطرة الأمر بالأداء في كل طلب تأدية مبلغ مالي يتجاوز ألف درهم مستحق بموجب سند أو اعتراف بدين حسب الشروط الآتية”.
[9] – ينص الفصل 157 من ق.م.م على أنه :” لا يقبل الطلب إذا كان من الواجب تبليغه بالخارج أو لم يكن للمدين موطن معروف بالمملكة”.
[10] – ما كان المشرع ليشترط هذا الشرط لو لا تعدد مجال الالتزام فالالتزام كما هو معلوم ومتعارف عليه رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين يلتزم بمقتضاه المدين تجاه الدائن إما بالقيام بعمل أو الإمتناع عن عمل ، وعليه قد يكون محل الالتزام القيام بنقل حق عيني أو الالتزام بإعطاء شيء للدائن، أو الوفاء بمبلغ مالي بذمة المدين.
– عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش ، الطبعة السادسة، أكتوبر 2012 ، ص:80.
[11] – تنص المادة 234 من مدونة التجارة على أنه ” تطبق على السند لأمر كلما كانت لا تتنافى وطبيعة هذا السند الأحكام المتعلقة بالكمبيالة بصدد المسائل التالية :
– الوفاء : المواد من 184 إلى 195.
[12] – تنص المادة 275 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى على أنه “إذا اشترط وفاء الشيك بعملة أجنبية جاز وقاء مبلغه في الأجل المحدد لتقد يمه بالدرهم حسب سعره يوم الوفاء فإذا لم يقع الوفاء يوم التقديم كان للحامل خيار المطالبة بمبلغ الشيك حسب سعر الدرهم يوم التقديم أو يوم الأداء”.
[13] – نضم المشرع المغربي الأوراق التجارية في الكثاب الثالث من مدونة التجارة، المواد من 159 إلى 333.
[14] – تنص المادة 9 من مدونة التجارة على أنه : ” يعد عملا تجاريا يصرف النظر عن المادتين 6 و 7 الكمبيالة – السند لأمر ولو من غير التاجر إذا ترتب في هذه الحالة على معاملة تجارية”.
[15] – محمد المجدوبي الإدريسي، م.س، ص:152.
[16] – محمد المجدوبي الإدريسي، م،س،ص : 153.
[17] – يجب التمييز هنا بين السند والعقد لأنه في اللغة الفرنسية هناك فرق بين السند l’acte وبين العقد contrat فالعبارة الأولى تعني إداة إثبات العقد أما العبارة الثانية فترمي إلى وجود اتفاق بين الطرفين، وبالرجوع إلى المادة 22 من القانون 53 – 95 يتبين بأن المشرع المغربي قد نص على السندات الرسمية و أغفل العقود الرسمية ولكن هذا لا يعني بأن رئيس المحكمة التجارية يستبعد العقود المثبتة بسندات رسمية أو الاتفاقات ذاتها ويقضي بعدم قبول أو إلغاء الطلب كلما عزز الدائن طلبه هذا بعقد رسمي متضمن لدين تجاري.
– عبد العالي العضراوي ، اختصاص رئيس المحكمة التجارية في الأمر بالأداء المبني على السند الرسمي – الشيك الكمبيالة في ضوء المادة 22 من القانون رقم 53 – 95 وعمل المحاكم التجارية، دار القلم للطباعة والتوزيع سنة 2000، ص : 17.
[18] – ينص الفصل 32 من ق.م.م على أنه :” يجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل اقامة المدعي عليه والمدعي وكذا عند الاقتضاء اسماء وصفة وموطن وكيل المدعي وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها …”
[19] – على خلاف ما عليه الأمر أمام المحاكم المدنية، حيث أجاز الفصل 31 من ق.م.م التقدم بتصريح أمام أحد أعوان كتابة الضبط المحلقين الذي يحرر محضرا بناء عليه.
[20] – عبد الكريم الطالب، م.س.ص.85.
[21] – ولا تتعدى هذه الرسوم 100 درهم كيفما كان مبلغ الدين المطلوب.
[22] – ومع ذلك فإن العادة جرت على أن ينوب عن الرئيس من يختاره لهذه المهمة في حالة غيابه بل وحتى في حالة حظوره وذلك راجع إلى كثرة القضايا المعروضة على المحكمة وتنوعها.
– عبد العزيز توفيق، موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة. 2010 ص .494.
[23] – عبد العزيز توفيق، موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الجزء الثاني،م،س, ص 495.
[24] – عبد الكريم الطالب، م،س،ص: 87 ، 88.
[25] – ينص الفصل 16 في فقرته الرابعة على ما يلي :” إذا قبل الدفع رفع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون الإحالة عليها بقوة القانون وبدون مصاريف”
[26] – محمد المجدوبي الإدريسي، م.س.ص 159.
[27] – ينص الفصل 452 من ظهير الالتزامات والعقود على ما يلي “لا يعتبر الدفع بقوة الأمر المقضي إلا إذا تمسك به من له مصلحة في إثارته، ولا يسوغ للقاضي أن يأخذ به من تلقاء نفسه”.
[28] – جمال الطاهري، حجية الأوامر بالأداء في القانون المغربي، م.س.ص :46.
[29] – وهذا الاحتمال غير وارد لأن المدين لا يستدعى اصلا فأنى له أن يعلم برفض الطلب ثم انى له أن يثير سبق صدوره.
[30] – ينص الفصل 163 من ق.م.م على أنه:” إذا رفض طلب الاستئناف اكتسب الأمر كل مفعوله واصبح قابلا للتنفيذ المعجل بقوة القانون”.
[31] – عمر ازوكار، مسطرة الأمر بالأداء أمام المحاكم التجارية الحدث القانوني، رقم 9 ص:4.
– أورده المجدوبي الإدريسي، م.س ص 163.
[32] – محمد المجدوبي الإدريسي ، م.س، ص:161.
[33] – عبد العزيز توفيق، م،س، ص:497.
[34] – محمد المجدوبي الإدريسي، م،س، ص:162.
[35] – عبد الكريم الطالب ، م،س، ص: 92.
[36] – قرار مدني عدد 1312 بتاريخ 27 / 08/1983 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 35 – 36 ، ص:14.
– أورده عبد العزيز توفيق،م.س، ص 499.
مقتطف من mdroit.com