العدالة الاجتماعية: الأسس، والواقع والمداخل الرئيسية لتعزيزها في واقعنا المغربي
يثير مفهوم العدالة الاجتماعية جدلا كبيرا، كما أنه يخضع لتغير مستمر لصلته بنظام قيمي وثقافي متغير. وهكذا،”فالعدالة الاجتماعية هي المبدأ السياسي والأخلاقي الذي يسعى إلى المساواة في الحقوق والتضامن الجماعي التي يمكن من التوزيع العادل والمنصف للثروة بين مختلف أفراد المجتمع، سواء كانت هذه الثروة مادية أو رمزية ” (1).
إن تحقيق العدالة الاجتماعية تعترضه مجموعة من التحديات، يرتبط أهمها بتراكمات تاريخية وإشكالات سياسية وجغرافية وتنموية، لكن هذا لا يعفي الدولة من واجباتها المختلفة، ومن العمل والسعي الدائمين لتحقيق العدالة الاجتماعية لمواطنيها ولتمتعيهم الفعلي بمختلف حقوقهم، سيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالعيش الكريم، والمسكن والصحة والتعليم والشغل وغيرها من الحقوق.
أ- أسس العدالة الاجتماعية
ترتكز العدالة الاجتماعية على عدة أسس، أهمها المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص، و التوزيع العادل للموارد والأعباء.
• المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص
يعد مبدأ المساواة وعدم التمييز الركن الرئيسي في العدالة الاجتماعية، و تعني عموماً و أساسا المساواة في الحقوق والواجبات و في الحصول على المكاسب والمنافع. إن غياب المساواة، يؤدي بدون شك إلى انتشار مظاهر المحسوبية والزبونية والرشوة في الحياة العامة، وإلى الشعور بالإحباط والتذمر، وإلى انعدام تكافؤ الفرص وانتشار الظلم والطغيان.
و جدير بالتنبيه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة الكاملة أو المطلقة، لوجود فروق فردية بين الناس في أمور شتى، كالفروق في الجهد المبذول والكد في الحياة، أو في المهارات والكفاءات، أو في التأهيل العلمي أو في اكتساب الخبرة والتجربة.
ولكن ينبغي أن تكون الفوارق بين الناس، سواء في الدخل أوالثروة أو في غيرها مقبولة ومتوافق عليها اجتماعياً وبعيدة عن أي شكل من أشكال الاستغلال والظلم. وهكذا، وحسب الفيلسوف الأمريكي Rawls john، فاللامساواة الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تنظم بحيث تمنح للأفراد الأقل حظاً في المجتمع أكبر نفع ممكن من جهة، وتتيح من جهة أخرى أمام الجميع في إطار من تكافؤ الفرص العادلة، إمكانية الالتحاق بالوظائف والمواقع المختلفة.
وتقتضي المساواة في الفرص، عدم التمييز بين المواطنين وإزالة كل ما يؤدى إليه من أسباب ، والقضاء على النتائج السلبية المترتبة عليه كالتهميش والإقصاء الاجتماعي ؛ و تقتضي كذلك توفير الفرص بحيث لا معنى مثلا للحديث عن التكافؤ في فرص التعليم إذا كان العرض التربوي يعرف خصاصا؛ كما تقتضي أيضا تمكين الأفراد من الاستفادة من هذه الفرص.
لكن هذا قد لا يضمن تحقيق العدالة، إذ أن الاختلاف بين الأفراد في القدرات ، و في الغنى و المكانة الاجتماعية في المجتمع، ينتج عنه فوارق واسعة وغير مقبولة في المداخيل. و تظهرفي هذه الحالة أهمية و ضرورة تدخل الدولة بسياسات إعادة توزيع الثروة للتقليص من الفوارق في الدخل بين الفئات الاجتماعية حتى لا يمس مبدأ تكافؤ الفرص ذاته.
• التوزيع العادل لموارد الوطن والأعباء
تتجلى العدالة الاجتماعية أيضا في التوزيع العادل للموارد والأعباء، ويتم ذلك أساسا بواسطة أنظمة الأجوروالدعم وتوفير الخدمات الأساسية، وبالأخص الخدمات الصحية والتعليمية.
وتعتبر العدالة الاقتصادية جزءا لا يتجزء من العدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن تتحقق بدون توزيع عادل للثروات. كما أن النظام الضريبي الذي يعيد توزيع المداخيل عن طريق توزيع الأعباء الضريبية، يعد وسيلة هامة في تحسين الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن واجبات ومسؤوليات الدولة الاهتمام ودعم الفئات الاجتماعية الفقيرة والهشة ومحدودة الدخل ، باعتبار ذلك حقها وجزءا من حصتها من موارد وثروة وطنها.
كما أن توفير فرص الشغل لدى الدولة ومؤسساتها المختلفة، أو من خلال قيام الدولة بتوفير الشروط الضرورية والكافية لتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه على الاستثمار بغية خلق فرص الشغل، يساهم بكل تأكيد، في تمكين المواطنين من كسب عيشهم ورزقهم و الاستفادة من الدخل الوطني بصورة تحفظ كرامتهم وتجعلهم يضطلعون بمسؤوليتهم الذاتية.
ب- العدالة الاجتماعية في واقعنا المغربي.
لقد عمل المغرب وبذل جهودا مهمة لإقامة العدالة الاجتماعية في المجتمع، وذلك عن طريق عدة آليات منها، إرساء أنظمة التأمينات ومعاشات التقاعد؛ و دعم بعض المواد الاستهلاكية الأساسية عبر صندوق المقاصة، وتوفير خدمات عمومية مثل التعليم الذي تتيحه الدولة مجانا وتشجع على الإقبال عليه بواسطة إنشاء الداخليات والمطاعم المدرسية والجامعية وتوفير المنح والكتب واللوازم المدرسية والنقل المدرسي وكذا تحويلات مالية مشروطة؛ إضافة إلى توفير التغطية الصحية والعلاج المجاني لغير القادرين؛ و السعي المستمر لتوفير فرص الشغل وكذا اعتماد برامج السكن الاقتصادي لمحدودي الدخل وفك العزلة عن الوسط القروي(الكهربة، والماء الشروب، وبناء الطرق).
لكن رغم ذلك، فالواقع المغربي يتسم بالعديد من النواقص الاجتماعية، وتبقى العدالة الاجتماعية أهم مطلب للعديد من الفعاليات في المجتمع.
فمبدأ المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص الذي يمثل حجر الزاوية في العدالة الاجتماعية، يعد بحق مبدءا تعتريه مجموعة من النواقص. ولا أدل على ذلك الفوارق القائمة وغير المقبولة، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو المجالية أو الجنسية، وكذا تفشي البطالة، علاوة على الهشاشة والفقر والتهميش والإقصاء الذي تعاني منه فئات من المجتمع، ناهيك عن الامتيازات المالية والعينية التي يحظى بها كبار المسؤولين بالإدارات والمؤسسات العمومية وكذا بعض السياسيين دون غيرهم وهذا رغم الوضعية الاقتصادية والمالية والاجتماعية غير المريحة للبلاد.
و يلاحظ بخصوص التنمية المجالية، تفاوتات كبيرة بين الجهات، وبين الأوساط الحضرية، وبين الوسط الحضري والقروي، هذا الأخير لم يستفد ما فيه الكفاية من التنمية الاقتصادية والبشرية على غرار نظيره الحضري. وحتى في بعض المجالات الحضرية يلاحظ وجود مناطق قروية إلى جانب مناطق حضرية وذلك بسبب انتشار السكن العشوائي و غير اللائق والعجز المسجل في الخدمات الاجتماعية والتجهيزات الأساسية. كما أن الولوج إلى الخدمات والتجهيزات الرئيسية غير كاف وغير متكافئ.
وعلاوة على المظاهر السالفة للاعدالة الاجتماعية،هناك التفاوتات بين الجنسين، و تتجلى بشكل واضح في ضعف مستوى التنمية لدى النساء وخاصة منهن القرويات، ويشهد على ذلك معدل تمدرس الفتيات ومعدل بطالة النساء ونسبة أميتهم، الأمر الذي يؤدي إلى حرمانهن من إمكانية الاندماج والمشاركة في الحياة العامة و النشاط الاقتصادي والولوج إلى مراكز صنع واتخاذ القرار.
ج- مداخل رئيسية لتعزيز العدالة الاجتماعية.
إن تعزيز العدالة الاجتماعية في مجتمعنا، في حاجة إلى تنمية مستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مجتمعة، تضع المواطن في قلب وصلب اهتماماتها، غايتها العليا خدمته وتطويره، وتكون مبنية على مبادىء حقوق الإنسان، وأولويتها الأولى تلبية احتياجات المواطنين المختلفة، والحد من التباينات والفوارق الموجودة في المجالات الأساسية وتطوير سوق الشغل قصد توفير فرص العمل للجميع. وممكن تحقيق هذه الغايات ووضع معايير لقياس مدى بلوغها، غير أن ذلك يتطلب شرطا معنويا أساسيا وضروريا لامحيذ عنه، يتمثل في توفر النية الصادقة والإرادة السياسية الحقيقية والدائمة لدى جميع الفاعلين الرئيسيين في المجتمع.
إن الحديث عن تقوية العدالة الاجتماعية ببلادنا، يقتضي تمكين كل الشرائح الاجتماعية من ولوج تعليم جيد، يوفر الشروط الضرورية للاستمرار في الدراسة والنجاح الدراسي، ويؤهل المتعلمين وينمي قدراتهم ويكسبهم الكفايات الأساسية التي تمكنهم من كسب الثقة في النفس والاعتماد عليها، ومن تطوير ذواتهم على مدى الحياة، ومن الاندماج في مجتمعهم وحب وطنهم والمساهمة في تنميته وتطويره. الشيء الذي يستلزم بدون منازع مباشرة إصلاح حقيقي للمنظومة التربوية، بغية إصلاح المدرسة المغربية من أجل جعلها تقوم بأدوارها ووظائفها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وكذا نقل وترسيخ قيم المواطنة والتضامن والانفتاح والتقدم.
مدرسة عمادها الفاعلون التربويون وبالأخص رجال ونساء التعليم، يحملون همها ويتحملون فيها مسؤولياتهم الوطنية والتربوية تجاه الأطفال الأبرياء الناشئين. فبهم وعن طريقهم سيتم تجديد المدرسة، لتصبح قادرة على تزويد البلاد، بموارد بشرية علمية وتقنية وإدارية مواطنة وذات قدرات ومؤهلات، قمينة بتمكينها من تحقيق التنمية وكسب رهان العدالة الاجتماعية، وقادرة كذلك على مدها بنخب سياسية واجتماعية لقيادتها والسير بها إلى الأمام.
إن بلوغ غاية تعزيز العدالة الاجتماعية ، يحتم وجود إدارة بمختلف المستويات الترابية، مواطنة ونزيهة وشفافة وفعالة، تعتمد وتنهج قواعد العقلانية والشفافية في تدبيرالموارد المختلفة التي تسخر وتوضع رهن إشارتها.
وغني عن الذكر، أن الإدارة هي الجهاز الرئيسي لتنفيذ سياسات الدولة، وكذا جمع وتحليل المعلومات والمعطيات ذات الصلة بالحاجات المختلفة للمواطنين وشؤون المجتمع، علاوة على إعداد الاستراتيجيات والقرارات والقوانين والسهر على تنفيذها ومراقبتها وتتبعها وتقويمها.
ويعد إجراء إصلاح جذري للإدارة وتجديد حكاماتها وأسلوب تدبيرها للشأن العمومي، لازمة إجرائية وشرط أكثر من ضروري. وذلك من أجل إرساء إدارة قائمة على التقويم المنتظم لنتائجها ونجاعتها لتجنب الآثار السلبية المحتملة لقراراتها وتدابيرها على حقوق ومصالح المواطنين، وقائمة كذلك على المحاسبة وتطبيق العقوبات الإدارية أو القضائية وجعلها عملية عادية وعملة متداولة في أنشطتها قصد الحد من الإفلات من العقاب الذي يشجع على التلاعب وهدر مواردها المادية والبشرية والمالية، وعلى تكرار الأخطاء والتهاون واللامبالاة بها، وقصد كذلك، رد الاعتبارلمناصب المسؤولية التي أضحت بالنسبة للبعض وسيلة للاستفادة من المكافآت والتعويضات وتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.
وجدير بالملاحظة، أن المشاكل والاختلالات التي تعاني منها الإدارة المغربية ترتبط بشكل رئيسي بعقلية فاعليها وبنمط الثقافة والسلوكات السائدة بها. لكنها تتميز باحترام سلطتها، احترام المرؤوسين بالإدارة لرؤسائهم والقيام بالأعمال المنوطة بهم وتنفيذ الأوامر والتعليمات التي تعطى لهم، الأمر الذي يفرض ويستوجب وعيا داخليا وإصلاح ذواتنا واختيار مسؤولين إداريين، همهم الأكبرإصلاح الإدارة وخدمة الوطن و إعطاء المثل والقدوة الحسنة للغير فكرا وقولا وسلوكا في التدبيرالمسؤول للشأن العمومي.
إعداد:ذ/الطيب سوزان