العفو على المتهم والتنازل 


                                                           العفو على المتهم والتنازل 

التنازل هو تصرف قانوني يعبر به المجني عليه عن إرادته صراحةً أو ضمناً في وقف الأثر القانوني للشكوى ، وهو وقف السير في إجراءات الدعوى الجزائية ، وينبني عليه عدم قبول الدعوى الجزائية إذا رفعت في مرحلة آتية .(1)  ويتشابه عرض العفو على المتهم مع التنازل في إنهما يؤديان إلى انقضاء حق الدولة في العقاب ومن ثم انقضاء الدعوى الجزائية ،(2) وعدم معاقبة الجاني على ما  ارتكبه  من فعل إجرامي، وكذلك فان كل من عرض العفو على المتهم والتنازل ذات اثر شخصي ، فان الدعوى الجزائية تنقضي بالنسبة إلى المتهم الذي عرض عليه العفو، او الشخص الذي تنازل عنه المشتكي  في حين تبقى الدعوى مقامة على المساهمين الآخرين الذين ساهموا معه في الجريمة.(3)  وإذا كان هناك أوجه للشبه بين عرض العفو على المتهم والتنازل فان هذا لا يمنع أن يكون بينهما أوجه اختلاف وتتمثل في أن التنازل حق منحه المشرع لمن له الحق في تقديم الشكوى(4) ، فلا يكفي ان يتم ممن قدم الشكوى لأنه قد يحدث ان يتقدم بالشكوى ليس صاحب الحق فيها وإنما وكيله أو وليه أو الوصي أو القيم عليه ولذلك إذا كان صاحب الحق في الشكوى المقدمة من الوصي أو القيم قد زالت عنه أسباب الوصاية او القوامة فله وحده الحق في التنازل عن الشكوى وليس القيم او الوصي الذي قدم الشكوى وقت قيامه بالقوامة او الوصاية وكذلك الحال إذا كانت الشكوى مقدمة بتوكيل خاص فان الوكيل الخاص لا يستطيع التنازل عنها إلا بتوكيل خاص آخر يتعلق بالتنازل لان الحق في تقديم الشكوى منفصل عن الحق في التنازل عنها (5). في حين ان عرض العفو على المتهم هو من اختصاص قاضي التحقيق بعد اخذ موافقة محكمة الجنايات المختصة عند توافر الشروط التي حددها القانون. والتنازل يكون مقبولاً في جميع مراحل الدعوى الجزائية لحين صدور الحكم فيها(6)، وبذلك يجوز للمشتكي  أن يتنازل عن شكواه من وقت تقديم الشكوى،(7) ويبقى له هذا الحق إلى أن يصدر حكم في الدعوى ، أما بعد صدور الحكم فلا يجوز للمشتكي  التنازل بعد ذلك(8). في حين أن عرض العفو على المتهم يقتصر على مرحلة التحقيق الابتدائي .  كما أن التنازل لا يجوز تعليقه على شرط ، لأنّ المجني عليه مخيرّ بين أمرين ، فإما أن يتنازل عن شكواه ،وإما أن يستمر في مباشرة إجراءات الدعوى الجزائية ،وإذا أراد أن يتنازل عن شكواه  فعليه أن لا يعلق تنازله على شرط ، أما إذا علقه على شرط فعليه أن ينتظر لحين تحقق الشرط من عدمه ، فان تحقق الشرط تقدم بتنازله ، أما إذا لم يتحقق فان الأمر متروك له(9) . أما عرض العفو على المتهم فانه معلق على شرط ، والذي يتمثل بتقديم بياناً صحيحاً كاملاً عن الجريمة المرتكبة والمساهمين فيها(10) . فضلاً عن أن التنازل لكي يقبل يجب أن تكون الجريمة مما يجوز الصلح عنها دون موافقة القاضي او المحكمة المختصة ، (11) كما لا يشترط أن تكون الجريمة التي حصل التنازل عنها ناتجة عن مساهمة جنائية وإنما يجوز التنازل سواء كانت مرتكبة من شخص واحد ام مرتكبة من أكثر من شخص، أما عرض العفو على المتهم فان السلطة التي خوّلها القانون جواز اللجوء إلى عرض العفو على المتهم لا يمكنها اللجوء إليه إلا إذا كانت الجريمة جناية غامضة اشترك في ارتكابها أكثر من شخص أي ناتجة عن مساهمة جنائية(12). فضلاً عن أن القانون لم يشترط للتنازل شكل معين ، فقد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً والتنازل الصريح قد يكون مكتوباً وقد يكون شفويا أما التنازل الضمني فانه يستدل عليه من خلال تصرف يصدر عن المجني عليه يفيد انه تنازل عن شكواه،  كالزوج الذي يرضى بالعودة إلى معاشرة زوجه الجاني والأب الذي يهب إلى ابنه المال الذي كان محل السرقة .(13) وكذلك يعد تنازلاً ضمنياً ترك المشتكي لشكواه بعد تقديمها من دون أي مراجعة لمدة ثلاثة أشهر ولم يكن للمشتكي في ترك شكواه أي عذر مشروع .(14) بينما عرض العفو فان المشرِّع قد اشترط فيه شكلية معينة لابد من القيام بها عند عرض العفو على المتهم، فنجد ان المشرع

 قد اشترط على قاضي التحقيق عندما يريد عرض العفو على المتهم أن يدون في المحضر الأسباب التي دفعته إلى ذلك ويرفع المحضر إلى محكمة الجنايات لأخذ موافقتها وبعد الحصول على هذه  الموافقة  يعرض  العفو على  المتهم  فإذا قبل المتهم العرض فعليه أن يقدم بيانا صحيحاً وكاملاً عن الجريمة المعروض العفو بشأنها، وهذا كله لا يمكن أن يتم إلا  بصورة صريحة ولا يمكن استنتاجه ضمناً(15) . كما يختلف التنازل عن عرض العفو على المتهم من حيث الأثر ، إذ إن الأثر الذي يترتب على التنازل يختلف باختلاف موضوع التنازل إذ قد يتنازل المشتكي  عن حقه الجزائي فقط دون حقه المدني ،(16) وفي هذه الحالة يكون له حق اللجوء إلى المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض ، لأنّ المحكمة الجزائية لا تنظر في الدعوى المدنية إلا تبعا للدعوى الجزائية وفي حالة انقضاء هذه الأخيرة ، فليس للمحكمة الجزائية  أن تنظر في الدعوى المدنية بعد ذلك .(17) إلا انه قد يتنازل  المجني عليه عن حقه الجزائي وحقه المدني معاً ، او قد ينص القانون على ان تنازل المشتكي عن حقه الجزائي يتبعه تنازلاً عن حقه المدني(18) كما لا يعد تنازل المشتكي عن حقه المدني تنازلاً عن حقه الجزائي، (19) إذ يجوز له الاستمرار في المطالبة بحقه الجزائي بالرغم من تنازله عن حقه المدني ، إلا انه قد ينص القانون على أن التنازل عن الحق المدني يعد تنازلاً عن الحق الجزائي ، او قد  يصرح المشتكي بذلك ، ففي هذه الحالة فان التنازل يشمل الحق الجزائي والحق المدني.(20) في حين ان عرض العفو على المتهم عند توافر شروطه فان أثره يقتصر على الدعوى الجزائية فقط فيؤدي إلى انقضائها بالنسبة إلى المتهم الذي عرض عليه العفو أما الحقوق الشخصية فلا يؤثر عليها وبذلك يستطيع المتضرر من الجريمة اللجوء إلى المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض.

_______________________

1- د. محمد شتا ابو سعد : الدفوع الجنائية ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، 1995 ، ص211  ـ د. مأمون محمد سلامة : قانون الاجراءات الجنائية معلقا عليه بالفقه واحكام النقض ، ط1،  دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1980 ، ص117 ـ د. ابراهيم حامد طنطاوي : قيود حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ، ح1  ، ط1 ، بلا ناشر ، القاهرة ، 1994 ، ص112 . احمد براك : خصخصة الدعوى الجزائية، بحث منشور على الموقع http://www.pal.lp.org

2- قضت محكمة التمييز في قرارها المرقم 262 ـ جنايات ثانية ـ في 25ـ 1ـ 1976 بان (تنقضي الدعوى الجزائية المتعلقة بالسرقة إذا تنازل والد المتهم عن شكواه ضد ولده ) مجموعة الأحكام العدلية قسم الإعلام القانوني في وزارة العدل  ، العدد الأول ، السنة السابعة ، 1976 ، ص269 .

3- بالنسبة إلى التنازل فقد نصت الفقرة (هـ) من المادة (9) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن ((إذا تعدد المتهمون فان التنازل عن احدهم لا يشمل المتهمين الآخرين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)). ويستثنى من ذلك جريمة الزنى ، حيث أشارت الفقرة (1) من المادة (379) من قانون العقوبات العراقي دعوى الزنى تنقضي بتنازل الزوج الشاكي عن محاكمة الزوج الزاني أو إذا رضى  بالعودة إلى معاشرة الزوج الزاني قبل صدور حكم نهائي في الدعوى كما يعد تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية تنازلا عن محاكمة من زنى بها ، وكذلك فان قانون الإجراءات الجنائية الليبي قد ذهب عكس ذلك إذ نصت الفقرة(أ) من المادة (10)على أن ((..التنازل بالنسبة لأحد المتهمين يعد تنازلا بالنسبة للباقين)).

4- ولما كان الحق في تقديم الشكوى هو حق شخصي يثبت للمجني عليه ولا ينتقل إلى الورثة أي انه إذا توفى المجني عليه قبل أن يقدم الشكوى إلى الجهات المختصة فان الحق في تقديمها يسقط ، كذلك فان الحق في التنازل فهو الآخر حق شخصي لذلك فان وفاة المشتكي بعد تقديم الشكوى لا يؤثر على سير الدعوى وبالتالي لا يجوز للورثة التنازل عن الشكوى ومنع السير في الدعوى هذا ما أشارت إليه المادة (7) والفقرة (د) من المادة (9) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي إلا أن الفقرة (1) من المادة (379) من قانون العقوبات العراقي قد استثنت دعوى الزنى ، فأشارت إلى أن دعوى الزنى تنقضي بوفاة الزوج  الشاكي ، كما أجازت الفقرة (2) من نفس المادة للزوج الشاكي أن يمنع السير في تنفيذ الحكم الصادر على زوجه وفي حالة وفاة الزوج الشاكي فانه يكون كل واحد من أولاده من الزوج المشكو أو الوصي عليهم أن يمنع السير في تنفيذ الحكم وكذلك انظر  الفقرة (ب) من المادة (10) من قانون إلاجراءات الجنائية الليبي .

5– د. إبراهيم حامد طنطاوي : قيود حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ، ج، ط، بلا ناشر ، القاهرة ، 1994 ، ص112 ـ د. عبد الحكم فودة : انقضاء الدعوى وسقوط عقوبتها ، منشاة المعارف ، الإسكندرية، 2005، ص369 .

6-  الأستاذ عبد الأمير العكيلي ـ د. سليم إبراهيم حربة : شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية ، ج ، دار الكتب للطباعة والنشر ،  بغداد ، 1988 ، ص88 .

7- فالحق في التنازل لا يثبت إلا بعد تقديم الشكوى ، وبذلك لا يكون للمجني عليه مباشرة هذا الحق إلا من وقت ثبوته له ، وإذا كان الحق قي تقديم الشكوى يثبت للمجني عليه من وقت علمه بارتكاب الجريمة ، فان الحق في التنازل يثبت للمجني عليه من وقت تقديمه لشكواه ، أما قبل تقديمه لشكواه فلا يكون هناك حق في التنازل بالمعنى القانوني . وفي حالة عدم تقديم الشكوى فان ذلك لا يعد تنازلاً وإنما هو مجرد عدول عن الحق في تقديم الشكوى ، وعدم الرغبة في استعمال هذا الحق .

د. مأمون محمد سلامة : قانون الإجراءات الجنائية ، معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقض ، ط1 ، دار الفكر العربي ، 1980 ، ص121.

8- إلا أن قانون العقوبات العراقي قد استثنى من ذلك في المادة (379)  منه جريمة الزنى، وفي المادة (463) منه جرائم السرقة أو الاغتصاب أو خيانة الأمانة أو الاحتيال أو حيازة الأشياء المتحصلة عنها ، إذا كان المجني عليه زوجاً للجاني  أو احد أصوله او فروعه ، على أن لا تكون الأشياء محل الجريمة محجوزاً عليها قضائياً أو إدارياً او مثقلة بحق لشخص آخر .

9-عبد السلام مقلد : الجرائم المعلقة على شكوى والقواعد الإجرائية الخاصة بها ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 1989،ص37 .

10- انظر الفقرة (أ) من المادة (129) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي والمادة (160) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي والفقرة (1) من المادة (147) من قانون اصول المحاكمات الجزائية البحريني .

11- انظر الفقرة (أ) من المادة (130) والفقرة (ا) من المادة (181) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي .

12- انظر الفقرة (أ) من المادة (129) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي والفقرة (1) من المادة (59) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني والمادة (160) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي .

13- د. حسن صادق المرصفاوي : اصول الإجراءات الجزائية ، ط2  ، دار المعارف ، مصر ، 1961 ، ص119 د. إبراهيم حامد طنطاوي : قيود حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ، ج، ط، بلا ناشر ، القاهرة ، 1994 ، ص122

14- اذ تنص المادة (8)  من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على إن ((…. ويعتبر المشتكي متنازلاً عن شكواه بعد تقديمها إذا تركها دون مراجعة مدة ثلاثة أشهر دون عذر مشروع …)).

15- انظر الفقرة (أ) من المادة (129) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي والمادة (160) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي والفقرة (أ) من المادة (147) من قانون اصول المحاكمات الجزائية البحريني .

16- انظر الفقرة (و) من المادة (9) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي.

كذلك انظر القرار رقم (33) ـ هيأة عامة ثانية ـ 975 في 26ـ4ـ 1975 مجموعة الإحكام العدلية ، قسم الإعلام القانوني بوزارة العدل ، العدد الثاني ، السنة السادسة ، 1975 ، ص251 .

17-  انظر الفقرة (ب) من المادة (9)  من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي.

18- كما هو الحال في جريمة الزنا حيث أشار المشرع في  الفقرة (1) من المادة ( 379)من قانون العقوبات العراقي ، الى أن تنازل الزوج المشتكي عن الدعوى الجزائية يؤدي إلى سقوط الدعوى  المدنية. وذلك لان المشرع لو أجاز للمشتكي المطالبة بالحقوق المدنية بعد سقوط الدعوى  الجزائية لترتب على ذلك إثارة الفضيحة وهذا يتناقض مع الحكمة التي من اجلها أجاز المشرع التنازل عن هذا النوع من الجرائم. الاستاذ عبد الامير العكيلي _ د. سليم إبراهيم حربة: (( شرح قانون اصول ….. )) ، مصدر سابق ، ص42.

19- ذهبت محكمة التمييز في قرارها المرقم (101) – تمييزية – (976) في 25- 1 – 1976 بان ( التنازل عن الحق المدني لا يؤثر على دعوى الحق العام ) مجموعة الأحكام العدلية قسم الأعلام القانوني بوزارة العدل ، العدد الأول ، السنة السابعة، 1976 ، ص282.

20- انظر الفقرة (ز) من المادة (9) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقية                                                          .almerja.com


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ماهية التوقيف الاحتياطي:

                              ...