العقد الإداري بين أشخاص القانون الخاص
تتخذ الإدارة العامة في مباشرة وظيفتها عدة وسائل لتحقيق أهدافها المختلفة و هذه الوسائل قد تتم بالإرادة المنفردة للإدارة وقد تكون في شكل تعاقدات تبرمها الإدارة لتصريف شئونها وتحقيق أهداف العمل الإداري ومما لاشك فيه أن الإدارة عندما تبرم مثل هذه التعاقدات يتعين أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة وهو هدفا يتعين أن يكون أساس لكل ما تقوم بع الإدارة من أعمال أو تصرفات ، و إذا كان الفقه والقضاء في مصر وفرنسا قد تناول بالدراسة فكرة تعاقد الإدارة وذلك لوضع الأسس التي يقوم عليها مثل هذا التعاقد وخاصة فيما يتعلق بمعيار تميز العقد الإداري ، انطلاقا من أهمية تحديد ذلك المعيار تمهيدا لتطبيق الأحكام الموضوعية و الإجرائية لقواعد القانون الإداري على مثل هذه التعاقدات إلا انه في هذا الإطار يتعين أن نشير أيضا في هذا المقام أن الفقه والقضاء لم يعني كثير ببحث الأحكام الخاصة المتعلقة بفكرة الوكالة في العقود الإدارية .
وإذا كانت فكرة الوكالة لم تحظ بتلك الأهمية إلا أن التطور المعاصر لتدخل السلطة العامة غير هذا الوضع تماما و أصبحت فكرة الوكالة محل اهتمام القضاء و تحليلات الفقهاء وتعليقاتهم بحيث اصبح أسلوب الوكالة يحتل مكانا هاما نسبيا بين الأساليب التي تسمح للشخص الخاص بالدخول في مجال النشاط الإداري ([1])
و إذا كان الاهتمام بفكرة الوكالة يرجع إلى بعض أحكام التي صدرت من القضاء الفرنسي يشير لها الفقه عادة عند تناول فكرة الوكالة في العقود الإدارية فان ما يثير التساؤل في هذا الصدد عن مدى تصور تطبيق قواعد الوكالة في مجال العقود الإدارية بل وعلى فرض قبول هذه الفكرة فان التساؤل يدور عن ملامح هذه الفكرة و أحكامها القانونية ومدى تميزها عن قواعد القانون الخاص و إذا كانت فكرة النيابة في التعاقد وما يندرج تحتها من أحكام خاصة فيما يتعلق بالوكالة في التعاقد بحسبان أن فكرة النيابة اعم واشمل إذا كانت تلك الأفكار تحتاج إلى دراسات متأنية للوصول لمدى ملاءمتها وقواعد العقد الإداري فأننا في هذا البحث نحاول وبجهد متواضع أن نرصد أحد صور التعاقدات التي تتم بالنيابة عن الإدارة والتي يثور الجدل حول مدى إدارية العقد المبرم في ظلها خاصة فالفرض هنا و هو الفرض محل البحث يتعلق بتعاقد أطراف من أشخاص القانون الخاص أحدهما يقوم بتسير أو المساهمة في تسير مرفق عام وهو وان كان يقوم بهذه المهمة إلا انه لا يعد من أشخاص القانون العام فهل تعتبر التعاقدات التي يقوم بإبرامها تعد من العقود الإدارية و إذا اعتبرت مثل هذه العقود عقودا إدارية فما هو الأساس القانوني لذلك 0
تأسيسا على ذلك فأننا في هذه الدراسة المتواضعة سوف نتعرض برصد الظاهرة من خلال التعرض لفكرة التعاقد لحساب الإدارة من حيث مفهوم الظاهرة ومصدرها ثم نتناول بالبحث للأساس القانوني الذي اعتمده كل من القضاء الفرنسي والمصري و نأمل أن تكون هذه الدراسة مقدمة طيبة لتناول البحث بشيء من التعمق والتحليل في دراسات أخرى في هذا المجال الرحب
وعلى هذا فأننا قد اعتمدنا خطة البحث على الوجه الآتي :-
• الفصل الأول – التعاقد باسم ولحساب الإدارة
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
• الفصل الثاني :- التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المبحث الأول :- مدى قيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الأول :- الرأي المؤيد لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الثاني :- الرأي المنكر لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المبحث الثاني :- حقيقة التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المطلب الأول :- عدم افتراض النيابة
المطلب الثاني :- ذاتية فكرة النيابة في القانون العام
• خاتمة :-
الفصل الأول – التعاقد باسم ولحساب الإدارة
الأصل أن تقوم الإدارة العامة بنفسها بإبرام التصرفات القانونية المختلفة سواء كان ذلك التعاقد صادرا من السلطة المركزية أم كان صادرا من السلطة اللامركزية مرفقة كانت أم محلية بيد انه من المتصور أيضا أن تنوب الإدارة غيرها في إبرام تلك التصرفات باسمها ولحسابها وبالتالي تنصرف جميع آثار هذا العقد للإدارة وعلى هذا نتناول هنا مثل هذا التعاقد في مبحثين يتناول الأول العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها ثم نتناول ذلك العقد الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة 0
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بالتعبير عن إرادتها بنفسها و إبرام عقودها بمناسبة ممارسة وظيفتها الإدارية فانه من المقرر أيضا انه ليس كل ما تبرمه الإدارة من تعاقدات تعد عقودا إدارية وبالتالي تخضع لقواعد القانون الإداري ورقابة القضاء الإداري إنما يجب أن تتوافر مقومات العقد الإداري على مثل هذا التعاقد الشخصي ومما لا شك فيه أن مثل هذه المقومات كان الفضل لكل من مجلس الدولة الفرنسي والمصري في وضع ملامحها ولهذا نتناول ذلك في مطلبين كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام والثاني أن تتصرف الإدارة باعتبارها سلطة عامة 0
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية العقد الإداري بأنه ” العقد الذي يبرمه القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا غير مألوفة من عقود القانون الخاص ” ([2])
الشرط الأول إذن هو أن يكون أحد أطراف العقد أحد أشخاص القانون العام سواء تعلق الأمر بالدولة أم بأحد الأشخاص المعنوية المرفقية أو المحلية والفرض هنا محل البحث أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولكن أهمية هذا الشرط تثور بشكل اكثر وضوحا وكما سوف نرى في الحالة التي لا تظهر الإدارة أو أحد أشخاص القانون العام بنفسها كطرف في العقد فهل يعد العقد في مثل هذه الحالة عقدا إداريا حتى ولو افترضنا أن أحد أطراف العقد يعمل لحساب الإدارة لقد ثار مثل هذا التساؤل بمناسبة الأحكام التي صدرت من محكمة التنازع الفرنسية و مجلس الدولة الفرنسي بل و مجلس الدولة المصري حيث اعتبرت بعض العقود عقودا إدارية بالرغم من أن أطرافها أشخاصا من أشخاص القانون الخاص وقد اعتبر بعض الفقهاء أن مثل هذا الاتجاه يعد استثناء من القاعدة العامة من شرط وجود الإدارة كطرف من طرفي العقد 0
أيا ما كان الأمر فان الفرض هنا أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولا تثور هذه الإشكالية ولهذا يجب البحث عن الشرط الثاني لقيام مقومات العقد الإداري 0
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
لكي يكون العقد إداريا لا يكفي أن يكون أحد طرفيه من أشخاص القانون العام أو كما سنرى يعمل باسم ولحساب شخص عام و إنما يجب كذلك أن تتصرف الإدارة عند تعاقدها بوصفها سلطة عامة وذلك بان يتصف العقد
ببعض الصفات في شروطه أو في موضوعه يتصل بفكرتي السلطة العامة والمرافق العامة وهما المحوران الرئيسيان للقانون الإداري فأما أن تتضمن شروط العقد استخدام امتيازات السلطة العامة المتمثلة في وجود شروط فادحة أو غير مألوفة في القانون الخاص و أما أن يكون موضوعه هو تنفيذ مهمة مرفق عام ([3])
مما لا شك في أن هذا الشرط يحتوي على معيارين هما معيار الشروط الغير مألوفة أو الشروط الاستثنائية ومعيار تعلق العقد بتنفيذ مهمة مرفق عام و أيا من المعيارين – بالإضافة للشرط الأول – يكفي لتوافر الصفة الإدارية لعقود الإدارة فأما أن يكون العقد يتعلق بتنفيذ مهمة مرفق عام و أما أن يتضمن شروطا استثنائية غير موجودة في عقود القانون الخاص عادة ([4])
الخلاصة إذن انه يلزم أن تتوافر مقومات العقد الإداري فبالإضافة إلى انه يجب أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما يجب أيضا أن يكون العقد صادرا من الإدارة باعتبارها سلطة عامة سواء بتضمين العقد شروط غير مألوفة في مجال عقود القانون الخاص أو لتعلق العقد بتنفيذ مرفق عام وعلى ذلك فان العقد الذي تبرمه الإدارة العامة بنفسها باعتبارها سلطة عامة يعد عقدا إداريا بتوافر المقومات المشار إليها ولكن تدق التفرقة وكما سوف نرى في الحالة التي
لا تقوم الإدارة بإبرام العقد بنفسها أما لقيام من ينوب عنها قانونا و أما لان
الشخص الذي يبرم العقد يعمل لحساب الإدارة بالمفهوم الذي سوف نعرض له بعد قليل .
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بإبرام عقودها بشخصها إلا انه ليس هناك ما يحول دون قيام الإدارة بإنابة غيرها في إبرام مثل هذه العقود فللجهات الإدارية أن تنوب عن بعضها في مباشرة إجراءات التعاقد لإبرام عقد معين هذا من جهة بل انه من المتصور أيضا أن تقوم الإدارة بإنابة شخصا أخر سواء كان ذلك الشخص من أشخاص القانون العام أم من أشخاص القانون الخاص في مثل هذه الحالة يتعين التفرقة بين فرضين الأول يتعلق بالحالة التي تكون تلك النيابة صريحة وقانونية والثاني يتعلق بالحالة التي لا تكشف فيها الإدارة عن إرادتها الصريحة في قيام تلك النيابة 0
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
قد لا تظهر الإدارة في عقد من العقود ومع ذلك يعتبر العقد إداريا إذا كان أحد طرفيه يتعاقد باسم ولمصلحة الإدارة على انه في هذه الحالة يتعين احترام القواعد المدنية الخاصة بالوكالة والواردة في المادة 105 من القانون المدني وهو ما أوردته المحكمة الإدارية العليا صراحة في حكمها الصادر 23 نوفمبر سنة 1968 ( س14 ؛ ص 56 ) . ([5])
وقد عبرت عن ذلك المحكمة الإدارية العليا حين قررت في حكمها السابق الإشارة إليه ” إلا انه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما كان في الحقيقة لحساب الإدارة ومصلحتها فان التعاقد يكتسب صفة العقد الإداري ” كما قررت المحكمة العليا أيضا صراحة انه إذا نص صراحة في العقد على وجود الوكالة فهذا لا يمنع من احترام القواعد المدنية الخاصة بها والتي وردت في المادة 105 من التقنين المدني “
والفرض هنا أذن أننا بصدد نيابة قانونية سواء كانت تلك النيابة بمقتضى نص قانوني أم بمقتضى عقد وكالة صريح ونعتقد أن مجلس الدولة المصري قد استقر على اعتماد قواعد كل من النيابة والوكالة متى كانت تلك النيابة أو الوكالة صريحة لا تحتاج ثمة شك أو تأويل وعلى ذلك فان مجلس الدولة المصري قد اعتبر العقد الصادر من أحد أشخاص القانون الخاص إذا كان ذلك الشخص يمثل شخصا معنويا عاما ويعمل باسمه ولحسابه وتتوافر مقومات العقد الإداري قد اعتبر ذلك العقد عقدا إداريا ولا غرابة في ذلك ما دام أن هذا الشخص الخاص يمثل الشخص المعنوي العم ويعمل باسمه ولحسابه على النحو السابق بل إننا نرى أن مثل هذا المسلك القضائي لا يعد بأي حال من الأحوال خروجا عن الأصل العام من اشتراط أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما كما يذهب جانبا من الفقه ذلك انه إذا كان ظاهر الحال يقطع بان كلا من المتعاقدين من أشخاص القانون الخاص إلا أن حقيقة الأمر وطبقا لقواعد النيابة فان مثل العقد بالنظر إلى الآثار التي تترتب عليه وبالنظر للقواعد المستقرة لكل من النيابة والوكالة أن جميع آثار العقد تنصرف لشخص الأصيل وهو في هذا الفرض الشخص العام ولهذا قلنا انه لا مجال للقول أن هذا الفرض يعد استثناء عن الأصل بل انه في حقية الأمر يؤكد ذلك الأصل .
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
ثارت فكرة التعاقد لحساب الإدارة أو باسم ولحساب الإدارة بمناسبة حكم محكمة التنازع الفرنسية بتاريخ 8يوليه عام 1964 ويهمنا في هذا الصدد أن نعرض لما جاء بهذا الحكم ( 1 ) بالنظر إلى ما إثارة من أفكار تستحق البحث عن التكيف القانوني لتلك النتيجة التي انتهى إليها ذلك الحكم و لاسيما أن جانبا كبيرا من فقه القانون الإداري في مصر وفرنسا حاول أن يستند في تفسير ذلك الحكم إلى فكرة الوكالة الضمنية كتبرير لاعتبار مثل هذا العقد المبرم بين أشخاص القانون الخاص عقدا إداريا بالرغم من عدم قيام النيابة الصريحة بصورها المختلفة في جانب أحد المتعاقدين .
وتتلخص الوقائع في أن القانون 18 أبريل سنة 1955 قد حدد نظام طرق السيارات ونص في المادة 4على انه يمكن بصفة استثنائية أن يكون إنشاء و استغلال أحدها بمنح التزامه إلى شخص عام أو غرفة تجارية أو شركة اقتصاد مختلط تكون الأغلبية فيها للمصالح العامة وقد أنشأت شركة طريق سيارات استيريل-كوت دازور تطبيقا لهذا النص وحصلت على التزام إنشاء طريق السيارات باتفاق اقره مرسوم بعد موافقة مجلس الدولة في 21 مايو 1957 و أبرمت الشركة عقودا مع المقاولين لإنشاء الطريق وقد أدي أحد هذه العقود إلى نزاع فقد عاني صاحبه شركة منشاة بيرو صعوبات مالية وتقرر إفادتها من التصفية القضائية وقد نسبت الشركة ومديرها القضائي إلى شركة طريق السيارات ارتكاب حيل تدليسية لجعل المتعاقد معها (المنشاة المدعية)تنسحب من العقد وطالبها علي هذا الأساس بتعويض ارتفع إلى اكثر من مليون فرنك وقد
1 ) ترجمة هذا الحكم والتعليق د / احمد يسري – أحكام المبادئ في القضاء الإداري الفرنسي – مارسو لون – بروسبير في – جي بريبان – ترجمة د/ احمد يسري – ص – 596 وما بعدها
رفع النزاع أولا إلى محكمة فوا foix الابتدائية التي قررت اختصاصها ولكن محكمة استئناف تولوز قررت عكس ذلك وان النزاع يدخل في اختصاص القضاء الإداري وامتثالا لهذا القضاء عرضت المنشاة النزاع على المحكمة الإدارية بنيس التي رأت رأيا مخالفا لمحكمة استئناف تولوز فأحالته بأمر اختصاص إلى محكمة التنازع تطبيقا لنصوص مرسوم 3يوليه1963التى تستهدف تجنب نشوء النزاع السلبي .وقد حسمت محكمة التنازع الأمر لصالح الاختصاص الإداري بحكم أعطى تأسيسها القانون ونطاقه العملي مجالا للجدل 0 حيث قررت محكمة التنازع ” من حيث أن شركة طريق السيارات autoroute استيريل_كوت دلزورesterel –cote d’azur الملتزمة بالشروط المنصوص عليها في المادة 4من قانون 18 إبريل 1955 بإنشاء و استغلال طريق سيارات أبرمت مع منشاة بيرو عقدا لتنفيذ الأشغال الضرورية لإنشاء هذا الطريق ؛وان منشاة بيرو تنسب إلى شركة طريق سيارات استريل-كوت دلزور حبلا تدليسه تستهدف جعلها تنسحب من هذا العقد ،و تقدر انه نالها ضرر من ذلك تطلب التعويض عنه من تلك الشركة ؛
ومن حيث انه طبقا للمادة 4من قانون 18ابريل سنه 1955 في شان نظام طرق السيارات التي تنص علي أن “استعمال طرق السيارات مجاني من حيث المبدأ .ومع ذلك يمكن أن يقرر قرار المنفعة العامة في حالات استثنائية منح الدولة التزام إنشاء و استغلال أحد الطرق إلى شخص عام أو مجموعة من الأشخاص العامة أو غرفة تجارة أو شركة اقتصاد مختلط تكون الأغلبية فيها للمصالح العامة .وفي هذه الحالة يقر مرسوم عقد الالتزام وكراسة الشروط، ويصدر بعد اخذ رأي مجلس الدولة وبعد استشارة الأشخاص المحلية ذات الشان مباشرة ؛ويمكنها أن تخول الملتزم تقاضي رسوم مرور لتغطية فوائد واستهلاك رؤوس الأموال التي استثمرها وكذلك لصيانة الطريق وتوسيعه في المستقبل “
ومن حيث أن لإنشاء الطرق الوطنية صفة الأشغال العامة وهو بطبيعته من شان الدولة ،وينفذ تقليديا من خلال الإدارة المباشرة ؛وانه نتيجة لذلك تكون العقود التي يبرمها رب العمل لهذا التنفيذ خاضعة لقواعد القانون العام
ومن حيث انه يجب أن يكون الأمر كذلك بالنسبة للعقود التي يبرمها رب عمل لإنشاء طرق سيارات بالشروط المنصوص عليها في قانون 18ابريل 1955,دون حاجة إلى التفرقة حسبما إذا كان الإنشاء تتولاه الدولة مباشرة بالطريقة المعتادة أو يتولاه بصفة استثنائية ملتزم يعمل في مثل هذه الحالة لحساب الدولة سواء كان هذا الملتزم شخصا معنويا من أشخاص القانون العام أو شركة اقتصاد مختلط بغض النظر عن صفة الشخصية المعنوية من القانون الخاص الثابتة لمثل هذه الشركة وانه على هذا الوجه و أيا كانت الأوضاع المتبعة لإنشاء الطريق فان العقود المبرمة بين المقاول مع الإدارة أو مع الملتزم لها صفة عقود الأشغال العامة وانه نتيجة لذلك فان المنازعات المتعلقة بتنفيذ هذه العقود تدخل في عداد تلك المبينة في المادة 4من القانون 28 بلفيوز pluviose للسنة الثامنة وانه بذلك تكون الدعوى المبين تحليلها أعلاه التي رفعتها منشاة بيرو ضد شركة طريق سيلرلت استيريل –كوت دازور تدخل في اختصاص القضاء الإداري ؛ …. (تقرير اختصاص جهات القضاء الإداري )
هذا وقد شايع مجلس الدولة المصري زميله الفرنسي حيث قضت المحكمة الإدارية العليا أن ” العقد الذي لا تكون الإدارة أحد أطرافه لا يجوز بحال من الأحوال أن يعتبر من العقود الإدارية ذلك أن قواعد القانون العام إنما وضعت لتحكم نشاط الإدارة لا نشاط الأفراد والهيئات الخاصة إلا انه من المقرر انه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما كان في الحقيقة لحساب الإدارة ومصلحتها فان هذا التعاقد يكتسب صفة العقد الإداري إذا ما توافرت فيه العناصر الأخرى التي يقوم عليها معيار تميز العقد الإداري ” ( 1 )
هكذا ذهبت كل من أحكام محكمة التنازع الفرنسية وغيرها من أحكام مجلس الدولة الفرنسي وزميله المصري أن محكمة التنازع الفرنسية إذن اعتبرت عقدا مبرما بين أشخاص القانون الخاص عقدا إداريا والمحكمة هنا لم تؤسس حكمها على سند من أن ذلك الشخص كان يعمل بالنيابة عن الإدارة بل أن الغريب وبعكس ما يذهب إليه البعض لم تؤسس حكمها على افتراض قيام وكالة ضمنية أو مفترضة في جانب الشخص الخاص بل أن كل ما ذهبت إليه في ذلك الحكم لتبرير أصباغ الصفة الإدارية على ذلك العقد وعلى حد تعبيرها ” أن لإنشاء الطرق الوطنية صفة الأشغال العامة وهو بطبيعته من شان الدولة ،وينفذ تقليديا من خلال الإدارة المباشرة ؛وانه نتيجة لذلك تكون العقود التي يبرمها رب العمل لهذا التنفيذ خاضعة لقواعد القانون العام ” مثل هذا القول يثير عدة مسائل قد لا يتسع المجال لتناولها في هذا البحث ولكن يمكن الإشارة إليها فيما يلي :-
• أن هذا القضاء قد يكون ردة من مجلس الدولة الفرنسي فيما يتعلق بمعيار تميز العقد الإداري والاكتفاء بمعيار أن يكون العقد متعلقا بتنفيذ مرفق عام أو يستهدف تحقيق نفع عام
( 1 ) الطعن رقم 1558 لسنة 7 ق جلسة 7/3/1964 السنة 9 -ص – 763 – مشار إليه – مؤلف الوسيط في شرح اختصاصات مجلس الدولة – الجزء الثاني – ط – 2000 – المستشار الدكتور / محمد ماهر أبو العنين
• أن هذا القضاء قد أراد أن يضع مبدأ عاما وتصورا خاصا في مجال القانون العام تغاير تماما فكرة النيابة والوكالة المقررة في القانون الخاص
• انه ليس بالضرورة أن يكون العقد متعلقا بأشغال عامة حتى يمكن القول أن هذا القضاء ليس إلا استثناء على القاعدة العامة ذلك أن الحكم وعلى حد تعبيره قد اعتبر أن صفة الأشغال العامة هي بطبيعتها من شأن الدولة وبالتالي فانه من المتصور أن تصور ذات المسألة بالنسبة لأي عقد أخر يكون من طبيعته شأن من شئون الإدارة وهو أمر غير مستبعد
• أن هذا القضاء وكما ذهب جانبا من الفقه أراد أن يمنح لنفسه سلطة تقديرية في تكيف العقد محل الاعتبار وفقا لظروف كل حالة على حده وعلى ضوء الاعتبارات التي تحيط بها وبطبيعة الحال فان لجوء الدولة في العصر الحديث في سبيل القيام بوظيفتها إلى صور وأشكال عديدة وفي بعض الأحيان ذات طبيعة غامضة لا يجعل وضع معيار أو ضابط قاطع ومحدد بالأمر الميسر في كل الحالات بالنسبة للقضاء فهذه السلطة التقديرية أراد القضاء أن يتزود أذن بفكرة مرنة تسعفه في مواجهة مختلف الحالات التي تعرض له ( 1 )
وهو اتجاه وان كان يبتعد عن تفسير ذلك القضاء استنادا لفكرة الوكالة الضمنية وما يعترضها من غموض إلا انه لا يقدم لنا تفسير مقنع لهذا السلطة التقديرية التي لا تستند لثمة ضابط يحدد ملامحها الأساسية
أيا ما كان الأمر فان المسألة اعتقد أنها تحتاج لمزيد من البحث والتأمل لتفسير موقف القضاء الفرنسي من فكرة التعاقد لحساب الإدارة والذي شايعه فيها
( 1 ) الأستاذ الدكتور / محمد فؤاد عبد الباسط – أعمال السلطة الإدارية – ص – 290 وما بعدها
مجلس الدولة المصري ونأمل أن تتاح لنا الفرصة لصبر أغوار هذه الفكرة والتي نعتقد أنها تصلح لان تكون محل بحث لاسيما مع تزايد تخلي الإدارة عن ممارسة وظائفها الإدارية لأشخاص القانون الخاص 0
الفصل الثاني :- التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
تعددت وتباينت الآراء الفقهية لتبرير أصباغ الصفة الإدارية على العقد الذي يبرم بين شخصين ليس من بينهم شخص من أشخاص القانون العام بل انه في حقيقة الأمر أن الآراء قد تعددت في مصر وفرنسا لتفسير الأساس القانوني الذي اعتمدته محكمة التنازع الفرنسية في حكمها سالف الذكر فهناك من استند إلى فكرة الوكالة الضمنية أو المفترضة وهناك من أنكر تلك الفكرة أو ذلك التكييف محاولا أن يجد تبريرا أخر لذلك الاتجاه
المبحث الأول :- مدى قيام فكرة الوكالة الضمنية
استند البعض لتبرير حكم محكمة التنازع الفرنسية المشار إليه وما تلاه من أحكام مجلس الدولة الفرنسي بل وما قرره زميله المصري استند لفكرة الوكالة الضمنية أو المفترضة بينما أنكر البعض قيام تلك الفكرة لتبرير أصباغ الصفة الإدارية على العقد الذي يقال انه تم باسم ولحساب الإدارة 0
المطلب الأول :- الرأي المؤيد لقيام فكرة الوكالة الضمنية
يذهب جانبا من الفقه أن العقد الإداري يجب أن يكون أحد طرفيه من أشخاص القانون العام سواء تعلق الأمر بالدولة أم بأحد الأشخاص المعنوية الإقليمية أو المرفقية فالأصل – من وجهة نظر هذا الاتجاه – أن العقد الذي يبرم بين شخصين من أشخاص القانون الخاص أفرادا كانوا أم شركات لا يمكن أن يعتبر عقدا إداريا يخضع لأحكام القانون العام إلا انه استثناء من ذلك قضت محكمة التنازع الفرنسية في حكم شهير لها بتاريخ 8يوليه عام 1964 بأنه يعتبر عقدا إداريا العقد الذي ابرم بين شركة اقتصاد مختلط صاحبة امتياز وبين أحد المقاولين متعلقا بمسائل تعد من الأشغال العامة وذلك رغم أن العقد تم بين شخصين من أشخاص القانون الخاص ولهذا ينتهي هذا الرأي الفقهي إلى انه إذا كان الأصل هو أن العقد الإداري لا يكون إلا إذا كان أحد أطرافه شخصا من أشخاص القانون العام إلا أن هناك استثناءان الأول خاص بالعقد الذي يتعلق بأشغال بطبيعتها تخص الدولة والثاني في حالة التفويض الصريح أو الضمني ويرى هذا الاتجاه أن محكمة التنازع في حكمها سالف الذكر ” قد نظرت إلى شركة الاقتصاد المختلط في القضية المذكورة كما لو كانت وكيلة عن الإدارة في إبرام العقد وذلك لأهمية العمل المعهود به إليها 0 ( 1 )
المطلب الثاني :- الرأي المنكر لقيام فكرة الوكالة الضمنية
• ذهب رأي إلى انتفاء فكرة الوكالة كأساس لتحديد الطبيعة الإدارية لعقود الشركات المختلطة في المجال المحدود على أساس أن المقصود بالعمل ” باسم ولحساب الإدارة وهو اصطلاحات الذي اخذ به القضاء الإداري الفرنسي ليطبق استثناء من شرط وجود الإدارة طرفا في العقد – لا يعني ولا يفيد المعنى القانوني للوكالة والذي لا يمكن تطبيقه دون مناقشة خاصة إذا كانت الشركة الملتزمة ليست وكيلا حقيقيا بالمعنى القانوني المحدد لهذه الكلمة حيث أن قواعد
( 1 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص – 11 وما بعدها
الوكالة لا تنظم علاقة الدولة ويؤيد هذا القول أن أحكام مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع تستعمل اصطلاح ( باسم ولحساب الإدارة ) دون إشارة لفكرة الوكالة وهو ما يرى صراحة في الأحكام السابقة لمحكمة التنازع الفرنسية أو محكمة القضاء الإداري في مصر أو المحكمة الإدارية العليا حين قررت في حكمها السابق الإشارة إليه ” إلا انه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما كان في الحقيقة لحساب الإدارة ومصلحتها فان التعاقد يكتسب صفة العقد الإداري ” كما قررت المحكمة العليا أيضا صراحة انه إذا نص صراحة في العقد على وجود الوكالة فهذا لا يمنع من احترام القواعد المدنية الخاصة بها والتي وردت في المادة 105 من التقنين المدني فضلا عن أن تحليل نظرية النيابة حسب أصولها لدى شراح القانون الخاص يصعب معه القول في حالة التعاقد باسم ولحساب الإدارة بأننا بصدد نيابة اتفاقية من مقتضاها النائب يتعاقد باسم ولحساب الأصيل بمقتضى عقد الوكالة ( 1 )
• إضافة إلى ذلك أن هناك ما يؤكد أن القضاء الفرنسي لم يتبنى فكرة الوكالة الضمنية حيث ذهب في أحد أحكامه إلى القول بان الشخص الخاص الذي يتصرف لحساب شخص عام يمكن أن يبرم عقد إداريا وليس من الضروري أن يكون هذا الشخص وكيلا بالمعنى المتعارف عليه في القانون المدني كما أن محكمة التنازع الفرنسية سارت على هذا الاتجاه وقت طويل واستمرت عليه متفقة في ذلك مع مجلس الدولة ( 2 ) بل أن محكمة التنازع الفرنسية في حكمها الشهير السابق الإشارة إليه قررت أن إنشاء الطرق هو بطبيعته شان الدولة وان العقود
( 1 ) دكتورة / عزيزة الشريف – دراسات في نظرية العقد الإداري – دار النهضة العربية – ص –40
( 2 ) دكتور / انس جعفر – العقود الإدارية – ط الثالثة – دار النهضة العربية – ص 22
المبرمة لهذا التنفيذ تخضع للقانون العام ثم تضيف ويجب أن يكون الأمر كذلك بالنسبة للعقود المبرمة لا نشاء طرق السيارات أيا كانت الأوضاع المتبعة و حتى حين يعهد بالإنشاء إلى شركة اقتصاد مختلط تعمل في مثل هذه الحالة لحساب الدولة وليس لهذا التعبير الأخير إحالة كافية إلى الفكرة العامة للوكالة التي لا يمكن من جهة أخرى تطبيقها في هذا النطاق دون مساوئ ففي الحقيقة ليست الشركة الملتزمة وكيلا حقيقيا بالمعنى المحدد للاصلاح؛ ولا تنظم قواعد الوكالة علاقتها بالدولة.ولكن محكمة التنازع قدرت أن الشركة أحلت محل الدولة وان لعقودها ذات الطبيعة كما لو كانت الدولة نفسها أبرمتها لأنها ترتبط بتنفيذ مهمة هي بطبيعتها من شان الدولة فهي لم تضع الثقل كما فعل مفوض الحكومة علي الطبيعة الخاصة لشركات الاقتصاد المختلط و إنما علي غاية هذه العقود فغلبت غائية العملية علي أسلوب تكنيك technique تنفيذ الأعمال0 ( 1 )
( 1 ) الدكتور / احمد يسري – المرجع السابق – ص- 601
المبحث الثاني :- حقيقة التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
مما لا شك فيه إننا لا يمكن أن نسلم بافتراض وجود وكالة ضمنية في تلك الحالة التي لا تظهر فيها النيابة بشكل واضح وجلي وقد سبق وان قررنا انه لا خلاف على قيام الصفة الإدارية لذلك العقد الذي يبرم بين أشخاص القانون الخاص أحدهم يعد نائبا عن الشخص العام أيا كانت صورة تلك النيابة ولكن في الوقت ذلك لا يمكن التسليم بافتراض قيام تلك النيابة ولهذا تعين البحث عن معيار أو تبرير أخر لتفسير قيام الصفة الإدارية في تلك الحالة 0
المطلب الأول :- عدم افتراض النيابة
تنص المادة 104 من القانون المدني على انه ” إذا تم العقد بطريق النيابة كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في عيوب الإرادة أو في اثر العلم ببعض الظروف الخاصة أو افتراض العلم بها حتما “
كما تنص المادة 105 ” إذا ابرم النائب في حدود نيابته عقدا باسم الأصيل فان ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل “
فالنيابة إذن هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل مع انصراف الأثر القانوني لهذه الإرادة إلى شخص الأصيل دون النائب ذلك أن التعبير الذي يصدر من النائب إنما هو تعبير عن إرادته هو وليس عن إرادة الأصيل ومع ذلك فان اثر هذا التعبير ينصرف إلى الأصيل ”
ويتعدد المصدر الذي يستقي منه النائب مكنته المشروعة في إبرام تصرف يعبر فيه عن إرادته وتنصرف آثاره إلى الأصيل فقد يكون مصدر النيابة القانون مباشرة وتعرف بالنيابة القانونية وقد يكون مصدرها حكم القضاء وتعرف بالنيابة القضائية وقد يكون مصدرها الاتفاق وتعرف بالنيابة الاتفاقية
أما فيما يتعلق بالوكالة كأحد صور النيابة الاتفاقية فانه طبقا لنص المادة 699 ” الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بان يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل “
فالنيابة أذن بأشكالها المختلفة يجب أن يكون لها وجودا قانونيا أما بنص القانون أو بحكم القضاء أو أن يكون هناك عقدا مستوفيا كافة أركانه وشروط صحته حتى يمكن القول أننا بصدد عقد وكالة يرتب أثره القانونية المختلفة 0
هذا فيما يتعلق بفكرة النيابة في مجال القانون الخاص ولكن السؤال الذي يدور في هذا الشان هل من المتصور أن تكون لفكرة النيابة مفهوما مغايرا لذلك المفهوم في فقه القانون الخاص ؟
المطلب الثاني :- ذاتية فكرة النيابة في القانون العام
في الحقيقة انه مضت الإشارة انه من المستقر عليه في مجال القانون الإداري أن للقانون الإداري ذاتيته التي يستقل بها عن فروع القانون الأخرى وبالتالي فانه من المتصور أن يكون للقانون الإداري من المفاهيم المغايرة تماما للنظريات المتعارف عليها في فقه القانون الخاص بل أن الدور الذي يلعبه القضاء الإداري في مجال وضع المبادئ والنظريات الملائمة لطبيعة القانون الإداري ونشاط الإدارة العامة يقطع بإمكانية تصور تلك المغايرة و بالتالي فانه ليس ببعيد أن نجد مفهوما مغاير لفكرة النيابة في مجال القانون الإداري لعل هذا التحديد هو ما يفسر اتجاه محكمة التنازع الفرنسية إلى إسباغ الطبيعة الإدارية على تلك العقود المبرمة بين أشخاص القانون الخاص إذا كانت متعلقة بالأشغال العامة وافتراض أن ذلك الشخص الخاص يعمل لحساب الإدارة بالرغم من أن أحكام النيابة تستبعد هذا الفرض وبالرغم من أننا لا يمكن أن نسلم بان هناك نصا قانونيا يكفل تلك النيابة إضافة إلى عدم قيام أركان الوكالة في جانب ذلك الشخص الخاص إلا أن محكمة التنازع انتهت إلى أن هذا الشخص يعمل لحساب الإدارة وانتهت إلى أن ذلك العقد عقدا إداريا بل أن ما يؤكد ذلك أن محكمة التنازع الفرنسة التفتت تماما عن فكرة الوكالة الضمنية والتي نادى بها المفوض في تلك القضية ربما قصدت من ذلك أن تقرر مبدأ في مثل هذه التعاقدات وبذلك حاولت جاهدة أن تبرز ملامح وحدود هذه النتيجة التي انتهت إليها ولهذا قصرتها على بعض العقود التي يبرز فيها بشكل صريح وجازم استهداف تسير المرافق العامة أو المساهمة في تسيرها واستلزمت أيضا أن يكون ظاهرا للكافة أن ذلك الشخص يعمل لحساب الإدارة مستخدما في ذلك امتيازات السلطة العامة ولا أدل على ذلك ما جاء بذلك الحكم من انه ” يمكن أن يقرر قرار المنفعة العامة في حالات استثنائية منح الدولة التزام إنشاء و استغلال أحد الطرق إلى شخص عام أو مجموعة من الأشخاص العامة أو غرفة تجارة أو شركة اقتصاد مختلط تكون الأغلبية فيها للمصالح العامة .وفي هذه الحالة يقر مرسوم عقد الالتزام وكراسة الشروط، ويصدر بعد اخذ رأي مجلس الدولة وبعد استشارة الأشخاص المحلية ذات الشان مباشرة ؛ويمكنها أن تخول الملتزم تقاضي رسوم مرور لتغطية فوائد واستهلاك رؤوس الأموال التي استثمرها وكذلك لصيانة الطريق وتوسيعه في المستقبل “
ومن حيث أن لإنشاء الطرق الوطنية صفة الأشغال العامة وهو بطبيعته من شان الدولة ،وينفذ تقليديا من خلال الإدارة المباشرة ؛وانه نتيجة لذلك تكون العقود التي يبرمها رب العمل لهذا التنفيذ خاضعة لقواعد القانون العام 0
فالمعيار إذن أن يكون العمل المكلف به الشخص الخاص من الأعمال التي هي بطبيعتها من شأن الدولة كالأشغال العامة يتم إسنادها لأحد أشخاص القانون الخاص إضافة إلى منحة جانبا من امتيازات السلطة العامة وهو ما يبرر اعتبار مثل هذا الشخص يعمل لحساب السلطة العامة وبالتالي تعد تعاقداته بمناسبة هذه الوظيفة تعاقدات إدارية تخضع لقواعد القانون العام 0
لا شك أن هذه النتيجة التي تنطلق من الاعتراف بذاتية القانون الإداري تؤدي إلى عدم الخوض في الجدل الذي أثير حول طبيعة النيابة أو الوكالة الضمنية والتي قد تؤدي بنا إلى الوقوع في تناقض حول عدم التسليم بافتراض النيابة أو الوكالة طبقا لفقه القانون الخاص ولكن من شان البحث عن طبيعة العمل الذي يقدم عليه الشخص الخاص والوسائل التي تكفلها الإدارة له من امتيازات السلطة العامة ما يبرر إخضاع مثل هذه التصرفات لقواعد القانون العام ومما لا شك فيه أن مثل هذا الأمر يعد ضمانة أساسية للمتعاملين مع ذلك الشخص الذي منح مثل هذه السلطة الخطيرة وهو ما يبرر تحقيق نوع من الرقابة القضائية الفعالة من خلال قواعد القانون الإداري 0
ربما هذا ما يفسر ما ذهب إليه البعض في تفسير حكم محكمة التنازع الفرنسية واتجاه مجلس الدولة الفرنسي من أن القضاء أراد أن يمنح لنفسه سلطة تقديرية في تكيف العقد محل الاعتبار وفقا لظروف كل حالة على حده وعلى ضوء الاعتبارات التي تحيط بها وبطبيعة الحال فان لجوء الدولة في العصر الحديث في سبيل القيام بوظيفتها إلى صور وأشكال عديدة وفي بعض الأحيان ذات طبيعة غامضة لا يجعل وضع معيار أو ضابط قاطع ومحدد بالأمر الميسر في كل الحالات بالنسبة للقضاء فهذه السلطة التقديرية أراد القضاء أن يتزود أذن بفكرة مرنة تسعفه في مواجهة مختلف الحالات التي تعرض له 0
خاتمة
حاولنا في هذا البحث المتواضع أن نلقي الضوء على تلك الحالة التي تباينت فيها الآراء الفقهية فيما يتعلق بالعقد الإداري بين أشخاص القانون الخاص ويتضح من مما سبق انه لا خلاف على قيام الصفة الإدارية على تلك العقود التي تبرم بين أشخاص القانون الخاص إذا كان أحدهم نائبا عن الإدارة شريطة أن تتوافر سائر مقومات العقد الإداري لكن الخلاف قد ثار فيما يتعلق بتبرير أصباغ الصفة الإدارية على ذلك العقد الذي لا يكون أحد أطراف العقد نائبا عن الإدارة وذلك بين مؤيد لفكرة الوكالة الضمنية أو المفترضة و منكر لها وانتهينا إلى انه يمكن تصور قيام نظرية من خلق و إبداع مجلس الدولة الفرنسي مقتضاها اعتبار العقد المبرم بين أشخاص القانون الخاص عقدا إداريا إذا كان أحدهما يعمل باسم ولحساب الإدارة شريطة توافر وقيام مفترضات هذه الفكرة وهو أن تكون العمل الذي اسند إلى الشخص الخاص يعد بطبيعته من المهام الرئيسية للإدارة وان يكون قد منح جانبا من امتيازات السلطة العامة وهو ما يبرر اعتبار مثل هذا الشخص يعمل لحساب السلطة العامة وبالتالي تعد تعاقداته بمناسبة هذه الوظيفة تعاقدات إدارية تخضع لقواعد القانون العام ونأمل أن تتاح لنا الفرصة لاستكمال هذا البحث بشيء من الدقة لا سيما وان مجال البحث يحتاج إلى دراسات متأنية على ضوء ما انتهى إليه القضاء والفقه في هذا الشأن
قائمة المراجع
1. الدكتور / احمد يسري
أحكام المبادئ في القضاء الإداري الفرنسي مارسو لون – بروسبير في – جي بريبان ترجمة د/ احمد يسري – منشأة المعارف بالإسكندرية 0
2. الدكتور / انس جعفر
العقود الإدارية – الطبعة الثالثة – دار النهضة العربية 0
3. الدكتور سليمان محمد الطماوي
الأسس العامة للعقود الإدارية – الطبعة الرابعة 1984 – مطبعة جامعة عين شمس 0
4. الدكتورة / عزيزة الشريف
دراسات في نظرية العقد الإداري – دار النهضة العربية 0
5. الدكتور / ماجد راغب الحلو
القانون الإداري – 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر 0
العقود الإدارية والتحكيم – 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر
6. المستشار الدكتور / محمد ماهر أبو العنين
الوسيط في شرح اختصاصات مجلس الدولة – 2000 – الجزء الثاني 0
7. الدكتور / محمد فؤاد عبد الباسط
أعمال السلطة الإدارية – 1989 – 0
8. الدكتور / مصطفى عبد المقصود سليم
الوكالة في إبرام العقد الإداري – 1995 – دار النهضة العربية
محتويات البحث
• المقدمة
• الفصل الأول – التعاقد باسم ولحساب الإدارة
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
• الفصل الثاني :- التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المبحث الأول :- مدى قيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الأول :- الرأي المؤيد لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الثاني :- الرأي المنكر لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المبحث الثاني :- حقيقة التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المطلب الأول :- عدم افتراض النيابة
المطلب الثاني :- ذاتية فكرة النيابة في القانون
[1] – الدكتور / مصطفى عبد المقصود سليم – الوكالة في إبرام العقد الإداري –1995- دار النهضة العربية ص 30 وما بعدها
[2] – الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – العقود الإدارية والتحكيم – ط 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر – ص – 10 وما بعدها
[3] – الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص 18
[4] – ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص- 19
[5] – الأستاذ الدكتور / سليمان محمد الطماوي – الأسس العامة للعقود الإدارية – ط – 1984 – مطبعة جامعة عين شمس – ص- 65