الفرق بين حكم التحكيم وبين حكم القضاء العادي
الفرق بين حكم التحكيم وبين حكم القضاء العادي
لا يوجد فرق سوى أن حكم التحكيم أساسه وفكرته ونظامه يقوم على مبدأ “سلطان الإرادة” ، يعني يصدر حسب أتفاق وإرادة ورغبة الخصوم، فإذا أحبوا اللجوء للقاضي العادي (المحكمة القضائية) لا يوجد مشكلة ، وإذا أحبوا اللجوء لقضاء التحكيم فيجب أن يتفقوا كتابة على ذلك من خلال ( شرط مدرج بأحد العقود – كعقد البيع مثلا) أو من خـــــــلال (مشارطه تحكيم) — يعني عقد أتفاق على اللجوء للتحكيم بخصوص مشكلة أو خلاف معين حصل بالفعل — وإذا اتفقوا على اللجوء للتحكيم صراحة وكتابة هذا يعني ألزموا أنفسهم بالتحكيم ولا يوجد أمامهم طريق ثاني لحل خلافهم إلا من خلال اللجوء لقضاء التحكيم !!!
بمعنى أنه لو لجأ أحد الأطراف للقضاء العادي بخصوص هذه المشكلة أو الخلاف أو العقد الذي سبق أنهم اتفقوا فيه على اللجوء للتحكيم (فهذا لا يجوز) والمحكمة ستحكم بعدم قبول الدعوى لأن فيها اتفاق على التحكيم !!!
– و لا يجوز الذهاب للتحكيم إلا بعد الاتفاق كتابة بين الأطراف على ذلك ، أي لا يمكن لأحد الأطراف أن يقرر ذلك لوحده دون الطرف الآخر !!
فمثلا لو قرأت أي عقد عادي ستجد في أحد بنوده الأخيرة بند ينص على ( – تختص محكمة…………. بالفصل في أي نزاع ينشأ عن تنفيذ هذا العقد لا قدر الله ) وهذا بند طبيعي وعادي لتحديد المحكمة المختصة محليا بنظر النزاع إن وجد ، لكن دقق النظر وانتبه جيدا ، لو قرأت مكان هذا البند بند ثاني يشبهه ولكنه ينص على ( لفظ التحكيم لفض النزاع) فعليك أن تركز وتفهم وتدقق وتوافق باقتناع على هذا الكلام ، وإلا أصبحت مضطر وملزم جبرا لحل مشكلتك عن طريق التحكيم دون سواه !!!!
طيب أيهما أفضل اللجوء للتحكيم أو البقاء على الأصل وهو اللجوء للقاضي العادي ؟؟؟؟؟
الإجابة على هذا السؤال أنت الذي تختارها بمطلق حريتك وإرادتك ومن أجل أن تتخذ قرار سليم يجب أن تفهم الفرق بين القضائين :
القضاء العادي : هو الأصل ، لكن تكدس الدعاوي وزيادة أعدادها بهذا الكم الرهيب يجعل قضيتك مثلها مثل غيرها من الدعاوي تأخذ دورها وإجراءاتها ويمكن أن يمتد النزاع فيها سنيين وسنيين ويتغير عليها عدة قضاة وتحال للخبراء ثلاث أو أربع مرات وهكذا …… ويصدر الحكم فيها فعلا ، لكن الخصم يستأنف هذا الحكم وإذا لم يرضى بحكم الاستئناف يطعن فيه أمام محكمة النقض بدمشق ، ومحكمة النقض محكمة واحدة على مستوى الجمهورية العربية السورية وتنظر جميع الطعون المحالة إليها من المحاكم السورية ، ولذلك أيضا تتأخر للفصل في الدعاوي المنظورة أمامها لعدة سنوات أخرى.
أما قضاء التحكيم : أنت الذي تختار القاضي الذي يمثلك ومن حقك أن تختار أي شخص تراه مناسبا كمحكم عنك وخصمك هو أيضا يختار المحكم الذي يمثله وهذين المحكمين يعينان ( الرئيس أو المحكم المرجح الذي يرجح بينهم إذا اختلفوا ) يعني محكمة التحكيم يجب أن يكون عددها (وترا) أي عدد فردي ( 1 – 3 – 5 – 7 – 9 وهكذا ) ، والآن تخيل أنك أنت بإرادتك اخترت القاضي الذي تثق فيه ، والذي سيهتم بقضيتك لأنها قضيته الوحيدة ، لأنه سيتقاضى عنها أجرة ، وتخيل أيضا أن محاميك المتفهم لقضيتك ودعواك بشكل جيد سيشارك في الحكم فيها بالفعل !!!
– وللتحكيم أيضا ميزة خطيرة ومهمة جدا جدا…هي التحكيم بالصلح !!!
ماذا يعني التحكيم بالصلح ؟؟؟؟؟؟
سأجاوبك باختصار … القاضي العادي يحكم بالورق والمستندات التي قدمت إليه ويطبق القانون بحذافيره ، يعني لو أن لك حقا وليس لديك ورق أو مستندات تثبته ، هذا يعني حقك راح و(عليه العوض) ، والقاضي لا يستطيع أن ينفعك بشيء ويخالف الورق والمستندات التي أمامه ، حتى لو تأكد بأنك مظلوم .
لكن التحكيم بالصلح… أنت الذي تفوض محكمّك في التنازل عن بعض حقوقك ، يعنى يساوم خصمك فيتنازل له عن بعض حقوقك ويأخذ منه مقابلا لهذا التنازل ( يعنى نصف العمى ولا العمى كله) بقصد الوصول لحل متوازن يرضي جميع الأطراف يعني عملية توفيق بين المصالح المتعارضة بالعدل وليس بالقانون .
مثال بسيط لتوضيح الفكرة : (أنت دائن لشخص بمبلغ مئة ألف وموعد الدفع السنة القادمة شهر نيسان ، فممكن أن ترضى أن تأخذهم خمسة وسبعين ألف ولكن اليوم أو تسعين ألف في الشهر القادم ولا تنتظر السنة القادمة وتأخذ كامل المبلغ)
هذا هو الصلح ممكن يكسّبك وممكن يخسّرك برضاك وحسب كفاءة محكمك الذي أنت اخترته وفوضته في التحكيم بالصلح وفى إقناع الخصم وإرضائه أيضا ، يعني أنت وخصمك ما زلتم أحباب ومتصالحين ومتسامحين ، ويمكن أن لا تحتاجوا لأحكام أو أوراق ، وستنتهي المشكلة وديا بالصلح و بالتراضي 000
– ومن مزايا التحكيم أيضا أن الدعوى يجب أن تنتهي ويصدر فيها حكم خلال سنة واحدة على الأكثر أي أن أقصى مدة لصدور حكم المحكمين ( 12 شهر ) !!!
– ومن مزاياه أيضا أن حكم التحكيم غير قابل للطعن فيه لا بالاستئناف ولا بالنقض يعني حكم نهائي مبرم واجب التنفيذ فورا .
سؤال : يمكن هذا الحكم فيه غلط أو عيب أو نقص في الإجراءات المتفق عليها !!! فهل هذا الحكم أجبر على تنفيذه وهو خطأ ولا يمكنني الاعتراض عليه ولا استئنافه ، أليس هذا عيب في مؤسسة التحكيم وليس ميزة ، وحرام وظلم أيضا ؟؟؟؟
هذه المسألة أيضا نظمها القانون وهى أن جعل طريقا وحيدا للطعن في حكم التحكيم هو بدعوى مبتدأه أمام القضاء العادي أمام محكمة الاستئناف ، وعلى فكرة حتى رفع دعوى البطلان لا يوقف التنفيذ إلا في حالات استثنائية , والحكم الصادر في دعوى البطلان هو الوحيد الذي يمكن أن يبطل حكم التحكيم أو يلغيه.
سؤال : لو حصل مشكلة بيني وبين زوجتي ، أو لو أمسكت حرامي هل يمكن أن ألجأ لمحكمة التحكيم لتحصيل حقي ؟؟؟
هذا السؤال جميل جدا ومهم جدا … أنا نسيت أن أذكر أن من مزايا القضاء العادي الرسمي اختصاصه الأصيل بكافة المنازعات أيا كان نوعها طبعا حسب تقسيمات المحاكم
) جنائية – مدنية – عسكرية – إدارية – شرعية) الخ .. لكن قانون التحكيم الخاص لا يختص سوى بالمنازعات ( المدنية والتجارية فقط ) وحتى أن اسمه ( قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية ) يعني لا يجوز التحكيم في جناية أو جنحة أو طلاق أو زواج ، إلا فيما يتعلق بالحقوق المدنية فيها فقط (أي الآثار المالية المترتبة عليها – مثل مبلغ النفقة الزوجية أو التعويض عن جرم جنائي أو عن حوادث السير )
ولا تنسى ما ذكرناه مسبقا ونكرر ثاني وثالث ورابع ….
أن أهم نقطة في الموضوع هي اتفاق الأطراف كتابة على اللجوء للتحكيم ، لأن هذا الاتفاق هو دستور التحكيم وسنده ومصدر سلطاته ، ومن غير هذا الاتفاق لا يوجد تحكيم ، وإنما يوجد : قضاء المحاكم العادية فقط droitetentreprise.com