يجمع الحقوقيون على أن سيادة القانون هي الأساس في تطبيق العدالة، إذ يقف كل الناس أمامه ويخضعون لأحكامه، ولا فرق بين إنسان وآخر.
وفي نظر هؤلاء فإن القانون هو مجموع القواعد التي تسنها الدولة من أجل تنظيم شؤون البلاد وتسييرها، ووضع النظم والضوابط التي تطبق على جميع الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية، وفي علاقاتهم مع الدولة وتنظيم الأمور المدنية والتجارية والجزائية.
ولتطبيق القانون، حسب الباحثين أنفسهم، يعتبرالقاضي العين الناظرة من خلال تحديد الجلسات التي تعقدها المحاكم للنظر والفصل في الدعوى، وقد تطول مواعد هذه الجلسات في بعض الأحيان ويتوقف الفصل في الدعوى وإصدار الحكم فيها على سلوك المحامي والقاضي معا اللذين يمسكان بمفاصل الدعوى وإصدار الحكم فيها ويقرران متى يريدان الانتهاء منها.
وظاهرة البطء في تحقيق العدالة أمر يشغل الكثير من المتقاضين الذين يعانون تفشيها بسبب عدم تطبيق القانون وأصوله واستبعاده من ساحة التطبيق، بل يرى هؤلاء الباحثون إن تسامح القاضي بالوقت وترك الدعوى لحرية المحامي أمر مخيف للقاضي في النهاية ويرعبه حجمها ويعمل على دفعها عنه وعدم الفصل فيها لما تستغرقه من وقت في القراءة المتعبة للنظر وعناء في الرد على الدفوع المكثفة وجهده في كتابة القرار المطول.
وطالما نبه الحقوقيون إلى أنه لو اتبع القاضي الأسلوب المختصر المفيد وألزم الأطراف بتقديم مستنداتهم وبيان أقوالهم مرة واحدة، لأمكنه بذلك تفادي تراكم الدفوع المتكررة التي تستهدف المماطلة والتسويف، لأن لكل دعوى نصا قانونيا يحكم واقعها ولها وسيلة إثبات تؤيدها، وما زاد عن ذلك فهو غرائب وشوائب تسبب للدعوى الإرباك وكبر الحجم والوزن في الواقع.
واعتبر هؤلاء أن القاضي المستقل هو القاضي الذي يسعى إلى تحقيق العدالة في القضية عن طريق كفاءته والتزامه بقيمه الأخلاقية، ومن الخطأ اعتبار دور القاضي منحصرا في تطبيق القانون، بل إن دوره أسمى من ذلك، فتطبيق القانون أهم من إرساء العدالة، إلا أن القانون لا يعني آليا العدل، فالقانون هو إفراز لمجموعة من البشر، فالقاضي عليه تحقيق العدالة، وإن اعترضت القوانين وغيرها مفهوم العدالة، فعليه البحث عن الحل العادل في مصادر القانون والعدل والإنصاف، معملا أخلاقه في رحلة البحث التي لن تكون مضنية له إذا تحلى بكفاءة عالية، أو إذا شد أزره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة محام بارع عبر التقارير والمرافعات.
ويفترض في القاضي إعمال أخلاقه في كل ما يقضي به، و تبيان الأسباب القانونية ووسائل تأويلها، لكي يصل إلى الحل الذي يريح ضميره. أما المحامي فعليه التحلي بالإيمان أن يدافع بكل ما أوتي من حجج فكرية عن القانون، وأن يثق بحسن نية القاضي.
إن دور القاضي ومسؤوليته في بطء تحقيق العدالة ينعكسان سلبا على شخصه بالدرجة الأولى وعلى المتقاضين الذين الانتظار من الوصول إلى النتيجة بالدرجة الثانية، ويحسن بالقاضي البعد عن السهر الطويل في دراسة الدعوى واستمرار تقليب صفحات الدفوع العديدة فيها أن يحصر اهتمامه من البدء بقراءة أولية لاستدعائها وتحديد النقاط القانونية التي تستند إليها الدعوى وتكليف الأطراف بتفيذ المطلوب.
إن ما أطرحه في هذه الكلمات هو تعبير عن آهات كثير من المتقاضين، كما أنه ليس نقدا للعمل القضائي، وإنما هو رأي تجنب إطالة أمد التقاضي والإقلال من صعوبة العمل الذي يواجهه القاضي عند النظر في الدعوى بشكل متأخر. .maghress.com
القاضي بين تحقيق العدالة وتطبيق القانون
القاضي بين تحقيق العدالة وتطبيق القانون