القانون التأديبي والجنائي للمنافسة
مقدمة
تنبني التجارة في الوقت الحاضر على مبدأ حرية التجارة الذي يساعد في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أن المنافسة الحرة تدفع التجار إلى تطوير وتحسين منتجاتهم وعرضها بالثمن المناسب، ومن ثم تسمح بقيام قانون العرض والطلب الذي بدوره يخلق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك مما يؤدي إلى تقدم وازدهار الاقتصاد.
غير أن إقرار حرية المنافسة بدون ضوابط من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية وخاصة وأن الممارسة قد أبانت أنه في كثير من الأحيان يتم اللجوء إلى أساليب وممارسات غير مشروعة من التجار بهدف تقييد المنافسة أو عرقلتها صربا بعرض الحائط المصلحة العامة ومصلحة المستهلكين. لذا كان من الضروري تدخل المشرع المغربي لتنظيم المنافسة وضبط آلياتها بناءا على مقاربة قانونية تعترف بحرية المنافسة لكن وفق ضوابط وقواعد، هذه القواعد هي التي تؤلف ما يعرف بالقانون الجنائي والتأديبي للمنافسة، والذي لم يجعل له المشرع المغربي مدونة مستقلة تسمى هكذا، ولكن يستقى أساسا من نصوص قانون حرية الأسعار والمنافسة رقم 99-06.
ويتميز القانون الجنائي للمنافسة باعتباره يدخل ضمن القانون الجنائي الاقتصادي، أن الحرية فيه ترمي إلى حماية الاقتصاد وليس المال ـ وإن كان لها انعكاسات مالية ـ وهذا بخلاف الجريمة المالية التي ترمي إلى حماية مالية الضحية أو موارده المالية (جريمة إساءة استعمال أموال الشركة)، ولذلك فإننا يمكن القول بأن الجريمة الاقتصادية هي التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر مجموع البنيات الخاصة بإنتاج وتداول وتوزيع واستهلاك الثروات في بلد معين.
وإذا بحثنا في جرائم المنافسة، فإننا نجد أن المشرع عمل على حظر ومنع بعض الممارسات التي تعتبر مخلة بالمنافسة ومنافية لها في حد ذاتها، كما حظر أخرى لا لكونها مخلة بالعملية التنافسية لكن لكونها توجهها وكجهة تؤثر عليها إذا ما توافرت فيها شروط أو جاءت مخالفة لقواعد ممارستها.
وهكذا سنعمل على مقاربة الموضوع من خلال استعراض هذه الممارسات المخلة بقواعد المنافسة وكذا الجزاءات التي جاء بها المشرع لضبط هذه الممارسات، وذلك من خلال التقسيم التالي:
المبحث الأول: الممارسات المخلة بالمنافسة
المبحث الثاني: الجزاءات الجنائية والتأديبية.
المبحث الأول: الممارسات المخلة بالمنافسة
المطلب الأول : الممارسات المنافية لقواعد المنافسة
إن هذه الممارسات تضر بالمنافسة وتقضي عليها سواء في إطار قطاع معين أو سوق بأكمله، وهو ما جعل المشرع يقوم بمنعها كمبدإ عام، ومع ذلك فهو أورد على هذا المبدأ استثناءات في شكل إعفاء القائمين بها في بعض الحالات.
ميز القانون المتعلق بالمنافسة بين نوعين من السلوكات المنافية لقواعد المنافسة وهما: الاتفاقات [الفقرة الأولى] والاستغلال التعسفي [الفقرة الثانية].
الفقرة الأولى : الاتفاقات
لقد أوردت المادة 6 من ق.ح.أ.م مبدأ منع الاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة، وفي هذا الإطار نصت على انه : “تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما …”
ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يعمل على تعريف الاتفاقات غير المشروعة شأنه في ذلك شأن نظيره الفرنسي.
وقد حاول بعض الفقه وضع تعريف لهذا النوع من الاتفاقات فاعتبرها تعاونا وتآزرا بين الإرادات قصد تقييد المنافسة ، أو كنتيجة بمشاركة عدة إرادات مستقلة لإرساء سلوك جماعي للتصرف في السوق. ويمكن أن نستشف من خلال ما سبق خصائص الاتفاق غير المشروع، هذا الأخير الذي يقتضي لنشوءه توافر عنصرين أساسين وهما وجود تواطؤ بين عدة أطراف [أولا] وأن يكون الغرض منه المساس بالمنافسة الحرة [ثانيا] .
أولا : التواطؤ
يعرف التواطؤ بأنه هو كل أشكال التعاقدات والاتفاقات التي تهدف أو ينتج عنها إفساد لعبة المنافسة إما عبر التوافق حول الأثمان أو حول الأسواق أو الزبناء .
والملاحظ هنا أن الأمر لا يتعلق بمنع الاتفاقات كمبدأ، بل أن المنع يطال فقط تلك التي تنتج قيودا على المنافسة في سوق ما.
فالتواطؤ قد يتم عن طريق الاتفاقات بين المشروعات المتنافسة التي تنتج سلعا متماثلة أو متشابهة، لتقيد المنافسة من جانب الآخرين، وقد يتم ذلك عن طريق كارتلات الاستيراد والتي تقوم بالمقاطعة أو الرفض الجماعي للتعامل مع موردين أجانب أو الاتفاق على استبعاد الموردين الأجانب للسلع المنافسة أو استخدام شروط تعجيزية أو معايير تمييزية للتعامل معهم، أو كارتلات التصدير والتي تتحكم جماعيا بسياسات متفق عليها، في التسويق إلى الخارج، أو الكارتلات الدولية والتي تتفق على تقاسم الأسواق العالمية فيما بينها وتتبنى سياسات للحد من المنافسة فيما بينها والحد من الإنتاج ورفع الأسعار .
وعليه فإن أهم الصعوبات تتعلق بأطراف الاتفاق من جهة، وبشكل ودليل التواطؤ من جهة أخرى.
1) أطراف التواطؤ
يفترض في التواطؤ وجود طرفين على الأقل، ويتم عادة بين المقاولات سواء كانت فردية أو جماعية، غير أن القضاء الفرنسي لم يتبنى هذا الرأي حيث ذهبت محكمة الاستئناف بباريس إلى أن التواطؤ بين الإرادات لا يتحقق بين المقاولات فقط بل يمكن أن ينشأ حتى فيما بين الأشخاص المعنويين من جهة والأشخاص الطبيعية من جهة أخرى مادامت هذه الأخيرة تمارس نشاطا اقتصاديا ومن شأن هذا التواطؤ أن يغير من الشروط العادية للسوق .
وعندما يتعلق الأمر بشخص اعتباري، فمن الضروري تمتعه باستقلال قانوني واقتصادي، وهو ما لا يصدق على المقاولات التابعة لنفس المجموعة، ولذلك فإن مثل هذه الحالة تخرج عن نطاق تطبيق المادة 6 من ق.ج.أ.م، مادامت المقاولة لا تتمتع باستقلال في التسيير وفي حريتها التجارية، وبالمقابل فمجرد وجود علاقات مالية بسيطة أو علاقات تبعية كالاقتراض مثلا لا تكفي للحيلولة دون تطبيق المادة 6 السالفة الذكر، ويرى بعض الفقه في تحليله لمقتضيات المادة 7 من أمر 31 دجنبر 1986 إلى أنه يلزم لعدم وقوع الاتفاق المبرم بين مقاولات تنتمي إلى نفس المجموعة تحت طائلة المنع، ألا يتم بهدف عرقلة السير العادي للمنافسة.
وفي نفس السياق تساءل بعض الفقه حول ما إذا كان يجب تكييف تصرف الأطراف –الذين يتمتعون بشخصية معنوية مستقلة وينتمون لمجموعة واحدة –باتفاق متعدد الأطراف أو وحدة تستلزم اعتبارها وضعا مهيمنا تعسفيا ؟ وقد تم ترجيح اعتباره اتفاقا بتأثير من احد قرارات مجلس المنافسة .
ويخضع لنفس القاعدة أيضا الأشخاص العموميون، كلما تعاطوا إلى أنشطة الإنتاج والتوزيع وتقديم الخدمات ، وقد أراد المشرع بذلك تفادي احتماء هؤلاء وراء المصلحة العامة للدولة لتجنب الخضوع للالتزامات التي تثقل كاهل باقي الفاعلين الاقتصاديين في ميدان المال والأعمال .
وأخيرا لا يتم التمييز بين مختلف المستويات التي ينتمي إليها أطراف التواطؤ داخل مكونات النسيج الاقتصادي، ذلك أن النص القانوني يمكن من مراقبة الإتفاقات الأفقية والعمودية* .
هذا فيما يخص أطراف التواطؤ ، فماهي أشكاله وكيفية إثباته ؟
2)أشكال التواطؤ وإثباته
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 6 من ق.ج.أ.م، نجد أنها تعدد بعض صور التواطؤ والمتمثلة في:
أ/ الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى
في هذا الإطار عمل المشرع على تجريم التواطؤ الذي يمنع منافسين جدد من الدخول لممارسة الأنشطة سواء في المجال الصناعي أوالتجاري، وكذا الحد من إمكانيات تنمية القدرات التجارية أو الحرية التجارية لبعض المتنافسين كاستعمال الشرط المانع. كما أن التنظيم الخاص للدخول لمهنة حسب المدلول القانوني والاقتصادي يمكن أن يتعارض مع قواعد المنافسة، نفس الشيء بالنسبة للتخفيضات الموحدة ومقاطعة أو استعمال حقوق الملكية الصناعية للسيطرة على الأسواق.
ب/عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها
يتعلق الأمر في هذه النقطة بالتواطؤ المتوازي لتوحيد الأثمان، وهناك كذلك شروط الصلح التي لم يشر إليها النص كالتخفيضات ووضع أجل للأداء، كما أن العرقلة تكون بخلق شروط للثمن المفروض وشروط تنافسية يلتزم بها المنتجون فرادى أو بشكل جماعي وذلك بالانحياز للأثمان الأكثر انخفاضا والتي يعمل بها منافس معين في وقت محدد، حيث يتم وضع شروط ملائمة للزبناء والتي يتعهد بها المنتجون لتقويم الأثمان المحسوبة على الزبون في الفاتورة، وإذا تم فرض أثمان أكثر ملاءمة لزبون آخر فإنه في الوقت الذي يمارس فيه على السوق الذي يوجد به عدد قليل من العارضين مقابل عدد كبير من الطالبين Oligopolistique ، فإنه يحدث آثارا سلبية وردعية على إثر انخفاض الأثمان .
فمن المعلوم أن تكوين الثمن في ظل شروط المنافسة السليمة، يكون بالتقاء قوى العرض وقوى الطلب، فالذين يعرضون سلعة ما يسعون بواسطة عرض سلعتهم في السوق من أجل الحصول على ثمن لسلعتهم ومن جانب آخر يسعى الذين يطلبون هذه السلعة للحصول عليها بأدنى ثمن ممكن، وهذا يعني أن جانب العرض يعمل على شد الثمن إلى أعلى وجانب الطلب يعمل من جهته على جذب الثمن إلى أسفل، وبهاتين القوتين المتعارضتين يتم تحديد ثمن تلك السلعة وعندما يتم تحديد ثمن السلعة في السوق بفعل هذه القوى، فإن العارض الفردي وكذا الطالب الفردي لا يستطيع أن يؤثر في هذا الثمن، فالثمن في هذه الحالة بالنسبة للعارض الفردي والطالب الفردي هو ثمن مفروض (معطى) ولا يستطيع أي منهم بمفرده أن يؤثر فيه .
ج/ حصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمار أو التقدم التقني:
وهذا المثال مستمد من القانون الفرنسي للمنافسة لسنة 1986 والذي استقاه بدوره من الفقرة 1 من الفصل 85 من اتفاقية روما والتي تهدف إلى منع استغلال الاختراع ووضع حصة محدودة للإنتاج أو البيع، وتشجع هذه الاتفاقية وضع الإصلاحات للقواعد والنوع وكذا الاتفاقيات المتعلقة بالبحث والتنمية.
د/ تقسيم الأسواق أو مصادر التموين
منعت المادة 6 من ق.ج.أ.م في فقرتها الأخيرة تقسيم الأسواق ومصادر التموين أو ما يسمى بالاتفاق المتوازي لتقسيم الأسواق التجارية وشبكات أو مجال التوزيع، والتنازل عن الامتيازات في منطقة خاصة لفائدة أعضاء فريق في شبكة التوزيع ووضع بعض الشروط المنافية للمنافسة كشرط عدم المنافسة .
هذا وإذا كان المشرع قد حسم في مسألة الشكل الذي يتم تحت غطائه التواطؤ، فقد تم السكوت عن إشكالية إثباته.
فمن خلال التجربة الفرنسية في هذا الصدد، يتضح أن سلطات المنافسة لم تستطع خلال مدة طويلة أن تدين سوى الاتفاقيات أو المخالفات التي تترك أثرا ماديا. ومن الناحية القانونية كان من الصعب إدانة حالات الاتفاقيات في غياب أدلة واضحة من قبيل اتفاق مكتوب يبين توزيع السوق مثلا ، لأن المقاولات التي تكون على علم بالخصائص غير الشرعية للاتفاقات تأخذ حذرها ولا تترك أي أثر مادي.
وقد أتاحت الممارسة العملية للقضاء الفرنسي إيجاد حل لإشكالية إثبات التواطؤ، حيث أكدت المحكمة العليا أنه يمكن إثبات الاتفاق الضمني من خلال الأخذ بعين الاعتبار الطريقة التي تتم بها بعض المعاملات، فعند ما تسمح الأفعال للمحكمة من إقرار أن المتواطئين لهم وحدة الهدف ودراية جماعية بالأفعال، ومشاركة فكرية لتنفيذ اتفاق غير مشروع، يمكنها آنذاك الحكم وبكل إنصاف بوجود التواطؤ .
وفي نفس السياق ذهب القضاء الفرنسي إلى أبعد من ذلك، حيث تم قبول افتراض الدليل إذا كان مصاحبا لمؤشرات خطيرة محددة ومنسجمة .
ويجدر التذكير إلى أن الاتفاق بين الإرادات واستقلال الأطراف بعضها البعض لا يصبح منافيا لقواعد المنافسة إلا إذا كان ينم أو فيه مساس بالمنافسة الحرة . وهذا ما سنتطرق إليه فيما يلي.
ثانيا: أن يكون الغرض من الاتفاقات المساس بقواعد المنافسة
يعتبر المساس بقواعد المنافسة عنصرا أساسيا لنشوء الاتفاق غير المشروع، و في هذا الإطار تنص المادة 6 من ق.ح.أ.م على أن الاتفاقات تقع تحت طائلة الحظر«عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما».
من خلال هذه الصياغة يلاحظ أن تكثل هذه العناصر ليس ضروريا لإضفاء الطابع غير الشرعي عليها وإن لم يتحقق الغرض، ونفس الشيء يقال عندما يترتب عن الاتفاق أثرا منافيا لقواعد المنافسة أي الخضوع للمنع ولو لم تتجه الأطراف إلى إحداث الضرر. وبناء عليه يمنع المساس بالمنافسة سواء تجسد أثرها أو ضل محتملا .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يحدد الطرق والوسائل التي تمكن من بلوغ صور التواطؤ المنصوص عليها في المادة 6 من ق.ح.أ.م، إلا أن مجلس المنافسة الفرنسي تمكن من تحديدها فيما يلي:
إتباع وتطبيق استراتيجية عامة يتنازل بمقتضاها جزء من الأطراف عن استقلاليتهم في اتخاد القرارات لفائدة الآخرين.
تبادل المعلومات بين الأطراف حول الإستراتيجية المتبعة من قبل كل واحد منهم.
القيام ببعض الممارسات التي تؤدي إلى الإقصاء من دخول بعض الأسواق أو على الأقل إلى الحد من عملية الدخول هاته.
كما لم يتعرض المشرع لحجم المساس بالمنافسة، شأنه في ذلك شأن نظيره الفرنسي، وقد تعرض الفقه الفرنسي للمسألة، مستشهدا بما ذهبت إليه لجنة المنافسة، حيث أكدت على عدم خضوع الاتفاق للمنع إذا كان تأثيره على المنافسة في سوق ما غير ذي أهمية .
ومع ذلك فإن المشرع المغربي أورد لنا أمثلة عن الأهداف التي يمكن أن تسعى إليها هذه الاتفاقات وذلك في المادة 6 من ق.ح.أ.م حيث جعلها تقع تحت طائلة الحظر عندما تهدف إلى :
1- الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى.
2- عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها.
3- حصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني.
4- تقسيم الأسواق أو مصادر التموين.
بعد أن تطرقنا للاتفاق وبينا العنصرين اللازمين لنشوءه سنتطرق في الفقرة الثانية للاستغلال التعسفي.
الفقرة الثانية: الاستغلال التعسفي
إن فكرة التعسف في استعمال الحق، تقوم على أساس استعمال الحق استعمالا من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلا يحول دون استعمالها على الوجه المألوف . وفي الوقت الراهن فإن فكرة التعسف في استعمال الحق تنبني، من الناحية القانونية كقاعدة عامة، على معايير ثلاثة:
1. استعمال الحق قصد الإضرار بالغير.
2. رجحان الضرر على المصلحة التي يستهدفها صاحب الرخصة أو صاحب الحق.
3. عدم مشروعية المصالح التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها من وراء استعماله لحقه .
وقد عمل المشرع المغربي على تقنين نظرية التعسف في استعمال الحق من خلال المقتضيات المضمنة في الفصل 94 من ق.ل.ع .
أما في إطار قانون المنافسة، فإن مصطلح الاستغلال التعسفي ورد في المادة 7 من ق.ج.أ.م، حيث جاء في الفقرة الأولى منه أنه يحظر قيام منشأة أو مجموعة منشآت بالاستغلال التعسفي:
1- لوضع مهيمن في السوق الداخلية أو جزء مهم من هذه السوق.
2- لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه حل مواز، وذلك عندما يكون الغرض منه أو يمكن أن تترتب عليه عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها.
ورغم ما يبدو من تشابه بين هذه الحالة والاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة باعتبارهما يشكلان خرقا لقانون المنافسة، فإن بينهما فروقا جوهرية، حيث أنه إذا كانت الاتفاقات يمكن أن تبرم بين كل الفاعلين الاقتصاديين من مقاولات وجمعيات ومجموعات، وهيئات…. فإن الاستغلال التعسفي لا يمكن أن يصدر إلا عن مقاولة أو مجموعة مقاولات فقط لا غير .
وقد حدد المشرع أنواع الاستغلال التعسفي [أولا] وتطرق إلى أهم تجلياته [ثانيا]
أولا: أنواع الاستغلال التعسفي
بالرجوع إلى المقتضيات المضمنة في المادة 7 من ق.ح.أ.م نجد أنها ترتكز على نوعين من الاستغلال التعسفي، ويتعلق الأمر بالاستغلال التعسفي لوضع مهيمن والاستغلال التعسفي لتبعية اقتصادية.
1- الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن:
يلاحظ أن المشرع المغربي لم يعمد إلى وضع تعريف للوضع المهيمن التعسفي، إلا أن المادة 7 من ق.ح.أ.م جاءت بمجموعة من الأمثلة، للاستغلال التعسفي للوضع المهيمن والتي من خلالها يمكن القول بأنه هو الإسراف في استغلال التواجد في موقع القوة الاقتصادية في قطاع أو سوق بأكمله، ويمكن أن يتمثل في رفض البيع أو رفض التعامل أو فرض شروط للبيع أو تحديد أثمان غير طبيعية كأثمان الإزاحة للاستحواذ على السوق فيما بعد .
وقد عملت المحاكم الفرنسية على صياغة تعريف يشير إلى أن الوضع54 المهيمن يتعلق بوضع قوة اقتصادية في يد شركة، مما يمنحها سلطة عرقلة المحافظة على المنافسة الفعلية في السوق المعني، وذلك من خلال، تزويدها بإمكانية التصرف بشكل مستقل عن التدابير القابلة للتقييم إزاء المنافسين والزبائن والمستهلكين .
ويتميز الوضع المهيمن عموما بتوافر عناصر ثلاثة على الأقل، هي:
• تمكين المقاولة المهيمنة من القيام بعملية تقييم وتحليل اقتصادي للسوق؛
• احتكار المقاولة المهيمنة للسوق، مادامت تستحوذ على السوق بأكمله أو على جزء مهم دون الخضوع لأية منافسة من طرف جهة أخرى.
• تركيز القوة الاقتصادية بيد المقاولة المهيمنة أو مجموعة المقاولات المهيمنة .
هذا ولابد من الإشارة إلى أنه ليس التواجد في وضع مهيمن هو الذي يشكل إخلالا بالمنافسة، بل أن استغلال ذلك الوضع بشكل تعسفي هو الذي يقع تحت طائلة المنع كما يظهر من المادة 7 من قانون رقم 99-06 .
2- الاستغلال التعسفي لتبعية اقتصادية
ينص البند 2 من الفقرة الأولى من المادة 7 من ق.ح.أ.م على أن الاستغلال التعسفي من طرف منشأة أو مجموعة منشآت لحالة التبعية الاقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس له حل مواز، يعتبر محظورا عندما يكون الغرض منه أو يمكن أن تترتب عنه عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما.
من خلال هذا النص يتضح أن تطبيق المادة 7 من ق.ح.أ.م يفترض اجتماع ثلاثة شروط وهي:
وجود تبعية اقتصادية، غياب حل مواز للشركة الموجودة في حالة التبعية الاقتصادية، والقيام بممارسات ذات طابع تعسفي ومناف لقواعد المنافسة.ولذلك سنحاول التطرق لكل عنصر على حدة:
أ- معيار التبعية:
تقدر معايير التبعية من خلال المبادئ العامة التي تجسد تبعية موزع إزاء ممون أو تبعية ممون إزاء زبون.
في البداية يجب أن نسجل الطابع النسبي لمفهوم التبعية الاقتصادية، فحتى إذا كانت منشأة ما تحقق نسبة %100 من رقم معاملاتها مع ممون واحد، فلا يمكن اعتبارها مع ذلك تابعة اقتصاديا لهذا الممون إذا لم تأخذ بعين الاعتبار معايير أخرى، ويطبق مفهوم التبعية الاقتصادية، على حد سواء على الموزع إزاء ممونه وعلى الممون إزاء زبونه.
فالتبعية الاقتصادية لموزع إزاء ممونه أو ما يسمى “بتبعية التموين”، تتجسد من خلال تحليل المعايير التالية وهي: مواصفات البضاعة، شهرة العلامة التجارية للممون، أهمية حصته في السوق، وحصته في رقم معاملات الموزع.
وهكذا ينبغي أن تكون هذه المعايير حاسمة في العلاقة التجارية مع الممون، لكي تعتبر المنشأة في حالة تبعية اقتصادية، أي على سبيل المثال ينبغي أن يثبت الطابع المبتكر للمنتجات ، وأن تستفيد العلامة التجارية من شهرة كبيرة لدى المستهلكين، وينبغي أن تكون حصة المنتجات المعنية مهمة في رقم معاملات الموزع. وفي الأخير ينبغي على الممون أن ينفصل بشكل حقيقي ومتواصل عن باقي المنتجين المنافسين في السوق.
أما تبعية الممون إزاء الزبون فهي تنتج عندما تكون العلاقة التعاقدية بين الممون والزبون (الموزع) جد مختلة لفائدة هذا الأخير بسبب قوة الشراء.
وعلى غرار تبعية التموين، فإن التبعية بسبب قوة الشراء تحدد من خلال عدة معايير تتعلق بوضعية الممون في السوق، ووضعية المشتري، ولمواصفات علاقاتهم التجارية.
أما فيما يتعلق بالممون، فإن المعايير المؤدية إلى التبعية الاقتصادية إزاء الزبون هي: حصته الضئيلة في السوق، الحجم الصغير، غياب شهرة العلامة التجارية لمنتجاته، الحصة الكبيرة التي يستحوذ عليها الزبون في رقم معاملاته، قدم العلاقات التجارية بين الطرفين، وضع المنافسة في السوق، كلفة النقل التي يتكبدها.
وبالنسبة للمشتري، تقدر قوته الشرائية انطلاقا من أهميته الاقتصادية والمالية، وحصته في رقم المعاملات الذي يحققه الممون، وحصته في سوقه.
ومن بين المعايير الأخرى للتبعية الاقتصادية المأخوذة بعين الاعتبار، هناك المجال المشمول بالتعاون التجاري أو التقني المبرم بين الطرفين، إذ أنه من المعتاد في بيع المنتجات ذات الاستهلاك الواسع بالخصوص، أن يتفق الممون والمشتري، داخل إطار اتفاق تعاون تجاري، على بعض العمليات الترويجية أو التجارية، أو أن يقوم الممون باستثمارات للاستجابة لطلب خاص من المشتري مثل صناعة منتجات خاصة للموزع أو منتجات تباع تحت العلامة التجارية للموزع.فتبعية الممون إزاء الموزع مرتبطة بمجال هذه الشراكة وأقدميتها.
هذا و إذا كان معيار التبعية أساسيا، فإنه مع ذلك غير كاف للحديث عن وجود استغلال تعسفي بل يلزم أن يكون هناك غياب حلول موازية وهو ما سنتطرق إليه .
ب/غياب الحلول الموازية:
لكي تطبق المادة 7 من ق.ح.أ.م لا يكفي أن تجتمع معايير التبعية الاقتصادية، بل ينبغي أن تنعدم الحلول البديلة لدى الشركة التابعة، وهذا ما أكده البند 2 من الفقرة الأولى من المادة 7 صراحة حيث جاء فيها:
” يحظر قيام منشأة أو مجموعة منشات بالاستغلال التعسفي:
1-…
2- لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه حل مواز.
ومفهوم الحل الموازي يحيل إلى وضعية تكون فيها الشركة التابعة اقتصاديا إزاء الشريك الاقتصادي الذي فرض ضدها ممارسات منافية لقواعد المنافسة، قادرة مع ذلك على مواصلة نشاطها بشكل عادي.
وفي حالة تبعية التموين (أي تبعية موزع إزاء ممونه)، يوجد الحل الموازي، عندما يوجد سوق لمنتجات تشبه منتجات الممون المعني بالأمر. ويعنى هذا وجود منتجات قابلة لتعويضها بشكل كامل، وأيضا توفر منتجات ذات شهرة شبيهة أو قادرة على أن تحقق رقم معاملات مثيل لها. فتطبيق البند 2 من الفقرة الأولى من المادة 7 من ق.ح.أ.م ينحى لهذا الإتجاه، إن وجدت في السوق منتجات متشابهة من علامات تجارية مختلفة.
ومفهوم الحل الموازي يشير أيضا إلى شروط التسويق، إذ لا يكفي أن توجد منتجات بديلة أو منافذ غير الشريك المتبوع، إذ ينبغي أن تكون لهذه الأخيرة إمكانية التعاقد مع شركاء آخرين، في حالة قطع العلاقة التجارية، وفقا لشروط مشابهة للشروط التي كانت تعمل في إطارها سابقا، والبحث عن منافذ بديلة ينبغي على سبيل المثال، ألا يترتب عنه ارتفاع في كلفة الإنتاج أو مصاريف تجارية إضافية.
ويثبت وجود الحل الموازي عندما تتمكن الشركة من مواصلة نشاطها بشكل عاد بالرغم من الممارسات المرفوضة بسبب طابعها التعسفي أو المنافي لقواعد المنافسة.
كما أن الحل الموازي يعتبر موجودا، إذا تبين أن الممارسات المفروضة لم تؤد إلى تخفيض مهم لمبيعات الشركة التي تدعي تضررها، إذ ينبغي في المجمل التحقق بشكل ملموس من أن الشركة التابعة كانت بالفعل في وضع يتعذر معه إيجاد أسواق أخرى، أو أنها أهملت تأمين حلول بديلة.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو، هل كل المخالفات المرتبطة بالتبعية الاقتصادية تعتبر ثابتة رغم عدم وجود طابع تعسفي؟
ج/ الممارسات المحظورة
المخالفات المرتبطة بالتبعية الاقتصادية لا تعتبر تابثة إلا إذا كانت الممارسات المرفوضة تكتسي طابعا تعسفيا أو منافيا لقواعد المنافسة في الممارسات المرفوضة، ولاسيما تلك المنصوص عليها على سبيل المثال لا الحصر في الفقرة الثانية من المادة 7 من ق.ح.أ.م. (رفض البيع، البيوع المقيدة، البيع التمييزي…) قد تبث بالأدلة.
وهذه الممارسات يمكن أن يتابع صاحبها مدنيا، إذ أن رفض البيع وقطع العلاقات التجارية والتغيير الفردي لشروط البيع من طرف الممون، ممارسات المنافسة غير مشروعة على غرار التقبيح ومحاولات الاستيلاء على المستخدمين، وعدم احترام الالتزامات التعاقدية، لا تعتبر في حد ذاتها تعسفا في استغلال التبعية الاقتصادية. فمفهوم التعسف نسبي وقد يؤدي إلى تقديرات وتفسيرات مختلفة.
ففي مجال التعسف في استغلال التبعية الاقتصادية لا يوجد أي موقف موحد، وتعالج السلطات المختصة في مجال المنافسة والمحاكم، القضايا كلا على حدة، بالقيام بتحليل اقتصادي مفصل قبل استنتاج وجود مخالفة محتملة .
بعد أن تطرقنا إلى أنواع الاستغلال التعسفي سنحاول كشف تجليات هذا التعسف فيما يلي.
ثانيا: تجليات التعسف
بعد أن أتى المشرع على ذكر أنواع الاستغلال التعسفي في المادة 7 من ق.ح.أ.م أورد في الفقرتين الثانية و الثالثة من نفس المادة، أشكال الممارسات التعسفية المخلة بقواعد المنافسة وهي كالتالي:
رفض البيع أو البيوع المقيدة أو شروط البيع التمييزية أو قطع علاقات تجارية ثابتة لمجرد أن الشريك يرفض الخضوع لشروط تجارية غير مبررة.
فرض بصفة مباشرة أو غيرها مباشرة حدا أدنى لسعر إعادة بيع منتوج أو سلعة أو لسعر تقديم خدمة أو لهامش تجاري.
عروض أسعار أو ممارسة أسعار بيع للمستهلكين تكون منخفضة بصورة تعسفية بالنسبة لتكاليف الإنتاج والتحويل والتسويق، وذلك بمجرد ما يكون الغرض من العروض أو الممارسات المذكورة أو يمكن أن يترتب عليها إلغاء سوق أو الحيلولة دون دخول منشأة أو منتوجاتها إلى أحد الأسواق.
وقد رتب المشرع المغربي البطلان المطلق عن كل عقد يتضمن هذه الممارسات وذلك بتنصيصه الصريح في المادة 9 من ق.ح.أ.م التي أكدت على أنه يعد باطلا بقوة القانون كل التزام أو اتفاقية تتعلق بممارسة محظورة تطبيقا للمادتين 6 و7 من نفس القانون.
ولا يجوز الاحتجاج بهذا البطلان على الأغيار وذلك حماية للأغيار حسني النية وهو ما يتماشى مع مبدأ نسبية آثار العقد تطبيقا للفصل 228 من ق.ل.ع. .
إن منع أشكال الممارسات السابقة قد يوحي بتناقض صريح مع قانون التعاقد القائم على مبدأ سلطان الإرادة، والذي يمنح للفرد حرية الاختيار بين التعاقد أو عدم التعاقد .
فإذا كانت القاعدة العامة التي تسود القانون الخاص هي أن الإرادة موفورة السلطان في ترتيب الآثار التي تريدها ، فإن ما يظهر من تطورات اقتصادية يوما بعد يوم، وما يصاحب ذلك من اختلال في التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية وبروز ظاهرة الاحتكار التي تنتج عن المنافسة الحرة على إطلاقها، يتولد عنه اضطرابات تنتهي بهدم هذه المنافسة… .
كل هذا كان له انعكاس واضح على المبادئ القانونية ذاتها فحرية الإرادة التي كانت مطلقة بالأمس فقد أصبحت اليوم محاطة بقيود قانونية، بل أصبح الأمر يتعلق بإرادة مكرسة قانونا، فالأمر يستدعي في هذا المجال التوفيق بين اتجاهين ظاهرهما متناقض، لكنهما يتكاملان في واقع الليبرالية في صورتها الجديدة والتوجيه الاقتصادي. وبناء عليه لم يعد من اللازم القول بأن منع رفض البيع أو البيع بشروط تمييزية أو قطع علاقات تجارية… يصطدم بمبدأ سلطان الإرادة نظرا للتراجع الحاصل لهذا المبدأ بسبب تعقد الظروف مما جعله عاجزا عن تحقيق حماية فعالة وكافية للمستهلك. أو ضمان استقرار وأمن صغار التجار المنافسين على حد سواء .
وخلاصة القول إذن أن منع الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن يعتبر إحدى أهم مظاهر التغيير التي عرفتها المبادئ القانونية بفعل تأثير قواعد قانون المنافسة الذي تتطلبه الاستجابة للتوجه نحو الليبرالية الاقتصادية .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة التي تحظرها المادتان 6 و7 من القانون 99-06، قد تصبح مبررة، في حالة تطبيق المادة 8 من نفس القانون الذي ينص على استثناء لهذا الحظر.
المطلب الثاني: الممارسات الموجهة للمنافسة
لم يكتف المشرع المغربي في ق.ج.أ.م على حظر الممارسات التي تشكل أعمال منافية للمنافسة في حد ذاتها، بل عمل على تجسيد تدخل الدولة في مراقبة بعض الممارسات التي قد تؤدي إلى عرقلة المنافسة أو المساس بها، وتهم بالأساس تنظيم ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي (الفقرة الأولى)، وضبط الممارسات المقيدة لقواعد المنافسة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: عمليات التركيز الاقتصادي
يعتبر اللجوء إلى التكتلات بين المقاولات في إطار ما يعرف بعمليات التركيز الاقتصادي عنصرا أساسيا في تحريك الاقتصاد الوطني وتمكينه من مواجهة المنافسة الأجنبية، غير أنه وحفاظا على شرعية المنافسة الداخلية تبقى مسألة فرض مراقبة على عمليات التركيز الاقتصادي أمرا لازما.
لكن القول بهذه المراقبة لابد من تحقق عملية تركيز اقتصادي كما حددتها المادة 11 من ق.ج.أ.م ولابد من توفر شروط حددتها المادة 10 من نفس القانون.
فالرجوع إلى المادة 11 نجد أن عملية تركيز اقتصادي تتحقق بوجود عقد بين مقاولتين أو أكثر، وبالتالي فإننا نستبعد التركيز الناتج عن النمو الداخلي للمقاولات، وكذلك أن يقضي هذا العقد بتحويل الملكية أو الانتفاع فيما يتعلق بمجموع أو بعض ممتلكات منشأة وحقوقها والتزاماتها، أو أن يمكن ـ هذا العقد ـ المنشأة أو مجموع المنشآت ـ المعنية بالتركيز طبعا ـ من ممارسة نفوذ حاسم على بقية المنشآت.
وقد استعمل المشرع هذه العبارة ممارسة نفوذ حاسم لتوضح قوة العلاقات التي يجب أن تربط هذه المقاولات حتى يمكن الحديث عن عمليات تركيز، ويستعمل كذلك كمعيار للتمييز بين الاتفاقات والتركيز.
أما عن شروط تطبيق المراقبة عن هذه العمليات التي يمكن أن تخل بالمنافسة، فقد اشترطت المادة 10 من ق.ج.أ.م أن يكون قد ترتب عنها خلق تكتل اقتصادي يتجاوز نصيبه 40% من البيوع أو الشراءات أو المعاملات الأخرى في سوق وطنية للسلع أو المنتجات أو الخدمات من نفس النوع أو القابلة للاستبدال أو في جزء مهم من السوق المذكورة.
إذن فالمشرع المغربي لم يحظر عمليات التركيز الاقتصادي لذاتها بل يشجع المقاولات على التكتل من أجل مواجهة تحديات المنافسة الدولية، لكن ذلك يضر ويمس بالمنافسة في بعض الأحيان بخلق أوضاع مهيمنة.
الفقرة الثانية: الممارسات المقيدة للمنافسة
هي ممارسات فردية لا تؤدي إلى إلغاء المنافسة على غرار ما يترتب عن الممارسات الجماعية، وهي تدخل في تنظيم العلاقات الفردية التي تهم المهنيين فيما بينهم من جهة والمستهلك من جهة ثانية، وذلك في سياق تكريس مبادئ الشفافية والمساواة في الحياة الاقتصادية.
وأهم هذه الممارسات المقيدة للمنافسة ما يلي:
أولا: الإعلان أو الإشهار الكاذب:
فالمشرع يلقي على عاتق المهنيين إزاء المستهلكين في مجال الإعلام التزاميين، والإعلام بالثمن والإعلام بالشروط الخاصة بالبيع أو لإنجاز الخدمة.
ويلاحظ تجريم المشرع الإعلان الكاذب في ظهير 5 اكتوبر 1984 المتعلق بزجر الغش ف البضائع ـ في الفصل 10 منه ـ وذلك متى اشتمل على ادعاء أو بيان أو عرض كاذب من شأنه أن يوقع في الغلط، فالمشرع يعاقب على مجرد الكذب ولو لم يؤثر رضا المستهلك.
ثانيا: الممارسات التمييزية:
تهم أساسا المنتجين والبائعين ومقدمي الخدمات دون أصحاب الطلب، بحيث تشكل أعمال تمييزية كل ممارسة فيها شروط التفضيل والمحاباة لبعض المستفيدين أو الشركاء دون البعض الآخر، وقد حدد المشرع نطاقها في الحصول على أسعار أو تطبيقها على الشركاء الاقتصاديين بصفة تمييزية، أو بخصوص آجال الدفع أو شروط البيع، وهي على سبيل المثال لا الحصر.
ثالثا: رفض البيع وتقييده:
يعتبر رفض البيع من الممارسات المخلة بمبدأ الشفافية بين المهنيين، وهو من صور الاستغلال التعسفي للوضع المهيمن داخل السوق، حيث منع المشرع كل منتج أو مستورد أو بائع بالجملة أو مقدم خدمات من رفض تلبية طلبات مشتري المنتوجات لأجل نشاط مهني إذا لم يكن لهذه أي طابع غير عادي.
وكانت مقدمة عن حسن نية.
وباستقراء الفقرة الثانية من المادة 54 من ق.ج.أ.م، نجد أن المشرع لم يجعل منع رفض البيع مطلقا، بل أورد حالتين استثنائيتين لا يعتبر فيهما الرفض ممنوعا، يتعلق الأمر الطلبات غير العادية والطلبات المقدمة عن سوء نية.
والهدف من منع البيع المقيد، أولا حماية الحرية التجارية لدى الشركاء، وثانيا الحيلولة جون تحايل المنتجين أو المستوردين، إذ البيع المقيد سيدفع كل من لا يرغب في البيع إلى فرض شروط تمييزية قصد عزوف المشترين وطالبي الخدمات.
رابعا: الادخار السري:
هو تصرف غير مشروع وسبب رئيسي للزيادة في الأثمان ـ خلاف الادخار الاحتياطي فهو مصرح به قانونيا ويتلقى عليه التاجر تعويضا من طرف صندوق الموازنة في حالة هبوط الأسعار ـ ويلزم لقيام الادخار السري توافر ثلاثة شروط:
1. توفر التجار على مدخرات من البضائع والمنتوجات.
2. أن يكون إخفاء لهذه البضائع.
3. أن يكون هذا الإخفاء بنية المضاربة.
المبحث الثاني: الجزاءات الجنائية والتأديبية.
إن الجريمة لا تشكل غاية في ذاتها وإنما هي سبيل غير مشروع للوصول إلى هدف أو منفعة معينة، ومن هذا المنطلق أيضا فإن العقوبة التي يقرها المجتمع لا تكون غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة – مشروعة- لتأديب الجاني ولإفهامه أنه في مقابل المنفعة التي جناها بانتهاكه لحرمة القاعدة القانونية فإن هنالك منفعة موازية ضاعت للمجتمع بأكمله( ) ،وقانون 99/06 لا يشد عن هذا الإطار العام الذي وازن فيه بين مصالح الأفراد ذاتيين أو معنويين وبين مصالح المجتمع المتمثلة في المحافظة على السوق ودعائمها، مسطرا بذلك عقوبات وجزاءات رادعة تختلف بين عقوبات إدارية (المطلب الأول)وأخرى جنائية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الجزاءات التأديبية
الفقرة الأولى: الجزاءات التأديبية الشخصية
وتتصف هذه الجزاءات الشخصية بكونها تقييد حرية المحكوم عليه بشكل مباشر، أو تشهر بسمعته التجارية.
أولا: منع المحكوم عليه مزاولة النشاط الاقتصادي أو التجاري:
وهو عقاب فعال في جرائم المنافسة، ويطال الشخص المعنوي والطبيعي، حيث أجازت المادة 74 من ق.ج.أ.م الحكم بمنع المحكوم عليه مؤقتا ولمدة لا تزيد عن سنة من مزاولة مهنته، وترتبط هذه العقوبة في مجال المنافسة بالادخار السري.
ثانيا: نشر وتعليق الحكم الصادر الإدانة:
تعتبر بدورها عقوبة فعالة لأنها تمس من اعتبار المحكوم عليه، حيث تكشف حقيقته والطعن في أمانته في التعامل، ويتم النشر في الصحف أو في مختلف وسائل الإعلام أو في أماكن معينة يحددها الحكم الصادر بالإدانة، ولا تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا.
ثالثا: الحرمان من الحقوق:
تعتبر عقوبة الحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من ق.ج، كعقوبة إضافية مقترنة بالممارسات المنافية للمنافسة المنصوص عليها في المادتين 6-7 من ق.ج.أ.م وكذا الجرائم المرتبطة بافتعال رفع أو تخفيض السلع والمنصوص عليها في المادة 68 من ق.ج.أ.م.
ومدة الحرمان هي ما بين سنة و10 سنوات.
الفقرة الثانية: الجزاءات التأديبية العينية
وهي جزاءات تنصب على المنشأة أو المؤسسة التي ارتكبت فيها الجريمة وهو المرتبط بإغلاق المنشأة أو قد تنصب على حاصل الجريمة أو وسيلة ارتكابها من خلال المصادرة.
أولا: إغلاق المنشأة أو المؤسسة الاقتصادية
نص المشرع على هذه العقوبة في المادة 74 من ق.ج.أ.م وتتم بناءا على أمر قضائي، ويشمل هذا الإغلاق على مخازن ومكاتب المحكوم عليه، ولمدة لا تتجاوز 3 أشهر، ونظرا لما في ذلك من إضرار على العاملين بالمؤسسة، فإن المشرع ألزم المخالف بمواصلة أداء الأجور أو التعويضات، وهي عقوبة ترتبط بالادخار السري.
ثانيا: المصادرة:
نص عليها المشرع في المادة 72 من ق.ج.أ.م، وهي تتخذ صفة مزدوجة، فقد تكون عقوبة إذا كانت الممارسات المخلة بالمنافسة غير خطيرة…مثلا كالادخار السري أو مخالفة الأحكام الخاصة بالمنتوجات أو الخدمات المنظمة أسعارها، وقد تكون تدبيرا وقائيا إذا كانت نفس الممارسات المخلة بالمنافسة خطيرة، إذ أن أساس التدبير الوقائي هو الخطورة الإجرامية.
وتنصب المصادرة ووسائل النقل التي استعملت في الجريمة والأشياء المتحصلة أو المكتسبة منها.
المطلب الثاني: الجزاءات الجنائية
رتب المشرع على ارتكاب معظم الممارسات المحظورة في ظل قانون حرية الأسعار والمنافسة جزاءا جنائيا يتمثل في الحبس أو الغرامة أوهما معا.
وقصد توضيح الأفعال المكيفة سنعمل على تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في أولاهما الجزاءات المتعلقة بالممارسات المنافية لقواعد المنافسة، وفي الثانية سنعمل على توضيح الجزاءات المترتبة عن الممارسات المقيدة للمنافسة.
الفقرة الأولى: الجزاءات المقررة لممارسات منافية لقواعد المنافسة
تطبيقا للمادة 67 ق.ح.أ.م يعاقب بجزاء جنائي كل شخص طبيعي شارك على سبيل التدليس أو عن علم مشاركة شخصية في تخطيط الممارسات المنصوص عليها في المادتين 6 و7 أو تنظيمها أو تنفيذها أو مراقبتها، وقد حدد هذا الجزاء في الحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم أو إحداهما فقط، ويمكن طبقا للمادة 69 أن يعاقب مرتكبي المخالفة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من ق.ج( ) بصرف النظر عن تطبيق الفصل 87 من نفس القانون( ).
ويمكن في حالة مخالفة أحكام المادتين 6 و7 من ق.ج.ا.م أن يعتبر الأشخاص المعنويون مسؤولون جنائيا كلما توافرت سوء نية هؤلاء وترتب عنها آثار خطيرة، وحدد المشرع الجزاء في غرامة تبلغ بالنسبة للمقاولة ما بين 2 و5 بالمائة من رقم الأعمال دون اعتبار الرسوم المنجزة في المغرب خلال آخر سنة محاسبة مختتمة.
وإذا لم يكن المخالف منشأة يتراوح مبلغ الغرامة ما بين 200.000 و2000.000 درهم( ).
وأخضع المشرع لنفس الأحكام حالة عدم التقييد بالتبليغ وعدم الوفاء بالالتزام الملقى على عاتق المقاولات فيما يخص مشاريع التركيز الاقتصادي، وحالة عدم التقيد بقرارات الوزير الأول المتعلقة بالتدابير التحفظية من جهة وتلك التي تتضمن أمرا يجعل حدا للممارسات المنافية لقواعد المنافسة من جهة أخرى.
هذا فيما يخص الجزاءات المقررة للممارسات المنافية لقواعد المنافسة، أما فيما يتعلق بالجزاءات المقرر للممارسات المقيدة لقواعد المنافسة سنتطرق لها في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: الجزاءات المقررة للممارسات المقيدة لقواعد المنافسة
رتب المشرع على مخالفة المقتضيات المتعلقة بحماية المستهلكين وإعلامهم جزاء حدد في الغرامة من 1.200 إلى 5.000 درهم( ).
بينما رتب على مخالفة مقتضيات الفصل الثاني من الباب السادس والمتعلق بالشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين جزاء حدد في الغرامة فقط من 5.000 إلى 100.000 درهم( ).
وتعاقب المادة 68 من ق.ح.أ.م بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من افتعل أو حاول افتعال رفع أو تخفيض سعر سلع أو خدمات أو سندات عامة أو خاصة باستعمال أية وسيلة لنشر معلومات كاذبة أو افتراءات أو تقديم عروض في السوق قصد الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة على الأسعار التي طلبها الباعة أو باستخدام أية وسيلة أخرى من وسائل التدليس. وترفع العقوبة إلى الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة إلى 800.000 درهم عندما ينصب الرفع أو التخفيض المفتعل للأسعار حول المواد الغذائية أو الحبوب أو الدقيق أو المواد الطحينية أو المشروبات أو العقاقير الطبية أو الوقود أو السماد التجاري.
كما قد تصل مدة الحبس إلى خمس سنوات والغرامة 1.000.000 درهم إذا تعلقت المضاربة بمواد غذائية أو بضائع لا تدخل في الممارسة الاعتيادية لمهنة المخالف، وأخضع المشرع أيضا المخالفين للمقتضيات المادة 69 التي تحيل على الفصول 87و40 من ق.ج كما سلف الذكر( ). zidni3ilma.arabepro.com