القانون الدولي الأقتصادي
يعتبر القانون الدولي الأقتصادي قانونا حديث النشئه , حيث يعود في نشوءه الى ما بعد الحرب العالمية الأولى كما ذهب بعض الأكاديمين ، في حين ذهب البعض الآخر الى ما بعد الحرب العالمية الثانية مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين ، أما الأتجاه الثالث فيذهب بجذور القانون الدولي الأقتصادي الى بداية المشروع الأمبريالي الأستعماري . ونتيجة لدور العامل الأقتصادي في أندلاع الحرب العالمية الثانية فقد جاء ميثاق الأمم المتحدة لينص في فقرةه الثالثة من المادة الأولى الخاصة بمقاصد الأمم المتحدة على ضرورة تحقيق التعاون الدولي من أجل حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية . فقد وضعت أسسه المؤسيسة في مؤتمر بريتون وودز المنعقد في يوليو 1944 ، حيث تمخض الأمر عن أنشاء مؤسستين ، هما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وهما يتعاملان مع قضايا التمويل والنقد على المستوى العالمي ، وأما قضايا التجارة ، والتي تعرض لها ميثاق هافانا في 1947 ، فأنها لم تتبلور في شكل نتائج عملية حتى نهاية الحرب الباردة حين أنشئت منظمة التجارة العالمية (د. حازم الببلاوي ، النظام الأقتصادي الدولي المعاصر ،المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب , الكويت ، مايو 2000، ص39) .
تعريف القانون الدولي الأقتصادي :
هو قانون العلاقات الأقتصادية بين دولتين أو أكثر ، ويهتم أيضا بتنظيم المعاملات التجارية بين الأشخاص المنتمين لدول مختلفة ( د. رضا الفلاح السداسي ,القانون الدولي الأقتصادي ، كلية العلوم القانونية والأقتصادية و الأجتماعية ، أكادير ، 2015 ، ص 3 ) ، وبما أن الدول لم تعد الأدلة الوحيدة في التعامل الأقتصادي الدولي ، أذ ظهر الى جانبها أشخاص طبيعيون وأعتباريون ومشروعات دولية ، أدى هذا الى تعريف القانون الدولي الأقتصادي بأنه ” مجموعة القواعد القانونية التي تحكم العلاقات الأقتصادية بين الدول فيما بينها وبين المنظمات الدولية ، وكذلك تلك التي تنشأ بين المؤسسات التي تسهم في التنمية الأقتصادية في صورة أستثمارات أجنبية ” (د. رشاد السيد ، القانون الدولي العام ، الأردن الطبعة الثانية ، 2005 ، ص28،29)
ان علم الاقتصادي الدولي هو فرع من القانون الدولي العام الذي يتضمن مجموعة المبادىء والقواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الاقتصادية الدولية والتي تحكم تنقلات الاشخاص واستثماراتهم والتجارة الدولية للأموال والخدمات وتمويل هذه النشاطات. تتم دراسة القانون الاقتصادي الدولي حول محورين أساسيين هما أولا دراسة أشخاص قانون القانون الاقتصادي الدولي لا سيما الدولة والمؤسسات الدولية. في هذا الاطار، يتم القاء الضوء بصورة رئيسية على دور الدولة في الحياة الاقتصادية الدولية ضمن حدود سيادتها اضافة الى دور المنظمات الدولية باختلاف أنواعها واختصاصاتها. من جهة ثانية، تهدف دراسة هذه المادة الى التعرف على الاطار القانوني للتجارة الدولية وللقواعد التي ترعاها لا سيما مبدأ حرية التجارة الدولية واستئناءته مع التركيز بصورة رئيسية على دور منظمة التجارة الدولية عبر المبادىء التي تضمنتها أحكامها المادية . ويشكل التطور الدراماتيكي والنوعي للقانون الأقتصادي الدولي بروز فروع جديدة تنبثق عنه منها :
1- القانون الدولي التجاري (International Commercial Law):
2-القانون الدولي المالي (International Fiscal Law):
3- القانون الدولي للتنمية (International Law of Development):
مصادرالقانون الدولي الأقتصادي :
تشكل مصادر القانون الدولي العام المنصوص عليها في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية هي ذات مصادر القانون الدولي الأقتصادي وهي :
ذهبت المادة (83) في فقرتها الأولى من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الى تقسيم مصادر القانون الدولي العام الى مصدرين :
1- المصادر الرئيسية (الأصلية): وتتمثل في الأتفاقيات الدولية , والعرف الدولي , و المباديء العامة للقانون المعترف بها من الأمم المتمدنة .
2- المصادر الثانونية (الأحتياطية): تتمثل في أحكام المحاكم الدولية , و الفقه الدولي .
وقد أضاف الفقه والقضاء الدولي الحديث مصدرا جديدا من المصادر الرئيسية للقانون الدولي لم تنص عليه المادة (83) في فقرتها الأولى متمثلا في قرارت المنظمات الدولية .
وبما أن القانون الجنائي الدولي فرع من فروع القانون الدولي العام , فأن مصادر القانون الجنائي الدولي كما حددته المادة (21) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتنقسم الى مصدرين :
المصادر الرئيسية :
أ – المعاهدات والأتفاقيات الدولية واجبة التطبيق (م21 الفقرة ب)
و يكاد يجمع فقهاء القانون الدولي في تعريفهم للاتفاقيات و المعاهدات الدولية بأعتبارها أتفاق دولي مكتوب يبرم بين شخصين من أشخاص القانون الدولي العام أو اكثر , يستهدف ترتيب آثار قانونية معينة طبقا للقانون الدولي العام , كما يمكن استخلاص تعريف المعاهدة الدولية من نص الفقرة الأولى من المادة الثانية مناتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969التي تنص على ما يلي ” يقصد بـ “المعاهدة“ الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة ” .
والملاحظ أن المادة السابقة حاولت تعريف المعاهدة دون حصر التسميه بمصطلح المعاهدة وأنما حاولت هذه المادة تعريف المعاهدة بغض النظر عن التسمية أوالمصطلحات ، ذلك أن المعاهدة لها عدة مترادفات تؤدي إلى معنى واحدمثل : اتفاق ، اتفاقية، عهد، ميثاق ، … .
ودون الخوض في تفاصيل الخلاف الفقهي حول الطبيعة الألزامية للأتفاقيات الدولية بأعتبارها مصدرا من مصادر القانون الدولي العام . يذهب أستاذنا الدكتور أبراهيم خليفة الى القول بان للمعاهدات الدولية وظيفتين رئيسيتن : الأولى تشريعية والأخرى عقدية ، فأما التشريعية ، فيقصد بها أن المعاهدة الدولية تستهدف سن قواعد قانونية جديدة ، بعبارة أخرى فأن المعاهدة الدولية تكون , في هذه الحالة ، مصدرا لقواعد القانون الدولي العام ، وتعد تشريعا دوليا بالنظر لصدورها عن الأرادة الشارعة لأطرافها ، ولذا فأن الفقه الدولي يطلق على هذا النوع من المعاهدات الدولية بالمعاهدات الشارعة ، أما الوظيفة العقدية فيقصد بها أن المعاهدة الدولية التي يكون الهدف من وراء أبرامها أنشاء التزامات على عاتق أطرافها طبقا لقواعد القانون الدولي العام , وفي هذه الحالة تكون المعاهدة مصدرا للألتزامات ، ويطلق الفقه الدولي على هذا النوع من المعاهدات الدولية المعاهدات العقدية . ( أستاذنا الدكتور ابراهيم خليفة ، الوسيط في القانون الدولي العام ، دار المطبوعات الجامعية ، الأسكندرية ، 2016 ، ص 237 ) .
ومن الأمثلة المتعلقة بالأتفاقيات الدولية الأقتصادية على سبيل المثال لاالحصر : أتفاقية
بريتون وودز ( Bretton Woods Agreement ) لعام 1944 والتي عقدت في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بهدف تحقيق الأستقراروالنمو المالي العالمي والتي ترتب عليها أنشاء العديد من المؤسسات الدولية ومن بينها ” البنك الدولي ” و ” صندوق النقد الدولي ” ، الأتفاقية العامة للتعرفة الجمركية و التجارة “الجات” (
General Agreement on Tariffs and Trade) لعام 1947 ، أتفاقية مراكش لأنشاء منظمة التجارة العالمية (Marrakesh Agreement) لعام 1994 . ب – العرف الدولي :
تصنف المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية العرف الدولي باعتباره المصدر الثاني ضمن مصادر القانون الدولي ، أذ تشكل قواعد القانون الدولي في أغلبها قواعد عرفية تم تقنينها في معاهدات دولية عامة ، والقاعدة العرفية تنشأ من خلال إتباع وتواتر أشخاص القانون الدولي العام سلوكا معينا مع توفر الأعتقاد والأقتناع لديهم بإلزامية إتباع ذلك السلوك .
فقد عرفه الدكتور صلاح الدين عامر بأنه ” مجموعة القواعد العرفية الدولية المستقاة من العادات الدولية المرعية و المعتبرة , بمثابة القانون دل عليه تواتر الأستعمال ” ( أ.د صلاح الدين عامر , مقدمة لدراسة القانون الدولي العام , القاهرة , مطبعة جامعة القاهرة , 2007 , ص 349 )
فالعرف الدولي يمثل البداية الحقيقية لقواعد القانون الدولي بالنظر لأن طريقة تكوينه – كما سنرى من ركن مادي وآخر معنوي – تستغرق وقتا طويلا مما يتيح لأعضاء الجماعة الدولية فرصة كبيرة لتكوين عقيدتهم وقناعتهم بضرورة الأنصياع لأحكامه (أ.د أبراهيم خليفة , مرجع سابق ، ص 399) .
وتتمثل أهمية العرف الدولي , في وجود مجموعة كبيرة من القواعد المفصلة التي تشكل القسم الأكبر من القانون الدولي العام المعترف به , ويشكل هذا الجزءمن القانون الدولي العام , معظم القواعد التي تنظم المناطق المختلف على سيادتها بين الدول , وكذلك حرية الملاحة في عرض البحار , والأمتيازات والحصانات ( دراسة مسحية للقانون الدولي الأنساني والعهد الدولي الخاص بالحقوق الأقتصادية والأجتماعية و الثقافية , مركز ميزان , 2009 ، ص9 والمنشور على الموقع الألكتروني : http://www.mezan.org ) ، ومن الأعراف الدولية على المستوى الأقتصادي
ولتوافر العرف الدولي لابد من تحقق ركنان:
أ- الركن المادي :
ب- الركن المعنوي :
ج – المبادئ العامة للقانون .(م21 الفقرة ب)
وفقا لنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تعتبر المبادئ العامة للقانون من المصادر الأساسية والتي تقع في التصنيف الثالث بعد العرف الدولي ، وقد شكلت المباديء العامة للقانون الدولي مثار جدل فقهي وقانوني بين من يرى أن المباديء العامة للقانون هي المباديء العامة للقانون الداخلي وبين من يرى أن المباديء العامة للقانون هي المباديء العامة للقانون الدولي دون سواها , في حين ذهب أتجاه ثالث الى القول بأن المباديء العامة للقانون الدولي تشكل مزيجا من المباديء العامة للقانون الداخلي والمباديء العامة للقانون الدولي كمبدأ العقد شريعة المتعقدين ومبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي , وقد أنعكس ذلك الأختلاف على تحديد المقصود بالمباديء العامة للقانون . ويقصد بالمباديء العامة للقانون بأنها ” مجموعة القواعد التي تهيمن على الأنظمة القانونية والتي تتفرع عنها قواعد أخرى تطبيقية تخرج الى حيز التنفيذ في صورة العرف و التشريع ” ( مفيد شهاب , المباديء العامة للقانون بوصفها مصدرا للقانون الدولي , المجلة المصرية للقانون الدولي , المجلد 23 , 1967 , ص 1). ودون الخوض في تفاصيل وأسانيد الخلاف الفقهي السابق , أذ ما يهمنا في هذا الموضع هو ما أستقر عليه الفقه و القضاء الدوليين بأن المباديء العامة للقانون تعد مصدرا أصليا من مصادر القانون الدولي االأقتصادي . ومن المباديء العامة للقانون الدولي الأقتصادى المستوحاة من القانون الدولي التقليدي ، كمبدأ السيادة على الموارد الطبيعية ومبدأ الحرية في أبرام المعاهدات والوفاء بها ، حرية أختيار النظام الأقتصادي للدولة ، الدولة الولى بالرعاية ، عدم التمييز في العلاقات الأقتصادية الدولية . المصادر الثانوية : أ – المباديء القانونية المستمدة من المحاكم الدولية :
ليس غريبا أن يتبوأ القضاء مكانة ضمن مصادر القانون سوآء على المستوى الداخلي أو المستوى الدولي وسواء أكان هذا القضاء مدنيا أم جزائيا , ويناط بأحكام القضاء الدولي والتي تعد من مصادر القانون الدولي العام على وجه العموم أحكام محاكم التحكيم , والمحكمة الدائمة للعدل الدولي ومحكمة العدل الدولية (أ.د السيد أبو عطية , مرجع سابق , ص 264 ، 265 ) ، بالأضافة الى ما يصدر الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين للأمم المتحدة من آراء أستشارية أوأي أجهزة دولية أخرى .
ويدخل في أطار المباديء القانونية المستمدة من أحكام المحاكم الأحكام الصادرة عن محاكم القضاء الدولي سوآءا المحاكم العسكرية الدولية أو المحاكم الدولية الخاصة أو المحاكم الدولية المختلطة أو المحكمة الجنائية الدولية وما تلعبه من دور كبير في تطور القانون الدولي العام .
ب – الفقه الدولي :
أختلف الفقه الدولي حول الدور الفقهي لفقهاء القانون الدولي كمصدر أحتياطي من مصادر القانون الدولي العام , فقد ذهب البعض الى تراجع دور الفقه الدولي , بمعنى أنه لا ينشيء قواعد دولية وانما يفسر هذه القواعد الدولية الموجودة ويعلق عليها مما يعني أننا أمام مصدر كاشف للقاعدة القانونية الدولية وليس منشأ لها , في حين ذهب غالبية الفقهاء الى تراجع هذا الدور الى ما دون المصادر الثانوية كمصدر من مصادر القانون الدولي , فقد ولى زمن أب القانون الدولي الفقيه ” جروسيوس ” حينما كان ينشئ القواعد الدولية ويضع النظريات القانونية , وعند اللجوء الى آراء الفقهاء لا بد وأن تكون تلك الأرآء مبنية على الحياد و الموضوعية بعيدا عن الأهواء والدوافع السياسية والنزعات القومية .
ج- قواعد العدل والأنصاف :
تختلف فكرة العدل و الأنصاف من مجتمع لآخر ومن زمان لآخر , فما هو عدل في مجتمع معين قدلا يكون كذلك في مجتمع آخر , وما كان يعد عدلا في الماضي قد لا يكون كذلك في الحاضر وما هو عدل في الحاضر قد لا يكون كذالك في المستقبل , مما يجعل من فكرة العدل في مفهوما ذات طبيعة مرنة ونسبية يتم أستخلاصها من العقل و التفكير المنطقي بما يحقق التوازن بين المصالح المختلفة لأشخاص القانون النظام القانوني .
sites.google.com
|