المؤسسةالملكية بالمغرب وصنع السياسة الخارجية على ضوء دستور 2011 : الآليات والمرتكزات
مقدمة:
يتميز النظام السياسي المغربي بخصوصيات تميزه عن باقي الأنظمة السياسية الأخرى ، وتحتل فيه المؤسسة الملكية مكانة متميزة في توجيه السياسة الخارجية ، حيث أصبح الملك يتمتع بصلاحيات واسعة في صناعة القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية معتمدا على محددات وعوامل مختلفة ومتنوعة ، تتحكم في توجيه السياسة الخارجية للملمكة ، فإذاكانت مجموعة من العوامل ( الجغرفية والتاريخية والإقتصادية … ) تؤثر في صنع القرار الخارجي ، فإن البعد الديني لا يقل أهمية عن الأبعاد الأخرى في دعم علاقات المغرب بمحيطه الخارجي ، واستثمار العامل الديني في الحفاظ على المصالح الوطنية وحماية الأمن القومي ، واعتبار الدين كمرجعية تاريخية والتوظيف السياسي الواسعلمفاهيم البيعة والنسب الشريف وإمارة المؤمينين لترسيخ المؤسسة الملكية في النسق السياسي المغربي ودورها في صنع السياسة الخارجية للمغرب ، وفي هذا السياق أقرت جميع الدساتيرالمغربية منذ سنة 1962 إلى دستور سنة 2011 باحتكار المؤسسةالملكية للسياسةالخارجية، رغم أن دستور 2011قد ساهمبالإنتقال إلى التدبير المشترك بين الملك وباقي الفاعلينفي المجال الخارجي .
وتستند المؤسسة الملكية في تدبيرالسياسة الخارجية إلى آليات مرتكزات مختلفة ومتنوعة ، منها ما هو ديني وما هو دستور وقانوني.
المحور الأول :المرتكزات الدينية والعقدية
أصبح الدين يشكل أحد الدعامات الأساسية في بناء ونشأة الحضارة الإنسانية، ويشمل موقعا رئيسيا في التفاعلات الدولية وأصبحت العلاقات بين الدين والسياسات الخارجية للدولة احدى أهم قضايا الدولية [1]، والمغرب كبلد اعتمد الدين الإسلامي منذ تأسيس الدولة الإسلامية كمرجعية ثابتة ، وتم ترسيخه في الدساتير المغربية منذ 1962 إلى دستور2011 ، وتميزت العلاقة بين الدين والسياسة بالتمازج والتداخل وقدتم توظيف الدين بشكل كبير لتكريس السلطة وإضفاء الشرعيةالإسلامية على ممارسة الحكم ،فمع نهاية الستينيات استثمر النظام السياسي المغربي الورقة الدينية في السياسة الخارجية ، حيث عمل الملك الراحل الحسن الثاني على تعبئة دول العالم الإسلامي داخل تكتل بديل للتيار القومي الإشتراكي آنذاك وقد تم اختيار المغرب كمكان لانعقاد المؤتمر الأول لمنظمة المؤتمر الإسلامي ابتداء من سنة 1969 ، واستغل المغرب هذا الحدث لترسيخ نفوذه الخارجي ، وطموح الملك الحسن الثاني للعب دور رئيسي داخل الهيئات العربية والإسلامية وفرض نفسه كممثل للعالم الإسلامي لمخاطبة العالم الغربي المسيحي[2] ، وخلال اعتلاء الملك محمد السادس العرش في سنة1999 حافظ على نهج والده ، وذلك بنهج استراتيجية دينية وذلك بنشر الدعوة وتكثيف التوجيه الدينيفي بعض الدول الأجنبية الإفريقيةوالآسيوية وفق نموذج اسلامي مغربي مبني على التسامح والإعتدال ، ومع تأسيس الوثيقة الدستورية لسنة 2011 حافظ المشرع الدستوري على استئثار المؤسسة الملكية بالبعد الديني في السياسة الخارجية من خلال تجسيد إمارة المؤمنين أعلى سلطة سياسية ودينية، فالملك وفق منطوق الفصل41 من دستور 2011 يعتبر أميرا للمؤمنين وحاميا للملة والدين، والضامن لحرية ممارسةالشؤون الدينية، ويرأس الملك المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه ، وطبقا لذلك يعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوي المعتمدة رسميا ، ويمارس الملك صلاحياته الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين بواسطة الظهائر[3].
وتشكل إمارة المؤمنين الآلية الرئيسية التي تعتمد عليها المملكة المغربية في توجيه السياسة الدينية على المستوى الخارجي.
بالإضافة إلى مجموعة من الآليات الأخرى والأفراد لهم إشعاع ديني روحي ،التي يسعى النظام السياسي من خلال أنشطتها وتحركاتها تقديم خدمات ومصالح للمملكة وقضاياها الهامة ،وتصدير التجربة المغربية في إصلاح الحقل الديني الذي انخرط فيه المغرب منذ أحداث الدار البيضاء عام 2003 ، وكذا حماية المصالح الوطنية وتمتين الروابط والعلاقات مع كثير من الدول العربية والإسلامية من خلال استثمار البعد الديني والإنتماء للعالم الإسلامي [4]، وتشمل هذه الآليات الممنبثقة عن إمارة المؤمنين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، رابطة علماء المغرب السينغال سنة 1985 ، معهد محمد السادس لتكوين الأئمة في 27 مارس 2015،مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة في 24 يونيو2015 ،[5] فضلا عن تعزيز برامج وفعاليات دعم الطوائف الدينية والصوفية التي تعتمد مرجعيات الإسلام المالكي والتراث السني في المغرب وشمال افريقيا .
المحور الثاني :المرتكزات القانونية الدستورية
إنالملكية بالمغرب نظام قديم متؤصل ومتميز عنباقي الأنظمة الملكيةالأخرى ، نظرا لخصوصيات المغرب التاريخية والإجتماعية والإقتصادية ،حيث تتمتع المؤسسةالملكيةفي المغرب بموقع متميزفي المجال الدولي[6]، وهيمنتها على السياسة الخارجية،فوفقا للفصل 42 من دستور 2011 يحتل الملك مكانة سامية مستندا على جملةمن العناصر المؤسسةلذلك،فالملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة ،ضامن دوام الدولة واستمراريتها ، يسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة[7] ، كما ـأن القضايا التي لها علاقة بالسياسة الخارجية تندرج ضمن التوجهات الإستراتيجيةلسياسة الدولة التي تتخذ قراراتها من داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك[8]، وإن كان دستور 2011 قد خصص موقعا أكبر لمؤسسة الحكومة كسلطة تنفيذية – من مستجدات دستور 2011 دسترةرئاسة الحكومة ومنحها صلاحيات واسعة غير موجودة في دستور 1996 – حيث يمكن لرئيس الحكومة أن يترأس المجلس الوزاري بتفويض ملكي والذي يتداول في قرارات تخص الدولةمن بينها السياسةالخارجية [9].
إن المقتضيات الدستورية لفاتح يوليوز 2011 حافظت على الاختصاصات الملكية الواردة في دستور 1996 فيما يتعلق بالمجال العسكري والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي ، فوفقا لمنطوق الفصل 53 فالملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ،وله حق التعيين في الوظائف العسكرية ، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق[10] ، وله حق إعلان الحرب والحصار [11]،وحسب الفصل 55 يعتمد الملك السفراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية ولديه يعتمد السفراء ، وممثلو المنظمات الدولية ، وبالإضافة إلى صلاحيته في توقيع المعاهدات والمصادقة عليها ، غير أنه لا يصادق على معاهدات السلمأو الإتحاد،أوالتي تهم رسم الحدود ، ومعاهدات التجارة ، أو تلك التي تترتب عنهاتكاليف تلزممالية الدولة…… إلا بعد الموافقةعليها بقانون.
فالنصوص الدستورية لهذه الفصول تبرز بوضوح أن الملك يعد المسير الوحيد للسياسةالخارجية المغربية ،وأن هذه السياسة تدخل عمليا في المجال المحفوظ والخاص لرئيس الدولة[12]، كما هو الشأن لبعض الدول الغربية التي جعلت من رئيس الدولة هو الفاعل الأساسي في العلاقات الخارجية والدفاع ، فعلى سبيل المقارنة يقضي الدستور الفرنسي في الفصل الخامس من دستور الجمهورية على أنه :« يسهر رئيس الجمهورية على احترام الدستور . يكفل الرئيس من خلال تحكيمه حسن سير السلطات العامة واستمراريةالدولة. ويكون الضامن للاسقلال الوطني ووحدة الأرض واحترام المعاهدات[13].
ومن الفصول الأخرى التي تكرس استئثار المؤسسةالملكية بالسياسة الخارجية الفصل 59 الذي ينص على أنه :« إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة ،أووقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية ، أمكن للملك أن يعلن حالة الإستثناءبظهير ، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ، ورئيس مجلس النواب ،ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
ويخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات، التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية،ويقتضيهاالرجوع ، في أقرب الآجال ، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية ».[14]
إضافة إلى هذه المركزيةالدستورية التي حددت خيارات المؤسسة الملكية الأساسية والإستراتيجية في صنع السياسة الخارجية ، فهناك عوامل أخرى ساهمت في تعزيز دور الملك في السياسةالخارجية والتي تجلت في دينامية المؤسسة الملكية من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات والمواقف لها ارتباط وثيق بتدبير ملف قضية الوحدة الترابية على المستوى الخارجي ونذكر هنا القرار الملكي بسحب الثقة من المبعوث الأممي كريسوفر روس إثر التقرير الذي قدمه هذا الأخير إلى الأمين العام للأمم المتحدة في أبريل من سنة2012 باستغلال حقوق الإنسانبهدف المس بالوحدة الترابية ، واعتبر وزير الخارجية آنذاك سعد الدين العثماني ذلك قرارا ملكيا ،وليس الملك مجبرا بإخبار السيد وزير الخارجية بتحركاته في المجال الخارجي [15]. وكذلك الزيارات المكثفة إلى كثير من عواصم العالم بهدف تطوير العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف والمشاركة في المؤتمرات الدولية ، وتأثريه في المشهد السياسي المغربي ومحيطه الإقليمي بواسطة الخطب والرسائل الملكيةالموجهة الى قادة دول العالموبهذا الخصوص قال الملك محمد السادس في خطاب بمناسبة الذكرى 43لمسيرة الخضراء :« لقد اعتمدنامقاربة ناجعة في التعامل معالقضايا الكبرى للبلاد،ترتكز على العمل الجاد وروح المسؤولية داخليا ، وعلى الوضوح والطموح كمبادئ لسياستنا الخارجية(…..)وبكل وضوحومسؤولية، أؤكد اليوم أن المغرب مستعدللحوار المباشر والصريحمع الجزائر الشقيقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفيةوالموضوعية ،التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين……[16]، كما يبرز دور الملكية في عمليةصنع القرار في تحديدمواقف المغرب في علاقاته العربية والأوروبية ونذكر هنا على سبيل المثال، دعوة الملك محمد السادس الصريحة من خلال الرسالة الملكية إلى القمة العربية – الأوربية المنعقدة في مصر ، إلى الحوار العربي الأوروبي ، والدفع بالتعاون بين الجانبين نحو شراكة خلاقة، والتأكيدعلى استعداد المملكة المغربيةالكاملللإنخراط بكل جدية وتفاعلية ، في أيةدينامية جديدة من شأنها أنترتقي بالحوار العربي – الأوروبي إلى تعاون حقيقي مجدي[17].
وبهذا يمكن القول أن دستور 2011 قد عزز من موقع المؤسسة الملكية في صنع السياسة الخارجية من خلال ترسيخ الآليات التقليدية عبر الشرعية الدينية والدستورية ، واستمرار المؤسسة الملكية بتدبير السياسة الخارجية.
فرغم توسيع دستور 2011 لاختصاصات السلطة التنفيذية ، والتشريعية في المجال الخارجي إلا أنها مازالت تدخل ضمن المجال المحفوظ والخاص للملك ، حيث شكلت الميكانيزمات التاريخيةوالدينية بكل دلالتها التاريخية والرمزية تأصيلا لشرعية المؤسسة الملكية ، كما رسخت المقتضيات الدستورية والقانونية الدور المحوري والمؤثر للمؤسسة الملكية في عملية صنع القرارالخارجي.
الهوامش :
[1] – عصام عبد الشافي : البعد الدينيفي العلاقات الدولية الماهية والتأثيرمجلة مراصد –كراسات علمية العدد 25مجلة مراصد ص:7 مكتبة الاسكندرية 2014
[2]– سليم حميمات : السياسة الدينية بالمغرب 1984 -2002 افريقيا الشرق 2018ص : 359
[3] – الفصل 41 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011
[4] – عبد الالاه الشباكي :دور المحدد الديني في وضع السياسة الخارجية على ضوء دستور2011 موقع الحوار المتمدن15/07/20070
[5]– زكريا أزم : مجلة العلوم السياسية والقانون العدد 5كانون الأول 2017الصادرة عن المركز الديمقراطي برلين ص : 355
[6]– سعيد الصديقي :صنع السياسة الخارجية المغربية –أطروحةلنيل الدكتوراهفي القانون العام جامعةمحمدالاول وجدة 2002 ص : 50
[7]– الفصل 42 من دستور 2011
[8]– السعدية لديس: موقع المؤسسة الملكيةفي صنع القرار الخارجي -مجلة مسالك العدد 49/50 ص : 79
[9]– السعدية لديس : نفس المرجع ص 81
[10] – الفصل53 من دستور 2011
[11]– الفصل 49 من دستور 2011
[12] – سعيد الصديقي :مرجع سابق ص : 46
[13]– الفصل الخامس من دستور الجمهورية الفرنسية لسنة1958 والمعدل في 23 يوليو 2008
[14] – الفصل 59 من دستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011
[15]– مصطفى الرقاي: الدبلوماسية الملكية وتدبير قضية الصحراء-مجلة مسالك العدد 53/54-2019 ص : 71
[16] -مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة تخليد الذكرى 43 للمسيرة الخراء ييوم6 نونبر 2018
[17]– نص الخطاب الملكي الذي تلاه رئيس الحكومة سعد العثماني بمناسبة انعقاد القمة العربية الأوروبيةالأولى بشرم الشيخ بمصر يوم 25 فبراير 2019
.maroclaw.com