المؤونة في الكمبيالة
المبحث 1 : المؤونة
الأساس المادي لإصدار الورقة التجارية
يعتبر التصدي لدراسة ضمان حامل الورقة التجارية على المؤونة من المسائل المحورية في تاريخ وفي حاضر قانون الصرف إذ أن دراسة المؤونة ترتبط أساسا بتاريخ نشأة الأوراق التجارية وتطورها كما أنها من المسائل التي فشلت من حولها كل الجهود الدولية لصياغة قواعد موحدة تحكمها نظرا لاختلاف النظم القانونية حول هذه المشكلة، لذلك تركت الحرية لكل دولة في أن تضع في تشريعها الوطني ما تراه ملائما بشأن المؤونة. وقد استفادت بعض الدول من التحفظ الوارد في المادة 16 من الملحق الثاني لقانون جنيف الموحد فأدخلت في تشاريعها الوطنية نصوصا خاصة بالمؤونة كما فعل المشرع الفرنسي في المادة 116 من القانون التجاري والمصري في المواد 111 – 116 من القانون التجاري والمادة 420 من قانون التجارة السوري والمادة 134 تجاري مغربي.
ولقد اهتم المشرع التونسي بمسألة المؤونة ونظم أحكامها في الفصول 275 و348 من المجلة التجارية إذ نص الفصل 276 من المجلة التجارية ” المؤونة على الساحب أو على الشخص الذي تسحب لحسابه الكمبيالة وهذا لا يمنع من بقاء الساحب لحساب غيره ملتزما شخصيا للمظهرين والحامل فحسب.
تكون المؤونة موجودة عند حلول أجل دفع الكمبيالة إذا كان المسحوب عليه مدينا للساحب أو لمن سحبت لحسابه بمبلغ يساوي على الأقل مبلغ الكمبيالة.
تنتقل ملكية المؤونة قانونا إلى حملة الكمبيالة على التعاقب.
إن القبول قرينة على وجود المؤونة.
وهذا القبول مثبت لوجودها بالنظر للمظهرين .
وعلى الساحب وحده سواء حصل القبول أو لم يحصل أن يثبت في حالة الإنكار أن المسحوب عليه كان لديه المؤونة عند الحلول وإلا لزمه ضمانها حتى ولو أن الاحتجاج قد أقيم بعد الآجال المعينة”
وقد نص الفصل 348 من مجلة التجارية : ” لا يجوز سحب الشيك إلا على صيرفي يكون لديه في وقت إنشاء السند رصيد من النقود تحت تصرف الساحب وبموجب اتفاق صريح أو ضمني يحق بمقتضاه للساحب أن يتصرف في هذه النقود بطريقة إصدار الشيك. وعلى الساحب أومن صدر الشيك لحسابه أن يتولى وضع الرصيد مع أن الساحب لحساب غيره يبقى ملزما شخصيا للمظهرين والحامل دون غيرهم.
ويكون الساحب وحده ملزوما عند الإنكار بإثبات أن من سحب عليه الشيك كان لديه رصيد في وقت إنشائه وإلا كان ضامن وجود الرصيد وان يكون الاحتجاج أقيم بعد مضي الآجال القانونية.
إن السندات التي تم سحبها ووجب دفعها بالقطر التونسي على غير الأشخاص المذكورين بالفقرة الأولى والثانية من هذا الفصل وكانت محررة على صورة الشيك لا يصح اعتبارها شيكات”.
ويمكن القول بأن جوهر الموقف التشريعي التونسي يقوم أساسا على أن المؤونة تكون الأساس المادي لإصدار الورقة التجارية، فعند إنشاء الورقة التجارية يفترض وجود دينين في العلاقات التي نشأت بين أشخاصها الثلاث الأوائل : الساحب, المسحوب عليه والمستفيد.
فالدين الأول وهو دين الساحب في ذمة المسحوب عليه وهو ما نطلق عليه المؤونة, والدين الثاني هو دين المستفيد في ذمة الساحب وهو ما نسميه وصول القيمة .
ولا بد هنا أن نشير أنه لا تطرح مسألة المؤونة في السند لا مر ذلك لأنه دين الساحب على المسحوب عليه, والمتعهد في السند لأمر يقوم مقام الاثنين, باعتبارها تتعارض و ما هيته لعدم وجود مسحوب عليه .
ونقول لنخلص من كل ما تقدم من أن وجود المؤونة أو عدم وجودها يمارس تأثيرا هاما على التزامات الساحب والمسحوب عليه.
فما هي قيمتها أن وجدت؟ و ما هي الآثار التي ستترتب إن لم توجد ؟
الفقرة 1 : وجود المؤونة
المؤونة هي بالضرورة مبلغ نقدي ينشأ في ذمة المسحوب عليه ويمسكه لحساب الساحب حتى يمكنه تنفيذ الأمر الصادر إليه من هذا الأخير بدفع قيمة الورقة التجارية وتمارس المؤونة تأثيرا هاما على التزامات الساحب والمسحوب عليه.
كما أن وجودها يستعمل كضمان للالتزام الصرفي وفقا للنظرية القائلة بانتقال ملكيتها إلى حملة الورقة التجارية.
فما هي خصائصها؟ وكيف يمكن إثباتها ؟ وهل للحامل حق على المؤونة؟
1- خصائص المؤونة:
إن المؤونة ما هي إلا دين بمبلغ من النقود في ذمة المسحوب عليه لمصلحة الساحب ويجب أن يكون مساويا على الأقل لمبلغ الورقة التجارية وموجودا عند حلول أجل الدفع .
وهذا ما أكده المشرع التجاري في الفقرة 2 من فصل 275 من المجلة التجارية عندما نص بأنه : ” تكون المؤونة موجودة عند حلول آجل الكمبيالة إذا كان المسحوب عليه مدينا للساحب أو لمن سحب لحسابه بمبلغ يساوي على الأقل مبلغ الكمبيالة”.
وخلافا للكمبيالة فان الشيك مستحق الدفع بمجرد الاطلاع لذا يجب أن تكون المؤونة موجودة وقت إصدار الشيك وهذا ما نص عليه الفصل 348 في فقرته الأولى : ” لا يجوز سحب الشيك إلا على صيرفي يكون لديه في وقت إنشاء السند رصيد من النقود تحت تصرف الساحب وبموجب اتفاق صريح أو ضمني يحق بمقتضاه للساحب أن يتصرف في هذه النقود بطريقة إصدار الشيك” .
ولقد ذهبت محكمة التعقيب في قرار تعقيبي مدني عدد : 6694 بتاريخ 11 /2/ 1970 بان ” الشيك أداة وفاء فهو بمثابة النقود وتفريعا على ما ذكر يجب أن يكون للساحب في تاريخ إنشائه الرصيد الكافي للوفاء حالا بكامل المبلغ المرسوم به و أن لا يكون وجود هذا الرصيد أمرا محتملا أو معلقا على شرط أو موكولا لارادة الغير” .
وعموما فان المؤونة أو الرصيد ما هو إلا دين بمبلغ من النقود ومهما تعددت أشكاله فلا يمكن أن يكون بغير هذه الصفة . وهي تكتسي أهمية كبرى في الكمبيالة كما في الشيك.
ويجب أن تكون للمؤونة سببا مشروعا فالمؤونة المتعلقة بدين المقامرة تعتبر باطلة.
كما يجب أن يكون محل الدين مبلغا من النقود، فعبارة أن المؤونة تكون بضائع أو أوراق تجارية، يعني إما ثمن البضائع أو المبالغ التي يمكن الحصول عليها عند تقديم هذه الأوراق التجارية من طرف الساحب. وفي الحقيقة فالمؤونة هي مبلغ من المال يلتزم المسحوب عليه بتأديته للساحب وهذا المبلغ يجب أن يكون مساويا على الأقل لمبلغ الكمبيالة.
ويشترط في دين المؤونة أن يكون مستحق الأداء عند حلول أجل وفاء الورقة التجارية ونعني هنا الكمبيالة, إذ يبدو الفرق جوهريا بين الكمبيالة والشيك إذ يتعين في هذه الورقة الأخيرة وجود المؤونة بل سبق وجودها على تاريخ السحب باعتبار أن الشيك هو ورقة واجبة الدفع بمجرد اطلاع بالإضافة إلى هذه الشروط يكفي أن تكون المؤونة موجودة عند حلول ميعاد استحقاق الورقة التجارية ويقصد هنا الكمبيالة فلو كان الساحب دائنا للمسحوب عليه وقت إنشاء الكمبيالة ثم زال الدين قبل أجل الحلول ،اعتبرت المؤونة غير موجودة أيضا إذا لم يصبح الساحب دائنا للمسحوب عليه إلا بعد ميعاد الحلول .
وبذلك أيضا تفترق المؤونة في الكمبيالة عن المؤونة في الشيك. فالرصيد في الشيك يجب أن يوجد وقت الإصدار في حين أن المؤونة في الكمبيالة يكفي أن توجد في تاريخ الحلول ومرد هذا الفارق أن الشيك واجب الدفع بمجرد الاطلاع .
ومجمل ما تقدم أن المؤونة هي دين بمبلغ من النقود للساحب في ذمة المسحوب عليه يكون موجودا ومستحق الأداء في أجل الحلول بالنسبة للكمبيالة وموجودة وقت الإصدار بالنسبة للشيك ومساويا على الأقل لمبلغ الورقة التجارية.
ونقول أنه على الرغم من أن القانون لم ينص على مجمل هذه الشروط غير أن فقه القضاء الفرنسي استقر على الأخذ بهذه الشروط مجتمعة .
ويمكن فهم ضرورة توافر هذه الشروط في الكمبيالة باعتبار أن دين المؤونة يجب أن يكون مستحق الأداء في تاريخ الحلول وبنسبة أقل في الشيك .
فالساحب هو الذي يوفر المؤونة لدى المسحوب عليه, لأنه هو الذي أصدر أمره للمسحوب عليه بأداء مبلغ الورقة التجارية لمصلحة المستفيد ليمكنه من ذلك عند حلول الأجل. فمادام الساحب هو الملتزم بتقديم المؤونة فالمسحوب عليه لن يؤدي وقت الحلول إلا إذا كان مدينا للساحب, فعلى هذا الأخير إثبات انه قدم المؤونة أي أنه كان دائنا للمسحوب عليه وقت الحلول، إلا في حالة قبول المسحوب عليه للكمبيالة لأن قبوله هذا يفترض فيه وجود المؤونة لديه .
2 – إثبات المؤونة:
يطرح التساؤل حول من يتحمل إثبات وجود المؤونة؟
قد تكون لاطرف الورقة التجارية مصلحة في إثبات المؤونة ، وتكون للساحب مصلحة في القيام بهذا الإثبات في مواجهة الحامل وذلك إذا أهمل هذا الأخير اتخاذ الإجراءات اللازمة في المواعيد المقررة وأرادوا الرجوع على الساحب بقيمتها فان الساحب لا يملك التمسك بسقوط حق الحامل بسبب الإهمال إلا إذا اثبت أنه قدم المؤونة.
وقد تكون للحامل مصلحة في إثبات المؤونة حتى تكون من حقه دون غيره من دائني الساحب .
وابتداء نقول بأن جوهر هذه المشكلة لا يتعلق بطرق أو وسائل إثبات المؤونة بقدر ما يتعلق في الواقع بعبء الإثبات وفي الواقع فان المشرع التونسي قام بوضع فصل وحيد حدد أحكام المؤونة وهو الفصل 275 وأدرج ضمنه أيضا موضوع إثبات وجود المؤونة فهذا الفصل يعتبر فصلا دسما جدا تدور حوله جميع ما يمكن أن يقال حول المؤونة .
ويتبين من الفقرات الرابعة والخامسة والسادسة من فصل 275 التي تتحدث عن الإثبات في المؤونة أن هذا الموضوع يهم الساحب والمسحوب عليه والمستفيد والحامل وحتى بالنسبة للمظهر في بعض الأحوال وهذا الإثبات له أهمية بالنسبة لكل واحد من الملتزمين بالكمبيالة إذ سوف تترتب عنه نتائج قانونية معينة .
ففيما يتعلق بطرق إثبات المؤونة ينبغي التمييز بين ما إذا كان دين الساحب قبل المسحوب عليه مدنيا أو تجاريا، فإذا كان الدين مدنيا يتعين الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة الدين عن ألف دينار طبق أحكام الفصل 473 من مجلة الالتزامات والعقود, أما إذا كان الدين تجاريا جاز إثبات المؤونة بكافة الطرق وفقا للقاعدة العامة في الإثبات في المادة التجارية والقاضية بحرية اللاثبات طبق الفصل 598 مجلة تجارية .
أما من ناحية عبء الإثبات, فان الأصل أن يقع هذا العبء على من يدعي وجود المؤونة ، أي صاحب المصلحة في ذلك وذلك طبق للقواعد العامة وتطبيقا للفصل 420 من مجلة الالتزامات والعقود ومع ذلك فان المشرع قد قلب عبء الإثبات .
ففي الكمبيالة يكون عبء الإثبات على المسحوب عليه في حالة قبولها لذلك وجبت التفرقة في هذا الصدد بين احتمالين عدم قبول الكمبيالة وقبولها وسنرجئ دراستها بعد دراسة عبء الإثبات في الشيك والذي تفوق أهميته عبء إثبات المؤونة في الكمبيالة . باعتبار أن عدم وجود الرصيد يشكل جريمة فعلى الشخص الذي يدعي وجود الرصيد إثبات ذلك وقد يكون هذا الشخص هو الحامل تجاه المسحوب عليه أو الساحب ضد المسحوب عليه أو ضد الحامل دفعا لدعوى رجوع هذا الأخير على أن الإثبات في حالة الإنكار على عاتق الساحب إذ ينص الفصل 348 فقرة 4 من مجلة التجارية : ” يكون الساحب وحده ملزوما عند الإنكار بإثبات أن من سحب عليه الشيك كان لديه رصيد في الوقت إنشائه وإلا كان ضامنا وجود الرصيد وان يكن الاحتجاج أقيم بعد مضي الآجال القانونية” .
غير أنه إذا وضع المسحوب عليه علامة اطلاعه على الشيك إثباتا لوجود الرصيد لديه فان عبء الإثبات يكون على المسحوب عليه ولكن يبقى ذلك منحصرا بين الساحب والمسحوب عليه إذ يبقى الساحب دائما ملزما بإثبات وجود الرصيد أو المؤونة لدى المسحوب عليه.
وتختلف وسائل الإثبات باختلاف ما إذا كان الشيك عملا مدنيا أو تجاريا واختلاف ما إذ كان المدعي عليه تاجرا أو غير تاجر.
أما في الكمبيالة فان للمسحوب عليه والساحب وكذا الحامل مصلحة في إثبات وجود المؤونة فمصلحة الساحب في إثبات وجود مؤونة قائمة حتى يتمكن من الرجوع على المسحوب عليه بالتعويض إذا امتنع هذا الأخير عن قبول أو الوفاء بالكمبيالة .كذلك تكون للمسحوب عليه مصلحة في إثبات المؤونة في مواجهة الحامل المهمل حتى يواجهه بالسقوط.
كما تكون للحامل مصلحة في إثبات المؤونة لدى المسحوب عليه ذلك أنه إذا لم يكن المسحوب عليه قد وقع الكمبيالة بالقبول فلا يملك الحامل الرجوع على المسحوب عليه إلا إذا اثبت أن هذا الأخير قد تلقى المؤونة.
إذ يعتبر القبول في الكمبيالة قرينة على وجود المؤونة طبقا للفصل 275 فقرة 4 المجلة التجارية ” ان القبول قرينة على وجود مؤونة” إلا أن هذه القرينة بسيطة لأنه يمكن للمسحوب أن يثبت عدم وجود المؤونة رغم قبوله الكمبيالة وذلك في مواجهة الساحب وفي هذه الحالة يقع عبء إثبات وجود المؤونة على الساحب وليس على المسحوب عليه كما جاء في الفقرة 6 من الفصل 275 م ت ” وعلى الساحب وحده سواء حصل القبول أو لم يحصل أن يثبت في حالة إنكار أن المسحوب عليه كان لديه المؤونة عند الحلول وإلا لزمه ضمانها حتى ولو أن الإحتجاج قد أقيم بعد الأجال المعينة ” .
وهذا يعني أن عبء إثبات المؤونة يقع على الساحب سواء كان المسحوب قد قبل الكمبيالة أم لم يكن قد قبلها لكن علينا أن نفرق بين ما إذا كانت الكمبيالة محررة لامر الساحب فان القبول قرينة على وجود المؤونة في العلاقة بين الساحب و قابلها أما لو كانت الكمبيالة محررة بين ثلاثة أشخاص ساحب ومسحوب عليه و مستفيد أو مظهرة لشخص آخر، فانه على الساحب وحده إثبات وجود المؤونة . أما بالنسبة للحامل فانه يلزم المسحوب عليه بقبوله لا بناء على هذه القرينة ولكن لأن المسحوب عليه يلتزم بتوقيعه بوفاء الكمبيالة عند الحلول، غير أن هذا الإتجاه قد انتقد من غالبية الفقة , بإعتباره يتجاهل آثار القبول من ناحية, كما أنه يبالغ في أهمية المؤونة من ناحية أخرى وذلك لأن خطر القبول لا يجئ من كونه دليلا على وجود المؤونة لدى المسحوب عليه, ومن ثم التزامه بدفع الكمبيالة في ميعاد الدفع و إنما لأنه بهذا القبول يلتزم المسحوب عليه صرفيا بالكمبيالة أمام الحامل . وهذا الأثر أي الالتزام بدفع الكمبيالة, يجئ مستقلا عن وجود المؤونة لدى المسحوب عليه أو عدم وجودها, إذا كان الحامل حسن النية فان المسحوب عليه القابل يلتزم بدفع قيمة الكمبيالة ولا يستطيع أن يحتج في مواجهته بغياب المؤونة ولقد اتجه فقه القضاء الفرنسي للأخذ بأن ملكية الحامل للمؤونة تكون مستقلة عن قبول المسحوب عليه للكمبيالة ولا يختلف الأمر يقول أبو زيد رضوان بخصوص ملكية الحامل للمؤونة حتى في الكمبيالة التي تتضمن شرط عدم القبول .
إلا أن قوة هذه القرينة في الإثبات تختلف في العلاقة بين الحامل والمسحوب عليه عنها في العلاقة بين المسحوب عليه والساحب. فهي في الأولى قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس, لأنها ناتجة عن توقيع المسحوب عليه على الكمبيالة بالقبول ، وهو بهذا التوقيع يلتزم في مواجهة الحامل التزاما صرفيا باعتباره مدينا اصليا بقيمة تلك الكمبيالة حتى لو لم تكن المؤونة موجودة ، ويرى بعض الفقه أن القبول هو أساس الالتزام الصرفي و ليس مجرد قرينة ويري بأن القبول يعرض كقرينة في الحالات النادرة التي يرجع فيها الحامل على المسحوب عليه القابل, لا بدعوى الصرف وإنما بدعوى المطالبة بالمؤونة ويجمعون على أن قرينة القبول تكون حينئذ بسيطة بحيث يجوز للمسحوب عليه أن يثبت في مواجهة الحامل, أنه لم يتلق رغم قبوله الكمبيالة .
غير أن اتجاه فقه القضاء التونسي اعتبر أن قرينة الفصل 275 بالنسبة للحامل في مواجهة المسحوب عليه القابل هي قرينة قانونية قاطعة تفيد وجود المؤونة لديه، أما بالنسبة للساحب فان هذه القرينة في مواجهة المسحوب عليه هي مجرد قرينة بسيطة يمكن دحضها بالحجة المضادة ذلك هو موقفه من هذه القرينة ففي القرار التعقيبي المدني عدد 3086 مؤرخ في 5 ماي 1981 أقرت محكمة التعقيب ” ان القبول قرينة على وجود المؤونة وتفريعا على ذلك فان المسحوب عليه الموقع على الكمبيالة بالقبول تقوم ضده قرينة مطلقة تجاه الحامل وقرينة بسيطة تجاه الساحب يمكن معارضتها بالحجة المضادة. و في صورة الإنكار فيجب على الساحب أن يثبت المؤونة وفي صورة عدم الإثبات يلزمه الضمان للحامل ولو المعني على أنه في صورة الإنكار يلزم الساحب بالإثبات مطلقا أي سواء كان الأمر يتعلق بالعلاقة بين الساحب والحامل أو بين الساحب والمسحوب عليه لتعارض مع قوله إن القبول قرينة على وجود المؤونة وإلا أصبح قوله وإلا لزمه ضمانها عديم المعنى إذا لا وجود لطرف ثالث حتى يقع الضمان”
أما في العلاقة بين الساحب والحامل فلا عمل لقرينة القبول على الإطلاق . إذ نص الفصل 275 فقرة 6 من م ت “على الساحب وحده سواء حصل القبول أو لم يحصل أن يثبت في حالة الإنكار أن المسحوب عليه كان لديه المؤونة عند الحلول والا لزمه ضمانها حتى ولو أن الاحتجاج قد أقيم بعد الأجال المعينة”
فوحده إذن الساحب يلتزم بإثبات وجود المؤونة سواء وقع القبول على الكمبيالة أم لم يقع. فإذا لم يستطع الساحب أن يثبت ذلك فانه ملزم بضمان الأداء ولو وقع الاحتجاج بعد المواعيد المحددة أي حتى لو كان الحامل مهملا لاتخاذ الإجراءات اللازمة والتي نص عليها القانون. كما أن الفصل315 من م ت الذي عدد حالات سقوط حق الحامل بالرجوع على المظهرين والساحب ينص في فقرته الرابعة على ما يلي:
” على أن هذا السقوط لا يحمل في حق الساحب إلا إذا أثبت وجود المؤونة في وقت الحلول وفي هذه الحالة لا يبقى للحامل إلا حق القيام على الشخص الذي سحب عليه الكمبيالة”. فبالرغم من إهمال الحامل وانصرام الاجال التي قررها القانون لقيامه ببعض الاجراءات فان الساحب لايتحلل من الضمان في مواجهة الحامل إلا إذا أثبت وجود المؤونة عند الحلول. ونقول ما قاله الرئيس عبد الله هلالي بأن الفصل 315 يغنى عن الفصل 275 في فقرته السادسة. منقول