المسؤولية الجنائية في حوادث السير :


المسؤولية الجنائية في حوادث السير :

 

المبحث الأول: أحكام المسؤولية الجنائية في حوادث السير
المطلب الأول: الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية في حوادث السير
المطلب الثاني:المسؤولية الجنائية للسائق
الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية للسائق في الجروح غير العمدية في حادثة السير
الفقرة الثانية:المسؤولية الجنائية للسائق عن القتل غير العمدي في حادثة السير
المبحث الثاني: إثبات المسؤولية الجنائية في حوادث السير
المطلب الأول: معاينة حادثة السير المميتة
الفقرة الأولى :جمع المعطيات التقنية
ٍالفقرة الثانية :جمع المعلومات الإدارية
المطلب الثاني: إثبات مخالفات السير بالوسائل الحديثة وبالفحص
الفقرة الأولى: الوسائل الحديثة للإثبات في مدونة السير على الطرق
الفقرة الثانية: إثبات مخالفات السير بواسطة المحضر

يقصد بالمسؤولية الجنائية في حوادث السير ذلك الأثر القانوني المترتب عن الجريمة كواقعة قانونية – أي يعتد بها القانون – وتقوم على أساس تحمل الفاعل للجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية بسبب خرقه للأحكام التي تقررها قواعد مدونة السير.
وفي هذا الصدد يقول استيفاني : ” إن المسؤولية بصفة عامة تعني نتائج أعمالنا، وتحدد هذه المسؤولية بوضوح ودقة في نطاق القواعد الجنائية، في الالتزام بتحمل ما يترتب عن النشاط المجرم، وعند تنفيذ الحكم بالإدانة في واجب الالتزام بتنفيذ العقوبة”.
والملاحظ أن مشكلة حوادث المرور ليست مشكلة محلية أو وطنية تعاني منها دولة دون أخرى. ولكنها مشكلة عالمية تعاني منها دول العالم جميعها، على خلاف بينها في نسبة الحوادث وفي تداعياتها السلبية على المجتمع.
وفي الآونة الأخيرة أصبحت الوفيات والإصابات الخطيرة الناتجة عن حوادث المرور من المشاكل الرئيسية التي تهدد حياة السكان، فخلال السنوات الماضية ارتفعت نسبة حوادث المرور ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى العالمي بشكل كبير، نتج عنه ارتفاع حاد في الإصابات الخطرة والوفيات.
مما حدى بالمشرع المغربي العمل على الإسراع بإخراج مدونة السير الجديدة لوضع حد للاستنزاف الأرواح وتجنب وقوع الإصابات الخطيرة التي تتسبب فيها حوادث السير. والتي تخلف في بعض الحالات عجزا دائما والتي دخلت حيز التنفيذ في الفاتح من أكتوبر لسنة 2010.
وحوادث الطرق ظهرت منذ اختراع السيارة، إلا أن علاجها والتصدي لها لم يؤخذ بشكل جدي إلا في مرحلة الستينات، حيث اتخذت الدول المتقدمة الأسلوب العلمي للحد من هذه المشكلة. مما أدى إلى انخفاض معدل الحوادث في تلك الدول.
وينظر إلى حوادث السير على أنها حوادث غير عمدية، فإذا تحققت فيها هذه الصفة، انتقل التحقيق فيها إلى قواعد القانون الجنائي العام.
وبناء على ذلك، فإن حوادث السير في نظر أهل الاختصاص – أهل القانون – هي الحوادث التي تقع للمركبة أو منها أثناء سيرها، ويشترط أن تتوفر فيها الصفات الآتية :
أن تكون غير عمدية
أن تقع في الطريق العام
أن يكون أحد أطرافها المركبة أثناء سيرها
أن يترتب عليها آثار ضارة.
وتماشيا مع هذا المنوال عرفت هيئة الصحة العالمية حادثة المرور بأنها “واقعة غير متعمدة، ينتج عنها إصابة ظاهرة”
وبناء على ما سبق يتبادر إلى الذهن طرح مجموعة من الاشكاليات والتي تدور حول ما هو الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية في حوادث السير ؟ وأين تتجلى مسؤولية السائق الجنائية ؟ وما هي الوسائل التي يعتمد عليها لإثبات هذه المسؤولية في حوادث السير ؟
كل هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإلمام بها قدر الإمكان وفق تصميم ممنهج على الشكل التالي :
المبحث الأول : أحكام المسؤولية الجنائية في حوادث السير .
المبحث الثاني : إثبات المسؤولية الجنائية في حوادث السير.

المبحث الأول: أحكام المسؤولية الجنائية في حوادث السير
المطلب الأول: الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية في حوادث السير
من خلال استقراء نصوص مدونة السير على الطرق الجديدة، يلاحظ على أن المسؤولية الجنائية تقع على كل من أحدث أو ساهم في إحداث وضعية متسببة لضرر بخرقه لقواعد قانون السير والنصوص الصادرة لتطبيقه . ويقصد المشرع بهذه الشمولية منع التهرب والانفلات من تحمل المسؤولية على كل من ارتكب عملا أو تدخل فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، واحدث ضررا للغير أثناء السياقة على الطريقة. وما هذا المقتضى إلا تطبيقا لمبدأ شخصية المسؤولية الجنائية الذي أخذ به المشرع المغربي بدوره ومفاده أن المسؤولية الجنائية لاتطال إلا الذي ارتكب شخصيا إحدى الوقائع التي عددها المشرع الجنائي في الفصل 132 من القانون الجنائي، والذي ينص على أن كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها والجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها. ومحاولات الجنايات ومحاولات بعض الجنح ضمن الشروط المقررة للعقاب عليها، ولايستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك.
وبناء على هذا الفصل العام من القانون الجنائي والمادة 140 من مدونة السير على الطرق، يتضح أن السائق تقع على عاتقه مسؤولية جنائية عما يرتكبه من أضرار أثناء سياقته للعربة أو المركبة أو الحيوان.
ومالك العربة أو المركبة أو الحيوان مسؤول عما يرتكبه نابعة من سلوكات مخالفة للقانون وعن الأضرار التي يلحقها بالغير إذا ثبتت مسؤولية التابع ولم يتم التعرف عليه أو أنه يفتقد أحد أركان أهلية السياقة،مثل عدم بلوغه سن 16 سنة أو عدم توفره على رخصة السياقة.وهذا يتماشا مع الاستثناء الوارد في الفقرة الأخيرة من الفصل 132 من القانون الجنائي الذي أقر المسؤولية الجنائية غير الشخصية يسأل فيها الشخص عن أفعال غيره وهذا خروجا على مبدأالسابق.
وكمثال لهذا الإستثناء، يعتبر الأشخاص الآتي ذكرهم مسؤولين مدنيا عن أداء الغرامات المقررة والعقوبات المدنية المحكوم بها.
1-مجهزوا بواخر الصيد أو مستأجروها أو المؤمنون عليها من أجل الأفعال التي يرتكبها قواد هذه البواخر ورجال طاقمها، وكذا الأشخاص الذين يستغلون مؤسسات الصيد..
2-الآباء والأولياء الذين يتحملون مسؤولية أولادهم القاصرون، وكذا أرباب الأعمال والموكلون من أجل خدمتهم أو مأموريهم. والملاحظ هو أن أغلب النصوص التي تعالج المسؤولية الجنائية من فعل الغير تنطوي في حقيقة الأمر على فرص التضامن في أداء العقوبات المالية لا غير.
ولهذا يكون كل شخص مقيد اسمه بشهادة تسجيل المركبة أو ممثله القانوني تنتقل إليه المسؤولية الجنائية عما ارتكبه السائق من أضرار ، وعليه أن يثبت ما يبرئه من هذه المسؤولية.
وكل شاحن أو ناقل أو وكيل بالعمولة أو مرسل ومرسل إليه يعتبر متبوعا ومسؤولا عما يصدره من أمر أو فعل يحدث أو يساهم في وقوع الضرر للغير.
وإذا ثبتت مسؤولية أحدهم فإنه يحكم عليه بعقوبة التعويض عن الضرر وعن باقي مصاريف الدعوى أو توزيع الغرامات بين التابع والمتبوع حسب الظروف المحيطة بالفعل المرتكب وحسب ظروف عمل التابع.
وإذا وزع المشرع المسؤولية الجنائية بين السائق وباقي المتدخلين المباشرين في الوضعية المتسببة للضرر، فإنه أبقى على المسؤولية الجنائية للسائق دون الإخلال بها. هذا ما أكده المشرع المغربي من خلال المادة 140 التي جاء فيها “يكون كل سائق مسؤولا جنائيا عما يرتكبه من مخالفات لأحكام هذا القانون”.
المطلب الثاني:المسؤولية الجنائية للسائق
الفقرة الأولى: المسؤولية الجنائية للسائق في الجروح غير العمدية في حادثة السير
كل سائق يعتبر مسؤولا جنائيا عن الأضرار التي ترتب عليها عجز مؤقت أو دائم للغير بسبب عدم مراعاته لقواعد قانون السير و النصوص الصادرة لتطبيقه.
وجاء في مدونة السير أن الجروح غير العمدية الناتجة عن حادثة سير و التي ترتب عنها عجز مؤقت للغير لمدة تفوق واحد و عشرين يوما تصل عقوبتها إلى سنتين حبسا وغرامة تصل إلى 6000 درهم،وتضاعف هذه العقوبة في حال اقتران الحادثة بمخالفات أخرى منها حالة السكر وتناول المخدرات(المادة 167).
أما الجروح غير العمدية التي ترتبت عنها عاهة مستديمة للغير فإن عقوبتها الحبسية تصل إلى سنتين سجنا وكذا غرامة تصل إلى 10.000 درهم (المادة 169).
وتضاعف أيضا العقوبة في حال اقتران ارتكاب الحادثة بحالات حددها المشرع في نفس أعلاه في حالة السكر وتناول المخدرات أو اقتران الحادثة بمخالفات يعتبرها المشرع جنحة أو جناية مثل السياقة في الاتجاه الممنوع أو عدم احترام علامة التشوير الأحمر.
فعندما نتمعن في الفقرة الأولى من المادة 167 من مدونة السير يتبين لنا أنها نصت على نفس العقوبة الحبسية الواردة في المادة 433 من قانون الجنائي غير أنها رفعت من سقف الغرامة في الحدين الأدنى و الأقصى،والأهم من ذلك كله هو رفعها من مدة العجز الكلي المؤقت عن العمل المترتب عن الحادثة من سبعة أيام إلى إحدى وعشرين يوما وبالتالي هل يعني ذلك أن الجروح غير العمدية الناتجة عن حادثة سير والتي ترتب عجزا مؤقتا تتراوح مدته من سبعة أيام إلى 21 يوما صارت فعلا مباحا وغير معاقب عليه؟
الملاحظ من جهة أن مدونة السير لم تتضمن أية أحكام مخالفة لهذه الحالة كما أنها لم تأت بأحكام تعتبر تكرارا لها، ومن جهة أخرى فانه لا وجود لما يمنع من تطبيق مقتضيات المادة 433 ق ج .
الفقرة الثانية:المسؤولية الجنائية للسائق عن القتل غير العمدي في حادثة السير
كل سائق تسبب للغير في قتل غير عمدي نتيجة حادثة سير يعتبر مسؤولا جنائيا ويعاقب حسب مدونة السير الجديدة بعقوبة تصل إلى 5 سنوات سجنا وبغرامة تصل إلى 30.000 درهم مع امكانية مضاعفتها إذا كان تحت تأثير مواد مخدرة أو في حالة سكر أو قام بسلوك يمنعه قانون السير على الطرق (المادة 172).
وحسب هذه المادة فإن السائق لا يمكن له أن يتشبث بأي عذر أو سبب ينقل مسؤولية الحادثة إلى الغير كمالك المركبة أو الشاحن أو الناقل أو أي مصدر آخر للأمر الذي أحدث أو ساهم في وقوع الحادثة.

ولأن نقل المسؤولية الجنائية إلى غير السائق لا تسري إلا في المخالفات التي تكون عقوبتها هي الغرامة فقط فإنه مع ذلك يمكن لهؤلاء الأغيار أن يثبتوا ما يخالف مسؤوليتهم عن المخالفة.
ونرى أنه في المادة 172 من مدونة السيرقد أبقت على نفس العقوبة الحبسية المنصوص عليها في المادة 432 ق ج فانها قد خالفتها بخصوص الغرامة حيث ضاعفتها ثلاث مرات في الحدين الأدنى و الأقصى،فبدل 250 إلى 1000 درهم نصت على 750 إلى 3000 درهم،وبالتالي فإن هذه المادة الجديدة هي الواجبة التطبيق عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 316 من مدونة السير.

المبحث الثاني: إثبات المسؤولية الجنائية في حوادث السير
الإثبات في المادة الجنائية من أهم الأعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة الجنائية برمتها، إذ بواسطته تتحصل القناعة لدى المحكمة – من خلال الأدلة التي توفرت في الدعوى – على حصول واقعة مجرمة ونسبتها للمتابع أمامها من عدمه.
وتزداد هذه الأهمية عند النحت في المسؤولية الجنائية في مدونة السير الطرق. فمن جهة أولى فإن عدد حوادث السير ولأسباب متعددة في ارتفاع مهول، ومن جهة ثانية فقد جاءت هذه المدونة لمجموعة من وسائل الإثبات الجديدة في الميدان الجنائي بشكل يتناسب وطبيعة موضوع حوادث السير.
وإذا كان المبدأ السائد في القانون الجنائي بخصوص الإثبات، هو حرية الإثبات، وهذا ما قررته استئنافية الرباط بتاريخ 3/8/93 في الملف الصحي عدد 5019/93 ، فإن هذا المبدأ لايؤخذ على إطلاقه، إذ من الممكن تقيد الإثبات الجنائي، وهذا ما نصت عليه المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية: “يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك…”.
ويمكن القول أن مدونة السير على الطرق الجديدة، جاءت نصوصها لتكرس في الغالب تقييد الإثبات الجنائي، وذلك عندما حددت مجموعة من وسائل الإثبات واستثناء تركت مجالا لحرية الإثبات.
وهكذا سنتناول في المطلب الأول معاينة حادثة السير المميتة في مدونة السير، ثم سنتطرق في المطلب الثاني لمختلف وسائل الإثبات الجديدة التي جاءت بها مدونة السير على الطرق، بالإضافة إلى الإشكالات التي يطرحها محضر معاينة مخالفات قانون السير.
المطلب الأول: معاينة حادثة السير المميتة
الفقرة الأولى :جمع المعطيات التقنية
هناك مسطرة بحث في حوادث السير المميتة بحيث تخضع للبحث والتقصي من طرف لجان مكلفة بمعاينة الحادثة تتكون من ضباط وأ‘وان الشرطة القضائية التابعين للأمن الوطني أو لدرك الملكي أو لوزارة النقل في حدود اختصاصاتهم وإذا كانت الحادثة مميتة فإنها تخضع إلزاميا لتحقيق إعداد حسب المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه: يكون التحقيق إلزاميا:
1-في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي تصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها 30 سنة
2-في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث
3-في الجنح بنص خاص في القانون.
يكون اختياريا في ما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها 5 سنوات أو أكثر.
وقد جاء في إحدى القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى بتاريخ 26/1/78 تحت عدد 357 منشور بمجموعة قرارات المجلس في المادة الجنائية 66-86 وما يليها: “أن التحقيق إلزامي في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام وبالسجن المؤبد، وهو إجراء جوهري يؤدي عدم إنجازه على الوجه الأكمل إلى بطلان جميع الإجراءات المتخذة بما فيه القرار الذي أدان المتهم”.
لذلك نص المشرع في المادة 137 من مدونة السير على أن المعاينة في حوادث السير المميتة تكون تلقائية وموضوع بحث تقني وإداري ويقصد بهذا الأخير القيام بتقصي وجمع المعطيات التقنية المرتبطة أو المؤدية إلى الحادث وإجراء تحريات إدارية تحدد أسباب وظروف وقوع تلك الحادثة ليتم جمع المعطيات التقنية التي يقصد بها كل الأدوات المادية التي تعتبر أساسية في سبب وقوع الحادثة، وبالتالي فهي تشمل حالة المركبة وحالة السائق وحالة الطريق.
فبالنسبة لحالة المركبة فقد حدد المشرع أنواع المركبات المرخص لها بالسير على الطرق وأخضعها لشروط التسجيل والفحص التقني، ووضع لكل مركبة ضوابطها التقنية في القسم الثاني من مدونة السير على الطرق، وأبرم الفاحص التقني بالتقيد بأحكام القانون المتعلقة بالمراقبة التقنية تحت طائلة العقاب بأداء الغرامة أو التعويض عن الضرر أو سحب رخصة الفحص التقني، كما أعطى المشرع للإدارة المعنية حق إجراء فحص تقنية مضاد بناء على طلب هيئة الإفحاص المعينة لهذا الغرض، أو بناء على طلب الأعوان محرري المحاضر.
أما بالنسبة لحالة السائق فقد وضع المشرع عدة قواعد يجب التقيد بمضمونها وتتعلق على الخصوص بحالته البدنية والعقلية. فقد منع المشرع في المادة 92 من مدونة السير على الطرق، على كل سائق مركبة أو حيوان من السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة أو بعض الأدوية الممنوع تناولها وقت السياقة والتي تدخل في قائمة الأدوية الممنوعة التي تحدد الإدارة لائحتها. كما يمنع على السائق القيادة في حالة التعب أو الحاجة إلى النوم والأعوان محررو المحاضر ملزمون بمراعاة هذه الموانع وتسجيل أي مخالفة لها وكذا تدخل الحالة البدنية والصحية للسائق في وقوع الحادثة.
وبالنسبة لحالة الطريق، ففي حالة معاينة الحادثة على الطريق فإن البحث يجري لمعرفة نوعية الطريق المستعملة لسير المركبات عليها وعلامة الانتباه أو التشوير والأنصاب التوضيحية المجهزة بها. ويسجل العون محررا لمحضر كل ما يتعلق بوضعية الطريق في المكان الذي وقعت فيه الحادثة وما إذا كانت لإحدى مكوناتها دخل في وقوع الضرر أو أن وضعيتها سليمة والحادثة تسببت فيها عوامل أخرى، كالحالة التقنية للسيارة والحالة الصحية والبدنية للسائق وارتكاب مخالفة كالسير أو التجاوز والمرور في اتجاه ممنوعين.
كما أن البحث في وضعية حالة الطريق يشمل الظروف المحيطة بها كالحواجز والممرات المتقاطعة معها، وأهمية البحث التقني في حادثة سير مميتة تكمن في أنها تساعد القاضي على تحديد عوامل وقوع الحادثة.
ٍ الفقرة الثانية :جمع المعلومات الإدارية
تشمل المعلومات الإدارية كل ما يتعلق بهوية السائق والضحية ووثائق المركبة التي تعرضت أو تسبب في وقوع الضرر، وشهادة الذين عاينوا الحادثة وتاريخ وقوعها.
ويتضمن محضر المعاينة نوعية المخالفة المرتكبة إذا وجدت وحالة المتضرر وأسماء اللجان التقنية والإدارية المكلفة بالمعاينة.
وتعتبر المعطيات الإدارية وسيلة يستعين بها القاضي لمعرفة ظروف وملابسات الحادثة، ويستعين بها لإجراء بحث قضائي أو الأمر بإجراء خبرة طبية وغيرها من الإجراءات القضائية التي يتطلبها الحكم في حوادث السير.
وبعد القيام بمعاينة حادثة السير المميتة هنا يتم توجيه تقرير إلى المحكمة المختصة بحيث أنه يتم تحرير محضر المعاينة ، فبعد تجميع البيانات الإدارية والتقنية المتعلقة بحادثة السير المميتة يقوم العون المكلف بتحرير المحضر بتوجيه تقرير البحث التقني والإداري إلى السلطات الإدارية المعنية وإلى النيابة العامة وإلى المحكمة المختصة داخل أجل 10 أيام من تاريخ وقوع الحادثة (الفقرة الرابعة من المادة 137 من مدونة السير على الطرق).
ويتم تسليم نسخة من التقرير بطلب منهم إلى أطراف الحادثة أو إلى موكليهم أو ممثليهم (الفقرة الخامسة من نفس المادة).
وبعد تحرير محضر المعاينة يتم إجراء تحقيق إعدادي بحيث أنه عندما يتوصل القاضي بالتقرير المذكور، يجري تحقيقا إعداديا وفقا للمادة 83 من قانون المسطرة الجنائية وهو إجراء تلقائي كلما كانت حادثة السير مميتة. وله صلاحية حجز المركبة المتسببة في الضرر، ومتابعة مرتكب الحادثة إما في حالة اعتقال أو حالة سراح حسب تكييفه للحادثة (الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة أعلاه) .
المطلب الثاني: إثبات مخالفات السير بالوسائل الحديثة وبالفحص
الفقرة الأولى: الوسائل الحديثة للإثبات في مدونة السير على الطرق
بحكم خصوصيات وسائل النقل البرية الناتجة عن التقدم التكنولوجي الذي احتاج وسائل المواصلات اليوم، جاءت مدونة السير الجديدة بمجموعة من آليات مراقبة وضبط مخالفات السير، بشكل يتماشى مع التقدم المذكور.
وهكذا وحسب الفقرة الأخيرة من المادة 191 من مدونة السير، فإن ضباط وأعوان الشرطة القضائية وفي إطار ضبطهم لمخالفة أحكام مدونة السير، يمكن لهم معاينة هذه المخالفات على أساس معلومات إلكترونية، أو استعمال وسائل وأدوات قياس حديثة، وأكثر من ذلك يمكن معاينة وإثبات مخالفات السير باستعمال أجهزة تقنية تعمل بطرق آلية حتى في حالة عدم وجود العون محرر الفحص بمكان المخالفة. وحسب المادة 197 من مدونة السير، يحدث لهذا الغرض لدى السلطة الحكومية المكلفة بالنقل نظام يسمى “نظام المراقبة والمعاينة الآلية للمخالفات “يهدف إلى تمكين الأعوان محرري المحاضر المنتدبين من لدن السلطة المذكورة، من مراقبة ومعاينة وإثبات المخالفات لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه بواسطة الأجهزة التقنية السالفة الذكر بنظام المراقبة والمعاينة الكلية للمخالفات.
كما تطرقت مدونة السير على الطرق لمعاينة حالة السياقة تحت تأثير الكحول. فحسب المادة 207 من المدونة، يمكن لضباط الشرطة القضائية، إما بتعليمات من وكيل الملك وإما بمبادرة منهم، وللأعوان محرري المحاضر، بأمر من ضباط الشرطة القضائية وتحت مسؤوليتهم، أن يفرضوا رائزا للنفس بواسطة النفخ في جهاز للكشف عن مستوى تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول. كما يمكن لضباط الشرطة القضائية وللأعوان محرري المحاضر، حتى في حالة عدم وجود أية علامة على السكر البين، إخضاع أي شخص يسوق مركبة لرائز للنفس للكشف من تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول.
وإذا مكن الرائز من افتراض وجود نسبة من الكحول، أو إذا رفض المعني بالأمر الخضوع للرائز، قام ضباط وأعوان الشرطة القضائية بالتحققات الهادفة إلى إثبات الحالة الكحولية عن طريق التحاليل والفحوصات الطبية السريرية والبيولوجية، أو بواسطة جهاز يمكن من تحديد تركز الكحول من خلال تحليل الهواء المنبعث من الفم، شريطة أن يكون الجهاز المذكور مطابقا لنوع مصادق عليه “المواد 208 و 209″.
ويمكن اللجوء إلى التحاليل أو الفحوصات الطبية السريرية أو البيولوجية إذا استحال إخضاع المعني بالأمر للرائز المشار إليه في المادة 207 السابقة لعجز بدني مثبت من لدن طبيب.
ولم يغفل المشرع حالة السياقة تحت تأثير مواد مخدرة أو أدوية، حيث يمكن لضباط وأعوان الشرطة القضائية، إذا ما تبين لهم أن اختبارات الكشف إيجابية، أو إذا رفض المعني بالأمر الخضوع لهذه الاختبارات، أو إذا كان في حالة يستحيل عليه الخضوع لها – يمكن لهم – القيام بتحاليل أو فحوص طبية أو سريرية وبيولوجية للإثبات ما إذا تناول الشخص المعني بالأمر مواد مخدرة أو أدوية تحظر السياقة بعد تناولها ، والمواد 213 و 214 و215 من مدونة السير”.
ويبقى أن نشير إلى أن تحديد المشرع لمختلف هذه الوسائل، إنما هو في الحقيقة تكريس له لتقييد حرية الإثبات في مدونة السير، إلا أن هذا التكريس لايعني عدم ترك المجال في هذه المدونة لهامش من حرية الإثبات. فحسب المادة 141 من المدونة لصاحب المركبة المسجلة باسمه في حالة مساءلته في حق مركبته وتعذر التعرف على هوية السائق.
إذا ارتكبت مخالفة للأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه، بواسطة مركبة مسجلة في اسم شخص ذاتي ولم يتم لاتعرف على هوية السائق أثناء معاينة المخالفة، أو تعذر التعرف عليه فيما بعد وكانت العقوبة المنصوص عليها هي الغرامة، اعتبرت هذه المخالفة كما لو ارتكبها الشخص المقيد اسمه بشهادة تسجيل المركبة، ويمكن إثبات ما يخالف ذلك بأية وسلة من وسائل الإثبات.

الفقرة الثانية: إثبات مخالفات السير بواسطة المحضر
نصت المادة 194 م مدونة السير على وجوب احترام تحرير محضر المخالفة للمادة 24 من قانون المسطرة الجنائية. والمحضر حسب المادة 24 من ق م ج هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاحتضانه.
ومن استقراء مضمون المادة 24 من ق م ج، نجدها تشترط لصحة المحضر توفره على مجموعة من البيانات وهي: اسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه، وتاريخ وساعة إنجاز الإجراء، وساعة تحرير المحضر إذا كانت تخالف ساعة إنجاز الإجراء، وهوية الشخص الذي تم الاستماع إليه، ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء، وتصريحاته، والأجوبة التي يرد بها على أسئلة ضابط الشرطة القضائية، إشعار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه، قراءة المصرح لتصريحاته أو تلاوتها عليه مع ذكر ذلك في المحضر، تدوين الإضافات أو التغييرات أو الملاحظات التي يبديها المصرح، أو يشير إلى عدم وجودها، توقيع المصرح إلى جانب ضباط الشرطة القضائية على المحضر عقب الإضافات والتصريحات، وتدوين اسمه بخط يده، وإذا كان لايحسن الكتابة أو التوقيع، يضع بصمته، ويشار إلى ذلك في المحضر، الإشارة في المحضر، إلى رفض التوقيع أو الإبصام أو عدم استطاعته مع بيان أسباب ذلك. على أن صحة محاضر الضابطة القضائية لإثبات مخالفات السير، لاتتوقف فقط على البيانات الواردة في المادة 24 من ق م ج، بل يجب أن يتضمن المحضر كذلك مجموعة من البيانات الواردة في المادة 195 من مدونة السير.
وبخصوص القوة الثبوتية لمحضر معاينة مخالفات السير، فحسب المادة 196 من مدونة السير فإنه يوثق بمضمونه إلى أن يثبت ما يخالف ذلك بأية وسيلة من وسائل الإثبات، وهذا ما يتماشى مع ما قررته المادة 290 من ق م ج الذي ينص على أن المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات.
هكذا يستفاد من النص إذن أن المشرع قد اعتبر ما ورد بالمحضر المحرر من قبل ضابط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات صحيحا بمقتضى قرينة قانونية بسيطة، وهذا يعني أن المحكمة عليها واجب مراعاة ما ورد بالمحضر واعتباره صحيحا إلى أن يثبت العكس.
كما تبقى للمحكمة كامل الصلاحية لاستبعادها، شريطة أن تعلل ذلك، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 95-793 في الملف الجنحي 48242 الصادر بتاريخ 10 يوليوز 1980: “لما كانت المحكمة قد اعتبرت أن محاضر الدرك فقدت صفتها التدليلية لتناقض بعضها فلم تطمئن إليها وأبعدتها تكون قد استعملت ما لها من سلطة التقدير في هذا الشأن.
للمحكمة الزجرية أن تكون قناعتها من الأدلة والحجج التي تعرض عليها ولها أ، تأخذ ببعضها متى اطمأنت إليه وترفض البعض الآخر وأن المحكمة عندما أخذت بالصور الفوتوغرافية لمكان الحادث وهي إحدى الحجج المعروضة عليها، واستعانت بها للكشف عن الحقيقة وتحديد نقطة الاصطدام ، فإنها كانت منطقية مع نفسها ولم تناقض عللها.
تبين لنا من خلال مراحل هذا العرض أن المسؤولية الجنائية في حوادث السير، تتميز بمجموعة من الخصائص عن نظيرتها في القانون الجنائي العام.فإذا كانت هذه الأخيرة شخصية، فإن المسؤولية الجنائية في حوادث السير قد يتحملها مالك العربة المسجلة في اسمه، إذا لم يثبت الطرف الذي تسبب في الحادثة،فالمشرع افترض مسؤولية صاحب المركبة، رغم تسبب الغير في الحادثة،إلا أن يثبت صاحب المركبة المسؤول الحقيقي عن الحادثة،وذلك بمختلف وسائل الإثبات.
كما جاء المشرع بمجموعة من وسائل الإثبات الجديدة غير المألوفة والتي أثارت مجموعة من المشاكل، خاصة الوسائل التقنية.

                                                                                                                                                                                  منقول


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 جريمة الفساد في القانون الجنائي المغربي

                           جريمة الفساد في ...