المسؤولية الجنائية والتأديبية للمحامي
تعتبر مهنة المحاماة مفهوم حديث لم يتبلور معناه إلا في نهاية القرن التاسع عشر((19. أما وظيفتها فهي قديمة قدم العدالة ، فقد وجد عبر الحضارات القديمة أشخاص موهوبون يمتازون بالبلاغة والإقناع مضطلعين في مبدأ العدل والإنصاف ، ومهرة في إتيان الحجة على قيام الواقعة أو نفيها، فامتهن هؤلاء تمثيل الأطراف أمام المحاكم، والمجالس التأديبية، وإعطاء الاستشارات القانونية والفتاوى، وتحرير العقود غير الرسمية، وبذلك فمهنة المحاماة كما عرفها الفصل الأول من القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة:” جزء من أسرة القضاء”.[1] وهي في ذات الوقت”علم وفن ورسالة”.[2] وقد عرف الفقه الإسلامي مهنة المحاماة بمفهومها الأول أي تمثيل الخصوم أمام القضاء.[3]
أما عن أول تنظيم لمهنة المحاماة في المغرب فيرجع إلى قانون المسطرة المدنية لسنة 1913 الذي خصص قسمه الثاني لمساعدي القضاء ومن بينهم المحامون، وبعد ذلك وضع المشرع أول قانون مستقل لتنظيم نقابة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة في المغرب بمقتضى ظهير 10-01-1924.
وبعد حصول المغرب على الاستقلال صدرت عدة قوانين منظمة للمهنة، إبتداءا من ظهير 18-05-1959 ومرورا بظهير19-12-1968 و 08-11-1979 وظهير 10-09-1993 وإنتهاءا بالقانون النافذ حاليا وهو قانون رقم 08.28 الصادر في 20-10-2008.
وتأتي هذه التعديلات في إطار حملة إصلاح القوانين المغربية التي انطلقت منذ سنوات، وقانون المحاماة لم يستثنى من هذا الإصلاح نظرا لمتطلبات العصر من جهة ونظرا للضغوط الداخلية والخارجية من جهة أخرى.
وما يلاحظ من خلال القراءة المتأنية للقانون رقم 08.28 أنه يشتمل على 103 مادة، ويتضمن 6 أقسام: الأول يحتوي على 7 أبواب تتعلق بالأحكام العامة والانخراط في المهنة وممارستها، والقسم الثاني الذي يحتوي على بابين يتعلقان بتنظيم هيئة المحامين والتبليغات والطعون، والقسم الثالث تتضمن المقتضيات الزجرية، والقسم الرابع يتعلق بمقتضيات عامة، والخامس تضمن مقتضيات إنتقالية، والسادس تضمن مقتضيات ختامية.
ومن أهم التعديلات الواردة في هذا القانون نلاحظ مثلا أن المشرع عند تعريفه لمهنة المحاماة في المادة 5 أضاف كلمة “تساهم”[4]، وبذلك يكون هذا التعريف إرتقى بدور المهنة من مرحلة مساعدة القضاء إلى مشاركته في تحقيق العدالة، كما استبدل- في إطار الباب المتعلق بشروط الانخراط في المهنة- كلمة “رعايا” بكلمة مواطنين، وفي نفس المادة نص على سن محدد للقبول في مهنة المحاماة وحدده في 21 سنة بعد أن كان النص القديم يشير فقط إلى سن الرشد.
وفي إطار الانخراط في المهنة أشار المشرع إلى أن شهادة الأهلية لممارسة المحاماة تسلم من طرف مؤسسة تكوين بعد أن كان النص القديم يشير إلى معاهد جهوية للتكوين.
كما نلاحظ أن المشرع أصبح ينص على أن القسم الذي يؤديه المحامي المتمرن يجب أن يكون أمام محكمة الاستئناف في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الأول والوكيل العام وبحضور النقيب بعد أن كان النص القديم يشير فقط إلى أداء القسم أمام محكمة الاستئناف.
هذا بالإضافة إلى مجموعة من التعديلات التي تتعلق بتوسيع مهام المحامي واحتكار المهنة، وواجبات المحامي وحصانة الدفاع وحق المحامي في إنشاء موقع إلكتروني.
وهذا ما يجعلنا نتساءل عن أهم المقتضيات الزجرية والتأديبية الواردة في قانون المحاماة وباقي القوانين الأخرى؟ وهل استطاعت هذه المقتضيات توفير الحماية الكافية للمهنة؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال تقسيم الموضوع إلى مبحثين: نتناول في أولهما حماية المهنة في قانون المحاماة وباقي القوانين الأخرى، في حين نخصص المبحث الثاني للسلطة التأديبية.
المبحث الأول: المسؤولية الجنائية للمحامي في قانون المحاماة وباقي القوانين الأخرى.
دأب واضعوا القوانين المنظمة لمهنة المحاماة منذ أول قانون منظم لها (ظهير 1924 ) على حماية هذه المهنة الشريفة بوضع مقتضيات زجرية خاصة بها في قانون المحاماة أو بالإحالة على مقتضيات قوانين أخرى عند الاقتضاء من اجل حمايتها جنائيا من بعض التصرفات التي قد تخل بمهمتها النبيلة من طرف بعض الأشخاص الخاشعين وضعفي الضمير ، وهذا ما سنتناوله في مطلبين: نتطرق في (الأول) لحماية المهنة في قانون المحاماة من هؤلاء، على أن نخصص (الثاني ) للمقتضيات الزجرية في باقي القوانين الاخري.
المطلب الأول: حماية المهنة في قانون المحاماة.
عمل المشرع المغربي من خلال القانون 08.28 على حماية المهنة من خلال تنصيصه في المواد 98 و 99 و 100 على مجموعة من المقتضيات الزجرية عند ارتكاب أحد الأفعال التي تمس بكرامة المهنة، وهي على العموم يمكن إجمالها في أربعة أفعال نص عليها المشرع وعلى عقابها في المواد السالفة الذكر، هذه الأفعال تتمثل في مباشرة كل شخص بصفة اعتيادية إجراء أي مسطرة قضائية دون أن يكون مخولا قانونا بذلك، إنتحال الصفة، إرتداء بذلة المحامي عن غير حق أمام أية محكمة من المحاكم، السمسرة وجلب الزبناء.
فبالرجوع إلى المادة 98 من القانون 08.28 نجده يعاقب كل شخص ثبت أنه يباشر بصفة اعتيادية إجراء أي مسطرة قضائية لفائدة الغير دون أن يكون مخولا قانونا بذلك، وهنا يتطلب المشرع لقيام هذه الجريمة ضرورة ثبوت عنصر الاعتياد على القيام بالفعل المجرم، ولقد كان المشرع في النص القديم يحيل على مقتضيات الفصل 540 من القانون الجنائي لمعاقبة مرتكب الفعل الإجرامي. أما في القانون الجديد فنجد المادة 98 نصت على عقوبة الحبس من سنة إلى سنتين وبغرامة من 10.000 إلى 20.000 درهم، ما لم تكن الأفعال معاقب عليها بعقوبة أشد.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن المادة 94 من القانون القديم عاقبت كذلك المحامي الذي ثبتت مشاركته في هذه الأفعال بنفس العقوبة دون الإخلال بالعقوبة التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها.[5] في حين نجد أن المشرع في القانون الجديد لم يتعرض لهذا المقتضى، والذي في اعتقادنا أنه كان يجب على المشرع الإبقاء عليه وذلك من أجل تعزيز الحماية اللازمة للمهنة من أي شخص ولو من المحامون أنفسهم.
أما مقتضيات المادة 99 في فقرتها الأولى فقد جرمت الأفعال المتعلقة بنسبة صفة محامي علانية أو انتحال صفة محامي، وأحالت في العقوبة على هذه الأفعال على الفصل 381 من القانون الجنائي الذي يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد.
وبغض النظر عن أي عمل من طرف شخص خارج عن المهنة فإن مقتضيات هذا الفصل قابلة للتطبيق في إعلان صفة محامي من طرف محامي مرشح للتمرين قبل أداء اليمين، أو الموقوف، أو في الحالة التي يقدم فيها استقالته من الهيئة دون الحصول على الصفة الشرفية أو الحصول على الاستقالة لغرض التقييد بهيئة أخرى بحيث يمتنع عليه ممارسة أي عمل من أعمال المهنة أو إعلانه لصفة محامي.
ولم يخصص القانون الفرنسي خاصة مرسوم 30-06-1920 الذي يحفظ صفة محامي للمجازين في الحقوق، والمسجلين بصفة قانونية بجدول الهيئة أو بقائمتها، سوى عقابا مدنيا في حين لم يحدد العقاب الجنائي لحماية المهنة إلا بالقانون الصادر في 26-03-1924، الذي أضاف إلى المادة 259 من القانون الجنائي فقرة ثانية تعاقب بعقوبة جنحية، كل من استعمل صفة لمهنة منظمة دون توفره على الشروط اللازمة.[6]
وبالرجوع إلى المادة 99 من قانون 08.28 في فقرتها الثانية نجدها قد جاءت بمقتضيات تتعلق بحماية البذلة المهنية للمحامين، ولقد تم التنصيص على هذا المقتضى لأول مرة بمقتضى ظهير 10-01-1924 في فصله 29[7]، أعقبه ظهير 18-05-1959 الذي جاء في فصله[8]31 بمقتضى مغاير عن سابقه، كما عاقب الفصل 67[9] من نفس الظهير ولأول مرة من يرتدي البذلة الرسمية للمحامي بدون حق. وهو ما تم التأكيد عليه في الفقرة الثانية من المادة 99 من قانون 08.98 حيث عاقبت كل شخص إرتدى أمام أية محكمة من المحاكم أو أمام مجلس من المجالس التأديبية بذلة المحامي أو بذلة تشابهها يمكن أن توهم أنه يمارس مهنة المحاماة وأحال في العقوبة على الأفعال السالفة الذكر في الفصل 382 من القانون الجنائي.
وهذه العقوبة هي الحبس من 3 أشهر إلى سنة وغرامة من 200 إلى 1000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ما لم يكن الفعل ظرفا مشددا في جريمة أشد. ورغم أن البعض ينتقد ارتداء المحامين للبذلة باعتبار أنها متجاوزة في أصلها التاريخي، فإن البذلة مع ذلك تبقى رمزا مهما يميز المحامي عند أدئه لمهامه، وهذا ما نلمسه من خلال المقتضيات الزجرية التي جاءت في القانون 08.28 لتؤكد اهتمام المشرع المغربي للبذلة الرسمية للمحامي التي يرى البعض أنها تساهم في الهالة والعظمة التي تحيط بالقضاء.[10]
أما المادة 100 من القانون الجديد للمحاماة فقد عاقبت على أعمال السمسرة وجلب الزبناء نظرا لكون هذه الأفعال تعتبر مشينة وحاطة بكرامة المهنة، ومجمل القواعد المهنية، فأعمال السمسرة وإن نظمها في قوانين خاصة، ورتب على ممارستها أثارا قانونية فلقد منعها في ميدان المحاماة لتعارضها مع المبادئ الأخلاقية الكبرى التي ترتكز عليها المهنة، والتي من شأنها أيضا أن تعوق المنافسة الشريفة والمشروعة.
وهذا ما جعل المشرع يعاقب في الفقرة الأولى من المادة 100 من قانون 08.28 كل شخص قام بسمسرة الزبناء أو جلبهم بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 40.000 درهم، كما عاقب المشرع كذلك المحامي الذي ثبت عليه القيام بنفس الفعل، بصفته فاعلا أصليا أو مشاركا، بالعقوبة نفسها وذلك في الفقرة الثانية من نفس المادة.
وما يمكن ملاحظته حول هذا الفعل الإجرامي المتعلق بأعمال السمسرة وجلب الزبناء هو أن المشرع تشدد في العقاب على هذا الفعل عن سابقه من الأفعال السالفة الذكر وذلك نظرا لتفشي هذه الظاهرة في هذا المجال، وما ينتج عنها من انعدام الثقة في مهنة المحاماة والمحامون، هذا بالإضافة إلى أعمال النصب التي يتعرض لها العديد من الزبناء على يد السماسرة وهو ما جعل المشرع يتشدد في العقوبة على هذه الأفعال.
والجدير بالذكر أن المادة 126 من ظهير 1979 كانت توفر حصانة مسطرية للمحامي في حالة السمسرة بنصه على أن المتابعة لا تكون مقبولة بالنسبة للمحامي إلا بإذن كتابي من الوكيل العام للملك، كما أن هذا الإذن لا يصدر إلا بعد دراسة ملف النازلة مع نقيب الهيئة التي ينتمي إليها المحامي وفي جميع الأحوال لا تطبق مسطرة التلبس على المحامي المتابع.[11]
إلا أن المشرع في القانون 08.28 تخلى عن هذه المسطرة وسوى بين الفاعل الأصلي والشريك في مسطرة المتابعة، وقد أحسن المشرع صنعا بذلك من أجل تعزيز حماية المهنة.
المطلب الثاني: حماية المهنة في باقي القوانين الأخرى.
اهتمت التشريعات بالمحامي، وعملت على توفير المناخ المناسب له من أجل الترافع والدفاع عن الحقيقة في أحسن الظروف بكل حرية.
إلا أن المشرع نص في الوقت نفسه على المسؤولية الجنائية للمحامي عن أفعاله أثناء مداولة مهامه أو بسببها.
فبالإضافة إلى الجرائم المنصوص عليها في القسم الثالث تحت مقتضيات زجرية ( المواد 98-99-100 من قانون المحاماة). هناك جرائم أخرى لا تقل خطورة عنها، نص المشرع عليها في القانون الجنائي وفي قوانين أخرى.
جريمة إفشاء السر المهني: من أهم الواجبات المنوطة بالمحامي الالتزام بالسر المهني، حيث نصت المادة 36 من القانون المنظم للمهنة: ” لا يجوز للمحامي أن يفشي أي سر يمس بالسر المهني في أية قضية…”.
وهو ما ذهب إليه المشرع التونسي في المادة 5 من قانون المحاماة الذي يلزم المحامي الذي يؤدي القسم الالتزام بالمحافظة على السر المهني.
كما نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10-12-1948 يؤكد صراحة على ضرورة احترام الحياة الخاصة في الفصل 12 الذي ينص على ما يلي: ” لا يمكن لأحد أن يكون محل تدخل تعسفي في حياته الخاصة أو بالنسبة لأسرته أو منزله أو مراسلاته، وكل شخص له الحق في الحماية القانونية ضد مثل هذه التعسفات أو ضد هذه الخروقات “.
فالسر المهني كان في البداية التزام أخلاقي قبل أن يتحول إلى التزام ديني ليعرف في ما بعد حماية قانونية.
وفي هذا الاتجاه تدخل المشرع الجنائي، لأن إفشاء الأسرار المهنية يزعزع النظام العام مباشرة ولا يصيب مصالح الموكل إلا بطريقة غير مباشرة، ومن ثم كان القانون الجنائي هو الذي يحمي الالتزام بالسر المهني سواء كان هناك ضررا أم لا.[12]
فالمادة 446 من القانون الجنائي تعاقب أمناء الأسرار على إفشائها، ويعتبر المحامي من أهم المعنيين بهذا النص، نظرا للالتزامات القانونية والأخلاقية.
وتتكون جنحة الفصل 446 من العناصر الخمس التالية:
1-واقعة تم الكشف عنها.
2-يجب أن تكون الواقعة سرا.
3-صفة الشخص الذي أفشى السر.
4-يجب أن يكون الظنين قد توصل بالسر المهني بمناسبة مزاولته لمهنته.
5-القصد الجنائي.
والإفشاء يتمثل في تبليغ واقعة سرية للغير، وبدون اعتبار للوسيلة حين الإفشاء به للعموم ( إذاعة، صحافة، تلفزة)[13]، أو في مكان عمومي…[14].
ويمكن القول بصفة إجمالية أن السر المهني له طابع مطلق ( من حيث المبدأ) وأنه من النظام العام ويشمل كل ما يصل إلى المحامي بمناسبة مزاولته لمهنته.[15]
ومن ثم كان على كل محامي تم استدعاؤه كشاهد أن يرفض الإدلاء بشهادته بشأن وقائع علم بها بمناسبة مزاولته لمهنته، حتى لو رخص له بذلك موكله، ويعتبر هذا المنع مطلق سواء في القضايا المدنية أو الجنائية أو الضريبية أو غيرها. لكن السؤال المطروح هو الآتي: هل يجب على المحامي الذي يعلم بمناسبة مزاولته لعمله وشك بوقوع عمل إجرامي أن يخبر بذلك السلطات المعنية أم عليه كثمان أسرار موكله؟
هذا هو التناقض الحاصل ما بين الفصل 446 من القانون الجنائي والفصول 209 و 299 والفصل 8-218 من القانون الجنائي. إذن ما العمل؟ إذا أفشيت تعاقب وإذا لم تخبر تعاقب، يمكن القول بأن الآراء منقسمة، وأن اتجاه الآراء يذهب في الظروف الأخيرة مع الالتزام بالإخبار ما عدا إذا لم يعلم المحامي بالجريمة إلا بعد وقوعها.
وفي هذا المنحى تنص المادة 65 من قانون المحاماة المصري على ما يلي: ” على المحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة”.
ومن جهة أخرى، فإن الالتزام بالسر المهني لا ينتهي بطلب من ورثة الزبون الذي أباح بأسراره للمحامي، كما لا ينتهي بتغيير المحامي لمهنته ولا بتقاعده.
وبصفة عامة فإن الالتزام بالمحافظة على السر المهني يمتد إلى كل ما سمع المحامي أو قرأ أو شاهد أو عاين خلال مزاولته لمهنته، ولا حاجة للبحث في ما إذا كانت القواعد المحمية بالسر من شأنها الإضرار بالزبون إذا ما تم إفشاؤها.
ولقد أصدرت محكمة الاستئناف ببروكسيل بتاريخ 18-06-1974 قرارا بليغا بخصوص هذا الموضوع، حيث ورد فيه ما يلي:” إن المحامي ملزم وبشكل صارم على الاحتفاظ بالسر المهني المفضي به إليه، ولا يكمن له بأي حال من الأحوال ولأي سبب كان، وفي أي زمن كان، خيانة هذا السر، وأن السر المهني يجد أساسه في أنه يتعين على ممتهني هذه المهنة أن يعطوا الضمانات الضرورية للثقة خدمة للصالح العام حتى تتكون قناعة لمن يتوجه إليهم بأن الإفشاء بأسرارهم لهم لا يشكل خطورة عليهم وأنهم لن يفشوها للغير.[16]
جريمة سب وإهانة وقذف القضاة: إن القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة وإن تضمن بعض المقتضيات الإيجابية لحصانة الدفاع كما هو الشأن بالنسبة للمادة 58 التي نصت في فقرتها الأولى والثانية على أنه:” للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله.
لا يسأل عما يرد في مرافعاته الشفوية أو في مذكراته مما يستلزم حق الدفاع…”.
إذن يلاحظ من خلال هاتين الفقرتين أن المشرع فسح المجال للدفاع عن موكله بالطريقة التي يراها مناسبة، لكن في نفس الوقت قيده بأن يكون ذلك طبقا لأصول المهنة وأن تكون مرافعته من مستلزمات حق الدفاع، وفي حالة مخالفته لهذه القيود فإن المحكمة تحرر محضرا بما قد يحدث من إخلال، وتحيله على النقيب، وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما، وهذا ما أشارت إليه الفقرة الأخيرة من المادة 58 من قانون المحاماة.
وبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية نجده نص على نفس المقتضيات تقريبا في الفصل 44 و 341.
فالفصل 44 ينص على أنه :” إذا صدرت خطب تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا من أحد الوكلاء الذين لهم بحكم حق التمثيل أمام القضاء حرر رئيس الجلسة محضرا و بعثه إلى النيابة، فإذا تعلق الأمر بمحام بعثة إلى نقيب الهيئة”.
والفصل 341 نص على أنه ما يلي:” إذا صدرت من محامي أقوال تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا تحرر المحكمة محضرا بذلك وتحيله على النقيب وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازما”.
إذن نستنتج من خلال الفصول المشار إليها أعلاه (الفصول 58 من قانون المحماة، و الفصول 44 و341 من قانون المسطرة المدنية)، أنه بإمكان المحكمة أو رئيس الجلسة في حالة ارتكاب المحامي لجريمة سب أو إهانة أو قذف القضاة تحرير محضر و إحالته على النقيب و على الوكيل العام للملك لاتخاذ ما يكون لازما. و هذا خلاف ما كان ينص عليه الفصل 341 من قانون المسطرة المدنية المعدل بمقتضى قانون رقم 10.35 الذي كان يخول لمحكمة الاستئناف تطبيق العقوبات التأديبية.
كما أنه بالرجوع إلى الفصل 57 من قانون الصحافة و بعد تأكيده على أنه لا تقام أية دعوى بالقذف أو الشتم أو السب حول المرافعات القضائية، منح القضاة المحالة عليهم القضية و المخول إليهم البث في جوهرها إمكانية أن يأمروا المحامي بحذف الخطب المتناولة للشتم أو السب أو القذف أو أن يوقفوهم من و وظائفهم إذا دعا الأمر إلى ذلك لمدة لا تتجاوز شهر وثلاثة أشهر فيما إذا تكررت المخالفة خلا السنة.
و يستوي في ذلك أن تكون المحكمة في القضايا المدنية أو الجنحية، حيث ورد النص عاما في جميع المقتضيات التي تطرقنا إليها أعلاه و ذلك ما ثم فعلا من قبيل العمل القضائي (حادثة القاعة 1 ابتدائية أنفا بتاريخ 04-04-1996 )، حيث قام رئيس الجلسة الجنحية و بتدخل من النقيب، بإيقاف المتابعة و تحرير محضر و تبليغه لنقيب الهيئة.[17]
ويثور التساؤل، هل العقوبة التأديبية المطبقة من محكمة الاستئناف (المادة 341 من قانون المسطرة المدنية و المادة 57 من قانون الصحافة )، أو التماسها (المادة 44 من قانون المسطرة المدنية) لا تحول دون تحريك الدعوى العمومية في مواجهة المتهم بناء على نفس الأفعال.
الفقه الفرنسي يرى أن هذه العقوبة لا تحول دون تحريك الدعوى العمومية في مواجهة المحامي. والاجتهاد القضائي الفرنسي أصدر أحكاما عديدة تطبيقا لمقتضيات المادة 222 من القانون الجنائي الفرنسي.
و استقر القضاء الفرنسي[18]على ترجيح مقتضيات المادة 222 من القانون الجنائي على مقتضيات قانون الصحافة.
هذا السؤال الذي ثم توجيهه لوزير العدل الفرنسي حول تطبيق المادتين 222 و 223 من القانون الجنائي خاصة حول جرائم الجلسات المتعلقة بالمحامين.
وكان جواب وزير العدل بأن مقتضيات المادتين 222 و 223 من القانون الجنائي الفرنسي المتعلقة بمعاقبة جريمة إهانة القضاء، تطبق على كافة الأفراد دون تمييز بين صفتهم المهنية و أن الغرض منها هو حماية السلطة المعنوية للقضاة، ومساواة المواطنين، أمام العدالة.[19]
و نحن نساير هذا الاتجاه القاضي بأن العقوبة التأديبية لا تحول دون تحريك الدعوى العمومية في مواجهة المحامي. و أن القضاء المغربي يمكنه أن يصدر أحكاما بناءا على مقتضيات المادة 263 من القانون الجنائي المغربي.
المبحث الثاني: المسؤولية التأديبية للمحامي
لقد أوكل المشرع لمجلس الهيئة الحق في ممارسة إجراءات المتابعة ضد أي محام يرتكب مخالفة مهنية، و اتخاذ العقوبات التأديبية،[20]باعتباره مجلسا تأديبيا[21]، ونفس الدور أناطه المشرع بمحكمة الاستئناف كدرجة ثانية للبث في مقررات مجالس الهيئات.
والتأديب في مهنة المحاماة هو مجموعة من القواعد الموضوعية والمسطرية التي تهدف إلى المحافظة على التوازن في المهنة، كما أن هذه السلطة التأديبية و العقوبات تطال المحامي المتمرن، والمحامي الشرفي والمستقيل، والمحامي المتغاضي عنه المرتكب للمخالفة التأديبية.
وعليه سنحدد صور بعد المخالفات التأديبية في المطلب الأول، على أن نخصص الحديث في المطلب الثاني للمسطرة التأديبية.
المطلب الأول: صور المخالفات التأديبية.
لم يعرف المشرع المغربي المخالفة التأديبية، بل حدد فقط الواجبات والالتزامات التي يتعين على المحامي احترامها، وقضى بمعاقبة كل محام يخالف أو يخرج عن تلك الواجبات، أو يخالف نصوص قانونية أو تنظيمية، أو قواعد المهنة أو أعرافها، أو الاخلال بالمروءة والشرف، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني في المواد 61 من قانون المهنة والمادة 136 من القانون الداخلي الموحد[22].
وتجدر الإشارة إلى أن الخروقات التي قد يقترفها المحامي قد تمس بالمهنة أو القضاء، أو خروقات مرتكبة اتجاه النقيب، أو موكله…
فالمحامي يتقيد بالمبادئ العامة المنصوص عليها في المادة 3 من قانون المهنة التي تنص على أن:” المحامي يتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف وما تقتضيه أعراف وتقاليد المهنة”. نفس المبدأ أكدته المادة 31 من النظام الداخلي الموحد. ومن تم فتقاعس المحامي عن رفع الدعوى[23]، أو تقديم الطعون داخل الآجال القانونية أو السهو في عدم تقديم بعض الأدلة حسب المواد 47 من قانون 08.28 و 46 من القانون الداخلي، يشكل مساسا بتقاليد المهنة وكرامتها.
وتكون المخالفة التأديبية قائمة حتى ولو كان المحامي حسن النية، ذلك أن مبادئ المهنة توجب عليه مراعاتها في أي عمل من أعمال مهنته أو بمناسبتها. وهكذا فاقتصار المحامي على الاحتفاظ بالمبلغ دون سلوك أية مسطرة من أجل الإيداع بصندوق المحكمة، أو من أجل إرجاعه إلى صاحبه لتعذر التنفيذ، تجعل المخالفة المهنية ثابتة في حقه ومتأصلة من المادة 3 أعلاه، وذلك رغم إلتزام المحامي بإيداع المبلغ المتوصل به من طرف المشتكي من اجل التنفيذ علاقة بالملف التنفيذي عدد 7027-08، قرار محكمة الإستئناف بالقنيطرة عدد 01 في ملف عدد 111-09 بتاريخ 06-01-2010، غير منشور.[24]
وفي إطار ممارسته لمهامه، قد يقتني المحامي لنفسه الحقوق المتنازع عليها، فيرتكب بذلك مخالفة تأديبية تستوجب معاقبته، القرار الصادر من محكمة الإستئناف بالرباط عدد 4468 بتاريخ 15-01-1952[25]، أو يعرض استعداده لنيابة عن الغير، فيرتكب بذلك مخالفة تأديبية تجاه تقاليد المهنة وأعرافها (المادة 35 ف 1 من قانون 08.28 )، ويستحق تبعا لذلك التأديب وهو مضمون القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بفاس عدد 1938 بتاريخ 06-09-1979[26].
إن المحامي ملزم باللياقة والإحترام، مراعيا متطلبات الكرامة المهنية، معتزا بنفسه، وبمهنته، ومن تم فقيامه بزيارة موكله في مقر هذا الأخير تجعل المخالفة التأديبية قائمة في حقه، اللهم إذا حصل على إذن النقيب واستوجبت ذلك ظروف استثنائية، عملا بأحكام المادة 42 ف 1 من قانون 08.28 والمادة 42 ف 2 من النظام الداخلي الموحد التي تنص على أنه:” لا يسوغ للمحامي في نطاق نشاطه المهني، أن يتوجه إلى مقر موكله، إلا إذا حتمت ذلك ظروف استثنائية، شريطة إشعار النقيب…”. وهو ما قضى به المجلس الأعلى في ملف عدد 218 بتاريخ 05-12-1985.[27]
كما أن المشرع نص في المادة 12 من قانون 08.28 بفهوم المخالفة على المخالفات المتعلقة بالقسم المهني والمتمثلة في عدم ممارسة مهام الدفاع والإستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وانسانية، والإخلال بالإحترام الواجب للمؤسسات القضائية، وقواعد المهنة التي ينتمي إليها المحامي، وعدم المحافظة على السر المهني، ومخالفة القوانين والأنظمة، والأخلاق العامة، وامن الدولة والسلم العمومي، وهو منطوق المادة 136 من النظام الداخلي الموحد، فامتناع المحامي عن تنفيذ حكم قضائي صادر في مواجهته يشكل إخلالا بالقسم الذي أداه، وسلوكا يخالف قواعد المهنة وتقاليدها ( قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 1359 بتاريخ 3/7/1987 ) [28].
أيضا، إذا قام المحامي بتوجيه إهانات للهيئة القضائية عامة والى المحكمة خاصة، تجعل المخالفة التأديبية ثابتة، ويحق بذلك لمجلس الهيئة متابعته تأديبيا، ولهيئة المحكمة زجريا. الملف التأديبي رقم 729.01 قرار محكمة الاستئناف بأكادير رقم 8895 بتاريخ 7/8/2001[29] ، موضوع المادة 41 من النظام الداخلي التي تنص على ” احترام المحامي للهيئة القضائية ” وتقابلها المادة 12 من قانون المهنة 08.28 بالقسم المهني .
وإذا عمل المحامون متواطئون فيما بينهم على أن يتفقوا عليه، عن تقديم المساعدات الواجبة للقضاء سواء بالنسبة للجلسات أو الإجراءات، المادة 39 من قانون 28.08، توبعوا تأديبيا أمام مجلس الهيئة، القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة عدد 49 بتاريخ 9/3/2011[30] في ملف عدد 75-1224-10 والمحامي ملزم بالوقار أكثر أمام هيئة المحكمة، فإذا عمل على الدخول إلى قاعة الجلسات وهو غير مرتد لبذلته، يرتكب مخالفة للنصوص القانونية وقواعد المهنة إذ تنص المادة 37 من القانون رقم 28.08 على أنه :” لا يحق للمحامي أن يمثل أمام الهيئات القضائية والتأديبية، إلا إذا كان مرتديا لبذلته “، فيما ينص القانون الداخلي في المادة 50 الفقرة الأولى و الثانية على:” ارتداء المحامي لبذلته في مكان منعزل قدر الإمكان قبل دخوله إلى قاعة الجلسات، غير انه يكون في حل مهما عندما يترافع في قضية شخصية، أو عندما يكون شاهدا في قضية لا علاقة لها بالمهنة أو السر المهني”.
والمحامي في إطار ممارسته لمهامه، يتعين عليه إذا كان يقيم خارج دائرة المحكمة المنصب بها، أن يقدم نفسه لنقيب وأعضاء الهيئة القضائية، ومجلس الهيئة، وإلا تحققت مسؤوليته التأديبية تطبيقا لأحكام المادة 38/3 من قانون 28.08 ومقتضيات المادة 39 من النظام الداخلي، وكل نزاع بين محام وقاض، وجب إخبار النقيب، أو أقدم عضو بالمجلس، لان أعراف المهنة تقتضي وجوب الاحترام المتبادل بين أسرتي القضاء و المحاماة [31]، وكل مخالفة لذلك تستوجب التأديب المادة41/2 من النظام الداخلي الموحد .
أما بالنسبة لعلاقة المحامين فيما بينهم، يعتبر المحامي مرتكبا لمخالفة تأديبية، إذا ترك قاعة الجلسة دون عذر قاهر، خصوصا إذا كانت المرافعات متعددة في نفس القضية واستعمال عبارات مسيئة في حق زميله حيث تقتضي أعراف المهنة وقواعد الزمالة احترام الزملاء فيما بينهم بالمفهوم المادة 33 الفقرة الاولى من القانون الداخلي الموحد: ” يجب على المحامي أن يراعي في تعامله واجب الاحترام المتبادل مع زملاءه، وان يتحاشى أثناء الجلسة، أو بمناسبة استشاراته، أو أثناء الإجراءات، أو من خلال المراسلات التهجم على شخص زميله أو القيام بأي تلويح أو تجريح من شأنه أن يمس هذا الزميل …”
موضوع القرار الصادر عن استئنافية البيضاء، عدد 1359 بتاريخ 3/7/1987[32].
وتقتضي الأعراف المهنية، ومقتضيات قانون المهنة في (المادة 36/1 والقانون الداخلي في المادة 53)، معاقبة المحامي تأديبيا الذي يفشي أسرار موكليه ولو لأقرب المقربين إليه، على أنه يكون غير ملزم بهذا السر في علاقته بالنقيب وأعضاء المجلس عندما يكون موضوع شكاية من طرف موكله المادة 55 من النظام الموحد، ويعتبر مرتكبا لمخالفة تأديبية إذا احتفظ بوثائق ملف مسلم إليه من طرف موكليه دون إذن النقيب (المادة 72/1 من القانون الداخلي و المادة 49/1 من قانون المهنة 28.08)، أو يلجأ إلى الترافع لفائدة الخصم في نفس القضية، وأن يتصل بخصم موكله[33].
حيث تنص المادة 45 من النظام الداخلي الموحد على أنه: ” لا يسوغ للمحامي أن يرافع لفائدة الخصم في نفس القضية ” والمادة 48/1 من نفس النظام على أنه :” يمنع على المحامي منعا كليا أثناء أو بمناسبة جريان الدعوى الاتصال بخصم موكله مباشرة، إلا إذا كان لهذا الخصم محام ،وإذا لم يكن له محام يتوقف الاتصال به على موافقة الموكل “.
ومما قد يقع فيه المحامي أيضا من خروقات مهنية، الامتناع عن علم موكله بمجريات القضية من أولها إلى آخرها، إذ تنص المادة 43/2: ” على المحامي أن يقوم بجميع الرسائل الممكنة بإخبار موكله بمراحل سير الدعوى، وما يتم فيه من إجراءات …”
كما أن المحامي إذا تخلى عن مواصلة الدعوى دون إشعار موكله بوقت كاف، يتأتى له معه إعداد دفاعه، يكون قد اقترف مخالفة مهنية واستحق لأجل ذلك التأديب (المادة 47 من قانون 28.08 والمادة 46 من النظام الداخلي الموحد ).
هذا، وقد يرتكب المحامي أيضا مخالفات تتعلق بحساباته، فقد يتسلم في نطاق نشاطه المهني، نقود أو سندات دون وصل مرقم له نظير، رغم أن المادة 54 توجب ذلك، أو يرتكب مخالفات تتعلق بمبادئ التشبث بالوقار والاحترام أو اللياقة المنصوص عليها في المادة 35 من قانون المهنة والتي تمنع المحامي من القيام بأعمال جلب واستمالة الأشخاص أو القيام بالإشهار كيفما كانت وسيلته[34]. نفس المبدأ أشارت إليه المواد 56-57-58 من النظام الداخلي الموحد .
وهكذا، فالمحامي الذي يرتكب مخالفات خارجة النطاق المهني، والمخلة بالشرف والمروءة كتناوله للخمر[35]، وتردده على أماكن عمومية في وضعية تتنافى وكرامة المهنة، لا يسوغ أن يتذرع بأن هذه الأفعال تتعلق بحياته الخاصة[36]، القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالجديدة عدد 27 بتاريخ 6/3/2003 ملف عدد 193/11/2003 .
والعلة في ذلك أن الأخلاقيات ليست حبيسة المهنة، وأن الاستقامة في الحياة المهنية، لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستقامة في الحياة الخاصة[37]، المادة 61 من قانون المهنة: ” يعاقب تأديبيا المحامي الذي يرتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية أو قواعد المهنة أو أعرافها أو إخلالا بالمروءة والشرف ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني “.
أما في إطار نطاقه المهني، وخاصة عند تعيينه في المساعدة القضائية من طرف النقيب تجاه المتقاضي المعوز، يشكل امتناعه عن تقديم هذه المساعدة دون تقديم مبررات معقولة مخالفة تأديبية يتابع من أجلها المحامي المخالف .
ويعد هذا الإجراء من نبل المهنة والتفاني في خدمة العدالة، (المادة 40 الفقرة 1و2و3 قانون المهنة 28.08 والمواد 64و65 من النظام الداخلي) .
كانت هذه بعض صور المخالفات التأديبية التي قد تصدر عن المحامي أثناء مزاولة مهامه أو بمناسبتها، وبخصوص العقوبات التي قد تطال مرتكب المخالفة، نجد المشرع قد حددها على سبيل الحصر بخلاف المخالفات التأديبية، التي تتسع دائرتها، وتتحكم في هذه الدائرة السلطة التقديرية للمؤسسات[38].
وبمفهوم أخر، فالعقوبة التأديبية ترمي إلى حماية المهنة، بينما القوانين الزجرية تهدف إلى إيقاع عقاب على جريمة محددة من حيث الزمان و المكان وثابتة الأركان، ومن جهة أخرى فالعقوبة التأديبية لا تمس قطعا حرية المحامي أو ماله، والمخالفة التأديبية قد تكون قائمة حتى ولو اتصف الفعل بالصفة الزجرية، أو صدر حكم بالبراءة[39]، فالتأديب يهدف إلى المحافظة على التوازن في المهنة لتسير في نسق من الانضباط والامتثال من لدن أعضائها، وهو ما جعل قانون المهنة قد يكون أساسا للمتابعة لأن أفعال المحامي يجب ألا يكتنفها شك أو غموض[40].
المطلب الثاني : المسطرة التأديبية المحامي.
لم يحدد المشرع المغربي الأفعال التي تعتبر أخطاء تأديبية، وإنما لجأ على غرار بعض التشريعات المقارنة إلى وضع صياغة عامة تخضع إلى تقدير الجهة التي يعود إليها الاختصاص في هذا المجال .
وبهذا المعنى جاءت المادة 61 من قانون 28.08، أنه يعاقب تأديبيا المحامي الذي يرتكب مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية أو قواعد المهنة أو أعرافها، أو إخلال بالمروءة و الشرف، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني .
ويعرف التأديب بأنه مجموعة من الوسائل الرادعة التي حددها المشرع لضمان حسن أداء المهنة أو وظيفة، ولا شك أن التأديب هو إبراز رقابة ذاتية تمارسها إدارة أو منظمة مهنية ضد كل المخالفين لضوابط الاستقامة من المنتمين إليها. ومهنة المحاماة معروفة بتقاليدها، وانتظام الممارسين لها في أجهزة ومؤسسات مهنية راكمت عبر الزمان من المبادئ والأعراف المثالية الواجبة على كل محامي الانضباط لها في سلوكه، وبذالك فإن الخطأ التأديبي قد يكون مستقلا عن الجريمة الجنائية[41].
وللإحاطة بالمتابعة التأديبية للمحامي ارتأينا تقسيم هذا المطلب لفقرتين سنتناول في (الفقرة الأولى) إجراءات المتابعة التأديبية، أما في (الفقرة الثانية) فسنتطرق لأثار المتابعة التأديبية .
الفقرة الأولى : إجراءات المتابعة التأديبية
1 – تحريك المتابعة التأديبية: جاء نص المادة 61 من قانون 28.08 بصبغة عامة بخصوص تحديد أشخاص محل المتابعة التأديبية، ” يعاقب تأديبيا المحامي الذي يرتكب مخالفة ….” فعموم لفظ المحامي الوارد في النص قد يحمل على الاعتقاد بأن المقصود هو المحامي الرسمي، لكن هذا التعبير يراد منه عموم المحامين بالهيئة، سواء أكانوا رسميين أو متمرنين آو شرفيين، ويدل على ذلك أن المادة 62 من قانون 28.08 نصت على عقوبات تأديبية في حق المحامين المتمرنين و الشرفيين .
– التشطيب من الجدول أو من لائحة التمرين، أو سحب الصفة الشرفية .
كما أشارت المادة 64 على أنه لا يمنع قبول الاستقالة من إجراء المسطرة التأديبية بسبب أفعال سابقة عن الإسقاط من الجدول .
أما بخصوص تحريك المسطرة التأديبية فمبدئيا لا تمارسها إلا الجهة الموكلة بها وهي في الغالب الجهة الإدارية أو المؤسساتية التي ينتمي إليها المتابع، وبخصوص مهنة المحاماة فالمشرع منح هذه السلطة إلى نقيب الهيئة المنتمي أليها المحامي المتابع، غير أن هذا الاختصاص تشاركه فيه في حالة معينة غرفة المشورة في محكمة الاستئناف ومجلس الهيئة.
وهذا عكس ما كان عليه الأمر في ظل قانون 10 شتنبر 1993 ، إذ كان النقيب ملزم بقوة القانون أن يحيل القضايا المحالة عليه في جميع الأحوال إلى مجلس الهيئة الذي له الحق بعد إجراء البحث الضروري في حفظ الملفات أو متابعة المحامين المعنيين بالأمر[42].
وتحريك المتابعة في القانون الجديد يكون بناء على شكوى تقدم من قبل الوكيل العام للملك أو من المتظلم نفسه، وهذه الشكاية ترفع مباشرة إلى مجلس الهيئة وتحال على النقيب باعتباره رئيس الهيئة .
ومنحت الفقرة الثانية من المادة 67 الاختصاص للنقيب باتخاذ مقرر إما بالمتابعة أو بالحفظ، والقرار الذي يمكن أن يتخذه النقيب يمكن أن يكون صريحا ويمكن أن يكون ضمنيا، والقرار الصريح يجب أن يكون معللا داخل أجل 3 أشهر وإذا مرت مدة 3 أشهر دون أن يصدر أي قرار اعتبر موقفه قرارا ضمنيا بالحفظ، والمشتكي الذي يمكن أن يكون أي شخص متضرر من سلوك المحامي، لا يعد طرفا في المتابعة التأديبية، ولا يمكن أن يطعن في مقرر النقيب ولذلك وطبقا للفقرة الثالثة من المادة 67 للوكيل العام للملك وحده أن يطعن قرار الحفظ الصادر عن النقيب ضمنيا أو صراحة بعد تبليغه بالقرار[43].
وإذا ألغت محكمة الاستئناف مقرر النقيب بالحفظ ، تحيل الملف وجوبا من جديد لعرضه على مجلس الهيئة لمواصلة إجراءات المتابعة.
أما بخصوص المتابعات التي يمكن أن تقدم مباشرة ضد النقيب الممارس، فالمادة 72 تنص على أنها تقدم إلى محكمة الاستئناف غير تلك التي توجد الهيئة بدائرتها وذلك من لدن الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى تلقائيا أو تبعا لشكوى توصل بها .
وتجدر الإشارة أن تحريك مسطرة التأديب لا تكون دائما بناء على شكوى، بل يمكن أن تكون تلقائية، والتلقائية تعني عدم وجود أي تظلم أو طلب ، فالنقيب ومجلس الهيئة كلما علما من أي جهة كانت بأمر المخالفة بل وحتى بعد تنازل المشتكي عن شكايته يمكنها القيام بالبحث في القضية لاتخاذ الإجراء المناسب، كما يمكنهما أثناء البحث الذي يجريانه حول المحامي المتابع أن يضعا يدهما بصفة تلقائية على كل خطأ يكتشف بصفة تلقائية .
ولقد قضت محكمة النقض الفرنسية في هذا الصدد أنه “… يحق للسلطة التأديبية أن تبحث ولو تلقائيا في كل مخالفة للقواعد المهنية تكتشف ولو خارج إطار أي شكاية “.
2 – مسطرة المتابعة التأديبية
المبدأ العام أي مسطرة التأديب لا تخضع للمقتضيات الشكلية المنصوص عليها في الدعوتين المدنية و الزجرية ، ولكل مسطرة تأديبية خصوصياتها حسب المهنة ، والقوانين المطبقة عليها بحيث لا تفرض فيها أشكال معينة ، إلا ما حدده القانون ، وبالنسبة لمسطرة التأديب في قانون المحاماة فإن المشرع حدد لها مسطرة شكلية قريبة من الإجراءات القضائية المتبعة من طرف المحاكم[44].
فالعضو المقرر يقوم بإجراء التحقيق في التهمة الموجهة إلى المحامي وله في ذلك كامل الصلاحية لجمع الأدلة الممكنة ، كما يمكنه الاستماع إلى المحامي المتابع والشخص المتضرر عند الاقتضاء والى كل الأشخاص الذين يظهر له انه من المفيد الاطلاع على أرائهم ، بما في ذلك الزملاء المحامون أنفسهم .
ويستمع المحقق إلى كافة الأطراف ، في محضر توقع صفحاته ويوقع على كل صفحة منه من المستمع إليهم ، ويبلغ المحامي المشتكى به بكل محاضر استماع المشتكي والشهود حيث يتسنى له الرد في الوقت المناسب ، مع إعطاء الفرصة كاملة إعمالا لمبدأ التواجهية في تواجهه مع الأشخاص المستمع إليهم[45].
وعندما يعتبر المقرر القضية جاهزة يقدم إلى المجلس التأديبي تقريرا يتضمن بالإضافة إلى وقائع القضية ووسائل الإثبات فيها استنتاجاته الشخصية .
وعلى ضوء هذا التقرير يتولى المجلس تكييف الوقائع ، ثم يصدر امرأ بالاستدعاء يتضمن ملخصا للوقائع ، والنصوص القانونية والتنظيمية والقواعد المهنية موضوع المتابعة ويعين يوم وساعة انعقاد المجلس التأديبي ( المادة 68 من قانون 28.08 ) .
ويبلغ الأمر بالاستدعاء إلى المحامي المتابع قبل 15 يوما على الأقل من تاريخ انعقاد المجلس التأديبي، مع إشعاره باختيار أحد المحامين لمؤازرته وبحقه في الإطلاع داخل الأجل المذكور على جميع وثائق الملف، ويتم تبليغ الاستدعاء بالطرق المنصوص عليها في المادة 93 من قانون 28.08 ويلاحظ أن هذه المادة لم تنص على تبليغ المحامي عن طريق البريد المضمون، ومن تم لا يصلح له إثارة هذا الدفع بمراعاة الموقف الايجابي الذي يكرسه قانونيا الإجراء الحالي في المادة 49 منه الذي يقرر قاعدة البطلان بدون ضرر.
وتنص المادة 70 على أن المحامي المتابع يحضر شخصيا أمام المجلس للاستماع إليه، لذلك لا يمكن له إنابة أي زميل له لتمثيله أمام المجلس، ويتعين عليه المثول أمامه، وإذا لم يستجيب للأمر بالاستدعاء الموجه إليه، بث المجلس في المتابعة بمقرر يعتبر حضوريا ويمكن الاستعانة عند الاقتضاء بمن يراه من المحامين لمؤازرته .
وفي التاريخ المحدد، يستمع المجلس التأديبي في جلسة سرية إلى المحامي المتابع الذي يكون مرتديا للبذلة المهنية، وله أن يقدم دفاعه كتابة أو مشافهة كما يمكنه عرض كل الأدلة التي يراها مفيدة في القضية، وللمجلس أن يطلب منه توضيح كل الملابسات و الإجابة عن كل الأسئلة مع العلم أنه يكون أخر من يتكلم في الجلسة كما هو الحال في القضايا الجنائية [46] .
ويقوم العضو المقرر في البداية بتلاوة تقريره، وهذا التقرير يعتبر من ضمانات الدفاع إلا أن المحامي المتابع يمكنه إعفاء المجلس من تلاوة هذا التقرير .
وعلى المجلس أن يتداول في كل الدفوع والطلبات المثارة من طرف المحامي المتابع أو دفاعه .
وتجري المداولة من طرف أعضاء المجلس بحسب ترتيبهم بالجدول ابتداء بأخر مسجل بالجدول ثم النقباء السابقون وانتهاءا بالنقيب، وذلك حتى لا يتأثر الأعضاء الجدد بآراء القدامى، ولا يشارك النقيب في التصويت إلا إذا تساوت الأصوات ( المادة 70 من قانون 287.08 ) وعلى المجلس أن يقتصر في مداولته على المخالفات المنصوص عليها في الاستدعاء وتدون كل إجراءات مسطرة التأديب بمحضر خاص يوقعه النقيب وكاتب الهيئة ويضم إلى الملف التأديبي أما القرار فيصدره المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين ويعتبر صوت النقيب مرجحا في حالة تساوي الأصوات .
ويبث المجلس في أجل لا يتعدى ستة أشهر من تاريخ إحالة الملف عليه أو من تاريخ وضع اليد من طرف المجلس وعند عدم بث المجلس، داخل هذا الأجل يعتبر موقفه بمثابة مقرر ضمني بعدم مؤاخذة المحامي المتابع ويبلغ المقرر التأديبي داخل 15 يوما من صدوره إلى المحامي والى الوكيل العام للملك ويشعر به المشتكي .
الفقرة الثانية : أثار المتابعة التأديبية
1 – نظام العقوبة : لم يترك المشرع المغربي الحرية للمجلس التأديبي في مجال العقوبات التي يمكن أن يتخذها في حق المحامي المتابع، فقد جاءت على سبيل الحصر وهذه العقوبات التأديبية إما أن تكون أصلية أو إضافية والى جانب هذه العقوبات نص المشرع على تدابير أخرى خاصة لا ترقى إلى درجة العقوبة وإن كانت تحمل معناها كالتغاضي والإسقاط من الجدول ( المواد 75-78 من قانون 28.08 ) .
وقد قام المشرع بتعداد العقوبات التأديبية في المادة 62 من قانون 28.08 وهي: الإنذار، التوبيخ، الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، التشطيب من الجدول أو من قائمة التمرين أو سحب الصفة الشرفية .
– الإنذار: هو أخف جزاء يمكن للمجلس التأديبي أن يوقعه على المحامي المتابع وهذه العقوبة تسجل باعتبارها سابقة تأديبية ويعتد بها لتحديد العقوبة في حالة العود شأنها في ذلك شأن التوبيخ[47].
أما التوبيخ الذي هو عقوبة من الدرجة الثانية فهو بمثابة استنكار شديد لسلوك المحامي و العقوبة الثالثة هي الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تزيد عن ثلاثة سنوات وهذه العقوبة تكتسي خطورة لما يترتب عليها من آثار على وضعية المحامي المهنية حيث أنه حسب المادة 71 من قانون 28.08 يتعين على المحامي الموقوف بمجرد أن يصبح المقرر قابلا للتنفيذ أن يتخلى عن ممارسة أي عمل من أعمال المهنة وأن يتعامل بصفته محاميا ويشعر النقيب الوكيل العام للملك بالمقرر التأديبي .
وعقوبة المنع في هذه الحالة تتميز عن المنع المؤقت المنصوص عليه في المادة 66 من قانون 28.08 الذي هو جزاء تأديبي يتخذه المجلس في حق المحامي الذي تجري ضده متابعة زجرية ، حيث يصدر المجلس في حالة الضرورة القصوى مقررا معللا بمنع هذا المحامي من ممارسة المهنة مؤقتا ، ويجب على المحامي الموقوف أن يختار محاميا أو أكثر للقيام مقامه مؤقتا بتسيير المكتب ، لكن بعد موافقة النقيب على هذا الاختيار ، فإذا لم يحظى بموافقة النقيب أو لم يقم المحامي الموقوف بمباشرة هذا الاختيار رغم الإنذار فإن النقيب هو المكلف بالتعيين ( المادة 73-74 من قانون 28.08 ).
أما العقوبة الرابعة والأخيرة فهي التشطيب من الجدول أو من لائحة التمرين أو سحب الصفة الشرفية،وهي اخطر عقوبة يمكن الحكم بها، لأنه بمجرد أن يصبح المقرر قابلا للتنفيذ ، يجب على المحامي المعني أن يتخلى عن ممارسة أي عمل من أعمال المهنة بل و يفقد المحامي المشطب عليه الحق في وصفه نفسه بصفة محام .
ويشعر النقيب الوكيل العام للملك بتنفيذ المعني بالأمر للقرار التأديبي وفي حالة عدم التنفيذ الطوعي ، يعين النقيب تاريخ الانتقال إلى المكتب والسهر على التنفيذ ويمكنه الاستعانة في ذلك بالنيابة العامة ( المادة 71 من قانون 28.08 ) .
كما أنه يتعين تعليق منطوق المقرر الصادر ، بصفة نهائية بالتشطيب بكتابة الهيئة لمدة معينة ( المادة 62 من قانون 28.08 ).
– تقادم الدعوى التأديبية : تنص المادة 64 من قانون 28.08 ” تتقادم المتابعة التأديبية: ”
* بمرور ثلاث سنوات ابتدءا من تاريخ ارتكاب المخالفة .
* بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتكب يشكل عملا جرميا وينقطع التقادم بكل إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق .
– رد الاعتبار :
تعتبر العقوبة التأديبية من أهم وأخطر موانع الترشيح في الانتخابات المهنية ، ولاعتبارات تتعلق بالعدالة لا يكن هذا الأثر على إطلاقه، لذلك تدخل المشرع ونظم حالات رد الاعتبار بحيث نص في المادة 62 من قانون 28.08 على إمكانية التماس رد اعتبار حتى على عقوبة الإيقاف وهكذا يجوز للمحامي الذي صدر في حقه مقرر تأديبي نهائي بالإنذار أو التوبيخ أو الإيقاف أن يقدم لمجلس الهيئة التماسا برد الاعتبار ويبث فيه المجلس داخل أجل شهر من تاريخ التوصل به .
2 – الطعن في المقررات التأديبية : إن جميع المقررات التي تصدر عن المجلس التأديبي يمكن الطعن فيها ضمانة للأطراف في الدعوى من إساءة استعمال المجلس لحق التأديب .
الاستئناف : إن حق الاستئناف الذي خوله المشرع للأطراف المعنية حدد له أجال معين لا يتعدى 15 يوما ويبدأ من يوم تبليغ المقرر التأديبي إلى الأطراف المعنية بعد هذا الأجل أو من التاريخ الذي تعتبر المقررات الضمنية أنها اتخذت فيه ، وكل استئناف يقدم بعد هذا الأجل يرد شكلا وللمحكمة أن تتمسك به تلقائيا لتعلقه بالنظام العام .
ويقدم الاستئناف بمقال يوضع طبقا لأحكام المادة 94 من قانون 28.08 بكتابة ضبط محكمة الاستئناف داخل الأجل المذكور .
وتبت محكمة الاستئناف حسب المادة 95 من قانون 28.08 بغرفة المشورة بعد أن تستدعي النقيب وباقي الأطراف لسماع ملاحظاتهم ويطلب من الوكيل العام للملك تقديم ملتمساته .
ولأن الطعن بالاستئناف طريق من طرق الطعن العادية فإنه يوقف تنفيذ المقررات التأديبية لذلك يحق للمحامي الموقوف أو المشطب عليه من الجدول أن يمارس المهنة إلى حين صدور القرار الاستئنافي ، ما لم يكن مشمولا بالنفاذ المعجل من قبل مجلس الهيئة في حالة الإخلال الفادح بالقواعد المهنية ، ويمكن للمحامي في هذه الحالة الأخيرة أن يطلب إيقاف التنفيذ المعجل أمام محكمة الاستئناف ( المادة 63 من قانون 28.08 ).
أما بالنسبة لمقرر المنع الذي لا يعد إلا تدبيرا احتياطيا فان الاستئناف لا يوقف تنفيذه ولا يبيح للمحامي مواصلة أعماله المهنية مهما كانت المبررات ( المادة 66 من قانون 28.08 ).
التعرض : تدخل المشرع بنص خاص في المادة 97 من قانون 28.08 وقرر أنه تخضع للطعن بالتعرض القرارات الصادرة عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وغرفة المشورة بها وفق الشروط والقواعد و الآجال العادية المقررة في قانون المسطرة المدنية .
النقض : نصت المادة 97 من قانون 28.08 على أنه تخضع للطعن بالنقض القرارات الصادرة عن غرفة المشورة وفق الشروط والقواعد و الآجال العادية المقررة في قانون المحاماة، والطعن بالنقض مخول لنقيب الهيئة و الوكيل العام للملك وللمحامي ويجب أن يقدم هذا الطعن داخل أجل ثلاثين يوما من يوم تبليغ الحكم المطعون فيه المادة 358 من قانون المسطرة المدنية ، وقد كانت الأحكام المطعون فيها بالنقض لا تسمح بتقديم طلب إيقاف تنفيذ المقررات التأديبية سواء في إطار الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية أو قانون المحاماة لكن المشرع بموجب القانون الجديد 28.08 استحدث إمكانية إيقاف التنفيذ من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 67 التي تنص على أنه :” تكون القرارات التأديبية الصادرة بالإيقاف عن الممارسة أو التشطيب قابلة لإيقاف التنفيذ من لدن المجلس الأعلى “.
وقد أعفى المشرع النقيب و الوكيل العام للملك من ضرورة تنصيب محام ومن أداء الرسوم القضائية ( الفقرة الثانية من المادة 97 من قانون 28.08 ).
-إعادة النظر:لم يتطرق القانون المنظم لمهنة المحاماة للطعن بإعادة النظر وليس معنى ذلك حرمان المعني بالأمر من هذه الوسيلة، ذلك أن القواعد المطبقة في ميدان التأديب هي قواعد المسطرة المدنية والتي تسمح بهذا الطعن احتراما لحقوق الدفاع[48].
خاتمة
مما سبق لا يخفي على القاصي والداني بان المحاماة فن رفيع ورسالة مقدسة والمحامي فكر وضمير وعقيدة واقتناع وهو إنسان يجمع بين عظمة العالم بالقانون وذلك باحتكاكه اليومي بكامل القوانين سواء كانت مدنية أو جزائية ومثوله الدائم أمام الجهات القضائية ، جعل من هذه المهنة من أنبل المهن بسبب تاريخها الحافل بالكفاح المجيد من اجل الدفاع عن حقوق الإنسان.
غير أنها ارتبطت بالخير أحيانا ، كما ارتبطت بالشر أحيانا أخرى. فقد ارتبطت بالخير والمبادئ لما كان غرض أصحابها نصرة الحق والحقيقة والمشاركة في تحقيق العدل والإنصاف، فكان بذلك المحامي عالما متبصرا ينير للقاضي طريقه ويصلح خطأه .
وارتبطت بالشر لما انحرف بعض أربابها عن نصرة الحق إلى نصرة المصلحة الشخصية وجعلها مطية بعنوان الغاية تبرر الوسيلة، مما أدي بها أن فقدت بعض بريقها. غير أن هذا الانحراف استثناء وليس هو الأصل، كما أن الشر استثناء والخير هو الأصل دائما عبر تاريخ البشرية . منقول