المساهمة الجنائية فى جرائم أمن الدولة فى القانون المقارن …….


                 المساهمة الجنائية فى جرائم أمن الدولة فى القانون المقارن …….

 

المقدمة:
تقع من فاعل واحد فقط مهما تعددت الأفعال , وقد يشترك فى ارتكابها أكثر من شخص ولو كانت من فعل واحد فقط , فمن يرتكب الفعل أو الأفعال المكون للجريمة يسمى الفاعل الأصلى, ومن يقوم بفعل واحد أو أكثر من الأعمال المسهلة للجريمة يسمى شريكًا .
يقصد بالمساهمة فى ارتكاب الجريمة اشتراك أكثر من شخص في ارتكابها , وتعد المساهمة أصلية اذا قام كل منهم بفعل يجعل أيا منهم فاعلا , وتعد مساهمة تبعية اذا قام الشخص بدور ثانوى يجعله مجرد شريك فقط ( ).
ويقسم الفقه والتشريع المقارن السلوك بحسب دوره فى الجريمة ,الى سلوك أصلى وسلوك تبعى وهو الشريك, بمعنى اشتراك عدة أشخاص فى جريمة واحدة وافتراض وحدة الجريمة, والمعيار العام للمساهمة الجنائية هو وقوع الجريمة بالفعل, ووحدة الركن المعنوى بقصد التداخل فى هذه الجريمة ( ).
قد يحدث أن يشارك مع الفاعل عدد من الأفراد, ولا تكون الجريمة واحدة لمجرد تعدد الجناة الذين شاركوا فيها وحققوا نتيجة واحدة, وإنما يجب توافر الرابطة معنوية بينهم ,وبهذه الوحدة المادية والمعنوية نكون بصدد مساهمة جنائية فى جريمة واحدة ( ).
يختلف الفقه حول وحدة الجريمة , فالغالب يأخذ بمبدأ وحدة الجريمة حتى يتوافر عنصرى المساهمة الجنائية, وأن المعيار لديهم الفاعل والشريك, هو معيار البدء فى التنفيذ على اختلاف, وأن تبعية الشريك هى نتيجة حتمية للمساهمة فى الجريمة, وقبل وقوع الجريمة لا مجال للقيمة القانونية لسلوك الفاعل أو الشريك( ).
ومهما تنوعت الأدوار فى سبيل تحقيق الجريمة , فإن هذه الأدوار تتفاوت من حيث أهمية كل منها فى تحقيق النتيجة الإجرامية( ).
وقد اختلف الفقه فى تحديد طبيعة أفعال الاشتراك, حيث يفرق الفقه والتشريع المقارن بين دور الفاعل ودور الشريك فى الجريمة ( ), وتحصر التشريعات ومنها التشريع المصرى دور الشريك فى ثلاثة صور, هى التحريض والمساعدة والاتفاق, والمساهمة الجنائية تفترض وقوع الجريمة ووحدتها, ووحدة الركن المعنوى فيها ( ).
ويحكم المساهمة الجنائية فى التشريع المصرى عدة مبادئ :-
– وحدة الجريمة المرتكبة بتعدد المساهمين, فالمشرع المصرى لا يرى تعدد الجرائم بتعدد المساهمين, وإنما هناك وحدة بين أفعال المساهمة, ووحدة فى النتيجة الإجرامية وبالتالى وحدة الجريمة ( ).
– تميز بين الفاعل والشريك فى نطاق المساهمين, ولقد رفض المشرع المصرى الفكرة الموسعة للفاعل, والتى تمتد لتشمل كل من تسبب فى إحداث النتيجة ( ).
– الصفة التكميلية للاشتراك فى الجريمة, بأخذ المشرع بالتبعية الضيقة والتى تقف عند حد ارتكاب الفاعل السلوك غير المشروع من الناحية المادية وذلك يعنى استقلال المساهمين بالنسبة للظروف المؤثرة على المسئولية الجنائية لكل منهم ( ).
– لم يأخذ المشرع المصرى بنظام التشديد لتعدد المساهمين, ولكنه أخذ بتعدد الفاعلين فى الجريمة وإنما تطبق عليهم العقوبة المقررة للجريمة ( ).
– الشريك كما رأته محكمة النقض المصرية, هو ذلك الذى يستمد صفته من فعل الاشتراك الذى قام به وما قصده ومن الجريمة التى اشترك فيها ووقعت بناء على هذا الاشتراك ( ).
المشكلات الفقهية للمساهمة الجنائية :
قصد التداخل فى الجريمة :
يلزم أن يتوافر لدى كل مساهم عنصر نفسي,يتمثل فى قصد التداخل فى الجريمة المرتكبة بتعدد المساهمة,والمساهمة الأصلية تتحقق بالنموذج التشريعى للجريمة كليا أو جزئيا ، ولذلك يجب أن يتوافر لديه كل عناصر الجريمة قانوناً, وأن يعلم كل مساهم بسلوك الآخر, لتحقق الربط بين الأفعال المرتكبة, مع اتجاه السلوك إلى تحقيق النتيجة غير المشروعة.
أما بالنسبة للمساهمة الأصلية فى الجرائم غير العمدية, فيكفى لتوافر قصد التداخل أن يكون الشخص قد حقق سلوكاً إراديا, يتصف بالإهمال وعدم الاحتياط ،مع العلم بسلوك المساهمين الآخرين ( ), وتكييف دور الشريك يستند إلى المعيار الموضوعى, الذى يقوم على البدء فى التنفيذ, ولذلك تقوم مسؤليته ولو وقفت الجريمة عند حد الشروع ( ), فهل تتطلب جرائم أمن الدولة توافر هذا التداخل ؟.
الاشتراك بالامتناع :
ان صور الاشتراك السابق تقع غالبا بفعل إيجابى, ولكن قد تحدث أى منها فى صورة شكل سلبى , يذهب الفقه الفرنسى وبعض ألفقه المصرى إلى أن الاشتراك لايمكن ان يأخذ شكل الامتناع( ).
إلا أن البعض يرى فى الامتناع أن النتيجة الإجرامية يمكن ان ترتبط سببياً بالسلوك السلبى, لان من يمتنع عن تحقيق السلوك المفروض علية بقاعدة معينة يحقق النتيجة ,لذلك عليه القيام بالأفعال التى من شأنها أن تحول دون وقوع هذه النتيجة , ولذلك يمكن تصور وقوع الاشتراك بالامتناع, طالما كان هناك واجب قانونى يفرض القيام بعمل معين لمنع تحقيق النتيجة ,وامتنع الشخص عن تحقيقه, وكان من شأن القيام بهذا الواجب منع تحقيق النتيجة غير المشروعية.
والاشتراك بالامتناع متصور فى صور الاشتراك الثلاث ، فى التحريض كمن يطلب من الطبيب المعالج لشخص ما الامتناع عن علاجه, لوفاته شفقة عليه لمرضه بمرض ميئوس منه, وبصفة خاصة من يطلب عدم علاج والدته شفقة عليها( ) .
أما الاتفاق فيحدث بتقابل الإرادات, بأن تتجه إرادة احدهما إلى موقف سلبى معبر عن إرادة ارتكاب الجريمة , أما فى المساعدة فيسهل الاشتراك بالامتناع فى صورها المتعددة ,فالخادم الذى يعلم بالمشروع الإجرامى الذى اتفق عليه آخرون لسرقة منزل مخدومه, ويترك الباب مفتوحا يعتبر شريكا بالمساعدة، وشرطى الدرك الذى يغير من طريقه ليسهل للجناة سرقة المحل يعد شريكا , ولا يكفى لعقاب الشريك عن الاتفاق أو التحريض أو المساعدة ،أن يرتكب الفعل فقط ,بل يجب توافر رابطة سببية هذا الفعل والجريمة الأصلية ،ولذا لايعد شريكا مهما كان المعيار( ) , فهل تقع جرائم أمن الدولة بالامتناع ؟.
الاشتراك فى الاشتراك :
يرى البعض أن الاشتراك فى الاشتراك لاعقاب عليه ، لأن الاشتراك لايعاقب عليه إلا إذا وقعت الجريمة الأصلية , ولأنه اشتراك فى فعل معاقب عليه فى ذاته( ).
وهذا الرأى محل نظر , لأنه من ناحية يتنافى مع المنطق ، فإذا كان اشتراك فى فعل معاقب عليه ، وكانت هناك رابطة سببية بينهما فيستوجب العقاب, ومن ناحية أخرى الاشتراك يعاقب عليه, لوجود رابطة بينه وبين فعل الفاعل الأصلى، وإذا انتفت هذه العلاقة فلاعقاب للشريك ولا لشريك الشريك .
وهناك من يرى عدم العقاب على الاشتراك فى الاشتراك, ويستند إلى نص المادة(60)عقوبات فرنسى, والتى لاتعاقب الشريك إلا إذا حرض على الجريمة أو ساعد فيها, كما يستند إلى مبدأ الاستعارة ,الذى أخذ به المشرع الفرنسى, باعتبار ان شريك الشريك لايتصل بفعل الفاعل الأصلى مباشرة, بمعنى انه فعل تبعى غير مجرَّم لذاته( ).
وهناك من يرى إمكانية العقاب على فعل الاشتراك فى الاشتراك, بوصفه اشتراكًا فى الجريمة الأصلية, وهذا هو الراجح فى الفقه الفرنسى , ويستند إلى أن المشرع الفرنسى, لم يتطلب هذه العلاقة بين الفاعل والشريك, سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ( ).
أما اذا عدل الفاعل اختيارا , فإن الشريك لايعاقب على فعل الاشتراك فى الأفعال التى تمت من الفاعل ,إلا إذا كان ماوقع من الشريك يعد جريمة مستقلة( ).
أما الاتجاه الآخر يرى أن العدول الاختيارى سبب شخصى لامتناع العقاب, وبالتالى لا يؤثر على الصفة غير المشروعة للفعل المرتكب تحت وصف الشروع ,وعلى ذلك فعدول الفاعل لايحول دون معاقبة الشريك ( ).
فإذا كان الفاعل الأصلى قد عدل عن فعله, ولم تقع الجريمة ولو فى صورة شروع, فكيف يمكن معاقبة الشريك, بالرغم من عدول الفاعل وعدم معاقبته ،ثم إن الفعل غير المشروع المعاقب عليه لم يقع, اللهم إلا إذا كان ما وقع من الشريك يعد جريمة مستقلة فى ذاته , فما موقف جرائم أمن الدولة من الاشتراك فى الاشتراك ؟.
الاشتراك فى الجرائم غير العمدية:
هناك خلاف فى الفقه حول الاشتراك فى الجرائم غير العمدية, يرى البعض أن الركن المعنوى للاشتراك يقوم على القصد الجنائى, بينما الجرائم غير العمدية تتصف بعدم اتجاه الإرادة إلى النتيجة ,ولذلك لا يتصور الاشتراك فى هذه الجرائم( ).
ويرى استاذنا– بحق – أن هذا الرأى محل نظر لأن الاشتراك المعاقب عليه هو الذى يتم بالنسبة لفعل غير مشروع بصرف النظر عن الركن المعنوى وشكله.
ويكفى لتوافر العنصر النفسى للاشتراك, العلم بالسلوك المرتكب من قبل الشريك, والعلم بسلوك الغير مع إرادة المساهمة فى السلوك الأخير , أما اتجاه الإرادة إلى النتيجة غير المشروعة التى تحققت, فهذا ما يتطلبه القصد الجنائى ويفترض عدم وجودها فى الخطا غير العمدى( ).
وإذا توافرت إرادة المساهمة لدى الفاعل الأصلى , المتصف بالإهمال وعدم الحيطة والحذر, توافرت اركان الاشتراك فى الخطا غير العمدى, وإذا كان سلوك الفاعل غير مشروع كمن يحرض سائق سيارة على السير بسرعة ازيد من السرعة المقررة فيصدم أحد المارة فيكون المحرض شريكا مع السائق فى جريمة القتل الخطأ( ).
وهذا ما يؤيده نص المادة (40 عقوبات) , لأن الاشتراك جائز فى جميع الجرائم بما فيها المخالفات, والركن المعنوى فيها يقوم على الخطأ غير العمدى المفترض, ولاتثار هذه المشكلة بالنسبة للمساهمة الأصلية، وإذا انتفت الوحدة المعنوية للجريمة,انتفت المساهمة الجنائية ويسأل كل من الجناة عن جريمته( ).
أهمية الموضوع :
تبدو أهمية الموضوع فى اصباغ الحماية الجنائية على المصالح المحمية فى جرائم أمن الدولة من ناحية , والتمييز بين الفاعل والشريك , إن المساواة بين الفاعل والشريك فى العقاب, ليس معناه إلغاء التفرقة بينهم, فهذه التفرقة تقوم على أساس من المنطق, ولها انعكاساتها القانونية.
نظراً لطبيعة جرائم أمن الدولة والمصلحة المحمية, فقد خرج المشرع على القواعد العامة للأشتراك, لتحقيق الفعالية لهذه الحماية الجنائية فى نطاق أمن الدولة, ولذلك جرم المشرع بعض إنماط السلوك التى لو تركت للقواعد العامة ما قامت المسئولية الجنائية عنها, فمراحل الجريمة تبدأ بالتفكير وتنتهى بالبدء فى التنفيذ أو تمام الجريمة( ).
ومن ناحية أخرى قد يرى المشرع أن بعض الأعمال التحضيرية تنطوى على خطر بالمصلحة المحمية, فيجرمها استقلالا عن الجريمة محل هذا العمل, لأن القاعدة الاعقاب عليها , أما إذا بدأ فى تنفيذ الجريمة أعتبر فى حالة شروع ويعاقب وفقا للقواعد العامة ( ), ولذلك تختلف التشريعات فى خطتها لمواجهة جرائم أمن الدولة لتوفير الحماية الجنائية الفعالة, فتجرم التفكير أو العمل التحضيرى أو سلوك الاشتراك كجريمة مستقلة ( ).

وتبرز أهمية التفرقة في :-
– يمييز المشرع فى العقاب بين الفاعل والشريك, ويقرر للأخير عقوبة أخف, كما فى المادة 235 عقوبات التى تقرر للشريك فى جريمة القتل العمد يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة( ).
– صفة فى الفاعل فى بعض الجرائم , كاغتصاب الإناث يلزم أن يكون الفاعل ذكراً, وجرائم الاختلاس يجب أن يكون الفاعل موظفًا عامًا, وهذه الصفة ركن فى الجريمة( ) .
– تأثر الفاعلين أو المساهمين بالظروف الخاصة, التى من شأنها تغيير وصف الجريمة وتشديد العقوبة لا تأثير لها على الفاعلين الآخرين, بينما تسرى على الشركاء إذا كانوا على علم بها, ومن جهة أخرى لا تؤثر ظروف الشريك على الشركاء الآخرين سواء من ناحية الفاعلين أو الشركاء وإنما تسرى فى مواجهة من توافرت فى حقه( ).
– لا يستفيد الشريك من أسباب الإباحة , إلا إذا اقتصرت مساهمته على الاشتراك فقط ، أما إذا ارتكب سلوكا يصل به إلى حد الفاعل الأصلى كان الفعل جريمة, و مثال ذلك الذى يشارك مع الطبيب فى عملية جراحية يستفيد من الإباحة, أما إذا باشر فعلاً مجرَّما يعتبر به فاعلاً أصليًا يسأل جنائيا( ).
– تشديد العقوبة فى حالة تعدد الجناة بالنسبة لبعض الجرائم كالسرقة وإتلاف المزروعات و المقصود هنا هو تعدد الفاعلين وليس تعدد الشركاء ( ), وفى الشروع فى الانتحار, وهو غير معاقب عليه, لا يعاقب الشريك إلا على ما أتى من أفعال يعتبر بها فـاعلاً ( ).
– لهذا سيتم تناول هذا الموضوع فى اربعة مباحث:
المبحث الأول: التحريض فى جرائم أمن الدولة.
المبحث الثانى : الاتفاق فى جرائم أمن الدولة.
المبحث الثالث : المساعدة فى جرائم أمن الدولة.
المبحث الرابع : الركن المعنوى فى جرائم أمن الدولة .

المبحث الأول
التحريض فى جرائم أمن الدولة
تمهيد وتقسيم :
يعد الشخص شريكا اذا ارتكب التحريض , وهو أحد صور الفعل الاجرامى الذى يعد به شريكا , وهو كالاتفاق صورة معنوية للاشتراك , لا ينطوى على مظهر مادى , عكس المساعدة فهى تنطوى على مظهر مادى ( ).
ويستوى أن يكون التحريض خالقا لفكرة الجريمة, إذا لم تكن موجودة لدى الغير من قبل، أوكان مشجعاً أو محبذا أو مروجا أو داعيا للغير على ارتكاب الجريمة, أذا كانت فكرة الجريمة مجودة لديه من قبل والتحريض فى القواعد العامة الواردة وفقا لنص المادة(40ع), يختلف عنه فى جرائم أمن الدولة ( ).
ولذلك سيتم تناول التحريض فى جرائم أمن الدولة فى مطلبين :
المطلب الأول : التحريض وسيلة اشتراك.
المطلب الثانى: التحريض جريمة مستقلة .
المطلب الاول
التحريض وسيلة اشتراك
لقد نصت المادة 40 عقوبات على أنه يعد شريكاً فى الجريمة :
أولا : كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناءً على هذا التحريض .
التحريض :
لم يحدد المشرع المقصود بالتحريض , لذا لزم اللجوء الى المعنى اللغوى , ويقصد بالتحريض فيها حث وحض ودفع الغير إلى ارتكاب الجريمة, ويختلف عن الهياج والإثارة التى تقوم على استغلال العواطف والمشاعر( ), وهو يشمل كل ما من شأنه التأثير فى الشخص وحمله على تصرف ما .

و هو خلق فكرة الجريمة لدى الغير , سواء بالوعد أو الوعيد وهو أقوى تأثيرا من الحث والإغراء, ويختلف عن الهياج والإثارة التى تقوم على استغلال العواطف والمشاعر, ويستوى أن يكون التحريض خالقا لفكرة الجريمة لدى الغير ,إذا لم تكن موجودة لديه من قبل، أو كان مشجعاً أو محبذا أو مروجا أو داعيا للغير على ارتكاب الجريمة, إذا كانت فكرة الجريمة مجودة لديه من قبل( ).
ويستلزم القانون شرطين لقيام التحريض: ألاول, ان يكون هناك تحريض, والثانى, أن تقع الجريمة بناءً على هذا التحريض ( ).
الشرط الأول : وجود التحريض :
إن القانون لم يحدد المقصود بالتحريض وترك تقديره للقاضى ، فقد يكون فى صورة هدية أو وليد أو مخادعة أو دسيسة أو استعمال سلطة,أما مجرد النصيحة فلا يكفى لوجود التحريض إذا لم يكن للناصح سلطة على الفاعل .
وقد لايكون للتحريض مظهر خارجى, ولكن يستدل عليه من الشهود أو الاعتراف أومن أعمال لاحقة على الجريمة( ) .
الشرط الثانى : وقوع الجريمة بناءً على التحريض :
لا يكفى وجود التحريض لقيامه والعقاب عليه ,بل يجب أن يكون قد ساهم فى حدوث الجريمة, بمعنى أن تقع الجريمة بناءً على هذا التحريض, ولايعد شريكاً إذا أثبت أن الجريمة بدونه واقعة ولو لم يوجد تحريض, وهذا يستلزم أن يكون التحريض سابقاً على وقوع الجريمة ( ).
التحريض الفردى والتحريض الجماعى :
التحريض يكون فرديًا , أى خاصا وقد يكون علنيا , والاول إذا كان موجهًا إلى فرد أو أفراد بأشخاصهم, ولم يحدد المشرع وسيلة معينة يتم بها التحريض, فقد يكون بالقول أو بالإشارة أو بأى وسيلة تنتج أثرها فى خلق فكرة الجريمة لدى المجرم, بشرط أن يكون التحريض مباشراً وواضحاً, حتى يكون دافعاً للغير على ارتكاب الجريمة, وهذا ما عنى به المشرع فى المادة 40 من قانون العقوبات .
أما الثانى فهو التحريض الجماعي أو العلنى , فهو الموجه إلى الجمهور وهوغير التحريض الذى عنى به القانون فى المادة 40 عقوبات( ).
إن التحريض المذكور فى المادة 40 عقوبات, لا يتطلب سلطة من المحرض على الآخر تجعله يخضع لأوامره, بل يكفى ان يصدر من المحرض أفعال أو أقوال تهيج شعور الفاعل فتدفعه إلى الإجرام.
ويختلف الاشتراك بالتحريض أو المساعدة عن الاشتراك بالاتفاق، لأنه لايستوجب انعقاد إرادتى الشريك والفاعل ، فلا يستلزم أن يكون الفاعل أهلا للمسئولية الجنائية أو يتوافر لدية القصد الجنائى.
ولقد حدد المشرع و سائل التحريض بالمادة 171 عقوبات, والتى نصت على أن كل من أغرى واحداً أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أوصياح جهر به علنا أو بفعل, أو أى طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنا أو بأى وسيلة أخرى من وسائل العلنية( ).
وللتفرقة بين التحريض الفردىوالعام أهميته, من حيث الخطورة الإجرامية للفعل ،وإن كان الحكم القانونى للنوعين واحدا, وكان من الممكن أن يندرج التحريض العام تحت نص المادة (40) عقوبات دون حاجة إلى نص خاص.
كما تبدو أهمية النص (171ع) تحديد وسائل التحريض العام, وقصرها على وسائل العلنية ،كما انه قصرها على الجنايات والجنح دون المخالفات، غير أن المادة (40) تسرى على جميع الجرائم بما فيها المخالفات( ).
التحريض المباشر وغير المباشر :
قد يكون التحريض مباشرا إذا كان منصبا على الفعل المكون للجريمة سواء أكان صريحا أو ضمنيا , ويكون غير مباشرا اذا كان غير منصبا على فعل أو جريمة بعينها , وهذا الاخير لايعد وسيلة اشتراك لأنه غير مجرم , الا اذا رأى المشرع فيه خطورة على المصلحة المحمية فيجرمه لذاته حماية لهذه لها ,كما فى المواد 174 أولا , ع م و176 ع م , 177 ع م .
التحريض فى التشريع المقارن:
تختلف التشريعات فى تجريم سلوك التحريض, فمنها ما يجعله أحد وسائل الاشتراك فى الجريمة, ويتوقف التجريم على وقوع الجريمة محل التحريض ,كالمشرع المصرى والفرنسى والعراقى والكويتى ( ).
ومن التشريعات ما تجرم سلوك التحريض استقلالا عن سلوك المحرض, كالقانون الجزائرى والسورى واللبنانى والسودانى والقطرى, أما التشريع الإيطالى فيجرم سلوك المحرض سواء وقعت الجريمة محل التحريض أم لا, وفى فرنسا كانت هناك مناقشات أوصت خلالها اللجان المكلفة بالتعديل, بإفراد نص للمحرض يجرم فعله ولو لم ينتج عن تحريضه أثر, ولم يقر البرلمان ذلك فى قانون (686- 92) ( ).
المطلب الثانى
التحريض جريمة مستقلة
التحريض فى القواعد العامة يختلف عن التحريض فى جرائم أمن الدولة , الوارد فى المادة 92 ع, ففى القواعد العامة يعد وسيلة من وسائل الاشتراك, أما فى المادة الاخيرة جريمة قائمة بذاتها تفترض وجود علاقة بين الآمر والمأمور, وكذلك يختلف عن التحريض الوارد فى المادة 95 ع ,الذى لا يفترض وجد علاقة بين الآمر والمأمور ,وأيضا عن الدعوة الواردة فى المادة 97 ع.
كما تختلف عن الترويج والتحبيذ الوارد فى المادة 98 ب, ولذلك كرر المشرع هذه المعانى لأنه يقصد كل منها فى موضعه,بمعنى أن التحريض فى جرائم أمن الدولة جريمة مستقلة يعاقب عليها ولو لم تقع الجريمة محل التحريض وإذا وقعت تشدد العقوبة( ).
العقاب على التحريض غير المتبوع بأثر :-
لقد جرم المشرع التحريض الوارد فى المادة 95ع والتى تنص على أن (كل من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 87, 89, 90, 90 مكرر, 91, 92, 93, 94, من هذا القانون يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن, إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر)
إن القواعد العامة فى التحريض هى عدم العقاب على التحريض غير المتبوع بأثر ما لم يترتب عليه جريمة ,وبينهما رابطة سببية, وتوافرالركن المعنوى القائم على العلم والإرادة وبالتالى لا عقاب عليه.
غير أن المشرع خرج على هذه القواعد العامة فى الاشتراك, نظراً لأهمية المصلحة محل الحماية الجنائية فى نطاق جرائم أمن الدولة.
ولقد تمثل هذا الخروج فيما يتعلق بالتحريض فى ثلاثة فروض : –
الفرض الأول: التحريض الذى لا يستجيب فيه المحرض للتحريض وبالتالى يرفضه .
الفرض الثانى: التحريض الذى يستجيب فيه المحرض للتحريض ولا تقع الجريمة ولو تحت وصف الشروع .
الفرض الثالث: يستجيب فيه المحرض للتحريض وتقع الجريمة ولكن لأسباب أو دوافع أخرى ليست أسباب أو دوافع التحريض( ).
إن المشرع اعتبر هذه الأفعال من قبيل التحريض, ولو لم يترتب عليه أثر فى نطاق أمن الدولة الداخلى والخارجى, وعاقب عليها باعتبارها جرائم مستقلة ( ).
ولقد نص المشرع فى المادة 82 / أ عقوبات على أن كل من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المادة 77, 77 / أ, 77 / ب, 77 / ج, 77 / ء ( ).
إن العلة من تجريم أفعال التحريض غير المتبوع بأثر ,هى عدم خضوع هذه الأفعال للقواعد العامة, والتى تتطلب وقوع الجريمة عن الفاعل الأصلى ,ووجود رابطة سببية بين الشريك وفعل الفاعل الأصلى, وتوافر الركن المعنوى من الشريك وفقا للقواعد العامة، ومن ناحية أخرى المصلحة محل الحماية الجنائية فى نطاق أمن الدولة, تحتم العقاب على هذه الأفعال حتى تتوافر الحماية الجنائية المطلوبة( ).
والمشرع يعاقب على التحريض فى جميع الفروض سواء وقعت الجريمة أو لم تقع, وسواء استجاب المحرض للتحريض أو لم يستجيب, وسواء وقفت الجريمة عند حد الشروع أم وقعت كاملة, ولقد قرر المشرع ذات المبادئ فيما يتعلق بقانون الأحكام العسكرية, المادة 127/2 وذلك توسيعا منه للحماية الجنائية لأمن الدولة( ).
ويتقابل مع المادة 95ع المواد (412- 8ع) فرنسى من القانون 686–92 والتى تجرم التحريض خالى الأثر ضد سلطة الدولة أو جماعة من الناس, 284ع إيطالى التى تجرم التحريض على العصيان المسلح ضد سلطة الدولة, 302ع إيطالى التى تعاقب على التحريض ضد شخصية الدولة الداخلية والخارجية, 96 ع كويتى والتى تجرم التحريض لرجال الشرطة والقوات المسلحة ( ).
والتحريض غير المتبوع بأثر يختلف عن التحريض فى القواعد العامة ,لأنه يعد تحريضا خاصا ويشترط لقيامه الآتى :
أولا : صدور التحريض من المحرض :
يشترط فى هذا التحريض الخاص أن يصدر إلى شخص محدد معين سواء أكان واحدًا أو اثنين, وذلك يوجب سريته وخصوصيته, لأن التحريض العلنى تحكمه القاعد العامة فى المواد 171, 172, 174, 175, 176, 177 ,ولا يشترط أن يصدر فى وسيلة محددة, عكس القانون الفرنسى الذى حدد وسائل التحريض فى العطية والتهديد وإساءة استعمال السلطة وفقا للمادة (121- 7).
كما يجب أن يكون التحريض مباشرا, بارتكاب أحد الجرائم الواردة فى المادة 95ع, وأما التحريض غير المباشر فقد يكون جريمة أخرى حسب العناصر المتوفرة, فقد يشكل جريمة دعوة غير مقبولة أو تحبيذ أو ترويج على سياسة مناهضة أو على كراهية الحكم( ).
ثانيا : عدم وجود أثر للتحريض :
لقد عبر المشرع المصرى عن ذلك بقوله (إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر), وقد بين المشرع الإيطالى انعدام الأثر فى حالتين, الأولى عدم قبول التحريض, والثانية قبوله وعدم ارتكاب الجريمة (302)ع إيطالى, أما المشرع الفرنسى فقد شدد العقاب إذا ترتب على هذا التحريض أثر, فى المادة (412- 8) الفقرة الثانية, وتلك فهمها المشرع المصرى بمفهوم المخالفة ( ).
التحريض على التحريض فى جرائم أمن الدولة .
إن المشرع لم يقف عند هذا الحد فى العقاب على التحريض غير المتبوع بأثر, بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك, بنصه على العقاب على التحريض نصت المادة 78 / ب على أن يعاقب بالإعدام كل من حرض الجند فى زمن الحرب على الانخراط فى خدمة أى دولة أجنبية( ) .
ولهذا فإن التحريض على التحريض يعد معاقباً عليه بوصفه جريمة مستقلة ولو لم يترتب عليه دفع المحرض إلى الانخراط فى خدمة دولة أجنبية.
العقاب على الشروع فى التحريض غير المتبوع بأثر :
يذهب البعض إلى أن الشروع فى التحريض غير المتبوع بأثر, يعاقب عليه باعتباره جريمة مستقلة, ذلك لأنه طالما المشرع اعتد بالتحريض غير المتبوع بأثر كجريمة مستقلة فإنه يتصور فيها الشروع ( ).
والبعض الآخر يرى أن التحريض غير المتبوع بأثر ,لا يعتبر من أفعال الاشتراك طالما لم يترتب عليه وقوع الجريمة, وفقاً للقواعد العامة وبالتالى لايعد جريمة مستقلة ( ), ومن حيث الواقع القانونى, فلا تتوافر فى التحريض غير المتبوع بأثر,أركان الجريمة الحقيقية التى يتصور فيها الشروع, ومن ثم لا يؤيد هذا الرأى العقاب على الشروع أو التحريض غير المتبوع بأثر( ).
ويرى الباحث إنه لا يعد الشروع فى التحريض معاقباً عليه, ويعد من قبيل الأعمال التحضيرية التى تقتضى نصًّا خاصًّا للعقاب عليه,وهذا ما فعله المشرع بنص المادة 95 عقوبات, ولولا وجود هذا النص لما أمكن العقاب على هذا التحريض الذى لم يترتب عليه أثر ( ).
التحريض فى التشريع الإنجليزى :
القاعدة هى أن التحريض على ارتكاب الجريمة فى التشريع الإنجليزى يعد جريمة، و لكنها جريمة ناقصة, بمعنى أن التحريض مجرم بغض النظر عن وقوع الجريمة محل التحريض من عدمه,أما إذا وقعت الجريمة فإن المحرض يعد شريكا و يعاقب بوصفه فاعلا أصليًّا( ).
ومثال ذلك, تجريم الترويج للجرائم الإرهابية, يجرم المشرع الإنجليزى فى القانون 9 لسنة 1989 والقانون الصادر فى مارس 2000 ,أعمال التنظيم والمشاركة فى تنظيم وإدارة الجمعيات والتنظيمات المحرمة .
و كذلك إلقاء الخطب فى أى اجتماع لأكثر من ثلاثة أشخاص ، سواء كان الاجتماع مفتوحا أم خاصا ، بشرط أن يعلم الغرض من هذالاجتماع, باعتباره من قبيل التحريض على الجريمة, وتقابل المادة 98ب ع مصرى .
كما يعاقب كل شخص يرتدى أو يحمل أو يقوم بعرض أشياء بطريقة تثير فهما معقولا بأن الجانى عضوا أو مؤيدا لمنظمة معينة ( ),وهى مشابهة لما ورد بالمادة 98ب مكرر, ج, د عقوبات مصرى.
ويمتد نطاق التحريض ليشمل التحريض على ارتكاب الأعمال التحضيرية, وإن كان ذلك محل نقد الباحث, لأن الأعمال التمهيدية للجريمة لا تعد جريمة إلا بنص القانون, فهذه الأعمال ليست مجرمة فى مختلف التشريعات, ولكن تجرم لخطورتها ولذاتها, فى نطاق معين كجرائم أمن الدولة ( ).
إن التحريض فى النظام الأنجلوسكسونى يسمى بالجريمة الناقصة ، بمعنى أنه يعاقب عليه حتى ولولم تقع الجريمة الأصلية, أما إذا وقعت الجريمة الأصلية فيعد المحرض شريكا وعوقب بوصفه فاعلا اصليا ( ),ومن امثلتها تحريض أفراد القوات المسلحه على عدم أداء الواجب أو العصيان( ).
كما يعاقب القانون على التحريض لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها فى قانون الأسرار الرسمية كما يمتد التحريض ليشمل الأعمال التمهيدية, وإن كان ذلك محل نقد لما يؤديه من اتساع نطاق التجريم, كما أن هناك من هذه الأعمال مالا يعد جريمة فى مختلف التشريعات( ).
ويرى الباحث أن فى هذا خروجا على القواعد العامه فى التشريع الإنجليزى لاهمية المصلحة المحمية فى جرائم أمن الدولة ,كما يعاقب المشرع الإنجليزى على التحريض ولو وقع خارج إنجلترا ( ).
التحريض فى التشريع الفرنسى :
وبالرغم من ذلك فقد أوصت لجان تعديل القانون الفرنسى فى 1983, 1986, على وجود نص خاص بالتحريض, سواء فى عمل إجرامى يقع بواسطة الغير, أو على ارتكاب جناية أو جنحة ولم ينتج لهذا التحريض أثر, ولكن البرلمان لم يوافق على الجزء الثانى بجعل التحريض جريمة مستقلة فى القانون 686- 92 ( ).
ولقد أوضحت المادة 121- 7 ع فرنسى الشريك فى الجريمة بأنه من يقدم المساعدة أو المعونة فى تسهيل التحضير للجريمة أو ارتكابها, وكل من أعطى أو وعد أوهدد أو أمر أو تجاوز سلطاته, أو أساء استعمال وظيفته بالتحريض على الجريمة أو أعطى تعليمات بارتكابها, وبذلك يتضح أن المشرع الفرنسى قد جعل التحريض من وسائل الاشتراك, وليس كسلوك فاعل كالاتفاق والمساعدة, وحصر وسائل التحريض فى الوعد والوعيد والأمر, ولم يشمل الدسيسة والخداع فى النص القديم 60ع( ).
الاشتراك فى التشريع اليابانى:
وضعت المدونة الجنائية فى اليابان منذ عام 1907, وأدخل عليها عدة تعديلات كان آخرها 1969 ، ثم أجرى تعديل شامل لها 1974 ، ووجهت إليها الانتقادات للمبالغة فى التجريم تحقيقا لأمن الدولة .
ومن أهم التعديلات التى جاءت بها المادة 60 من المدونة الجنائية, أن اشتراك أكثر من شخص فى ارتكاب جريمة, فإنهما يعتبران فاعلين اصليين, والمحرض على الجريمة يعاقب مثل الفاعل الأصلى (م-61) ،اما المساعدة فتكون عقوبتها اخف (م-62).
والشخص المدبر للجريمة ولم يشارك فيها, يعاقبه المشرع كالمحرض، أما القضاء فيرى معاقبته كالفاعل الأصلى, وهذ ماقضى به فى أحدى القضايا عام 1958، وتأسس هذا الحكم على أنه استخدام للآخرين كأداة لارتكاب الجريمة ( ),وهذه الفكرة تقابل فكرة الفاعل المعنوى المرفوضة فى التشريع المصرى وكذلك الفقه.

المبحث الثالث
الاتفاق فى جرائم أمن الدولة
تجريم الاتفاق :
لم يكن الاتفاق معاقبا عليه من قبل فى التشريع المصرى , الا فى حالات محددة على سبيل الاستثناء فى بعض الجرائم الخطيرة , المادة 80 من تشريع 1883 , 1904 , وقد أضيفت كوسيلة اشتراك فى التشريع الاخير , ولك لا يعاقب عليه الا اذا وقعت الجريمة محل الاتفاق , وكان ذلك محل نظر لدى المشرع , حينما تعذر عقاب أعضاء جمعية سرية تتخذ من القوة أسلوب لتحقيق أغراضها السياسية ( ).
ذلك ما حدا بالمشرع الى التدخل بتجريم الاتفاق فى المادة 47 مكرر بالقانون 28 الصادر فى 16 يونيه 1910 , وكانت المادة 48ع والمعدلة بالقانون 84 فى 28 اغسطس 1933 مطابقة لنص المادة 47ع , وهذا ما يعرف بالاتفاق العام المجرم لذاته والمقضى بعدم دستوريته وبالتالى يعد وكأنه لم يكن , والذى يختلف عن الاتفاق كوسيلة اشتراك فى نص المادة 40 ع والتى تعاقب عليه اذا وقعت الجريمة محل الاتفاق .
نصت المادة 40 ع يعد شريكا (ثانيا) من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق , ونظرا لاختلاف مضمون الاتفاق فى القواعد العامة, عنه فى جرائم أمن الدولة باعتباره وسيلة من وسائل الاشتراك فى الأولى, ويعاقب عليه إذا وقعت الجريمة محل الاتفاق, وباعتباره جريمة مستقلة فى الأخيرة, وأخيرا اختلفت التشريعات فى معالجته .
ولذلك سيتم تناول الاتفاق فى أمن الدولة فى مطلبين :
المطلب الأول : الاتفاق وسيلة اشتراك .
المطلب الثانى : الاتفاق جريمة مستقلة .

المطلب الأول
الاتفاق وسيلة اشتراك
لم يكن الاتفاق معاقبا عليه من قبل فى التشريع المصرى , الا فى حالات محددة على سبيل الاستثناء فى بعض الجرائم الخطيرة , المادة 80 من تشريع 1883 , 1904 , وقد أضيفت كوسيلة اشتراك فى التشريع الاخير , ولك لا يعاقب عليه الا اذا وقعت الجريمة محل الاتفاق , وكان ذلك محل نظر لدى المشرع ( ).
تدخل المشرع بتجريم الاتفاق فى المادة 47 مكرر بالقانون 28 الصادر فى 16 يونيه 1910 , وكانت المادة 48ع والمعدلة بالقانون 84 فى 28 اغسطس 1933 مطابقة لنص المادة 47ع , وهذا ما يعرف بالاتفاق العام المجرم لذاته والمقضى بعدم دستوريته وبالتالى يعد وكأنه لم يكن , والذى يختلف عن الاتفاق كوسيلة اشتراك فى نص المادة 40 ع والتى تعاقب عليه اذا وقعت الجريمة محل الاتفاق .
الاتفاق هو تقابل إراديتين أو أكثر على ارتكاب الجريمة, انعقاد العزم على ارتكاب الجريمة محل الاتفاق , ويعنى ذلك افتراض وجود فكرة الجريمة فى كل من دخل فى الاتفاق, كما يفترض تساوى الإرادات دون ان تكون إحداهما مؤثرة على الأخرى( ) , لذا فهو يختلف عن التحريض, الذى تطغى فيه إرادة الشريك بالتحريض على إرادة الفاعل فتدفعه إلى ارتكاب الجريمة,أما فى الاتفاق تتحد نيه أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه( ) .
والاتفاق صورة معنوية المظهر كالتحريض وليست مادية , وتتساوى ارادة هؤلاء المتفقين, وبهذا يتميز عن التحريض , وهذا الاتفاق العام الوارد فى المادة 48 ع م , الغى وحكم بعدم دستوريته ( ) .
والعلاقة بين هذا الاتفاق بالمادة 48 , والاشتراك بطريق الاتفاق , لاتعد هذه المادة ناسخة للاشتراك باعتبارها لاحقة لها زمنيا , ولكن الامر ليس كذلك لأنه يؤدى الى الاضطراب بين القواعد وصعوبة فى التطبيق , وهو ما حدا بمحكمة النقض بالتدخل للتوفيق بين هذه النصوص , وذهبت الى أن لكلاهما مجاله ونطاقه الخاص .
فالاتفاق الجنائى العام فى المادة 48 الملغى يختلف فى طبيعته عنه كوسيلة اشتراك , فالاول يتسم بالدوام والاستمرار كما أنه جريمة قائمة بذاتها , أما الثانى فيمكن أن يتحقق بطريق الصدفة , ولم يقصد المشرع من النص على هذه المادة الغاء الاتفاق كوسيلة اشتراك ( )
هناك اتجاهين فى التشريعات لتجريم الاتفاق, الاتجاه الموسع والاتجاه الضيق :
أولا : الاتجاه الموسع :
فى هذا الاتجاه يشمل الاتفاق أى جريمة من جرائم أمن الدولة, سواء أكان اتفاق جنائى خاص, أو اتفاق جنائى عام, ومنها التشريع المصرى, فى المواد 82/ب 96, 48 ع والأخيرة أصبحت غير دستورية, والتشريع الإنجليزى ( ).
ثانيا: الاتجاه الضيق :
أما فى هذا الاتجاه فيقصر على الاتفاق الجنائى الخاص من ناحية, كما يقصره على جرائم أمن الدولة الداخلى من ناحية أخرى, ومنها التشريع الفرنسى الذى يجرم المؤامرة فى المواد 87, 94 ع من تشريع 1960, والتشريع السورى فى المواد 325 ع, والتشريع البحرينى فى المواد 139ع لجرائم أمن الدولة الخارجى, 157ع لجرائم أمن الدولة الداخلى ( ).
الاتفاق والتوافق :
الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات صراحة على الواقعة الجنائية محل الاتفاق، أما التوافق فهو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين, ينتويه كل واحد منهم مستقلاً عن الآخر , دون اتفاق سابق بينهم على هذا الفعل الذى ارتكب أو اشترك فيه بالمعنى المحدد فى القانون ( ).
ويختلف الاتفاق على التوافق, فالاتفاق يعنى التقاء أو تفاهما سابقا على الجريمة لو لبرهة وجيزة , أما التوافق فهو توارد الخواطر على الإجرام, أو قيام فكرة الإجرام عند شخصين فأكثر, كما لو اتجه (أ) لقتل (ب) وتصادف وجود (جـ) فى نفس المكان لقتل (ب) فلا يكون (جـ) شريكا مع (أ) فى قتل (ب),إذا لم يسبق بينهما اتفاق ,ولكن هذا مجرد توارد خواطر,لايرتب قيام المسئولية الجنائية الا فى الأحوال التى حددها القانون م243 عقوبات( ).
ويستدل على الاتفاق بدليل مباشر, كالاعتراف والشهادة والكتابة ،كما يستدل عليه بالاستنتاج من القرائن التى تتوافر لدى القاضى أو من أعمال لاحقة على الجريمة( ).
وهذا ما جرى عليه قضاء النقض, من إثبات سبق الإصرار على المتهم الاشتراك بالاتفاق, بمعنى أنه لثبوت سبق الإصرار فى حق المتهمين, يستلزم بالضرورة توافر الاشتراك بالنسبة لمن يرتكب الجريمة منهم( ).
الاتفاق هو الوسيلة الثانية من وسائل الاشتراك, حسب نص المادة 40 عقوبات , وأن كانت بعض التشريعات المقارنة لا تعتبره من هذه الوسائل, كالتشريع الفرنسى فى المادة 121-7 ع, والمادة 129 ع مغربى, والمادة 55/2ع قطرى والمادة 82ع سودانى ( ).
وقد يعد الاتفاق جريمة مستقلة سواء وقعت الجريمة محل الاتفاق أو لم تقع, وهو الاتفاق العام الوارد فى المادة 48 ع الملغى والذى يقوم باتفاق شخصين أو أكثر, وإن كان التشريع الإيطالى جعل حده الأدنى ثلاثة أشخاص بنص المادة 416 ع, ولا يشترط فيه الدوام والاستمرار فى أغلب التشريعات ( ).
وقد يعد الاتفاق جريمة خاصة ويسمى بالاتفاق الخاص, إذا وقع على جريمة أو جرائم معينة, بغض النظر عن ارتكاب هذه الجرائم من عدمه, ويتضح ذلك عندما يتضمن النظام القانونى تجريما للاتفاق الجنائى العام, وهذا ما فعله المشرع المصرى بالقانون 32لسنة 1922 فى نطاق جرائم أمن الدولة الداخلى, ويطلق عليه اصطلاح المؤامرة فى بعض التشريعات المقارنة( ).

المطلب الثانى
الاتفاق جريمة مستقلة
الدعوة للاتفاق :-
تمشيا مع السياسة الجنائية للمشرع فى نطاق جرائم أمن الدولة, بالخروج على القواعد العامة طالما لم يمكن تطبيقها, لقد شدد المشرع العقوبة على المشتركين فى الاتفاق الجنائى أو من حرض عليه أو أدار حركته وفقا للمادة 97ع, وذلك نظراً لأهمية المصلحة محل الحماية الجنائية ( ).
كذلك الدعوة للاتفاق دون قبولها, واعتبارها جريمة مستقلة يعاقب عليها بالحبس, لا شك أن الدعوى للانضمام للاتفاق تختلف عن التحريض على الاتفاق المعاقب عليه.
فالدعوه للاتفاق الجنائى(المادة 97 ع), تفترض وجود اتفاق قائم وأن الدعوى لاحقه على هذا الاتفاق,أما التحريض على الاتفاق وفقا للمادة (96) يفترض عدم وجود الاتفاق الجنائى لحظة التحريض عليه ( ).
ورغم تشديد المشرع للعقوبة المقررة للاتفاق , إلا أنه فرق فى العقوبة بين ما إذا كان الاتفاق بشأن جريمة من جرائم أمن الدولة الخارجى أو الداخلى .
أولا: بالنسبة لجرائم أمن الدولة الداخلى :
لقد عاقب المشرع فى المادة (97ع) بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة ,كل من حرض على الاتفاق أو كان له شأن فى إدارة حركته, ومع ذلك إذا كان الغرض من الاتفاق ارتكاب جريمة واحدة معينة ,أو اتخاذها وسيلة إلى الغرض المقصود, يحكم بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة, وعاقب بالحبس كل من دعا آخر إلى الانضمام إلى اتفاق من هذا القبيل ولم تقبل دعوتهم( ).
إن الدعوة للاتفاق تعد لدى البعض اتفاقا جنائيا خاصا, نص عليها المشرع فى المادة 97 ع, على عقاب كل من دعا آخر إلى الانضمام إلى اتفاق يكون الغرض منه ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 87 ,89, 90, 90 مكرر91, 92, 93, 94, من هذا القانون يعاقب بالحبس إذا لم تقبل دعوته.
ويستوى لدى القانون أن تقبل دعوه الجانى, ولم يتم الانضمام أو لم تقبل الدعوى للانضمام, فالقانون يعاقب على مجرد الدعوة ولو لم يكن لها أثر ينتج عن ذلك بوصفه جريمة مستقلة ( ).
وتسرى أحكام هذه المادة على جرائم القسم الأول من الباب الثانى من الكتاب الثانى القانون العقوبات, بنص المادة 88 مكرر ب ع المضافة بالقانون 97 لسنة 1992.
وهذه المادة مستمدة من نص المادة 89 ع فرنسى من القانون 529 – 60, والتى تعاقب الدعوة إلى تكوين مؤامرة ولم يستجب لها, والتى الغيت بالقانون 686 – 92 بناء على توصية لجنة تعديل القانون ( ), كما تقابل فى القانون المقارن المواد 216/4 ع عراقى, 78, 85/4 ع جزائرى, 176 ,177, 201/4 ع مغربى من التشريعات العربية( ).
ويشترط لقيام هذه الجريمة شرطين :
الأول : الدعوة :
والدعوة هى كل ما يصد عن الفاعل يعبر عن الحث على الدخول فى اتفاق جنائى, ويجب أن تكون هناك دعوة صريحة, وحقيقية, ومباشرة لاغموض فيها, لا يكف فيها التفكير الإجرامى بل دعوة الغير إلى الاشتراك فى الجريمة, ويستوى أن توجه الدعوة إلى شخص أو أكثر, فى اجتماع أو لقاء خاص, وأن يكون غرضها هو ارتكاب إحدى الجرائم الواردة فى نص المادة 97 ع ( ).
الثانى : عدم قبول الدعوة :
ويعنى ذلك أن الدعوة الموجهة لارتكاب أحدى هذه الجرائم لم تقبل, سواء أكان الرفض صريحا أم ضمنيا بعدم الاستجابة أو اللامبالاه, وذلك يعنى عدم القبول الارادى فلوقبل مكرها لا يعتد بإرادته ( ).
وهناك خلاف فى الفقه حول ما إذا كان نص المادة 97 ع, يعنى الدعوة إلى تكوين أتفاق, أم أن هناك أتفاق قائم بالفعل, فالبعض يرى أن المعنى فى هذا النص هو عدم وجود اتفاق سابق على الدعوة, ويستوى لدى هذا الرأى أن تكون الدعوة موجهة إلى أتفاق قائم, أو الدعوة لتكوين أتفاق ( ).
أما البعض الآخر يرى – بحق – أن نص المادة, يعنى أن هناك اتفاق قائم بالفعل, والدعوة تدعو للانضمام إلى هذا الاتفاق, ويؤيد الباحث ذلك لأن عبارة (كل من دعا آخر إلى الانضمام إلى اتفاق) فى نص المادة تعنى أن هناك اتفاق قائم وذا وجود حقيقى, وهذا ما يراه الفقه الحديث فى أن الدعوة تكون للانضمام إلى مؤامرة قائمة, وان تكون الدعوة من شخص عضو فى هذا الاتفاق ( ).
ثانيا : بالنسبة لجرائم أمن الدولة الخارجى :
لقد عاقب المشرع على الاتفاق فى المادة 82 / ب, بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة لكل من اشترك فى اتفاق جنائى, سواء الغرض منها ارتكاب الجرائم المنصوص عليها فى – المواد 77, 77 أ, 77 جـ, 77 ء, 78, 78 أ, ب, جـ, ء ,هـ, المادة 80, أو اتخاذها وسيلة للوصول إلى الغرض المقصود منه .
كما عاقب المشرع فى المادة 96 ع بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالحبس , كل من اشترك فى اتفاق جنائي, سواء كان الغرض منه ارتكاب الجرائم المنصوص عليها فى المواد 87, 90, 90 مكرر, 91, 92, 93 من هذا القانون ,ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة من حرض على هذا الاتفاق أو كان له شأن فى إدارة حركته( ) .
ويطلق الفقه على هذا الاتفاق, الاتفاق الجنائى الخاص ويقصد به عقد العزم بين شخصين
أو أكثر على ارتكاب جريمة معينة, ويجرمه المشرع ويعاقب عليه حتى لو لم تقع هذه الجريمة المتفق عليها .
وهذا ما جرمه المشرع بنص المادة 82 ع, الخاصة بجرائم أمن الدولة الخارجى, والمادة 96 ع الخاصة بأمن الدولة الداخلى ( ).
ويطلق عليه التشريع المقارن المؤامرة, ولذلك جرمها التشريع الفرنسى فى المواد 87/3, 86ع من تشريع 1960, وتسمى بالمؤامرة البسيطة لارتكاب الجرائم الواردة فى المادة 86, 93 ع, والتشريع الإيطالى فى المادة 302 ع, وتسمى بالتآمر السياسى الذى يكون الغرض منه ارتكاب أحد الجرائم الواردة فى هذه المادة, والتى تقع على شخصية الدولة الخارجية والداخلية, والمادة 305 ع التآمر بواسطة جمعية, والتى يكون غرضها الجرائم السابقة ( ).
أما التشريع الإنجليزى فقد توسع فى تجريم المؤامرة والاتفاق, ويبدو ذلك من عدم أقتصارها على جريمة محددة, بل تمتد لتشمل الاتفاق على ارتكاب الإساءات المدنية ,أو الأعمال الأخلاقية
أو الضارة, وبالتالى يشمل جرائم أمن الدولة الخارجى والداخلى( ).

المبحث الثالث
المساعدة فى جرائم أمن الدولة
تقديم وتقسيم :
أن المساعدة تعد إحدى وسائل الاشتراك فى الجريمة فى جميع التشريعات, وهذا ما أنتهى إليه فى المؤتمر الدولى لقانون العقوبات فى أثينا 1957,حيث يعد شريكا فى الجريمة من يقدم للفاعل مساعدة, سواء أكانت سابقة أو معاصرة للجريمة أو لاحقة عليها إذا كان متفقا عليها قبل التنفيذ, ويكن تجريم المساعدة اللاحقة كجريمة مستقلة ( ).
نصت المادة 40 ع يعد شركا 000( ثالثاً: من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أى شىء آخر مما استعمل فى ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأى طريقة أخرى فى الأعمال المجهزة والمسهلة لارتكابها).
ويتلاحظ إن النص القانونى لم يحدد وسائل مساعدة بعينها على سبيل الحصر, وإنما يتسع ليشمل لكل صور المعاونة على ارتكاب الجريمة,بنصه (أو أى شىء آخر) ( ).
ومن الأعمال المسهلة قيام الخادمة بإعطاء المجنى عليه عقار منوم, حتى لا يشعر بالجناة حين دخولهم المنزل لسرقته, وترك الحارس مكان حراسته وقت ارتكاب الجريمة ( ).
اما المساعدة فى الأعمال المتممة, كمن يرشد الجانى إلى مكان اخفاء المجوهرات والنقود، ومن يشهد على ورقة مزورة مع علمه بتزويرها , اما المساعدة اللاحقة على تمام الجريمة, فليست وسيلة من وسائل الاشتراك، إلا إذا اتفق على ذلك قبل الجريمة, وإلا شكلت جريمة مستقلة بذاتها حسب نص القانون,المادة (44)عقوبات.
ومع ذلك يعد الشخص شريكا, بالرغم من قيامة بنشاطه بعد ارتكاب الجريمة, وفقا للقواعد العامة, ومثال ذلك تدبير وسيلة لهروب أو إخفاء معالم الجريمة بعد ارتكابها بناء على الاتفاق السابق بينهما( ).
وإذا لم يكن هناك اتفاق سابق فلا يعد الشخص شريكاً, وإنما يعد فاعلا أصلياً فى جريمة اخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة, أو اخفاء الفارين من القانون أو أدلة جريمة اخرى , فيعاقب عليها المشرع لأن فى فعل الاشتراك بالمساعدة اللاحقة خطورة قدرها المشرع كجريمة مستقلة (م 44ع), والمواد 144, 145ع.
أما المساعدة اللاحقة فهى المشكلة وليس المساعدة المعاصرة أو المتممة, لان من يمنع الناس من إسعاف المجنى عليه, فهو شريك بالمساعدة عكس المساعدة اللاحقة .
واكد ذلك قضاء النقض الذى ذهب إلى أن فعل الاشتراك لا يكون مجرما ,إلا بوقوع الجريمة من الفاعل, سواء كانت جريمة تامة أو شروع, وأن الاشتراك فى الجريمة لا يتحقق, إذا كان السعى سابقا أو معاصرًا لها ووقعت الجرائم بناء على ذلك, أو كان فعل الاشتراك مجرما فى ذاته وفقا لنص القانون ( ).
ولهذا سيتم تناول المساعدة فى مطلبين :
المطلب الأول : المساعدة جريمة مستقلة .
المطلب الثانى : المساعدة وسيلة اشتراك .

المطلب الاول
المساعدة جريمة مستقلة
لقد عالج المشرع المساعدة فى جرائم أمن الدولة, معالجة تختلف عنها فى القواعد العامة, ويتضح ذلك من تجريم المساعدة فى نطاق أمن الدولة كجريمة مستقلة,ويلجأ المشرع إلى ذلك لأنه لا يستطيع تجريم السلوك للفاعل أو الشريك فى جريمة لم ترتكب بعد, وهو ما فعله المشرع فى المادة 96/2 ع, 98/2 ع بتجريم التشجيع, سواء بالمساعدة المالية أو المادية, والتشريع المقارن بالمادة 99ع فرنسى, والمعدلة بالمادة 100/2ع, والمادة 307 ع إيطالى, 208 ع مغربى ( ) .
تجريم المساعدة أو التشجيع دون قصد الاشتراك :
عاقب المشرع بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن على التشجيع على ارتكاب جرائم أمن الدولة من جهة الداخل, ولو لم تتوافر لدى المشجع نيه الاشتراك .
فقد نص المشرع فى المادة 96 /2, عقوبات على أن يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن كل من يشجع على ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 87, 89, 90, 90 مكرر, 91, 92, 93, 94 من هذا القانون بمعاونة مادية أو مالية دون أن يكون لديه نية الاشتراك مباشرة فى ارتكاب تلك الجرائم( ).
كما نص فى المادة 98/2د ,على أن يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه, كل من شجع بطريقة المساعدة المادية أو المالية, على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 98 أ,98 أ مكرر التى أضيفت بالقانون 34 لسنة1970,, ب, جـ,174 من هذا القانون, ويعاقب بالعقوبات ذاتها كل من شجع بطريق المساعدة المالية أو المادية على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد المشار إليها فى الفقرة السابقة دون أن يكون قاصدا الاشتراك فى ارتكابها( ).
وجرائم المادة 98 أ,أ مكرر, ب, جـ, هى الخاصة بتكوين الجمعيات والمنظمات, التى تهدف إلى تغيير نظم الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, والترويج لذلك, متى كان استعمال القوة والإرهاب أو أية وسيلة غير مشروعة, ويتضح من ذلك أن المشرع جعل من أفعال التشجيع على ارتكاب جريمة من جرائم أمن الدولة, المقترنة بالمعاونة المادية أو المالية جريمة مستقلة بذاتها ولو لم يتوفر لدى المشترك قصد الاشتراك( ).
هذا بخلاف المساعدة بأنواعها الثلاثة الواردة فى المادة 82 عقوبات, والسابق الإشارة إليها ( )
المساعدة فى التشريع الإنجليزى:
لقد جرم التشريع الإنجليزى صور هذا التمويل وفقا لما جاءت به المادة 9 من القانون 9 لسنة 1989 من تجريم التحريض وقبول الهدية، لذلك جرم الأفعال الآتية ( ):
الحث أو الدعوة إلى شخص آخر لكى يعطى أو يقرض أو يجعل بطريقة أو بأخرى أموال متاحة لمنظمة ما و تحت تصرفه, إذا تسلم أو قبل من شخص آخر نقودا أو أشياء كأن ينوى استخدامها فى منظمة إرهابية, إذا أيّد أو عزّز أو اتصل بعمل إرهابى أو كان لديه شك فى استخدامها فى هذا الغرض ( ).
وتقابل المواد 97, 98 ع مصرى, وجميعها تجرم الدعوة والحث والدفع, وهى مجرمة لذاتها سواء فى التشريع المصرى أو الإنجليزى .
ويبدو ذلك من نص المادة 10, من تجريم المساعدات المقدمة للمنظمة سواء فى قانون 9 سنة 89 أو فى القانون الصادر فى 1991 الخاص بأيرلندا الشمالية ( ), وما جاءت به المادة 11 بمنع المساعدات المقدمة للمنظمات غير المشروعة وللإرهابيين الأجانب أو من أيرلندا الشمالية ( ).
وهذه الأفعال تعد من قبيل الاشتراك بالمساعدة فى التشريع إلانجليزى ,جرمها لذاتها لا بكونها من وسائل الاشتراك, وهذا ما فعله التشريع المصرى فى المواد 86, 86 مكررأ,94 ع.
موقف المشرع الإنجليزى من المساعدة اللاحقة:
يقر المشرع الإنجليزى الاشتراك فى الجريمة بعد وقوعها, بشرط ان يكون عالما بارتكاب الجريمة, كمن يقدم مأوى أو ينقذ أو يساعد مرتكبها, وكذلك يجرم المشرع الإنجليزى اخفاء الاشياء المسروقه أو المتحصلة من جريمة, وهى جريمة قائمة بذاتها (قانون السرقات 1916)( ).
المساعدة فى التشريع الفرنسى:
إن المساعدة وسيلة من وسائل الاشتراك فى جميع التشريعات, ومنها التشريع الفرنسى, الذى جعل المساعدة سلوكا فاعلاً ويعاقب بوصفه كذلك, أذا مد أو زود أو جلب الاسلحة والذخائر,
أو المؤن والآلات والمهمات أو قدم المساعدة المالية أو المادية ,فى المواد(89, 95, 99) ع فى التشريع الصادر فى 1960 ,(412-4, 412 – 5) ع فى تشريع 1992 .
والسبب فى تجريم هذه الأفعال خطورتها على المصلحة المحمية, لما فيها من تدعيم لهذا النشاط الإجرامى, ولذلك سوى بينها وبين من يقوم بتنظيم وإدارة الجمعيات السرية فى العقوبة التى شددها نظرا لهذه الخطورة ( ).
أما المساعدة كسلوك تبعى فتناولتها المادة 100 ع فرنسى, وتقابل المادة 82ع مصرى, والتى حددت صور هذه المساعدة فى توفير المأوى والتسهيلات, وتقديم المعلومات, وإخفاء أدوات الجريمة, وإتلاف وإخفاء الأدلة المتعلقة بالجريمة.
والمشرع تطلب توافر العلم فى هذه الصور, وأفترض هذا العلم فى الاتلاف والإخفاء لأدلة الجريمة, والقصد المتطلب فى صور المساعدة هو القصد العام, ويعد هذا توسعا من المشرع فى مفهوم الاشتراك بالمساعدة ( ), ومن تطبيقاتها الاشتراك فى جريمة إخفاء قطاع الطرق المنصوص عليها فى المادة 66 ع.
المطلب الثانى
المساعدة وسيلة اشتراك
لقد وسع المشرع من أفعال الاشتراك فى جرائم أمن الدولة, توفيراً للحماية الجنائية لأمن الدولة ,على خلاف القواعد العامة فى المساهمة التبعية المنصوص عليها فى المادة 40 عقوبات,ولذلك نصت المادة 82 عقوبات على أن, يعاقب باعتياره شريكاً فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الأول من الكتاب الثانى:
1- كل من كان عالماً بنيات الجانى وقدم إعانة أو وسيلة للتفتيش أو السكن, وكذلك كل من حمل رسائله, وسهل البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه .
2- كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للأستعمال فى ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك.
3- كل من أتلف أو أختلس أو اخفى أو غير عمداً مستنداً من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها وعقاب مرتكبيها.
والمشرع المصرى بهذا النص قد أوجد صورًا للمساهمة فى الجرائم, فى أطار خطته لمواجهة جرائم أمن الدولة, شانه فى ذلك شأن التشريع المقارن, حيث أعطى للمساعدة حكم الاشتراك فى الجريمة,فى خالة عدم توافر صفة الفاعل أوالشريك وفقا للقواعد العامة فى المساهمة .
كما أن المشرع المصرى والمقارن قد وضع فى أعتباره ما سيكون من هذه المساعدة سواء أكانت سابقة أو معاصرة أو لاحقةعلى الجريمة, وإن كانت المساعدة اللاحقة تعد جريمة مستقلة فى بعض الاحيان, كما فى المواد (44, 144, 145ع) مصرى (100) ع فرنسى, ولكن المشرع المصرى جعلها من قبيل صور الاشتراك بالمساعدة ( ).
بالنظر إلى نص المادة 82 عقوبات فإن المشرع قد خرج عن القواعد العامة فى الاشتراك على النحو التالى ( ):-
الصورة الأولى :
أن المشرع قد اعتبر شريكا بالمساعدة كل من كان عالماً بنية الجانى ,أو قدم إليه اعانة أو وسيلة للتعيش أو السكن, بالرغم من أن هذه الوسائل تعد من قبيل المساعدات والتسهيلات, التى قد لا ترتبط بوقوع الجريمة برابطة مادية, كما أن الركن المعنوى قائم على العلم فقط دون الإرادة .
ويتضح من هذه الحالة أن المشرع المصرى والمقارن قد أعطى المساعدة حكم الاشتراك فى الجريمة ,إذا لم تتوافر فى الجانى صفة الفاعل أو الشريك وفقا للقواعد العامة, أخذًا فى اعتباره ما إذا كانت سابقة أو معاصرة أو لاحقة على الجريمة( ).
فالمشرع خرج عن القواعد العامة فى الاشتراك الواردة بالمادة 40 عقوبات, ولم يتطلب الرابطة المادية بين فعل الشريك وفعل الفاعل الأصلى من ناحية, ومن ناحية أخرى لم يتطلب توافر العلم والإرادة, بل اكتفى بالعلم فقط بالنسبة للركن المعنوى( ).
ويرى البعض أن الوسائل الواردة فى المادة 82 عقوبات, لا يقوم بها الاشتراك كسلوك تبعى, إلا إذا كانت سابقة أو معاصرة لوقوع الجريمة من الفاعل الأصلى ( ), وأن طبيعة الاتفاق والتحريض تقتضى ذلك, ولا يتصور وقوعهما بعد ارتكاب الجريمة( ) .
ويؤيد الباحث هذا الرأى ,فى أن طبيعة الاتفاق والتحريض لا يتصور وقوعهما بعد وقوع الجريمة, مع التحفظ على أن وسائل الاشتراك المحددة بنص المادة 82 عقوبات ,لا تقوم إلا إذا كانت سابقة أو معاصرة على وقوع الجريمة.
فذلك يتصور بالنسبة للأتفاق والتحريض , ولكن لا يتصور بالنسبة للمساعدة اللاحقة للجريمة, فهو وأن كان ينطبق على المساعدة السابقة والمعاصرة ,إلا أنه لا ينطبق على المساعدة اللاحقة وهذا ما يحسب للمادة 82 عقوبات ( ).
الحالة الثانية :
اعتبر المشرع الشريك كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال فى ارتكاب الجريمة, أو تحصلت منها وهو عالماً بذلك, ويبدوأن المشرع قد خرج عن القواعد العامة فيما يتعلق بالركن المعنوى واكتفى بالعلم فى هذه الحالة .
ويرى البعض أن المشرع لم يكن بحاجة إلى النص,لأنه جرم أخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة بصفتها جريمة مستقلة بالمادة44عقوبات, والتى تنص على أن (كل من أخفى أشياء مسروقة أو متحصلة من جناية أو جنحة مع علمه بذلك يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين, فإذا كان الجانى يعلم أن الأشياء التى يخفيها متحصلة من جريمة عقوبتها أشد, حكم عليه بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة) ( ).
ويرى الباحث أنه قد يبدو أن نص المادة 82 عقوبات غيرذى قيمة, ولكن تبدو قيمته فى أنه اعتبرهذه الأفعال من قبيل المساعدة اللاحقة المعاقب عليها.
وكذلك حالة الإخفاء السابق على ارتكاب الجريمة, لأشياء اعدت للاستعمال فى ارتكابها ولم تستعمل فعلاً فى الجريمة,لا يمكن العقاب عليها لانتفاء رابطة السببية بينها وبين الجريمة التى لم تقع, فلولا وجود هذا النص لما أمكن العقاب, وفقا لقاعدة لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص.
وذلك توسعاً فى قواعد المساهمة التبعية وأحكامها فيما يتعلق بجرائم أمن الدولة , وتوسيعا للحماية الجنائية لمصالح الدولة الأساسية, وهذا ما يحسب للقانون 97 لسنة1992, وقد أمد المشرع نطاقها إلى القسم الأول من الباب الثانى, دون القسم الثانى وهذا ما يؤخذ عليه, وكان أحرى به أن يسوى بينهما تأكيدًا للحماية الجنائية فى هذه الجرائم ( ).
الحالة الثالثة :
يكون الفرض فيها إتلاف أو اختلاس أو اخفاء مستند من شأنه تسهيل كشف الجريمة أو أدلتها
أو عقاب مرتكبيها.
وهذا الفعل لا يخضع لقواعد الاشتراك العادية,لأنه قد يؤدى إلى إفلات المجرم من العقاب, وطمس أدلة الجريمة التى وقعت فعلا,ً ولا تتوافر رابطة السببية بين هذه الأفعال وبين الجريمة المرتكبة, ولذلك فإن المشرع اعتبرهذه الأفعال جرائم مستقلة بذاتها ,بأن جعلها من قبيل المساعدة اللاحقة التى تأخذ حكم الاشتراك ( ).
يرى الباحث أن المشرع كان بحاجة لمثل هذا النص وحسنا فعل,لذا أبقى عليه فى التعديل بالإضافة فى القانون 97 لسنة 1998 وذلك للآتى :-
أولاً: وفقا لقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) ما كان يمكن التوسع فى أفعال الاشتراك, ولا ما أمكن العقاب عليها وفقا للقواعد العامة المذكورة فى المادة 40 عقوبات، إلا بالنص الجديد بالمادة 82 عقوبات( ) .
فالقواعد العامة تقتضى ضروره وجود رابطة سببية, بين فعل الشريك ووقوع الجريمة من الفاعل الأصلي, ولو لم تقع بناءً على هذه السببية, ما كان يمكن عقاب الشريك وفقا للقواعد العامة, إلا إذا كان فعل الشريك معاقبا عليه فى ذاته كمن احرز سلاحا نارياً أو سلاحا أبيض بدون ترخيص ( ).
ولذلك جاء المشرع بنص المادة 82 عقوبات, لكى يعاقب الشريك حتى ولو لم تقع الجريمة الأصلية, فى نطاق جرائم أمن الدولة, ويوسع من أفعال الاشتراك للحماية اللازمة للمصالح الأساسية للدولة .
ثانيا: أكتفى المشرع فى القصد الجنائى لمسئولية الشريك بالقصد الجنائى العام, فى صورة القصد المباشر, وهذا ما يتضح من نص المادة 82ع من وجوب العلم بنيات الجانى, وخاصة فى الحالتين الأولى والثانية, أما فى الفقرة الثالثة يفترض العلم وإنتفاء قصد التداخل فى الجريمة( ).
خرج المشرع على القواعد العامة فى نطاق جرائم أمن الدولة ,واكتفى بالعلم فقط كما بنص المادة 82 عقوبات , بذكرعبارة (كل من كان عالما بينات الجانى),(كل من أخفى أشياء استعملت
أو أعدت للاستعمال فى ارتكاب الجريمة أو تحصلت فيها وهو عالم بذلك)( ).
بتطبيق نص المادة 40 عقوبات على مثل هذه الأفعال, لما اعتبرت من قبيل أعمال الاشتراك ولما اعتبرت مجرمه, ولكن يعد مرتكبها شريكاً بنص المادة 82 عقوبات فى نطاق جرائم أمن الدولة فقط.
ثالثا:- بالنظر إلى النماذج التى أوردها المشرع فى نص المادة 82 عقوبات, نجد أنه لو لا وجود هذا النص, ما كان يمكن معاقبة مرتكب هذه الأفعال .
فى النموذج الأول لا يشترط وجود رابطة سببية مادية, بين الجريمة فعل الاشتراك ,لأنه لو وجدت هذه الرابطة لتم معاقبة الشريك وفقا للقواعد العامة فى المادة 40 عقوبات هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى أقام المشرع الركن المعنوى على العلم فقط( ).
فى النموذج الثانى أنواع ثلاثة للمساعدة, المساعدة اللاحقة التى توجد صعوبة فى اعتبار فاعلها شريكا,ً إلا بنص المادة 82 عقوبات, فلولاه ما أمكن معاقبته بنص المادة 44 عقوبات, الخاصة بإخفاء أشياء مسروقة أو متحصله من جناية أو جنحة مع علمه بذلك ( ).
وفى نطاق جرائم أمن الدولة فإن المساعدة اللاحقة تعد اشتراك فى الجريمة, وفقا لنص المادة 82 ع, وليست جريمة مستقلة, وإذا نشأ تعدد ظاهرى بين هذه النصوص وبين الجرائم المستقلة, يطبق بشأنها قاعدة الخاص يقيد العام( ).
أما المساعدة المتمثلة فى الإخفاء السابق أو اللاحق لأشياء استعملت أو أعدت للاستعمال فى ارتكاب الجريمة, فقد تكون هناك علاقة سببية بينهما وبين ارتكاب الجريمة, وقد لا توافر هذه العلاقة, ويتم معاقبة مرتكب هذه المساعدة بنص المادة 82 عقوبات باعتباره شريكا.
فى النموذج الثالث تبدو قيمته, فى شمول أفعال الاختلاس والإتلاف والتغيير للمستندات , والتى تسهل فى كشف الجريمة وهى أفعال لاحقه على ارتكاب الجريمة.
وهذه الأفعال تأخذ حكم الاشتراك, ويعاقب عليها, بدلا من العقاب عليها فى نطاق جرائم الاختلاس أو التزوير, التى كان من الممكن عدم دخول هذه الأفعال فى نطاق تجريمها , وهى المواد من 206 إلى 226 عقوبات, وفقا لقاعدة الخاص يقيد العام ( ).
رابعاً: سبب وجود النص 82 عقوبات,النص قصد به تحقيق أمرين :-
الأمر الأول : هو توسيع نطاق الاشتراك فى جرائم أمن الدولة, حيث لا يمكن ذلك وفقاً للقواعد العامة فى الاشتراك (م 40 ع) عقوبات , وتطبيقا لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من ناحية أخرى .
أما الأمر الثانى: فهو تسهيل كشف هذه الجرائم وأدلتها والوصول إلى الجناة, والدليل على ذلك هو أن هذه المادة (82 ع) حصرت هذه النماذج الوارده بنصها.
والمشرع كان أكثر حرصاً على تحقيق أقصى درجات الحماية الجنائية بهذا النص, حتى لا يفلت أحد من العقاب فى هذه الجرائم, ويقصد المشرع تصعيب مهمة من يريد ارتكاب الجريمة وسد سبل المساعدة بكافة صورها .
خامسا: إن هذه المادة تشبه جرائم الإخفاء , والمتعلقة بالإرهاب فى التشريع الفرنسى والتى استحدثها التشريع الصادر فى 22 يوليو 1996 ، و لكن تختلف عنها فى أن المشرع الفرنسى جعل هذه الأعمال – اخفاء أشياء متحصلة من جريمة إرهابية أو شخص متهم فى إحدى هذه الجرائم – جريمة تامة.
أما المشرع المصرى فقد اعتبر هذه الأفعال الواردة فى المادة 82 عقوبات, من قبيل الاشتراك إذا توافرت عناصره الأخرى ، وإذا لم تنطبق القواعد العامة للاشتراك(مادة 40 عقوبات)( ).
هذا وإن كان البعض يرى – بحق – أن المساعدة السابقة والمعاصرة من وسائل الاشتراك وفقا للقواعد العامة ولنص المادة 82 عقوبات.
أما المساعدة اللاحقة ليست كذلك , بل هى جريمة تامة ، ويعتبرها المشرع المصرى جرائم مستقله فى المادة (144 ,145 ,239, 44) ( ).
أما المشرع الفرنسى يعتبرها جرائم مستقله وليست من قبيل الاشتراك وذلك فى المواد (452, 424, 434 /6 ,434 /7 ,وهى جريم

المبحث الثانى
الركن المعنوى للاشتراك فى جرائم أمن الدولة
الأصل أن الركن المعنوى يقوم على القصد الجنائى المباشر, ولقد اتضح ذلك من النموذج القانونى فى جرائم أمن الدولة فى التشريع المصرى والمقارن, وهذا القصد يعنى لدى الفقه الجنائى إرادة ارتكاب الجريمة وتحقيق النتيجة الإجرامية المتمثلة فى الاعتداء على الحق محل الحماية الجنائية ( ),وهذا القصد يستند إلى العلم والادراك بأن السلوك يشكل جريمة ( ),ولكن يبدو أن الركن المعنوى لأفعال الاشتراك يختلف عن الركن المعنوى فى المساهمة الأصلية, ولذلك سيتم تناول هذا المبحث فى مطلبين :
المطلب الأول : فى التشريع المصرى.
المطلب الثانى: فى التشريع الإنجليزى المقارن.

المطلب الأول
فى التشريع المصرى
نعلم أن الركن المعنوى يتمثل فى القصد الجنائى أو الخطأ غير العمدى حتى يسأل الشخص عن الجريمة, وبدون توافر هذا الركن إلى جانب الركن المادى والشرعى لا يمكن أن يسأل الشخص عن هذه الجريمة( ) .
أن القصد الجنائى يقوم على عنصرين مهمين هما العلم والإرادة فى القواعد العامه ,أما فى جرائم أمن الدولة فالامر مختلف فالركن المعنوى للاشتراك يقوم على العلم فقط دون الإرادة كما يرى أستاذنا,وهذا لايمنع من تطبيق القواعد العامه أذا توافرت شروطها( ).
وذلك يتضح من نص المادة 82 ع ,إقامة مسئولية الشريك عن الجرائم المنصوص عليها فى الباب الأول والثانى ,على مجرد العلم فقط خروجا على القواعد العامة,التى تقيم المسئولية بقيام القصد الجنائى على العلم والإرادة .
أن ما جاء فى المادة 82 ع يؤكد ذلك, حيث تنص على أن يعاقب باعتباره شريكا فى الجريمة المنصوص عليها فى هذا الباب :
1- كل من كان عالما بنية الجانى وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكنى أو مأوى أو مكانا للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات, وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه .
2- كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال فى ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالما بذلك .
3- كل من اتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمداً مستندًا من شأنه تسهيل كشف الجريمة
أو أدلتها أو عقاب مرتكبيها .
فى النموذج الأول :
يرى الباحث أن النموذج الأول يكتفى بالعلم فقط لقيام الركن المعنوى, ومسئولية الجانى عن سلوكه, دون استلزام توافر الإرادة واتجاهها إلى تحقيق الجريمة عن طريق سلوك الفاعل الأصلى, و يعد ذلك خروجا على القواعد العامة فى قانون العقوبات بصدد المسئولية الجنائية من ناحية, وخروجا على قواعد الاشتراك الجنائى من ناحية أخرى( ).
ولكن الباحث وإن كان يؤيد أستاذه فيما سبق بالنسبة للشريك وفعل الاشتراك, يجب أن يعلم بما ينوى ارتكابه أو ما ارتكبه من أفعال يعد بها شريكًا, ولكن بالنسبة لسلوكه هو الذى يعد به فاعلا أصليا فى الجرائم الواردة فى نص المادة 82 ع, يجب أن يقوم الركن المعنوى على العلم بحقيقة هذا السلوك, وأن تتجه إرادته إلى تحقيق هذا السلوك المتمثل فى تقديم العون بوسيلة التعيش أوالسكنى أو مكان للاجتماع أو التسهيلات الأخرى ( ).
أما ما جاء بنص المادة 82 ع من تطلب العلم فيرى الباحث أنه ينصرف إلى العلم بما ارتكبه الفاعل أو ينوى ارتكابه, والعلم يكون لسلوكه وسلوك المساهمين الآخرين, وأن هذا السلوك يعد اعتداءً على المصلحة المحمية, وتوقع حدوث النتيجة المترتبة على هذا السلوك ( ).
فى النموذج الثانى :
أما أفعال النموذج الثانى, وتتمثل فى المساعدة اللاحقة والسابقة للإخفاء لأشياء استعملت
أو أعدت للاستعمال فى الجريمة, ويعد مرتكبها شريكا فى هذه الجريمة.
تلك أفعال لا تتعارض مع نص المادة (44 عقوبات) التى تعاقب (كل من أخفى أشياء مسروقة أو متحصله من جناية أو جنحة مع علمه بذلك بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وإذا كان الجانى يعلم أن الأشياء التى يخفيها متحصلة من جريمة عقوبتها أشد حكم عليه بالعقوبة المقررة للجريمة.
-و سواء فى النموذج – محل النظر أو فى المادة 44 ع – فإن المسئولية الجنائية تقوم على عنصر العلم فقط دون استلزام توافر الإرادة, فمن يخفى أشياء معدة للاستعمال فى ارتكاب جريمة تخابر, وكان هناك اتفاق جنائى بين الجناة, فالشخص القائم بالإخفاء يعد شريكا فى جريمة الاتفاق, ولو لم تتجه إرادته إلى ذلك استنادًا للمادة 82 / 2 ع( ).
ولكن الباحث يرى أن العلم فى نص المادة ينصب على نوع الجريمة التى قام بها الفاعل الأصلى, ووصفها وليس مكانها وزمانها .
أما الركن المعنوى المتطلب فى فعل الاشتراك لكى يعد جريمة قائمة بذاتها فهو ما يقوم على العلم بأن ما فى حوزته أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال فى الجريمة, وأن تتجه الإرادة إلى حيازة هذه الاشياء وإلى إخفائها ( ).
فى النموذج الثالث:
أما عن الركن المعنوى فى النموذج الثالث, فالنماذج الواردة وهى الاتلاف أوالاختلاس
أو الاخفاء أو التغييروفقا لنص المادة 82/3 ع, فيقوم القصد الجنائى فيها وهو القصد العام على العلم والإرادة, بأن يعلم الفاعل أن المستند موضوع الإتلاف أو التغيير أو الاختلاس أو الإخفاء قد يفيد فى كشف الحقيقة فى الجريم وأدلتها ومرتكبيها, وأن تتجه الإرادة إلى فعل الإتلاف أوالاختلاس أوالإخفاء أو التغيير( ).
– أن النماذج المنصوص عليها فى المادة (82) ع, لا يمكن تطبيقها إلا حيث لا يمكن تطبيقا لقواعد العامة بالمادة 40 عقوبات, بمعنى أن قواعد الاشتراك الواردة فى القواعد العامة هى الأصل فى التطبق, أما إذا لم يمكن تطبيقها فإنه يتم تطبيق القواعد الواردة فى المادة (82) ع.
الأصل أن لا يسأل الفاعل عن هذه الأفعال وفقا للقواعد العامة, أولاً لانعدام رابطة السببية بين سلوكه الجريمة الأصلية من الفاعل, وثانيا لقيام القصد الجنائى لديه على العلم فقط, وحتى يسأل يجب أن تقع الجريمة ولو فى صورة شروع, وأن تقوم رابطة السببية, وأن يعلم بحقيقة سلوكه واتجاه إرادته إلى تحقيق الجريمة, ويؤكد ذلك اكتفاء المشرع بالعلم بنية الجانى خروجًا على القواعد العامة, ولم يتطلب أنعقاد ارادتى الشريك والفاعل على ارتكاب الجريمة ( )
أما عن الركن المعنوى فى التحريض فى جرائم أمن الدولة, فيقوم على القصد الجنائى العام القائم على العلم والإرادة, العلم بما يصدر عنه من أقوال أو أفعال تثير وتدفع إلى ارتكاب الجريمة, وأتجاه الإرادة إلى ذلك.
أما فى الاتفاق سواء كان جريمة أصلية أو أشتراك, فيتطلب القصد الجنائى العام, العلم بأن موضوع الاتفاق هو أحد جرائم أمن الدولة, الواردة فى البابين الأول والثانى, وأن تتجه الإرادة إلى تحقيق ذلك الاتفاق, حتى لو لم تتجه إلى ارتكاب الجريمة الأصلية.
أما فى المساعدة سواء كانت وسيلة اشتراك أم جريمة أصلية, فتطلب أيضا القصد الجنائى العام, القائم على العلم والإرادة, العلم بحقيقة سلوكه والجريمة التى ينصب عليها فعل المساعدة, واتجاه إرادته إلى تحقيق هذا السلوك, ولم يتطلب المشرع أن تتجه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة الأصلية مع الفاعل الأصلى ( ).

المطلب الثانى
الركن المعنوى للاشتراك فى التشريع الإنجليزى
إن القصد الجنائى فى التشريع الإنجليزى بصفة عامة لايختلف عن التشريعات الأخرى ، فهو يقوم على عنصرى العلم والإرادة حتى يسال الشخص عن جريمته.
ولكن المشرع الإنجليزى يكتفى بالعلم فقط لقيام المسؤليه الجنائيه فى نطاق أمن الدولة بصفة عامة وجرائم الإرهاب بصفة خاصة.
ومن امثلة ذلك القاء خطاب فى اجتماع من ثلاثة أشخاص فأكثر يعد كافيا لقيام المسئولية ، متى كان الشخص عالمًا أن الغرض من الاجتماع هو تأييد منظمة محرمة أو انشطتها ( ).
كما أنه لم يتطلب العلم بالنتيجة الاجرامية ,بل اكتفى بالعلم بالسلوك المجرم فقط لخطورة هذا الفعل على المصلحة المحمية فى جرائم أمن الدولة.
كذلك فى جرائم التمويل الإرهابى يكتفى بالعلم فقط ، فالدعوه أو الحث على تقديم أو اقراض
أو توفير أى وسيلة من الأموال أو الممتلكات لكى تستخدم فى هذه الجرائم أو دعمها مع علمه بذلك يعاقب.
وهذا ما استخلصه الباحث من تشريعات مكافحة الإرهاب الصادرة فى 1989 والتشريع الأخير الصادر فى مارس 2000 ، وذلك فى المواد من 9 – 11 فى التشريع الأول ، وفيها اكتفى بمجرد وجود سبب كاف للشك فى الغرض من تمويل المنظمات غير المشروعة ( ).
ويرى الباحث ان المشرع الإنجليزى شان التشريعات الاخرى ، قد خرج على القواعد العامة فى المسئولية الجنائية لخطورة هذه الجرائم على المصالح المحمية فى جرائم أمن الدولة.
كما أنه من ناحية أخرى يأخذ بالقصد الاحتمالى لتجريمة كل فعل يضر بمصالح الدولة الأساسية أو يهددها بالضرر ، لخطورة هذا الفعل فى ذاته وأن إتيانه سواء تحقق الغرض منه أو لم يتحقق, يعبر عن هذه الخطورة, وأنه يقصد هذا الفعل مع علمه بحقيقته الخطرة

www.ahewar.org


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحكم الجنائـي عدد 788 س 13

         الحكم الجنائـي عدد 788 س 13 الصادر في 4 يونيو 1970 ...