المصلحة فى الطعن بالنقض


                               المصلحة فى الطعن بالنقض

المقدمة

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وعلي اله وصحبة أجمعين.
وبعد……..

الطعن بالنقض طريق غير عادي للطعن في الأحكام النهائية ، ولا تعتبر محكمة النقض محكمة نظر موضوع الخصومات ، وإنما هي محكمة مراقبة تطبيق القانون ، وصحة تفسيره وتأويله وصحة الإجراءات التي تتخذ في الدعوي وفي صدور الحكم فيها ، وليس لها أن تتدخل في نظر الموضوع إلا علي وجه الاستثناء .

ويكون لكل من الخصوم في الدعوي الجنائية الصادر فيها الحكم النهائي أن يطعن بالنقض في هذا الحكم طالما قد ثبت له صفة الخصم في الدعوي .

والقانون حدد من له الحق في الطعن بالنقض وهم، النيابة العامة و المتهم والمدعي المدني والمسئول عن الحقوق المدنية .

وللطاعن مصلحة شخصية وحقيقية في إلغاء أو تعديل الحكم المطعون فيه ، إذا لايجوز له الطعن الااذا كانت له مصلحة شخصية وحقيقية في الطعن في الحكم المطعون فيه ، ويجب أن تقوم المصلحة وقت ثبوت الحق أي وقت صدور الحكم المطعون فيه.

وتنقسم هذه الورقة على مبحثين، الأول يتعلق بالمصلحة في الطعن ويتضمن ثلاثة مطالب، والثاني يتعلق بصور ونطاق توافر المصلحة في الطعن بالنقض ويتضمن ثلاثة مطالب. والله الموفق

المبحث الأول

المصلحة في الطعن بالنقض
نعالج هذا المبحث على ثلاثة مطالب ، الذي يتعلق الأول صفة الطاعن ، والثاني مبدأ المصلحة في الطعن ، والثالث شروط مصلحة الطعن بالنقض ، والتي سنبينها في الاتى .

المطلب الأول

صفة الطاعن

تنص المادة 381 إجراءات علي انه”لكل من النيابة العامة والمحكوم عليه وكذا المسؤول عن الحقوق المدنية المدعي بها فيما يختص بحقوقهما فقط الطعن أمام المحكمة النقض فالإحكام النهائية ….الخ ”
يتقيد الطعن بصفة الطاعن ، إذ لا يحق للنيابة العامة الطعن بالنقض إلا في الإحكام الصادرة في الدعوي الجنائية وحدها ، فلا يجوز لها الطعن بالنقض في الحكم الصادر في الدعوي المدنية ، إلا إذا كانت هي التي أقامتها للمطالبة بلحكم بالمصاريف المستحقة علي المسؤول عن الحقوق المدنية .
ويقبل من المتهم “المحكوم عليه ” الطعن بالنقض في الإحكام الصادرة في الدعويين الجنائية والمدنية، ويجوزان يقصر طعنه علي احدي الدعويين ، أو يجعل الطعن منصبا عليهما معا ، وإذا تعدد المتهمون فيجب أن يطعن كل منهم علي حدة ، حتي يتفادى قاعدة الأثر النسبي للطعن .
وحق المدعي المدني في الطعن بالنقض قائم بالنسبة لما قضي به الحكم النهائي في الدعوي المدنية ، ولا صفة له في الطعن في الحكم بأوجه متعلقة بالدعوي الجنائية إذا لم تمس ذلك ما يطالب به في الدعوي المدنية ،ويجوز لورثته آن يطعنوا بالنقض في الحكم الصادر في الدعوي المدنية إذا توافرت شروط الطعن ، إذ أنهم يتلقون هذا الحق بوفاته .
للمسؤول عن الحقوق المدنية حق الطعن بالنقض في الدعوي المدنية حتي ولو لم يطعن المتهم ، ولما كانت صفة الخصم لا تثبت له الااذا ادخل في الدعوي المدنية المرفوعة تبعا للدعوي الجنائية وفقا للإجراءات التي رسمها القانون ، فلا يجوز للمسؤول المدني أن يطعن في الحكم الصادر في الدعوي الجنائية حتي ولو كان قد ادخل من قبل النيابة العامة للحكم في مواجهته بالمصاريف ،أو كان قد تدخل منضما إلي المتهم .
وإذا كان العيب الذي يرمي به الطاعن الحكم المطعون فيه المتصل بالدعوي الجنائية ينطوي علي مساس بحقوقه المدنية لتعلقه بصحة إجراءات الدعوي الجنائية فانه يكون له صفة في الطعن ، ولورثته حق الطعن بالنقض إذ ينتقل إليهم هذا الحق بوفاته .

المطلب الثاني

مبدأ المصلحة في الطعن بالنقض

المصلحة هي مناط الحق في الدعوي ، والحق في الطعن سواء بسواء ، إذ لا دعوي بغير مصلحة ، وتتميز المصلحة في الطعن عن المصلحة في الالتجاء إلي القضاء ، بأنها تتجدد بالنظر إلي الحكم المطعون فيه ،لا بالنظر إلي ادعاء الحصر الموضوعي إمام القضاء ، إذ يجب أن يكون للطاعن مصلحة في نقض الحكم المطعون فيه،مثلا المدعي المدني الذي رفض قبول دعواه لعدم إصابته بضرر ، لديه مصلحة في الطعن بنقض هذا الحكم ،وعلة ذلك إن المصلحة في الطعن بالنقض إنما تتجدد علي ضوء القاعدة التي قد تعود علي الطاعن من وراء النقض الحكم بسبب البطلان أو الخطأ في القانون .

وتتجه المصلحة إلي العيب الذي ينعاه الطاعن علي الحكم المطعون فيه ،وهو مايفترض أن يكون للطاعن شان بالعيب الذي ينعي به علي الحكم المطعون فيه.وإذا توافرت المصلحة في الطعن ببطلان الحكم،وبعد ذلك تبين أن الإجراء الباطل أصبح صحيحا ،بسبب تحقق الغاية من الشكل الجوهري المعيب ،وهذا لايحول دون توافر شرط المصلحة في الطعن ،ويكون تصحيح البطلان سببا لرفض الطعن ،وإذا دفع المتهم ببطلان القبض رغم إن الحكم قد دانه عن تخليه اختيارا عن المخدر قبل القبض عليه ،في هذه الحالة تعتبر لا توجد مصلحة في ذلك .

لهذا يتبين أن المصلحة التي لابد من توافرها لقبول الطعن يلزم أن تكون شخصية وحقيقية ،ويجب أن تقوم المصلحة وقد ثبوت الحق في الطعن ،وتستمر حتي وقت نظر الطعن والحكم فيه،وتكون المصلحة للطاعن في الاعتراض علي الخطأ في تطبيق القانون ،لان المصلحة هى أساس كل دعوي،ولكن هذه القاعدة لاتسري علي إطلاقها علي النيابة العمومية فهي ممثلة للمصلحة العامة في الاقتصاص من المجرم ولذلك لها أن تطعن بالنقض لمصلحة المتهم ذاته

من ذلك يتبين لنا شروط المصلحة في الطعن والتي سنبنيها تفصيلا في المطلب الثالث من هذا البحث.

المطلب الثالث

شروط المصلحة في الطعن بالنقض

يكفي للطعن بالنقض أن يكون الطاعن خصما في الدعوي التي صدر فيها الحكم النهائي المطعون فيه ،بل يجب أن يكون له مصلحة شخصية وحقيقية وان تكون المصلحة وقت ثبوت الحق في الطعن وهو وقت صدور الحكم فيه ،وهذا ما سنبينه تفصيلا في الأتي :ـ

أولا:ـ المصلحة الشخصية:ـ

الطعن بالنقض حق شخصي للمحكوم عليه وحده ،يستعمله أو يدعه بحسب ما يتراءى له من المصلحة ،فليس لأحد أن يتحدث عنه في هذا الحق إلا بأذنه ، ولهذا يجب أن يكون التقرير به منه أو ممن يوكله لهذا الغرض توكيلا خاصا ، أو بمقتضي توكيل عام ينص فيه علي الطعن بهذا الطريق الاستئنافى .
مثال ذلك :ـ أن يدفع المحكوم عليه ببطلان الإجراءات لعدم إشعار المسؤول عن الحقوق المدنية ، فهو طعن غير مقبول لأنه لايتصل به .
وقضت محكمة النقض المصرية ، لايقبل الطعن بالنقض من المتهم بسبب بطلان الإجراءات لعدم إخطار المدعي المدني بتاريخ جلسة الاستئناف ، وصدور الحكم في غيبة المدعي المدني ، فذلك وجه لا شانه له به ، وقضت انه لايجوز لغير من وقع في حقه إجراء ما أن يدفع ببطلانه ، ومع ذلك يجوز للمحكوم عليه بالتضامن أن يطعن علي الحكم فيما قضي به خطأ بشأن الغرامة ولو تعلق العيب بمحكوم عليه أخر لم يطعن في الحكم ، ويسرى ذلك بوجه عام في جميع الأحوال التي لايمكن فيها تجزئة عيوب الحكم ، إذا ماتعلقت للمحكوم عليه مصلحة في نقضه بسبب هذه العيوب ، كان يطعن الشريك في الجريمة بالنقض بناء على إن الفاعل الاصلى ارتكب الجريمة في حالة دفاع شرعي ، في هذه الحالة تكون للشريك مصلحة في هذا الطعن ، ولو لم يطعن الفاعل الاصلى بالنقض ، بناء على إن العيب المنسوب إلى الحكم بسبب تجاهله حالة الدفاع الشرعي يستفيد منه الشريك من الجريمة .

ا/ بالنسبة إلى المحكوم عليه ( المتهم ):_
يحق للمتهم أن يطعن في الحكم الصادر ضده سواء في الدعوى الجنائية أم المدنية ، أم فيهما معا ، وينبغي أن تكون للمتهم أية مصلحة من طعنه ، فلا يقبل منه طعن في حكم صادر بالبراءة ولو لم يرض عن أسبابه ، مهما شابها من قصور أو من بطلان ، فالعبرة هي بمنطوق الحكم بالبراءة لا بأسبابه .
ولا مصلحة للمحكوم عليه في الطعن بالنقض على الحكم الصادر بقبول استئنافه شكلا ، ولا مصلحة له في الطعن على الحكم الصادر باختصاص محكمة الجنح المستأنفة بمحاكمته مع أنها في الواقع غير مختصة بنظر الدعوى الجنائية المرفوعة عليه ، لان الواقعة جناية ، إذ هو لم يضار بهذا الحكم ، ولا مصلحة له في الطعن في الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوة الجنائية ، ولهذا اغفل القانون حسابه من عداد من خولهم حق الطعن بالنقض في هذا الأمر .

ب/ بالنسبة إلى المدعى بالحقوق المدنية :-
فالمدعى بالحقوق المدنية مصلحة في الطعن بالنقض فيما يتعلق بحقوقه المدنية ، فإذا صدر الحكم بالبراءة ، وبرفض الدعوى المدنية ، ففي هذه الحالة يكون الحكم في شقه المدني قد حال دون الحصول على حقوقه المدنية ، وإذا صدر حكم بالإدانة ، ورفض الدعوة الدنية ، أو عدم قبولها ، ففي هذه الحالة يكون للمدعى المدني مصلحة في الطعن في الشق المدني من ذلك الحكم ، وذا صدرت الإدانة مع التعويض المدني لصالح المدعى المدني دون تحديد القيمة ، ففي هذه الحالة يكون للمدعى المدني مصلحة في الطعن لأنه لم يحقق مطلبه الاصلى .
والحكم بعدم قبول الدعوى المدنية ، أو بعدم اختصاص المحكمة الجنائية ، رغم كونه غير فاصل في الموضوع ، إلا انه ينبني عليه منع السير في هذه الدعوى أمام المحكمة الجنائية ، ولذلك يجوز فيه الطعن بالنقض ، ومحكمة النقض الفرنسية قضت بان إرجاء الفصل في الدعوى المدنية ، لمدة غير محددة يعتبر عرقلة نهائية لهذه الدعوى مما يجوز فيه الطعن بالنقض .

ج/ بالنسبة إلى المسؤول عن الحقوق المدنية :-
للمسؤول عن الحق المدني مصلحة واضحة في الطعن بالنقض في الحكم الصادر ضده في الدعوى المدنية ، التابعة للدعوى الجنائية ، فإذا قضى بعدم قبول تدخله في هذه الدعوى فلا يقبل منه الطعن بالنقض باعتبار إن هذا الحكم ليس فاصلا في الموضوع ولا يترتب عليه منع السير في الدعوى المدنية أمام الحكم الجنائي .

د/ بالنسبة للنيابة العامة :-
الأصل إن النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة هي خصم عادل ، وتختص بمركز قانوني خاص ، إذ تمثل المصالح العامة وتسعى لتحقيق موجبات القانون ، وهى تمثل الهيئة الاجتماعية ووسيلة الدولة في توقيع العقوبة على كل من يثبت خروجه على القانون ، وللنيابة الطعن بالنقض في الأحكام وان لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة في الطعن بل كانت المصلحة للمحكوم عليه ، من المتهمين بشرط ألا يبنى على طعنها في حالة عدم استئنافها حكم محكمة أول درجة ، تسوئ مركز المتهم ، ونجد هنا أن المصلحة العامة في تحقيق العدالة بتطبيق القانون تطبيقا سليما هي التي تشكل شرط المصلحة في الطعن ، فالنيابة خصم ، لذلك لها أن تطعن بالنقض لمصلحة المتهم ذاته .
وقد ثار البحث في فرنسا حول مدى أحقية النيابة العامة في الطعن بالنقض في الحكم الذي يقضى بإجابة طلباتها ، وكانت المسالة محل خلاف في ظل قانون تحقيق الجنايات ، وتضارب بشأنها أحكام محكمة النقض الفرنسية ، فاتجه البعض إلى عدم قبول طعن النيابة العامة في هذه الحالة ، بينما اتجهت معظم الإحكام إلى قبول طعن النيابة العامة ولو كان الحكم المطعون فيه مستجيبا لطلباتها ، وذلك باعتبار أن المصلحة العامة التي تمثلها تقتضى التحقق من مراقبة سلامة تطبيق القانون .
وبناء على ذلك قضى بقبول طعن النيابة لمصلحة المتهم ، إذ قضت المحكمة الاستئنافية ، بتشديد العقوبة عليه رغم كونه المستأنف الوحيد ، أو إذا كانت الواقعة التي دين بها المتهم لاينطبق عليها قانون العقوبات ، أو إذا كانت العقوبة المقضي بها صدرت عن جريمة لم يرتكبها المتهم .

ولا تتسع المصلحة العامة التي تحميها النيابة العامة لحماية المصالح المالية للإفراد ، ومن ثم فلا يحق لها الطعن لمصلحة المدعى المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية .
والمحكمة العليا الليبية عنت في حكم قديم لها بان قاعدة وجوب توفر المصلحة في الطعن لاتسري على النيابة العامة لا ن لها مركزا خاصا فهي تمثل المصالح العامة ، وتسعى في تحقيق موجبات القانون ، ولذلك يحق لها أن تطعن بالنقض في الإحكام وان لم تكن لها كسلطة الاتهام ، مصلحة خاصة حتى ولو صدر الحكم مطابقا لطلباتها لمجرد الوصول لتصحيح الخطأ القانوني متى كان هذا الخطأ واضحا في المنطوق .
وتحقق المصلحة للنيابة العامة متى كان الغرض من الطعن هو صحة تطبيق القانون، خاصة وان هذه الوظيفة الرئيسية لمحكمة النقض تحققها عن طريق الطعون التي يتقدم بها الخصوم وفى مقدمتهم النيابة العامة .

ثانيا:- المصلحة الحقيقية:-

من شروط المصلحة في الطعن بالنقض أن تكون المصلحة حقيقية أي حالة، ويستوي بعد ذك أن تكون أدبية أو مادية.
كما يجب أن تقوم المصلحة وقت ثبوت الحق في الطعن وهو وقت صدور الحكم فيه ،وتستمر حتى وقت نظر الطعن والحكم فيه ، فهو الذي يقاس بالنسبة إليه ماسيعود على الطاعن من مصلحة ، وتثور الدقة عن مدى اشتراط استمرار هذه المصلحة حتى الفصل في الطعن ، وقد اختلف الفقه في هذه المسالة حيت ذهب رأي إلى اشتراط المصلحة وقت صدور الحكم المطعون فيه بغض النظر عما يطرأ من وقائع لاحقة قد تؤدي بهذه المصلحة ، وذهب رأى أخر إلى أن الطاعن يجب أن تستمر مصلحته إلى وقت الطعن في الحكم .
فالعبرة في قبول الطعن وليس بثبوت الحق فيه ، وقت مباشرته، وإنما قيام المصلحة في الإلغاء ، فإذا انتفت المصلحة وقت الحكم فلا مبرر للإلغاء، حيت قضت محكمة النقض المصرية ، بعدم جواز الطعن في الإحكام الصادرة في إشكالات وقف التنفيذ بصيرورة الحكم موضع النزاع نهائيا، والمحكمة العليا الليبية قررت بأنه إذا قضى ببراءة المتهم فطعنت النيابة في هذا الحكم لخطأ في تطبيق القانون ، رغم صدور تشريع لاحق يبيح الفعل ويمنع العقاب فان المصلحة في الطعن تكون منعدمة ويتعين رفض الطعن طالما إن الحكم صدر صحيحا في منطوقة .
وبالتالي يجب تقدير المصلحة في الطعن وفقا لظروف كل دعوى على حدة ، ولذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم بعدم قبول استئنافه شكلا لرفعه بعد الميعاد، طالما كانت النيابة العامة قد استأنفت هذا الحكم وطرحت الدعوى برمتها بناء على هذا الاستئناف وانفسح المجال أمام الطاعن في إن يبدى ماشاء له من أوجه الدفاع .

ثالثا:- أن تكون المصلحة مباشرة:-

أن تكون المصلحة مباشرة ، اى أن يكون وجه الطعن الذي يستند إليه الطاعن في طعنه قد اضر بمصلحة خاصة به ، فلا يكفى أن يستفيد الخصم من إلغاء الحكم طالما أن وجه الطعن لم يضر بمصلحته ، ومحكمة النقض المصرية قالت ، بأنه إذا كان ماينعاه الطاعنان على الحكم في شان إدانة المحكوم عليه الأول على الرغم من غيابه مردودا ، ذلك بان الأصل انه لايقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلا بشخص الطاعن ،ولما كان منعي الطاعنين لايتصل بشخصيهما ولا مصلحة لهما فيه بل هو يختص بالمحكوم عليه الأول وحده ، الذي لم يطعن على الحكم ، فلا يقبل منهما مايثرانه في هذا الصدد .

المبحث الثاني

صور ونطاق توافر المصلحة في الطعن بالنقض

سنقسم هذا المبحث على ثلاثة مطالب ، الأول المصلحة في الخطأ في القانون والثاني صور المصلحة في الطعن بالنقض والثالث نطاق توافر المصلحة في الطعن بالنقض ، وسنبينها تفصيلا في الاتى .

المطلب الأول

المصلحة في الخطأ في القانون

الأصل انه إذا اخطأ الحكم المطعون فيه في القانون الموضوعي ، تقوم محكمة النقض بنقضه ، وتحكم بمقتضى القانون ،وتوقع العقوبة المناسبة على الواقعة ، كما هي ثابتة في الحكم إلا أن المادة 394 ق ا ج ، التي تقابلها المادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المصري ، أوردت تحفظا على هذه القاعدة فنصت على انه (( إذا اشتملت أسباب الحكم على خطا في القانون ،أو إذا وقع خطا في ذكر نصوصه ، فلا يجوز نقض الحكم متى كانت العقوبة المحكوم بها مقررة في القانون للجريمة ، وتصحح المحكمة الخطأ الذي وقع )).

والمصلحة شرط لازم في كل طعن ، والطعن بالنقض يرتدى رداء خاص له أهميته والدقة على السواء ، ولا يثور فيها موضوع الثبوت، ولا تقدير العقوبة مادام في حدود النص المطبق ، بعكس الطعن بالمعارضة أو الاستئناف ، حيت يتم طرح موضوع الدعوى من جديد أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، أو أمام محكمة أعلى بحسب الأحوال ، وأما تقدير العقوبة ولو كان التقدير في حدود النص المطبق ، ومحكمة النقض وظيفتها مقصورة على مراقبة صحة تطبيق قانون العقوبات والإجراءات الجنائية على الوقائع الثابتة ، دون تدخل في ميزان الأدلة ، أو في تقدير العقوبة ، مادامت في حدود النص الصحيح .

وطبيعة شرط توافر المصلحة في النقض تقتضى إن تتعرض محكمة النقض له أولا ، فتقضى بانعدام الجدوى من الطعن دون الفصل فيه من الوجهة القانونية ، وسواء أكان مبناه مخالفة قانون العقوبات أم الخطأ في تطبيقه أم في تأويله ، أم كان مبناه في الحكم أم في الإجراءات أثر فيه ، فحيث لا مصلحة للطاعن فلا جدوى من الطعن ، وغالبا بغير تعرض حتمي لحكم القانون في أوجه الطعن ، وعلى ذلك يسير قضاء النقض في اضطراد تام .

المطلب الثاني

صور المصلحة في الطعن بالنقض

المصلحة من الطعن قد تكون محققة إذا كان قبول الطعن سيؤدى إلى تبرئة الطاعن بعد الإدانة ، أو بالأقل إلى تعديل العقوبة تعديلا في مصلحته أيا كانت صورته ،وهذا قد يتحقق عند قبول الطعن لخطأ في تطبيق قانون العقوبات أو في تأويله ، أو في تطبيق القوانين غير الجنائية التي يطبقها القاضي الجنائي أحيانا في المسائل الأولية ، مثل قوانين الضرائب ، وتكون المصلحة محققة أيضا إذا أدى قبول الطعن إلى تعديل الحكم الصادر في الدعوى المدنية لمصلحة الطاعن ، وذلك إذا ما طعن في الحكم الصادر فيها .
وتكون مصلحة الطاعن محتملة إذا وقع بطلان في الحكم المطعون فيه، أو أذا وقع في الإجراءات بطلان اثر فيه ،إذ أن قبول الطعن يقتضى إعادة محاكمته من جديد ، بما يفسح المجال لبحث الموضوع من جديد ، ولا لبحث التطبيق القانوني فحسب ، وبالتالي لايضار الطاعن بطعنه على أية حال .
والمصلحة في الطعن قد تكون مادية أو أدبية ، إلا انه في الطعن الجنائي بوجه خاص يغلب طابع المصلحة المادية ، فالمحكوم عليه بعقوبة جنائية يضار في دمته المالية بحكم الغرامة والمصادرة إذا قضى أيهما ، لكنه يضار دائما في كرامته واعتبار ونظرة المجتمع له من كل عقوبة سالبة أو مقيدة للحرية ويضار في حياته بالعقوبة السالبة للحياة .

والمصلحة الأدبية تبرز بقدر واضح في جسامة العقوبة من جهة ، مع ما قد ترتيه من أثار جنائية كالعود من جهة أخرى ، وبقدر جسامة الجريمة المحكوم فيها أيضا ، ونظرة المجتمع للمحكوم عليه ، خصوصا إذا كانت الجرائم المخلة بالشرف والاعتبار .

وحين يغلب على الدعوى المدنية طابع المصلحة المادية لا الأدبية ، ففيها حتى ولو كان الضرر المدعى بالتعويض عنه أدبيا خالصا، كالمساس بكرامة المجني عليه في جرائم السب والقذف ، فان التعويض يكون عبارة عن مال ، وبصرف النظر عن نوع الضرر المدعى بالتعويض عنه ، جزءا من الذمة المالية لإطرافها حين تعد الدعوى الجنائية جزءا من النظام العام الذي فرضته الجماعة ورسمت للخروج عليه عقوبة ما، وإذا كانت المصلحة أدبية تكفى في الطعنين معا المدني والجنائي ، فان المصلحة النظرية البحث لا تكفى في أيهما ، وذلك مثل الطعن لمصلحة القانون مجردا ، أو في الأسباب دون منطوق .

المطلب الثالث
نطاق توافر المصلحة في الطعن بالنقض

هناك حالات تكون فيها مصلحة الطاعن من طعنه واضحة لا شبهة فيها ، وذلك إذا كانت العقوبة التي أوقعها الحكم المطعون فيه بمقتضى النص الخاطئ تختلف عن عقوبة النص الصحيح من حيت النوع أو المقدار ، مثل أن يكون الطعن حاصلا من المتهم المحكوم عليه بمقتضى النص الخاطئ بعقوبة ما كان يمكن الحكم بمثلها بمقتضى النص الصحيح ، سواء أكانت هذه العقوبة أصلية أم تكميلية .

ويتحقق ذلك إذا كان الحكم المطعون فيه قد خلط بين وصفى الجناية والجنحة ، ولكن قد تتحقق المصلحة حتى بدون حدوث هذا الخلط ، كالحكم في جناية بالإعدام بمقتضى نص خاطئ ، مع أن النص الصحيح ماكان ليسمح إلا بالمؤبد ، وغيرها من الإحكام .

وإذا خلط الحكم المطعون فيه بين جناية وجناية أخرى ، أو بين جنحة وجنحة أخرى ، وكانت الحدود الدنيا أو القصوى مختلفة بين عقوبتي النص الصحيح والنص الخاطئ فان هذا الاختلاف لا يكفى بذاته ، والقضاء المصري يقول بتوافر المصلحة من الطعن مالم يؤد إلى الحكم على الطاعن بمقتضى النص الخاطئ بعقوبة تتجاوز في نوعها أو في مقدارها عقوبة النص الصحيح ، فما لم يحدث هذا التجاوز فلا محل للقول بتوافر المصلحة من الطعن .

وإذا كان الحكم المطعون فيه قد اخطأ في تكييف الواقعة أنها جناية بدل من جنحة مالعمل في هذه الحالة ؟ ، محكمة النقض المصرية حددت نطاق المصلحة في هذه الحالة بقولها إن الخطأ في الوصف لا يكون له تأثير في سلامة الحكم إلا إذا كانت المحكمة بسبب هذا الخطأ لم تستطع أن تنزل بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه ، فمثلا محكمة الموضوع المصرية اعتبرت واقعة جناية ضرب أفضى إلى عاهة مستديمة ، استعملت الرفة مع المتهم ، وقضت بالحد الأدنى للحكم .
والقضاء بشكلا عام لا يسلم من النقد ، لان قاضى الموضوع ، وان كان يقدر عقوبة الواقعة بحسب ظروفها ومدى جسامتها في نظره، إلا انه لايعمد إلى التقدير إلا بعد الاقتناع بتكييف معين لها ، فهو يقدر العقوبة تحت تأثير مزدوج من ناحية جسامة الواقعة في تقديره ، ومن ناحية جسامتها في تقدير النص الذي طبقه عليها تطبيقا خاطئا ، وإهدار هذا التأثير الأخير يتضمن تجاهلا لعنصر هام من عناصر تقدير العقوبة لدى قاضى الموضوع وهو مراعاة خطورتها أولا في تقدير الشارع .
وكلما كان خطا القانون الذي وقع فيه الحكم المطعون فيه ليس من طبيعته أن يؤثر في مصير المتهم من ناحية مقدار العقوبة المقضي بها ، وقضاؤها في هذا المعنى كثير وشائع ومنه :

لا مصلحة من الطعن إذا كانت الواقعة المبينة بالحكم المطعون فيه تكون جريمة سرقة ، حتى إذا اخطات محكمة الموضوع في وصف هذه الواقعة بان اعتبرتها جريمة تبديد مادامت العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة السرقة ……. والأمثلة كثيرة .

وبالتالي إذا لم تكن هناك مصلحة من الطعن بالنسبة للعقوبة الأصلية فيجب نقض الحكم إذا وقع خطا في تطبيق القانون بالنسبة للعقوبة التكميلية ، عندما تتوافر المصلحة في ذلك ويستوي أن تكون العقوبة التكميلية المحكوم بها خطا وجوبيه أو جوازيه ماداما قد قضى بها بالفعل .

خلاصة هذه الورقة ،،،،
أن أساس المصلحة في الطعن يكون في الضرر الذي يحمله الحكم في مواجهة الطاعن سواء في قضائه على الطاعن بشيء ما أو برفض كل أو بعض طلباته أو في عدم أخذ الحكم بدفاعه أياً كان مركز المحكوم عليه ذلك ، و لا مصلحة للطاعن في المنازعة _ في العمل مثلا _ في الأجر الفعلي الذي حددته المحكمة في نطاق ثبوت علاقة العمل بين طرفيها – العامل وصاحب العمل – ما دام أن الحكم لم يعتبره الأجر الذي يتعين أن تحسب على أساسه الحقوق التأمينية للمطعون ضدها الأول والثاني ، ما دام أنه لم يقض عليها بشيء منها، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون غير مقبول هذا في أحكام النقض المدني .

وإن الطعن بطريق النقض لا يثبت إلا للخصوم في الدعوى الصادر فيها الحكم موضوع الطعن.وقد حدد المشرع صفات الطاعن في المادة 381 ق ا ج ، رغم ذلك كان من المفترض التسوية بينهم ويحدد إطار خاص بهم لا يتجاوزوه ، وعلى المشرع توضيح قاعدة( إن الطاعن لايضار بطعنه ) _ اى المقصود منها _ هل اى شخص له حق الطعن في اى حكم ؟ ومن هذا الشخص؟ وما صفته في الطعن ؟ وما مدى تمثيل النيابة العامة للصالح العام ( المجتمع) وهل هو ممثل موثوق فيه ؟ وهل هو خصم عادل ؟ و كثير من الأسئلة تثور في هذا المجال .

ومصلحة الطاعن تكون في إلغاء أو تعديل الحكم المطعون فيه ، ولا يجوز للخصم الطعن بالنقض إذا لم يضر بمصلحته الشخصية ، ولكنها تضر بمصلحة الخصم الأخر ، ومصلحة النيابة الاقتصاص من المجرم ، باعتبارها ممثلا عن المجتمع ، ولكنها لها الطعن لمصلحة المتهم ذاته ، وإذا لم تكن هناك مصلحة للنيابة أو غيرها من الخصوم لا يقبل الطعن ، وعليه لايجوز الطعن بالنقض لمصلحة القانون فقط دون مصلحة الخصوم .

وهناك رأى يقول ، إن المشرع تعنت في وضع قيود المصلحة على الطاعن ويجب إن يخفف من تلك القيود أو يترك الباب مفتوحا على مصرعيه إمام النيابة ، وإذا كان الحكم المختل قانونا من شانه أن يضر بمصلحة المتهم فان عدم السماح له بالطعن إذا ما سكتت النيابة أو لم يتداعى لها وجود عيب في القانون ولم تطعن في هذا الحكم ، هذا لايتفق مع وظيفة المحكمة العليا في ضمان حسن تطبيق القانون لأنها تؤدى إلى الإبقاء على أحكام مخالفة للقانون وهذا المسلك يزعزع الثقة في القضاء ويضعف القانون ويؤثر في وحدة كلمة القانون والقضاء.

وأخيرا ، حاولت بذل كل جهدي ، وأتوجه متضرعا إلى الله عز وجل ، أن أكون قد أصبت في عملي ، فإذا أصبت فهذا من فضل الله وتوفيقه ، وإذا اخطات فهذا منى وعذري الوحيد اننى بشر أخطي وأصيب والله المستعان .

والحمد لله رب العالمين

المراجع

1/ أحمد سمير أبو شادي، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض في عشر سنوات ومعلقا عليها بأحكام المحكمة، الجزء الرابع.

2/ حسن الصادق المرصفاوي ، المرصفاوي في قانون الإجراءات الجنائي ، 2000 , منشأة المعارف بالإسكندرية مصر .

3/ عدلي عبد الباقي ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ج2 ، ط1 ، س 1953 ، دار النشر للجامعات المصرية ،ا لقاهرة مصر .

4/ رؤوف عبيد ، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ، ط 17 ، س 1989 ، دار الجيل للطباعة ، مصر. المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية ،ج2،سنة 1963 .

5/ فرج علواني هليل ،علواني في التعليق علي قانون الإجراءات الجنائية ،ج2، د.ط ،،د.س، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر.

6/ مأمون سلامة ، قانون الإجراءات الجنائية ، معلقا عليه بالفقه وأحكام النقض ، ج 2 ، ط 2 ، س 2005 .

7/.محمد جمعة عبد القادر،الطعن الجنائي في التشريع المصري والمقارن،د.ط،س1983،عالم الكتب ، القاهرة ، مصر .

8/ محمد نيازي حتاتة ، قانون الإجراءات الجنائية ، د ط ، د س .

9/ محمود نجيب حسنى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط2 ، س1988 ، دار النهضة العربية ، القاهرة مصر.

www.lawoflibya.com

 


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

 حضور المحامي مع المتهم أمام محكمة الجنايات

                              ...