النمو والتنمية المستدامة و المالية الخضراء
إن الأزمة المناخية العالمية هي من أهم مظاهر الأزمة الحضارية التي يشهدها العالم الرأسمالي اليوم. ويتفق أغلب الأخصائيين والعلماء اليوم حول العلاقة بين هذه الأزمة والأنشطة البشرية أو بالأحرى نمط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الرأسمالي المفروض على مجمل مواطني العالم من خلال التحكم المتنامي الذي تمارسه الشركات المتعددة الجنسيات في مختلف مجالات الحياة (الماء، الهواء، النباتات، وسائل الإعلام، الصحة، التعليم إلخ). كما يتفق هؤلاء العلماء أيضا على خطورة الوضع البيئي لعالمنا وعلى ضرورة المحافظة على درجة حرارة الكرة الأرضية التي ما انفكت ترتفع نتيجة تكاثف غازات الاحتباس الحراري في الفضاء. إن هدفهم هو الحد من ارتفاع الحرارة عند 2 درجة مئوية وهو حد إذا تجاوزناه نكون قد بلغنا نقطة اللاعودة ويصعب التنبؤ بما سينجر عن ذلك اليوم خاصة مع ذوبان الثلوج في القطب الشمالي وإطلاق هيدرات الميثان الذي ظل محبوسا لملايين السنين خاصة في قاع البحر في القطب الشمالي وفي الأراضي دائمة التجمد في سيبيريا.
وبما أن السياسة الليبيرالية هي التي تحكم العالم اليوم، فقد خلق أرباب الاقتصاد سوقا أو بالأحرى أسواقا للمناخ: سوق قروض الكربون التي وقع تبنيها من طرف بروتوكول كيوتو آليات مثل آلية التنمية النظيفة (Clean Development Mechanism, CDM)، وسوق إزالة الغابات التي تعتبر أهم تجديد. فكانت النتيجة، وحتى قبل الموافقة عليها، أن استحوذت الشركات المتعددة الجنسية على آلاف الهكتارات من الغابات بعد طرد السكان الأصليين من أراضيهم.
ويحاول بعض أصحاب القرار والزعماء الكبار في المغرب، على غرار حلفائهم الغربيين، استغلال الفرصة السانحة التي تمثلها مشاريع التنمية النظيفة. إنهم بصدد البحث عن فرص جديدة للإثراء وتنمية الأرباح هذه المرة من خلال حماية المحيط والتنمية المستدامة.
التنمية المستدامة؟ عن ماذا نتحدث؟ وما الجديد بخصوص الميثاق الوطني حول المحيط والتنمية المستدامة (2010)؟ ما هي طبيعة المشاريع « الخضراء » الجديدة التي هي بصدد الإنجاز بالمغرب؟ من سيدفع ومن المستفيد؟ هل من حلول بديلة؟
- I. التنمية المستدامة: عن ماذا نتحدث؟
تعدعبارة »التنميةالمستدامة » منالعباراتالطنانةالمنتشرةفيكلمكاناليوموالتينجدهافيخطاباتالحكوماتاليمينيةواليساريةعلىحدسواءوأصحابالمؤسساتوالمدافعينعنالمحيط،إلخ. الجميعيستعملهذهالعبارةالعصريةإلىحدمادونالتمكنمنمعناهاأوبالأحرىمعانيهاالحقيقيةالتيلاتزالإلىاليوممبهمةوحتىمتناقضة. لقدأصبحمفهومالتنميةالمستدامةاليوممفهومامضللا. لقدتمتترجمةعبارة »sustainable development » ترجمةسيئةإلىالفرنسيةبعبارة »développement durable ».
وعليه فإن أحد التعاريف الذي يحظى بحد من التوافق هو ذاك الذي قدمه المجلس العالمي للمحيط والتنمية في 1987 (تقرير برونتلاند: برئاسة الوزيرة النرويجية قرو هارلم برونتلاند):
« تنمية تستجيب لمتطلبات أجيال الحاضر دون أن تضر بقدرة أجيال المستقبل على الاستجابة لمتطلباتهم »
بيد أنه وقعت إعادة ملاءمة لهذا المفهوم منذ ظهوره مع متطلبات السوق « المقدسة » والشركات المتعددة الجنسيات التي أنتجت وفرضت التعريف الخاص بها والتي من بينها تلك التي تخص م. فابياني، الرئيس المدير العام لشركة بريتيش بتروليمBP فرنسا [1]
« التنمية المستدامة هي أولا إنتاج المزيد من الطاقة، والمزيد من البترول، والمزيد من الغاز، وربما المزيد من الفحم، وبالتأكيد المزيد من الطاقات المتجددة. ويجب في ذات الوقت أن نكون متأكدين أن ذلك لا يتم على حساب البيئة. »
يبدو هذا المفهوم اليوم على أنه توافق بين منطقين رغم تناقضهما:
· منطق على المدى القصير أو منطق السوق التي تدعمها وتروج لها أقلية متطفلة تريد أن تزيد من أرباحها من خلال السيطرة على كل الثروات وتحويلها إلى بضاعة (الماء، الهواء، أشعة الشمس، الصحة، التعليم، إلخ) (في 2009 استحوذ 20% من أثرى أثرياء العالم على 86% من الثروات !!).
· منطق على المدى الطويل يطالبنا بتحمل مسؤولية حماية الأنظمة البيئية المحافظة على كوكبنا وثرواته للأجيال القادمة. ويروج لهذا المنطق العديد من المنظمات والمناضلين في مجال حماية البيئة.
إذا كان المدافعون على هذا الاتفاق مع الشركات المتعددة الجنسيات وأصحابها بتعلة تربيتهم والتأثير عليهم تدريجيا قصد التبني والتلاؤم مع هذا المثال المسؤول للتنمية، فإن ما يمكن ملاحظته اليوم هو أن هؤلاء أنفسهم هم من تأثر وتلاءم مع قيود السوق وتلاءموا حتى مع منطق رجال المال ويجدون اليوم أنفسهم تائهين في اعتبارات تخمينية حول أسعار أطنان من ثاني أكسيد الكربون.
- II. الوضع البيئي في المغرب وتأثير التغيرات المناخية
يقع المغرب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ورغم كونها من أقل المناطق تلويثا للعالم بنسبة 4.5% من غازات الاحتباس الحراري فإن هذه المنطقة ستكون من بين أكثر المناطق تضررا من هذه التغيرات خاصة فيما يخص تقلص الموارد المائية التي هي محدودة بطبيعتها.
وفيما يخص المغرب فقد تنبأت دراسة حديثة اعتمدت مثال MAGIC/SCENGEN حول تأثير التغير المناخي في المغرب بما يلي:
· ارتفاع مستوى البحار بين 2.6 و15.6 سم بحلول سنة 2020
· ارتفاع درجة الحرارة بين 0.7 ودرجة واحدة بحلول سنة 2020 وبين 3 و5 درجات بحلول سنة 2080.
· النقص الملحوظ في تساقط الأمطار بنسبة 7% خاصة بالمناطق الشمالية بحلول سنة 2020 و20% بحلول سنة 2040 و40% بحلول سنة 2080.
· تزايد ظواهر الطقس الحاد كالجفاف والفيضانات[2] إلخ.
· الانخفاض الكبير في الإنتاج الزراعي التي يمكن أن تصل إلى 50% في سنوات الجفاف
· تناقص الأنشطة الزراعية في المناطق الساحلية نتيجة نسبة الملوحة العالية للمياه
وفيما يخص الوضعية المناخية في المغرب فإن التقارير حتى الرسمية منها تشير إلى تدهور ملحوظ تقدره الدولة سنويا بـ 4% من الناتج المحلي الخام في السنة[3].
تلوث المياه السطحية والباطنية والبحرية:
· تصرف 90% من المياه المستعملة دون معالجة، منها 52% في البحر (370م م3 من المياه المستعملة الحضرية و940م م3 من المياه المستعملة الصناعية)
· 2% من الفضلات المنزلية يقع إعادة تدويرها أو التخلص منها في مصبات مراقبة
· 930000 طن من الفضلات الصناعية في السنة تتركز 42% منها في منطقة الدار البيضاء الكبرى
تدهور الموارد الطبيعية والتنوع البيئي
· هناك 1670 نوعا من النباتات و610 نوعا حيوانيا منها 85 نوعا من السمك و98 نوعا من الطيور مهددة بالانقراض (أنظر تقرير كتابة الدولة المكلفة بالمياه والبيئة).
· تدهور ملحوظ ناتج عن الغياب شبه التام لمراقبة مناطق الاستغلال المنجمي والمقاطع (الرمل والحجارة…) مع تقنيات استخراج مضرة بالبيئة.
III. مشاريع التنمية المستدامة في المغرب: من المستفيد؟
تعهد حماية البيئة في المغرب، وكما هو الشأن على المستوى العالمي، إلى شركات تتحمل مسؤولية كبيرة في تدهور الوضع البيئي على غرار شركة ONA[4]. ويعد هذا المجمع من خلال فرعه المنجمي « مناجم » سبب تدهور النظم البيئية في معظم مناطق أنشطته الاستخراجية ولعل خير مثال على ذلك هو منجم « البليدة » في منطقة « جرادة » شرق المغرب التي لا تزال تعاني من تبعات النفايات السامة التي خلفتها « مناجم » بعد مغادرتها سنة 1998.
ويقدم مجمع ONA نفسه هذه المرة من خلال فرعه « الأخضر » « ناريفا » كرائد وطني في قطاع المياه والبيئة في المغرب. ويصف مجلس إدارة ONA في تقريره الأخير هذا القطاع بالإضافة إلى قطاع الاتصالات بـ « مقومات النمو[5]« .
وقد استأثرت « ناريفا » بنصيب الأسد من مشاريع إنتاج الطاقة من الرياح من خلال ثلاثة مشاريع كبرى مؤخرا بكلفة كلية تقدر بثلاثة مليارات درهم (260 مليون يورو) وذلك بعد أن تمتعت بعقد حصري في المنطقة وربما في العالم للتصرف بالوكالة في خدمات الري بمنطقة « سبتال قردان » جنوب المغرب لمدة 30 سنة[6]:
- 1. تقع في أخفنير على بعد 100 كلم شرق طرفاية جنوب المغرب بطاقة إنتاج بـ 200 ميقاوات أي ما يعادل استهلاك مدينة تعد 1 مليون نسمة
- 2. محطة « فم الواد » على مقربة من مدينة العيون بطاقة إنتاج بـ 100 ميقاوات،
- 3. محطة « الحوامة » بمنطقة طنجة
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس المدير « لناريفا » السيد نقوش هو مدير سابق للديوان الوطني للكهرباء الحليف الرئيسي لناريفا: « الباب الدوار » على الطريقة المغربية هذه المرة !
وقد التحقت ناريفا في موفى شهر مارس 2010 بالمشروع الضخم « ديزارتاك » (DESERTEC) إلى جانب شركات كبرى متعددة الجنسيات على غرار Siemens و la Deutsche Bankو ABB ABENGOA. ويهدف هذا المشروع إلى تغطية 15% من احتياجات أوروبا من الطاقة بفضل شبكة من مراكز توليد الطاقة من الشمس في عدد من المواقع تمتد من المغرب في الغرب إلى المملكة العربية السعودية في الشرق.
وتقدر التكلفة الكلية بـ 400 مليار يورو منها 350 لإنجاز المحطات و50 مليار يورو لخطوط النقل اللازمة لأوروبا.
إن هذا الترابط بالإضافة إلى مبادرة « الأخضر العابر[7] » (TRANSGREEN) والمخطط الشمسي المتوسطي ينذر بتحويل جديد للموارد الطاقية من الجنوب إلى الشمال وبخطر استحواذ هذه الشركات المتعددة الجنسيات على هذه الطاقات الجديدة وإخضاعها مرة أخرى إلى منطقها الأوحد وهو الزيادة القصوى في الأرباح.
مخطط المغرب الشمسي:
تم عرض مشروع ضخم آخر لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية أمام الملك أواخر 2009 بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في وارزازات جنوب المغرب. وتقدر كلفة هذا المشروع الضخم بـ 9 مليار دولار بطاقة إنتاج تقدر بـ 2000 ميقاوات سنة 2020 وهو ما يمثل 1/10 من المخطط الشمسي للمتوسط.
ويتوزع المشروع على خمس مواقع سيقع إنجازها من الآن إلى حدود سنة 2020 في وارزازات (500 ميقاوات) والعيون وبوجدور (الصحراء) وطرفاية (جنوب أغادير) وعين بني مطهر (شرق فاس، بالوسط). وسيمتد كامل المشروع على مساحة جملية بـ 10000 هكتار.
تم إحداث مؤسسة خاصة بإدارة هذا المشروعة وهي « الوكالة المغربية للطاقة الشمسية » (MASEN) والتي يديرها السيد مصطفى الباكوري المدير الأسبق لصندوق الإيداع والتدبير المغربي. ورغم أن النص النهائي للميثاق لم ينشر بعد فإن القانون عدد 57/09 المتعلق بإحداث هذه الوكالة قد تمت المصادقة عليه من طرف المجلسين في وقت قياسي كما تمت المصادقة أيضا على قانون آخر يجيز تصدير الطاقة.
وبالتزامن مع وضع الإطار القانوني، تشهد طريقة التمويل اللمسات الأخيرة. ويستشف من تصريحات مختلف المسؤولين على المشروع أنه سيعتمد على مبدأ « التشييد والتشغيل ونقلالملكية » أي أن المشغل الخاص هو المسؤول عن بناء البنية التحتية اللازمة وإنتاج الطاقة ثم بيعها للوكالة الوطنية للكهرباء التي التزمت بالشراء لمدة تتراوح بين 20 و30 سنة.
لقد كلف هذا النموذج من الإنتاج بشروط ميسرة والمعروف أيضا بالشراكة بين القطاعين العام والخاص المغربيين غاليا في قطاع إنتاج الكهرباء مثلما هو الشأن في قطاعات أخرى. وتؤمن إنتاج 52% من الكهرباء في المغرب شركات خاصة من خلال عقود سخية جدا وقع إبرامها في التسعينات وهي المتسببة في اختلال التوازن المالي الذي تشهده الوكالة الوطنية للكهرباء اليوم.
وعليه فإن إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة سيكون تحت سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات وهو ما يطرح عديد التساؤلات في علاقة سيادتنا الوطنية بهذا القطاع الاستراتيجي للاقتصاد ككل. وهناك سؤال آخر يطرح في علاقة بشرعية هذه القرارات السياسية الاستراتيجية التي سيكون لها وقع كبير على مستقبل بلادنا والتي يتم اتخاذها من مجموعة من التكنوقراط بعيدا عن أي مسار ديموقراطي ودون استشارة المواطنين الذين سيكون عليهم مرة أخرى تحمل النتائج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لمثل هذه الاختيارات.
آليات تمويل المشاريع « الخضراء »:
تم إحداث آليات مالية لمواكبة مختلف هذه المشاريع المصطلح عليها بمشاريع التنمية المستدامة وهي عبارة عن صناديق يتم تمويلها من طرف دافعي الضرائب والتي ما فتأت تغري الشركات « الخضراء » على جميع الأصعدة:
· صندوق التنمية الطاقية (FDE) الممول بـ 1 مليون دولار أمريكي الذي أحدث سنة 2008
· صندوق مراقبة التلوث الصناعي
· الصندوق الوطني لحماية البيئة وإعادة التأهيل
· صندوق رأس المال كاربون المغرب والذي تتمثل مهمته الأساسية في شراء قروض الكربون المحدثة من مشاريع التنمية النظيفة في المغرب من المستثمرين المحليين في انتظار بيعها في السوق العالمية للكربون. ويبلغ رأس مال الصندوق 300 مليون منها 50% من صندوق الإيداع والتدبير و25% من خزينة الإيداع الفرنسية و25% من البنك الأوروبي للاستثمار.
- IV. هل من حلول بديلة؟
لإيجاد حلول بديلة يجب على النشطاء والأخصائيين والعلماء الشرفاء أن يتخلصوا من وهم حماية البيئة من خلال آليات السوق. الواضح اليوم أن فريقا من المدافعين عن البيئة بما فيهم المنظمات غير الحكومية تندمج في هذا المنطق بتبني مبدأ الخيار الأقل ضررا والمقولة الشهيرة لمرغريت تاتشر « ليس لدينا خيار آخر ». هناك لحسن الحظ منظمات أخرى ومن بينها شبكة « العدالة البيئية الآن » (Climate Justice Now) التي تناضل من أجل كشف الوجه الحقيقي للرأسمالية الخضراء ونفاق صناع القرار وكبار أرباب العمل الذين يبحثون دائما وقبل كل شيء عن تحقيق أقصى قدر من الأرباح. كما تناضل هذه المنظمات أيضا من أجل حلول بديلة حقيقية على درب القطع التام مع نموذج الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الرأسمالي مثل:
· فرض ضرائب على كبار الملوثين تتماشى ودرجة الضرر الذي تحدثه أنشطتهم الصناعية
· تمكين السكان المحليين من استعادة مواردهم الطبيعية وتشريكهم فعليا في التصرف فيها
· إلغاء الديون المالية للدول الفقيرة والتي تبقى تافهة مقارنة بالدين التاريخي والبيئي الذي تدين به دول الشمال لهذه الدول
· إعادة التموضع بما يقرب أماكن الإنتاج من أماكن الاستهلاك وهو ما يتناقض كليا مع نظرية المنافع المقارنة
أما على المستوى الوطني فيجب علينا أن نفرض نقاشا مفتوحا وشفافا حول مستقبل الطاقة في بلادنا. كما يجب علينا أيضا أن نفرض سيادتنا على هذا القطاع الاستراتيجي والتي تمر حتما عبر السيطرة الفعلية على جميع مراحل الإنتاج والتصرف والتوزيع لهذه الطاقات. إن هذا الأمر يتطلب تصرفا عموميا تحت مراقبة شعبية، تصرف ذو صبغة اقتصادية واجتماعية تفضل الحلول التقنية الأكثر حفاضا على البيئة والتي تمكن في نفس الوقت أغلبية المغاربة من استغلال هذه الموارد.
https://www.tanmia.ma