تأديب الموظف في القانون المغربي
ينص قانون الوظيفة العمومية على مجموعة من الحقوق الخاصة بالموظف بالمقابل نجده يتضمن أحكاما وقواعد تأديبية في حالة الإخلال بالالتزامات والواجبات أثناء ممارسته لوظيفته،أو تجاوز الضوابط والأنظمة الجاري بها العمل في إدارة معينة،والهدف من ذلك هو ردع المخالفين وضمان السير العادي للمرفق الإداري.
في المغرب تناول المشرع تأديب الموظف ضمن غيره من موضوعات الوظيفة العمومية بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 24 فبراير 1958 حيث بين في الباب المتعلق بالتأديب إجراءات ومسطرة التأديب وكذا السلطة ذات الاختصاص التأديبي. بهذا الخصوص يطرح السؤال حول الضمانات المخولة للموظف لكي يكون القرار التأديبي صادر وفق الضوابط وفي احترام تام للقانون،وهو ما يسمى في القضاء بضمانات المحاكمة العادلة. وبالنسبة للقرار التأديبي فإن السلطة التأديبية تخضع في ممارستها لهذه الصلاحية لمجموعة من الضوابط التي تشكل ضمانات تأديبية للموظف ، وهي نوعان ،ضمانات يكفلها قانون الوظيفة العمومية وهي ذات طبيعة إدارية(المبحث الأول)،ونوع ثاني يكون لاحق وهو الرقابة القضائية خاصة القضاء الإداري (المبحث الثاني)
المبحث الأول: الضمانات السابقة و المواكبة لتطبيق العقوبات التأديبية على الموظف
لا يمكن الحديث عن تأديب الموظف دون التطرق للضمانات المخولة له والتي سنعمل على دراستها من خلال مطلبين ، ضمانات متعلقة بحماية حقوق الدفاع في مطلب أول وضمانات مواكبة لتوقيع العقوبة في مطلب ثاني .
المطلب الأول: حماية حقوق الدفاع
يعتبر حق الدفاع المخول للموظف للدفاع عن نفسه ضد الاتهامات المتابع بها من الضمانات الأساسية المقدمة إليه ، و لقد أكد ظهير 24 فبراير 1958 هذا الحق و جسده في مجموعة من الإجراءات التي يستفيد منها الموظف المتابع تأديبيا، لذا يمكن إدراجه ضمن المبادئ العامة للقانون التي يجب تطبيقها و لو في حالة عدم وجود نص تشريعي أو تنظيمي ينص عليها ،لكونها تعد من الإجراءات الجوهرية التي يجب احترامها من طرف سلطات التأديب و إلا اعتبرت قراراتها غير مشروعة، فقد جاء في حيثيات قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ” انه وحيث إن رفض المجلس المستأنف اختيار المستأنف عليه أحد الأشخاص للدفاع عنه بدعوى انه نقابي ، يجعل القرار المتخذ من حق المستأنف عليه متسما بتجاوز السلطة لخرق ما حقوق الدفاع مادام القانون قد أعطى للموظف حق الدفاع عن نفسه بنفسه أو بواسطة غيره ممن يختاره للدفاع عنه طبقا للفصل 67 من النظام العام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يخضع له الموظفون العاملون بالجماعات المحلية، وهذا النص لا يستثني المنتمي لهيئة نقابية من أن يكون مدافعا عن الموظف المتابع تأديبيا.
فيمكن إدراج كل من الإطلاع على الملف و المثول أمام المجلس التأديبي ضمن الضمانات الممنوحة للموظف من اجل الدفاع عن حقوقه .
الفرع الأول :الإطلاع على الملف
يمكن هذا الحق الموظف من الدفاع عن نفسه قبل إقدام السلطة الإدارية المختصة على اتخاذ القرار فالإدارة ملزمة بتبليغ الموظف المتهم بكل تدبير مزمع اتخاذه و أسبابه ليتسنى له تقديم دفاعه و لا يسمح للسلطة التأديبية أن تتجاهل هذه المسطرة و أن القاضي يطبقها حتى في غياب نص قانوني أو تنظيمي على كل تدبير يتسم بطابع تأديبي و مددت هذه الوسيلة من قبل القضاء لتشمل كل الأشخاص المهددين باتخاذ إجراء تأديبي ضدهم بعدما كانت تقتصر على المنازعات الإدارية الخاصة بالموظف النظامي ، إذن يعتبر بمثابة إنذار مسبق قبل إصدار العقوبة على المتهم أما إذا امتنعت هذه السلطة عن ذلك فان كل عقوبة تأديبية تصبح غير مشروعة بحيث يمكن إلغائها من طرف القضاء.
فإذا ما تأكد القاضي من خرق هذه الضمانة فانه عادة ما يلغي القرار و هو ماتنبه له مجلس الدولة الفرنسي من قبل عندما جعل أمر تفحص الملف أمرا جوهريا حيث لا يمكن تعطيله لأي سبب كان كالادعاء مثلا بعدم وجود ملف ، فقد جاء في حيثيات المحكمة الإدارية بالرباط وحيث انه بالرجوع إلى الفصل 67 من القانون أعلاه يتبين انه نص على أن « للموظف المتهم الحق في أن يطلع على ملفه الشخصي بتمامه ، وعلى جميع الوثائق الملحقة به وذلك بمجرد ما تقام عليه دعوى التأديب ويمكنه أن يقدم إلى المجلس التأديبي ملاحظات كتابية أو استفهامية وان يستحضر بعض الشهود وان يحضر معه مدافعا باختياره وللإدارة أيضا حق إحضار الشهود » مما يفيد كون المشرع حدد سلفا حقوق الموظف المتهم والإدارة، إذ أعطى للموظف الحق في الإطلاع على ملفه ووثائقه مع تقديم ملاحظات واستحضار شهود ومدافعا باختياره، بينما حصر حق الإدارة في إحضار الشهود دون إمكانية تنصيب محام للدفاع عنها في مواجهة الموظف المتابع باعتبار أن حضور محام مع الإدارة سيؤدي إلى إخلال في تشكيلة المجلس التأديبي مادام التنصيص عليه غير وارد في القانون مما يبقى القرار المطعون فيه المنبثق عن مجلس تأديبي مشكلا بصفة غير قانونية متسما بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون والسبب المعتمد في هذا الصدد غير مرتكز على أساس، والحكم المستأنف لما قضى بإلغائه صائبا وواجب التأييد .
و هنا يتجلى حق الإطلاع على الملف إذن في عدم تطبيق أي عقوبة تأديبية عل الموظف قبل تمكينه من الإطلاع على الاتهامات المنسوبة إليه ، حتى يتعرف عليها و يدلي بملاحظاته بشأنها ، و لأجل ذلك يجب على الإدارة أن تحترم بعض الالتزامات منها أن تعلم موظفيها بالإجراءات التأديبية المنصوص عليها قانونا نتيجة للخطأ الذي ارتكبه وان لا تتغافل عن ذكر الأسباب التي دفعتها إلى إقرار العقوبات ، ففي هذا الصدد يجب أن يمنح للموظف المتابع اجل الإطلاع على ماهو منسوب له و معرفة الأدلة التي يتأسس عليها قرار إدانته ، ذلك أن المحاكم الإدارية تصدت لكثير من الحالات التي لم تحترم فيها هذا المبدأ و قضت فيها بإلغاء القرارات إضافة إلى تمكين المعني بالأمر من الأجل المعقول لإعداد دفاعه فقد لا يكفي الأجل الذي تمنحه سلطة التأديب لإعداد الدفاع ،بالتالي فان عدم كفاية الأجل كانعدامه تماما.
الفرع الثاني: المثول أمام المجلس التأديبي
يمثل هذا المجلس اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء التي يجب استشارتها قبل تطبيق أي عقوبة في حق الموظف و إلا تعرض مقرر الإدارة التأديبي للإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة.
إذن من الضروري استشارة السلطة التأديبية للمجلس التأديبي في التطبيق العقوبات التأديبية عدا الإنذار و التوبيخ.وإذا لم يقتنع المجلس التأديبي بالمعلومات المعطاة له فيمكنه إجراء بحث ويعطي رأيا معللا بالأسباب في العقوبة التي تبين له وجوب اتخاذها إزاء الأعمال التي عوقب عليها المعني بالأمر و يوجه هذا الرأي إلى السلطات التي لها حق التأديب.
بحيث أن القضاء يعتبر مسالة العرض على المجلس التأديبي قبل النطق بالعقوبات الجسيمة من الأمور الجوهرية التي تضفي على القرار التأديبي صفة المشروعية و دليل ذلك هو أن المجلس الأعلى ألغى العديد من القرارات إما لتحيز أعضاء المجلس التأديبي و لانعدام المساواة في التركيب.
من جهة أخرى تشكل إحالة الموظف إلى المجلس التأديبي ضمانة له من أجل الدفاع عن نفسه فيما توبع به من أجله وهذا ما جاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط حيث اعتبرت أن استدعاء الإدارة للمعني بالأمر بمحل سكناه من أجل المثول أمام المجلس التأديبي في وقت كانت تعلم فيه بأنه كان متواجدا بالسجن لقضاء العقوبة السجنية المحكوم بها عليه،وقيام المجلس المذكور بالنظر في القضية بدعوى تعذر حضور المعني بالأمر رغم إمكانية استدعائه من السجن يجعل القرار المطعون فيه متسما بتجاوز السلطة لعيب الشكل المتمثل في خرق حق الدفاع المنصوص عليه في الفصل 67 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
وفي حكم آخر لنفس المحكمة ” وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن الإدارة لم تتحرك لمعاقبة الطاعن إلا بعد إصراره على بعث الرسائل إلى مدير المعهد حول سوء تسيير المركز الجهوي للبحث العلمي بالقنيطرة ، إذ بادرت إلى إرسال لجنة تفتيش اعتمدت نتائجه دون الإدلاء به أمام المحكمة سيما وأن الطاعن قد أجاب عن طلب الاستفسار الموجه إليه داحضا جميع ما ورد فيه ، فكان على الإدارة إحالته على المجلس التأديبي ضمانا لحقوق الدفاع بإفساح الفرصة أمامه لبسط جميع النقط التي تدحض ما جاء في تقرير التفتيش ، لا أن تكتفي بإصدار العقوبة المطعون فيها التي هي من العقوبات البسيطة الخاصة بمخالفة من نفس النوع والتي لا يلجأ إليها إلا إذا لم يدل الموظف بأي تفسير حول ما ينسب إليه أو أن تكون تلك التفسيرات غير مقنعة بدرجة واضحة.
غير أن اقتراح العقوبة من قبل المجلس التأديبي في مواجهة الموظف المتابع من أجل مخالفات مهنية تتم على شكل تداولي ، ولا يمكن أن يستأثر بهذا الاقتراح الرئيس وحده دون باقي الأعضاء الممثلين للموظفين وكذا الممثلين للإدارة. إن ما ورد في محضر المجلس التأديبي من كون ممثلي الموظفين اقترحوا عقوبة تختلف عن العقوبة التي اقترحها الرئيس، وعدم اقتراح ممثلو الإدارة أي عقوبة، يجعل قرار العزل المبني على اقتراح هذه العقوبة من قبل الرئيس وحده متسما بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون لكونه جاء خارقا للضمانات التي يجب أن يتمتع بها الموظف وهو أخذ رأي المجلس التأديبي بأغلبية أعضائه.
المطلب الثاني: الضمانات المواكبة
من الضمانات المعاصرة لتوقيع العقوبة التأديبية على الموظف هناك ضمانتان منها ما يهم أعضاء المجلس التأديبي , يجب أن يتوفر فيهم عنصر الحيدة هذا من جهة, أما من جهة أخرى ما يرتبط بالقرار التأديبي حيث يجب ان يكون معللا.
الفرع أولا: حياد المجلس التأديبي.
تعتبر الحيدة من أهم الضمانات في مجال التأديب حيث يفترض وجودها في كل من يتولى سلطة أو يمارس اختصاصا وفي كل ما يصدر عنه من أعمال.
فمن يبدي رأيه يمتنع عليه الاشتراك في نظر القضية والحكم فيها وذلك ضمانا لحيدة القاضي أو عضو المجلس التأديبي الذي يجلس من المتهم مجلس الحكم وبين سلطة الاتهام حتى يطمئن إلى عدالة قاضية وتجرده من التأثر بعقيدة سبق أن كونها عن المتهم موضوع المحاكمة, بمعنى أنه يجب على كل من يجلس مكان القاضي أن لا يكون قد كتب أو استمع أو تكلم عن القضية موضوع التأديب وهذا راجع إلى سبب واحد وهو صفاء نفسية الحكم, من كل ما يمكن أن يكون لهذا القاضي رأي مسبق عن المتهم وبالتالي يكون هذا الأخير يعرف مصيره.
فلا يجب الجمع بين أعمال التحقيق والاتهام وسلطة توقيع العقاب، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكمها عدد 363 بتاريخ 20 يونيو 2001 حيث جاء فيه أنه من مقومات المحاكمة التأديبية ضرورة توفر عنصر الحياد في الجهاز التأديبي حتى يمكن الاطمئنان لقراره , فحضور المسؤول الذي حرر التقرير التأديبي في مواجهة الموظف وكذا أحد الشهود على المخالفة الإدارية بصفتهم أعضاء في المجلس التأديبي يشكل مسا بعنصر الحياد يستوجب,إلغاء القرار التأديبي بسب مخالفة القواعد العامة للمحاكمات.
وفي قرار أخر للمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 18/3/1994 ذهبت فيه إلى أن ترأس المفتش العام للمجلس التأديبي رغم أنه هو الذي حرر محضر التفتيش المستند إليه في تأديب الطاعن جعل من الرئيس المذكور خصما وأبعده عن الحياد والتجرد الذي كان يجب أن يتحلى بهما مما أضفى على القرار المطعون فيه صبغة عدم المشروعية المتجلية في فقدان الطاعن للضمانات التي يوفرها القانون للموظف المتابع تأديبيا. ومن مبادئ الحيدة في إجراءات التحقيق , أن لا يؤثر أثناء أجوبة الموظف المتهم لقول ما لا يريد قوله , بل لا بد له أن يترك للمتهم الحرية الواسعة في الجواب وأن لا يمارس عليه أي شكل من أشكال الضغط .
و المشرع المغربي في النظام الأساسي للوظيفة العمومية وفي المرسوم المنظم للجان الإدارية المتساوية الأعضاء , لم يتحدث على عنصر الحياد خلال الحديث عن مسطرة تأديب الموظفين .
الفرع الثاني : تعليل القرارات التأديبية
يجب أن تكون العقوبة معللة بمعنى إعلان الدافع وراء اتخاذ إجراءات تأديبية، فيعتبر تعليل القرار الإداري من أهم ضمانات التأديب فهو العنصر القانوني أو الواقعي الذي يدفع بالإدارة لإصدار القرار التأديبي . فهو حالة واقعية , وقانونية تحمل الإدارة على التدخل قصد إحداث أثر قانوني معين محل القرار ابتغاء تحقيق الصالح العام وهو هدف القرار , فسبب القرار التأديبي هو ثبوت مخالفة الموظف أو العامل بمرافق الدولة للواجبات الأخلاقية والوظيفية المفروضة عليه ويكون تدخل الإدارة للمحافظة على كرامة الوظيفة أو القطاع الذي ينتمي إليه المتابع تأديبيا ويبين للموظف ما إذا كانت الأخطاء التي وقع العقاب على أساسها قد تمت مواجهته بها،ومدى أخد السلطة التأديبية بما أبداه من دفاع ومدى التزام هاته السلطة بالاعتبارات القانونية في توقيع العقاب. وهذا ما سنتطرق إليه بشئ من التفصيل في المبحث الثاني .
بقي أن نشير في آخر هذا المبحث إلى أحد الإجراءات المهمة التي تسمح للموظف الذي وقع عليه قرار تأديبي بإمكانية مراجعته من خلال مسطرة التظلم في المرحلة الإدارية.
يعتبر التظلم الإداري مسطرة يتم إتباعها في إطار القضاء الإداري كوسيلة يدفع بها الموظفون أو غيرهم من الأشخاص الإدارة إلى التراجع عن قرارات أصدرت في حقهم ،ويوجه التظلم الإداري إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار لحثها على تسوية النزاع القائم معها بشكل ودي.
يمكن تعريف التظلم الإداري بأنه شكوى أو طلب يرفع من قبل الموظف الصادر في حقه قرارا تأديبيا، إلى السلطة المختصة بنظر هذا التظلم، فقد تكون هي مصدرة القرار – تظلم استعطافي – وقد تكون سلطة تعلو تلك المصدرة، – تظلم رئاسي- أو أي هيئة مستقلة تختص بالرقابة و المتمثلة في اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء إذ يحق للموظف التظلم من القرار أمامها و إذا تبين صحة تظلمه فإنها تصدر رأيا معللا في الموضوع و توجهه إلى الرئيس (مصدر القرار) إلا أن رأيها استشاري غير ملزم والغرض منه هو إعادة النظر في القضية ومراجعة القرار إما بسحبه أو تعديله، أو إلغائه .
إن الأمر إذن يتعلق بالرقابة الإدارية التي يمكن إدراجها ضمن الضمانات الإدارية المخولة للموظف، فقد نص المشرع المغربي على هذا النوع من الضمانات الممنوحة للموظفين في المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية حيث جاء فيه “يجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا قبل انقضاء الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة تظلما من القرار إلى مصره ا والى رئيسه ، و في هذه الصورة يمكن رفع طلب الإلغاء إلى المحكمة الإدارية داخل اجل 60 يوما يبتدأ من تاريخ القرار الصادر صراحة برفض التظلم الإداري كليا أو جزئيا ”
إذا كان التظلم يقدم داخل اجل 60 يوما من صدور القرار التأديبي فسكوت الإدارة بعد مرور هذا الأجل يعتبر هذا التظلم بمثابة رفض ضمني من الإدارة له ، فرد الإدارة على هذا الطلب يكون أما بقرار صريح أو ضمني ، فالقرار الصريح للإدارة ينبغي أن يتضمن قبولها أو رفضها للتظلم خلال المدة المحددة و أن يبلغ إلى علم الموظف المعني بالأمر أما القرار الضمني للإدارة فيستنتج من سكوتها بعد مرور 60 يوما بمثابة قرار بالرفض.
و الحكمة من وجود التظلم الإداري هي أن الإدارة قد تقتنع بوجهة نظر مقدم التظلم و تعترف بعم مشروعية قرارها التأديبي فتقوم بسحبه أو تعديله ، فيمكن بذلك حل الكثير من المنازعات بطريقة ودية دون تدخل القضاء، كما أن التظلم الإداري قد يدفع الإدارة إلى سحب قرارها أو تعديه لعدم الملائمة.
و من خصائص التظلم انه اختياري أمام الموظف إن شاء تظلم الإدارة وان شاء رفع دعواه مباشرة إلى القضاء دون سبق التظلم
من تم فان الضمانات السابقة ذكرها ليست الضمانة الوحيدة التي يتوفر عليها الموظف و إنما له حق اللجوء إلى المطالبة القضائية بعد استيفاء حقوقه الإدارية ،ويتجلى التدخل القضائي في رقابة الإجراءات التأديبية فالعقوبة يجب أن تكون معللة أي إعلان الدافع وراء اتخاذ إجراءات تأديبية..و هذا ما سنعالجه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني :الرقابة القضائية ضمانة أساسية للموظف الخاضع لمسطرة تأديبية
اعتبارا لإمكانية التعسف من قبل السلطة المختصة بالقرار التأديبي في حق الموظف كنتيجة لخطئه أو إخلاله لبعض الالتزامات المفروضة عليه قانونا،وبعد استنفاذ الطرق الإدارية للتعرض على التأديب يبقى اللجوء للقضاء من اجل الطعن في هذا القرار لسبب من الأسباب وسيلة وضمانة في نفس الوقت لحماية حقوق الموظف . وفي هذا الإطار يعتبر القضاء الإداري خاصة قضاء الإلغاء ضمانة قضائية لمواجهة احتمال تعسف السلطة التأديبية.وهذا ما سنتطرق إليه من خلال الحديث عن إلغاء القرار الإداري التأديبي بسبب الانحراف في السلطة و الإلغاء لانعدام التعليل(المطلب الأول) ومن جهة ثانية ونظرا للضرر الذي يتعرض له الموظف جراء القرار التأديبي والذي يكون في معظمه مرتبطا بالجانب المادي فإن الموظف المعاقب تأديبيا يلجا لمحو العقوبة والحصول على التعويضات المترتبة عن الأضرار التي لحقته وذك من خلال دعوى التعويض (المطلب الثاني)
المطلب الأول:دور قضاء الإلغاء في حماية الموظف من التجاوز في القرار التأديبي
تعتبر القرارات الصادرة عن المجالس التأديبية بمثابة تصرفات قانونية تحدث آثارا مؤثرة في المراكز القانونية للموظفين الخاضعين لمسطرة التأديب. لذلك فهي تخضع للرقابة القضائية عن طريق دعوى الإلغاء.هذه الدعوى التي هي موضوع القرارات الإدارية يجوز توجيهها ضد أي قرار إداري متى توفرت فيه مقومات وشروط القرار الإداري.واعتبارا لكون قرار المجالس التأديبية يصدر عن هيئة إدارية تتمتع بسلطة تقديرية في إنزال العقاب على الموظف فإن القضاء الإداري وخاصة قضاء الإلغاء له دور أساسي في
مراقبة هذه السلطة وبالتالي فهو ضمانة للموظف ضد كل تجاوز أو شطط في استعمال هذا الحق(الفرع1) ومن جهة ثانية فدعوى الإلغاء توجه ضد كل قرار تأديبي غير معلل(الفرع2)
الفرع الأول :إلغاء القرار التأديبي للشطط أو التجاوز في استعمال السلطة
يقوم القضاء الإداري عموما ببسط مراقبته على صحة الوقائع المعتمدة في القرار الإداري، بالتأكد من وجودها ومن حيث تكييف الوقائع والنظر في الملائمة بين التكييف المعتمد والنتائج التي تتوصل إليها السلطة في مجال التأديب.وفي إطار الاختصاصات المخولة للمجالس التأديبية الخاصة بالموظفين قد تستخدم هذه المجالس سلطتها لتحقيق غرض غير مشروع أو منفعة غير إدارية بمن صدر في حقه المقرر الإداري لتحقق بذلك أغراضا شخصية حيادا على المصلحة العامة. ويأخذ هذا العيب مظهر مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف واستعمال المصلحة مطية لتحقيق أغراض شخصية كقرار نقل موظف تحت غطاء المصلحة العامة لاستغلال المنصب الشاغر في توظيف أحد أقرباء مصدر القرار ،ويقع دليل إثبات الانحراف في استعمال السلطة على عاتق المتمسك به الذي يمكن أن يثبت بجميع الوسائل القانونية التجاوز الحاصل في حقه من جراء القرار التأديبي وتكون فرصة وضمانة لتصحيح الخطأ في حالة إقرار المحكمة لذلك.
من جهة أخرى فالمحاكمة العادلة تقتضي أن تكون الغاية منها هو مراعاة حرمة الإدارة المصدرة للقرار التأديبي والمحافظة على هيبتها لضمان السير العادي للمرفق العام والمصلحة العامة،ومن جهة ثانية توفير كافة الضمانات للموظف المتابع وعدم المساس بها في إطار التجرد والنزاهة،وعليه تكون العقوبة الصادرة في حقه عقوبة ملائمة لطبيعة المخالفة المرتكبة ،وان كل غلو في تقديرها يعتبر تعسفا في استعمال الحق ومسا بحقوق الموظف وبالتالي فتدخل قضاء الالغاء يكون تكريسا لمبدا العقوبة من جنس العمل وتصحيح الخطأ المرتكب في حق الموظف الذي تم تأديبه.
وفي قرار للمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 4 مارس 1999 وفي إطار مراقبة مدى ملائمة العقوبة التأديبية المتخذة في حق الموظف بالنظر للمخالفة المنسوبة إليه قضت بكون “نقل مستخدم الصندوق الوطني للقرض الفلاحي-امرأة متزوجة- عقوبة غير ملائمة.
لئن كان القانون الأساسي لمستخدمي الصندوق الوطني للقرض الفلاحي ليدرج النقل ضمن سلم العقوبات التأديبية طبق للفصل 81 منه فإن هذه العقوبة يجب ان تكون ملائمة لظروف المستخدم ،خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بامرأة متزوجة.
وإذا كانت للإدارة المطلوبة في الطعن سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة التي تراها مناسبة في حق مستخدميها ،فغنه بالنظر إلى وضعية الطاعنة كامرأة متزوجة ،فإن عقوبة النقل المتخذة في حقها تعتبر بالنسبة إليها غير مناسبة ،لأنها تؤدي حتما إلى تشتيت أسرة بكاملها ،وذلك بالنظر إلى المسافة الرابطة بين مدينة سلا ومدينة ابن جرير الي تم نقل الطاعنة إليها”
الفرع الثاني: إلغاء القرار الإداري التأديبي لعدم التعليل
المشرع المغربي أصدر قانون 01-03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعية المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية , ويشكل هذا القانون أحد الضمانات الهامة في مجال احترام المواطنين وأحد الضمانات القانونية لإلزام السلطات الإدارية بالتقيد بأحكام المشروعية, المادة الأولى من قانون رقم 01-03 تلزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية , الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت طائلة عدم المشروعية وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها .
ونصت المادة الثانية ’’ تخضع للتعليل , مع مراعاة أحكام المادتين 3و4 من هذا القانون , علاوة عن القرارات الإدارية التي أوجبت النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل , تعليلها القرارات الإدارية التالية .
أ- القرارات المرتبطة بمجال ممارسة الحريات العامة أو التي تكتسي طابع إجراء ضبطي
ب- القرارات الإدارية القاضي , بإنزال عقوبات إدارية أو تأديبية
ج – القرارات الإدارية التي تفيد تسليم رخصة أو شهادة أو أي وثيقة إدارية أخرى بشروط أو تفرض أعباء غير منصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
د- القرارات القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ لحقوق
ه-القرارات الإدارية التي تستند على تقادم أو فوات اجل أو سقوط حق
و- القرارات التي تفرض منح امتياز يعتبر حقا للأشخاص الدين تتوافر فيهم الشروط القانونية .
وقد أكد القضاء الإداري على أن أي قرار تأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره وأن لا يكون معيبا كما جاء في حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 14 فبراير 2007 بتأكيدها على انه أثناء مراقبة المحكمة لعيب السبب في مجال التأديب ملزمة برقابتها للوجود المادي للواقعة المؤدية للجزاء التأديبي ومن تم إلغاء القرار بإثبات قيامه على وقائع غير صحيحة.
ونفس الاتجاه سارت عليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها رقم1271 بتاريخ 7يونيو2007 مل رقم 94/06 غ في قرار عزل السيد عبد الجليل بن دادة من أسلاك الأمن الوطني, ملغيتا القرار , و مؤكدتا على أن السبب في القرار الإداري,يجب أن يكون ثابتا وواضحا لا لبس فيه.
واستناد إلى ما سبق فإننا نؤكد أن تسبيب القرار التأديبي أصبح ضرورة ملحة نظرا لقيامه على العنصر القانوني في الحياة العملية للموظف بمعنى ـأن مشروعية القرار التأديبي تقتضي تعليلا واضحا وقانونيا من جانب السلطة التأديبية , فالتعليل يمكن الموظف من معرفة الأسباب الحقيقية التي بني على أساسها العقاب ويتيح له فرصة الدفاع عن نفسه بناء على الأسباب الواردة في القرار .
ذلك أن السبب كركن من أركان القرار الإداري يعتبر الحالة القانونية أو الواقعية التي تدفع الإدارة لاتخاذ قرارها والباعث على إصدار القرار الإداري ،والعيب في السبب عند التعليل يلحق الوقائع التي بني عليها القرار ويلحق التكييف القانوني الذي تضفيه الإدارة على تلك الوقائع التي بني عليها القرار التأديبي بأن تكون غير صحيحة أو غير موجودة فإن ذلك يقضي إلى إلغائه لسبب من الأسباب،كان يصدر قرار بإيقاع عقوبة تأديبية في حق موظف لارتكابه إخلالات مهنية غير قائمة في حقه أو مثلا تبلغ الإدارة بطلب استقالة موظف ويتبين فيما بعد أن طلب الاستقالة قدم تحت تأثير المرض العقلي وهي عالمة بذلك فيكون قرارها متسما بعيب السبب ،أو تقديم طلب استقالة في اسم شخص تبين أنه لم يتقدم قط بالطلب المذكور.
المطلب الثاني: دعوى التعويض لجبر الضرر الناتج عن القرار التأديبي
نتطرق في هذا المطلب بداية لطبيعة دعوى التعويض ضد القرارات التأديبية في حق الموظف( الفرع1) بعدها نتناول الضمانات التي تكفلها هذه الدعوى للموظف الذي تم تأديبه(الفرع2)
الفرع الأول : طبيعة دعوى التعويض ضد القرارات التأديبية
بالنسبة لدعوى التعويض لصالح الموظف المتضرر من القرار التأديبي والذي تبث عدم شرعية هذا القرار في حقه وانه أصيب جراء ذلك بأضرار فيحق له أن يحصل عن طريق القاضي على تعويض عن الأضرار الناجمة من جراء القرار التأديبي أو التماطل في عدم تنفيذ الحكم القضائي الملغي لذلك القرار .
وعليه فدعوى التعويض يرفعها الموظف المتضرر من قرار المجالس تأديبي بعد أن تبث المحكمة في دعوى الإلغاء للقرار المتخذ في حقه إذ لا يعقل أن يطلب تعويضا عن قرار تأديبي صادر في حقه ولم يطعن فيه بالإلغاء .ذلك أن القرارات التأديبية و التي من طبيعتها تسبب ضررا ماديا ومعنويا للموظف إذاكانت صادرة بشكل قانوني وفي احترام تام للمساطر الادارية الجاري بها العمل ولم يتم تقديم دعوى ضد السلطة المختصة بإصدارها لا يمكن طلب التعويض
كما أن هذه الدعوى تتبع إجراءات غير دعوى الإلغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة وتختص بالنظر في ذلك في المغرب كأول درجة المحاكم الغدارية المحدثة سنة 1991 بعد أن كانت تختص بذلك المحاكم الابتدائية
عموما فدعوى التعويض يرفعها المتضرر إلى المحكمة للمطالبة بتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة تصرف الإدارة ،وتعتبر هذه الدعوى أهم صورة من صور دعوى القضاء الشامل التي تتسع فيها سلطة القاضي الإداري لتشمل تعويض الضرر الناشئ عن تصرفات الإدارة وهو ما يعرف بالمسؤولية الإدارية في دعاوى التعويض.
الفرع الثاني:ضمانات دعوى التعويض لجبر الضرر اللاحق بالموظف الذي تم تأديبه
تبدو أهمية دعوى التعويض في كونها تكمل الحماية التي يسبغها قضاء الإلغاء على حقوق الموظفين بإعدام القرارات التأديبية لعدم مشروعيتها ،وذلك عن طريق تضمين الضرر الذي يصيب الموظفين في فترة مابين صدور القرار وبين
إلغائه.كما تظهر أهمية هذه الدعوى في أن اللجوء إليها يظل مفتوحا في حالة ما إذا أغلق باب الطعن بالإلغاء أو النقض كما هو الشأن في حالة انقضاء أجل الطعن(60 يوما) .ذلك أن الموظف العمومي الذي صدر في حقه قرار تأديبي غير مشروع ولم يطعن فيه بالإلغاء لفوات أجل الطعن أو قد يتم الطعن خارج الأجل القانوني ،فغن مثل هذا القرار يصبح محصنا ولو كان متسما بعيب عدم المشروعية ، ففي هذه الحالة أجاز القضاء للمتضرر من هذا القرار أن يراجع المحكمة الإدارية في إطار مقتضيات الفصل الثامن من قانون 90-41 للمطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق به جراء القرار المعيب
هكذا قضت المحكمة الإدارية باكادير في حكم لها بعدم قبول الطعن لتقديمه خارج الأجل القانوني وحكمت للطاعن بالتعويض موضحة أن رفض دعوى الطعن بإلغاء قرار عزل موظف لتقديمها خارج الأجل القانوني لا يمنع المحكمة من تفحص القرار والحكم للطالب بالتعويضات عن العزل عند الاقتضاء.
وقد بنت المحكمة حكمها على أن قرار العزل الصادر ضد الطاعن غير معلل وأن الغدارة لم تثبت ارتكاب الطاعن للمخالفات الخطيرة المنسوبة إليه ، ممايكون معه قرار العزل غير مشروع وموجب للتعويض
يمكن القول إذن إن حق الموظف الذي فاته أجل الطعن بالإلغاء في قرار صادر عن الإدارة واعتبره غير مشروع يظل قائما إذ أنه لو فقد وظيفته بسبب العزل الذي لايمكن التراجع عنه ،فإن الضرر الحاصل له من جراء العزل يكون قابلا للتعويض .وللحكم بالتعويض يجب أن يكون القرار التأديبي غير مشروع أي شابه عيب من عيوب عدم المشروعية المعروفة وسبب بذلك ضررا للموظف وهذا ما يسمى بالمسؤولية القائمة على الخطأ. ويتمثل الخطأ في مجال التأديب في إصدار قرار تأديبي غير مشروع أي مشوب بعيب أو أكثر من العيوب التي تخول الحق في إلغائه.
وبخصوص طبيعة التعويض فانه إذا تحققت مسؤولية الإدارة فغن جزاءها هو التعويض وغالبا ما يكون نقدا ويقدر على أساس جسامة الخطأ ويقر وقت صدور الحكم، والقاعدة في تقدير الضرر هي أن يراعي مالحق المضرور من خسارة ومافاته من كسب وأن تراعى كذلك ظروفه الصحية وحالته العائلية والمالية لأن التعويض يقدر على أساس ذاتي.وإذا كان الطعن في قرارات الإدارة التأديبية مع إمكانية طلب التعويض عن الأضرار المترتبة عنها من بين أهم الضمانات المتوفرة للموظف العمومي للحد من تعسف الإدارة وتصحيح الأخطاء المرتكبة.
عموما فالنظام التأديبي في القانون المغربي كما هو الشأن بالنسبة للقوانين الأخرى يتضمن مايكفي من القواعد لحماية الموظف العمومي من شطط الغدارة.لكن القانون وحده غير كاف لتحقيق هذا الهدف إذا لم يقترن بإرادة حقيقية لنقل هذه القواعد من المجال النظري إلى المجال التطبيقي ويمكن بالتالي من التوفيق مابين مصالح الموظفين وبين متطلبات المصلحة العامة.