تدبير الموارد البشرية
يعرف بيير روسل (Roussel.P) (1) تدبير الموارد البشرية على انه مجموع الأنشطة التي تهدف إلى تطوير وتنمية الفعالية الجماعية للأفراد والأشخاص العاملين بالشركة أو المقاولة أو المؤسسة لتحقيق الأهداف المتوخاة.
هذا التعريف يخص تدبير الموارد البشرية كعلم قائم بذاته اليوم في ميدان التسيير الاقتصادي والإداري والذي عرف ميلاده الحقيقي مع ظهور الثورة الصناعية خلال نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر بعد أن كانت مسالة العمال لا تعالج إلا في إطار العبودية بحيث لا حق لهم في المطالبة بالأجر، بعد مرحلة الرق انتقل الإنتاج و معه بذلك العمل إلى فترة الأنظمة الإقطاعية التي لم تكن تؤمن سوى بالاستغلال في أقصى صوره. و مع ظهور النظام الرأسمالي الذي صاحب الثورة الصناعية ابتدأ التفكير في تنظيم و تسيير شان العمال .
فابتدءا من سنة 1900 تم التدبير وفق مقاربة أسست اعتمادا على الأنشطة ( التوظيف و التكوين والاحتفاظ من خلال الأجر و التحفيز ) إلى حدود سنة 1960 حيث تغير الأمر إلى مقاربة نظامية (2) اعتمدت لما يقارب الثلاثين سنة حيث ابتدأ الاعتماد على المقاربة الإستراتيجية (3) مع الإشارة إلى أن كلا من المقاربتين الأخيرتين تعتبر امتدادا و تطورا لسابقتها.
إن حسن تدبير الموارد البشرية داخل المنظمة(4) سواء كانت خاصة ( هدفها تحقيق الربح الأقصى ) أو عامة ( هدفها تقديم خدمة عمومية مجانية ) يمثل شرطا أساسيا لتحقيق التطور و الاستمرار.
فتدبير الموارد البشرية لا يعني فقط تسيير الحصيص من الأطر و العمال ومراقبة الأنشطة و حساب إجمالي المر دودية بل يتجاوز ذلك إلى مقاربة كيفية تتم من خلال مواكبة المورد البشري و تمكينه من تكوين يساعده على المسايرة والقدرة على التطور وهو الأمر الذي جعل الكثير من المنظمات تهتم بالتكوين الأساس و التكوين المستمر.
نظرا لأهمية تدبير الموارد البشرية في القدرة على أداء المهام بفعالية و نجاعة من جهة والمساهمة في تنوير فكر كل من له اهتمام بمعرفة ماهية موضوع تدبير الموارد البشرية فإننا سنحاول الكتابة في الموضوع من خلال مبحث بسيط نعتمد فيه على المحورين التاليين :
① نظرة عامة عن وظيفة الموارد البشرية.
② أهم أنشطة تدبير الموارد البشرية .
المحور الاول : نظرة عامة عن وظيفة الموارد البشرية .
الحديث عن الموارد البشرية يقتضي العودة للكلام عن رسالة المنظمة (4) بصفة عامة والتي تتلخص في الهدف من إنشائها أو سبب وجودها. وبذلك فان رسالة الموارد البشرية عنصر أساسي في المنظمة هي أن تضع رهن إشارة المنظمة العنصر البشري الضروري لتحقيق الفعالية و النجاعة بغية المحافظة عليها و تطويرها.
رسالة الموارد البشرية داخل أي منظمة يجب إن تنتهي إلى تحقيق الأهداف الصريحة ،الواضحة والأهداف الضمنية ،المضمرة مثل :
• جلب المرشحين الأكفاء.
• الاحتفاظ بالأجراء الذين يحققون الكفاية ( الإشباع ) داخل المنظمة .
• تنمية و تحفيز و إدماج الأجراء .
• تحسين المر دودية مع الجودة .
• دفع الأجراء إلى استعمال الطاقة القصوى واستثمار كفاءتهم في الشغل.
• ضمان الاحترام القانوني و تامين الكرامة الاجتماعية للأجراء.
• تحليل و تقويم الشغل .
• الإشراف الجدي على عمليات الانتقاء و التوظيف و التعيين.
• تكوين و تطوير الرأسمال البشري .
• تنظيم العمل و العلاقات الاجتماعية .
• انجاز وتحليل أنشطة التوقع العلمية.
ودائما في سبيل الوصول إلى الرسالة المنوطة بها ، فان للموارد البشرية ادوار مهمة يمكن إجمالها في الجدول :
الإدارة التسيير التواصل
_ انجاز بطائق/جذاذات تعريفية للعمال و الموظفين.
_ إنشاء بطائق الأداء .
_ إجراء فحص اجتماعي.
تحديد سياسات :
_ التوظيف
_ الأجر
_ التكوين
_ الترقية
_ تدبير المسار المهني
العمل على تسهيل التواصل من خلال :
_ الإعلانات
_ مجلة المنظمة
_ مذكرات داخلية
_ مشروع المنظمة
و من اجل تحريك عجلة اشتغال الموارد البشرية هناك عدة أشكال و صيغ لتنظيم هذه الموارد داخل المنظمة و التي تهم مختلف المصالح المرتبطة مباشرة بالإدارة العامة أو المصالح الفرعية ، لكن يمكن تلخيصها في شكلين مهمين :
أ) إدارة حسب المسؤولية :
كل مصلحة داخل الإدارة تتكلف بمعالجة مهمة محددة التوظيف أو التكوين أو الإدارة.
بمعنى أن كل مصلحة تعنى بنشاط واحد لكل فئات الأجراء.
ب) إدارة منظمة حسب وظيفة و صنف المسؤول :
شكل تنظيمي يتميز بوجود ثلاث مستويات ،مصلحة اولى تعنى بالأطر العليا ثم ثانية تهم التقنيين والأطر المتوسطة و مصلحة ثالثة تنظم شئون باقي العمال.
أي أن كل مصلحة تهم مجموع الأنشطة الخاصة بكل فئة على حدة.
تتجلى أهمية تدبير الموارد البشرية في المنظمة في تزويد مختلف مصالحها بالعنصر البشري الذي تحتاجه من خلال تدخلها في مختلف المجالات :
▪ تدبير الحصيص ( التوظيف / التسريح )
▪ تدبير المسار المهني ( الترتيبات الداخلية )
▪ تدبير الأجور ( الحوافز ، الزيادات …)
المحور الثاني : أهم أنشطة تدبيرا لموارد البشرية.
بعد إنهاء المحور الأول سنتحدث عن أهم أنشطة تدبير الموارد البشرية والتي نستطيع إجمالها فيما يلي : التوظيف ، الأجر ، التكوين، التحفيز ، تدبير المسار المهني ، تدبير الخلافات .
فالتوظيف كأول نشاط هو مجموع العمليات و الإجراءات الهادفة لاختيار أفضل المرشحين ممن يملكون المؤهلات المناسبة لمنصب الشغل المراد شغله.
ولأجل إنجاح أي توظيف ،هناك مراحل منهجية يجب إتباعها :
1) المرحلة الأولى : تحديد الحاجيات من العمال. { حاجيات راهنة او متوقعة للمستقبل } .
2) المرحلة الثانية : تحديد منصب الشغل : وذلك عبر تحديد وصف دقيق له مع تحديد المهام التي سيقوم بها المرشح المقبول وغالبا ما يكون ذلك حسب بطاقة عن منصب الشغل المعني تقدم المعلومات الكاملة والموضوعية المطابقة للواقع.
3) المرحلة الثالثة : تحديد مؤهلات المرشح المطلوبة على بطاقة تقنية تبين الكفايات و المعارف المفروض توفرها في المرشح {التكوين الأساس ،التجربة المهنية ، الكفايات الخاصة }.
4) المرحلة الرابعة : تحديد سياسة التوظيف .
بعد تحديد المنصب و المؤهلات المطلوبة في الأجير المستقبلي ، وجب الاختيار بين عدة طرق للتوظيف الا انه يمكن إجمالها في :
ᴥ توظيف داخلي( أي اختيار المرشح من بين الأجراء العاملين أصلا بالمنظمة ).
ᴥ توظيف خارجي ( اختيار المرشح جديد من خارج المؤسسة ).
5) المرحلة الخامسة : مرحلة الانتقاء.
يتم انتقاء الأجير المناسب على أساس الخطوات التالية :
▪ الاختيار من خلال السيرة الذاتية و الرسالة التحفيزية.
▪ المقابلة.
▪ اختبار القدرة و الشخصية.
▪ اختبار مهني .
6) المرحلة الأخيرة : مرحلة الاستقبال و الإدماج .
يتعلق الأمر باستقبال الأجير الجديد ،بعد قبوله ، عند وصوله وتوقيع العقد معه ثم إدماجه تدريجيا في مسلسل العمل
أما النشاط الثاني فهو الأجر أو الأجرة يمكن تعريفه على انه المقابل الذي يتقاضاه الأجير مقابل العمل المنجز ، تجدر الإشارة إلى أن كل منظمة يجب إن تنهج سياسة أجور توافق بين تحفيز الأجراء و التوازن المالي و المحاسباتي للمنظمة.
بصفة عامة فان أجرة العامل (الأجير) تتكون من الراتب الأساسي المنصوص عليه في العقد ويضاف إليه التعويضات المخولة و الحوافز ثم تحذف منه إقساط الضمان الاجتماعي والتغطية الاجتماعية.
على أن احتساب الأجر يختلف بين القطاع العام والقطاع الخاص ، فهناك طريقة حساب الأجر بدلالة وقت العمل ( عدد ساعات العمل في الشهر ) ، طريقة ثانية هي حساب الأجر بدلالة المر دودية ( عدد الوحدات المنتجة ، رقم المعاملات …) ، طريقة ثالثة لحساب الأجر بدلالة تحقيق الأهداف ( هو الحال بالنسبة للأطر العليا خاصة ) و طريقة رابعة تعتمد في حساب الأجر النقط الاستدلالية والمؤشرات (حالة الوظيفة العمومية ).
ثالث نشاط من أنشطة تدبير الموارد البشرية هو التكوين الذي يمكن تعريفه على انه مجموع الإجراءات والتدريب التي تهدف إلى تلقين الأفراد مهارات وكفايات تكسبهم معارف جديدة وتنمي مواهبهم لمساعدتهم على القيام بمهامهم ووظائفهم بفعالية و نجاعة أكثر.
التكوين يمثل للمنظمة استثمارا في العنصر البشري كونه سيساهم في تحسين و اغناء معارف وكفايات ثم قدرات العمال مما سينعكس إيجابا على المر دودية .
تتجلى اهمية التكوين في كونه يسمح بالنسبة للمنظمة ب :
♥ تأهيل المورد البشري وتكييفه مع ظروف التطور التكنولوجي المتصاعد.
♥ ضمان التنافسية و تحسين الشغل.
♥ زيادة تحفيز العمال .
♥ التحضير للحركية المهنية والترقية.
التكوين يسمح بالنسبة للأجير ب :
♥ التفتح على التطور التكنولوجي وتنمية المعارف.
♥ تحسين التأهيل الفردي.
♥ زيادة الفعالية المهنية و الرفع من حظوظ الترقية.
♥ التجديد و الراهنية.
لضمان تكوين جيد للعنصر البشري الخاص بالمنظمة هناك سبيلين فإما أن المؤسسة تخلق خلايا داخلية تضطلع بدور التكوين المستمر أو تلجا إلى مؤسسات خارجية متخصصة في مسالة التكوين الأساس و التكوين المستمر.
النشاط الرابع في إطار تدبير الموارد البشرية هو التحفيز و الذي يعرف بكونه الأساليب والقوى التي تساهم في دفع الأجير إلى الاشتغال بفاعلية أكثر. للوصول لهذا الهدف فان المؤسسات تنهج أساليب تحفيزية مختلفة ومتكاملة من قبيل المشاركة في التدبير (الإحساس بالمسؤولية ) وفي النتائج والمساهمة في راس المال ، التحفيز المادي والمعنوي (الترقية ، التعويضات ، الشواهد والتشريفات ).
التحفيز في مجال تدبير الموارد البشرية يتوخى عدة أهداف نذكر منها : ♦ جلب و جذب الأجراء إلى المنظمة . ♦ تقوية ثقافة التميز في الشغل. ♦ تعرف المرد وديات الاستثنائية. ♦ توطيد إستراتيجية الأعمال.
تدبير المسار المهني هو النشاط الخامس الذي يميز تدبير الموارد البشرية ، يعرف المسار المهني للفرد على انه سيرورة متواصلة من التجارب المهنية و الكفايات التنظيمية. هذا المسار يمثل الجوانب الذاتية ( القيم، العادات ، الشخصية …) والجوانب الموضوعية (السلوك ،النشاط ، الاختيار المهني ،منصب الشغل …) لشخصية الأجير في كنف المنظمة.
لكي يتطور المسار المهني ايجابيا يجب التوفيق بين الحاجيات الفردية و التنظيمية فكلما كان الأجير أكثر سعادة،نجاحا و إشباعا كلما حققت المنظمة أهدافها بفعالية ونجاعة.
حالات تطور المسار المهني : ◄ تطور عمودي و يعني الترقية الى اعلى في التراتبية التنظيمية للمنظمة .
◄ تطور أفقي ويعني تغيير و توسيع المسؤولية في اطار نفس النشاط او المهمة.
النشاط السادس و الأخير في هذا المحور يتعلق تدبير الخلافات ، فالخلاف هو نزاع يجري بين متعارضين لتحقيق حق ما.
الخلاف داخل المنظمات ما يكون له اثر ايجابي على اعتبار انه يستوجب حلا وهو ما يمثل مرجعا في حل مشكلات مستقبلية.
تدبير الخلافات يقتضي فهم المشكل ثم حله من خلال التواصل ، الانصات ، التفاوض ثم ايجاد حل متبادل الرضاء او اللجوء للقوانين المعمول بها على مستوى المنظمة نفسها او على مستوى القوانين العامة.
أنواع الخلافات : يمكن تمييز خمسة مصادر او مستويات من الخلاف داخل المنظمات .
◘ خلافات داخل الشخص .
◘ خلافات بين الأشخاص .
◘ خلافات بين الأشخاص و المجموعة .
◘ خلافات بين المجموعات .
◘ خلافات بين المنظمات .
(1) : استاذ ومسؤول ماستر تدبير الموارد البشرية بكلية العلوم الاجتماعية ،جامعة تولوز- فرنسا.
(2) :نظرية ترى ان المنظمة يجب ان تدار في اطار شمولي.
(3) : نظرية ترى أن العنصر البشري يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في اختيار استراتيجيات المنظمة بنفس درجة الوسائل المالية و التقنية.
(4) : شخصية اعتبارية تدار بمجلس إدارة.
المراجع :
►Cours universitaires du Docteur Habib El Fathaoui.
►Mémoire de licence des étudiants ( Haiba Brahim , Khalfi Redoine et
www.maghress.com