تعدد الزوجات وفق مدونة الأسرة
تقديم :
عرف المغرب في العشرية الأخيرة عدة تعديلات مهمة في مجال التشريع، وخير دليل على ذلك الانتقال بالعمل بمدونة الأحوال الشخصية إلى العمل بمدونة الأسرة سنة 2004، وقد جاءت هذه المدونة – مدونة الأسرة – بمجموعة من المستجدات، ويرجع الفضل في هذه التعديلات للجمعيات الحقوقية ولمطالب نسائية ولفعاليات سياسية ومدنية.
ولعل من أبرزهذه المستجدات مسألة تعدد الزوجات التي طرحت عدة إشكالات في قبول أو رفض هذا التعدد، فهل صحيح أن ما يروج له من أن مسألة التعدد هي مسألة واقفة على الزوجة المراد التزوج عليها وعلى إذنها وموافقتها أو رفضها لهذا التعدد؟ وانطلاقا من هذا السؤال المركزي تتفرع أسئلة لمعالجة هاته النازلة وهي: ما هي الشروط الواجبة للتعدد؟ (المحور الأول) ثم ما هي المسطرة المتبعة للتعدد؟ (المحور الثاني).
المحور الأول: الشروط الواجبة للتعدد:
الزواج مسألة مقدسة، فهو مؤسسة أو خلية بصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد المجتمع.
فالله سبحانه وتعالى وصفه بالميثاق الغليظ وذلك في قوله عز وجل: ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) سورة النساء، الآية 21.
وقد نهج المشرع المغربي على هذا المنهاج بوصفه الزواج بالميثاق حيث نصت المادة 4 من مدونة الأسرة على أن: “الزواج هو ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الاستمرار والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة”.
وعليه، فالزواج يجب أن ينبني على وجه الدوام كما صرحت بذلك المادة أعلاه ومن بين غاياته الاستمرار والعفاف … ، إلا أنه يمكن أن يتعرض هذا الزواج إلى مشاكل و تقلبات ينجم عنها الطلاق أو التطليق، وأحيانا يمكن أن يلجأ الزوج إلى مسطرة التعدد وذلك بأن يضيف (يعدد) زوجة ثانية أو ثالتة شريطة أن لا يتجاوز أربع زوجات، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلات ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) سورة النساء، من الآية 3.
فالله تعالى ربط التعدد بالعدل ولذلك وجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته رغم أنه من الصعوبة بمكان لقول عز من قائل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة.) سورة النساء، من الآية 128.
فالله عز وجل يؤكد في هذه الآية أن مسألة العدل بين الزوجات من المستحيل أن تتحقق لأنه “ليس باستطاعة الإنسان أن يكبح عواطفه حتى وإن حاول ولكن مع ذلك يتعين عليه أن يحاول التحكم في عواطفه ما أمكن، ولو بالتفكير والإقتناع بأن زوجاته كلهن تستحقن العدل وهو ما ينبغي أن يكون ولو في الحدود الواجبة خاصة المادية”1.
وبالرجوع إلى مدونة الأسرة في المادتين 40 و41 نجد الشروط الواجب توافرها في منح الإذن بالتعدد وهي كالتالي:
*- في حالة خوف المحكمة من عدم العدل بين الزوجات؛ حيث إنه يمكن أن يكون الزوج غير عادل بين زوجاته السابقات وأراد أن يعدد أو أنه غير عادل بين أولاده، فهنا للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد العدل من عدمه.
– حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها ويكون هذا الشرط مضمنا في عقد الزواج أو في اتفاق لاحق، في هذه الحالة المحكمة لا تلجأ إلى مسطرة التعدد لأن الطلب الرامي إلى التعدد المقدم من طرف الزوج هو مرفوض، وبالتالي إما أن يقبل الزوج بهذا الوضع و إما أن يطلق الزوجة الأولى ثم يتزوج بالأخرى وهنا نكون أمام مسطرة زواج عادية وليس مسطرة التعدد .
هذا بالنسبة للمادة 40 أما المادة 41 فإن المحكمة لا تأذن بالتعدد إذا لم يثبت لها ما يلي:
– د، الطاهر كركري، العدالة الأسرية، دراسة في ضوء مدونة الأسرة، كتاب الزواج، مطبعة آنفو برانت ط 1/ يناير2009، فاس، ص1541
* – المبرر الموضوعي الاستثنائي: والمقصود هنا وجود مبرر يعطي الحق للزوج ليعدد؛ كأن تكون مريضة 1بمرض مزمن لا يمكن معاشرتها معاشرة الأزواج، أو أن تكون عاقرا لا تلد …. .
*- عدم توفر الزوج على الموارد الكافية لإعالة الأسرتين لضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، وهنا يجب على الزوج أن يدلي للمحكمة ما يفيد على أنه قادر على إعالة الأسرتين فمثلا شخص يتقاضى 3000درهم شهريا ويقطن في مدينة كالدار البيضاء وله طفلان، ويؤدي واجب الكراء 1500 درهم فهل من المعقول أن يعدد؟ في هاته النازلة لا يمكن التعدد لأن شرط التوفر على الموارد الكافية لإعالة الأسرتين غير متوفر.
المحور الثاني: مسطرة التعدد:
بالرجوع إلى المادة 42 نستشف أنه في حالة عدم وجود أي شرط من الشروط المذكورة أعلاه في الفصلين 40 و41 فعلى الراغب في التعدد أن يتقدم بطلب الإذن بالتعدد إلى المحكمة الابتدائية قسم قضاء الأسرة؛ هذا الطلب يجب أن يتضمن بيان الأسباب الموضوعية الإستثنائية المبررة له، وأن يكون مرفقا بإقرار عن وضعيته المادية، بعدها تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، في حالة ما إذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء فالمحكمة توجه لها عن طريق عون كتابة الضبط إنذارا تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار أو إذا أفادت النيابة العامة* تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه فسيبت في الطلب الذي رفع في المحكمة في غيابها. لكن يمكن أن يكون سبب عدم توصل الزوجة بالاستدعاء ناتجا عن تقديم الزوج بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة، في هاته الحالة تطبق على الزوج العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي في حالة ما إذا طالبت الزوجة المتضررة بذلك.( المادة 43 من مدونة الأسرة).
بعد التبليغ تأتي مرحلة أخرى؛ هي محاولة التوفيق والإصلاح بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة تجري المناقشة في غرفة المشورة بحضور الطرفين. وهنا نكون أمام حالتين:
– الحالة الأولى: هي إصرار الزوجة المراد التزوج عليها المطالبة بالتطليق، وهنا تحدد المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادهما الملزم الزوج بالإنفاق عليهم، وعلى الزوج أن يودع النفقة بصندوق المحكمة داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام وبمجرد الإيداع تصدر المحكمة حكما بالتطليق ويكون هذا الحكم غير قابل لأي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، وفي حالة عدم إيداع المبلغ المذكور داخل الأجل المحدد يعتبر تراجعا عن طلب الإذن بالتعدد.
– الحالة الثانية: في حالة إلحاح الزوج على طلب الإذن بالتعدد، ورفضت الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق هنا تطبق المحكمة تلقائيا مسطرة التطليق للشقاق وهنا يكمن الإشكال في نظري حيث إن الزوجين لا يطالبان بالطلاق أو التطليق، و المحكمة أحالتهم على مسطرة التطليق للشقاق، فكيف يعقل هذا التناقض خصوصا وأنهما لا يطالبان لا بطلاق ولا بتطليق؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى كيف يعقل تفكيك أسرة بكاملها مع العلم أنهما متراضيان في نظري كان من الأجدى لو أن المشرع أبقى على الزواج ووافق على التعدد ويقيد ذلك وفق شروط لا أن يطلقهما.
وباستقرائنا للفصول المنظمة لشروط ومسطرة التعدد لا وجود لما يروج له من أن الزوجة المراد التزوج عليها هي وحدها من لها الحق في أن تمنع الزوج من الإذن بالتعدد أو لا، وإنما لها الحق في الإخبار؛ يعني أن الزوجة تُخبر من خلال المحكمة على أن زوجها يريد التعدد وهي تبدي رأيها أمام المحكمة وهاته الأخيرة هي الوحيدة من لها الحق في أن تعطي الموافقة بالتعدد أم لا .
كن في حالة رفض المحكمة التعدد فالزوج يمكن أن يعدد فيتزوج زوجة أخرى وينجب معها ثم بعد ذلك يلجأ إلى المحكمة لتوثيق عقد الزواج وتكون هنا المحكمة مضطرة لتوثيق عقد الزواج لمصلحة الزوجة والأولاد من أجل تقييد الأطفال في دفتر الحالة المدنية، وعليه، نجد فراغا قانونيا في هذا المجال هل معاقبة ذلك الزوج أو لا؟ وبما أن القاعدة الفقهية القانونية تنص على أنه : “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني” فلا يمكن معاقبة الزوج مما يبقي هذا الباب مفتوحا للتعدد.
لقد أحدثت مدونة الأسرة ضجة قبل وبعد صدورها؛ فقبل الإصدار كانت مجموعة من النضالات والاحتجاجات، وبعدها أحدثت ضجة كذلك بالشهرة التي تلقتها والتنويهات المقدمة لها داخل المملكة المغربية و خارجها . ومع ذلك لا يشفع لها هذا التنويه مع بروز مستجدات العصر من حين لآخر، مما يستدعي التأمل والنظر الرزين في الثغرات الموجودة في بعض فصولها وإغلاق باب التأويلات أمام هذه الفصول، لأن من قواعد الفقهاء أن ( ما احتمل واحتمل سقط به الإستدلال). hespress.com