جرائم السوق المالية
مقدمة
تعتبر البورصة من أهم أجهزة و مكونات الأسواق المالية، هدفها تأمين السيولة و الإسهام في عمليات الاستثمار و التنمية الاقتصادية، و لكونها تشكل حلقة وصل بين جميع فعاليات الشبكة المكونة للاقتصاد الوطني من مصارف و شركات تمويل و شركات مساهمة و غيرها ،لهذا كان لزاما على المشرع أن يتدخل بين قواعد قانونية زجرية لحماية البورصة بصفة خاصة و السوق المالية بصفة عامة من كل الجرائم التي تمس السوق المالية و تؤثر على المصلحة العامة الاقتصادية.
فتدخل المشرع في السوق المالية بالأداة الجنائية تمليه عدة اعتبارات يتصل جانب منها بتعبئة المدخرات و توفير السيولة الكافية للمدخرين و المستثمرين حماية للادخار و تشجيعا للاستثمار المنوط به تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، كما تتصل في جانب آخر بالحد من تزايد وثيرة هذه الجرائم في السوق المالية و التي صارت تعرف بجرائم “الياقة البيضاء”.
و نجد بينها الجرائم الماسة بعملية تداول القيم المنقولة و إدارتها، و جرائم تتعلق بالوساطة غير القانونية في تداول القيم المنقولة ، و جرائم تتعلق بالمعلومات إلى غير ذاك.
و نظرا لتعدد هذه الجرائم سوف نقتصر على دراسة بعض صورها فقط، كما سنتعرض لإجراءات البحث و التحري حول الجرائم المرتكبة إخلالا بالتشريع المطبق على المعاملات الجارية في البورصة، و العقوبات التي أفردها المشرع لمرتكبيها.
و بذلك سنحاول اعتماد التصميم الآتي:
المبحث الأول: صور بعض الجرائم المتعلقة بالسوق المالية.
المبحث الثاني: مسطرة المتابعة و العقوبات المطبقة على مرتكبي جرائم السوق المالية.
المبحث الأول: صور بعض الجرائم المتعلقة بالسوق المالية.
المطلب الأول : الاستعمال التعسفي للمعلومات المتميزة وإنشاء الأسرار المهنية :
يراد بالمعلومات المهنية تلك التي يتواصل إليها الشخص أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه.
ويمكن القول بأن المعلومات المهنية تنقسم إلى نوعين رئيسيين هما : المعلومات المتميزة (الفقرة الأولى) والمعلومات التي تدخل في عداد الأسرار المهنية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : جريمة استغلال المعلومة المتميزة :
تعتبر هذه الجريمة بدون منازع أكثر الجنح انتشارا في السوق المالي، وقد نص المشرع المغربي على جريمة استغلال المعلومات المتميزة من خلال المادة 25 من قانون 21 شتنبر 1993 المتعلق بمجلس القيم المنقولة، وبالمعلومات المطلوبة إلى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها، والتي جاء فيها : “كل شخص يحصل أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه على معلومات متميزة ويستخدمها الإنجاز أو المساعدة عمدا على إنجاز واحدة أو أكثر من العمليات في السوق سواء أكان ذاك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر، يعاقب بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنتين، وبغرامة يمكن أن تساوي 5 مرات مبلغ الربع المحتمل تحقيقه من غير أن تقل عن 200.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ويراد بالمعلومة المتميزة، كل معلومة تتعلق بالسر التقني أو التجاري أو المالي للشخص الصادرة عنه الأسهم، وبآفاق تطور قيمة منقولة مازال الجمهور يجهلها، ويمكن أن تؤثر في قرار المستثمر”.
فهذه المادة تعاقب الشخص المطلع على المعلومات المتميزة والذي يستغلها لإنجاز عمليات في السوق، وكذلك الذي يعمل على نقلها للغير عمدا ويساعد على إنجاز تلك العمليات وبالتالي سنعمل على تحديد الأعمال غير المشروعة في استغلال المعلومة المتميزة (أولا)، والفقرة التي تتحدد فيها هذه الأعمال 9ثانيا).
أولا : أنواع الأعمال غير المشروعة في استغلال المعلومة المتميزة :
كما سبقت الإشارة فإن ذلك قد يكون عن طريق استعمال المعلومات المتميزة وذلك عن طريق استخدامها من قبل المطلعين عليها بمناسبة عملهم أو وظيفتهم بالبورصة مما يتعارض مع مبادئ التعامل في مجالها.
والكن المادي لهذه الجريمة يتحقق بإعطاء أمر الشراء أو بيع سندات لبنك أو إلى وسيط مالي آخر، وليس بالتنفيذ.
كما يمكن أن تكون هذه الأعمال غير المشروعة في شكل نقل المعلومات المتميزة وبالتالي فالمشرع عاقب أيضا كل شخص يكون قد ساعد على إنجاز العملية، وذلك بإنشائه للمعلومات المتميزة التي حصل عليها أثناء مزاولته مهنته أو القيام بمهامه.
ثانيا : وقت ارتكاب الأعمال غير المشروعة والأشخاص الذين من يقومون بذلك :
من خلال المادة 25 يتبين أن وقت ارتكاب الفصل يجب أن يكون بعد الحصول على المعلومات المتميزة، وقبل أن تصل إلى علم الجمهور رسميا.
وما يجب الإشارة إليه هذا هو أن المعلومة تبقى متميزة مادام المستثمرون والمكتتبون الذين يعملون في سوق البورصة لم يتوصلوا بها ولو كانت في علم مجموعة من الأشخاص الذين توصلوا إليها بحكم عملهم أو أثناء القيام بمهامهم والركن المعنوي في هذه الجريمة يتحقق بمجرد خرق الالتزام الملقى على عاتق الشخص المطلع على المعلومة المتميزة.
أما بالنسبة للأشخاص المرتكبون لجريمة استغلال المعلومات المتميزة، فإن المشرع المغربي لم يحدد أشخاصا بعينهم وإنما يعتبر مرتكبا لهذه الجريمة كل شخص تخوله وظيفته أو القيام بمهامه، التوفر على معلومة متميزة متعلقة بالبورصة.
الفقرة الثانية : جريمة إفشاء السر المهني :
نص المشرع المغربي على ضرورة كتمان السر المهني المرتبط بالسوق المالي في كل من نص المادة 80 من القانون المتعلق ببورصة القيم، والتي جاء فيها : “يلزم أعضاء مجلس إدارة الشركة المسيرة، وشركات البورصة ومستخدموها بكتمان السر المهني، في جميع القضايا التي ينظرون فيها بأنه صفة من الصفات، وإلا تعرضوا للعقوبات المنصوص عليها في المادة 446 ق.ج “.
وكذلك في المادة 5 (الفقرة الأولى) عن القانون المتعلق بإحداث وديع مركزي، وتأسيس نظام عام في تقرر بعض القيم في الحسام، والتي جاء فيها “كل عضو في مجلس إدارة الوديع المركزي أو كل شخص كان عضوا فيه وكل شخص يساهم أو ساهم بصفة ما في إدارته أو تسييره أو كل من هو مستخدم أو كان مستخدما لديه، لتزم بكتمان السر المهني وفق الشروط، وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في المادة 446.
فمن خلال كل من 80 من القانون البورصة وكذلك المادة 5 من قانون إحداث الوديع المركزي، ثم المادة 446 من ق.ج يمكن أن نسجل الملاحظات التالية :
1- يقصد بالسر في مادة قانون البورصة كل الوقائع والبيانات التي لها طابع مهني، وتتصل بعمل الفاعلين في السوق المالي.
2- الأسرار التي يجب كتمانها لا تتعلق فقط بالوقائع التي أفضى لهم بها المعنيون، وإنما أيضا تلك التي توصلوا إليها أو عاينوها، أو استطاعوا معرفتها بحكم مهنتهم وسواء كانت هذه الأخيرة دائمة أو مؤقتة.
ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بالإفشاء أي باطلاع الغير على السر، وأيا كانت الطريقة التي يتم بها الإفشاء.
أما بالنسبة للركن المعنوي، فلا نجد في المادة (80) أو المادة (5) أية إشارة إلى ضرورة توفر القصد الجنائي حتى تقوم الجريمة.
وبالتالي فمجرد الإنشاء يكون كافيا للمساءلة الجنائية.
المطلب الثاني : الجرائم المتعلقة بالقيم المنقولة :
الفقرة الأولى : الوساطة غير القانونية في تداول القيم المنقولة :
نظرا لأهمية المعاملات في البورصة فقد حصرت العديد من التشريعات عملية الوساطة في تداول القيم المنقولة من جهة معينة، لكون هذه العمليات تستوجب قدرا عاليا من الخبرة والمعرفة بأسرار السوق رأسمال، وبذلك يهدف احتكار تلك العمليات وإجبار المتعاملين على اللجوء إلى الوسطاء المعتمدين.
والمقصود بالوساطة “التقريب بين شخصين يريد أن التقاعد نظير أجر يسعى العمولة، وتكون عادة نسبة مئوية من قيمة الصفقة المراد إبرامها، أما معنى الوساطة في التداول في البورصة من الناحية القانونية : “التوسط بين البائع والمشتري للأوراق المالية لإتمام صفقة بينهما.
* الركن المادي لجريمة الوساطة غير القانونية في تداول الغير المنقولة :
يتكون الركن المادي لهذه الجريمة إما بالقيام بالأعمال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المادتين 72-73 من القانون المتعلق ببورصة القيم أي الأعمال المتعلقة بالقيام بأعمال الوساطة دون رخصة اعتماد (أولا) أو عن طريق إنجاز عمليات متعلقة بقيم منقولة مقيدة في جدول أسعار بورصة القيم دون المرور بإحدى شركات البورصة المعتمدة قانونا (ثانيا).
1- القيام بأعمال الوساطة دون رخصة اعتماد :
ألزم المشرع المغربي كل شركة من شركات البورصة قبل الشروع في مزاولة نشاطها الحصول مسبقا على رخصة اعتماد، تسلم من طرف الوزير المكلف بالمالية بعد أخذ رأي مجلس القيم المنقولة حسب المادة 36 من القانون المتعلق ببورصة القيم، وذلك من أجل إدارة المحافظة المالية.
وبصفة عامة وعلى غرار باقي الجرائم التي تتطلب لقيام ركنها المادي توافر عنصر الاعتياد فإن هناك إجماع من الفقه على أن الاعتياد يتحقق بتكرار الفعل مرتين فأكثر.
2- إنجاز عمليات البورصة دون اللجوء إلى إحدى الشركات المعتمدة :
تنص المادة 18 من قانون بورصة القيم على أنه : “لا يمكن إبرام المعاملات المتعلقة بالقيم المنقولة المقيدة في جدول أسعار بورصة القيم وتسعيرها إلا في بورصة القيم وبواسطة شركات البورصة” من خلال هذه المادة يتبين أنه لقيام هذا النشاط المخالف للقانون يتوجب توفر شرطين أساسين : أولهما أن يتم إنجاز المعاملة المتعلقة بالقيم المنقولة المقيدة في جدول أسعار البورصة وتسعيرها خارج إطار البورصة والثاني هذه الشروط يتعلق بمخالف نظام الاحتكار الذي تعرفه السوق المالية والقيام بإبرام المعاملات المحددة قانونا دون المرور بشركات البورصة المخول لها وحدها إبرام تلك المعاملات.
* الركن المعنوي في جريمة الوساطة غير القانونية في تداول القيم المنقولة :
المشرع المغربي لم يشترط قيام القصد الجنائي في جريمة الوساطة غير القانونية في تداول القيم المنقولة وذلك حينما تصدى لها في المواد 72 و73 من قانون بورصة القيم، حيث اعتبرها جريمة غير عمدية وبالتالي الركن المعنوي هنا يتكون من الخطأ البسيط.
الفقرة الثانية : جرائم التلاعب بأسعار الأوراق المالية وأغراضها أشكال وصور التلاعب :
لقد كان التلاعب في أسعار الأوراق المالية والمضاربة غير المعروفة من أكثر الأفعال غير المشروعة التي كانت تقع في بورصات الأوراق المالية في و.م.أ، ولقد أثبتت التحقيقات التي قام بها الكونجرس الأمريكي عقب إحداث الكساد الكبير، هذه الحقيقة، وكان من أهم الأهداف التي يسعى إليها قانون الأوراق المالية، وهو مواجهة هذه الأفعال غير المشروعة والقضاء عليها.
1- ماهية جرائم التلاعب وأغراضها :
يقصد بالتلاعب في أسعار الأوراق المالية والمضاربة غير المشروعة ذلك التوجيه الزائف للأسعار، أي التأثير على سعر ورقة مالية ما لكي تباع أو تشترى بسعر أعلى أو أقل من السعر الذي يحدث نتيجة العمليات الطبيعية للعرض أو الطلب والمتلاعب في سعر ورقة يسعى للحصول على أرباح أو تفادي خسائر عن طريق خلق سعر زائف قد يؤدي إلى تأثير على عملية التداول، ومن سمات هذه الجرائم الابتكار والتنوع والتجديد في وسائل ارتكابها ومهما حاول المشرع حصر تلك الوسائل، فهناك ضعاف النفوس الذين يحاولون ابتكار وسائل وطرق جديدة قصد تجنب الوقوع تحث طائلة القانون، وغالبا ما ترتبط بالشركات الصغيرة حيث أنها أكثر استجابة لعمليات التلاعب من غيرها من الأوراق المالية الخاصة بالشركات الكبيرة.
2- أغراض التلاعب في أسعار الأوراق المالية :
يسعى المتلاعب في أسعار الأوراق المالية إلى تحقيق الأغراض التالية :
2 رفع السعر.
3 تثبت السعر.
4 خفض السعر.
أما اتفاقيات التلاعب فهي :
5 اتفاقات المتاجرة.
6 اتفاقات الاختيار.
المبحث الثاني: مسطرة المتابعة و العقوبات المطبقة على جرائم السوق المالية.
المطلب الأول: إجراءات البحث و التحري عن جرائم السوق المالية.
إن الحديث عن الإجراءات المسطرية التي يرسمها القانون لضبط الجرائم التي تدخل في اختصاص مجلس القيم المنقولة . يتعين علينا التطرق بداية للجهة المختصة بالتحري (الفقرة الأولى) ثم التطرق بعد ذلك لإجراءات المتابعة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الجهة المختصة بالبحث و نطاق هذه الأبحاث.
يرجع الحق في إتحاد القرار بإجراء الأبحاث في الوقائع التي تصل إلى علم مجلس القيم المنقولة إلى مجلسه الإداري ، و يمكن لمجلس الإدارة القيام بمهام البحث أو يقرر إحداث لجنة يفوض إليها جزءا من سلطته و صلاحياته، و يحدد تأليفها و كيفية تسيرها1 .
كما يمكن إسناد مهمة إجراء البحث المذكور إلى مأمورين منتدبين معينين من قبل المجلس لهذا الغرض هذا ما قضت به المادة 24 من القانون رقم 23.05.
أما بخصوص تحديد نطاق البحث المخول القيام به إلى مجلس القيم المنقولة فيتعين أن نميز بين الأشخاص و الهيئات الخاضعة له و كذا من حيث أنواع الجرائم التي يشملها.
بالنسبة للأشخاص الخاضعون للبحث فإذا كان الأصل هو أن البحث يقتضي السماح للأشخاص المكلفين به بالقيام بكافة الإجراءات التي يتطلبها اكتشاف المخالفين و تقصي آثار الأعمال المنسوبة إليهم إلا أن المشرع أوجد إستثناء. حيث أن الظهير المعتبر بمثابة قانون رقم121-93-1 أوجد خلافا لهذا المبدأ و هذا التوجه له ما يبرره من الناحية المسطرية في كون اختصاص المجلس في مجال البحث عن الجرائم هو اختصاص استثنائي لا يسمح به إلا في نطاق محدد .
فبالرجوع إلى نص المادة 24 يتبين أن المأمورين المنتدبين من قبل المجلس للقيام بالبحث، لا يمكنهم مباشرة مهامهم إلا لدى المتدخلين في إنجاز المعاملات بالبورصة.
و هكذا يمكن أن يشمل البحث الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور للاكتتاب في أسهمها أو سنداتها و شركات البورصة و الشركة المسيطرة، و هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة و الأشخاص الذين يقومون بالسعي للتعامل في القيم المنقولة كالأبناك.
و القيام بالبحث لدى الأشخاص و الهيئات السابقة لا يعني أن ينحصر البحث في مواجهتهم و حدهم. بل يمتد إلى مستخدميهم و أجهزة إدارتهم بوصفهم مسؤولين مسؤولية جنائية شخصية في بعض المخالفات التي قد يرتكبوها أثناء مزاولتهم لمهامهم في الشركة أو الهيئة المعنية بالأمر .
أما فيما يخص القضايا موضوع البحث فحسب المادة 24 فإن سلطات المجلس في البحث أصبحت تمتد إلى الجرائم المرتكبة من قبل شركات البورصة أو أعضاء إدارتها و مجالسها الإدارية أو مستخدموها و المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الخامس من الظهير المعتبر بمثابة قانون رقم 211-93-1 المتعلق ببورصة القيم (المواد من 72 إلى 78 ) و كذا الجرائم المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الثامن الظهير المعتبر بمثابة قانون 213-93-1 المتعلق بهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة كما يسري نفس الحكم على الجرائم الواردة في لائحة القوانين المنصوص عليها في المادة 4-1 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 212-93-1 .
و مهما يكن من أمر فإن للمجلس ، و لو أن سلطاته محدودة أن يقوم وفقا للمادة 79 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 211-93-1 و رغم عدم وجود نص صريح في ذلك بإحاطة النيابة العامة علما بجميع المخالفات التي يطلع عليها حتى و لو لم يكن مختصا بإجراء أبحاث بشأنها .
الفقرة الثانية : إجراءات البحث و التحري.
عمد المشرع المغربي من خلال الظهير المعتبر بمثابة قانون رقم 212-93-1 إلى تفريد إجراءات البحث في الجرائم المشمولة باختصاص مجلس القيم المنقولة. و هذه الإجراءات تنقسم إلى إجراءات عامة و أخرى خاصة.
1- إجراءات البحث العامة:
يعد مجلس القيم المنقولة من المصالح و الهيئات التي أناط بها المشرع بعض مهام الشرطة القضائية وهو بهذه الصفة يتوفر على صلاحية مباشرة جميع الإجراءات و الأبحاث التي تمكنه من التأكد من ارتكاب المخالفات التي تدخل في مجال اختصاصه و استنادا على مقتضيات الفقرتين الأوليتين من المادة 24 يمكن للمأمورين المنتدبين من قبل المجلس للبحث عن المخالفات مباشرة الإجراءات التالية:
– تلقي التصريحات و المعلومات التكميلية أو التوضيحية و ذلك من خلال دعوة أي شخص يرون فائدة في الاستماع إليه للإدلاء بتصريحاته و أقواله حول الوقائع المطلوبة إليه بناءا على نص المادة 24 الفقرة 6. وتلقي التصريحات من الأشخاص قد يتم إما بصفتهم مشتبها فيهم( و هنا يتعلق الأمر باستجواب حقيقي) كما قد يتعلق الأمر بتلقي إفاداتهم كشهود إثبات أو نفي .
– تسخير الأشخاص للإدلاء بالمعلومات الضرورية للبحث، حيث نصت المادة 24 أنه يخول لمأموري مجلس القيم المنقولة المنتدبين أن يطلبوا المعلومات الضرورية لدى كل شخص يتوسمون فيه مصلحته للبحث، و لن يكون هؤلاء سوى الأشخاص الخاضعين لمراقبة مجلس القيم المنقولة.
– الدخول للمحلات المعدة لممارسة المهن كمقرات شركات البورصة، و الشركات المسيرة أو الوديعة…
– الإطلاع على كافة الوثائق و الأوراق و هنا لا يمكن الاحتجاج بكتمان السر المهني.
2- إجراءات البحث الخاصة:
يجوز للمأمورين المنتدبين من طرف مجلس القيم المنقولة اللجوء إلى بعض الإجراءات الأخرى في إطار قيامهم بمهام البحث الموكولة إليهم.
و تشمل هذه الإجراءات الخاصة:
– استدعاء الأشخاص و يتعلق الأمر هنا باستدعاء قانوني أوجب القانون أن يوجه في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتسليم أو بواسطة عون قضائي.
– زيارة المحلات المهنية و تفتيشها و حجز الأشياء. قصد البحث عن وثائق و جميع العناصر المادية التي يمكن الاستدلال من خلالها على وقوع جرائم و تحديد مرتكبيها.
و يتوقف القيام بالزيارات وعمليات التفتيش المطلوبة على قرار معلل، يرخص بموجبه للمأمورين القيام بالعمليات المذكورة بعين المكان و يصدر هذا القرار عن وكيل الملك، الذي تقع الأماكن الواجب زيارتها في دائرة نفوذه بناءا على طلب معلل من المدير العام لمجلس القيم المنقولة أو من يمثله.
المطلب الثاني: الـجـزاءات الجنائـية.
نص المشرع المغربي في القوانين المنظمة للبورصة وعلى غرار القواعد العامة على جزاءات جنائية أصلية و أخرى إضافية.
الفقرة الأولى: الجزاءات الجنائية الأصلية.
تتنوع هذه الجزاءات حسب طبيعة الشخص المرتكب للجريمة فيما إذا كان شخصا طبيعيا أو معنويا. لذلك فهي تشمل جزاءات سالبة للحرية و أخرى ماسة بالذمة المالية.
و من ذلك ما نصت عليه المادة 73 من القانون المتعلق بالبورصة في إطار الحديث عن جريمة الإخلال باحتكار المهنة و الوساطة غير المشروعة حيث جاء فيها ” يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 50000 درهم إلى 500000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص عامل لحسابه الخاص أو لحساب شخص طبيعي آخر أو شخص معنوي غير معتمد بصورة قانونية كشركة بورصة يقوم اعتياديا بالعمليات المحددة في المادة 34 من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون”.
كما عاقب المشرع من خلال المادة 25 من ظهير 1993 المتعلق بمجلس القيم المنقولة عقوبة جريمة الاستعمال التعسفي للمعلومة المتميزة و ذلك بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين و بغرامة يمكن أن تساوي 5 مرات مبلغ الربح المحتمل تحقيقه من غير أن تقل عن 200 ألف درهم بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
كما نصت المادة 25-1 من القانون 01-23 على أنه يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة و بغرامة من 20000 درهم إلى 100000 درهم كل شخص يطلع الغير خارج الإطار العادي لمهنته على معلومات مميزة.
و بخصوص نشر معلومات كاذبة أو مضللة فقد نصت المادة 26 من ظهير مجلس القيم المنقولة على أنه ” يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين و بغرامة من 10000 إلى 500000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص قام عمدا بتحايل أو نشر بين الجمهور بأية طريقة معلومات كاذبة…”
و يمكن رفع مبلغ الغرامة إلى ما يساوي 5 مرات مبلغ الربح المحتمل تحقيقه من غير أن يقل عن هذا الربح.
الفقرة الثانية: العقوبات الإضافية.
إلى جانب العقوبات الأصلية هناك عقوبات إضافية انفرد بالنص عليها كل من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 211-99-1 المتعلق ببورصة القيم في المادة 74 منه، و ظهير شريف بمثابة قانون المتعلق بالهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة في المادة 125.
و بالرجوع للمادة 74 نجدها تنص على ما يلي :” تصدر المحكمة في الحالات المنصوص عليها في المادتين 72 و 73 من ظهيرنا الشريف هذا المعتبر بمثابة قانون ، الأمر بإغلاق مؤسسة الشخص المسؤول عن المخالفة المرتكبة، و ينشر الحكم في الجرائد التي يعينها على نفقه المحكوم عليه.
فالعقوبات الإضافية المتحدث عنها هي:
– الأمر بإغلاق مؤسسة الشخص المسؤول عن ارتكاب جريمة المساس بتنظيم احتكار الوساطة داخل سوق البورصة و تعين المحكمة مصدرة الحكم الجرائد التي سيتم فيها النشر على نفقة المحكوم عليه.
– أما بخصوص العقوبات الإضافية المنصوص عليها في المادة 125 فتتمثل في نشر الحكم الصادر بالعقوبات المقررة في هذا القانون إذ بنصه الكامل و إما في شكل خلاصات بالجريدة الرسمية والجرائد التي تعينها و ذلك على نفقة المحكوم عليهم.
– كما أن المشرع نص صراحة على تشديد العقوبات في حالة العود في جرائم البورصة وفق المواد 28 و 29و 32 حيث يصل الحد الأقصى للغرامة إلى مليوني درهم إرتكاب فعل مماثل خلال الخمس سنوات الموالية لصدور حكم نهائي عن المخالفة السابقة.
خاتمة:
ختاما يمكن القول أن المشرع المغربي و مسايرة منه لتشريعات المقارنة حاول و ضع مجموعة من القواعد الزجرية لجرائم السوق المالية و ذلك بهدف ز جر مرتكبي هذه الجرائم السوق المالية نظرا ما لهذه الأخيرة من دور على الحياة الاقتصادية و كذا لإضفاء نوع من الشفافية ولحماية الادخار العام و المدخرين.
إلا أن الملاحظ أن هذه القواعد الزجرية تبقى غير كافية، حيث تتطلب الحماية الجنائية ضد هذا النوع من الجرائم إتباع سياسة جنائية ذات مرونة عالية تتلاءم مع خطورة هذه الجرائم .
والأكثر من ذلك يثور التساؤل حول مدى فعالية هذه المقتضيات في الواقع العملي في غياب التفعيل القضائي لها.
إعداد الأساتذة:الشرقاوي حـنان و إيمان مـالـقـة و عبد الصمد أرش