جهود تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد
هنالك توجيهات ملكية سامية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية ومكافحة الفساد، والدليل على ذلك إنشاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وتقديم النزاهة لغايات بث رسالة لمسؤولين وللعاملين والمواطنين في الدولة الأردنية بأننا مع المواطن الصالح والنظيف ونشجعه، وبعدها تكافح الدولة الفساد وتعاقب الفاسدين.
الملاحظ أن الدولة الأردنية لديها توجهات جدّية في مكافحة الفساد بغض النظر عمّا يروجه البعض من على صفحات التواصل الاجتماعي عن حجم الفساد والفاسدين وبث الإشاعات والاتهام الجزاف، لكن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد كما أعلم تمضي قدماً وبجهود مشكورة في تحويل العديد من ملفات الفساد إلى النائب العام والمحاكم المختصة لغايات التحقق من حيثيات الفساد وحجمه وإعطاء القصاص العادل لمن يستحق دون تهويل!
ولمّا كان الفساد خروجا عن القانون والنظام من أجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للفرد أو لجماعة معينة دون سواها وسلوك يخالف الواجبات الرسمية للوظيفة العامة بغية تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية وسوء استخدام للمنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية مما يؤثر سلبا على بنيان المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا فان الأخطر من الفساد وأشكاله كافة اشاعة وجود الفساد لدى العامة والتلكؤ في اثباته وعدم اعطاء الفرص للجهات ذات العلاقة بتكملة مشوارها في خلق البينات الكافية لوجوده وعدم التكاملية بين الجهات المختلفة للتحقق من اثباته مما يخلق حالة الاحباط لدى المواطنين المنتظرين لنتائج حقيقية لمكافحة الفساد.
ونحمد الله تعالى بأن الارادة السياسية الأردنية متمثّلة بشخص جلالة الملك المعزّز دوما تطالب بتجريم الفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم وفق القانون وتضع مكافحة الفساد كأولوية وطنية وأن مؤسسات الدولة كافة خاضعة للمساءلة مما يخلق البيئة المناسبة للجهات الرقابية والمحاسبية للسير بالاتجاه الصحيح والمطلوب هنا تضافر الجهود كافة لمحاربة الفساد بكل أشكاله ومراحلة من خلال الجهات الرقابية والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني لتعزيز منظومة القيم الأخلاقية أولا في المؤسسات التربوية والمجتمعية ومن ثم تعزيز قيم العدل والنزاهة وسيادة القانون من خلال مؤسسات الرقابة والمساءلة ليكون هنالك محاسبة حقيقية عادلة للفاسدين دون ظلم أحد منهم وبعد التحقق من البينات اللازمة لذلك لتجفيف منابع الفساد وتدشين حملة توعية شعبية واسعة حتى يقف أبناء الوطن على الأضرار الخطيرة التي يتركها الفساد ظاهرة وممارسة وزمرا والتي تأخذ أشكالا وأبعادا ومظاهر مختلفة كالواسطة والمحسوبية والمحاباة وقبل ذلك نهب المال العام وتحقيق ثروات طائلة على حساب مصلحة الوطن.
ولمّا كان الفاسدون يتلوّنون كالحرباء فان الحرفية والمهنية العالية يجب أن تطغى دوما لمتابعتهم ومساءلتهم وذلك كي تثمر جهود المكافحة ولا تؤثر سلبا على الاصلاح والتنمية ومن هذا المنطلق فان الحكم الرشيد في الشفافية والمساءلة مطلوب بصرامة لتؤتي هذه الجهود الوطنية المباركة أكلها من حيث النتائج الدقيقة دون ظلم أو محاباة بل بميزان العدل المستند للمعلومة الدقيقة ولنقتصّ للوطن من الزمرة الفاسدة ليكونوا عبرة لغيرهم حيث الشارع بانتظار التنائج التي ستفضي اليها الجهود الحكومية.
في هذا الصدد طبقا للتوجيهات الملكية السامية لمحاربة الفساد -ولا يكفي تحويل الملفات فقط لهيئة مكافحة الفساد خوفا من أن نثقل كاهلها على حساب نوعية ونتائج عملها في خضم نقص الكادر لديهم- بالاضافة للحلول بعيدة المدى لمكافحة الفساد من خلال التأسيس لثقافة مجتمعية نزيهة تحارب الفساد والمفسدين وتحافظ على الأموال والممتلكات العامة وتعمل على تنشئة وتربية جيل جديد من أبنائنا وبناتنا لخلق قيم ومفاهيم تعزز لديهم موقف معاد للفساد ومحارب له ورفض كل ما يمت له بصلة كالسرقة واخذ حق الغير وما الى ذلك وهي عملية تكاملية تبدأ من البيت الى المدرسة فالجامعة فالمجتمع وهكذا لأن محاربة الفساد مسؤولية جماعية ووطنية مشتركة وخصوصا أن مكافحة الفساد هي المقدّمة الأولى للإصلاح بالتزامن مع حركة الإصلاح الشامل التي يتبناها جلالة الملك المعزز.
بالمجمل فإن إجراءات مكافحة الفساد تكاملية ولا تقع على عاتق الدولة وحدها في تطبيق القانون، بل أن أخلاقيات المواطن وتربيته وأسرته والجهات الرقابية والمنابر الدينية والإعلامية والسياسية والثقافية والتربوية والتعليمية وغيرها عليها دور مهم أيضاً لخلق هذه الحالة التكاملية ليقبل الجميع بحكم القضاء العادل ضد الفاسدين دون شك لأحدنا بالحكم العادل ضد أي فاسد أو الدفاع عن أي مطلوب للمحاكمة في قضية فساد.
نحتاج اليوم قبل الغد لتعزيز ثقافة القانون في مكافحة الفساد والمضي قدماً في توجيهات جلالة الملك لمحاربة الفساد وتطبيق القوانين المرعية لمكافحة الفساد، والكرة في مرمى الحكومة والجهات الرقابية والتي بدأنا نلمس تحركها الجدي صوب مكافحة الفساد في كثير من القضايا!
إعداد:د. محمد طالب عبيدات