حدود سلطة القاضي في تفريد الجزاء


 لم تعد السياسة العقابية مبنية على إنزال العقوبة لأجل ردع الجاني فحسب، بل أصبحت تهتم بشخصية الجاني وتحاول إدماجه داخل المجتمع وذلك بتفريد العقوبة وتتبع مراحل احتجازه داخل المؤسسة السجنية بل وحتى خارجها تفاديا للعود وتطبيقا لتدابير وقائية سليمة تتماشى مع المواثيق الدولية الرامية إلى حماية السجناء، ومراعاة لسياسة جنائية عادلة حتى بعد مرحلة النطق بالحكم.

والحديث عن التفريد الجزائي يستلزم البحث في المعادلة المعقدة المكوّنة من ثلاثة متغيّرات غير ثابتة في علم الإجرام والعقاب وهي الجريمة والمجرم والعقوبة. ولعلّ العقوبة هي المجهول الأصعب في هذه المعادلة، ذلك لتجاذبها بين نظريات متعددة وفي كثير من الأحيان متناقضة في تفسير الفلسفة الكامنة وراء تشريع العقاب، وظلت المدارس التقليدية القديمة هي السائدة – ولوقت ليس ببعيد – في تحديد الفلسفة العقابية والمتمثلة بضرورة تطبيق العقوبة على مرتكب الجريمة، لأن ذلك يستوجبه العدل وتفرضه ضرورة التأكيد على رفض المجتمع للتصرف الإجرامي. حيث كانت العقوبة هي الجواب الحتمي للجريمة، وفي هذه المرحلة كان يُنظر للعقوبة على أساس أن لها طابع القصاص والانتقام، وبالتالي اصطبغت بما يسمى[1] ب (الوظيفة الاستبعادية للعقوبة)، الا أنه و في خضم التطور الذي عرفته الدراسات الجنائية والعقابية بدأ فقهاء القانون بالبحث عن أنجع الوسائل لجعل العقوبة ملائمة لشخصية المجرم والدوافع الكامنة وراء ارتكابه للجريمة، والنظر للمجرم لا باعتباره مجرماً تجب معاقبته، بل كمريض تجب معالجته، فخلصوا الى أنه من غير المنطقي أن تنطبق نفس العقوبة على شخص يرتكب جريمة قتل بدافع السرقة و شخص يرتكب جريمة قتل ضد زوجته نتيجة اندفاعاته العاطفية و النفسية جراء مفاجئته لزوجته وهي متلبسة بجريمة الخيانة الزوجية مثلا، فلهذا الأخير أن يتمتع بتخفيف للعقوبة و عدم مساواته بالشخص الذي يقتل بدافع السرقة، و هو ما مهّد لظهور ما صار يطلق عليه “التفريد  الجزائي أو العقابي”.

ومنه جاء إحداث مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات كترجمة عملية لهذه الرغبة التي لطالما راودت المهتمين بالشأن الحقوقي والقانوني بالمغرب وبالتالي فالمشرع المغربي ومن خلال التعديل الذي أحدثه على قانون المسطرة الجنائية الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002 أنشأ مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات في توجه واضح من المشرع نحو إقرار ” مبدأ الرقابة القضائية على التنفيذ الجزائي وذلك بإعطاء القضاء صلاحيات  مهمة  حتى بعد صدور الحكم ، فمرحلة التنفيذ تعتبر من أخطر مراحل الدعوى الجنائية وأهمها وهذا الدور هو مستمد أساسا من ” مبدأ تفريد الجزاء الجنائي ” ، وتبرز أهمية هذا الموضوع في كون هذه المؤسسة تنبع من واقع الروابط الإجرائية التي تنشأ في محيط التنفيذ العقابي حيث كان من اللازم أن لا يبقى أمر التنفيذ منوطا بجهاز إداري ، بل يشرك القضاء في تتبع تفاصيل تنفيذ العقوبة ليس فقط في مظهرها القانوني االمحض وذلك من خلال الحرص على ضمان أداء العقوبة لأغراضها المثمثلة في الإصلاح والتقويم وإعادة التأهيل.

والإشكال الذي يمكن طرحه في هدا الصدد هو هل نجح المشرع المغربي في وضع سياسة تفريدية للعقوبة وهل يمكن الحسم بان السلطة التقديرية التي منحت للقاضي في هذا الإطار هي سلطة مقيدة أم مطلقة؟

 وللإجابة على هذه الإشكاليات نقترح التصميم التالي:

 المبحث الأول: ماهية مبدأ تفريد العقاب

 المطلب الأول: تعريف مبدأ التفريد وأنواعه

الفقرة الاولى: تعريف مبدأ تفريد العقاب

الفقرة الثانية: تطور مبدأ تفريد العقاب

       المطلب الثاني: التأصيل الشرعي لمبدأ تفريد العقاب

الفقرة الأولى: فلسفة العقاب في الجرائم الحدية، وأثر ذلك في التفريد الجزائي

الفقرة الثانية: فلسفة العقاب في الجرائم التعزيرية، وأثر ذلك في التفريد الجزائي

المبحث الثاني: مدى حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء في القانون الجنائي المغربي

 المطلب الأول: مدى سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء:

الفقرة الأولى: سلطة القاضي التقديرية في تخفيف العقوبة وكذا تشديدها

الفقرة الثانية: سلطة القاضي التقديرية في اللجوء للعقوبات التخييرية والتدابير الوقائية ووقف تنفيذ العقاب

  • المطلب الثاني: الضوابط القانونية والعملية لسلطة القاضي التقديرية في تحديد الجزاء

الفقرة الأولى: مبدأ الشرعية كقيد على سلطة القاضي التقديرية

الفقرة الثانية: الخطورة الإجرامية وشخصية المجرم

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: ماهية مبدأ تفريد العقاب

 

     من خلال هذا المبحث سنقوم بتعريف مبدأ التفريد والتطرق لأنواعه مع اعطاء نبذة عن تطوره خلال المطلب الاول لننتقل بعد ذلك للتأصيل الشرعي لمبدأ تفريد العقاب في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول: تعريف مبدأ التفريد وأنواعه وتطوره

سنتناول خلال هذا المطلب تعريف مبدأ تفريد العقاب وأنواعه في الفقرة الاولى بينما سنتطرق لتطوره في الفقرة الثانية وذلك كالأتي:

 

الفقرة الأولى: تعريف مبدأ تفريد العقاب وأنواعه

 

أ-تعريف تفريد العقاب

 عرفه بعض الفقه العرب على ان:

 “التفريد الجزائي هو إخضاع كل مجرم بحسب حالته أو درجة خطورته لما يلائمه من تدابير وقائية وعلاجية وتربوية تضمن تهذيبه وتربيته[2].

 كما يعرفه البعض ب : ” ألا يكون العقاب عاماً موحداً بالنسبة إلى كل من اقترفوا جرماً واحداً بل أن يختلف من فرد لآخر وفقاً للاختلافات في الشخصية والدوافع وسائر الظروف التي تدفع إلى الجريمة داخلية أو خارجية وما إلى ذلك من الفروق الفردية بين البشر ” [3].

و ايضا بأنه : “إعطاء القاضي سلطة تقديرية واسعة لاختيار العقوبة المناسبة في نوعها ومقدارها بالنسبة للحالة الماثلة أمامه “[4].  

وللمساعدة في تحقيق تلك الغاية يعمد المشرّع إلى وضع تدرّجات متعددة في السلم العقابي حسب ظروف وأحوال كل جريمة، وليس بمقدور المشرّع أن يحدّد سلفاً العقوبة المناسبة لكل مجرم والتي يؤدي توقيعها إلى تحقيق الأغراض المتوخّاة منها.

 ورغم الجسامة الذاتية للجريمة الواحدة أياً كان سبب وقوعها وزمانها، إلا أن المشرّع بعد أن يقدّر جسامتها في صورة حد أقصى وحد أدنى للعقاب يترك للقاضي أن يختار بين هذين الحدين، حسب جسامة الجريمة وظروف وقوعها و مدى خطورة المجرم [5].

 

ب-أنواع التفريد

تنقسم انواع التفريد الى ثلاثة انواع وهي :

أولا : التفريد القانوني

المتمثلة في كون المشرع وانطلاقا من معطيات عامة تمكن من :

-تحديد العقوبة حسب نوع الجريمة اهي جناية ام جنحة ام مخالفة،

-التمييز بين المجرم العادي والمجرم السياسي وبين المجرم المتعود على الجريمة والمجرم المبتدئ،

-التمييز بين المجرم الراشد والمجرم الحدث،

-النص على الاعذار المعفية من العقوبة رغم ثبوت الجريمة وهي ترد على حالات محددة على سبيل الحصر نذكر منها نص الفصل 296 من القانون الجنائي المغربي والذي جاء فيه “تشجيع المجرم على الكشف عن جريمته والتبليغ عن المساهمين معه ” ،

-الاعذار القانونية المخففة من العقاب.

وهي تمتع الجاني بالإعفاء الجزئي من العقوبة وفي الحدود التي يقررها القانون وهي ايضا جاءت على سبيل الحصر ومثال ذلك حالة قتل الام لوليدها (الفصل 397 من القانون الجنائي المغربي).

– الظروف القانونية التي ترفع العقوبة.

ويتعلق الامر بظروف التشديد و التعدد وحالة العود،

فالظروف المشددة تكون مرتبطة بظروف ارتكاب الجريمة او بإجرام المتهم وهي ظروف محددة في القانون،

اما عن حالتي التعدد والعود فان التعدد يكون بارتكاب أكثر من جريمة سواء في ان واحد اذ ان الفعل المرتكب يفسر في خرقه لمجموعة من النصوص كحالة هتك عرض قاصر في الشارع العام مثلا، فيتهم بهتك العرض والإخلال بالحياء العلني. في حين ان حالة العود هي ارتكابه لجريمة أخرى بعد الحكم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به من اجل جريمة سابقة.

ثانيا : التفريد القضائي

إذا كان المشرع قد ركز عمله على الجريمة فان القاضي يكون من واجبه ان يركز في ملائمته للعقاب على المجرم في تطبيقه لسلطته التقديرية الواسعة التي منحها له المشرع والوسائل المسموح له باستعمالها،

ا-  سلطة القاضي التقديرية

وهي تتمثل في.

-التصرف بين الحد الادنى والحد الاقصى،

-استعمال ظروف التخفيف (الفصل 146)،

-استعمال ظروف التشديد، فإذا اجتمعت ظروف التخفيف وظروف التشديد يطبق الفصل 161،

-وقف التنفيذ

2- ضوابط السلطة التقديرية للقاضي،

-ضوابط النشاط الاجرامي.

  • الوسيلة اي اداة الجريمة،
  • الزمان اي زمان ارتكاب الجريمة (ظرف الليل)،
  • المكان اي موقع الجريمة

      3-ضوابط الركن المعنوي.

-القصد الجنائي في جرائم العمد،

-الخطأ في جرائم الاهمال والمخالفات،

      4-ضوابط متعلقة بالمجرم،

-موقف المجرم قبل ارتكاب الجريمة وله ارتباط بحياة المجرم الشخصية والعائلية وكذلك السوابق القضائية،

-موقف المجرم بعد ارتكاب الجريمة، أي الفرق بين من يقدم نفسه للعدالة على من يلوذ بالفرار،

5- الرقابة القضائية على سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء

وهي تتمثل في مراقبة تعليل الاحكام الصادرة عن القضاء سواء في مرحلة الاستئناف او في مرحلة النقض،

ثالثا : التفريد الاداري

التفريد الاداري هو الذي يتم على مستوى تنفيذ العقوبة انطلاقا من مجموعة من الاجراءات التي سمح من خلالها المشرع اما بتقليص العقوبة او الاعفاء منها حسب مدى استقامة سلوك السجين داخل المؤسسة السجنية.

وسنقف فيما يلي على بعض الاجراءات العملية التي تدخل في نطاق التفريد الاداري.

1-الافراج المقيد بشروط

الافراج المقيد بشروط يرمي الى منح السجين فرصة لمراجعة الذات وتشجيعه على الانضباط داخل السجن كما يمنح له الفرصة من اجل التشبث بحسن السلوك لان عدم احترام ذلك سيكون سبب في عودته الى السجن من جديد، ولقد عرف المشرع المغربي الافراج المقيد بشروط في المادة 59 من القانون الجنائي المغربي،

2-التخفيف التلقائي للعقوبة او العفو منها

-التخفيف التلقائي للعقوبة يتيح لكل سجين ان يستفيد من تخفيض مدته والتي قد تصل كحد اقصى الى ثلاثة أشهر عن كل سنة او سبعة ايام عن كل شهر إذا كانت مدة العقوبة اقل من سنة إذا ابان عن سلوك حسن،

-اما بالنسبة للعفو الملكي السامي فهو بدوره يخلق ارتياحا كبيرا لدى السجناء فهو يجدد لهم الامل في حياة أفضل خارج السجن وانتقاء لائحة المستفيدين منظمة بظهير رقم 1-57-387 الصادر في 6 فبراير 1958 وهو منصوص عنه في المادة 53 من القانون الجنائي.

الفقرة الثانية: تطور مبدأ تفريد العقاب

ان مقياس العقوبة من أقدم القضايا التي طرحها رد الفعل الاجتماعي ضد الاعتداء أو الخطيئة أو الجريمة والانسانية لربما طبقت فكرة التفريد بشكل بدائي حتى قبل ضهور القانون الوضعي بصيغته الحديثة، فنجد بعض صور التفريد -على بساطتها- حتى في المجتمعات البدائية و الامبراطوريات التيوقراطية. لكننا سنقتصر في هده الفقرة على التطرق للمدارس[6] الجنائية التي ظهرت ابان التطور العلمي للعقاب لأن مبدأ التفريد لم يتم الالمام به وبشكل عقلاني إلا في خضّم عقلنة العقوبة وإخضاعها للمنطق السليم.

وهده المدارس منها من ركزت على التفريد القانوني كالمدرسة التقليدية ومنها من ركزت على التفريد الاداري كالمدرسة الوضعية وهناك مدارس حاولت التوفيق بين التفريد4 الاداري والقضائي ويتعلق الامر بمدرسة الدفاع الاجتماعي والمدرسة التقليدية الحديثة.

 

المدرسة التقليدية

من زعماء هده المدرسة الفيلسوف بيكاريا حيث أن هده المدرسة لا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الجاني حيث يقول بيكاريا في هدا الصدد أن هدف العقوبة هو منع الجاني من الاساءة مجددا للمجتمع. ولمناهضة وسائل التعذيب التي كانت قائمة في السابق قامت هده المدرسة بوضع مبدء شرعية العقاب والتجريم ولكنها ركزت اهتمامها على الجريمة دون المجرم وعلى أساس المساواة في العقوبة.

 المدرسة الوضعية

تميزت بمعارضتها للمدرسة التقليدية وانطلقت هده المدرسة من ايطاليا بزعامة الطبيب الفيلسوف المشهور لومبروزو حيث انتقل بفضل فلسفته من الاهتمام بالجريمة الى الاهتمام بالمجرم وقد ساهم في هده المدرسة كل من جاروفالو وفيري حيث 5 تناولت نظريتهم ضرورة البحث عن أسباب الجريمة في ذات المجرم بالرغم من [7] اختلافهم حول هده النقطة، حيث اهتم لومبروزو بالمجرم نفسه و بظروفه البيولوجية والنفسية، أما فيري فهو يرجع أسباب الجريمة لمجموعة من العوامل جعلته يقدم على تقسيم المجرمين الى خمسة أصناف: مجرم بالصدفة ومجرم بالاعتياد ومجرم بالعاطفة والمجرم المجنون ثم المجرم بالميلاد أو الفطرة.

 

المدرسة التقليدية الحديثة

ادا كانت المدرسة التقليدية اهتمت بالظروف المادية المحيطة بالجريمة والمدرسة الوضعية ركزت اهتمامها على المجرم فان المدرسة الحديثة حاولت التوفيق بين المدرستين وجاءت بنظرية متكاملة ومتوازنة حيث حضت أفكارها باهتمام كبير من طرف معظم التشريعات وأخص بالذكر المشرع المغربي الذي أخذ بمبادئ هذه المدرسة فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية وتفريد العقاب ومن اهم ما جاءت به هذه المدرسة هو اقامة نوع من التوازن بين الحرية والجبرية[8]

مدرسة الدفاع الاجتماعي الحديث

تبنى مارك أنسل مذهب مدرسة الدفاع الاجتماعي الحديث والذي اهتم على الخصوص بتقنيات تفريد الجزاء حيث خلص الى مجموعة من المبادئ وهي:

-الشرعية في التجريم

-حرية الاختيار كأساس للمساءلة الجنائية

-ضرورة ابقاء الجزاء بنوعيه العقوبة والتدابير الوقائية

-ضرورة تناسب الجزاء مع الخطأ [9]

المطلب الثاني: التأصيل الشرعي لمبدأ تفريد العقاب

لطالما ظلت العدالة رهينة للتجاذبات التي أنتجتها المواقف المتطرفة لفلاسفة علم الإجرام والعقاب في القوانين الوضعية، فبينما سادت قديماً فلسفة الانتقام من المجرم والتنكيل به دون أية رحمة أو شفقة، فظلت هذه الفلسفة قائمة حتى ضج المجتمع بمساوئها، ونتيجة لهذا التشدد والتطرف المبالغ فيه، ظهر من الفلاسفة من ينادي بالانقلاب على تلك الفلسفة العقابية رأساً على عقب، وبدأت النظريات العقابية الجديدة تتمحوَر حول المجرم وظروفه بمعزل عن الجريمة المرتكبة وبصرف النظر عن فظاعتها، ونتيجة لهذا التطرف الجديد الذي لم تثبت نجاعته أيضاً – نشأ اتجاه جديد ينادي بالمزاوجة ما بين النظر إلى الجريمة والمجرم والظروف المحيطة بكليهما [10].

والباحث المنصف في الفقه الجنائي الإسلامي وقواعده العامة والفرعية سيجد أن ما أثبتته الشريعة في هذا المجال منذ قرون عديدة – ما زالت القوانين الوضعية البشرية تعجز عن اللحاق به بعد كل هذه التجارب المريرة والمخاضات العسيرة.

لقد قررت الشريعة الإسلامية ومن أول يوم- أن العقوبات في الإسلام لا تقوم على أساس الانتقام من الجاني، بل هي مثل كل أحكام الإسلام، قائمة على ما يحقق مصالح البشر، أو حماية المصالح كما يقال في فقه القانون الوضعي، يقول ابن تيمية :“العقوبات الشرعية إنما شُرعت رحمة من الله تعالى لعباده، فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم , ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة بهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض”[11].

إلا أن الشريعة الإسلامية لا تصل بها الرحمة والشفقة إلى درجة إلغاء النظام العقابي بالكلية،أو النزول به إلى المستوى الذي يفقده غاياته، فذلك فساد محض، ويتناقض مع مقررات الوحي القطعية في الفوائد المترتبة من توقيع بعض العقوبات على الجناة في حفظ أمن المجتمع وتحقيق استقراره، يقول تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[12]، فليست الرحمة هنا مرادفة لمعنى التسامح كما يقول الإمام محمد أبو زهرة – ذلك أن التسامح والرفق إن لــم يصادف محله كــان أشــد ما يكون قسوة، ذلك لأنه إن كان رفقاً بالذين أجرموا فهو قسوة على فرائس هذا الإجــرام وضحايـاه [13].

لقد قامت الفلسفة العقابية في الشريعة الإسلامية على دعائم عدة تم المزج بينها بطريقة متميزة تحقق الأهداف المرجوة من النظام العقابي وبالتالي تتحقق مصالح المجتمع.

ومن أجل تلك الغاية فقد قسمت الشريعة الإسلامية الجرائم إلى قسمين: جرائم الحدود، وجرائم التعازير[14].

 

الفقرة الأولى: فلسفة العقاب في الجرائم الحدية[15]، وأثر ذلك في التفريد الجزائي

 

لقد قامت فلسفة العقاب في هذه الجرائم على الأسس الآتية:

أولاً: العقوبة هي الجزاء المقابل للجريمة

وأساس هذه الفلسفة قائم على أن العقوبة هي الجزاء العادل للجريمة، وعليه فلا بد من توقيع العقوبة كلّما ثبت ارتكاب الجريمة، وقد ساق الفقهاء بعضاً من الأدلة الدالة على ما ذكرنا ومن ذلك:

1- قوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )[16]

2- قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[17].

وجه الاستدلال من النصين الكريمين: إن الله تعالى استخدم لفظ الجزاء بمعنى المقابل الذي لا يتخلّف عن الفعل.

وقد بنى بعض الفقهاء وعلى رأسهم فقهاء الشافعية بعضاً من تخريجاتهم الفقهية على هذا الفهم، فقرروا في مسألة تعدد الجرائم والعقوبات – ضرورة توقيع جميع العقوبات المحكوم بها على الجاني مهما تعددت باعتبار أن كل عقوبة تقابل فعلاً قد ارتكبه الجاني، وهذا بخلاف رأي من قال من الفقهاء بتداخل العقوبات التي هي من جنس واحد[18] .

3- ما روي في شأن المرأة المخزومية التي سرقت عقب فتح مكة، وقد اهتمت قريش لأمرها، وخافوا من تطبيق الحد عليها، فطلبوا من أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – أن يشفع لها عند النبي، فلمّا فعل، غضب النبي (صلى الله عليه وسلم) غضباً شديداً،وخطب الناس، فقال:” يا أيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها[19].

وجه الدلالة من الحديث الشريف: إن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يشدد على تطبيق عقوبة الحد على كل من ثبت عليه قضاءً أنه أرتكب الجريمة المقرر لها تلك العقوبة، وأنه لا يجوز تعديلها أو إسقاطها والعفو عنها.

4تطبيق النبي (صلى الله عليه وسلم) حد القذف على اللذين قذفوا السيدة عائشة – رضي الله عنها [20].

وجه الدلالة من الواقعة: لقد فهم الفقهاء من هذه الواقعة اطراد مبدأ المساواة في تطبيق عقوبات الجرائم الحدية، يقول السهيلي في شرحه على سيرة ابن هشام عند ذكر توقيع الرسول (صلى الله عليه وسلم) عقوبة الحــد على القـذفـة:” وفيه التسوية بين أفضل الناس بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) وأدنى الناس درجة في الإيمان، لا يزاد القاذف على الثمانين وإن شتم خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا ينقص منها ” [21].

ثانياً: هدف العقوبة منع الجريمة

فالعقوبة في جزء من أهدافها – ولعله في الفقه الجنائي الإسلامي هو الهدف الأهم – ترمي إلى منع ارتكاب مزيد من الجرائم بما يحققه توقيع العقوبة على جريمة وقعت فعلاً من ردع عام وخاص[22].

ومما يدلل على ذلك أن أغلب الفقهاء كانوا يعرّفون العقوبة بما يفهم منه صراحة مسألة الزجر والردع، فالماوردي الشافعي يعرّف الجريمة بأنها:” زواجـر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر وترك ما أمر[23], ويقرر الإمام القرافي المالكي – أن الزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة، وأنها في معظمها زجراً للعصاة عن المعصية، وزجراً لمن يقدم بعدهم على المعصية[24].

كما قرر الكمال ابن الهمام في كتابه فتح القدير أن العقوبات في الفقه الجنائي الإسلامي إنما شرعت لتحقيق الردع العام، ففي تنفيذها على المجرم منع له من العود للإجرام مرة أخرى، وفي تنفيذ العقوبة علناً أمام الناس ما يحقق المنع العام [25].

ثالثاً: هدف العقوبة إصلاح الجاني

مما لا شك فيه أن إصلاح الجاني كان من ضمن الأهداف التي تسعى العقوبات الشرعية إلى تحقيقها، إلا أن هذا الهدف كان أحياناً يتصدر أهداف العقوبة جميعها، وأحياناً أخرى نرى الأهداف الأخرى كالردع والزجر مثلاً هي التي تتصدر المشهد، وما ذاك إلا بسبب الموازنة الدقيقة التي تفرضها الشريعة الإسلامية لحفظ مصالح المجتمع من جهة وحفظ مصلحة الفرد من جهة أخرى.

ولمّا كانت العقوبات الحديّة قد فرضت في مقابلة جرائم خطيرة تمس المجتمع وأمنه واستقراره، وفيها اعتداء على ضرورياته ومقومات وجوده، كان من الأجدى إنزال العقوبة الرادعة بالجاني، ذلك أنه أنزل الأذى بالأمة كلها، وبالتالي لا بد عند تقدير العقوبة من ملاحظة مقدار الأذى الذي أحدثه الجاني بالمجني عليه إضافة إلى مدى الترويع والإفزاع العام الذي أحدثته الجريمة [26]، فلا تقاس جريمة السرقة مثلاً بمقدار المال المسروق، وإنما بما أحدثته هذه الجريمة من إخلال بضرورة من ضرورات حياة المجتمع وهي حفظ أموال الناس، وكذا القاتل بجريمته معتد على حق الحياة لكل نفس، يقول تعالى:( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)[27]، لهذا كان القصاص رغم ما فيه من إتلاف للنفوس إلا أنه بمثابة الحياة للمجتمع، يقول تعالى🙁 وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[28]

وفي هذا المعنى يقول العز بن عبد السلام:” ربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها أو تباح، لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة حفظاً للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد، وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد، بل لكون المصلحة هي المقصود من شرعها، كقطع يد السارق وقاطع الطريق، وقتل الجناة ورجم الزناة… “[29].

وتأسيساً على العرض السابق لأهداف العقوبة الحديّة فإننا نقول: إن الشريعة الإسلامية بهذه الفلسفة – لا تقر التفريـــد الجزائي في مجال العقوبات الحديّة المقدرة، ولذلك فالفقهاء يقررون أن العقوبات الحديّة لا ينظر فيها إلى مقادير الأفعال الجرمية [30]، بقدر ما ينظر فيها إلى مقدار انتهاكها لحرمات الله تعالى – التي تحمى الفضيلة وتدفع الرذيلة،لذلك من سرق القليل عقوبته كمن سرق الكثير، ومن زنى بأمة كان في عقوبته كمن زنى بحرة، ومن قذف رجلاً من عامة الناس كان كمن قذف رجلاً من أشراف الناس[31].

وهنا يمكن أن يثار السؤال الآتي: أليس في تطبيق العقوبات الحدية المقدرة سلفاً على كل من ارتكب جريمة من هذه الجرائم بمعزل عن شخص الجاني والظروف المحيطة به، أليس في ذلك إهدار للعدل واستبعاد للمجرم الذي قد يكون ضحية للظروف التي تحيط به ؟

ويمكن أن يصاغ السؤال بعبارة أخرى أكثر وضوحاً – فنقول: أليس في استبعاد الشريعة الإسلامية لمبدأ التفــريد الجزائـي في العقوبات الحدية المقدرة ثلم وقصور يجعل منها غير صالحة للتطبيق في هذا العصر التي تطبق فيه الدراسات الاجتماعية والقانونية الحديثة على أن الهدف الأول للعقوبة يجب أن يكون هو إصلاح الجاني وليس معاقبته ؟.

وللإجابة على هذا التساؤل يمكن القول أنه عند استقراء الجرائم التي لها عقوبة مقدرة في الشريعة الإسلامية نجدها منحصرة في عدد قليل جداً وجامع هذه الجرائم أنها من أكبر الكبائر التي يمثل إتيانها اعتداء صارخ على أمن المجتمع ونظامه العام، ولقد تشدّد الشرع الحنيف في طرائق إثبات هذه الجرائم بحيث يجعل من إثباتها ليس بالأمر السهل، كما أمر بإسقاط العقوبة الحدية لمجرد الشبهة، كما حث الشارع الحكيم على مسألة التوبة والستر قبل أن يصل الأمر إلى القضاء،إضافة إلى ما قررته الشريعة من الأحكام والبدائل التي تحول دون ارتكاب هذه الجرائم، فإن أصر المجرم بعد ذلك على هتك الحجب واختراق الحواجز التي تحول بينه وبين ارتكاب جريمته فإن مقتضى العدل وحفظ النظام العام للأمة يحتم أن يجازى المسيء بإساءته، ويكون الجزاء مناسباً لمقدار الأذى والضرر الذي ألحقه الجاني بالمجتمع من جراء ارتكابه لهذه الجريمة الخطيرة، وقد أسلفنا قبل قليل أن الفقهاء يقررون أن العقوبات الحديّة لا ينظر فيها إلى مقادير الأفعال الجرمية، بقدر ما ينظر فيها إلى مقدار انتهاكها لحرمات الله تعالى – التي تحمى الفضيلة وتدفع الرذيلة، فالسارق يروّع الحي الذي نزلت الجريمة بساحته، والزاني يفسد الصلات بين الرجل والمرأة، فتكون العلاقات الآثمة، وبذلك تضيع الأنساب , والقاذف يشيع الفاحشة في الذين آمنوا… وهكذا.

وإيقاع العقاب بالجاني هو مقتضى العدل، وهو لا ينافي الرحمة التي جاءت بها الشرائع السماوية، لذلك قرر النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما قرر من قوانين الرحمة -أن من لا يرحم الناس لا يرحمه القانون الرادع الزاجر[32]، فقال (صلى الله عليه وسلم):( من لا يرحم لا يُرحم)[33].

يقول محمد أبو زهرة رحمه الله -:”إن شذّاب المجتمعات كالناتئ من الأبنية، لا بد كي يكون النسق رائعاً وجميلاً وقوياً موثّق الأركان من أخذ هذا الناتئ بالمعول لتقوم عمد البناء، كالأشجار المثمرة لا تثمر إلا إذا شذّبت أطرافها من كل ما يتعلق بها من طفيل النبات[34].

 

 

 

 

الفقرة الثانية: فلسفة العقاب في الجرائم التعزيرية، وأثر ذلك في التفريد الجزائي:

 

لقد ظهر ومن خلال استقراء الكثير من الوقائع الجرمية التعزيرية[35] أن ردع الجناة وزجرهم هو هدف أصيل منشود لغايات استئصال الجريمة والحيلولة دون وقوعها ما أمكن، كما يظهر من تلك الوقائع المشار إليها – أن ذلك لا يتم بمعزل عن النظر في شخصية الجاني والظروف التي أحاطت به عند ارتكابه للجريمة.

ولقد ظهر – أيضاً – أن من أهم الأسس التي يقوم عليها توقيع العقاب في هذا الجانب هو إصلاح الجاني نفسه من خلال اختيار العقوبة التي تناسب حاله بحيث يتحقق الردع والزجر المطلوب، وإلا صار توقيع العقوبة يتم بشكل آلي بمعزل عن المآلات التي قد تنجم عن ذلك ولو كانت هذه المآلات فاسدة، وبالتالي تفقد العقوبة هدفها المنشود وغاياتها المطلوبة، ويصير إيقاعها على الجاني نوع من أنواع التعسف في استخدام الحق.

إن الوسيلة إذا غلب على الظن عدم إفضائها إلى الثمرة المرجوة منها لم تشرع، ذلك لأن استعمالها حينئذ يكون ضرباً من العبث أو الإضرار، وكلاهما لا يشرع لمناقضته قصد الشارع، يقول العز بن عبد السلام في كــتابه الــقواعد:” كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل” [36]

ومن الأدلة والشواهد الدالة على هذه الفلسفة العقابية في الجرائم التعزيرية ما يأتي:

  • أولا: حالة تشديد العقوبة:

لقد شدد الإسلام العقوبة على حالات معينة، يعود بعضها إلى جسامة الضرر المترتب على الجريمة، ويعود بعضها الأخر إلى صفة في الجني أو المجني عليه، أو لوحشية الوسائل، أو لدناءة البواعث التي دفعت المجرم لارتكاب الجريمة أو بالنسبة للمجرم العائد الذي يتكرر منه الإجرام، وفيما يلي نبذة عن كل حالة:

أ- تشديد العقوبة لجسامة الضرر المترتب على الجريمة:

قطع يد السارق ورجله من خلاف: قال لله تعالى في أية الحرابة🙁 إِنَّمَا جَزَاء الَّذِيْنَ يُحَارِبُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوْا أَوْ يُصَلَّبُوْا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيْمٌ)[37].

ب- تشديد العقوبة: لدناءة الفعل:

من المقرر في الشريعة أن من اعتاد الإجرام واستمرأه فإنه يشدد عليه في العقوبة فإن لم يرتدع أمكن استئصاله من الجماعة بقتله أو بكف شره عنها بتخليده في الحبس، فمثلاً اللواطة لغير المحصن، يعاقب عليها الفاعل والمفعول به بالعقوبة المقررة للجريمة، فإن اعتاد الجناة هذه الجريمة ولم تردعهم العقوبة أمكن قتلهم لشناعة جرمهم وأثره الخطير على أمن المجتمع وسلامة أخلاقه، كما أن السارق إذا لم تردعه العقوبة وعاد للجريمة مرة بعد مرة أمكن تخليده في الحبس حتى يموت أو تظهر توبته[38].

ج- تشديد العقوبة لصفة خاصة في الشخص (الجاني) أو المجني عليه:

1– تشديد العقوبة لصفة خاصة في الشخص (الجاني):

يقول تعالى:( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[39] .

وجه الدلالة من الآية الكريمة:

إن الجريمة كما تتغلّظ عليها العقوبة باجتماع الموانع تتغلّظ العقوبة – أيضاً – باجتماع النعم، ولهذا هدد الله عز وجل نساء النبي (صلى الله عليه وسلم.) بضعف ما هدد به غيرهن من النساء.

ما روي من فتوى إمام الأندلس يحيى بن يحيى الليثي صاحب مالك لبعض ملوك المغاربة وهو الأمير عبد الرحمن بن الحكم الأموي صاحب الأندلس، وكان قد نظر في رمضان إلى جارية له كان يحبها حباً شديداً، فعبث بها، فلم يملك نفسه أن وقع عليها، ثم ندم ندماً شديداً، فسأل الفقهاء عن توبته وكفارته، فقال يحيى بن يحيى: تصوم شهرين متتابعين، فلمّا بدر يحيى بذلك سكت بقية الفقهاء حتى خرجوا، فقالوا ليحيى: مالك لم تفته بمذهب مالك، وهو التخيير بين العتق والصيام والإطعام؟ فقال: لو فتحنا له هذا الباب سهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة، ولكن حملته على أصعب الأمور لئلا يعود[40].

ورغم إنكار بعض الفقهاء كالغزالي والجويني لهذه الفتوى بدعوى مخالفتها للنصوص إلا أن البعض الآخر من الفقهاء من أيّد هذه الفتوى وانتصر لها، يقول الإمام يحيى الطـوفي الحنبلي:” أمّا تعين الصوم في كفارة رمضان على الموسر فليس يبعد إذا أدى إليه اجتهاد مجتهد، وليس ذلك من باب وضع الشـرع بالرأي، بل من باب الاجتهاد بالمصلحة، أو من باب تخصيص العام المستفاد من ترك الاستفصال في حديث الأعرابي[41]، وهو عام ضعيف، فيخص بهذا الاجتهاد المصلحــي المناسب، وقد فرّق الشـــرع بين الغني والفقير في كثير من المواضع، فليكن هذا من تلك المواضع [42].

ولقد علّق الـقـرافي على هذه الفتوى بما أورده صاحب الفواكه بما معناه:” إن الكفّارات شرعت للزجر والملوك لا تنزجر بالإعتاق، لسهولته عليهم، فتعيّن ما هو زاجر لهم، وهذا من النظر في المصلحة، ولا تأباه القواعد، ولعله غير مناف للتخيير، لإمكان حمل التخيير على فقد المعّين لنوع منها “ [43].

وقال القرافي في تهذيب الفروق:” إفتاء يحيى له بالصوم هو الأوفق بكون مشروعية الكفّارات للزجر، ولم يفته يحيى على أنه أمر لا يجوز غيره “[44].

 

2– تشديد العقوبة لحالة العود:

تواردت الروايات الدالــة على أن شارب الخمر يقتل في الرابعة منها:

ما روي عن الترمذي وأبي داود عن معاوية عن أبي سفيان رضي الله عنه قال، قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :من شرب الخمر في الرابعة ف فاجلدوه فان عاد فاقتلوه. تم نسخ القتل.

3– تشديد العقوبة مراعاة لوحشية الوسائل:

تشريع حد القصاص حيث يفعل بالجاني مثل ما فعل فان قطع يده فمات تقطع يده بنفس الطريقة كما شدد المشرع الوضعي العقوبة على من قتل نفسا عمدا مع سبق الإصرار والترصد فجعل عقوبته الإعدام فقد لاحظ المشرع الإسلامي هدا من قبل فرأى أن القتل قد يكون عاتي ظالما ويظهر قصده واضحا جليا حبيتا دنيئا كقتل الغيلة وهو أن يضجع المجني عليه فيدبجه.

  • ثانيا: الإعفاء من العقاب:

اختلف فيه الفقهاء إلى عدة أقوال منها:

أ حق العفو عن التعزير الذي هو حق العبد:

اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على أنه يجوز العفو عن التعزير الذي وجب لأجله. جاء في “بدائع الصنائع:” وأما صفته أي صفة التعزير- فله صفات… ومنها: أنه يحتمل العفو والصلح والإبراء؛ لأنه حق العبد خالصا، فتجري فيه هذه الأحكام، كما تجري في سائر الحقوق للعباد من القصاص، وغيره بخلاف الحدود “[45][i].

وجاء في حاشية الدسوقي:”بخلاف التعزير لحق الآدمي، فإنه لا يسقط بذلك. نعم، يسقط لعفو صاحب الحق عنه”[46]

وجاء في الأحكام السلطانية للماوردي:” والوجه الثاني: أن الحد، وإن لم يجز العفو عنه، ولا الشفاعة فيه، فيجوز في التعزير العفو عنه، وتسوغ الشفاعة فيه[47].

وجاء في الأحكام السلطانية لأبي يعلى:” فهل يجوز في التعزير العفو، وتسوغ الشفاعة فيه ؟… إن تعلق بحق آدمي وعفا عن حقه، جاز عفوه “[48].

بالعفو عن التعزير الذي هو حق الله تعالى:

اختلف العلماء في العفو عن التعزير الذي لحق الله تعالى على ثلاثة أقــوال:

القول الأول : أن ما نص عليه من التعزير كما في وطء جارية امرأته، أو المشتركة، وجب امتثال الأمر فيه. وما لم ينص عليه، إذا رأى الإمام المصلحة، أو علم أنه لا ينــزجر إلا به وجب، وما علم أنه انـزجر بدونه لا يجب.

القول الثاني : أن إقامة التعزير إذا كان لحق الله واجب، لا يجوز العفو فيه. وهذا قول بعض فقهاء المالكية[49].

القول الثالث : أن التعزير الذي لحق الله يجوز لولي الأمر فيه أن يراعي الأصلح في العفو، أو التعزير، وهو المشهور عند المالكية[ii].[50]

2قوله (صلى الله عليه وسلم):” أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ” وفي رواية ” أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود [51].

يقول ابن القيم في تعليقه على هذا الحديث ومبيناً وجه الدلالة منه ما نصه:” والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس في الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً، مشهوراً بالخير، حتى كبا به جـواده، ونبا عضب صبره، وأديل عليه غلبة شيطانه، فلا يسارَع إلى تأديبه وعقوبته، بل تقال عثرته، ما لم تكن حداً من حدود الله تعالى، فإنه يتعين استيفاؤه من الشريف كما يتعين أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، وقال:”إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه“.

وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم، وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد”[52].

– ثالثا: وقف تنفيذ العقوبة:

من أمثلة على اجتهادات عمر -رضي الله عنه- في وقف تنفيذ العقوبة ما يلي:

أ-عدم إقامة عمر  حد السرقة عام المجاعة:

وذلك لما رأى عمر  عدم استيفاء الشروط الموجبة لقطع يد السارق الباعثة على تطبيق الحكم، والتي منها شبهة المجاعة الملجئة إلى أخذ حق الغير بدون إّن منه، حيث كان آخذ المال بغير حق أمام ضرورة، فكان بذلك أمام مناط آخر غير المناط العام الذي يوجب الحد، والذي يستوجب تقديم إسقاطه لما قد يفضي إليه تطبيقه من هلاك الأنفس.

ب-قضاء عمر في الرقيق الدين سرقوا ناقة حاطب بن أبي بلتعة فدبجوها واكلوها.

الحديث رواه مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فنحروها، فرفع ذلك إلى الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: أراك تجيعهم، ثم قال عمر: والله، لأغرمنك غرما يشق عليك، ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم، فقال عمر: أعطه ثمانمائة درهم.

وفي رواية أخرى قال عمر لعبد الرحمان بن حاطب: أما لولا أني أظنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكله لقطعتهم ولله إدا تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك.

ومن هدا الأثر نرى أن الفاروق عمر فهم من تشريع قطع اليد أنه عقوبة رادعة لمن يرتكب هده الجريمة من غير حاجة تلجئه إلى الاعتداء على مال الغير وحين تبين له أن هؤلاء الغلمة اضطروا لما اجترحوا بسبب ما نالهم من الجوع والحرمان لم ير أن يمضي عليهم حد لسرقة.

بعد سرد هذه الأدلة لا يمكننا إلا أن نقول: إن ما يسمى ب (التـفـريـد الجزائي) أو (تـفـريـد العقوبة) هو مصطلح مشروع في أصله في الفقه الجنائي الإسلامي ويتجلى ظهوره في الجرائم التعزيرية التي تشكل غالب الوقائع الجرمية التي تحدث في المجتمع.

 

 

 

المبحث الثاني: مدى حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء في القانون الجنائي المغربي

 

 

لعل المشرع المغربي في سعيه الدائم نحو مواكبة المستجدات على الساحة القانونية المغربية، لم يغفل مواكبة المبادئ الحديثة للقانون الجنائي وعلى رأسها تفريد العقاب المنزل بالمجرم، بل حتى الحذو نحو وضع ظروف خاصة تشدد هذه العقوبة أو تخففها إذا استشف القاضي وجودها في النازلة، كما جعل له أن يتخذ بعض الوسائل في تحقيق الهدف من العقاب ، كالتدابير الوقائية ووقف التنفيذ.

الا أن هذه السلطة الواسعة التي منحت للقاضي ولّدت بعض المخاوف من سوء استعمال هذه الصلاحيات التي وضعت بيد القاضي المغربي، مما حذا بالمشرع لوضع ضوابط تحكم سلطة القاضي التقديرية وتجنيبها الانحراف عن المقاصد التي جاءت لتحقيقها. مما يفرض علينا التطرق لهذه المسألة، وهو ما سيتم الاستجابة له على صعيد مطلبين ، نعالج في المطلب الأول “مدى سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء” والثاني نقف فيه على “الضوابط القانونية والعملية لسلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء.”

 

 

المطلب الأول: مدى سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء:

 

سلطة القاضي التقديرية في تفريد العقاب أضحت تحتل مكانة محورية في السياسة الجنائية للدولة، وصارت تولى كل الاهتمام، وذلك كون المشرع عند وضعه جزاء للجريمة فليس باستطاعته الإحاطة بملابسات ارتكاب كل جريمة على حدة، بل يكتفي بوضع عقاب توفيقي فحسب، بينما نجد فترة المحاكمة تتيح للقاضي الوقوف على أحوال المجرم وظروف اجرامه.

فاذا كان المشرع يركز عند تحديد العقوبة على الجريمة بصفة مجردة، فالقاضي يأخذ بعين الاعتبار حيثيات الجريمة وخصوصيات مرتكبها، سعيا لتحقيق العدالة قدر المستطاع. مما استدعى توفير وسائل لمؤسسة القضاء تسمح لها بالتصرف واتخاذ القرار المناسب، والسعي دوما نحو تحقيق مبادئ ومقاصد الفكر الجنائي الحديث. وهو ما تمت الاستجابة له وذلك بالسماح بتخفيف العقوبة أو تشديدها إذا وجدت ظروف تسنح بذلك، وكذا الاختيار بين العقوبات وكذا وقف تنفيذها، بالإضافة الى إمكانية الحكم بتدابير وقائية كذلك. وهذه العناصر هي التي سنحاول التطرق لها وذلك على فقرتين:

 

 

الفقرة الأولى: سلطة القاضي التقديرية في تخفيف العقوبة وكذا تشديدها:

 

يستند المشرع عند تحديده لما يعد جريمة، وما يستوجب من جزاء على عدة معايير تتعلق بالقيمة الاجتماعية المعتدى عليها، وما أصابها من ضرر، وما تعرضت له من خطر، ونوع الخطأ الذي وقع في سبيل المساس بها،

والمشرع عند إنشاءه للجزاء درجه بحسب ظروف كل جاني، فيفترض تطبيق عقوبة أشد أو أخف من العقوبة العادية المقررة لنفس الفعل إذا وقع في ظروف معينة، فإنه كثيرا ما يترك للقاضي في ضوء الحدود الشرعية تطبيق القانون، وهو ما تبلورت ما صار يعرف ب’’ التفريد القضائي’’ ويعرف على أنه هو السلطة المناطة بالقاضي والتي  تخوله، في حدود القواعد والمبادئ التي يقررها المشرع، الحكم بالعقوبة المناسبة للجريمة، أخدا بعين الاعتبار ظروف ارتكابها وكذا ظروف مرتكبها، لتكون محل اعتبار عند انزال العقوبة المناسبة.

وتقوم فكرة التفريد القضائي على أساس أن المرحلة الحقيقية لتحقيق التفريد هي مرحلة النطق بالحكم لا مرحلة وضع النص التشريعي الخاص بالجريمة،

فرغم جسامة الجريمة الواحدة أي كان سبب وقوعها إلا أن المشرع وضع لها عقوبة مرنة تتمثل في حد أدنى وحد أقصى يترك للقاضي سلطة الاختيار بينهما، فيحكم بأحدهما أو بما يتراوح بينهما. اللهم سوى ما استحال فيه ذلك كعقوبة الاعدام، وهو ما نهج عليه الاجتهاد القضائي، إذ جاء في أحد قرارات محكمة النقض أنه “من المقرر أن تقدير العقوبة أمر موضوعي لا سلطان عليه لمحكمة النقض، بشرط أن يكون في الحدود التي ضبطها القانون”

الا أن للقاضي أن ينزل عن الحد الأدنى للجزاء إذا وجدت ظروف مخففة، كما له أن يتجاوز الحد الأقصى اذا توفر ظرف مشدد.

وقبل التطرق لظروف التخفيف والتشديد على حدة، تجدر الاشارة الى أننا هنا نتحدث عن الظروف القضائية وليس القانونية، و وجه الاختلاف بينهما هو كون الظروف القانونية حددها المشرع، و تطبق متى وجدت ولا دخل للقاضي في ذلك، أما الظروف القضائية فليست محددة قانونا، بل تركت لحكمة القاضي و سلطته التقديرية.

ونستهل اذن بالتعريف بظروف التخفيف، وهي أسباب متروكة لتقدير القاضي، تخوله حق تخفيض العقوبة في الحدود التي عينها القانون وهي تتناول كل ما يحيط بماديات العمل الإجرامي في ذاته، ومنها شخص المجرم الذي ارتكب هذا العمل، ومن وقعت عليه الجريمة، و كيف وقعت هذه الجريمة. وعلى ذلك فهي كل الظروف والملابسات التي تحيط بالعمل الإجرامي، ومرتكبه والمجني عليه من ظروف وملابسات بلا استثناء،وهي عناصر أو وقائع عرضية تبعية تضعف من جسامة الجريمة و تكشف عن ضالة خطورة فاعلها و تستبيح تخفيف العقوبة الى أقل من حدها الأدنى أو الحكم بما يناسب تلك الخطورة، لذلك فإن المشرع الجنائي رغبة منه في إفساح المجال أمام القاضي لتفريد العقاب بما يتلاءم مع ظروف كل جريمة وكل جانٍ، قد خول القاضي الصلاحية للنزول بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر لها،تجنبا لوضع القاضي أمام خيار عسير،و هو اما الحكم بعقوبة قاسية على الجاني،أو الحكم ببراءته كليا.

ولم يحدد المشرع الأسباب التقديرية وسبب ذلك يعود إلى أن هذه الأسباب كثيرة جدا ومتجددة، بحيث لا يمكن الإحاطة بها كلها، كما أن القضاة يختلفون في نظرتهم إليها، وتتفاوت آراؤهم في تقديرها، ومن أجل ذلك ترك المشرع تقدير هذه الأسباب المخففة للقاضي دون أن يبين مضمونها أو يحدد حدودها. وهو ما ترك للممارسة القضائية ترسيخها من الناحية العملية، فنجد قرار المجلس الأعلى عدد 1355/2 الصادر بتاريخ 28/7/96 ينص على أن “منح ظروف التخفيف في إطار الفصل 146 من القانون الجنائي هو أمر يرجع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع ولا يخضع لرقابة المجلس الأعلى”. وكما جاء أيضا في قرار المجلس الأعلى عدد304 الصادر بتاريخ 19/1/1967 الذي أكد على “ضرورة البت في وجود ظروف التخفيف من عدمها من طرف محكمة الجنايات ولو تعلق الأمر بجنحة”

وقد تمت الإشارة لظروف التخفيف في القانون الجنائي المغربي في الفصل 146 الذي نص على أنه إذا تبين للمحكمة الزجرية بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك.

و نأخذ كمثال على بعض مظاهر تخفيف العقوبة في القانون الجنائي المغربي:

أ- بالنسبة للعقوبات الجنائية :

× الإعدام يعوض بالسجن المؤبد أو المؤقت من 10 سنوات إلى 30 سنة

× السجن المؤبد يعوض بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 30 سنة

× السجن المؤقت الذي هو بين 5 سنوات و 10 سنوات يعوض بعقوبة الحبس من سنة إلى 5 سنوات.

× الإقامة الإجبارية تعوض بالتجريد من الحقوق الوطنية أو الحبس من 6 أشهر إلى سنتين.

× التجريد من الحقوق الوطنية يعوض بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين أو بالحرمان من بعض الحقوق الوطنية الواردة في الفصل 26 من ق.ج.

× تكون المحكمة الجنائية مخيرة ادا كان الحد الأدنى المقرر للعقوبة عشر سنوات بين أن تستبدل العقوبة المقررة بعقوبة تتراوح بين خمس سنوات وعشر، وبين تخفيضها الى عقوبة حبسية من سنتين الى خمس سنوات.

× إذا كانت ظروف التخفيف في الجنايات تؤدي الى تخفيف العقوبة الأصلية لزوما فان هذا الالزام لا يمتد ليشمل العقوبات الإضافية كذلك. وهدا ما يستنتج من الفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق

× كلما حكمت المحكمة الجنائية بعقوبة الحبس بدل السجن الذي حده الأدنى خمس سنوات أو عشر (الفقرات 3و4و5 من م 147 من ق.ج ) أو الإقامة الإجبارية م 148/1 من ق ج أو التجريد من الحقوق الوطنية م 148/2 من ق ج فإنها يمكنها أن تضيف عملا بالفقرة 7 من المادة 147 الى عقوبة الحبس في الحدود المقررة في الفقرات 3 و4و5 من المادة 147 والفقرتين 1و2 من المادة 148 من ق.ج غرامة يكون حدها الأدنى 200درهم وحدها الأعلى 1200 درهم والحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار اليها لافي الفقرتين 1و2 من الفصل 26 من ق وبالمنع من الإقامة لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشر.

ب-بالنسبة للعقوبات الجنحية:

يمكن تمييز فيما يهم العقوبات الجنحية بين العقوبات التأديبية والعقوبات الضبطية ويجري تخفيف كما يلي:

× في الجنح التأديبية بما في ذلك حالة العود

يقع التخفيف بالنزول عن الحد الأدنى المقرر للحبس أو الغرامة على أن لا ينقص الحبس عن شهر واحد والغرامة عن 200 درهم ونزول القاضي هنا اختياري

× في الجنح الضبطية بما في ذلك حالة العودة

يقع التخفيف بالنزول عن الحد الأدنى وبصفة جوازية للقاضي أيضا دون أن ينقص الحبس عن 6 أيام.

والغرامة عن 200 درهم. كما يقع الاقتصار على إحدى العقوبتين أو الحكم بالغرامة التي يمكن أن تصل إلى خمسة آلاف درهم بدل الحبس.

ج-بالنسبة لعقوبة المخالفات:

الذي يأخذ من نصوص المجموعة الجنائية أنه في المخالفات يمكن للقاضي الجنائي اتخاذ نوعين من التخفيف: طبقا للمادة 151 من ق.ج يستطيع القاضي الذي ثبت لديه توفر الظروف المخففة أن ينزل بعقوبتي الاعتقال والغرامة إلى الحد الأدنى المقرر للمخالفات وهو يوم واحد للاعتقال وخمسة دراهم للغرامة، كما يجوز له أن يحكم بالغرامة عوضا عن الاعتقال في الحالة التي يكون فيها الاعتقال مقررا في القانون.

وحسب نصوص القانون الجنائي المغربي فان مجال تطبيق نظام ظروف التخفيف ليس خاص بنوع دون آخر من المجرمين وإنما يطبق على الجميع وبدون استثناء، وتقرير ظروف التخفيف يتم من طرف قضاء الموضوع، الا أنه على مستوى نوع الجريمة فالملاحظ كون الممارسة القضائية مؤيدة من طرف الفقه، سارت في اتجاه الاقتصار على منح ظروف التخفيف في الجنايات، رغم أن المشرع لم يحصرها في الجنايات دون الجنح والمخالفات. وحجتهم في ذلك هو كون الحد الأدنى في هذه العقوبات أصلا منخفض بدرجة تغنينا عن اللجوء للتخفيف.

وتجدر الاشارة الى أنه تثار بعض الاشكالات تهم ظروف التخفيف، ولعل أبرزها:

— إشكالية احتفاظ الجريمة بطبيعتها الأولية، أي تكييفها في التقسيم الثلاثي للجرائم، وذلك عند تطبيق ظروف تخفيف تنزل عن حد هذه الجريمة الأدنى. وانقسم الفقه هنا الى:

× رأي أول يتشبث بالوصف القانوني للجريمة وبالتالي فلا يغير من وصف هذه الأخيرة أو طبيعتها أن يلحقها ظرف قضائي أو عذر قانوني مخفف.

× رأي ثاني ذهب أنصاره الى القول بتغير وصف الجريمة مع التكييف القضائي الذي يكسبها إياه الحكم بعد استعمال الظرف المخفف لأن هذه العقوبة القضائية هي التي تحدد في الأخير الخطورة الحقيقية للجريمة.

× أما الرأي الأخير فيذهب أنصاره الى التفرقة بين الأعذار القانونية، اذ أنه بعد اعمال العذر القانوني تصبح الجناية جنحة إذا عوقبت بعقوبة الجنحة، أما الظرف القضائي المخفف فلا يجيزون الأخذ به.

والمشرع المغربي حسم هذا الخلاف في الفصل 112 من القانون الجنائي المغربي والذي جاء فيه بأن “نوع الجريمة لا يتغير إذا حكم بعقوبة متعلقة بنوع اخر من أنواع الجرائم لسبب مخفف.”

-كما تطرح إشكالية تطبيق ظروف التخفيف في حال تعدد المشاركين، وهو الإشكال الذي حسمه قرار المجلس الأعلى عدد 21722 الصادر بتاريخ 05/06/2002 عندما قضى بأنه “ينظر بشأن ظروف التخفيف فيما يخص كل واحد من المتهمين على حدة لاختلاف كل واحد منهم عن الآخر.

ويتعرض للنقض القرار الذي يتضمن تنصيص جامع لكل المتهمين بشأن تمتيعهم أو عدم تـمتيعهم بظروف التخفيف.”

 

أما ظروف التشديد فهي الحالات التي يجوز فيها للقاضي أن يحكم بعقوبة من نوع أشد مما يقرره القانون للجريمة، أو يجاوز الحد الأقصى الذي وضعه القانون لعقوبة هذه الجريمة، وبصفة عامة هي عبارة عن بعض الأمور أو الخصائص أو الوسائل أو الملابسات التي يرى المشرع أن تخفيفها يوجــب أو يجيز تشديد العقاب المقرر أصلا للجريمة بدونها. وقد نص الفصل 152 من ق ج على أن ” تشديد العقوبة المقررة في القانون بالنسبة لبعض الجرائم ينتج عن ظروف متعلقة بارتكاب الجريمة او بإجرام المتهم”

ومنه فيمكن تقسيم ظروف التشديد الى:

– ظروف عينية أو مادية: وهذه الظروف تتعلق بالملابسات العائدة للجانب المادي أو العيني في الجريمة، ككيفية ارتكابها، أو مكان اقترافها، أو زمن هذا الاقتراف، كما في جريمة السرقة المعاقب عليها بالحبس من سنة الى خمس سنوات وغرامة من مئتين الى خمسمائة درهم. الا انه في حالة توفر أحد ظروف التشديد كارتكابها ليلا او باستعمال مفاتيح مزورة او بواسطة الكسر او التسلق فان العقوبة تكون السجن من خمس الى عشر سنوات، وهو ما جاء في الفصل 505 و510 من ق.ج.

– ظروف شخصية: وهي تلك التي تتعلق بصفات خاصة بشخص الجاني، أو بطبيعة علاقته بالمجني عليه، أو بدرجة جسامة خطئه العمدي أو غير العمدي كسبق الاصرار والترصد حيث تشدد جريمة القتل العمد من السجن المؤبد الى الاعدام في حالة ارتكاب هده الجريمة مع سبق الاصرار والترصد وهدا ما نص عليه في الفصل (393من ق ج) وتشديد هده العقوبة ناتج عن الخطورة التي يحملها الجاني والمتمثلة في تصميمه وعزمه المسبق على ارتكاب فعله.

ولعل كأبرز مثال للظروف المشددة نجد:

حالة التعدد: ويتجلى في ارتكاب مجموعة من الجرائم من لدن فاعل في ان واحد او في اوقات متوالية دون ان يفصل بينهما حكم قابل للطعن، ولعل مدى الخطورة الاجرامية التي يشكلها هذا الشخص بالنسبة للمجتمع واضحة في هذه الحالة. وهنا يجب التمييز بين التعدد الصوري والتعدد الحقيقي،

فالتعدد الصوري هو اتيان الجاني لفعل واحد يقبل اوصافا قانونية متعددة بتعدد النصوص التي تظهر بان الفعل الواحد يشكل خرقا لها، وقد نص الفصل 118 من ق ج على حكم هذا التعدد الذي جاء فيه “الفعل الواحد الذي يقبل اوصافا متعددة يجب ان يوصف بأشده.

اما النوع التعدد الحقيقي فنص عليه المشرع في ف 119 من ق ج والذي جاء فيه” تعدد الجرائم هو حالة ارتكاب شخص جرائم متعددة في ان واحد او في اوقات متوالية دون ان يفصل بينهما حكم غير قابل للطعن. ويقتضي المنطق في هذه الحالة ضم العقوبات والتدابر الوقائية المقررة لكل جريمة، الا ان المشرع لم يذهب في هذا المنحى، اذ نجده اتبع هذا المنطق جزئيا فقط فطبقه بالنسبة للعقوبات المالية والاضافية والعقوبات الصادرة في المخالفات وكذا التدابير الاحتياطية، اما بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية فيحكم بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقررة قانونا لمعاقبة الجريمة الأشد.

وتجدر الاشارة الى أنه بخصوص الاشكال المتعلق باجتماع ظروف التخفيف وظروف التشديد بنفس النازلة، فقد جاء المشرع وحسم النزاع حينما نص في المادة 161 من ق.ج. على أنه ’’ في حالة اجتماع أسباب التخفيف وأسباب التشديد يراعي القاضي في تحديد العقوبة مفعول كل منهما على الترتيب الآتي:

الظروف المشددة العينية المتعلقة بارتكاب الجريمة. -1

الظروف المشددة الشخصية المتعلقة بشخص المجرم-2

الأعذار القانونية المتعلقة بارتكاب الجريمة والمخفضة للعقوبة. -3

الأعذار القانونية المتعلقة بشخص المجرم والمخفضة للعقوبة. -4

5- حالة العود.

6- الظروف القضائية المخفضة.

 

 

 

 

الفقرة الثانية : سلطة القاضي التقديرية في اللجوء للعقوبات التخييرية والتدابير الوقائية ووقف تنفيذ العقاب  

 

لعله مع التطور الذي عرفته فلسفة القانون الجنائي وانتقالها من الرغبة في إنزال أشد العقاب بالجاني كغاية ووسيلة، الى الرغبة في تهذيب واصلاح وتأهيل الجاني، لعل هذا ما دفع التشريع الجنائي للسعي نحو تبني نظام جزائي أكثر حداثة، لم يعد يكتفي بالعقوبات في صورتها الكلاسيكية، بل أضاف لها بعض الأصناف الجديدة والتي الهدف منها هو إعادة تأهيل هؤلاء المحكوم عليهم ولعل من أبرز هذه الوسائل الحداثية نجد: العقوبات التخييرية، ووقف التنفيذ، والتدابير الوقائية، وسيتم التطرق لكل واحدة على حدة

أولا العقوبات التخييرية: وتتلخص في وضع المشرع اثنين من العقوبات الأولى مشينة والثانية عقوبات غير مشينة حيث يترك للقاضي سلطة اختيار العقوبة المناسبة لكل مجرم على حدة، بحيث إذا كان دافعه لارتكاب الجريمة دنيء أو أن الوسائل والطرق التي استعملت في ارتكاب الجريمة مشينة، صدرت في حقه العقوبة الأشد وطأة، والعكس بالعكس صحيح. وهذا ما جعل معظم التشريعات الحديثة تأخذ بنظام العقوبات التخييرية إلا أن معظم هذه العقوبات تتمحور حول الحبس أو الغرامة، وهذا النهج هو الذي سلكه المشرع المغربي ولو في نطاق محدود، حيث يلاحظ أنه اقتصر على عقوبتين فقط هما الحبس أو الغرامة’ كما في الجنح المتعلقة بحوادث السير حيث نجد معظمها تنص على عقوبات تخييرية باستثناء حوادث السير المميتة حيث تكون العقوبة هي الحبس والغرامة معا.

وتجدر هنا الإشارة الى أن مجال تطبيق العقوبات التخييرية مقتصر على الجنح دون الجنايات نضرا لخطورتها.

ثانيا وقف التنفيذ: أحيانا رغم تمتيع القاضي المتهم بظروف التخفيف فان العقوبة تبقى قاسية بالنسبة اليه خصوصا ادا كان الأمر يتعلق بجريمة بسيطة وكان المجرم غير متعود على الأجرام، فهنا للقاضي أن يحكم بعقوبة لكن مع وقف تنفيذها، والادانة مع وقف التنفيذ هي سماح القاضي للمحكوم عليه بعدم تنفيذ العقوبة إذا ما هو احترم عددا من الشروط خلال فترة محددة. فقد خول المشرع للقاضي أن يأمر في الحكم الذي يصدره بعدم تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه وذلك إذا ارتأى أن إدانة الجاني كافية لردعه وأن تنفيذ العقوبة ربما أتى بأثر عكسي سيما عقوبة الحبس التي قد تفسد بعض المذنبين الذين ارتكبوا الجريمة عن هفوة تم استيقظ ضميرهم وندموا على ما فعلوا، فمثل هؤلاء قد يكون من الحكمة عدم  ارغامهم على العيش داخل السجن مع المجرمين المحترفين.

ويفهم من طبيعة النصوص الجنائية المغربية التي تطرقت الى وقف التنفيذ أنه ينطوي على معاملة عقابية حقيقية لأنه يشكل تهديد للمحكوم عليه خلال المدة المحكوم بها عليه بوقف التنفيذ حيث تنفذ في حقه إذا صدر عنه ما يجعله غير جدير بوقفها. اذن فالإدانة مع وقف التنفيذ هي إدانة جزائية ذات تنفيذ مشروط تنتهي بمضي مدة معينة على اعتبار:

أ-أن كونها إدانة جزائية يعني تقييدها في السجل العدلي

ب-وأن كونها إدانة ذات تنفيذ مشروط يعني انها معلقة من حيث التنفيذ على عنصر التردي ثانية في هاوية الإجرام خلال مدة التجربة وتحمل إدانته بالحبس أو بعقولة أشد من أجل جناية أو جنحة عادية.

ج-وأنها إدانة تمحى نـهائيا بمرور فترة التجربة فالأمر إذا لا يتعلق لا يتعلق بإعفاء فقط وانما بمحو الإدانة من أصلها واعتبارها كأنها لم تكن.

وطبقا للمواد 55 و56 من القانون الجنائي المغربي، فشروط منح وقف التنفيذ الذي يبقى إجراء اختياري يمكن للمحكمة أن تمنحه أو لا تمنحه ولو توافرت شروطه القانونية، أن لا يكون الجاني قد سبق الحكم عليه بعقوبة حبسية أو أشد من اجل جناية أو جنحة عادية، كما يشترط في العقوبة المراد وقف تنفيذها أن لا تكون عقوبة حبسية أو جنائية.

وتجدر الاشارة هنا الى أن أثر وقف التنفيذ فانه لا يسري إلا على العقوبات الأصلية وحدها دون العقوبات الإضافية ولا على صوائر الدعوى والتعويضات المدنية أو فقدان الأهلية المترتبة عن الحكم الزجري.

ثالثا التدابير الوقائية: التدبير الوقائي هو معاملة فردية قسرية ينص عليها القانون لمواجهة الخطورة الاجرامية المتوفرة لدى بعض الأفراد للدفاع عن المجتمع ضد الجريمة. فهو معاملة فردية تنزل بشخص معين بعد أن تثبت خطورته على المجتمع لتحول دون إجرامه.

فالتدابير الوقائية مجموعة من الإجراءات تقتضيها مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام، ومن ثم كان لها طابع الإجبار والقسر، فهي تفرض على من ثبت أنه مصدر خطر على المجتمع، ولا يترك الأمر فيها إلى خياره ولو كانت تدابير علاجية، أو أساليب مساعدة اجتماعية يستفيد منها من توقع عليه، ومصدر الالزام والإجبار أن الهدف الأخير للتدبير هو حماية المجتمع من الظاهرة الإجرامية، وليس من المنطق أن يكون تحقيق هذه المصلحة مرتهنا بمشيئة فرد، وقد لا تلتئم هذه المشيئة مع تلك المصلحة، فنغلب الصالح العام على المصلحة الخاصة.

وتجدر الاشارة الى أن التدابير الوقائية أحكام تبعية ترافق الحكم الأصلي وبذلك لا يتصور الحكم بها لوحدها.

وعموما فالتدابير الوقائية تنقسم الى تدابير شخصية وتدابير عينية:

التدابير الوقائية الشخصية ” المذكورة في المادة 61’’ وهي:

  • الإقصاء
  • الإجبار على الإقامة بمكان معين-
  • المنع من الإقامة
  • الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية
  • الوضع القضائي داخل مؤسسة للعلاج
  • الوضع القضائي في مؤسسة فلاحية
  • عدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية
  • المنع من مزاولة مهنة أو نشاط أو فن سواء كان ذلك خاضعا لترخيص إداري أم لا
  • سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء

التدابير الوقائية العينية المذكورة في المادة 62’’ وهي:

– مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها.

– إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة

 

 

المطلب الثاني: الضوابط القانونية والعملية لسلطة القاضي التقديرية في تحديد الجزاء

 

كما سبق وان ذكرنا ان القاضي له سلطة تقديرية واسعة في تفريد العقاب الا أن هذه الأخيرة تخضع لضوابط يلزمه التقيد بها أثناء قيامه بالبث في القضايا المطروحة عليه وكذا اصدار حكمه.

وهذه الضوابط تتمثل في مبدأ الشرعية كقيد على سلطة القاضي التقديرية بالإضافة الى معايير يجب عليه التقيد بها تتمثل في الخطورة الإجرامية وشخصية المجرم.

 

الفقرة الأولى: مبدأ الشرعية كقيد على سلطة القاضي التقديرية

 

فيما يخص هذه الفقرة فنظرا لعلاقتها بالعرض المتعلق بشرعية التجريم والعقاب، سيتم التطرق لمبدء الشرعية فقط من خلال علاقته بموضوعنا المتعلق بتفريد العقاب. فالمضمون القانوني لهذا المبدأ هو أن “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، فالقانون وحده هو الذي يحدد الأفعال المعتبرة جرائم والعقوبات المقررة لها، والشرعية تسود كل مراحل تدخل القانون الجنائي منذ وقوع الجريمة حتى محاكمة المجرم وتنفيذ العقاب في شأنه، وشرعية الجريمة والعقوبة تتمثل في الحلقة الأولى في الشرعية الجنائية، وتتلوها الإجرائية وبما مفاده أنه لا يجوز اتخاد أي إجراء ضد أي شخص ما لم يكن القانون هو مصدر هذا الإجراء، وما لم يكن القائم بهذا الاجراء مسموحا له من طرف القانون.

وجليّ بالذكر أن مبدأ تفريد الجزاء لم يسلم في البداية من العديد من الانتقادات كونه يتنافى مع مبدأ الشرعية، أما الان فقد أصبح المبدئان ينسجمان معا لتحقيق تفريد عادل، ويظهر جليا هذا الانسجام في اتساع سلطة القاضي التقديرية من خلال وضع العقوبة بين حد أدنى وحد أقصى كي يحدد القاضي مقدارها على النحو الذي يراه ملائما، وكذلك السماح للقاضي بالهبوط عن الحد الأدنى للعقاب إذا توفر للمتهم ظرف مخفف، وتشديدها إذا توفر ظرف مشدد، وكذلك الترخيص له بإيقاف تنفيذ العق

 

الفقرة الثانية: الخطورة الإجرامية وشخصية المجرم

 

القاضي عند تفريده للعقاب يجب أن يستند الى معايير وضوابط تتمثل في الخطورة الإجرامية من جهة وشخصية المجرم من جهة أخرى.

فبالرجوع الى الفصل 141 من القانون الجنائي المغربي نجد أنه ينص على أن:

“للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة وتفريدها في نطاق الحدين الأدنى والأقصى المقررين في القانون المعاقب على الجريمة مراعيا في ذلك خطورة الجريمة من ناحية وشخصية المجرم من ناحية أخرى”.

فما يلفت النظر بمجرد الإطلاع على مضمون النص هو أن المشرع المغربي حدد للقاضي ضوابط يلزمه التقيد بها عند استعماله لسلطته التقديريةً في تفريد العقاب والمتمثلة أولا في خطورة الجريمة وثانيا في شخصية المجرم [53].

ولعله هنا ستتبادر إلى الذهن عدة إشكاليات تتعلق بهذه الضوابط وماهيتها.

فبالنسبة للخطورة الإجرامية فإن هذا المفهوم له أهمية بالغة في النظام القانوني المعاصر، بوصفه مفترضا للجزاء، فالضابط الذي يستند إليه القاضي لتحديد نوع ومقدار هذا الجزاء هو هذه الخطورة.

وتعرّف الخطورة الإجرامية بكونها استعداد لدى الشخص بمقتضاه يكون من المحتمل إقدامه على ارتكاب جرائم مستقبلا. فهي قدرة الشخص على ارتكاب الجرائم، ولذلك فهي حالة نفسية يعتد بها القانون في تقدير العقوبة[54].

ونجد أن هناك عدة تشريعات قد أحالت إليها أو تحدثت عنها فمنها من قامت بتعريفها من الناحية النفسية وكذلك من الناحية الاجتماعية …

أما فيما يخص المشرع المغربي فإنه لم يقم بتعريف الخطورة الإجرامية وكذلك الأمر بالنسبة للفقه فلم يعطيها ما تستحقه من اهتمام. لكنه أشار بصورة عارضة إلى وجود ثلاث إمارات كاشفة يمكن القاضي الاعتماد عليها في استخلاص خطورة الجريمة وهي:

1 جسامة الاعتداء على الحق

2 أسلوب تنفيذ الفعل الإجرامي

3 العلاقة بين المتهم والمجني عليه[55]

فيتضح مما سبق أن المشرع المغربي قد أخد بفكرة خطورة الجريمة عندما أخد ببعض ظروف التشديد وكذا الأعذار القانونية المخففة للعقوبة والمتعلقة بارتكاب الجريمة، لكن مع الأسف نجد أن المشرع المغربي لم يقم بتحديد المعايير التي اعتمد في الأخذ بفكرة خطورة الجريمة. وفي هذا الإطار فالمشرع لم يحدد ما المقصود بها إنما ترك أمر تحديدها إلى سلطة القاضي التقديرية، فالقاضي هو الجهة الأقدر على ذلك.

والجريمة هي المصدر والدليل الأول على الخطورة الإجرامية والتي من خلالها يتم بيان استظهار المعايير والضوابط، فمنها ما هو متعلق بالركن المادي للجريمة وما هو متعلق بالركن المعنوي للجريمة.

فبالنسبة للركن المادي للجريمة، فهو كل فعل يدخل في كيانها وتكون له طبيعة مادية تلمسه الحواس، معبرا عن المظهر الخارجي للإرادة الآثمة للجاني أو الجناة [56]. فالجريمة تكمن في السلوك الإجرامي غير المشروع.

فالركن المادي يتجلى لنا من خلال النشاط الإجرامي والنتيجة الإجرامية، والنشاط الإجرامي أو السلوك الإجرامي والضوابط التي تحدده أو تبينه نجدها بالأساس تتعلق بالوسيلة والتي هي الأداة المستعملة للقيام بالفعل الإجرامي والتي يمكن أن تكون عبارة عن سلاح أبيض أو بندقية أو سم مدسوس…. وكذلك زمان ومكان القيام بالجريمة أكانت في واضحة النهار أو تحت ستار الليل الذي هو ظرف تشديد في جرائم معينة، أو كون الجريمة اقترفت بمكان عمومي مليء بالناس أو مكان خالي فارغ من عامة الناس. فهذه الضوابط و المعايير التي تتعلق بالسلوك الإجرامي لها دور مهم إما في مساعدة الجاني أو إثبات جرمه.

أما بالنسبة للضوابط والمعايير المتعلقة بالنتيجة الإجرامية [57]فنجد أن لها مدلولان مدلول مادي متعلق بالسلوك الإجرامي و مدلول قانوني الذي هو الضرر الناتج أو الخطر الحاصل .. والذي ينال من المصلحة التي يحميها القانون.

أما بخصوص ما يتعلق بالركن المعنوي للجريمة فهو قوام المسؤولية الجنائية فإرادة الجاني تنصرف إلى السلوك الإجرامي الذي تحققه النتيجة النهائية للجريمة مع ادراكه و استيعابه لما اقترف من جرم [58]. ومنه يتبين لنا أن لقيام القصد الجنائي لابد من توافر عنصرين هما العلم والإرادة.

وإن استظهار القصد الجنائي من أهم واجبات القاضي لا يستقيم له بدونها تطبيق قانون، ولا تقدير عقوبة، وهو يتفاوت في دقتّه من جريمة إلى أخرى تفاوتا كبيرا، فيعبر عن مدى خطورة الفاعل لأنه يعكس نفسية الجاني الخطيرة[59]. على أن القصد الجنائي يكون في الجرائم العمدية فقط، أما بالنسبة للجرائم غير العمدية فلا يكون فيها قصد الجنائي.

وبعد تطرقنا لخطورة الجريمة كضابط على سلطة القاضي التقديرية، فلابد من الإلمام أو الإحاطة بالضابط الثاني المتمثل في شخصية المجرم والتي هي أيضا نجدها قيدا على سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء.

إن شخصية المجرم عنصر مهم في استعمال القاضي لسلطته التقديرية في تفريد العقاب، فنجد معظم النصوص القانونية تحيلنا على شخصية المجرم حين تنصيصها على العقاب، فالقاضي لا يمكنه التطرق فقط للفعل الإجرامي دون معرفة شخصية الفاعل، فالإلمام بشخصية المجرم أمر يحمل في طياته من الصعوبات من الناحية العملية، الا أنه بإحاطة القاضي بشخصية الجاني تتضح له العقوبة الواجبة التطبيق و مدى تحقيقها للعدالة، فمن خلال شخصية المجرم يمكن للقاضي تحديد العقوبة سواء كانت سالبة للحرية أو تدابير وقائية… وذلك من أجل تقويم المجرم.

فالقاضي يلزمه الاهتمام بشخصية المجرم بدل الاهتمام فقط بوقع الجريمة، وهذا ما يقتضيه التفريد القضائي، فهناك عوامل متعددة تلعب دورا في تكوين شخصيته و العوامل منها ما يرجع الى نفسيته والى فالمستوى الاجتماعي والوسط المعيشي أو المحيط العائلي للمجرم، فهناك من المجرمين من يقوم بجرائم تعود بالأحرى الى المعناة أو الفقر والتهميش الذي يعيشه لكي يتماشى مع الحياة. فهذا المجرم ليس كالمجرم الذي يقوم بالجريمة من باب التباهي وفرض الذات وتخويف الناس منه…

فهنا على القاضي الاهتمام بشخصية المجرم، إلا أننا نجد البحث أو فحص شخصية المجرم يكون في مرحلة التحقيق وهذا ما ذهب اليه المشرع المغربي حيث نص في قانون المسطرة الجنائية في المادة 87 على قاضي التحقيق القيام ببحث حول شخصية المتهم وحالته العائلية والاجتماعية.

ومعرفة شخصية المجرم تتطلب بالضرورة أولا معرفة سنه هل هو شخص راشد أي أنه بلغ سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة[60] أو حدث لم يبلغها بعد.

فبخصوص فحص الحدث نجد أن المشرع أحالنا على الفصل 474 من قانون المسطرة الجنائية.

وكذلك فعند تطبيق العقوبة فالقاضي يراعي شخصية المجرم إذا كان حدثا، الفصل 162 [61] من مجموعة القانون الجنائي يحيلنا على الفصل 517 من قانون المسطرة الجنائية.

فعند قيام القاضي بتحديد الجزاء فهو يراعي معايير مثل الدافع للقيام بالجريمة، إذ نجد أن المشرع المغربي يراعي هذا المعيار ونستشف ذلك من خلال تخفيف العقوبة وتشديدها فهو يأخذ بهذا المعيار المتمثل في الوسيلة. وكذلك سلوك المجرم وقت ارتكاب الجريمة وبعده فهو يساعد القاضي في معرفة شخصية المجرم وخطورتها. وهنا نجد أن المشرع المغربي أخد بالأعذار القانونية وذلك من خلال الفصول 143 و145، فالملاحظ بهذا الصدد أن المشرع لم يكتفي بتخفيف العقاب بل تعداه الى الإعفاء منه[62].

أما بخصوص ما بعد ارتكاب الجريمة فنجد أن الندم والتوبة يدلان ضعف الخطورة الاجرامية للجاني وهذا ما تعرض له بعض الفقه المغربي.

أما المعيار الأخير فيظهر من خلال ظروف حياة المجرم الشخصية والعائلية والاجتماعية.

ولتقويم شخصية المجرم نجد أن المشرع المغربي أخد بالتدابير الوقائية من أجل تقويم شخصية المجرم نظرا لما تتمتع به من أدوار علاجية وتقويمية في نفس الوقت، فنجد هنا المشرع اعتمد نظام ازدواجية العقوبات، حسب ما تتطلبه كل حالة و كل جريمة على حدة.

 

خاتمة:

 

 

 وفي ختام هذا البحث نثير تساؤلا حول مدى نجاح المشرع المغربي في الحد من الجريمة بالمغرب او على الاقل في التخفيف منها وذلك من خلال اقحامه لمبدأ تفريد الجزاء في صورته الحالية في القانون الجنائي المغربي، و الجواب سيكون في رأينا بالنفي، لان الواقع المعاش يقول غير ذلك،  فالجرائم لازال عددها يتفاقم يوما بعد يوم، وطرق تنفيذها تتطور وتصير اكثر خطورة وأكثر وقعا على ضحاياها مما يفيد أنه بالرغم من هذه الجهود المبذولة، فلازال المشوار طويلا أمام المشرع و القضاء و ادارات السجون، ولا نغفل بالذكر أيضا مؤسسات العلاج النفسي ومؤسسات التأهيل الاجتماعي، و جل المرافق التي يمكن لتدخلها أن يساهم في الحد من الجريمة و كذا تأهيل و تقويم الجناة.

 كما يظهر جليا كون المغرب مازال في حاجة لبذل المزيد من الجهد في تكوينه للأطر القضائية في المجال الجنائي الذي يتميز عن غيره بالخصوصية والتعقيد، اذ ان القاضي المنوط به بلورة هذا المبدأ على أرض الواقع يتحتم عليه ملاءمة العقوبة حسب الشخص الماثل امامه وحسب خطورة الفعل المرتكب وحتى يكون عادلا في حكمه يفترض فيه أن يكون ملما بالإضافة الى العلوم القانونية بعلوم اخرى تساعده على اتخاذ القرار المناسب كعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها من ما قد يعينه على اتخاد القرار الصائب في حق المتهم.

كما يجب العمل على تحاشي الاكتظاظ داخل السجون التي تزيد الوضع تفاقما، حيث يتحول السجن الى مدرسة لتكوين المجرمين وليس مؤسسة لردعهم واصلاحهم وإعادة إدماجهم، كما يجب ايضا الاهتمام بمراكز العلاج النفسي ومدها بالعدد الكافي من ذوي الكفاءات في العلاج النفسي، دون ان ننسى المراكز الخاصة بالمساعدة الاجتماعية التي تعنى بتقديم المساعدة للسجناء على تخطي الصعوبات التي سارت بهم في طريق الجريمة سواء اثناء تنفيذ العقوبة او في المرحلة اللاحقة بعد تنفيذهم للعقوبة واطلاق سراحهم.

كان هذا فيما يخص الاجابة عن الاشكالية الأولى اما الاجابة عن الاشكالية الثانية والتي مفادها هل سلطة القاضي التقديرية سلطة مقيدة ام سلطة مطلقة، فانه من الصعوبة بما كان الاجابة عن هذا التساؤل، و كل ما يمكن الاشارة اليه في هذا الباب هو كون المشرع المغربي لم يحدد لحد الان المعايير التي تمكن القاضي من تحديد العقوبة العادلة وملاءمتها بدقة تجاه المجرم الماثل امامه، معتبرا الظروف الشخصية للمجرم وخطورة الجريمة المرتكبة، وبذلك يظل الجواب على هذا الاشكال دون جواب حاسم ويظل بذلك مفتوحا للنقاش.

[1]د. لطيفة الداودي: دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق آخر التعديلات، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الخامسة 2012، ص34.

[2] بهنسي ، فتحي ، المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي دار القلم ،  دمشق ، 1961 م ،  ص 6 ، معابده ، محمد نوح ، فردية العقاب بين نظرية الدفاع الاجتماعي والفقه الإسلامي بحث منشور في المجلة الأردنية للدراسات ألإسلامية جامعة آل البيت ، المجلد الخامس العدد 1430 هـ ، 2009 م ، ص 158.

 [3] أبو زيد ، محمود ، المعجم في علم الإجرام والاجتماع القانوني والعقاب ، دار الكتاب للطباعة والنشر ، القاهرة ، ص 303.

[4] الروسان ، إيهاب ، التفريد القضائي للعقوبة ، الجبور ، خالد ، التفريد العقابي ، ط 1 ، 2009 م ، دار وائل للنشر ، عمان ص 23.

[5] – الجوهري، مصطفى فهمي، تفريد العقوبة في القانون الجنائي “دراسة تحليلية تأصيلية في القانون المصري وقوانين بعض الدول العربية”، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002م، ص3.

 

 -6109 ص 1993 محيي الدين أمزازي العقوبة منشورات مجلة تنمية البحوث والدراسات القضائية طبعة_3

 

 7275ص مرجع سابق محيي الدين أمزازي 4

 81978 د.محمد السقا فلسفة عقوبة الإعدام بالرباط الطبعة 5

 

[9] 2007 د. عبد الواحد العلمي. شرح القانون الجنائي القسم العام. طبعة

[10] ينظر: عودة، عبد القادر، التشريع الجنائي الإسلامي: ج1/611.، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط6، 1985م.

[11] ابن تيمية ،أحمد ، الفتاوى ، كتاب الجنايات : ج6  /389.

[12] سورة البقرة، الآية:179.

[13] أبو زهرة، محمد، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي: ص7.، دار الفكر العربي، القـاهرة، 2006م.

[14] الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية: ص 293، ط1، 1985م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

[15] الجرائم الحدية هي تلك الجرائم التي رتب الشارع لها عقوبة محددة، ولم يترك أمر تقدير العقوبات فيها إلى القاضي وذلك لخطورة هذه الجرائم على أمن المجتمع، ونظامه العام.

ينظر الماوردي، المرجع السابق.

[16] سورة المائدة، الآية:33.

[17] سورة المائدة، الآية:38.

[18] الشيرازي، أبو إسحاق، المهذب في فقه الإمام الشافعي: ج 2/ 288.، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1959م.

[19] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المغازي تحت رقم:(4053)؛ وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود تحت رقم: (3196).

[20] ينظر الحديث في سنن أبي داود، كتاب الحدود، حديث رقم: (4474) .

[21] السهيلي، عبد الرحمن، الروض الأنف: 2/225.، دار الكتب الإسلامية، طبعة بتاريخ:1967م،

[22] الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية: ص 293؛ وينظر أيضا ابن فرحون،” تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام”: ج2/205،ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان؛ العـوا، محمد سليم، في أصول النظام الجنائي الإسلامي. ص 73

[23] الماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية: ص221.

[24] القرافي، شهاب الدين، الفروق: 1/213. طبعة عيسى الحلبي، مصر، 1346هـ،

[25] بن الهمام، الكمال، فتح القدير: ج4/112. دار الفكر، بيروت، ط2.

[26] أبو زهرة، محمد، العقوبة في الفقه الإسلامي: ص18.

[27] سورة المائدة، الآية:32.

[28] سورة البقرة، الآية:179.

[29]العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (القواعد الكبرى): ص12. دار ابن حزم، ط1، 2003م.

[30] نشير هنا إلى الخلاف الذي وقع بين العلماء في العقوبات المقررة لجريمة الحرابة، حيث وقع الخلاف بين العلماء في تلك العقوبات وهي القتل والصلب والتقطيع من خلاف والنفي، ذلك أن الله تعالى ذكرها في الآية الكريمة وفصل بينها بحرف ” أو ” فمنهم من رأى أن أو تفيد الترتيب وبالتالي فالقاضي عليه أن يحدد العقوبة بما يتناسب والجريمة المرتكبة فمن قتل يقتل ومن سرق يقطع .. وهذا هو قول الجمهور من العلماء، وخالف مالك والظاهرية في المسألة وقالوا: إن هذه العقوبات ليست على ترتيب الأفعال الجرمية وجسامتها، وإنما هي عقوبات يتخير منها القاضي ما يحقق الصلاح للجاني والمجتمع في الواقعة المعروضة عليه.

ينظر: تفصيل المسألة في مالك، المدونة الكبرى: 16/298، مطبعة السعادة: 1323هـ، ابن حزم، المحلى: 11/317، دار الفكر، بيروت،

[31] أبو زهرة، محمد، العقوبة: ص 20.

[32] أبو زهرة، محمد، الجريمة والعقوبة: ص7.

[33] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، تحت رقم:(4282).

[34] أبو زهرة، محمد، الجريمة والعقوبة، ص 7.

[35] الجرائم التعزيرية: هي تلك الجرائم التي لم يرد نص من الشارع على عقوبة مقدرة لها، رغم ثبوت نهي الشارع عنها لكونها مفسدة أو تؤدي إلى مفسدة والجرائم التعزيرية تستوعب الجل الأعظم من الوقائع الجرمية التي تقع في المجتمع، بحيث لا يستثنى من تلك الوقائع إلا الجرائم المقدرة عقوباتها من قبل الشارع وهي تعد على أصابع اليدين.

[36] ابن عبد السلام، عز الدين، القواعد الكبرى: 1/102.

[37] سورة المائدة الآية 33:

[38] عودة، عبد القادر، التشريع الجنائي الإسلامي: 1/768.

[39] سورة الأحزاب:30.

[40] المرداوي، التحبير شرح التحرير: 7/3407، مكتبة الرشد، ط1، بتاريخ: 2000م.

[41] الحديث رواه أبو هريرة أن رجلاً جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: هلكت، قال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا أجد، فأتي النبي (صلى الله عليه وسلم) بعرق فيه تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال أعلى أفقر منا؟ ثم قال: خذه فأطعمه أهلك.. أخرجه البخاري في صحيحة، كتاب الصوم، تحت رقم: (1834).

[42] المرداوي، التحبير شرح التحرير: 7/3407.

[43] النفراوي، أحمد غنيم، الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني: 1/315.

[44] القرافي، شهاب الدين، الفروق: 4/74.

[45] بدائع الصنائع: 7 \ 64

[46] حاشية الدسوقي: 4 \ 354. 

[47] الماوردي، الأحكام السلطانية: ص 387.

[48] الأحكام السلطانية: ص 281 

[49] الفروق: 4 \ 179.

[50] المدونة الكبرى: 4 \ 387.

[51] أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار، باب المسند السابق برقم: (24946)، وأبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في الحد يشفع فيه برقم:(4375). وقد روي الحديث من طرق كثيرة لا تخلوا من مقال، وحسنه بعض علماء الحديث.

[52] ابن القيم، بدائع الفوائد: 3/ 171، طبعة مكتبة القاهرة.

[53] لطيفة المهداتي “حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء”، الطبعة 2013، الطبع طوب بريس-الرباط، الصفحة 143.

[54] محمد العروصي، “المختصر في شرح القانون الجنائي المغربي”، الجزأ الأول، القانون الجنائي العام، الطبعة الأولى 2015، مطبعة مرجان، الصفحة 370.

[55] لطيفة المهداتي “حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء”، الطبعة الأولى 2007، الطبع طوب بريس-الرباط، الصفحة 142.

[56] محمد العروصي، “المختصر في شرح القانون الجنائي المغربي”، الجزأ الأول، القانون الجنائي العام، الطبعة الأولى 2015، مطبعة مرجان، الصفحة 203.

[58] محمد العروصي، “المختصر في شرح القانون الجنائي المغربي”، الجزأ الأول، القانون الجنائي العام، الطبعة الأولى 2015، مطبعة مرجان، الصفحة 233.

[59] لطيفة المهداتي “حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء”، الطبعة 2013، الطبع طوب بريس-الرباط، الصفحة 149.

[60] المادة 209 من مدونة الأسرة.

[61] الفصل 162 من مجموعة القانون الجنائي ينص على: إذا كان الجاني حدثا و قرر القاضي أن يطبق عليه عقوبة، بمقتضى الفصل 517 من المسطرة الجنائية، فإن تخفيض العقوبة أو تبديلها المقررين في ذلك الفصل يراعى في تحديدها العقوبة الواجب تطبيقها على المجرم البالغ، حسب مقتضيات الفصل السابق.

[62] لطيفة المهداتي “حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء”، الطبعة 2013، الطبع طوب بريس-الرباط، الصفحة164.

 

 

 

 

 

 

 


اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الدفاع الشرعى ومفهومه فى القانون الدولى والشريعة الاسلامية

                 الدفاع الشرعى ومفهومه فى القانون الدولى والشريعة الاسلامية ...