حماية الدائنين في نضام صعوبة المقاولة


حماية الدائنين في نضام صعوبة المقاولة

المقدمة

إن صعوبات المقاولة هو عجز التاجر أو الشركات التجارية أو الحرفي عن مواجهة الخصوم بالأصول القابلة للتصرف وتأديتها للدائنين في أجل الإيستيفاء.

و الدائنين هم مجموعة من الفاعلين الإقتصاديين و التجاريين وهم جزء لا يتجزأ من منظومة الاقتصاد الوطني ,بحيث يعتبرون ركيزة أساسية ,كون المقاولة للقيام بأنشطتها التجارية هي بحاجة لسيولة نقدية و التي قد لا تتوفر دائما إذ من الصعب على رئيس المقاولة مهما كثرت أمواله إجراء جميع المعاملات التجارية بما هو متوفر لديه من سيولة نقدية مما يجعله مضطرا للإستدانة , و الحياة التجارية تقوم  بالأساس على الإئتمان الذي ينبني على عنصر الثقة بين التجار مايجعل المقاولة في حالة دائنية دائمة و مديونة في نفس الوقت غير أنه قد يطرأ حادت يجعل المقاولة في حالة صعبة عن تنفيد  إلتزاماتها تجاه الدائنين عند حلول أجل إيستيفاء ديونهم[1] ,هذا مايجعل الدائنين يتساؤلون عن حماية حقوقهم المتمثلة في الدين الذي على رقبة المقاولة و على حماية إستيفاء ديونهم .

هذا ما جعل من  جميع المجتمعات البشرية إنتاج ترسانة قانونية و أليات حمائية لدائنين وكان ذلك منذ القدم من عهد الرومان , و بالنسبة للمغرب فقد كان أول هو نظام الإفلاس سنة 1913 الذي كان يحمي الدائنين بشكل كبير على مصلحة المقاولة , بحيث يتم الحسم في مصير المقاولة بمجرد وقوفها عن الدفع  فكانت تضرب بيد من حديد على المقاولات المفلسة  , هذا ما دفع المشرع المغربي سنة 1996 إلى سن نظام صعوبة نظام المقاولة ضمن بوثقة مدونة التجارة في كتابها الخامس , بحيث جاء نظام صعوبة المقاولة يفظل مصلحة المقاولة و فرص الشغل أكثر من مصلحة الدائنين , فأتى بأليات تخدم المقاولة بشكل كبير وذلك عن طريق إخراج مرحلة أولية هي الوقاية ثم المرحلة المهمة وهي مساطر المعالجة ثم التصفية القضائية إن إقتضى الحال ذلك و قد فرق المشرع بين كتلة الدائنين و ميز بين الدائنين السابقين لفتح المسطرة و الدائنين اللاحقين لفتح مسطرة المعالجة و أعطى الإمتياز لفئة على أخرى و هو ماجعل الدائنين يفقدون قوتهم .[2]

كل هذا يعطي الأهمية لموضوع الحماية المنوطة بالدائنين و الأليات الموجودة في نظام صعوبات المقاولة التي تحمي الدائنين  من إستيفاء دينهم كون مؤسسة الدائن تعتبر من أهم الحلقات الموجودة في النظام الاقتصادي الوطني,وحلقة توازن .

و لهذا فإن نظام صعوبات المقاولة لم يأتي مجحفا بالشكل الكبير بل أوجد لنا بعد الأليات المهمة لحماية الدائنين  كمسطرة التصريح بالديون و مسطرة أيضا تحقيقها بالنسبة لدائنين قبل فتح مسطرة المعالجة ,أما بالنسبة للدائنين بعد فتح المسطرة الذين يساعدون المقاولة في التمويل فهم مشمولون بإمتياز فإستحقاق الديون

هذا ما يجعلنا نطرح إشكاليات من خلال ما سبق هل حقا هاته الأليات السالفة الذكر حققت الحماية الكفيلة بإستحقاق الدائنين لديونهم ؟ وما مدى فعالية هاته الأليات في ظل نظام يفظل بشكل صريح إستمرارية المقاولة على إستيفاء الدائنين لديونهم ؟

لذلك إنطلاقا من الإشكاليات و مما سبق ذكره قررنا تناول الموضوع و معالجته من خلال الألية المسطرية المتعلقة بمسطرة التصريح و مسطرة التحقيق و الألية الموضوعية المتعلقة بحق الإمتياز الذي ذكرناه سابقا محاولين إظهار تجليات الحماية و قصورها.

و سنقسم موضوعنا إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول الألية المسطرة , في الفقرة الأولى مسطرة التصريح كمرحلة أولية و في الفقرة التانية مسطرة التحقيق , أما في المطلب التاني سنتناول الألية الموضوعية و سنتطرق في الفقرة الأولى مجال تطبيق هذا الحق و شروطه محاولين تبيان الحماية الموجودة و في الفقرة التانية محدودية حق الأسبقية و دراسة فعاليته من عدمه .

المطلب الأول , الآلية المسطرية (التصريح بالديون و تحقيقها )

في مقابل حرمان الدائن الذي نشأ دينه قبل فتح مسطرة المعالجة من الحماية التي تخولها له القواعد العامة ضمانا لحقوقه تجاه المدين بمعنى المقاولة [3] يلزم الدائن على الإنخراط في المساطر الجماعية إلى جانب سائر الدائنين للحصول على دينه و حماية حقوقه التي تكون على عاتق المقاولة المدينة و المفتوحة في وجهها مسطرة صعوبة المقاولة ,وذلك عن طريق مسطرة التصريح بالدين و أيضا مسطرة تحقيق الدين [4] , فمن جهة يصرح الدائن بدينه لدى السنديك ليضمن نفسه في مرحلة التوزيعات ودلك بعد تحقيقه و من جهة أخرى لكي تعرف المقاولة خصومها وتساعد السنديك على القيام بالموازنة المالية و الإقتصادية و الإجتماعية بشكل دقيق

لدلك قررنا أن نقسم هدا المطلب الذي يتمحور حول الآلية المسطرية المتعلقة بمسطرة التصحيح و مسطرة التحقيق محاولين إبراز الحماية التي تكتنف هاته الآلية المسطرية عبر فقرتين نتناول في الفقرة الأول مسطرة التصحيح و في الفقرة الثانية مسطرة التحقيق.

الفقرة الأولى. مسطرة التصريح

نصت الفقرة الأولى من المادة 686 من مدونة التجارة على انه يوجه كل من الدائنين الذين يعود دينهم إلى ماقبل صدور حكم فتح المسطرة باستثناء المأجورين , تصريحهم بديونهم لدى السنديك [5] .

و كما هو منصوص عليه في المادة 686 فإن الدائنين حفاظا على حقوقهم و ضمان مكان لهم في التوزيعات[6] يجب عليهم المشاركة في التصريح بدينهم ,ويتم التصريح بالديون سواء كان دينا عاديا أو دينا مثقلا بضمان أو إمتياز باستثناء دين المأجورين الدين لايدخلون في نطاق مسطرة التصريح [7], و يتم التصريح طبقا لشروط معينة و دقيقة من مضمون و مشتملات نصت عليها المادة 688 من مدونة التجارة  ,بحيث يضم التصريح المذكور على مبلغ الدين المستحق في تاريخ صدور الحكم القاصي بفتح المسطرة مع تحديد قسط الدين المؤجل في حالة التسوية القضائية بالإضافة إلى تحديد نوع الضمان أو الإمتياز الذي يشمل الدين الذي قد يكون مقرونا به بالإضافة إلى دلك يشمل التصريح العنصر التي من شأنها أن تثبت الدين و مبلغه إدا لم يكن ناجما عن سند و إن تعذر دلك تقييما للدين إدا لم يحدد مبلغه بعد.[8]

كل هده المشتملات و المضمون من ناحية تعتبر حماية مهمة رغم تعقيدها كونها تعطي للدين قوة وجود  و أيضا من ناحية أخرى تعطي للمقاولة رِؤية جيدة لأصولها.

و قد حدد المشرع أجال محددة لتصريح مختلفة من فئة لأخرى , وتطرح مسألة الآجال إشكاليات كبيرة من ناحية إجحافها في حق الدائن , كون الدائن لايعلم بحكم فتح مسطرة التسوية القضائية رغم نشرها كون الواقع العملي يظهر دلك باستثناء أصحاب الضمانات و عقد الإثمان الإجاري الذي تم نشرهما بحيث يتم إشعارهم في موطنهم بحكم فتح المسطرة على عكس الدائنين الآخرين.[9]

فطبقا لما ورد في المادة 687 قد حدد الأجل بالنسبة للقاطنين في المغرب بشهرين تبتدئ من يوم حكم فتح مسطرة التسوية القضائية و بالنسبة للقاطنين خارج المغرب فقد حدد في أربعة أشهر من يوم حكم فتح المسطرة أيضا و خمسة عشر يوما بالنسبة لأصحاب العقود التجارية المنصوص عليهم في المادة 573 .[10]

هده الآجال بالنسبة للدائنين مجحفة كون عدم الإشعار دائما يسبب عدم العلم بالحكم و يضيع حق الدائن في التصريح لدلك كان على المشرع تفعيل خاصية الأشعار في هده المسطرة, و عدم إشعار فئة و ترك فئة أخرى , لكن من الحسنات التي يمكن تسجيلها هو انه رغم الجزاء بعدم التقديم في ألأجل المحدد يؤدي إلى إسقاط الحق في التصريح وعدم الدخول في منطقة التوزيعات , إلا انه أعطى الحق للدائن في رفع هدا السقوط ودلك إدا أتبت أن عدم التصريح كان خارجا عن إرادته[11],وهو ما نصت عليه المادة 690 من مدونة التجارة .

ولكن العمل القضائي في عدة قرارات يرفض الطلبات المتعلقة برفع هدا السقوط[12], و الخلاصة أنه في السطح يتبين أن هاته الآلية المطرية تحمي الدائنين و لكن في الواقع فهي تحمي المقاولة المدينة و الواقعة في صعوبات .

بعد التصريح بالدين فإن الدائن يكون قد قطع نصف الطريق فقط بحيث يجب عليه بعد التصريح أن تتم عملية التحقق من الدين لكي يضمن الدائن نفسه رسميا ضمن نطاق التوزيعات.

ولدلك سنتناول في الفقرة الثانية المرحلة الثانية و هي مسطرة تحقيق الدين .

الفقرة الثانية . مسطرة تحقيق الدين

لايكفي أن يصرح الدائن الناشئ دينه قبل تاريخ الحكم بفتح المسطرة إلى السنديك بهدا الدين وفقا للكيفيات المشار إليها أنفا لكي يتم قبوله في التوزيعات التي تجري على الدائنين بل لابد في دلك أن يخضع كل دين مصرح به إلى السنديك لمسطرة التحقيق لتحديد ما إدا كانت الديون المصرح بها مقبولة في المساطر الجماعية المفتوحة وهل هي مقبولة ومشتملة لجميع الشروط .[13] إلا إذا تم تقرير الإعفاء من التحقيق لأسباب حددها المشرع في حالات محددة في المادة 691 من مدونة التجارة , بحيث في حالة التفويت أو التصفية لأيتم التحقيق في الديون العادية إدا تبين أن منتجو بيع الأصول إستهلكته بالكامل المصاريف القضائية  و الديون المثقلة بإمتياز .

وتهدف هاته المسطرة من التحقق بشكل دقيق من صحة الدين بحيث هاته الخاصية لها اهمية كبيرة كما ذكرنا سابقا فهو إقرار مهم بذمة المقاولة و خصومها الموجودة في رقبتها على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة ,

ويتحمل القاضي المنتدب مهمة قبول أو رفض الدين في مرحلة التحقيق ودلك انطلاقا من اقتراحات السنديك ودلك طبقا للمادة 693 من مدونة التجارة ويقوم السنديك بتحقيق الدين المصرح بها إليه ودلك بمساعدة المراقبين الدين يعينون من طرف الدائنين وهده ميزة مهمة بالنسبة للدائنين حفاظا على حقوقهم و ديونهم الموجودة على عاتق المقاولة , ويتم أيضا إستدعاء رئيس المقاولة المفتوحة ضدها المسطرة مع مراعاة المادة 640 من مدونة التجارة التي تنصص على أنه يقوم السنديك بتحقيق الديون تحت مراقبة القاضي المنتدب [14].

بالإضافة أنه إدا كان هناك دين موضوع نزاع يقوم السنديك بإخبار الدائن المعني بالأمر وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل و يجب على السنديك أن يبين في هده الرسالة سبب النزاع في الدين المصرح به و إن إقتضى الحال مبلغ الدين الذي تم اقتراح تقييده في قائمة الديون المقبولة كما تتم بموجب نفس الرسالة دعوة الدائن المذكور إلى تقديم شروحاته و ملاحظاته حول الموضوع داخل أجل تلاتين يوما من تاريخ توصله تحت طائلة عدم القبول أية منازعة لاحقة بإقتراح السنديك بعد فوات الأجل .[15]

وهده نقطة جد إيجابية بالنسبة للدائنين لحماية حقه الدخول في نطاق التوزيعات و معرفة كل كبيرة و صغيرة عن مراحل التحقيق.

وفي نفس المضمار , يقوم السنديك داخل أجل أقصاه ستة أشهر إبتداءا من صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة بعد إستدعاء رئيس المقاولة إلى إبداء ملاحظاته وبالموازاة مع إستلام التصريحات بالديون التي يقدمها له الدائنون الملزمون طبقا للمادة 686 و مابعدها من مدونة التجارة , بإعداد قائمة بالديون المصرح بها و تسليم هده القائمة إلى القاضي المنتدب بعد تدييلها   بإقتراحاته المتعلقة بقبول هده الديون أو رفضها و الإحالة على المحكمة كما تنصص المادة 694 من مدونة التجارة .[16]

وبعد تلقي القاضي المنتدب قائمة الديون المصرح بها من السنديك عل إقتراحات هدا الأخير المصحوبة بهده القائمة قبول الدين أو رفضه او يعاين وجود دعوى جارية و إما أن المنازعة لاتدخل في إختصاصه .

وبعدما يرفض الدين يتعين على كتابة الضبط بالمحكمة التجارية التي فتحت هاته المسطرة أن تعمل طبقا للمادة 696 من مدونة التجارة على إستدعاء رئيس المقاولة و صاحب الدين برسالة مع إشعار بالتوصل , و هدا ما يؤكد دائما إشراك الدائن في كل صغيرة و كبيرة و متعلقة بحقه.

أما بالنسبة للدين المقبول في المسطرة الذي يكون عن طريق مقرر للقاضي المنتدب فتبلغ من طرف كاتب الضبط إلى الدائنين بواسطة رسالة عادية , وتدرج بعد دلك قائمة الديون المحققة و المقبولة في قائمة خاصة تودع بكتابة الضبط  بالمحكمة التجارية المفتوحة أمامها مسطرة المعالجة أو مسطرة التصفية القضائية و يتم بعد دلك نشر القائمة في الجريدة الرسمية من طرف كتابة الضبط .[17]

و قد دهب المشرع أكتر من ما ذكرنا و أعطى للدائن الذي تم رفض دينه إمكانية التعرض على مقرر القاضي المنتدب المتعلق بتحقيق الديون دفاعا عن الدين الثابت في عاتق المقاولة المفتوحة في وجهها المسطرة .

هذا مايتعلق بالآلية المسطرية التي رغم عيوبها و عدم حمايتها بشكل كبير الدائنين إلا أن مسطرة التصريح و التحقيق أعطت شيئا ما للدائنين ميزة و حماية بإشراكهم في كل مراحل هاته المساطر المتعلقة بالتصريح و التحقيق .

كما أن هناك ألية مسطرية وهي ألية موضوعية في غاية الأهمية تتعلق بحق الأسبقية المنصوص عليها في المادة 575 من مدونة التجارة وهو ماسنتناولها بالتحليل في المطلب التاني .

المطلب الثاني .الألية الموضوعية (حق الأسبقية)

تنص المادة 575 من مدونة التجارة على أنه يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية القضائية  بالأسبقية على كل ديون الأخرى سواءا كانت مقرونة أم لا بإمتياز أو ضمانات.[18]

وتكمن أهمية هذه الأهمية ليس من حيت ما تمنحه للمخاطبين بأحكامها من إمتيازات فقط بل كذلك لما تشكله من إعادة ترتيب للإمتيازات في المنظومة القانونية المغربية حيث يمكن أن نطلق عليه , امتياز الامتيازات يتربع على قمة هرم الإمتيازات طبقا للمادة 575 من مدونة التجارة وتعكس هاته المادة تفرد و تفوق مفاهيم و مضامين قانون الأعمال [19]

بحيث أن الدائنين يقفون مع المقاولة بعد فتح المسطرة و يمولونها و يعطونها جرعة لتفادي الإندتار لدلك كان من الضروري حمايتهم و شملهم بهاته الألية المهمة لدلك للإلمام بهدا الحق سنتناوله عن طريق فقرتين نتناول في الفقرة الأولى مجال تطبيق حق الأسبقية و شروطه و في الفقرة الثانية هشاشة ومحدودية حق الأسبقية .

الفقرة الأولى .مجال تطبيق حق الأسبقية وشروطه

أ-مجال تطبيق حق الأسبقية.

لقد إستعمل المشرع في المادة 575 صياغة عامة قد تجعل البعض يظن أنها تستغرق خلافا للحقيقة و الواقع و القانون كل الأوضاع والمراحل التي تمر بها المقاولة بعد صدور الحكم بفتح المسطرة التسوية القضائية أو التصحيح القضائي ومهما كانت المسطرة المطبقة عليها سواء تعلقت بالمرحلة المؤقتة أو بمرحلة حصر مخطط الإستمراراية أو التفويت الكلي للمقاولة أو التصفية القضائية [20]

غير أنه بالرغم من عمومية المادة 575 و لعدم بيان مجال أو حالات التطبيق فإن المشرع تدارك الموقف ووضع مادة خاصة بالتصفية القضائية ودلك حتى يقع التمييز بين التسوية القضائية و التصفية القضائية لاختلاف مسطرة كل منهما و الغاية التي تروم كل واحد منهما تحقيقها , وحتى لا يظن أن المادة 575 من مدونة التجارة تطبق على التسوية القضائية دون التصفية القضائية ودلك في المادة 620 من مدونة التجارة التي فرقت و أعطت حق الأسبقية في مرحلة التصفية القضائية أيضا [21].

وهو ما يجعلنا نقول أن حق الأسبقية هي ألية نوعا ما تحمي وتعطي إمتياز للفئة التي ساعدت المقاولة في فترتها الحرجة و ساعدتها على النهوض.

ويعتبر الدكتور أحمد شكري السباعي أن مجال تطبيق حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 يقتصر فقط على متابعة المقاولة لنشاطها في المرحلة المؤقتة أو الانتقالية و لايتجاوز حدود هده أي لايشمل مرحلة حصر مخطط إستمرارية المقاولة و لا التفويت و لا حتى التصفية القضائية ما لم تادن المحكمة خلال هده المسطرة بمتابعة النشاط لمدة محددة تطبيقا للمادة 620.[22]

إن حق الأسبقية في العمق يعطي حق الأسبقية ليس كحماية للدائنين بل كحماية للمقاولة و مساعدتها في النهوض و الإستمرارية عن طريق تمويلات الدائنين المشمولين بحق الأسبقية .

فحق الأسبقية له نطاق زمني محدد كما ذكرنا سالفا لدلك فهو لا يحمي و يعطي حق الامتياز لجميع الدائنين الدين نشأ دينهم بعد فتح المسطرة بل العكس , ولكي يتم الاعتداد بحق الأسبقية لابد من شروط محددة لدلك .

ب- شروط حق الأسبقية .

لكي يتمتع هؤلاء الدائنين بحق الأولوية أو الأسبقية المذكورة في المادة 575 يتعين أن يتوفر في هدا الدين الشروط الآتية

-أن يكون الدين نشأ بعد الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية

-أن يكون الدين ترتب في ذمة المقاولة بمناسبة مواصلة نشاطها.

أن يكون الدين قد نشأ بصفة قانونية

إن أهمية هدا الإمتياز من حيت ما يتمتع به أصحابه و ما يشكله من خطورة على حقوق الدائنين الأخرين كان وراء إقرار قواعد و شروط يجب إحترامها , شروط تدور بين أن يكون الدين الممنوح للمقاولة المتوقفة عن الدفع و المفتوح ضدها المسطرة القضائية للمعالجة ضروريا لمواصلة النشاط وقبل دلك كما ذكرنا سابقا أن يكون قد نشأ بعد صدور حكم فتح المسطرة القضائية و أن يكون قد نشأ بصورة قانونية .[23]

كل هذا يؤكد أن حماية الدائنين جاءت في السطح فقط أما الهدف الرئيسي في هذه الألية هو إنقاذ المقاولة و إستمراريتها

هدا بالنسبة لمجال تطبيق حق الإمتياز و شروطه , بحيث تبين بالواضح مدى محدودية حق الأسبقية و هشاشته رغم  الأهمية القصوى لهاته الآلية المهمة بالنسبة لفئة من الدائنين وهدا ماسنتناوله في الفقرة التانية

الفقرة الثانية.هشاشة ومحدودية حق الأسبقية

رغم أن حق الأسبقية يعتبر إمتياز الإمتيازات إلى أنه هناك فئة أخرى رغم أنه نشأ دينها قبل فتح مسطرة التسوية القضائية إلا أنه تسبق على أصحاب حقوق الأسبقية وهدا مايؤكد على هشاشة هدا الحق , ويتعلق الأمر بالدائن المرتهن و الدائن الذي له حق الحبس .[24]

بحيث أن استثناء الرهن الحيازي و الحبس يبين صمود بعض المؤسسات المدنية في وجه نظام صعوبة المقاولة

إن صمود الدائن صاحب الرهن الحيازي في وجه حق الأسبقية المعترف به للدائن اللاحق لايعدو كونه تكتيك دبره القانون خدمة للأهداف الأساسية لقانون صعوبات المقاولة و على رأسها ضمان إستمرارية نشاط المقاولة المتوقفة عن أداء ديونها المفتوحة في وجهها المسطرة القضائية للتسوية [25].

أ- بالنسبة لصاحب الرهن الحيازي

فبالرجوع إلى المادة 657 من مدونة التجارة في الفقرة التانية فقد تم تكليف القاضي المنتدب بإعطاء الإذن للسنديك بأداء الديون السابقة للحكم لفك الرهن الحيازي إدا كان يستلزمه متابعة نشاط المقاولة , إن الغلبة التي يحظى بها الرهن الحيازي في مواجهة حق الأسبقية للدائن الأحق لاتقرر إلا إذا كان فك المال موضوع الرهن الحيازي تستلزمه متابعة نشاط المقاولة ومؤدى ذلك أن صاحب الرهن الحيازي لا يمكنه الحصول على دينه إدا كان المال موضوع الرهن ليس ضروريا لضمان إستمرار نشاط المقاولة  .

لدلك فإن صاحب الرهن الحيازي يبقى في وضعية مريحة بعيدا عن تزاحم و منافسة بقية الدائنين بما فيهم الدائنين اللاحقين لكن شريطة أن يأذن بذلك القاضي المنتدب ولن يأمر هدا الأخير بدلك إلى إذا كان فك الرهن تبرره ضرورة متابعة نشاط المقاولة [26]

ب-صاحب الدين المضمون بحق الحبس

يحضى صاحب الدين الضمون بحق الحبس بنفس الحماية المقررة لصاحب الدين المضمون بالرهن الحيازي و بدلك فهو يملك حق الأفضلية في إيستيفاء دينه بالأسبقية على الدائن اللاحق و على باقي الدائنين الأخرين مهما كانت درجة دينهم مادام أنه بإمكانه إستعادة الشيئ المحبوس لديه أو بيعه مالم يتم الوفاء الفوري و الكامل لدينه .

وبذلك فإن كلا من الرهن الحيازي وحق الحبس لا يمكن إعتبارهما إستثناء على حق الأسبقية المعترف به للدائنين اللاحقين إلا إدا كانا يعرقلان إستمرارية نشاط المقاولة و هو ما يجعلنا نعتقد أن التقابل بين طبقات الدائنين يحدد معالمه وحدوده مصلحة المقاولة.[27]

لذلك هدا ما يدفعنا بالقول بمحدودية هدا الحق و عدم مطلقيته في الإستفادة كما رأينا سابقا لا من ناحية مجال التطبيق و لا من ناحية تداخل و أسبقية الرهن الحيازي و الحبس عليه من ناحية الإمتياز , وهدا مايدفعنا بالقول كما دكرنا سابقا أن الحماية المشمولة لدائنين جد قليلة بالمقارنة بالحماية المشمولة للمقاولة المتوقفة عن الدفع و المفتوحة في وجهها مسطرة المعالجة ودلك لأن نظام صعوبة المقاولة على عكس نظام الإفلاس جاء لحماية المقاولة و النظام الإقتصادي الوطني أكثر منه حماية الدائنين .

الخاتمة 

                                        

و في خلاصة الأمر يتبين جليا من خلال الأليات التي تناولناها في الموضوع , الألية المسطرية و الألية الموضوعية , و ذلك من خلال مسطرة التصحيح و التحقيق بالإضافة إلى حق الأسبقية , من كل ذلك بدى لنا جليا أن حماية الدائنين جاءت فيها نوعا من القصور بل قصور كبير إن صح التعبير بحيث أن نظام صعوبة المقاولة جاء لحماية المقاولة على كتف مؤسسة الدائنين .

هذا مايجعلنا نتساءل هل فعلا حماية المقاولة على الدائنين سيحافظ على تماسك النظام الاقتصادي الوطني ؟

المراجع

  • الكتب
  • عبد الرحيم شميعة , إجراءات الوقاية من صعوبات المقاولة , طبعة 20014-2015
  • محمد لفروجي ,وضعية الدائنين في مساطر صعبات المقاولة دراسة قانونية معمعقة العدد3, مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
  • أحمد شكري السباعي, الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة و مساطر معالجتها الطبعة التانية يونيو 2007 مطبعة المعارف الجديدة .
  • الرسائل

  • محمد بن البيحوني ,وضعية الدائنين و العقودالمستمرة في ظل التسوية القضائية للمقاولة بالمغر , رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ’جامعة محمد الخامس أكدال السنة الجامعية 2004-
  • المجلات
  • أمينة نعمي مجلة القصر العدد  6 شتنبر 2003
  • مواقع إلكترونية
  •  http://www.droitetentreprise.org/web/?p=3904 
  • حماية الدائنين و شركاء المقاولة في نظام المساطر الجامعية تاريخ الإطلاع 2016-06-08
  • العروض
  • -عرض تحت عنوان ,وضعية الدائنين في نظام  صعوبة المقاولة , من إعداد يوسف المجيدري عبد العلي كيان و أخرون جامعة المولى إسماعيل كلية العلوم القاونية و الإقتصادية مكناس السنة الجامعية  2010-2011 صفحة                                                                                                                                                  منقول

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

انواع العقود التجارية

   انواع العقود التجارية عقد الرهن التجاري ؟ عقد الرهن هو عقد يرتب حق عيني ...