دور التدبير الإداريفي الدستور الجديد
شكلت سنة 2011، سنة استثناء بكل المقاييس،عندما اهتزت بعض الأنظمة العربية التي كانت تشكل ولوقت قريب حصنا منيعا ضد أي محاولة تغيير، سواء كانت من الداخل أو الخارج ،وجاءت هذه التغييرات بفعل ما يسمى بالربيع العربي،حيث عاشت المنطقة ومنذ مستهل سنة 211 وبالضبط منذ 14 من نونبر 2011 ،عندما اشتعلت الشرارة الأولى لهذا الحراك بتونس،لتنتقل بعد دلك إلى باقي دول المنطقة،ولذك لعدة اعتبارات أهمها تعطش شعوب المنطقة للتغيير نتيجة انسداد لأوفق في بعض الدول ونتيجة للرغبة الملحة للتغيير.
في دول أخرى،ومرد ذلك الرغبة الملحة للشعوب العربية في التغيير بكل دلالاته السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والمغرب، كغيره من الشعوب الطامحة لتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، كان ومازال يطالب بضرورة احترام مبدأ العيش الكريم لكل المواطنين دون تمييز،وقد نهج المغرب مند فجر الاستقلال مجموعة من الإصلاحات همت في جوهرها تحقيق المصالحة مع المواطن،إلا أن هذه الإصلاحات كانت لا تتقاطع مع مصالح بعض لوبيات الفساد، مما كان يجعل تحقيق الأهداف المسطرة أمرأ مستحيلا.
وقد أخذ مفهوم الإصلاح والتغيير حيزا كبير من خطب اعلى سلطة في البلاد و في مناسبات عدة ، إذ نستشف من خلال ذلك تأكيده ، على وجوب تخليق الحياة العامة،والضرب بيد من حديد في حق كل من سولت له نفسه التلاعب بمصالح المواطنين والمواطنات، وذلك بمحاربة كل أشكال الرشوة ونهب المال العام واستغلال النفوذ والسلطة، حيث اعتبر أن أي «استغلال للنفوذ والسلطة يعتبر إجراما في حق الوطن، لا يقل شناعة عن المس بحرماته»، داعيا إلى ضرورة الالتزام بروح المسؤولية والشفافية والمراقبة والمحاسبة والتقويم، في ظل سيادة القانون وسلطة القضاء، بما هو جدير به من استقلال ونزاهة وفعالية ،لقد جاء الإعلان عن ضرورة مواصلة الإصلاح الدستوري في المغرب كنتيجة لمجموعة من سياسات التقويم والإصلاح التي عرفتها بلادنا في مجموعة من الميادين، وبخاصة تلك المرتبطة بالاحتياجات اليومية للمواطنين، وهكذا يمكننا اعتبار دستور 2011 بمثابة ثمرة لمجهودات الإصلاح التي عرفتها بلادنا دون غيرها من البلدان العربية الأخرى وكنتيجة لمجموعة من التركمات و المتغيرات التي عرفها المجتمع المغربي من بينها الإصلاح الدستوري الجديد 2011 والذي جاء بمجموعة من الأساسيات،منها ما تمثل في التقنيات الجديدة للتدبير الإداري الحديث بفعل التطورات التي طرأت علي الأدوار والمهام المنوطة بالإدارة باعتبارها الدعامة الأساسية للتغيير بكل أشكاله،السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إطار التحديث العميق للدولة من خلال إستراتيجيات تشمل مجموع المكونات والفعاليات والمؤهلات بهدف وضع الوسائل الكفيلة لتكييف الإدارة مع التحولات التي يعرفها المجتمع , وكذا إعطاء مظهرا قطاعيا أو تقنيا في حالت ما إدا كان التغيير محدثا من طرف الإدارة في إطار مسلسل للتكييف الذاتي ينطلق من الجهاز الإداري نفسه وكذا نجد أن من بين الإصلاحات التي جاء بها الدستور الجديد 2011 فما يخص تأهيل وتطوير الموارد البشرية كما جاء به الفصل 7 و9 فيما يخص التأطير والتكوين والإبداع العلمي والتقني والفني والرياضي وتطوير هذه المجالات وتنظيمها بكيفية مستقلة وعلى أساس ديمقراطي (الفصل 25 -26-27 ) وخلق جو من التكافؤ بين كل أطياف المجتمع الذي من خلال إعطائه حق المشاركة في إتخاد القرارات في التدبير الإداري المحلي والجهوي من خلال مؤسسات محلية تعبئ كل الوسائل المتاحة للتدبير المحلي من خلال الباب التاسع فيما يخص المشاركة والتشاور والحوار والتسيير في التدبير الحر المحلي .الفصل 136 – 137 -139جاء به الفصل 2-31 – 30-33 من الدستور أي المشاركة من خلال الاستفتاء والانتخابات والمساهمة وتقديم الاقتراحات فيما يخص تسيير السياسات العمومية وتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الشاملة الوطنية والمحلية وإعطائه فرصة إتخاد القرارات السياسية من خلال دسترة مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي وكذلك فيما يخص آليات الحكامة الجيدة من قبيل الرقابة والشفافية والتصريح والتدقيق والاستشارة والفحص التخطيط … من أجل تحقيق أهداف الألفية.
من خلال هدا الموضوع سوف نحاول التعرف على بعض مظاهر التدبير الإداري من خلال الدستور الجديد،ودلك من خلال الإشكالية التالية:
إلى أي حد ساهم دستور 2011 ،في بلورة دور وأهمية التدبير الإداري؟
لتحليل هدا الموضوع سوف نحاول اعتماد التصميم التالي:
تصميم الموضوع
المبحث الأول: التدبير الإداري الجيد بين المحاسبة والمسؤولية
المطلب الأول:المسؤولية والمحاسبة من خلال دستور 2011
المطلب الثاني:انعكاسات التدبير الإداري المسؤول على جودة الخدمات
المبحث الثاني:التدبير الإداري الديمقراطي في ظل دسترة مجموعة من الهيئات والمؤسسات
المطلب الأول:التدبير الإداري في ظل دسترة هيئات ومؤسسات الحكامة الجيدة
المطلب الثاني:ضمانات الحكامة الجيدة ومدى انعكساتها على التدبير الاداري الحديث
المبحث الأول: التدبير الإداري الجيد بين المحاسبة والمسؤولية
لقد أعطى دستور 2011،إشارات واضحة على أنه يشكل قطيعة مع كل الممارسات التي كانت تسقم جسم الإدارة المغربية مند فجر الاستقلال،حيث تمت صياغته انطلاقا من مجموعة من المرتكزات الهدف منها القطع مع سياسة الماضي، من خلال هدا المبحث سوف نحاول أن نتطرق إلى تجليات المسؤولية والمحاسبة في الدستور الجديد من خلال(المطلب الأول)،والنتائج المترتب عن تحمل المسؤولية المتجسدة أساسا في جودة الخدمات في(المطلب الثاني)
المطلب الأول:المسؤولية والمحاسبة من خلال دستور 2011
إن الهدف الأساسي لوجود المرافق العمومية هو خدمة الصالح العام، إلا أن هده الخدمة قد تعترضها بعض الصعوبات لارتباطها بالمسؤولية،لدلك فقد نص دستور 2011،في مجموعة من فصوله على مسألة تحمل المسؤولية من طرف القيمين على الإدارة العمومية،حيث نص الدستور المغربي لسنة 2011، في فصله 154،على أن المرافق العمومية يجب أن تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة وربطها بالمسؤولية،على اعتبار أن هده المرافق تقوم بأداء وظيفتها بواسطة أشخاص طبيعيين وهو ما يحتم تحلي هده الأشخاص بالمسؤولية أمام الإدارة من جهة،وأمام المر تفيقين من جهة أخرى،وقد عمل الدستور الجديد بإحاطة هده المسؤولية بمجموعة من القواعد والضوابط،حيث نص في فصله 155 أن أعوان المرافق العمومية يمارسون وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة.
كما أعطى دستور 2011،إشارات واضحة عندما نص على دسترة مجموعة من المؤسسات لأول مرة،والرقي بأخرى إلى مصاف المؤسسات الدستورية وإعطائها مجموعة من الصلاحيات حتى تتمكن من القيام بمهامها على أكمل وجه،وهكذا فقد تم تغيير الأمرين بالصرف على مستوى الجهات والأقاليم،فبعدما كان الوالي على مستوى الجهة آمرا بالصرف أصبح بموجب الدستور الجديد رئيس مجلس الجهة هو الأمير بالصرف،بينما أصبح رئيس المجلس الإقليمي أمير بالصرف عوض العامل،وتم أيضا تعديل نمط اختيار ممثلي الجهة،فبعدما كان اختيار ممثلي الجهات يتم بطريقة غير مباشرة أصبح اليوم بموجب دستور 2011،أمر اختيارهم بيد المواطنين في انتخابات شفافة ونزيهة،هدا التغيير بالإضافة الى امكانية تقديم المرتفيقين لملاحظاتهم وتظلماتهم للإدارة من شأنه أن يساهم في تحديث وتخليق الادارة في علاقاتها بالمواطنين.
المطلب الثاني:انعكاسات التدبير الإداري المسؤول على جودة الخدمات
إن تحمل المسؤولية كما نص عليها دستور 2011 ،وربطها بالمحاسبة كشكل من أشكال التأديب الإداري والدي تمارسه الهيئات المختصة سواء كانت هده الهيئات قضائية أو كانت الإدارة الوصية في علاقتها بموظفيها،هده العلاقة التي يحكمها القانون،والدستور باعتباره أسمى قانون وضعي ينظم الحياة العامة لأي بلد وبالتالي الحياة الإدارية،فقد نص في فصله 154 على مسألة الجودة وربطها بباقي المبادئ التي تقوم عليها الحكامة الجيدة،حيث من شأن ممارسة التدبير الإداري بشكل مسؤول،والتحلي بالشفافية في انجاز الوظائف والمهام المسندة،بالإضافة الى السهر على تطبيق القانون بشكل عادل، وعدم التمييز بين المواطنين في تقديم الخدمات على أساس معين،سواء كان اجتماعيا او اقتصاديا أو قبليا أو سياسيا،من شأنه أن تكون له انعكاسات كبيرة على جودة الخدمات التي تقدمها الإدارة للمواطنين،مما سوف يجعل أمر تأسيس تجربة مغربية فريدة من نوعها في المجال الإداري،أمرا حتميا،بالإضافة إلى أن الدستور الجديد قد تطرق لمسألة التكنولوجية باعتبارها مجالا مهما يجب أخده بعين الاعتبار لما له من انعكاسات مهمة على عمل الإدارة الداخلي وفي علاقتها بتقديم الخدمات للموطنين،فالتكنولوجية اليوم أصبحت جزء لا يتجزأ من عمل الإدارة اليومي،لما تتيحه من إمكانيات هائلة في مجال نقل وحفظ المعلومات ومعالجتها وتسريع وثيرة العمل،الشئ الذي يساعد على تبسيط المساطر الإدارية أكثر وهو ما لم يكن ممكنا في ظل اعتماد الوسائل التقليدية،وبالتالي تبقى مسألة جودة الخدمات المقدمة مثار تساؤل،في حين أن دستور 2011،جعل من مسألة الجودة رهانا حقيقيا،وأحاط تحقيق الجودة بمجموعة من الآليات،فاحين جعل من المنتخبين أميرين بالصرف فان دلك لم يأتي بمحض الصدفة،بل إن دلك يشكل تجسيدا حقيقيا لسياسة تشاركية جعلها المشرع المغربي من خلال دستور 2011،إحدى أولوياته.
المبحث الثاني:التدبير الإداري الديمقراطي في ظل دسترة مجموعة من الهيئات
لقد عرف التدبير الإداري في ظل دسترة هيئات ومؤسسات الحكامة الجيدة مجموعة من المستجدات همت في جوهرها العمل على تحديث آليات الإدارة العمومية وجعلها تستجيب للرهانات التي تفرضها الظرفية الحالية،لكي تكون إدارة منفتحة في ظل زمن العولمة،حيث نصت الدستور الجديد على مجموعة من الضمانات لتحقيق هدا الهدف.
المطلب الأول:التدبير الإداري في ظل دسترة هيئات ومؤسسات الحكامة الجيدة
لقد عمل الدستور الجديد على إحداث مجموعة من المؤسسات والهيئات الدستورية وتحديث هيئات ومؤسسات كانت موجودة في ظل دستور 1996،حيث عمل على إلغاء ديوان المظالم وتعويضه بمؤسسة الوسيط التي تعمل على إنصاف المواطنين في علاقتهم بالإدارة العمومية،كما تم الارتقاء بالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان الى المجلس الوطني لحقوق الإنسان،حيث كان دوره دورا استشاريا فيما اصب حدوه في ظل الدستور الجديد دورا تقريريا،كما تمت دسترة هيئة المناصفة والتي تقطع مع كل أشكال التمييز ما بين الرجل المرأة،بالإضافة إلى دسترة مجلس المنافسة كهيئة مستقلة مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة لضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية،وقد تمت أيضا
دسترة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها،التي تصهر على حماية مصالح المواطنين وتمنع كل الأشكال التي من شأنها أن تخل بمبادئ الشفافية والمصداقية التي يجب أن تسود دخل الإدارة العمومية.
وبمقتضيات الفصل 165 تتولى الهئية العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام التعبير ألتعددي لتيارات الرأي والفكر والحق في المعلومة في ميدان السمعي البصري ودلك في إطار احترام القيم الحضرية الأساسية وقوانين المملكة.
المطلب الثاني:ضمانات الحكامة الجيدة ومدى انعكساتها على التدبير الاداري الحديث
لقد جاء دستور 2011،بمجموعة من الضمانات من أجل تدعيم القيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون،التي شكلت الهدف الأساسي لكل السياسات التي نهجها المغرب مند حصوله على الاستقلال،بإقامة دولة الحكامة الديمقراطية في إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان كتعبير عن الفلسفة العامة التي أسسها من أجل إحداث التغيير المنشود والحد من الاختلالات وسوء التدبير الذي تعاني منه مؤسسات الدولة،وعليه فقد نص دستور 2011 على مبدأ الديمقراطية كخيار استراتيجي لتحقيق التنمية في مجال التدبير الإداري باعتبارها إحدى ركائز الدولة الحديثة، ومبادئ الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارهما الطريق الوحيد لإحداث التغيير العميق لأساليب التدبير الإداري القائم على إرســـاء ثقافــة التدبـير المرتكـز على النتائــج و الفعاليــة، واعتماد مقاربة تشاركية متجددة تشكل قطيعة مع المنهجيات التقليدية طبعت تاريخ الادارة المغربية،كما تم التنصيص على مجموعة من المبادئ منها مبدأ خضوع الإدارات العمومية ومرافق الدولة والجماعات الترابية في تدبيرها الإداري للمبادئ الديمقراطية والعقلانية والأخلاقية،واعتبار الاستحقاق في ولوج الوظائف العمومية شرطا أساسيا لتوفير كفاءات مؤهلة تستجيب لمتطلبات الدولة الحديثة،كما أن مسألة التوزيع المنصف للمرافق العمومية على عموم التراب الوطني تكتسي أهمية كبرى في خلق دينامية إدارية حقيقية تساعد الإدارة والمرتفقين معا على اختصار المسافات والاقتصاد في الإمكانيات على الرغم من أن دلك يحتاج استثمارات مهمة.