دور القاضي في تقدير التعويض عن الضرر في القانون المغربي والفرنسي والمصري


  دور القاضي في تقدير التعويض عن الضرر في القانون المغربي                          والفرنسي والمصري

مقدمة
ما من شك في أن السلطة التقديرية تحتل أهمية كبرى في عمل القاضي سواء من خلال الإجراءات التي يضطلع بها في إطار إشرافه على مسار الدعوى أو أثناء انعقاد الجلسة أو من خلال الحكم الذي يصدره لفائدة هذا الطرف أو ذاك، ومن هنا يمكن القول بان السلطة التقديرية تعتبر قطب الرحى الذي يدور حوله كل عمل القاضي(1) .
ونظرا لانعدام وجود تعريف قانوني لهذه السلطة في القانون فإننا سنكتفي بتعريفها عند بعض الفقهاء مع ملاحظة صعوبة وجود تعريف دقيق أو جامع ومانع.
فقد عرفها البعض(2)  بأنها” اختيار القاضي بمحض إرادته للعمل المناسب لخصوصيات الحالة الواقعية، وإخراجه في شكل آمر أو حكم ملزم لطرفي أو أطراف الخصومة”.
ولذلك لا يمكن اعتبارها بأنها هي التصرف في الحالة الخاصة بالطريقة الأكثر ملائمة لهذه الوظيفة”(3) .
وأما السلطة التقديرية للقاضي المدني فقد عرفها البعض الأخر (4) بأنها النشاط الذهني الذي يقوم به القاضي في فهم الواقع المطروح عليه، واستنباط العناصر التي تدخل هذا الواقع في نطاق قاعدة قانونية معينة، يقدر أنها هي التي تحكم النزاع المطروح عليه”
فالقاضي يقوم إذن من خلالها بمهمتين رئيسيتين تتمثلان في فحص الوقائع وتطبيق القانون المناسب لهذه الوقائع.
فكلمة السلطة “تعني السيادة من خلال إصدار الحكم واتخاذ المبادرة من طرف القاضي الذي يستمد ولايته العامة من الدستور”(5)
وأما وصفها بالتقديرية فهي” إرادة القاضي المحضة في تقدير الأمور ووزنها وقياسها مقاييس منطقية منبثقة من فهمه الشخصي للوقائع الموضوعية ومدى ملائمة هذه الوقائع للقاعدة القانونية المراد تطبيقها فهي تصرف قانوني فالعمل القضائي إذن هو مظهر للسلطة والسيادة، بينما التصرف القانوني هو مظهر للحرية(6)”

وتبعا لذلك فان السلطة التقديرية هي الوسيلة القانونية التي منحها المشرع للقاضي لأعمال إدراكه ووجدانه وقناعته في البحث عن الحقيقة وإحقاق الحق وتحقيق العدالة” (7).
أنها بكل اختصار ميزان يعتمد عليه القاضي ويستعين في استعماله بمجموعة من الأدوات للوصول إلى النتيجة التي تشكل هدفه المنشود دائما ويسعى إليه معه الجميع وهو الوصول إلى الحقيقة القانونية ومن خلالها تحقيق العدل والإنصاف(8).
أما بالنسبة لمجال هذه السلطة فانه يجد مشروعيته فيما إذا كانت هذه السلطة مطلقة أم أنها تخضع لقيود أو ضغوط، خاصة وان المبدأ العام في الفقه والقضاء أن هذه السلطة لا تخضع لرقابة قضاء النقض.
ذلك أن التعبير عنها بالسلطة لا يفهم من ذلك أنها مطلقة وإنما هناك مجال أو حيز في هذه السلطة لا يمكن تجاوزه، وضوابط قانونية وأخرى اقرها الاجتهاد القضائي يجعل من هذه السلطة مقيدة.
وإذا كان تحديد مجال السلطة التقديرية للقاضي يجعلها مقيدة في مجالات محددة فان هذه السلطة تكون مطلقة في مجالات أخرى، كما هو الشأن عندما يكون موضوع النزاع داخلا في أمور الواقع الذي لا تخضع بشأنه المحكمة لرقابة محكمة النقض كما هو الحال بالنسبة لسلطة القاضي في تقدير التعويض عن الأضرار التي تصيب الشخص سواء في المجال العقدي أو ألتقصيري، على اعتبار أن مسألة التقدير تعتبر من مسائل الواقع التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض كقاعدة عامة.
فمن خلال ما تقدم فإننا ارتأينا أن نطرح الإشكالية التالية: ما مدى سلطة القاضي في تقدير التعويض؟ وعليه فإننا سنتتبع التصميم الأتي:

المبحث الأول: سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض

 المطلب الأول: سلطة المحكمة في تقدير التعويض ورقابة محكمة النقض.
الفقرة الأولى: مبدأ السلطة المطلقة في تقدير التعويض

لعل  ما يمكن أن نشير إليه بداية هو أن قاضي الموضوع يتمتع بسلطة واسعة في تقدير التعويض عن الأضرار التي تصيب الشخص سواء في المجال العقدي أو التقصيري على اعتبار أن مسألة التقدير تعتبر من مسائل الواقع التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض كقاعدة عامة.
يستفاد من ذلك أن الأصل هو تمتيع القاضي بسلطة تقدير التعويض في طبيعته ومداه ولا يمكن مخالفة هذا الأصل إلا في حالة وجود مقتضى قانوني أو اتفاق صحيح، وتبقى القاعدة العامة، انه متى اكتملت شروط المسؤولية المدنية وجب التعويض لجبر الضرر ومحو أثاره على قدر الإمكان، وحق المتضرر في التعويض إنما ينشأ عن الخطأ الذي اقترفه المسؤول ومن ثم يترتب في ذمته هذا الالتزام بالتعويض من وقت اكتمال أركان المسؤولية لا من وقت وقوع الضرر(9).
وما تنبغي الإشارة إليه أن تقدير التعويض من قبل القاضي يكون وقت حكمه بالتعويض لطالبه حكما نهائيا، والعلة في ذلك أن مقدار التعويض قد يزيد عن تقديره وقت حدوثه، كما يجب على المحكمة أن تدخل في اعتبارها وهي تقوم بتقدير التعويض جسامة الخطأ الصادر عن المسؤول وتراعي ما إذا كان الضرر الذي أصاب المضرور قد نجم نتيجة خطأ عادي أم نتيجة تدليس من المسؤول،وهو الأمر الذي أكد عليه الفصل 98 من ق.ل.ع(10).
وبشكل مختصر فانه خارج الحالات التي يتدخل فيها المشرع لجعل التعويض محدد بشكل جزافي، أو الحالة التي يتفق فيها الأطراف على تقدير التعويض بشكل مسبق في إطار ما يعرف بالشرط الجزائي فان قضاة الموضوع يتمتعون بسلطة واسعة ومستقلة في هذا المجال لكن لا يعني أن سلطة قاضي الموضوع تتجاهل العناصر التي حددها المشرع المغربي على غرار غيره من تشريعات المقارنة، حيث تعتبر من قبيل التكييف القانوني الذي لا يستقل به قاضي الموضوع (11).
وعموما يجمع الفقه القانوني، إن القاضي الموضوع يتمتع بسلطة واسعة في تقدير التعويض كقاعدة عامة، بل أن هذه السلطة ليست مجرد حق يتمتع به هؤلاء القضاة، بل تعتبر واجبا ملقى على عاتق محاكم الموضوع.
وتتمثل مهمة محكمة الموضوع عند تحقق شروط المسؤولية المدنية في الحكم بتعويض مناسب وعادل لجبر الضرر الذي ألم بالمتضرر، إذ أوكل لها المشرع مهمة تقدير التعويض عن الضرر اللاحق بالمتضرر، وترك لها أمر مباشرته في إطار ولايتها العامة، ولم يقم بتعيين مقداره إلا في حالات استثنائية واستجابة لظروف معينة (12).
وهكذا، يعد من المبادئ المقررة في مجال التقدير القضائي للتعويض تمتع المحكمة بسلطة مطلقة في تعيين مقداره حسب كل حالة على حدة، فتقدير مبلغ التعويض يعد من التكييفات التي لا تخضع بشأنها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض.
إلا أن هذا لا يعني أن محكمة الموضوع تحدد التعويض حسب هواها بل يتحتم عليها عند تقديره أن تحترم كل القواعد والأحكام التي سبق بيانها، فيجب عليها  أن تقدر التعويض حسب مدى الضرر المباشر فقط، باعتبار هذا الأخير نتيجة ضرورية ومحققة للواقعة التي أحدثها الإخلال بالالتزام، بخلاف الضرر غير المباشر(13).
ويجب عليها أيضا أن تراعي في تقدير التعويض عنصري الخسارة اللاحقة والكسب الفائت، لان هدف التعويض هو جبر الضرر، لكن هذا لا يمنعها من أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل والظروف الشخصية للطرفين مادامت تدخل في تكوين الضرر، إذ يعد مراعاة هاته العناصر من مسائل القانون التي تخضع بشأنها محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض.
ومتى راعت محكمة الموضوع هاته الأمور، فإنها تستقل بتقدير التعويض، إذ تثبت لها سلطة تقديرية مطلقة في تعيين مقدراه، دون أن تكون ملزمة ببيان الأسس المعتمدة لإجرائه.
وهذا ما استقر عليه القضاء في كل من فرنسا ومصر والمغرب، فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن تحديد مبلغ التعويض يتم بطريقة واقعية ومطلقة من طرف قضاة، الموضوع ما لم يوجد هناك نص أو اتفاق يحدد مقدراه كما أكدوا في قرارات عديدة استقلال القضاة بهذا التقدير(14).
وذهبت محكمة النقض المصرية في نفس الاتجاه أيضا، حيث أكدت في عدة قرارات استقلال محكمة الموضوع بتقدير التعويض، فمما جاء في قرار لها:” تقدير التعويض يعد من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع متى بين العناصر المكونة له”.
وورد في قرار أخر لها” تقدير التعويض هو من المسائل الواقع، التي يستقل بها قاضي الموضوع، إلا أن مناط ذلك أن يكون هذا التقدير قائما على أساس سائغ، ومردودا إلى عناصره الثابتة بالأوراق ومبرراته التي يتوازن بها أساس التعويض مع العلة من فرضه بحيث يبدو متكافئا مع الضرر غير زائد عليه”.
وجاء في قرار ثالث صادر عن نفس محكمة النقض” تستقل محكمة الموضوع بتقدير التعويض الجابر للضرر ما لم يوجد نص في القانون يلزم إتباع معايير معينة في خصوصه” وقد سار في هذا الاتجاه أيضا المجلس الأعلى المغربي، فقد جاء في قرار له أن لمحكمة الأساس سلطة تقديرية مطلقة لتعيين مبلغ التعويض المحكوم به، للمتضرر وليس عليها أن تعلل هذا المبلغ لأسباب خاصة” (15).
وورد في قرار أخر له” للمحكمة الحق المطلق في تحديد قدر التعويض، دون أن تخضع لمراقبة المجلس الأعلى وليس هذا من باب الشطط في استعمال السلطة”.
ثم جاء في قرار ثالث له” القاضي لا يكون ملزما بان يعلل حكمه بالتعويض بتعليلات خاصة ولا بأن يبين أساسه حين لا تكون عناصر التقدير منازعا فيها بواسطة وسائل دفاع معينة واردة في مستنتجات منتظمة ولا بان يتقيد برأي الخبير”.
وعموما يخول تمتع محكمة الموضوع بسلطة مطلقة في تقدير التعويض الحرية لها في اختيار التعويض المناسب لجبر الضرر، فيمكن لها تبعا لذلك أن تحكم بتعويض نقدي أو بتعويض عيني طالما يتلاءم مع طبيعة الضرر كما يمكن لها أن تحكم بتعويض نقدي في شكل مبلغ مجمع أو في شكل إيراد(16)  وتجدر الإشارة إلى أن استقلالية القاضي في تقدير التعويض لا تعني انه يقدره حسب هواه بل يتعين عليه مراعاة مجموعة من الضوابط أثناء تقديره للتعويض حيث أن مراعاة هذه العناصر من الأمور التي يخضع بشأنها لرقابة محكمة النقض.

الفقرة الثانية: رقابة محكمة النقض كضابط على سلطة القاضي في تقدير التعويض

سبق القول على أن للقاضي الحرية في تقدير التعويض عن الأضرار التي تصيب الأشخاص، فمتى لم يتدخل المشرع لجعل التعويض محدد بشكل جزافي، أو الحالة التي يتفق فيها الأطراف على تقدير التعويض بشكل مسبق في إطار ما يسمى بالتعويض ألاتفاقي كان للقاضي هامش واسع من الحرية لأعمال سلطة التقديرية والحكم بالتعويض الذي يراه مناسبا.
لكن اتساع سلطة القاضي بهذا الشكل في تقدير التعويض تستدعي أن يخضع هذا النشاط الذهني التقديري (17) لضوابط قانونية، ذلك أن كل سلطة كيفما كانت لابد للوصول إلى تحقيق أغراضها والحيلولة دون انحرافها وشططها أن توضع لها حدود ضوابط وقد حرص المشرع المغربي كغيره من التشريعات إلى التنصيص على بعض العناصر التي ينبغي  على القاضي مراعاتها عند تقديره للتعويض، ويمكن استخلاص هذه العناصر من الفصلين 98و264 من ق.ل.ع. حيث جاء في الأول الذي يعرف الضرر التقصيري كالأتي:
“الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى اتفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب أضرارا به وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هذا الفعل، ويجب على المحكمة أن تقدر الأضرار بكيفية مختلفة حسبما تكن ناتجة عن خطأ المدين و عن تدليسه”.
وجاء في الفصل 264 الذي يعرف الضرر التعاقدي ما يلي” الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة، موكول لقضية المحكمة التي يجب عليها أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليس” من خلال هذه النصوص السالفة يتضح على أن المشرع المغربي قد ربط التعويض بعنصرين اثنين الضرر والخطأ الجسيم.
أولا: مدى ارتباط تقدير التعويض بالضرر

 تقوم المسؤولية المدنية على وجوب تعويض المتضرر عما لحقه من ضرر لكن ليس كل ضرر أصاب المتضرر يدخل في تقدير التعويض، ذلك أن الإخلال بالالتزام قد تترتب عليه سلسلة من الأضرار منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر والقاعدة العامة في المسؤولية المدنية عموما هي قصر التعويض على الضرر المباشر سواء تعلق الآمر بالمسؤولية التقصيرية أو العقدية.
والضرر المباشر هو ما كان نتيجة طبيعته لخطأ أو فعل المسؤول وبعبارة أخرى هو ما كان نتيجة مباشرة للإخلال بالالتزام(18).
وقد أشار المشرع المغربي إلى عنصر المباشرة في الفصل 264 ق.ل.ع. عبر عنها بالصيغة التالية:” الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته عن كسب متى كان ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام..” وفي معرض الحديث عن المسؤولية التقصيرية نجد أيضا إشارة لعنصر المباشرة” وكذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية للنتائج هذا الفعل”.
وقاعدة قصر التعويض على الضرر المباشر نص عليها كذلك المشرع المصري في المادة 221، جاء فيها ما يلي:” بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به” ثم أكد على هذه القاعدة أيضا في مجال المسؤولية التقصيرية وذلك في المادة 170 من القانون المدني المصري، وتطبيقا لذلك جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية ما يلي:
” لما كان الأصل أن التعويض  يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي احدث الخطأ يستوي في ذلك،  الضررالمادي والضرر الأدبي وكانت المصروفات التي أنفقتها والدة المجني عليها لا تدخل ضمن الضرر الناشئ مباشرة عن خطأ المدعي عليه، فان الحكم إذ اعتبر هذه المصروفات من بين الأضرار المادية التي أصابت الورثة بسبب خطأ المدعي عليه وألزمته بالتعويض عنها يكون فقط أخطأ في تطبيق القانون”(19).
أما في التشريع الفرنسي فيمكن استخلاص اخذ المشرع بهذه القاعدة في مجال المسؤولية العقدية من خلال المادة 1150 التي جاء فيها ما يلي:” المدين لا يسأل إلا بتعويض الأضرار التي كانت متوقعة أو التي كان في الإمكان توقعها عند التعاقد متى كان عدم تنفيذ الالتزام لا يرجع إلى الغش المدين”.
وفي مجال التقصيري استقر الرأي حاليا على أن الضرر المباشر هو الذي يعتد به في تقدير التعويض سواء كان الالتزام الذي تم الإخلال به مصدره العقد أم القانون(20).
 أيضا من بين العناصر التي ينبغي على القاضي مراعاتها عند تقدير التعويض المستحق للمضرور عنصري الخسارة الحاصلة والكسب الفائت.
يقصد بالخسارة الحاصلة ذلك الافتقار الحاصل في ذمة المتضرر نتيجة الإخلال بالالتزام (21) أي الخسارة التي لحقت المدعي فعلا والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى اتفاقها لإصلاح نتائج الفعل الضار.
ويعتبر الكسب الفائت العنصر الثاني الذي يتعين الاعتداد به في تقدير التعويض المستحق للمتضرر أي ما كان سيجنيه هذا الأخير من ربح لو لم يحصل الفعل الضار ويدخل في نطاق الكسب الفائت ما يسمى بتفويت الفرص كالحادثة التي يتعرض لها رجل الأعمال الذي كان قاصدا البورصة لإبرام صفقات تجارية على جانب من الأهمية وهنا يتعين على المضرور أن يقدم الدليل على ضياع الفرصة(22).
ومبدأ الاعتداد بالخسارة الفعلية والكسب الفائت في تقدير التعويض نصت على صراحة جل التشريعات المقارنة حيث أشار إليه المشرع الفرنسي في المادة 1149 من القانون المدين” حيث نصت هذه المادة على إلزام المدين بأن يؤدي إلى الدائن تعويضات عن الضرر الذي ترتب عن عدم تنفيذ العقد يراعي فيه كل الخسارة الحاصلة والكسب الفائت.
كما أشار المشرع المصري إلى هذه القاعدة في المادة 221 من القانون المدني وجاء فيها ما يلي”إذا لم كين التعويض مقدرا في العقد أو ينص في القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما الحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب..”

ثانيا: مدى ارتباط تقدير التعويض بجسامة الخطأ

الأصل أن التعويض يقدر بجسامة الضرر وليس بجسامة الفعل المتسبب في ذلك الضرر وبعبارة أخرى فان التعويض لا يراعي في تقديره سوى الضرر لا المسؤول عن الفعل المتسبب في ذلك الضرر، وذلك للتميز بينه وبين العقوبة الزجرية التي تتسم بالذاتية(23) .لكن القانون المغربي من بين التشريعات التي تسير عكس ما ذكر إذ هو يعتد في هذا الشأن بجسامة الخطأ سواء تعلق الأمر بالمسؤولية التقصريية (أ) أو العقدية (ب)..

أ‌ ـــ أـثر جسامة الخطأ في المسؤولية العقدية:

بالرجوع إلى المادة 264 من ق.ل.ع. التي تعرف الضرر العقدي يتبين على أن هذا الأخير يتميز بأنه ذو نطاق محدود جدا فهو يقتصر على الأضرار المباشرة المتوقعة، عند إبرام العقد (24) لكن إذا نشأ الضرر بناأ على ممارسة المدين التدليس أو وقوعه في خطأ جسيم فان التعويض، يمتد ليشمل الضرر المباشر بكامله سواء كان متوقع (25) أو غير متوقع هذا عكس المسؤولية التقصيرية إذ القاعدة المطبقة في هذا المجال هي التعويض على الضرر المباشر بكامله، متوقع أم غير متوقع إذن بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 264 يمكن للقاضي أن يدخل جسامة الخطأ عاملا في تقدير التعويض تبعا لما إذا كان أساس المسؤولية هو خطأ المدين أو تدليسه.
وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه كان من القانون الفرنسي في المادة 1150″ المدين لا يسأل إلا بتعويض الأضرار التي كانت متوقعة أو التي كان في ألاماكن توقعها عند التعاقد متى كان عدم تنفيذ الالتزام لا يرجع إلى غشت المدين” والقانون المصري كذلك في المادة 221 التي ورد فيها ” ومع ذلك إذا كان الالتزام مصدره العقد، فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيم إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد”.
ويبدو أن كل من المشرعين المصري والفرنسي قد أشار إلى هذه القاعدة يشكل واضح عن طريق استعمال مفهوم المخالفة، خلافا لقانون الالتزامات والعقود الذي لم يتعرض لهذه النقطة (26) بل اكتفى بالإشارة إلى انه يجب على المحكمة أن تقدر التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه (الفقرة الأولى من الفصل 264).

ب‌) اثر جسامة خطأ المسؤول في المسؤولية التقصيرية:
سبق القول على أن تقدير التعويض في المجال التعاقدي يتأثر بمدى جسامة خطأ المسؤول حيث يقدر التعويض بمدى الضرر المتوقع فقط ما لم ينتج الضرر عن خطأ جسيم أو تدليس من جانب محدثه إذ في هذه الحالة يمتد لزوما إلى الضرر غير المتوقع.
فهل تؤثر درجة جسامة خطأ المسؤول على تقدير التعويض في المجال التقصيري؟

نعالج هذه النقطة في كل من القانون الفرنسي والمصري ثم المغربي.

+ في القانون الفرنسي:

بالرجوع للمادة 1150 من القانون المدني الفرنسي، نجدها تنص على قصر التعويض على الضرر المتوقع غير حالتي التدليس أو الخطأ الجسيم ما يعني انه إذا كان الضرر بناأ على ممارسة المدين التدليس أو وقوعه في الخطأ الجسيم، فان التعويض يمتد ليشمل الأضرار غير المتوقعة، وهذه القاعدة وردت في القسم المتعلق بالعقود مما يعني انه لا يمكن تطبيقها خارج هذا المجال.
وقد ظهر في الفقه الفرنسي اتجاهان متعارضان فيما يخص مدى الالتزام بالتعويض ووظيفته اتجاه موضوعي يتجرد من مدى جسامة الخطأ في تقدير التعويض فالتعويض وفقا لهذا الاتجاه يجد مداه الوحيد ومقياسه في مدى الضرر و لا علاقة له بمدى جسامة الضرر.
واتجاه شخصي يعتبر أن التعويض يختلف حسب مدى جسامة الخطأ فالتعويض في حالة الغش والخطأ الجسيم يختلف مقداره عنه في حالة الخطأ الجسيم(27).
ويرجع ظهور هذا الاتجاه في تقدير التعويض إلى أفكار الفقيه الألماني “هرينج” وتحت تأثير هذا الفقه حاول القضاء الفرنسي تحويل هذا المسلك إلى مبدأ قانوني فصدرت أحكام تؤكد صراحة أن درجة جسامة الخطأ يجب أن توضع في الاعتبار عند تقدر التعويض لكن محكمة النقض  الفرنسية رفضت إقرار هذا المبدأ فتنقض جميع الأحكام التي تعتد صراحة بالخطأ في تقدير التعويض حيث تقضي بان يراعي في تحديد مدى التعويض الضرر الواقع فقط دون الاعتداد بجسامة خطا المسؤول.لكن رغم إصرار محكمة النقض الفرنسية على أن التعويض يجب أن يرتبط بمدى الضرر وحده دون اعتبار لمدى جسامة الخطأ فان القضاء الفرنسي استمر على مسلكه هذا بصورة ضمنية حتى أصبح ذلك اتجاها قضائيا ثابتا ولكن دون آن ينطق به القضاء صراحة تجنبا لتعرض أحكامه للنقض(28).

+ في القانون المصري:

بالرجوع إلى المادة 171 من القانون المدني المصري يتبين على أن الاعتداد بمدى جسامة الخطأ في تقدير التعويض هو مبدأ قانوني عبر عنها بالصيغة التالية” يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق بالمضرور طبقا لأحكام المادتين 221و222 مراعيا في ذلك الظروف الملابسة وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون بصدد هذه المادة ما يلي وينبغي أن يعتد في هذا الشأن بجسامة الخطأ وكل ظرف أخر من ظروف التشديد والتخفيف(29).

ويبدو أن القانون المصري يعتد بجسامة الخطأ المسؤول كعامل في تقدير التعويض وأكثر من هذا فانه يقضي من باب الانصاف وجوب إنقاض التعويض متى كانت موارد المدين محدودة.

+ في القانون المغربي:

تضمن الفصل 95 ق.ل.ع. فقرة ثانية اوجب فيها المشرع على المحكمة أن تقدر التعويض بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو تدليسه، ويفهم من هذه الفقرة أن المشرع يعتد بجسامة الخطأ أي بمدى خطورة الفصل الصادر عن المتسبب في الضرر بما يعني أن بإمكان القاضي أن يدخل جسامة الخطأ عاملا في تقدير التعويض تبعا لما إذا كان أساس المسؤولية هو طأ المدين أو تدليسه(30).مما سبق يتبين على القاضي له حرية واسعة في تقدير التعويض في أي صورة كان إلا أن هذا لا يعني أن المحكمة الموضوع تحدد التعويض حسب هواها بل يتحتم عليها عند تقديره أن تحترم كل القواعد والأحكام التي سبق بيانها، فيجب عليها أن تقدر التعويض حسب مدى الضرر المباشر فقط ويجب عليها أن تراعي خطأ المسؤول وعنصري الخسارة الحاصلة والكسب الفائت إذ يعد مراعاة هاته العناصر من مسائل القانون التي تخضع بشأنها محكمة الموضوع لرقابة المجلس الأعلى ومتى راعت المحكمة هاته الأمور فإنها تستقل في تقدير التعويض وهذا ما استقر عليه القضاء في كل من فرنسا ومصر  المغرب.

المطلب الثاني: حدود السلطة التقديرية للقاضي

الخطأ والضرر والعلاقة السببية شروط عامة لاستحقاق التعويض لذلك فان توفرها لا يكفي لمنع القاضي سلطة تقدير التعويض بل يتطلب إضافة إلى ذلك لا يكون مقر التعويض محددا قانونا و اتفاقا.
فسلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض تنعدم إذا كان تمة نص قانوني يحدد مقدار التعويض، أو كان تمة اتفاق بين الأطراف على مقدار التعويض مسبقا.

الفقرة الثانية: الحدود القانونية

يلاحظ في هذا النطاق أن المشرع المغربي في توجهه التشريعي انه يجعل التعويض جزافيا أو يضع حد أدني وحد أقصى، لا يمكن الخروج عنه وبهذه الطريقة فإن المشرع لا يعدم السلطة التقديرية للمحكمة بل يقيدها في إطار حدود معينة وذلك في المجالات الآتية:

+ فوائد التأخير:

يكون محل التزام المدين في بعض الحالات مبلغ من النقود محدد المقدر يلتزم بأدائه خلال اجل معين لكن ومع ذلك يتأخر عن أدائه خلال الأجل المحدد فيكون في هذه الحالة ملزما بتعويض الدائن عن حرمانه من هذه المبالغ طول مدة التأخير.
أغلب التشريعات العقارية تحدد هذه التعويضات (31) في شكل نسب مئوية محدد مسبقا من قبل المشرع وتكون مستحقة الدفع عن مجرد التأخير في الوفاء دون الحاجة لإثبات وقوع الضرر لأن هذا الأخير مقرض في الديون النقدية نجد المشرع المصري حدد فوائد التأخير في 4% في المسائل المدنية 5% في المسائل التجارية المادة 226 من قانون المدني المصري” إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود وكان معلوم المقدر وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزما أن يدفع للدائنين على سبيل التعويض للتأخر فوائد قدرها 4 في المسائل المدنية و 5 في المائة في المسائل التجارية وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية أن لم يحدد الإتفاق و العرف التجاري تاريخا أخر لسريانه وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره”.
أما فيما يتعلق بالمشرع الفرنسي قد عمل على تحديد الحد الأقصى لهذه الفوائد في ألا تتجاوز الفوائد القانونية، فترك للقاضي سلطة تقديرية في تحديد تعويض عن فوائد التأخير في حدود (32) بخلاف المشرع المصري.

غير أن الملاحظ أن المشرع الفرنسي لم يستقر على نسب محددة بل عرفت هذه الأخيرة تعديلات متعددة (33) انتهت بصدور القانون رقم 89ء421 بتاريخ 15 يوليوز 1989 الذي أحال تحديد نسب الفوائد القانونية إلى لائحة تصدر ابتداء كل نسبة ملائمة تسري هذه الفوائد أيا كان مصدر الدين العقد أم العمل غير المشروع.

المشرع المغربي لم ينص على فوائد التأخير لتعويض عن التأخر في الفوائد بالالتزامات التي يكون محلها مبلغ محدد من النقود بل لم يحل حتى على الفوائد القانونية والاستثمارية المنصوص عليها في الفصل 275 ق.ل.ع. السؤال الفقهي المطروح في هذا الصدد.
هل هذا يعني أن المشرع ترك الأمر تقدير الفوائد لسلطة المحكمة آم أن هذه الأخيرة ملزمة بمراعاة الفوائد القانونية تحد النقض عند تقديرها لفوائد التأخير.
جانب من الفقه نص بتطبيق الفصل 875 من ق.ل.ع. والذي تمم بظهير و أكتوبر 1913 المعدل هو الأخر بظهير 16 أكتوبر 1958 والذي حدد سعر القانوني للفوائد في الشؤون المدينة والتجارية على السواء في 6 في المائة وجعل الحد الأقصى للفوائد الإتفاقية في 12 في مائة.
جانب أخر من الفقه اكتفى بقول بان المشرع المغربي لم ينص على التعويض القانوني وهو يقصد بذلك فوائد التأخير.
والواقع أن المشرع المغربي لم يحدد وفوائد التأخير كما فعل المشرع المصري ولم يحل بشأنها على الفوائد القانونية كما فعل المشرع الفرنسي واكتفى بالنص في الفصل 263 على أن التعويض يستحق إما بسبب عدم الوفاء  بالالتزام وإما بسبب التأخر في الوفاء به فان ذلك لا يعني استبعاد تطبيق مقتضيات الفصل 875 لما يلي:
الصيغة التي جاء بها الفصل 875 عامة لم يتم تحديد نطاق الشؤون المدنية والتجارية.
صعوبة تحديد مدى الضرر الذي يلحق الدائن من جراء تأخر المدين في تنفيذ التزامه النقدي.

+ التعويض عن حوادث السير

بسن المشرع المغربي لقانون 2 أكتوبر 1984 يكون قد وسع من دائرة التعويض القانوني حيث حدد مجاله في تعويض الأضرار البدنية التي تتسبب فيها الحريات ذات محرك خاضعة للتامين الإجباري حسب شروط منصوص عليها في هذا القانون وقد أخذت بهذا الخصوص جدولا للتعويض كما حدد المشرع الأضرار القابلة التعويض والمصاريف والأضرار واللاحقة بالمصاب في حالة  والعجز المؤقت عن العمل وفي حالة العجز البدني الدائم وكذلك الأضرار اللاحقة بذوي المصاب بسبب وفاته، المشرع وضع أساسا ومقاييس الهدف منها تقنين السلطة التقديرية للقاضي حيث ألزمها بعدم الخروج عن هذه الأسس والمعايير، وتختلف هذه المعايير بحسب ما إذا كان التعويض مستحقا للمصاب أو لذوي حقوقه.

+ تعويض مستحق للمصاب

فيما يتعلق بالتعويض الأساسي أخضعه لثلاثة أسس هي: رأسمال معتمد ونسبة العجز ثم قسط المسؤولية الذي يتحمله المتسبب في الحادثة إما التعويضات التكميلية هي الألم الجسماني والتشويه، الخلقة والعجز البدني الدائم.
أما فيما يتعلق بالتعويض لذوي المصاب في حالة وفاته حدده المشرع في حالة وفاة المصاب يثبت لذوي الحقوق الحق في المطالب بالتعويض نتيجة الضرر الذي لحق بهم بسبب وفاته وهذا الضرر أما ماديا أو معنويا.
لذلك يمكننا القول أن المشرع قد حدد مبلغ التعويض (34) الذي يمكن أن يدفعه للمصاب في حالة بقائه حيا أو إلى الورثة في حالة وفاته بحيث يصح القول بأن سلطة المحكمة في تقدير التعويض أصبحت منعدمة إذا أصبح القاضي عبارة عن آلة حاسبة يقوم بالعمليات التي ينص عليها المشرع لحساب التعويض.

التعويض عن حوادث الشغل وأمراض المهنية:

المشرع المغربي يسير على نهج بعض التشريعات المقارنة فرنسا مثلا الذي عالج حالات تعويض عن حوادث السير والأمراض المهنية بمقتضى قانون 1892 الذي يعد المصدر الأساسي لظهير 25 يونيو 1927 المعدل بمقتضى قانون 1892 قد حدد المشرع التعويضات التي يتضمنها هذا الظهير للمصاب في أربعة أصناف هي العناية الطبية وتوابعها التعويضات اليومية في حالة العجز المؤقت ثم الإرادات الممنوحة في حالة العجز البدني الدائم ثم الإرادات الممنوحة لذوي الحقوق في حالة وفاة المصاب.
وأخضع حسابها لأسس محددة تختلف حسب الضرر بالنسبة للعناية الطبية وتوابعها تعتبر تعويضات عينية تخضع لعنصرين الأول أن المؤاجر هو الذي يؤديها والثاني أن الأجير هو الذي يختار الطبيب بالنسبة للتعويضات اليومية عن العجز المؤسس وأخضعها المشرع لعنصرين هما أجر المصاب المدفوع خلال الفترة الزمنية ومدة العجز المؤقت على العمل بالنسبة للإيراد عن العجز الدائم أخضعه لعنصرين الأجر السنوي للمصاب ونسبة العجز الذي خلقته الإصابة.
أما بالنسبة للتعويضات مستحقة لذوي الحقوق في حالة وفاته فيحسب بتثبيت إيراد لسنون لزوج المتوفى عنه واليتامى وللأصول حسب نسب لا تتعدى80%  من الأجر سنوي.
وتجب الإشارة أن التعويضات المقررة بمقتضى ظهير 1963، أعيد النظر فيها بمقتضى قانون رقم 12ء18 و هكذا فقد  اعتبر تعويض الأجراء يوميا خلال العجز المؤقت بتلقي أجرهم اليومي المعتاد لكنه رفع من التعويض في حالة إقرار الأجير بعد عودته إلى العمل زيارة الطبيب كما أن كل غياب لساعتين في العمل لسبب نفسه لا يرتب خصما من أجره.
كذلك الرفع من حجم الإيراد الذي سيدفع الإجراء في حالة العجز البدني الدائم وهكذا فان الإيراد يكون يساوي الأجرة السنوية مضروبة في نسبة العجز كما رفع القانون الجديد من حجم الإيراد الذي سيدفع لأبوي الضحية في نسبة 50% كما رفع من الإيراد الممنوح لليتامى في نسبة 20% من الأجرة السنوية إن تعلق الأمر بولد واحد و 50 في المائة إذا تعلق الأمر بولدين و 40 في المائة إذا تعلق الأمر بأربعة أولاد.
وزاد القانون كذلك من الإيراد الممنوح لأصول أصبح من حق كل واحد من الأصول والكافلين يكون وقت وقوع الحادث في كفالة الهالك إيراد عمري يساوي 5% من الأجرة السنوية للهالك.
كما عدل قانون 12/18 الصاعدة المعتمدة لاحتساب الأجر السنوي الذي على أساسه تحتسب الإيرادات ولا يجب أن يقل عن 29 ألف و 400 درهم تطبيق بأثر رجعي من فاتح يوليوز 2014 و 30 ألف و 796 درهم يطبق ابتداء من فاتح يوليوز 2015 كما حدد الأجر السنوي المتخذ لاحتساب الإيرادات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل في حالة وفاتهم في 127 ألف و680 درهم.
وهكذا نلاحظ أن المشرع سلب القاضي سلطته التقديرية وجعله مقيد بنسب دقيقة لا يمكن الخروج عنهما.

+ مراجعة السومة الكرائية

لقد فرض المشرع المغربي على الأطراف المتعاقدة و المحكمة سقف لا يمكن تجاوزه حسب المادة 34 من قانون 67/12 على الأطراف والمحكمة عند زيادة في ثمن الوجيبة الكرائية التقيد بنسب محددة(35).

8%  بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى

10%  بالنسبة للمحلات المعدة للاستعمال المهني.
وعلى هذا الأساس يكون المشرع قد قيد سلطة المحكمة في تحديد نسبة زيادة الوجيبة الكرائية غير انه حسب المادة 35 يمكن للمحكمة أن تحدد نسبة زيادة التعويض أعلاه إذا كان مبلغ الوجيبة الكرائية لا يتجاوز 400 درهم شهريا على لا يتعدى نسبة الزيادة المحكوم بها 50% كما أن هناك إمكانية التخفيض تطبيقا للمقتضيات الفصول 660و661 من ق.ل.ع. وهو ما تنص عليه المادة 36.
كما نجد كذلك المشرع حدد التعويضات المستحقة بسبب الإفراغ للهدم أو إعادة البناء…
فيما يتعلق بحالة جدية الإفراغ مثل الهدم أو إعادة البناء أو إدخال تغيرات حق المكتري مطالبة بتعويض حسب الفصل 16 من ظهير 1980 أن يؤدي المكري للمكتري زيادة على صوائر الانتقال مقابل إثبات تعويض يعادل مبلغ وجيبة الكراء لمدة 6 أشهر حسب أخر قيمة أداها المكتري التعويض الوارد هنا قانوني لا مجال للرفع منه أو نقصانه.
وتستحق التعويضات إذا تم الإفراغ وفق مسطرة الإشعار أما إذا كان الإفراغ حبي فلا مجال لهذه التعويضات.
أما إذا كان التعويض لسبب غير جدي حسب الفصل 17 يخضع لسلطة التقديرية للمحكمة بناء على حجم الضرر ويتم هذا التحديد بناء على قواعد العامة للمسؤولية التقصيرية.

+ التعويض عن الفصل التعسفي

التعويض عن الفصل التعسفي حدده المشرع على أساس اجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على ألا يتعده لسقف 36 شهر، وهكذا نلاحظ أن مدونة تراجعت كثيرا عن القواعد والمبادئ التي كانت موجودة في نظام النموذجي لسنة 1948 الذي كان ينص الفصل 6 على أن تعويض الذي تحكم به المحكمة في حالة ثبوت تعسف المشغل يقر حسب ظروف المحيطة بل قضية كما تراجعت المدونة عن قواعد الموجودة قانون ل.ع. الفصل 754 وبالتالي أن السلطة التي كانت مخولة للمحكمة كانت تمنح الأجراء الذين تعرض لطرد تعسفي تعويضات مبالغ فيها.

+ الفقرة الثانية: الحدود الإرادية

الكثير من الحالات يتفق الأطراف على تحديد التعويض في حالة حدوث الضرر جراء الإخلال بالتزام وهذا ما يسمى بالشرط الجزائي أي الشرط الذي يشترط الدائن على المدين جزاأ على إخلال بالالتزام  ومن أمثلة الشرط الجزائي كثيرة متنوعة فشروط المقاولة قد تتضمن شرطا جزائيا يلتزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو أسبوع من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه إتمامه.

وقد ينص في عقد البيع التزام البائع يدفع مبلغ معين إذا تأخر في تسليم المبيع في الموعد المحدد، وقد نصت اغلب التشريعات على التعويض ألاتفاقي كالمشرع الفرنسي المادة 1250 قانون مدني الفرنسي” عندما ينص في العقد على أن الفريق الذي يخر تنفيذ يدفع مبلغا معينا كتعويض فلا يمكن منح الفريق الأخر مبلغا أكثر أو اقل”.

المشرع المصري المادتين 203ء204 نجده نص في المادة 203″ يجوز للمتعاقدين أن يحدد مقدما قيمة التعويض بالنص عليه في العقد أو في اتفاق لاحق”.
المشرع المغربي نص عليه كذلك في الفصل 264 ق.ل.ع” الفقرة الثانية يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا أو التأخر في تنفيذه”.
وعموما فان وجود التعويض ألاتفاقي يؤدي إلى تجريد المحكمة من سلطتها في تقدير التعويض حيث يصبح دورها مقتصرا على التأكد من تحقق شروط استحقاق التعويض فإذا توفرت هذه الشروط حكمت المحكمة بما جاء فيه.
لكن السؤال الذي يطرح هل وجود مثل هذه الاتفاقات مقدما بعدم سلطة المحكمة في إعادة تقدير التعويض؟
بخصوص هذه المسالة فان أثير جدال فقهي واسع في صفوف الفقه والقضاء المغربي والمقارن، المشرع الفرنسي أجه في البداية انه لا يمكن للقاضي إجراء أي تعديل استنادا إلى المادة 1134 من قانون المدني الفرنسي وتبعه في ذلك القضاء المغربي الذي تمسك بمقتضيات الفصل 230 ق.ل.ع. إلا أن تعديل الذي حصل في قانون الفرنسي سنة 1975 بإضافة مقتضى جديد في مادة 1152 الذي خول للقاضي سلطة لتعديل التعويض ألاتفاقي متى تحققت الشروط.
ونفس المسار سار عليه المشرع المغربي بتعديله الفصل 264 من ق.ل.ع. 1995، إذ بموجبه يمكن للقاضي تعديل مقدار التعويض الذي اتفق عليه الأطراف بالزيادة إن كان هزيلا مخالف بذلك المشرع المصري الذي نص في مادة 225 قانون مدني مصري منع الدائن من طلب الزيادة إلا في حالتي الغش والخطأ الجسم.
وتخفيض مبلغ التعويض إذا كان مبالغ فيه أو في حالة تنفيذ الجزئي وهكذا فان تدخل المحكمة لا يبرره إلا وجود جزاء مبالغ فيه فان تقدير هذه المبالغة متروك السلطة المحكمة.

المبحث الثاني: تغير الضرر ومدى سلطة محكمة الموضوع في مراجعة التعويض

كما هو معروف إن الضرر نادرا ما يبقى ثابتا ومستقرا من يوم حدوثه، بل غالبا ما يتغير فيتردد بين التفاقم أو النقصان، أو بغير اتجاه في ذاته، ويمكن تصنيف العوامل المؤثرة في الضرر و المؤدية لتغيره إلى صنفين عوامل ذات طبيعة اقتصادية لا علاقة لها بالضرر وتتمثل في تغير القدرة الشرائية للنقود أو قيمة الأسعار، وعوامل متصلة بالضرر وتتمثل في التغيرات التي تطرأ على الضرر ذاته، فالضرر قد يخف وقد يزول وقد يتفاقم، وهذا ما تكون له نتائج مؤثرة على التعويض بشكل أو بأخر.
إلا أن هذه التغيرات التي تطرأ على الضرر سواء كان في اتجاه النقصان أو في اتجاه التفاقم قد تحصل قبل صدور الحكم المحدد للتعويض وقد يستمر أو يحصل بعد صدوره ولاشك في أن الأحكام تختلف تبعا لاختلاف الحالتين(37).

لهذا سنتطرق في المطلب الأول، من هذا المبحث إلى الوقت الذي تقدر فيه المحكمة التعويض على اعتبار أن تحديد هذا الوقت هو الذي سيبين لنا ما إذا كان الضرر قد طرأ عليه التغيير قبل تعيين مقدار التعويض أم بعده.
وسنخصص المطلب الثاني لمعاجلة مدى سلطة المحكمة في مراجعة التعويض عندما يتغير الضرر بعد صدور حكم نهائي بالتعويض.

 المطلب الأول: وقت تقدير التعويض

كانت المحكمة تقدر التعويض بما يتناسب مع مقدار الضرر الحاصل، فالي أي وقت تستند في ذلك التقدير؟ وبعبارة أخرى ما هو الوقت الذي تقدر فيه المحكمة التعويض؟ هل تقدر التعويض في يوم وقوع الضرر أم أنها تقدره في يوم صدور الحكم؟
إن هذا التساؤل لا يهم الضرر الثابت الذي يبقى على ما هو عليه من يوم وقوعه حتى يوم صدور الحكم المحدد للتعويض،لأنه لا إشكال بطرح حول وقت تقديره فسواء وقع تقديره في يوم حدوثه أو في يوم إصدار الحكم، فمقدرا التعويض سيكون واحدا ما دام الضرر لم يتغير، ولذلك يبقى هذا التساؤل خاصا بالضرر الذي يتغير منذ حدوثه إلى يوم النطق بالحكم كما يهم الضرر الذي لا يعرف أو بتيسير تعيين مداه نهائيا يوم صدور الحكم.

الفقرة الأولى: حالة الضرر المتغير

في الكثير من الحالات لا يبقى الضرر على الحالة التي حدث بها من وقت حدوثه إلى تاريخ صدور الحكم بل انه غالبا ما يتغير كان يتفاقم عما كان عليه عند حدوثه أو يخف، مثال ذلك شخص أصيب في حادثة بكسر في يده وعندما طالب بالتعويض كان الكسر ق تطور فأصبح اشد خطورة مما كان وعند صدور الحكم كانت خطورته قد اشتدت وانقلبت إلى عاهة مستديمة أو حصل العكس كأن أصبح الكسر اقل خطورة عما كان عليه يوم حدوثه، فما هو الوقت الذي يقدر فيه التعويض؟
إن العبرة في تقدير التعويض في هذه الحالات هي بيوم صدور الحكم اشتد الضرر وخف وليس بيوم حدوث الضرر لكن يجب على المحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار جميع التطورات التي طرأت على الضرر منذ يوم حدوثه والتي هي نابعة من الإخلال بالالتزام.
غير انه في حالة تفاقم الضرر يشترط أن يكون ذلك نتيجة مباشرة لخطأ أو فعل المسؤول فإذا تدخل سبب أجنبي وتفاقم معه الضرر فان التعويض لا يكون إلا بقدر الضرر الذي كان موجودا قبل تدخل هذا السبب الأجنبي ففي المثال السابق إذا كان تحول الكسر إلى عاهة مستديمة قد نتج عن سبب أجنبي فان المسؤول لا يسأل إلا في حدود الكسر كضرر مباشر وبالتالي يقدر التعويض في هذه الحدود.
وعلى خلاف ذلك في حالة تناقض الضرر فانه على المحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار نقصان أو اختفاء الضرر أيا كان سببه حتى ولو كان ناتجا عن سبب أجنبي.
وقد يبقى الضرر على حاله في عناصره الجوهرية ووقائعه المادية، لكن الذي يتغير هو القدرة الشرائية للنقود أو قيمة الأسعار وذلك بين تاريخ حدوث الضرر وتاريخ الحكم فتؤثر على قيمته زيادة أو نقصانا.
فمثلا قد يصاب شخص بضرر نسبته 40% من دخله سنة 1990 ويستثمر نفس العجز إلى سنة 2000 ولكن مهنة المتضرر كان دخلها السنوي سنة 1990 عشرون ألف درهم، فقط بينما ارتفع هذا الدخل سنة 2000 إلى خمسون ألفا، وكذلك الحال إذا انخفضت القيمة الاقتصادية للضرر ولو أن هذا نادر الحدوث من الناحية العملية.
ففي مثل هذه الحالات التي يتغير فيها قيمة الضرر تبعا لتغير قيمة النقود فان المبدأ العام السائد هنا هو تعويض المتضرر بقيمة الضرر يوم صدور الحكم ارتفعت هذه القيمة أو انخفضت لان في هذا التاريخ فحسب يتعين على المحكمة أن تقوم بتقدير التعويض ولا يستثني من ذلك إلا الحالة التي يقوم فيها المتضرر بإصلاح الضرر بمال من عنده، حيث يرجع بما دفعه فعلا مهما تغيرت قيمة الأسعار يوم صدور الحكم(38).

الفقرة الثانية: حالة الضرر الذي لا يعرف مداه

يقصد بالضرر الذي لا يعرف مداه ذلك الضرر الذي لا يتيسر أو يتعذر تعيين مقدراه يوم إصدار حكم، فهو ضرر محقق ولكن مداه غير معروف.
وعدم تعد تيسير معرفة مدى الضرر قد يعود إلى الضرر ذاته نتيجة لسرعة تطوره وتقلبه، وقد يعود إلى تقلب قيمة النقود ففي الحالة الأولى يمكن للمحكمة الموضوع في إطار ما تتمتع به من سلطة مطلقة في تقدير التعويض أن تحكم للمتضرر بتعويض ما ثبت لديها من ضرر حال وتحتفظ له بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير.
وهذا الحل نص عليه المشرع المصري صراحة في المادة 170 من القانون المدني حيث جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة “فإن لم يتيسر له (القاضي) وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعيينا نهائيا، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير”.
أما في الحالة التي يرجع فيها عدم معرفة مدى الضرر راجع إلى تقلب قيمة النقود أو الأسعار، فقد تم اقتراح الحكم بتعويضات في شكل إيرادات عائمة أي بإيرادات مرتبطة بمؤشر تتغير بتغييره، فتقلب قيمة النقود قد يترتب عنها عدم إمكانية التنبؤ بمدى قيمة الضرر الحاصل في المستقبل فقد ينجم عن انخفاض قيمة النقود عدم تغطية التعويض المقدر في شكل مبلغ مجمع أو إيراد ثابت للضرر  الذي لحق المتضرر وعلى عكس من ذلك قد ينجم عن ارتفاع قيمة النقود إثراء المضرور، مما يجعل المسؤول ملزما بتعويض يفوق الضرر الحاصل وان كان هذا نادر الحدوث من الناحية العملية.
فلحل هذا المشكل اقترح الفقه ربط الإيرادات المحكوم بها بمؤشر يحدد على أساس تكلفة المعيشية أو على أساس الدخل المهني أو على أساس الحد الأدنى للأجر غير أن هذا الحل قوبل بالرفض من طرف القضاء الفرنسي في بداية الأمر حيث كانت الغرفتين الجنائية و الاجتماعية وكذا اجل محاكم الموضوع ترفض الحكم بهذا النوع من الإيرادات.
فقد عللت بعض محاكم الموضوع رفضها ربط الإيرادات المحكوم بها بمؤشر تتغير بتغيره، إلى أن ذلك يتعارض مع أحكام التعويض لاسيما مع القاعدة التي تقرر وجوب قصر التعويض على الضرر المباشر وعلى الضرر الحال والمحقق وكذلك تلك التي تقضي بوجوب تقدير التعويض يوم النطق بالحكم وأيضا مع مبدأ قوة الأمر المقضي به.
غير أن محكمة النقض الفرنسية غيرت موقفا ابتداء من سنة 1974 نتيجة الانتقادات الشديدة التي وجهت لها من طرف الفقه، وكان ذلك بمقتضى قرارين صادرين عن غرفها مجتمعة بتاريخ 6 نونبر 1974 حيث أقرت فيهما بصحة وقانونية الإيرادات العائمة أي المرتبطة بمؤشر(39).

المطلب الثاني: حالة تناقص وتفاقم الضرر

وكما أسلفنا الذكر ومما لا شك فيه أن الضرر قد يتغير من يوم صدوره إلى يوم حدوثه الحكم بالتعويض لكن يبقى التساؤل مطروحا في الحالة التي يتغير فيها الضرر بعد صدور الحكم النهائي بالتعويض، وخاصة في حالة عدم حفظ المحكمة للأطراف الحق في المراجعة، فما هي سلطة المحكمة في مراجعة التعويض في هذه الحالة؟
وهنا للإجابة عن هذا التساؤل لابد من التمييز بين حالة تفاقم الضرر وحالة تناقصه أو تحسن حالة المضرور نهائيا.

الفقرة الأولى: حالة تفاقم الضرر

لا يمكن الحسم أن الضرر يستقر على الوضع الذي سبق تقدير التعويض عليه حيث يمكن أن يتفاقم عما كان عليه يوم النطق بالحكم، فهل يمكن اعتبار الحكم المقضي به نهائيا، ويمنع من مراجعة التعويض؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب التفرقة بين مراجعة التعويض الأصلي والتعويض الإضافي ومدى سلطة المحكمة في ذلك بخصوص مراجعة التعويض الأصلي فهو ليس ممكنا لأنه يؤدي إلى خرق ما للأحكام من حجية، وذلك رجوعا إلى مبدأ قوة الشيء المقضي به الذي يمنع على المحكمة إعادة تقدير الضرر الذي سبق البث فيه بحكم نهائي.
أما بالنسبة لإمكانية الحكم بتعويض إضافي أو تكميلي بشكل يناسب تفاقم الضرر فهو آمر غير ممنوع كسابقه حيث يمكن للمحكمة تقديره والحكم به لأنه لا يخالف المبدأ السالف الذكر فذلك التفاقم في الضرر لم يكن موجودا عند صدور الحكم وبالتالي لم يتم تقديره عند تقدير الضرر الأول.
وقد يحدث أن تكون عناصر الضرر الأصلي متوفرة فقط لم يتم إدراجها أمام الابتدائية أو الاستئنافية وفي هذه الحالة يكون الحكم بالتعويض الإضافي بناءا على طلب المضرور أمرا مقبولا والحكم به لا يتعارض مع مبدأ قوة الشيء المقضي به وقد كان هذا هو النهج الذي يسير عليه القضاء الفرنسي سواء أمام محاكم الموضوع أو بمحكمة النقض وهو نفس نهج المشرع المغربي (40).
لكن هناك إشكال مطروح في الحالة التي يتزايد فيها الضرر نتيجة تدخل المتضرر الذي قد يطالب بالتعويض مرة أخرى بعد حصوله على التعويض الأصلي كقيامه بعملية جراحية لتحسين حالته الصحية فتسبب له ضررا قد يحدث له عجزا عن العمل أو ما شاه ذلك، في هذه الحالة هل يحق للمحكمة أن تقبل طلب المتضرر بالتعويض عن الضرر المتفاقم آم لا؟
يتعارض الاجتهاد القضائي الفرنسي بخصوص ذلك بين الغرفتين الاجتماعية والمدنية بمحكمة النقض، فقد قضت الغرفة الاجتماعية بالحق في التعويض الإضافي بحجة أن الضرر يرتبط بعلاقة مباشرة مع الحادث الأصلي وان العملية الجراحية كشفت فقط عن الضرر الذي لم يتضمنه الطلب الأصلي وعلى خلاف رفضت الغرفة المدنية منح تعويض جديد عما تفاقم من الضرر ووجدت تبريرا لذلك بكون العملية الجراحية لم تكن سببا كافيا في تفاقم الضرر بل إرادة المتضرر في تحسين حالته الصحية هي التي تعتبر سببا في التفاقم.
ومنه يبدو واضحا أن الموقف الأخير للغرفة المدنية هو الذي لاقى الصواب لأنه يتماشى مع المنطق وقواعد العدالة، لأن خضوع المتضرر لتحسين حالته الصحية قد كسر وقطع تسلسل العلاقة السببية وبالتالي أصبح الضرر المباشر هو العملية الجراحية وليست الحادث.

الفقرة الثانية: حالة تناقص الضرر

بخلاف ما سلف ذكره سابقا قد يحدث تناقص في الضرر أما أن يخف أو يزول بعد صدور الحكم النهائي بالتعويض وفي هذه الحالة هل يحق المسؤول عن الضرر أن يطالب بمراجعة التعويض على أساس أن مبلغ التعويض أصبح لا يوازي الضرر الحاصل بعد تناقصه؟
وفي جميع الحالات فان المحكمة سترفض طلب المسؤول بمراجعة التعويض كيفما كان شكله وذلك لأنه من الممكن أن يتخذ هذا الطلب احد الأشكال التالية:

أ‌) قد تكون نية المحكوم عليه بأداء التعويض من خلال مراجعة التعويض هي تقديم طعن ضد الحكم السابق بالتماس إعادة النظر على أساس الخطأ في تقدير الضرر فيكون طلبه مرفوضا لان أسباب إعادة النظر محددة على سبيل الحصر (المادتين 379و402 من قانون المسطرة المدنية) ولم يذكر الخطأ الواقع في هذه الحالة كواحد منها.

ب‌) رفع دعوى الإثراء بلا سبب يطلب من خلالها المحكوم عليها داء التعويض استرداد جزء من التعويض أو كله بدعوى أن سببه كان موجودا ثم زال الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود)،ورغم كل هذه الدوافع فإن دعواه لن تقبل لتخلف احد شروطها وهو السبب القانوني الذي يبرر الإثراء بلا سبب والحال أن المتضرر يستند على سبب قانوني هو الحكم القاضي له بالتعويض وبالتالي فالمتضرر له الحق في الإحتفاظ بالتعويض كله ولو نقص الضرر أو اختفى نهائيا.

ج) رفع دعوى جديدة تعاد فيها إثارة النزاع دون التعرض للحكم السابق تكون غير مقبولة متى كانت تخالف هذه الأخيرة لأنها تخرق قوة الشيء المقضي به إذا تمسك المتضرر بالفصول 451 إلى 453 من قانون الالتزامات والعقود .

وعلى أي حال يمكن الحسم أن دعوى المسؤول عن الضرر سترد كيفما كان أساسها ويظل المتضرر محتفظا بتعويضه وقد سار على نفس النهج أيضا القضاء الفرنسي وتجدر الإشارة إلى أن الأمر يعتبر نشازا لأن المحكمة تخطئ حيث تقدر التعويض نهائيا ولا تقبل مراجعته في حالة تناقصه أو اختفاءه كليا وهذا يؤدي حتما إلى انعدام العدالة.
وعموما فمحكمة الموضوع لا تملك سلطة مراجعة التعويض المحكوم به إلا في حالة احتفاظ الأطراف بهذا الحق فإما أن تحكم بتعويض إضافي في حالة تزايد الضرر وهو لا يعتبر مراجعة للحكم الأول وبالتالي ليس خرقا لمبدأ قوة الشيء المقضي به لان موضوع الدعوى جديد فهو ضرر دخل نتيجة التفاقم وإما أن ترد طلب المسؤول عن الضرر في حالة تناقضه أو اختفاءه تطبيقا لمبدأ قوة الشيء المقضي به.

لائحة المراجع

– مصطفى الكيلة” التقدير القضائي للتعويض دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية، منشورات مجلة الحقوق المغربية سلسلة دراسات قضائية العدد الأول ط1 مطبعة الأمنية الرباط 2008
– محمد إبراهيم دسوقي” تقدير التعويض بين الخطأ والضرر
– إبراهيم زعيم الماسي” تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية
– محمد سعد جندري: الطرد التعسفي للأجير بين التشريع والقضاء بالمغرب، الطبعة الأولى 2002
– نبيل إسماعيل عمر: سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية منشأة المعارف الإسكندرية الطبعة الأولى، 1984
– عبد الرحمان الشرقاوي: القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي الكتاب الأول مصادر الالتزام الجزء الثاني الواقعة القانونية.
– قانون الالتزامات والعقود بعد مرور 100 سنة الطبعة الأولى
– عبد القادر العرعاري مراجعة السومة الكرائية على ضوء قانون 67/12

– الحاج الكوري: أحكام عقد الشغل.
—————————————————————————-

مواضيع أخرى قد تهمك:
+     دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي
+    موضوع اختصاصات قاضي التوثسق
—————————————————————————-
(1)   محمد سعد جنردي” الطرد التعسفي للأجير بين التشريع والقضاء بالمغرب، الطبعة الأولى 2002،ص:165
(2)   إدريس لكريني، السلطة التقديرية للقاضي الزجري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، نوقشت بكلية الحقوق بفاس، سنة 2001،ص:6
(3)    هذا التعريف هو لأ”رزالي” كما أورده إدريس لكريني، مرجع سابق،ص:6
(4)    نبيل إسماعيل عمر
(5)    إدريس لكريني، مرجع اسبق،ص:6
(6)    إدريس لكريني، مرجع اسبق،ص:6
(7)    إدريس لكريني، مرجع اسبق،ص:6
(8)     محمد سعد جنردي، مرجع سابق،ص:168
(9)    عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة الالتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الكتاب الأول مصادر الالتزام، الجزء الثاني، الواقعة القانونية، ص:412
(10)    عبد الرحمان الشرقاوي، مرجع سابق،ص:412
(11)    عبد الرحمان الشرقاوي، مرجع سابق،ص:413
(12)   الأستاذ مصطفى الكيلة، التقدير القضائي للتعويض، دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المعدنية، الطبعة الأولى 2008،ص:163
(13)     الأستاذ مصطفى الكيلة، المرجع السابق،ص:164
(14)     الأستاذ مصطفى الكيلة، المرجع السابق،ص:165
(15)     الأستاذ مصطفى الكيلة، المرجع السابق،ص:165
(16)     الأستاذ مصطفى الكيلة، المرجع السابق،ص:165
(17)   نبيل إسماعيل عمر: سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية، منشأة المعارف الإسكندرية، الطبعة الأولى، 1954،ص:514
(18)   مصطفى الكيلة” م.س.ص، 101، وما بعدها
(19)   نقض 15 مارس 1976،27،ص:650ء00 أشار إليه: عدلي أمير خالد، الإرشادات العلمية في الدعاوي المدنية منشأة المعارف الإسكندرية،ص:407
(20)    مصطفى الكيلة” م.س.ص:104
(21)    مصطفى الكيلة” م.س.ص:120
(22)    عبد القادر العرعاري” المسؤولية المدنية، الطبعة الثانية، 2014 ،ص:115 وما بعدها.
(23)    إبراهيم زعيم الماسي” تقديم التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية، ص:33
(24)    عبد القادر العرعاري” م.س.ص:51
(25)   يراد بالضرر المتوقع الضرر الذي يكون حصوله احتماليا، وتوقعه ممكنا وهذا ما يميزه عن الضرر غير المتوقع الذي لا تتحقق فيه هذه الصفات.
(26)     عبد القادر العرعاري، م.س.ص:54
(27)    مصطفى الكيلة” م.س.،ص:133 أو ما بعدها
(28)   محمد إبراهيم دسوقي، تقدير التعويض بين الخطأ الضرر ،ص:405 وما بعدها.
(29)   محمد إبراهيم دسوقي” م.س.ص:405
(30)    إبراهيم زعيم الماسي” م.س.،ص:34
(31)    مصطفى الكيلة” التقدير القضائي للتعويض الطبعة الأولى 2008، ص:50/51
(32)    نصت المادة 1152 من القانون المدني الفرنسي، على انه بالنسبة للالتزام الذي يكون محله مبلغ من النقود لا تتجاوز التعويض اللازم لجبر التأخر في تنفيذه الفوائد القانونية مع مراعاة القواعد الخاصة بالتجارة والعادات.
(33)    حيث كانت نسب الفوائد القانونية محددة بمقتضى تشريع 3 دجنبر 1807 في 5 في المائة في المسائل المدنية و6 من المائة في المسائل التجارية تم خفضت هذه النسب إلى 4 في المائة في الأولى و 5 في المائة في الثانية بتشريع ابريل 1900 ثم أعيده إلى 5 في مائة و6 في تشريع 1918، ثم عاد إلى 4 في مائة و 5 في مائة بمرسوم 1935 تم صدر تشريع رقم 75/619، 1975 الذي ألغى نسب السابقة وحدد نسب الفوائد بالمقياس إلى سعر الخصم في بنك فرنسا إلى أن صدر تشريع 5 يوليوز 1989، المذكور أعلاه.
(34)    مصطفى الكيلة” المرجع السابق،ص:58ء56
(35)   الحاج الكوري” أحكام عقد الشغل ، ص:216/217
(35)   قانون الالتزامات والعقود بعد مرور 100 سنة، ص:434
(36)   مصطفى الكيلة” التقدير القضائي للتعويض، دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية، منشورات مجلة الحقوق المغربية سلسلة (37)دراسات قضائية العدد الأول، نونبر 2008،ص:177
(38)   مصطفى الكيلة” المرجع السابق،ص:179/180
(39)   مصطفى الكيلة” المرجع السابق،ص:181 وما بعدها.

                                                                                                          www.bibliojuriste.club

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الأمن القضائي ودوره في تحقيق التنمية

الأمن القضائي ودوره في تحقيق التنمية   مقدمة: لقد أوضحت التجربة وبينت جليا أن مصلحة ...